العقيدة الإسلامية وأثرها في بناء الفرد والمجتمع

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,287
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
العقيدة الإسلامية وأثرها في بناء الفرد والمجتمع
للشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
-حفظه الله تعالى-
[الشريط مسموع ]
https://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_sounds/single2/ar_3aqeda_Islameya_Wa_Atharoha.mp3

التفريغ لمن شاء المتابعة قراءتا
......................
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي بعث محمدا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا أهل وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم مزيدا.
أما بعد:
فأسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وممن إذا أذنب استغفر، وأسأله سبحانه وتعالى أن يعيذنا من مضلات الفتن، وأن يجعلنا من الذين اهتدوا بهداه، نعوذ بك ربي أن نضل أو نُضَل أو نزل أو نُزَل أو نجهل أو يُجهل علينا، اللهم فأعذنا.
هذا وإن موضوع هذه المحاضرة موضوع مهم؛ لأنه متصل بالعقيدة، فعقيدة الإسلام وبيان ذلك أهم وأوجب ما يعلمه العبد ؛ لأن بها صحة إيمانه وصحة إسلامه، والعبد بلا عقيدة كالجسد بلا روح؛ لأن العقيدة هي أساس قيام الأعمال، فكل عمل ليس على أساس عقدي صحيح فإنه غير مقبول، لأن الله جل وعلا قال لنا (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[النحل:97] قال (مَنْ عَمِلَ) ثم قال (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) فلابد في العمل من أن يكون العبد مؤمنا، ومعنى كونه مؤمنا أن يكون ذا عقيدة صحيحة، عقيدة إسلامية واضحة التي هي عقيدة الإيمان.
ولهذا قال لنا علماؤنا علماء أهل السنة والجماعة: إن العقيدة الإسلامية مبنية على فهم أركان الإيمان، فمن آمن بأركان الإيمان الستة وحقّق ذلك فقد حقق العقيدة الإسلامية الحقة، وأركان الإيمان هي أركان العقيدة.
فإذا اعتقد العبد الاعتقاد الصحيح بالله جل وعلا؛ فآمن بالله جل وعلا ربا، وآمن به جل وعلا إلها وحده لا شريك له، وآمن بأسماء الله جل وعلا وبصفاته وأنه سبحانه لا مثيل له في أسمائه وصفاته ولا ند له ولا سمي له ولا كفؤ له جل وعلا.
وآمن بأنه سبحانه أرسل رسلا، جعلهم هداة إلى الخلق هداة للخلق إلى الله جل وعلا، فمن أطاعهم استحق الجنة و من عصاهم استحق النار.
وآمن بالملائكة وآمن بالكتب وآمن باليوم الآخر وآمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى فإنه على خير؛ لأن هذه الأركان أركان الإيمان هي أساس عقيدة الإسلام.
لهذا إذا قبل لك ما هي العقيدة؟ فقل العقيدة هي أركان الإيمان الستة، فأركان الإيمان الستة من فهمها وفهم تفصيل الكلام حولها علم العقيدة الإسلامية ولهذا بنى علماؤنا رحمهم الله تعالى بيان العقيدة الإسلامية بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على ما دلت عليه النصوص، بنوها على أركان الإيمان الستة، وما يتصل بذلك من مباحث كما سيأتي مبيّنا إن شاء الله تعالى.
لهذا أؤكد على أهمية دراسة هذا الموضوع، وأن كل واحد منكم يعتني بالعقيدة، يعتني بها حفظا ويعتني بها تعلما ولا عيب على كبير أن يجلس إلى أهل العلم يتعلم العقيدة بجميع ما في أركان الإيمان من مباحث؛ لأن هذا معه النور في القلب، وكلما قويت العقيدة قوي النور في القلب؛ لأن حقيقة العقيدة هي ما تعقد عليه القلب من المعلومات، من الأخبار، من استسلامك لله جل وعلا؛ لأن الإيمان بالله جل وعلا وبملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، هذا إذا آمن به العبد فقد عقد قلبه على أمر صحيح لا غلط فيه، وأما إذا لم يعقد قلبه في الله جل وعلا على معتقد صحيح، إما من جهة استحقاق جل وعلا للألوهية وحده، وإما من جهة نفي بعض الأسماء والصفات أو تحريف ذلك، وعدم الإستسلام لما دلت عليه النصوص، أو قدم العقل على كلام الحق فإنه لم يحقق الإيمان بالله.
كذلك إذا لم يؤمن بما جاءت به النصوص في الكلام على اليوم الآخر وأجرى ذلك على ظاهره لأنه أمر غيبي، فإن قلبه لم يعقد على الإيمان عقدا صحيحا.
ولهذا ترى أن كثيرا من أهل العلم يعبّرون عن العقيدة والإيمان بمثل هذا الموضع بقولهم: هذا عقد الإيمان. يعني هذا الذي يكون المؤمن معه عاقدا قلبه عليه.
وإذا عقدت قلبك على علم فإن ذلك معناه المحافظة عليه بشيء لا ينفك عن القلب.
لهذا نعرض لبيان العقيدة الإسلامية بعامة على منهج أهل السنة والجماعة، ومنهج أهل السنة والجماعة مبني على دلالات النصوص، لهذا بنوا عقيدتهم في أركان الإيمان؛ بل وفي كل الأخبار الغيبية وما يُعتقد، بنوا ذلك على الاستسلام للنص، وهذا أصل عظيم مبدئي فارق فيه أهل السنة والجماعة غيرهم؛ لأن الناس في تحديد مصدر الاعتقاد، نعتقد بناء على ماذا؟ اختلفوا:
أهل السنة من الصحابة رضوان الله عليهم التابعون لهم بإحسان ومن تبعهم وأئمة الإسلام كالإمام مالك والشافعي وأحمد وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والليث والأوزاعي وإسحاق و بن خزيمة وجماعات وابن جرير وجماعات قالوا: العقيدة تبنى على الكتاب وعلى صحيح السنة. يعني على ما ثبت في السنة.
وأما غيرهم فقالوا: مصدر تلقي العقيدة الإسلامية يكون بالعقل أولا ثم بالنص ثانيا، فالعقل عندهم يقدم على دلت عليه النصوص لشبهة قامت عندهم في ذلك.
ولكن الحق أنه لا أحد يُخبر عن الله جل وعلا وعن رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن الملائكة ولا عن الأمور الغيبية أعلم من الله جل وعلا، هل ثم أعلم من الله جل وعلا؟ هل ثم أصدق من الله جل وعلا؟ هو سبحانه أصدق وأعلم من يخبر عنه جل وعلا (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا)[النساء:87] (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً)[النساء:122]، فالله سبحانه وتعالى يجب أن نستسلم لخبره، فما أتانا منه جل وعلا من الأخبار فهو المصدق، كما قال سبحانه (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ)[الأنعام:115] صدقا في الأخبار وعدلا في الأمر والنهي.
فكل خبر أخبر الله جل وعلا به وأخبر به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو صدق وحق، لهذا أول درجات العقيدة الإسلامية الصحيحة أن تتبين منهج تلقي هذه العقيدة؛ نتلقى العقيدة ممن؟ من شيخ أو نتلقى العقيدة من عقل أو نتلقى العقيدة من بلد؟ العقيدة تُتلقى من مصدر العقيدة وهو كلام الرب جل وعلا وكلام المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه قضية يجب أن تكون مسلمة عندنا في أي مسألة نعرض فيها للعقيدة، إذا قال لك قائل: هذا هو كذا في أمور الاعتقاد في ألوهية الرب جل وعلا أو في صفاته أو في القدر أو في اليوم الآخر، فقل ما النص؟ ما الدليل؟ لأن هذه الأمور غيبية والغيب هل يخبر عنه بشر؟ لابد أن يخبر عنه من يعلم الغيب وهو الله جل وعلا، أو من أظهره الله جل وعلا على الغيب، كما سبحانه (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ)[الجن:26-27].
فإذن تحديد مصدر تلقي العقيدة الإسلامية يجب أن يكون مسلَّما، وهو كلام الرب جل وعلا، وكلام المصطفى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، وما أبردها على القلب، وما أحسنها على القلب، لهذا أجمع أهل السنة والجماعة وأئمة الإسلام على أننا لا نتجاوز القرآن والحديث، أن نُمر ما جاء من الأمور العقدية والأمور الغيبية، وأن لا نتجاوز القرآن والحديث، فإذا جاءنا أحد بشيء من العقيدة بشيء من أمور الغيب بشيء من التصرفات للمخلوقات أو بشيء من أحوال ما لا نرى، فنقول له: ما الدليل على ذلك؟ ماذا قال ربنا؟ ما الذي أعلمك؟ كيف علمت هذا؟
الدليل محدد، مصدر تلقي العقيدة الكتاب ومقبول السنة يعني و صحيح سنة المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ)؛ يعني في الأخبار، في العقائد، و كذلك في الأحكام في الأمر والنهي (وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)[الحشر:7] عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
إذن فمبنى كلامنا على عقيدة الإسلام هو ما دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة.
فإذن هذا الأصل يمشي معنا في كل مسألة نعرض فيها لأمور الاعتقاد.
لهذا نقول أولا: إن العقيدة لما قامت على أركان الإيمان السنة فإن أركان الإيمان الستة جاءت مبينة في الكتاب وجاءت مبينة في سنة المصطفى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، قال الله جل وعلا (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)[البقرة:177]، الآية وقال جل وعلا (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)[البقرة:285] وقال جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّه) بل قال في آخر الآية (وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا)[النساء:136]، فذكر أن الكفر بأركان الإيمان أبعد الضلال وذلك لأن هذه الأركان هي هذه الأمور هي أركان الإيمان، وقال جل وعلا في موضع آخر في بيان القدر قال سبحانه (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)[الفرقان:2]، وقال جل وعلا (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)[القمر:49].
فإذن أركان الإيمان الستة دليلها كثير في الكتاب وفي سنة المصطفى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فقد ثبت في الصحيح صحيح مسلم من حديث عمر رضي الله عنه أن جبريل جاء يسأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإيمان فقال له: يا محمد أخبرني عن الإسلام. فقال «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول اله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج بيت الله الحرام» قال: صدقت قال عمر: فعجبنا له يسأله ويصدقه. ثم قال: أخبرني عن الإيمان؟ قال «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتله ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره»، وهذه هي أركان الإيمان الستة وقد جاءت في أحاديث متنوعة، وهذه الأركان الستة هي التي ينبني عليها فهم العقيدة، فلننظر ولنتأمل ماذا يدخل في هذه الأركان الستة من الكلام بما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، نصوص الوحيين العظيمين.
......................................
الإيمان بالله هو أعظم الأركان، والإيمان بالله حتى نتكلم عليه ونُفهمك إياه مرتبط بمعنى الإيمان، ما هو الإيمان؟ الإيمان في هذا الموضع المتعلق بالعقيدة نعني به ما تعقد القلب عليه؛ يعني أن تُصَدِّق تصديقا جازما لا ريب فيه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهذا التصديق لا بد معه من نطق باللسان حتى يصح، ولابد معه من عمل بالأركان حتى يصح ذلك التصديق، وهو ثمرات العقيدة بعامة، ومنه العمل من مسمى الإيمان، كما أن القول من مسمى الإيمان، والإيمان بالله جل وعلا والإيمان بملائكته إلى آخره، هذا معناه أن تصدّق تصديقا جازما بما دلّت عليه النصوص في الله جل وعلا في ذاته سبحانه وفي صفاته وفي أفعاله جل وعلا وبما دلت عليه النصوص في الملائكة وبما دلت عليه النصوص في الرسل والكتب واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى.
الإيمان بالله، لإفهامك معناه بما دلّت عليه النصوص نقول: الإيمان بالله جاء في النصوص على ثلاثة أنواع:
* إيمان بالله في ربوبيته.
* وإيمان بالله في أولوهيته.
* وإيمان بالله في أسمائه وصفاته.

