البيِّنة الجليَّة
في شرح حديث تبييت النية
نصُّ الحديث:
عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ»(١)، وفي روايةٍ: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ»(٢)، ولابن ماجه والدارَقُطْنِيِّ بلفظِ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ مِنَ اللَّيْلِ»(٣).
سند الحديث:
الحديث رواه الخمسة، ورجَّح الترمذيُّ والنَّسائيُّ وَقْفَه، وصحَّحه مرفوعًا ابنُ خزيمة وابنُ حِبَّان، وقال الحاكم في «الأربعين»: «صحيحٌ على شرط الشيخين»، وفي «المستدرك»: «صحيحٌ على شرط البخاريِّ»(٤).
هذا، والحديث مع كونه ورد مرفوعًا وموقوفًا، فإنَّ ذلك لا يضعِّفه على ما ذهب إليه بعضُ أهل العلم، بل ورودُه كذلك سببٌ مُوجِبٌ للقوَّة باعتبار الطرق، كما أشار إليه ابن حزمٍ(٥)، والحديث أسنده عبد الله بن أبي بكرٍ كما ذكره الخطَّابيُّ. قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «والحديث حسنٌ يُحتجُّ به اعتمادًا على رواية الثقات الرافعين، والزيادةُ مِن الثقة مقبولةٌ»(٦).
ترجمة راوية الحديث:
هي أمُّ المؤمنين حفصةُ بنتُ أميرِ المؤمنين عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنهما، العدوية، كان مولدها قبل البعثة بخمس سنين(٧)، تزوَّجها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد خُنَيْس بنِ حُذافة السَّهْميِّ(٨) في سنة ثلاثٍ من الهجرة وطلَّقها تطليقةً، ثمَّ راجعها بأمر جبريل عليه السلام له بذلك، وقال: «إِنَّهَا صَوَّامَةٌ وَقَوَّامَةٌ، وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الجَنَّةِ»(٩)، وكفى بهذا الثناء العظيم لها شرفًا. ولها فضائل وجملةٌ من الأحاديث، توفِّيت سنة (٤٥ﻫ) أو (٤١ﻫ) عام الجماعة، وقيل غيرُ ذلك(١٠).
غريب الحديث:
ـ «بيَّت الصيامَ»: أي: نواه ليلًا(١١).
ـ «يُجْمِع»: أي يعزم، يقال: أجمعتُ على الأمر، أي: عزمتُ عليه، قال الخطَّابيُّ ـ رحمه الله ـ: «يُجْمِع مِن الإجماع، وهو إحكام النيَّة والعزيمة، يقال: أجمعتُ الرأيَ وأَزْمَعْت بمعنًى واحدٍ»(١٢).
ـ «يَفْرِضْه»: من الفرض، وهو الوجوب والإلزام(١٣).
الأحكام والفوائد المستنبطة من الحديث:
يمكن أن نستخرج الأحكام والفوائد مِن هذا النصِّ على ما يأتي:
١) قوله: «فَلَا صِيَامَ لَهُ» يفيد بظاهره أنَّ النفي متوجِّهٌ إلى الصحَّة، لأنَّها أقرب المجازين إلى الذات، أو متوجِّهٌ إلى نفي الذات الشرعية أو نفيِ العمل باعتبار حقيقته الشرعية، والمعنيان متلازمان، لأنَّ الصحَّة كلَّما وُجدت فحقيقة الصيام الشرعيِّ موجودةٌ، وكلَّما عدمت فهي معدومةٌ(١٤).
٢) ومنه يُستدلُّ على وجوب تبييتِ النيَّة وإيقاعها في أيِّ جزءٍ من الليل ليصحَّ الصيامُ، والمسألة خلافيةٌ سيأتي بيانُها.
٣) فيه دليلٌ على أنَّ النيَّة ركنٌ في الصيام، لا يصحُّ إلَّا بها(١٥).
٤) وقوله: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ ...» و«... مِنَ اللَّيْلِ»: دليلٌ يُفْهَم منه عدمُ صحَّة النيَّة قبل بداية أوَّل جزءٍ مِن أجزاء الليل، وهو الغروب ولو بلحظةٍ(١٦).