والإيمان بربوبية الله جل وعلا معناه أن تؤمن بأن الله جل وعلا وحده سبحانه هو الرب؛ هو الذي خلق هذا الملكوت، وخلق السماء، وخلق الأرض، وخلق الناس جميعا، خلق المخلوقات التي تراها وخلق ما لم تر كما قال سبحانه (اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ )[الرعد:16] سبحانه وتعالى، وقال أيضا جل وعلا في سورة يونس ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ)[يونس:31]؛ يعني أنهم أقروا بهذه المفردات من مفردات الربوبية وأن الله جل وعلا هو الذي يخلق وهو الذي يرزق وهو الذي يحيي وهو الذي يميت وهو الذي يدبر الأمر وهو الذي يصرف الأشياء على ما يريده سبحانه وتعالى، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن؛ لأنه سبحانه هو الذي خلقها وأمرها إليه يصرّفها كيف يشاء جل وعلا.
فإذن الإيمان بربوبية الله جل وعلا، معناه أن نؤمن بأن الخالق لهذا الملكوت موجود أولا، وهو الذي خلق وحده، وهو الذي ينفذ أمره وحده، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه هو الذي يتصرّف هو الذي يغني يشاء ويفقر من يشاء، هو الذي يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، أصح هذا وأمرض هذا، رفع هذا ووضع هذا، أعطى الملك من يشاء ونزع الملك ممن يشاء، رفع دولة وخفض أخرى، هو الذي يتصرف في هذا الملكوت كيف يشاء.
لهذا المؤمن بربوبية الله جل وعلا يرى تصرف الرب جل وعلا في الملكوت ويعلم أن هذا لحكمة عظيمة يعلمها الرب جل وعلا، وحكمة الله سبحانه وتعالى من صفاته سبحانه وتعالى، فهو جل وعلا لا يتصرّف إلا لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى.
وحكمة الله جل وعلا معناها أنه سبحانه يضع الأمور التي يدبرها في مواضعها اللائقة بها الموافقة للغايات المحمودة منها.
إذا قلت وضع الشيء في موضعه فهذا عدل، وإذا وضع الواضع الشيء في موضعه ليوافق الغاية المحمودة منه فإن هذا حكمة، والله سبحانه وتعالى فيما يتصرف فيه في ملكوته هو الذي يتصرف وحده، أمره نافذ ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن سبحانه وتعالى.
إذا تبين لك ذلك وعلمت أنه سبحانه هو المتصرف، فانظر إلى ثمرة هذا النوع من الإيمان الموضوع، نقول إيش موضوع المحاضرة:
العقيدة الإسلامية وأثرها على الفرد وعلى المجتمع.
من آمن بالله ربا وأنه هو المتصرف وهو المعطي وهو المانع، فماذا سيحدث في قلبه إذا آمن بربوبية الله جل وعلا على هذا النحو الكامل، سيعظم في قلبه أولا محبة الرب جل وعلا؛ لأنه يرى ربه سبحانه وتعالى هو المتصرف في هذه السموات وفي هذه الأراضين، فيعظم محبته وتعلقه بالله؛ لأنه تعلّق بالقوي الأقوى، ولهذا جاء في الأثر أن المؤمن لو كادته السموات والأرض لجعل الله له من بينها مخرجا.
(واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء فلن ينفعوك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله لك رفعت الأقلام وجفت الصحف).
 