٥) وبالمقطع السابق نفسِه استدلَّ الجمهورُ على أنَّ الليل كلَّه محلُّ النيَّة ووقتُها(١٧)، خلافًا لأبي الطيِّب بنِ سَلَمة(١٨) مِنَ الشافعية، الذي يرى عدمَ صحَّة النيَّة إلَّا بعد منتصف الليل، إلحاقًا قياسيًّا على أذان الصبح والدفع مِن مزدلفة.
والظاهر أنَّ مذهب الجمهور أقوى:
• عملًا بما يفيده الحديث، ولمرجوحية قول أبي الطيِّب ـ رحمه الله ـ، فقد اتَّفق الشافعيةُ على تغليطه فيها كما ذكره النوويُّ ـ رحمه الله ـ(١٩)، ذلك لأنَّ:
• قياسه ظاهر البطلان:
١ ـ لافتقاره إلى علَّةٍ جامعةٍ بين المقيس والمقيس عليه.
٢ ـ ولأنَّه قياسٌ فاسد الاعتبار لمقابلته للنصِّ.
٣ ـ فضلًا عن نهود الفارق بينهما:
ـ من ناحية اختصاص الأذان بالنصِّ الذي لا تُدْرَك علَّتُه، والدفعِ بالنصف الثاني مِن الليل بترخيصٍ(٢٠) لا يؤدِّي إلى حرجٍ فيه، بخلاف النيَّة فتأخيرُها يؤدِّي إلى تفويت الصوم، لِـما يُعلَم مِن استغراق كثيرٍ مِن النَّاس النصفَ الثانيَ بالنوم.
ـ ولأنَّ الأذان والدفع يجوزان بعد الفجر بخلاف نيَّة الصوم، فافترقا.
٦) يستفاد من لفظ «التبييت» و«إجماع النيَّة» في الحديث: الإشارةُ إلى محلِّها وهو القلب، ومنه يُستدلُّ على أنَّ حصول النيَّة فيه كافيةٌ مِن غير حاجةٍ إلى تلفُّظ باللسان، سواءٌ هَمْسًا كان أو جهرًا(٢١).
٧) قوله: «قَبْلَ الفَجْرِ» و«مِنَ اللَّيْلِ»: يُفْهَم منه عدمُ صحَّة النيَّة بعد الفجر وانقضاء الليل ولو بلحظةٍ، وهو مذهب الجمهور، خلافًا لأبي حنيفة الذي يرى أنَّ صوم رمضان يتأدَّى بنيَّةٍ مِن بعد غروب الشمس إلى منتصف النهار ـ على ما سيأتي تفصيله ـ.
٨) ومن المقطع السابق يظهر عدمُ صحَّة صومِ مَن ظهر له وجوبُ الصيام من النهار، كالحائض والنفساء إذا طَهُرَتا في أثناء النهار والمجنونِ يفيق والصبيِّ يحتلم والكافرِ يُسلِم، وكمن انكشف له مِن النهار أنَّ ذلك اليوم مِن رمضان، فإنَّه يجب عليهم القضاءُ، وبهذا قال الشافعية(٢٢)، خلافًا لأبي حنيفة وأصحابه فإنَّهم يعتبرون صومَ مَن نوى قبل منتصف النهار صحيحًا ـ كما سيأتي ـ.
٩) وقوله: «فَلَا صِيَامَ لَهُ»: نكرةٌ في سياق النفي رُكِّبت مع «لا» النافية للجنس فَبُنِيت على الفتح، والنكرة إذا كانت كذلك فهي نصٌّ صريحٌ في العموم(٢٣)، فيَعُمُّ كلَّ صيامٍ، ولا يخرج عنه إلَّا ما قام الدليل على أنَّه لا يُشترط فيه التبييت.