آخر تعديل:
رد: العقيدة الإسلامية وأثرها في بناء الفرد والمجتمع

الإيمان بربوبية الله جل وعلا وأنه هو المتصرف في هذا الملكوت يثمر في قلبك التوكل عليه جل وعلا، يثمر في قلبك تفويض الأمر إليه سبحانه وتعالى، فالأمة بل الفرد أولا المؤمن بالله جل وعلا ربا إيمانا كاملا فهو مفوّض أمره إلى الله جل وعلا، كما قال العبد الصالح (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)[غافر:44]، وكما قال شعيب (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)[هود:88]، تتوكل على الله جل وعلا، تفعل الأسباب التي جعلها الله جل وعلا أسباب لحدوث المسببات، تفعل العلل التي جعلها الله جل وعلا، عللا لمعلولاتها، وتفوض الأمر إلى الله، تتوكل على الله؛ لعلمك أن هذا الملكوت لا يحدث فيه شيء إلا بإذن الرب جل وعلا (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا) إذا نظرت إلى ورقة تتقاذفها الرياح فالله جل وعلا يعلمها (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)[الأنعام:59]، سبحان الرب وتعالى وتقدس، فما أعظمه وما أجله جل وعلا عما يقول الظالمون علو كبيرا.
إذن الإيمان بربوبية الله جل وعلا له أثر على قلب العبد، له أثر على قلبك إذا أعطيت شكرت، وإذا منعت تعلم أن المنع من الله جل وعلا وأن الله ابتلاك، فلتكن إذن فيما أعطيت إياه ممن إذا أعطي شكر، وفيما منعت منه ممن إذا ابتلي ومنع صبر، وهذا حقيقة الإيمان بالله جل وعلا ربا؛ لأن المؤمن بالله جل وعلا ربا دائما قلبه مطمئن بالله جل وعلا.
لهذا سئل بعض السلف: من الصادق في الإيمان؟ من الصادق في إيمانه؟ قال: الذي لا يحركه زيادة عطاء ولا منع عطاء.
من الصادق في إيمانه بالله جل وعلا؟ الذي لا يحرّكه زيادة عطاء ولا نقص عطاء، لعلمه بأن الله جل وعلا هو الذي بيده كل شيء، فمن إذا أعطي فرح في الأرض بغير الحق، وإذا ابتلي قنط ويئس وظن الظنون، وشك الشكوك، فهذا ما حقق الإيمان الكامل بالله جل وعلا ربا، وثمرة الإيمان بالربوبية يطول الحديث عنها وهي من المهمات التي ينبغي لكم أن تتأملوها في القرآن، كلها في القرآن، لهذا يكثر في القرآن ذكر صفات الربوبية، لم؟ حتى تؤمن وإذا آمنت اطمأننت، صار قلبك سليما، صار قلبك متعلقا بالله جل وعلا لا ترى الخلق شيئا.
 
آخر تعديل:
رد: العقيدة الإسلامية وأثرها في بناء الفرد والمجتمع

بارك الله فيك اخي
 
رد: العقيدة الإسلامية وأثرها في بناء الفرد والمجتمع

النوع الثاني من الإيمان: الإيمان بتوحيد الرب جل وعلا في إلهيته، الإيمان بإلهية الله جل وعلا، وهذا النوع من الإيمان هو الذي من أجله بعثت الرسل، ومن أجله أنزلت الكتب.
لأن الإيمان الأول بالربوبية يعني بأن الله وحده هو الرب والمتصرف والخالق والرازق والمعطي والمانع أدركه الجاهليون وأدركه الناس لما يرون من آثار صنعة الله جل وعلا، يرون السماء وعجائب ما فيها، يرون الأرض وعجائب ما فيها، يرى الإنسان تركيب أكله، تركيب جسمه لاشك أنه سيستشكل، يرى أنه جاء بغير اختيار وسيذهب بغير اختيار منه، فليس ثم إلا أن يستسلم للربوبية.
لهذا الربوبية لم تنكرها الأمم، وإنما الابتلاء في هذا النوع الثاني، لهذا قال لنا ربنا جل وعلا (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)[النحل:36] وقال جل وعلا (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الزمر:65]، (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ) يعني يا محمد (وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) من المرسلين والأنبياء (لَئِنْ أَشْرَكْتَ) يعني لئن أشرك الأنبياء أو المرسلون أو أشرك أتباعهم (لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) وهو أعظم الخلق عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فما بعده أولى (وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
إذن فما معنى الإيمان بألوهية الله جل وعلا وحده، معناه أن تؤمن معتقدا جازما في اعتقادك بلا تردد ولا ريب أنّ المستحق للعبادة هو الله جل وعلا، أن المستحق للخضوع والذل والرغب والرهب فما عنده هو الله جل وعلا، لم؟ لأن مقاليد الأمور بيده سبحانه، فإذن الذي يعبد ويتذلل له من بيده الدنيا والآخرة سبحانه وتعالى أنت تريد مصلحتك في الدنيا ومصلحتك في الآخرة.
إذن تتوجه في العبادة لإله واحد هو الذي يملك هذا الشيء، وهو الرب الواحد الأحد الله سبحانه وتعالى.
فإذن معنى توحيد الإلهية، معنى الإيمان بالله إله وحده دونما سواه: أن توحد الله بأفعالك؛ بصلاتك لا تصلي إلا لله، بصيامك لا تصوم إلا لله جل وعلا، بدعائك لا تدعو إلى الله، وبمفردات الدعاء فلا تستغث إلا بالله جل وعلا، إذا واجهتك كربة فاطرق باب الواحد الأحد (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ)[الأنفال:9]، أما المخلوق فهو ضعيف مثلك، هو ضعيف (أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) [وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ](1))[الأعراف:191-192] أيشركون هذه الأشياء (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ) هل الإله يكون من الأرض، إنسان خلق من الأرض، مخلوقات متنوعة أصنام أوثان من الأرض تتخذ إلها من الأرض تعبده وتتوجه إليه وتدعوه وتستغيث به وتذبح له وتتقرب إليه ويتعلق قلبك به إنكار من الرب جل وعلا (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ) قال بعدها سبحانه (هُمْ يُنشِرُونَ)[الأنبياء:21]، أهم ينشرون الموتى، أم هم يحيون حتى يعبدوهم؟ هؤلاء ضعاف مساكين.
فإذن التوحيد الإلهية هذا أعظم أنواع الإيمان، لم؟ لأن الابتلاء حصل به، فالقلب قلب الموحد قلب ذي العقيدة الصحيحة يثمر إيمانه بالله الواحد الأحد وأنه هو الرب المستحق للعبادة دونما سواه، يثمر بأنه لا يرجو رجاء العبادة إلا من الله جل وعلا، لا يرجو حصول شيء خائفا راغبا راضيا إلا من الله جل وعلا، لا يخاف خوف السر إلا من الله جل وعلا.
بعض الناس يخاف خوف السر أن يصيبه الولي بمصيبة، بدون أسباب ظاهرة، كما يفعل الرب جل وعلا، أن يصيبه الجني بشيء بدون أسباب ظاهرة، يخاف مثل هذا الخوف -خوف السر-، وهذا من خوف المشركين، كما قال جل وعلا مخبرا عن قول إبراهيم (وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ)[الأنعام:80]، ثم قال( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ)[الأنعام:81].
إذن ما الذي أحق أن يخاف؟ المشرك، أما المؤمن بالله الواحد الأحد فلا يخاف إلا من الله.
أيضا أنواع الدعاء هل وحّد الله جل وعلا في الإلهية من إذا جاءته مصيبة ذهب إلى وليّ ميت أو إلى نبي ورغب عنده تفريج الكربات؟ الله سبحانه هو الذي يملك السماوات والأرض، وهو الذي جعل لك من كل هم فرجا، كيف يتوجه العبد في دعائه إلى من دون الله جل وعلا، لهذا أوصى النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ابن عباس وهو غلام صغير بالتوحيد الخالص، فقال له عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «إذا سألت فاسأل الله»، إذا سألت فيما لك به حاجة مما لا يقدر عليه المخلوق فاسأل الله وحده، وإذا كان المخلوق يقدر على الشيء فاسأل المخلوق لا بأس؛ ولكن سؤالك للمخلوق على أنه سبب، ولهذا ترى أنه في حياتك -وتأمل هذا- تؤتى من جهة عدم استسلامك لله جل وعلا، تأتي وتطلب من مخلوق طلبا إما واسطة وإما شيء وإما أنه يعطيك مالا أو يعطيك وظيفة أو إلى آخره ويبقى قلبك متعلقا بوجاهته وبقوته وبسُمعته أو أنه يقدر على هذه الأشياء، وتنسى الواحد الأحد، تؤتى من هذه الجهة.
الذي ينبغي إذا سألت المخلوق فيما يقدر عليه، ذهبت للطبيب ليعمل لك الطبيب عملية، تأخذ دواء إلى آخره، هذه أسباب؛ لكن مسبب الأسباب من؟ هو الله جل وعلا، فهو الذي يلين القلوب ويفتح الموصد من الأبواب لتيسير أمرك فيما جاز سببا.
أما الطلب من الأموات ومن الأولياء ومن المدفونين، فهؤلاء منزلتهم إما إلى خير وإما إلى غير ذلك عند الله جل وعلا، وهم لا يُعْطُون من سألهم لأنهم مشغولون بأنفسهم، مشغولون بأنفسهم، إما أن يكونوا في نعيم فلم يجعل الله لهم أن يعطوا الناس، وإما أن يكونوا في غير ذلك فهم مشغولون بأنفسهم، لهذا قال لنا جل وعلا (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الجن:18] نهي، و?أَحَدًا? يقول علماء الأصول إنها نكرة في سياق النفي فتعم كل من صدق عليه أنه أحد، كل أحد لا تدعوه.
إذن الذي يقول لنا أدعوا لا بأس أن تدعو الولي، خالف الآية أو ما خالف؟ لا الله جل وعلا يقول ? وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا? لاشك، لم؟ لأن دعوة غير الله هي حقيقة الشرك، إذا قيل لك ما الشرك؟ فقل هو دعوة غير الله معه؛ بأنواعها من الاستغاثة، ومن الاستعاذة، ومن الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، وأشباه ذلك فكل هذه من أنواع العبادة.
القاعدة العامة لهذا النوع من التوحيد أن تؤمن بأن المستحق لكل نوع من أنواع العبادة هو الله جل وعلا وحده، وأن ألوهية الرب جل وعلا ألوهية بحق، وأن تأليه البشر لغير الله فهو بالباطل وبالظلم وبالعدوان، كما قال لنا ربنا جل وعلا (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ)[الحج:62]، وفي الآية الأخرى (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ) وكأنه لا باطل إلا هذا، دعوة غير الله والباطل وكأنه لا باطل إلا هو (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)[لقمان:30].
لهذا يجب علينا أن نحقق هذا الإيمان بالله جل وعلا إلها وحده دون ما سواه، وهذا معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله يعني لا معبود حق إلا الله، لاحظ لا معبود حق إلا الله؛ لأن الإلهية معناها العبادة لا معبود حق إلا الله، هل معنى ذلك أن ثم معبودات غير الله جل وعلا؟ نعم، المشركون يعبدون يدعون غير الله ويستشفعون بمن لا يملك الشفاعة ونحو ذلك، وهذا شرك بالله جل وعلا.
لهذا توقن إذْ كنت مؤمنا بالله جل وعلا إله واحدا أحدا أن كل المعبودات التي عبدت إنما عبدت بالباطل بالبغي بالظلم بالعدوان، وأن المعبود بحق هو الله وحده دونما سواه.
فخذ هذه معك: عُبد شيء شجر حجر ولي ملك جني إنسي، من عبد مباشرة حقيقة العقيدة الإسلامية إيمانك بأن هذا المعبود الذي توجه إليه بالدعوة أنه عبد بالباطل وأن عبادته هي الشرك بالله جل وعلا.
الشرك: منه شرك أكبر، ومنه شرك أصغر.
الشرك الأكبر بالله جل وعلا هو ترك شيء من أنواع العبادة لله جل وعلا.
أن تذبح لغير الله تذبح للولي يأتي آتٍ إلى قبر ولي فيذبح له، هذا شرك أكبر بالله؛ لأن الذبح لمن؟ الذبح لله؛ إراقة دم، هذه عبودية، عبادة عظيمة، نتقرب إلى الله بها في أيام عيد الأضحى، فهي عبادة عظيمة، صرفها لغير الله تقربا أو ذكر اسم غير الله جل وعلا على الذبيحة، هذا شرك أكبر بالله جل وعلا.
تارة يكون شرك استعانة وربوبية وتارة يكون شركا في الألوهية وكل منها مخرج من ملة الإسلام ومن العقيدة الإسلامية الصحيحة.
النذر، أنواع الدعاء، ولهذا هذه المسألة تحتاج غلى تفصيل، فعليكم ببيانها ومزيد إيضاحها بكتاب التوحيد للإمام المصلح والشيخ الجليل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله؛ لأنه انشغل بهذه المسألة زمانا طويلا، وذهب إلى علماء في مكة والمدينة والبصرة، ولقي، وحقق هذه المسألة، وكتب للأمة كتابا عظيما اسمه كتاب التوحيد فارجع إليه في بيان هذه المسألة مع شرحه.
 
آخر تعديل:
رد: العقيدة الإسلامية وأثرها في بناء الفرد والمجتمع

القسم الثالث من أركان الإيمان بالله : الإيمان بأسماء الله وصفاته :

الإيمان بأسماء الله -جل وعلا- وبصفاته يعني الإيمان بتوحيد الأسماء والصفات ، فما معنى توحيد الأسماء والصفات؟

يعني أن نؤمن بأن الله -جل وعلا- ليس له مثيل في أسمائه ولا في صفاته . فله –سبحانه- الأسماء الحسنى ، وله سبحانه الصفات العلا الجليلة ، وليس كمثله شيء . فهو سبحانه وتعالى متوحد – جل وعلا- في الجلال بكمال الجمال .

أدلة توحيد الأسماء والصفات في الكتاب والسنة :

وتوحيد الأسماء والصفات هو إيماننا بأن الله -جل وعلا- لا مثيل له في أسمائه وصفاته ولا سمي له ولا ند ولا كفو . وأدلة هذا الأصل العظيم كثيرة في الكتاب والسنة كما قال جل وعلا : ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا[ سورة مريم : الآية 65 ] ، وكما قال سبحانه : ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى[ سورة النحل : الآية 60 ] يعني له النعت . المثل في هذه الآية : ﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [ سورة الروم : الآية 27 ] يعني النعت والصفة العليا .

كما قال سبحانه : ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[ سورة الإخلاص : الآية 1 ] يعني أحد في ربوبيته ، وأحد في ألوهيته وأحد في أسمائه وصفاته لا مثيل له جل وعلا : ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ[ سورة الإخلاص : الآية 2 ] يعني الذي تصمد إليه الخلائق في حاجاتها . ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ[ سورة الإخلاص : الآية 3 ] لكمال غناه سبحانه وتعالى . ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[ سورة الإخلاص : الآية 4 ] فليس له كفؤ -جل وعلا- كما قال ، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ سورة الشورى : الآية 11 ]

كثرة الكلام في توحيد الأسماء والصفات :

كثر كلام الناس في توحيد الأسماء والصفات ، لكن الذي دلت عليه النصوص أنه –سبحانه- له الأسماء الحسنى والصفات العلا :﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا[ سورة الأعراف : الآية180 ] ، كما دلت على أن الله -جل وعلا- له أسماء مختلفة المعنى ، وكل اسم مشتمل على صفة غير الصفة التي في الاسم الآخر كما قال سبحانه : ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [ سورة الحشر : الآية 22-24 ] .

وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال « إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة» ( [5] ) نسأل الله الكريم من فضله .

الفرق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية :

وصفات الله –جل وعلا- منها صفات ذاتية وصفات فعلية . فما الفرق بينهما؟ الصفات الذاتية لله -جل وعلا- هي التي لا تنفك عن الموصوف ، يعني لا ينفك الرب -جل وعلا- عن الاتصاف بها ، مثل صفة الوجه جل وعلا : ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ[ سورة القصص : الآية 88 ] ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [ سورة الرحمن : الآية 27 ] .

ومن الصفات الذاتية أيضا صفة اليدين لله جل وعلا : ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ[ سورة المائدة : الآية 64 ] وقال جل وعلا : ﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي[ سورة ص : الآية 75 ] . ومن الصفات الذاتية له -جل وعلا- أيضا الرحمة فإنه سبحانه : ﴿ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ[ سورة الأنعام : الآية 12 ] فهي صفة ذاتية لا تنفك عنه ، فهو رحيم -جل وعلا- في كل وقت وكل حال . ومن صفاته الذاتية –سبحانه- أن له عينين جل وعلا .