ومِن هذه الصيغة عمَّم مالكٌ وزُفَرُ وداودُ الظاهريُّ والمُزنيُّ التبييتَ لسائر أنواع الصيام، الفرضِ والنفل والقضاء والكفَّارة والنذر معيَّنًا كان أو مطلقًا، وعليه استدلُّوا بالحديث على عدم جواز صوم النفل إلَّا بنيَّةٍ مِن الليل كالفرض، لعدم قيام الدليل على التخصيص، وبهذا قال ابن حزمٍ وتابعه الصنعانيُّ والشوكانيُّ(٢٤)، وهو مرويٌّ عن ابن عمر وجابر بن زيدٍ التابعيِّ وغيرهما، خلافًا لجمهور العلماء القائلين بصحَّة صوم النفل بنيَّة النهار وعليه جمهورُ السلف، وهو مرويٌّ عن عليٍّ وابن مسعودٍ وأبي أيُّوب الأنصاريِّ وابن عبَّاسٍ رضي الله عنهم(٢٥)، استنادًا لدليلٍ مخصِّصٍ لعموم النيَّة الذي رواه مسلمٌ من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ذات يومٍ فقال: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» قلنا: «لا»، فقال: «فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ»، ثمَّ أتانا يومًا آخَرَ، فقلنا: «أُهْدِيَ إِلَيْنَا حَيْسٌ»، فقال: «أَرِينِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا»، فأكل(٢٦)، ولم يكن طَلَبُه للطعام عبثًا، وإنَّما كان لإرادة الأكل، فلمَّا لم يجد نوى الصومَ(٢٧)، ويؤيِّد تخصيصَ عموم حديث النيَّة ـ جمعًا بين النصوص ـ روايةُ: «إِذًا أَصُومُ»، ومعناه: أبتدئ نيَّةَ الصيام، وقد رواها الدارقطنيُّ والبيهقيُّ وقالا: «هذا إسنادٌ صحيحٌ»(٢٨)، كما استدلُّوا بحديث سَلَمة بن الأكوع رضي الله عنه(٢٩) في جواز صوم عاشوراء بنيَّةٍ من نهارٍ.
والمختار ـ عندي ـ مذهبُ مَن تمسَّك بعموم التبييت وعدمِ العمل بخصوص حديث عائشة رضي الله عنها، لاحتماله أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم قد نوى الصومَ مِن الليل، وإنَّما أراد الفطرَ لمَّا ضعف عن الصوم، ذلك لأنَّ لفظة: «إذًا» صلةٌ ـ عند أهل اللغة ـ إذا كانت متوسِّطةً، وعليه يُحمل المعنى على أنَّه خبرٌ عن صيامٍ متقدِّمٍ لا صيامٍ ابتدأه لوقته(٣٠)، وتؤيِّد هذا المعنى روايةُ: «فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا» ورواية: «قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا»، وفي أخرى: «أَمَا إِنِّي قَدْ أَصْبَحْتُ وَأَنَا صَائِمٌ»(٣١)، وليس في الحديث ـ أيضًا ـ أنَّه أصبح مفطرًا ثمَّ نوى الصومَ نهارًا، فلو كان كذلك لبيَّنه ولنُقل إلينا.
ثمَّ إنَّ حديث حفصة رضي الله عنها أمرٌ قوليٌّ وحديث عائشة فعلٌ محتملٌ، و«طَاعَتُهُ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي أَمْرِهِ أَوْلَى مِنْ مُوَافَقَتِهِ فِي فِعْلٍ لَمْ يَأْمُرْنَا بِمُوَافَقَتِهِ فِيهِ بِاتِّفَاقِ المُسْلِمِينَ»(٣٢)، وخاصَّةً مع وجود الاحتمال السابق، لأنَّ «المُحْتَمَلَ يُرَدُّ إِلَى العَامِّ»، وحديث عائشة أعمُّ مِن أن يكون بيَّت الصومَ، ولا يمكن الاحتجاج بمذهب الصحابيِّ في هذه الحال، لأنَّه ظهر له مخالِفٌ مِن الصحابة، إذ المقرَّر في الأصول: «أَنَّ الصَّحَابَةَ إِذَا اخْتَلَفُوا لَمْ يَجُزِ العَمَلُ بِأَحَدِ القَوْلَيْنِ إِلَّا بِتَرْجِيحٍ».
ورواية: «إِذًا أَصُوم» قد رَدَّ إسنادَها ابنُ التركمانيِّ بقوله: «كيف يكون صحيحًا وفيه سليمانُ بن معاذٍ، ويقال له: سليمان بن قرم، قال ابن معينٍ: ليس بشيءٍ، وفي «الميزان»: قال ابن حبَّان: كان رافضيًّا، ومع ذلك يقلِّب الأخبارَ؟»(٣٣).