وكل ما جاء في الكتاب والسنة من الصفات الذاتية والفعلية نثبته على أساس أنه ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [ سورة الشورى : الآية 11 ] ) . ويقول بعض الناس إن إثبات هذه الصفات والأسماء على ما في الكتاب والسنة يؤدي إلى التشبيه؛ لأنه يجعل صفة الرب -جل وعلا- مثل صفة المخلوق ، فلله وجه وللمخلوق وجه . فنقول : الذي وصف نفسه بهذه الصفات هو الله جل وعلا . ولما وصف نفسه بهذه الصفات قال لنا : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ ، ثم قال : ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾فقد خص صفتي السمع والبصر بعد قوله ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ وفي هذا فائدة عظيمة في توحيد الأسماء والصفات . لِمَ؟ لأن صفتي السمع والبصر مشتركتان بين كل المخلوقات الحية تقريبا . أنت تنظر إلى النملة لها سمع وبصر . هل سمع النملة من جهة أذن لها؟ الجواب : لا ندري مثلا . الذي لا يدري أو يقول لا . وهل نبصرُ النملة حينما تبصرت؟

إذن قولنا إن للنملة سمعا بصرا معناه أن النملة تدرك المسموعات بقدر ذاتها ، وتدرك المبصرات بقدر ذاتها . لكن إذا قيل لنا كيف تشبَّه النملة بالإنسان في السمع والبصر في حين أنها وضيعة حقيرة تطير بنفخة بهواء؟

إذا فإثبات صفتي السمع والبصر المشتركتين بين المخلوقات إثبات لوجودهما ، ومعنى السمع إدراك المسموعات ، ومعنى البصر إدراك المبصرات ، لكن هل سَمْعُ النمل والبعوض وبصرهما مثل سَمْعِ الإنسان وبصره؟ الجواب : لا . هل سمع الطير وبصره مثل سمع الإنسان وبصره؟ لا . هل سمع الملائكة وبصر الملائكة مثل سمع الإنسان وبصره؟ لا . الملائكة تسمع كلام الرب جل وعلا ، إذا أراد الله أن يوحي بالأمر في السماء سُمع له كجر السلسلة على الصفوان ينقذهم ذلك يعني الملائكة . الملائكة يغشى عليها فيفيق جبريل عليه السلام . ثم تفيق الملائكة فتقول الملائكة لجبريل ماذا قال ربكم؟ فيقول : قالوا الحق وهو العلي الكبير ﴿ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ[ سورة سبأ : الآية 23 ] .

إذًا قوله سبحانه : ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ بعد قوله : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ إثبات وجود للصفة ، وليس إثبات مماثلة له ، فكما أن المماثلة منقطعة ما بين مخلوق ومخلوق فهي منقطعة أعظم الانقطاع بين المخلوق وبين الرب الخالق -جل وعلا- . فإذا إثبات الصفات للرب -جل وعلا- إثبات وجود لا إثبات كيفية . ولهذا لا يمكن لمخلوق أن يعلم كيفية اتصاف الله -جل وعلا- بصفاته ، بل هذا إلى الله -جل وعلا- سبحانه .

ولكن يجب علينا أن نؤمن بوجود هذه الصفات ، وبأنه سبحانه متصف بالسمع والسمع معروف المعنى ، ومتصف بالبصر وهو معروف المعنى ، ومتصف سبحانه بالوجه والوجه معروف المعنى ، ومتصف باليدين ومتصف بالعينين -سبحانه وتعالى- على ما يليق بجلاله وعظمته .

الصفات الفعلية :

كذلك الصفات الفعلية ، فقد وصف ربنا نفسه بالاستواء في سبع مواضع من كتابه فقال : ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ[ سورة الأعراف : الآية 54 ] ، وقال -جل وعلا : ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[ سورة طه : الآية 5 ] وقال سبحانه : ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْئَلْ بِهِ خَبِيرًا[ سورة الفرقان : الآية 59 ] ، وهكذا في آيات متعددة كلها في إثبات صفة الاستواء له تعالى .

كذلك الإنسان يستوي كما قال الله -جل وعلا- في سورة المؤمنون : ﴿ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ[ سورة المؤمنون : الآية 28 ] لكن هل استواء المخلوق كاستواء الله؟ لا . فاستواء الله –عز وجل- على عرشه أثبته هو –سبحانه- لنفسه ، ومعناه أن نؤمن بأن الله علا على عرشه علوا خاصا ، ولا سبيل لنا إلى إدراك كيفيته .

أما الذين أوَّلوا ونفوا وعطلوا وحرفوا الكلم عن مواضعه فلم يقم في قلوبهم من إثبات الصفات إلا التمثيل والتشبيه فلذلك حرفوا وأولوا . قالوا لا يعقل أن يصف الله -جل وعلا- نفسه في كتابه ، وأن يصفه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته بما يشبه خلقه .

نعم وصف الله -جل وعلا- نفسه على صفته سبحانه على ما يليق بجلاله وعظمته . ولهذا قال من قال من السلف : كل ما خطر ببالك فالله -جل وعلا- بخلافه . فالإنسان أحيانا تخطر بباله هيآت ويتصور صورا فالله –عز وجل- بخلاف كل ذلك .

والإيمان بتوحيد الأسماء والصفات أن تؤمن بأن لله -جل وعلا- أسماء ، وأن له -جل وعلا- صفات ولكن كما يليق بجلاله وعظمته . وأن هذه الصفات على معناها الظاهر منها لكن لا مماثلة بين صفات الله -جل وعلا- وبين صفات خلقه ، فسبحانه وتعالى متصف بالصفات على ما يليق بجلاله وعظمته .

لهذا من القواعد المقررة عند أهل العقيدة الإسلامية الصحيحة أن القول في الصفات كالقول في الذات فكما أنك تؤمن بوجود الله -جل وعلا- إيمانا مع قطع النظر عن الكيفية فكذلك الإيمان بالصفات إيمان بوجودها وباتصاف الله بها مع قطع النظر عن الكيفية فلا سبيل إلى معرفتها . فكل ما خطر ببالك فالله -جل وعلا- بخلافه .
 
آخر تعديل:
رد: العقيدة الإسلامية وأثرها في بناء الفرد والمجتمع

بارك الله فيك اخي
 
رد: العقيدة الإسلامية وأثرها في بناء الفرد والمجتمع

ثمرة الإيمان بالأسماء والصفات :

فإذا آمن المسلم بالأسماء والصفات فما ثمرة ذلك على نفسه؟ ما ظنكم بمن آمن بأن الله -جل وعلا- هو القوي العزيز ، ماذا سيكون في قلبه؟ إذا آمن المؤمن بأن الله -سبحانه وتعالى- نعني أنه حقق الإيمان في قلبه- بأن من أسماء الله -جل وعلا- الجميل ، وأن من صفاته الجمال . يقول لك ابن القيم -رحمه الله- في نونيته بعد أن ذكر معاني الأسماء والصفات ، وذكر صفة الجمال :

وهو الجميل على الحقيقة كيف لا . . . وجمال سائر هذه الأكوان

مـن بعض آثار الجميل فربهـا . . . أولى وأجدر عند ذي العرفان

فجمال سائر هذه الأكوان بعض آثار صفة الجمال لله جل وعلا ، كما أن قوته سبحانه ظهرت آثارها في خلقه . فالقوة التي عندك أثر من آثار قوة الله جل وعلا ، النور الذي تراه وترى به أثر من آثار نور الله جل وعلا ، الرحمة التي ترى الناس يتراحمون بها أثر من آثار رحمة الله جل وعلا ، العزة التي في بعض المخلوقين أثر من آثار عزة الله جل وعلا .

وهذا يعني أن الله -سبحانه وتعالى- جعل لخلقه من الصفات ما يناسب ذاتهم . فصفات العبد مخلوقة وصفات الرب -جل وعلا- غير مخلوقة . هو سبحانه الواحد الأحد الذي لم يزل ، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم جل وعلا .

ونريد أن نفتح قلوبنا لمعنى الإيمان بالأسماء والصفات فالجمال يعني أن ترى الجمال مربوطا بجمال الرب -جل وعلا- ، إذا كنت يعجبك الجمال فالله -جل وعلا- هو الذي له الجمال المطلق . فما ترى من جمال في المخلوقات لا يعدو أن يكون ذرة من ذرة من ذرة … إلى آخره من جمال الرب جل وعلا . إذا كانت تعجبك القوة في عظيم من العظماء فأين عظمة الرب -جل وعلا- وقوته سبحانه وتعالى .

إذا تذكر المرء أن الله سبحانه يعلم السر وأخفى وآمن بأسماء الله وصفاته ألا يورثه ذلك المراقبة والخوف ، قال جل وعلا : ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ[ سورة يونس : الآية 61 ] ، أليس الله -جل وعلا- هو الشهيد؟ أليس هو عالم الغيب والشهادة السميع البصير الذي يعلم كل مسموع ويبصر كل مبصر ، يبصر ويسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء؟

الإيمان بالأسماء والصفات بين أهل السنة والجماعة والطوائف الضالة :

إذًا الإيمان بالأسماء والصفات عندنا – أهل السنة والجماعة- ليس إيمانا عقليا مجردا كما هو عند الطوائف الضالة ، لا فهو إيمان معه ثمرة . فإذا قصَّر العبد وغشيته معصية وخلط عملا صالحا وآخر سيئا ضعف إيمانه بتوحيد الأسماء والصفات وضعفت آثار إيمانه فإذا تذكر فأناب سريعا ، أو عظمت في قلبه صفة الرب فلجأ إلى الله -جل وعلا- واستغفره وانطرح بين يديه فهذه ثمرة من ثمار الإيمان بالأسماء والصفات .