وقد بيَّن الألبانيُّ ـ رحمه الله ـ بأنَّ الجمهور ضعَّفوه، وقال: «هو بلا شكٍّ سيِّئُ الحفظ، فيمكن الاستشهاد بحديثه، وأمَّا الاحتجاج به فلا»(٣٤).
قلت: ولو صحَّ لوجب تقديمُ الروايات الأصحِّ عليه، منعًا للاضطراب ودفعًا للشذوذ.
وأمَّا الاستدلال بحديث عاشوراء فخارجٌ عن محلِّ النزاع، لأنَّ المتنازَع فيه إنَّما هو الصيام الواجب المقدورُ عليه، وإيقاع النيَّة مِن نهارٍ في صوم عاشوراء بعد النداء إنَّما صحَّ ضرورةً لأهل الأعذار ـ كما سيأتي ـ.
وعليه يتعيَّن البقاءُ على الأصلين المتمثِّلين في عموم حديث التبييت ـ من جهةٍ ـ، وعدمِ الفرق بين الفرض والنفل والقضاء والنذر ـ من جهةٍ أخرى ـ ما لم يقم ما يرفعهما(٣٥)، و«النَّصُّ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ بِمَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ إِلَّا إِذَا كَانَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ خَالَفَهُ».
١٠) في الحديث دليلٌ ـ أيضًا ـ على وجوب تبييت النيَّة لكلِّ يومٍ باعتبار أنَّ صوم كلِّ يومٍ عبادةٌ مستقلَّةٌ، وإلى هذا القول ذهب أبو حنيفة والشافعيُّ وروايةٌ عن أحمد والأبهريُّ مِن المالكية(٣٦)، وخالف في الاستدلال بهذا الحديثِ مالكٌ وإسحاق وروايةٌ أخرى عن أحمد، حيث يرى هؤلاء إجزاءَ الصوم بنيَّةٍ واحدةٍ لجميع الشهر في أوَّله باعتبار أنَّ صوم الشهر عبادةٌ واحدةٌ، عملًا بقياس الصوم على الحجِّ في إجزائه بنيَّةٍ واحدةٍ، واستنادًا إلى قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»(٣٧)، إذ ليس للعامل مِن عمله إلَّا ما نواه وقد نوى صيامَ شهرٍ(٣٨).
والمختار المذهب الأوَّل، لأنَّ الذي يدلُّ على أنَّ كلَّ يومٍ عبادةٌ مستقلَّةٌ لا أنَّ الشهر كلَّه عبادةٌ واحدةٌ: أنَّ فساد بعض أيَّام الشهر لا يَلزم منه فسادُ الكلِّ أو البعض الآخَر، ولأنَّه لو وطئ الصائمُ امرأتَه في أيَّامٍ متعدِّدةٍ لتعدَّدت الكفَّارةُ عليه، ولا تتعدَّد إلَّا إذا كان كلُّ يوم عملًا برأسه(٣٩)، ولأنَّ الشهر قد يتخلَّله في ليله ما لا يُباح في نهاره كالطعام والشراب والنكاح، الأمر الذي يفارق فيه الحجَّ باعتباره عملًا واحدًا، والإخلال بأحد أركانه يقتضي فسادَه كلِّيَّةً، ولذلك تجزئ فيه النيَّةُ الواحدة، على أنَّ «نِيَّةَ العَامِلِ لَا تُصَحِّحُ فَسَادَ العَمَلِ» ولو كانت صالحةً أو حسنةً.
فقه الحديث:
اتَّفق العلماء على أنَّه لا يجوز تأخيرُ نيَّةِ صومِ الكفَّارة وقضاءِ رمضانَ والنذرِ المطلق، ولا يصحُّ إلَّا بنيَّةٍ مِن الليل(٤٠)، واختلفوا في جوازِ صومِ رمضانَ بنيَّةٍ مِن النهار على مذهبين:
• المذهب الأوَّل: يرى صحَّةَ تأدية صومِ رمضان بنيَّةٍ مِن غروب الشمس إلى منتصف النهار، كما يجوز بمطلق النيَّة وبنيَّة النفل، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه(٤١).