الإيمان بصفة النزول لله جل وعلا :

ينزل ربنا آخر كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فاستجيب له ، هل من سائل فأعطيه ، هل من مستغفر فأغفر له . فما ظنك بمن آمن بهذه الصفة إذا صلى آخر الليل كيف سيكون شعوره؟ كيف سيكون إيمانه؟ كيف سيكون خشوعه؟ إذا عظم يعظم الشعور بقدر ذلك ، وإذا ضعف يضعف بقدر ذلك .

إذا لا شك في أن للإيمان بأسماء الله وصفاته ثماره على الأفراد ، في صلاح عملهم ، وفي علمهم بالله ، وفي صلاح تقواهم ، وفي أنسهم بالله وفي رغبتهم فيما عنده فيجدون في قلوبهم نورًا ، فيرون الأشياء لا كما يراها الجهلاء . ولهذا يجب علينا إذا مررنا بآية ، أو وقفنا عند آية فيها ذكر الأسماء والصفات أن نتأمل ونتدبر ولا نتعجل ليكون إيماننا بالله -جل وعلا- قويا بهذه الأسماء وهذه الصفات . هذه جملة من ذكر الإيمان بالله أطلت فيها لأنها هي أهم المهمات في هذا الباب .
 
آخر تعديل:
رد: العقيدة الإسلامية وأثرها في بناء الفرد والمجتمع

الإيمان بالملائكة :
معناه أن تؤمن وتعتقد أن لله -جل وعلا- خلقا خلقهم لعبادته ، وأنهم بأمره يأتمرون وأنهم عن نهيه ينتهون ، وأنهم مشغولون بعبادته لا يفطرون؟ كما قال سبحانه في وصف الملائكة في آيات سورة الأنبياء : ﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [ سورة الأنبياء : الآية 27 ] ، مرسلون يرسلهم الله -جل وعلا- إلى ما شاء . فمنهم من هو موكل بالرياح ، ومنهم من هو موكل بالمطر فترى المطر يأتي إلى بلد ويذهب عن بلد ، الله -جل وعلا- يرسل الملائكة بالرياح ويرسلها بالقطر ، تعطي بلدا وتمنع بلدا على حسب ما أراد الرب -جل وعلا- كما قال : ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا[ سورة الفرقان : الآية 50 ] كما قال تعالى : ﴿ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا[ سورة المرسلات : الآية 1 ] .
ومن الملائكة من هو موكل بالموت ، ومعه جنود يعملون معه في قبض أرواح العالمين كما قال سبحانه ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [ سورة السجدة : الآية 11 ] ، وقال في سورة الأنعام : ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [ سورة الأنعام : الآية 61 ]إذًا هو ملك وتحته رسل . سماهم الله -جل وعلا- رسلا .
وما ترى من أحوال في الملكوت فالله -جل وعلا- يأمر به ملائكته وجنوده فيعملون له سبحانه وتعالى ، وينفذون أمره في خلقه . وأمر الله ينفذ بكن ، لكن شاء –سبحانه- لحكمته أن يخلق خلقا لعبادته يجعلهم يأتمرون بأمره ، ويفعلون ما يشاء لا لحاجته إليهم -جل وعلا- كما يحتاج الملوك لأعوانهم ، لكن لإظهار عبودية الخلائق بأنواعها له جل وعلا .
ثمرة الإيمان بالملائكة :
وثمرة الإيمان بالملائكة أن نعلم أن الملائكة يوحدون الله ، يسبحونه يأتمرون بأمره . وهو ما يورث المحبة لهم؛ لهذا يجب علينا أن نحب ملائكة الرحمن جل وعلا ، فبيننا وبينهم محبة وصلة ، والملائكة عند ربنا -جل وعلا- يستغفرون لنا ويحبوننا ، يحبون أهل الإيمان ، ونحن كذلك نحب ملائكة الرحمن كما قال سبحانه في أول سورة غافر : ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ[ سورة غافر : الآية 7 ] ، وقال تعالى في آية الشورى : ﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ[ سورة الشورى : الآية 5 ] .
إذا فبيننا وبين الملائكة محبة؛ لأنهم عباد لله -جل وعلا- لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره سبحانه يعملون . وكل من وُكِّل بأمانة من الملائكة فقد أدى أمانته على ما أمره ربه بها ، لم يخن منهم أحد ولم يقصر منهم أحد ، لذلك معادات أي ملك من الملائكة غير جائز بل هو صفة من صفات الكفرة ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [ سورة البقرة : الآية 98 ] . إذن من لم يؤمن بالملائكة فهو كافر ، ومن عادى ملكا واتخذه عدوا فهو كافر أيضا .
ومن ثمرات الإيمان بالملائكة أيضا المراقبة والخوف لأن من الملائكة من هو موكل بكتابة ما يلفظ به الإنسان ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ سورة ق : الآية 18 ] فيورث العلم بالملائكة الاستحياء والخوف وأشباه ذلك . وإذا غلط العبد فإنه يسرع بالإنابة والاستغفار حتى يمحى ما كتبه الملك عليه . وحتى يثبت ما كتبه الملك له .
 
آخر تعديل:
رد: العقيدة الإسلامية وأثرها في بناء الفرد والمجتمع

الإيمان بالرسل :

الإيمان بالرسل قسمان :

1- إيمان إجمالي .

2- إيمان تفصيلي .

1- الإيمان الإجمالي :

معناه أن نؤمن ونصدق ونجزم غير مترددين ولا شاكين أن الله -جل وعلا- لم يترك خلقه هملا ، بل أرسل إليهم رسلا من البشر فأبلغوهم رسالة الله -جل وعلا- إليهم ، وأن رسل الله -جل وعلا- هم أكرم خلق الله جل وعلا ، وأنه -سبحانه وتعالى- اختارهم ، وأنه أيدهم بالآيات والبراهين والمعجزات ، فأعطاهم ما أعطاهم من الآيات ما على مثله آمن البشر .

ومن هؤلاء الرسل من كانت حجته التأثير في الأمور الكونية ، ومنهم من كانت حجته وبرهانه التأثير في الأمور البدنية ، ومنهم من كانت حجته ومعجزته في كتابه ، ومنهم من ليس له معجزة إلا التحدي العام .

2- الإيمان التفصيلي :

أن نؤمن بكل من سمَّى الله -جل وعلا- من المرسلين . فكل رسول سماه الله -جل وعلا- في كتابه أو جاء في السنة المشرفة نؤمن بأن الله أرسله ، وأن الله أرسل رسلا منهم من علمناه من الكتاب والسنة ، ومنهم من لا نعلمه لأن الله لم يقص علينا خبرهم ﴿ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [ سورة النساء : الآية 164 ] .

والإيمان بأن الرسل أتوا جميعا بدين واحد وهو دين الإسلام : ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ[ سورة آل عمران : الآية 19 ] ، وقال جل وعلا : ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[ سورة النحل : الآية 36 ] ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ[ سورة فاطر : الآية 24 ] .

فإذًا كل رسول جاء بدين الإسلام العام الذي هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله . هذا دين الإسلام العام الذي جاء به كل رسول عقيدة واحدة لكن اختلفوا من حيث الشريعة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «الأنبياء أولاد عَلَّات ( [6] )أمهاتهم شَتَّى ودينهم واحد » ( [7] ) . وقد جاء هذا في القرآن أيضا في قول الحق جل وعلا : ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا[ سورة المائدة : الآية 48 ] .

فنؤمن بمحمد عليه الصلاة والسلام وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين ، ونؤمن بنوح عليه السلام ، وأنه أول المرسلين ونؤمن بأولي العزم من الرسل الذين أخبر الله -جل وعلا- بهم في قوله : ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [ سورة الأحقاف : الآية 35 ] . ونؤمن بموسى وعيسى وبإبراهيم الخليل عليه السلام وبداود ونؤمن بهم ونحبهم ونتولاهم ﴿ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ[ سورة البقرة : الآية 285 ]

الإيمان بكتب الله المنزلة :

كذلك نؤمن بكتب الله -جل وعلا- وأن الله -سبحانه وتعالى- أنزل كتبا جعلها حجة على خلقه . ونؤمن إيمانا خاصا بالقرآن العظيم وأنه كلام الله جل وعلا ، وأن الله جعله مهيمنا على الكتب جميعا كما أخبر بذلك -سبحانه وتعالى- في سورة المائدة : ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [ سورة المائدة : الآية 48 ] .

ثمرات الإيمان بالرسل والكتب :

للإيمان بالرسل وبالكتب وخاصة القرآن وبسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أعظم الأثر في حياة الأفراد والمجتمعات ، فيجب على من آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام رسولا ، وبالقرآن كتابا ألا يأخذ الأمور العلمية ولا الأمور العملية إلا من القرآن ومن سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويؤمن أن الحكم لله -جل وعلا- كما قال سبحانه ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ[ سورة المائدة : الآية 49 ] أحكم بينهم ليس في القضاء فحسب ، بل حتى في الأمور التي يختلف الناس فيها .

فإذا تجادل المسلم مع غيره في أمر من أمور العقيدة فالحكم بما أنزل الله لا بما عند فلان وفلان . فالحكم في الأمور العلمية وفي المخاصمات وفي الأمور العملية يجب أن يكون إلى الله -جل وعلا- إلى كتابه وإلى سنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام الله .
 
آخر تعديل:
رد: العقيدة الإسلامية وأثرها في بناء الفرد والمجتمع

الإيمان باليوم الآخر :

ما معنى الإيمان باليوم الآخر؟ هو أن تؤمن بأن الله -جل جلاله- جعل يوما يُحاسب فيه العباد فيجزي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته . وهذا القدر واجب على كل مسلم أن يؤمن به فهو ركن من أركان الإيمان ، ومن لم يؤمن به فهو كافر . ثم كلُّ من وصله علم يتعلق باليوم الآخر في الكتاب والسنة وجب عليه أن يَعلمه ويؤمن به .

الإيمان بالموت هو بداية الإيمان باليوم الآخر :

ويبدأ الإيمان باليوم الآخر من الإيمان بالموت . فالموت مخلوق موجود ، وهو انفصال الروح عن البدن . وللروح حياتها بعد الموت ، والبدن يكون في التراب . وحالة الروح والبدن بعد الموت ليست كحالتهما قبل الموت ، فقبل الموت الحياة للبدن والروح تبع له فتحس أن البدن يتلذذ والروح تتلذذ تبعا لتلذذ البدن ، إذا أكلت وشبعت تهدأ الروح ، وإذا حصلت شيئا فرحت فيفرح البدن بذلك .

تلذذ البدن بعد الموت تابع لتلذذ الروح :

الروح تلتذ تبعا للبدن في الدينا كما قلنا ، أما بعد الموت فالحياة للروح والبدن معا . ولكن الحياة للروح أصالة والبدن تبع ، فتتلذذ الروح ويصل التلذذ إلى البدن ، وتتألم الروح فيصل الألم والعذاب إلى البدن .

فإذا الإيمان بالنعيم والعذاب بعد الممات واجب ، كما يجب أن يؤمن المسلم بأن الله -جل وعلا- ينعم المؤمنين ويعذب الكافرين ، ينعم المؤمنين بتنعيم أرواحهم في الجنة وأبدانهم في قبورهم كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إنما نسمة المؤمن طائر يعلق فى شجر الجنة حتى يبعثه الله إلى جسده يوم يبعثه» ( [8] ) . وكذلك البدن في القبر فإما في في روضة من رياض الجنة وإما في حفر من حفر النار . وبين الروح والبدن اتصال عجيب لا يعلمه إلا الرب جل وعلا .

الإيمان بالبعث :

إذن يجب على المسلم الإيمان بحياة البرزخ كلها ، وأنه دار نعيم أو دار عذاب . ويؤمن بأن الله -جل وعلا- يبعث العباد ، وأنه -سبحانه وتعالى- ينفخ في الصور أو يأمر أن يُنفخ في الصور نفخة فتصعق الخلائق ، ثم يأمر أن ينفخ فيه أخرى فتستيقظ الخلائق إلى الله -جل وعلا- وتسير إلى موقف الحساب . وبين هاتين النفختين تحصل أشياء .

النفخ في الصور :

النفخة الأولى هي نفخة الصعق والنفخة الثانية هي نفخة البعث . وبين النفخة الأولى والثانية أربعون ، فقد ثبت عنه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة أن «ما بين النفختين أربعون» قال الصحابة لأبي هريرة : أربعون يوما؟ قال : أبيت . قالوا أربعون شهرا؟ قال : أبيت . يعني أبيت أن أقول ما ليس لي به علم ، ثم قال عليه الصلاة والسلام «وكل شيء يبلى من ابن آدم إلا عَجَب الذنب »يعني آخر فقرة أو آخر خلية من خلايا عظام الظهر ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : «فيه يركب الخلق يوم القيامة» ( [9] ) يعني أن الإنسان إذا مات يتحلل بدنه ولا يبقى منه إلا عجب الذنب كأنها بذرة منه في الأرض . هذه البذرة منها يركب الخلق يوم القيامة .

كما قال صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث : «ثم يُنْزِلُ الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل» ( [10] ) ماء من السماء كمني الرجال ينبت هذه البذور تنبت فتصبح كالشجر .

ما يحدث بين النفختين :

وبين النفختين قبل الإنبات تحدث أشياء ، فاقرأ – إن شئت- في القرآن قوله تعالى : ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ * وَألْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ ﴾ [ سورة الانشقاق : الآية 1-4 ] وقوله :﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾ [ سورة الزلزلة : الآية1-2 ] ، وقوله :﴿ إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ ﴾ [ سورة الانفطار : الآية1- 2 ] ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا[ سورة طه : الآية 105 ] .

هذه آيات تحدثنا عما يحدث بين النفختين ، فتتغير الأرض : ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ[ سورة إبراهيم : الآية 48 ] وهو التبديل الأول ، فمن يُدفن وراء الجبال أو يُدفن في السهل على رمل فالأمر واحد؛ لأن الأرض ستكون شيئا واحدا ، ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا[ سورة طه : الآية 105 ] وما أحسن قول ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته في بيان هذا الأمر قال :

وإذا أراد الله إخراج الورى بعد الممـات إلى المعاد الثاني

ألقى على الأرض التي همُ تحتها والله مقتـدر وذو سلطان

مطرا غليظا أبيضا متتابعــا عشرا وعشرا بعدها عشران

فتظل تنبت منه أجسام الورى مثل النبات كأجمل الريحان

حتى إذا ما الأمحان ولادها وتمخضت فنفاسها متدان

أوحى لها رب السماء فتشققت فإذا الجنين كأكمل الشبان

فبعد أن ينفخ في الصور فتهتز هذه الأجسام التي بلا أرواح ، وتعود كل روح إلى جسدها فتهتز الأجسام فينظر الناس ويتلفتون كما قال سبحانه ﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ[ سورة الزمر : الآية 68 ] قيام لأنهم نبتوا ، وينظرون؛ لأن الأرض تغيرت . فينظرون ويتلفتون هل هذه هي الأرض التي عهدوها؟ ﴿ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا[ سورة الزمر : الآية 69 ] .

ثم ينساق الناس إلى مكان الحساب ، فتنصب الموازين وتتطاير الكتب والصحف ويؤتى بالجنة ويؤتى بالنار ، وينزل الرحمن -جل وعلا- ليفصل بين العباد .

فالإيمان باليوم الآخر معناه إيمان بهذا كله إيمان بالصحف ، إيمان بالميزان ، إيمان بالنار ، إيمان بالجنة إيمان بالصراط ، إيمان بكل ما أخبر الله به مما يكون بعد القيامة ، بل في البرزخ ، هذا كله من الإيمان باليوم الآخر . فمن علم ذلك تفصيلا وجب عليه أن يؤمن به تفصيلا .
 
آخر تعديل:
رد: العقيدة الإسلامية وأثرها في بناء الفرد والمجتمع

آخر أركان الإيمان : الإيمان بقدر الله خيره وشره :

ويطول الكلام في هذا الركن ، ويحتاج إلى بيان واسع لكن خلاصته أن معنى الإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله -جل وعلا- عَلِم الأشياء جميعا قبل وقوعها وقبل كونها ، وأنه -سبحانه وتعالى- كتب مقاديرها قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وأنه سبحانه هو الخالق لكل شيء ، حتى الطاعات والمعاصي ، فكل شيء هو خالقه سبحانه؛ لأنه لا يجوز أن يقال : إن ثمة شيئا في أرض الله وفي ملكوته ليس من خلقه جل وعلا .