• المذهب الثاني: يرى عدمَ صحَّةِ صومِ رمضان إلَّا بنيَّةٍ مِن الليل، وهو مذهب جماهير العلماء مِن السلف والخلف، وبه قال مالكٌ والشافعيُّ وأحمد وإسحاق بن راهويه وداود الظاهريُّ(٤٢).
أوَّلًا: أدلَّة الفريقين:
استدلَّ كلٌّ من الفريقين المتعارضين في هذه المسألة بجملةٍ من الأدلَّة، نستعرضها مع الفريق الأوَّل المتمثِّل في مذهب الأحناف أوَّلًا، ثمَّ الفريق الثاني في رأي الجمهور ثانيًا.
١) أدلَّة مذهب الأحناف القائلين بجواز صومه بنيَّةٍ من النهار:
احتجَّ الأحناف بالكتاب والسنَّة والقياس:
• أمَّا الكتاب: فبقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِ﴾ [البقرة: ١٨٧].
ووجه دلالة الآية: أنَّها تأمر بالصوم متراخيًا عن أوَّل النهار بدلالة حرفِ: «ثمَّ» الذي يفيد التعقيبَ مع التراخي، وهذا بعد إباحة الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر، والأمر بالصوم أمرٌ بالنيَّة، إذ هي ركنٌ في صحَّة الصوم شرعًا، فلَزِم منه الصومُ بنيَّةٍ متأخِّرةٍ عن أوَّل النهار، لأنَّ العزيمة تصير كذلك بعد الفجر لا محالة، فيخرج مِن عهدة الامتثال مَن أتى به، لأنَّه أتى بالمأمور به(٤٣).
وتدلُّ ـ من جهةٍ أخرى ـ على «أنَّ الإمساك في أوَّل النهار يقع صومًا وُجدت النيَّةُ أو لم توجَد، لأنَّ إتمام الشيء يقتضي سابقيةَ وجود بعضٍ منه، ولأنه صام رمضان في وقتٍ متعيِّنٍ شرعًا لصوم رمضان لوجود ركن الصوم مع شرائطه التي ترجع إلى الأهلية والمحلِّية»(٤٤).
• أمَّا بالسنة: فقد احتجُّوا بحديث سَلَمة بن الأكوع(٤٥) رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعث رجلًا ينادي في الناس يوم عاشوراء(٤٦): «أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ أَوْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلَا يَأْكُلْ»، وفي روايةٍ قال: «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ اليَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ»(٤٧).
واحتجَّ صاحب «الهداية»(٤٨) برواية ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ أعرابيًّا شهد عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم برؤية الهلال فأمر مناديَه أن يناديَ: «مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ»(٤٩).
ووجه دلالة الحديث: أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم أمر بالصوم الشرعيِّ في أثناء النهار، وهذا يقتضي القدرةَ عليه، لأنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم بُعث لبيان الأحكام الشرعية وآمرًا بها، ولو شُرطت النيَّةُ مِن الليل لَما كان قادرًا عليه، فدلَّ على عدم اشتراطها(٥٠)، وقد كان صومُ عاشوراء واجبًا، فدلَّ ذلك على جوازِ صومِ رمضانَ بنيَّةٍ مِن النهار، وإن اعتُرِض بأنَّ الحديث منسوخٌ ﻓ «لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَنْسُوخًا نَسْخُ كُلِّ الأَحْكَامِ المُتَعَلِّقَةِ بِهِ»، ذلك لأنَّ الحديث دلَّ على أمرين:
ـ أحدهما: وجوب صوم عاشوراء.
ـ والثاني: أنَّ الصوم الواجب في يومٍ بعينه يصحُّ بنيَّةٍ مِن النهار.
فلا يَلزم مِن نسخِ الأوَّل نسخُ الثاني(٥١).
ثمَّ إنَّ وضوح حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما الذي استدلَّ به صاحبُ «الهداية» صريحٌ في محلِّ النزاع لوقوعه في رمضان، بدليل تعلُّقه برؤية الهلال، فكان ذلك حجَّةً كافيةً وشاهدًا قويًّا على صحَّة المذهب.