فيؤمن المسلم حق الإيمان بالقدر أي إن الله –تعالى- قدر الأشياء ، وأنه –سبحانه- يعلم ما ستكون عليه الأمور ، أمور المخلوقات ، المكلفين وغير المكلفين . فعلم سبحانه ذلك لأن علمه –تعالى- بالأشياء أولي ، وكَتَب ذلك في اللوح المحفوظ . وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لو شئت شيئا لا يشاؤه الله -جل وعلا- فلن يكون ، ثم نؤمن بأن الله خالق كل شيء . ومن ذلك الأفعال والطاعات ، وهذا يعني الإيمان بالقدر على مرتبتين .

1- مرتبة قبل وقوع المقدَّر . وهو العلم السابق وكتاب الله جل وعلا .

2- ومرتبة بعد وقوع المقدر أو مقاربة له . وهي خلق الله لكل شيء .

الفرق بين القضاء والقدر :

نقول هذا أمر قضاه الله وقدَّره ، فما الفرق بين القضاء والقدر؟ اختلف العلماء في ذلك ، لكن أقرب ذلك إلى القلوب والأذهان هو أن القضاء من الانتهاء ، والقدر من ترتيب الأمور وتقديرها قبل وقوعها . فالقدر هو مقادير الأشياء قبل أن تقع ، والقضاء إذا وقعت وانتهت ، كما قال سبحانه ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ المَوْتَ[ سورة سبأ : الآية 14 ] ، وقوله ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ[ سورة طه : الآية 72 ] يعني اجعله قضاء مبرما منتهيا . والقاضي يقضي لأنه ينهي الأمور ، ويجعلها على نحو ما ظهر له . فالقضاء هو الإنهاء . نؤمن بالقدر السابق وما يقدره الله علينا ، ونؤمن بالقضاء وهو إنفاذ الله -جل وعلا- لما قدره سبحانه .
 
آخر تعديل:
رد: العقيدة الإسلامية وأثرها في بناء الفرد والمجتمع

خاتمة :

وبعد فهذا عرض موجز لأركان الإيمان أركان العقيدة الصحيحة ، وهو يحتاج منك أيها القارئ العزيز أن تُقبل على تعلمه ، وأن تقبل على فهمه . ولهذا الاعتقاد كما رأيت ثمرات في صحة عملك ، ثمرات في صحة إخباتك لربك ، ثمرات في عبوديتك لربك .

وأيضا له ثمرات ليس في حياة الفرد بل في حياة المجتمع بعامة ، بل وفي الأمم في الدول . فأمة الإسلام لما آمنت بهذا حقيقة وحكمة صارت العقيدة مؤثرة في حياتها فكان من حالها الأول ما كان عليه أهلها .

ويجب علينا اليوم أفرادا ومجتمعات أن نحقق العقيدة الإسلامية في أنفسنا ، بأن نتعلَّمها أولا علما بيِّنا بأدلتها ، وألا نتردد ولا نرتاب في تحقيقها في أنفسنا ، لتظهر ثمرات العقيدة الصحيحة في أنفسنا وفي بيوتنا وفي مجتمعاتنا ، فإن في ذلك الطمأنينة والعلم والنور الذي تراه ﴿ أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأحْيَيْنَاهُ[ سورة الأنعام : الآية 122 ]يعني بالعقيدة أحييناه وبالإيمان الصحيح ، ثم قال تعالى : ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ﴾ لا شك لا يستوي هذا وهذا ﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ[ سورة السجدة : الآية 18 ] هذا هو الجواب . لا يستوى المؤمن مع غيره .

وفي الختام أحض السادة القراء على الاعتناء بالعقيدة ، وعلى أن يكون للعقيدة ثمرة في حياتهم وألا تكون العقيدة مجرد أمور عقلية ، بل لا بد أن يكون لها أثرها في النفس .

وأسأل الله -جلا وعلا- أن يثبت قلوبكم ، وأن يَمن علينا بحسن الاتباع والعمل بما علمنا . اللهم نسألك أن تغفر لنا جميعا ، اللهم أغفر لنا ولوالدينا ، ولأحبابنا جميعا ، اللهم طهرنا من الذنوب والآثام ، وأرفع درجتنا ، فإن صفتك يا ربي المغفرة والرحمة وصفتنا التقصير والمعصية ، اللهم فاغفر لنا جما ، وارحمنا رحمة واسعة واجعلنا من الذين رضيت عنهم فأرضيتهم يا كريم . نعوذ بك أن نَضل بعد الهدى ، أو أن نزيغ بعد ما جاءنا من البينات والهدى . اللهم نسألك أن تصلحنا وتصلح مجتمعاتنا . اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى . اللهم أجعل ما يستقبلونه من الأيام في الأمن والإيمان والهدى ونصرة الدين والشريعة خيرا مما خلفوه واجعلنا وإياهم من الذين يرتفعون كل يوم في درجات الإيمان يا كريم . اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل الطاعة ، ويعافى فيه أهل الغفلة والمعصية ويؤمر فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر . اللهم وارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء وصلى الله وسلم على نبينا محمد .


..............................................................................

( [1] ) أخرجه مسلم : ( 1 / 36 ، رقم 8 ) .


( [2] ) أخرجه تمام الرازي ( 1 / 243 ، رقم590 ) ، وابن عساكر ، والديلمى عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه وفيه يوسف بن السفر متروك يكذب ، وقال البيهقى هو فى عداد من يضع الحديث ، وقال الألباني في الضعيفة( 2 / 132 ) : وهذا موضوع ، المتهم به ابن السفر ، فإنه ممن يضع الحديث . ولعله من الإسرائيليات التي تلقاها كعب بن مالك عن بعض مسلمة أهل الكتاب ، ثم نسبه هذا الكذاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .


( [3] ) أخرجه أحمد ( 1 / 293 ، رقم 2669 ) ، والترمذى ( 4 / 667 ، رقم 2516 ) وقال : حسن صحيح . والحاكم ( 3 / 623 رقم 6302 ) وقال : عال من حديث عبد الملك بن عمير عن ابن عباس . والضياء ( 10 / 25 ، رقم 15 ) . وأخرجه أيضًا : أبو يعلى ( 4 / 430 ، رقم 2556 ) ، وصححه الألباني في مشكاة المصبابيح 3 / 1459 .


( [4] ) أخرجه أحمد ( 1 / 293 ، رقم 2669 ) ، والترمذى ( 4 / 667 ، رقم 2516 ) وقال : حسن صحيح . والحاكم ( 3 / 623 رقم 6302 ) وقال : عال من حديث عبد الملك بن عمير عن ابن عباس . والضياء ( 10 / 25 ، رقم 15 ) . وأخرجه أيضًا : أبو يعلى ( 4 / 430 ، رقم 2556 ) ، وصححه الألباني في مشكاة المصبابيح 3 / 1459 .


( [5] ) أخرجه البخارى ( 5 / 2354 ، رقم 6047 ) ، ومسلم ( 4 / 2062 ، رقم 2677 ) .


( [6] ) أولادُ العَلَّات : الذين أمَّهاتُهم مُخْتَلفةٌ ، وأبوهم واحِدٌ . أرادَ أنَّ إيمانَهم واحِدٌ وشرائِعَهُم مُخْتَلِفة . النهاية : علل .


( [7] ) أخرجه البخاري ( 3 / 1270 ، رقم 3258 ) ، ومسلم ( 4 / 1837 ، رقم 2365 ) .


( [8] ) أخرجه مالك ( 1 / 240 ، رقم 568 ) ، وأحمد ( 3 / 456 ، رقم 15825 ) ، والنسائى ( 4 / 108 ، رقم 2073 ) ، وابن ماجه ( 2 / 1428 ، رقم 4271 ) ، والحكيم ( 1 / 272 ) ، وابن حبان ( 10 / 513 ، رقم 4657 ) ، والطبرانى ( 19 / 64 ، رقم 121 ) ، وأبو نعيم فى الحلية ( 9 / 156 ) .وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته 1 / 468 ، وفي التعليقات الحسان على صحيح بن حبان 7 / 73 .



( [9] ) أخرجه البخارى ( 4 / 1881 ، رقم 4651 ) ، ومسلم ( 4 / 2270 ، رقم 2955 ) .
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top