• أمَّا بالقياس: فاستدلُّوا بقياس نيَّة الصوم على نيَّة الصلاة في جواز تقديمها على المَنْويِّ بجامعِ أنَّهما عبادتان، فإذا جاز تقديمُ النيَّة مِن أوَّل الغروب جاز تأخيرُها بجامع التيسير ودفعِ الحرج، إذ إنَّ كثيرًا مِن الناس يتحرَّجون إذا لم تَجُزْ مِن النهار، كالذي نَسِيَها ليلًا، أو كالتي طهرت مِن حيضها قبل الفجر ولم تعلم إلَّا بعده، أو كبلوغ الصبيِّ وإقامة المسافر وإسلام الكافر بعد الفجر، وإذا ثبت هذا فإنَّ المعنى الموجود في النيَّة المتقدِّمة موجودٌ في النيَّة المتأخِّرة فحصل المطلوب(٥٢).
هذا، وقد اعتذر الأحناف عن الأخذ بحديث الباب بجملةٍ مِن الاعتذارات تظهر على الترتيب التالي:
ـ أنَّ حديث الباب لا تقوم به حجَّةٌ لاضطرابه وعدمِ صحَّة رفعِه على ما ذكره جماعةٌ مِن الحفَّاظ ورجَّحوا وَقْفَه، قال البخاريُّ: «والصحيح عن ابن عمر موقوفٌ»، وصحَّح الترمذيُّ وَقْفَه ـ أيضًا ـ، وقال النسائيُّ: «الصواب عندي موقوفٌ ولم يصحَّ رفعُه»(٥٣)، وقال الطحاويُّ ـ رحمه الله ـ(٥٤): «هذا الحديث لا يرفعه الحفَّاظ الذين يروونه عن ابن شهابٍ، ويختلفون عنه فيه اختلافًا يوجب اضطرابَ الحديث بما هو دونه»(٥٥)، وإذا ثبت الوقفُ فلا تقوم به حجَّةٌ(٥٦)، ولا يقوى على المقاومة، لأنَّ حديث عاشوراء أصحُّ.
ـ ومع التسليم بصحَّة الحديث مرفوعًا فهو مِن أخبار الآحاد، وقد تضمَّن الزيادةَ على النصِّ، فلو وجبت هذه الزيادةُ لكانت نسخًا للمُطْلَقات الثابتةِ بالقرآن، وخبرُ الآحاد لا يصلح ناسخًا للكتاب(٥٧)، لأنَّ «المَظْنُونَ لَا يَنْسَخُ المَقْطُوعَ»(٥٨).
ـ وعلى تقدير صلاحيته للاحتجاج، ولدفع التعارض؛ وجب تأويلُه وحَمْلُه على المحامل التالية:
• حَمْل الحديث على صوم الكفَّارة وقضاء رمضان والنذر المطلق(٥٩).
• حَمْله على نفي الفضيلة والكمال، فيكون مراده: «لا صيام كامل أو أفضل لمن لم يبيِّت النِّية مِن الليل»، كقوله: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ المَسْجِدِ إِلَّا فِي المَسْجِدِ»(٦٠).
• حَمْلُه على النهي عن تقديم النيَّة على الليل، بأن نوى قبل غروب الشمس أن يصوم غدًا، أو حَمْله على نفي نيَّة الصيام، أي: لا صيام لمن لم يَنْوِه مِن الليل، بأن نوى الصيام مِن وقتِ نوى مِن النهار، فيكون الجارُّ والمجرور في الحديث ـ وهو «من الليل» ـ متعلِّقًا ﺑ «صيام» الثاني لا «يبيِّت»(٦١).
٢) أدلَّة مذهب الجمهور المانعين مِن صومه بنيَّةٍ مِن نهارٍ:
احتجَّ الجمهور بالسنَّة والقياس:
• أمَّا بالسنَّة: فبحديث الباب استدلُّوا على عدمِ صحَّةِ صومِ رمضان إلَّا بنيَّةٍ من الليل في أيِّ جزءٍ مِن أجزائه، وعليه لا يصحُّ التبييت قبل أوَّل أجزائه وهو الغروب، ولا بعد انقضاء آخر أجزائه.
• أمَّا استدلالهم بالقياس: فبإلحاق صوم رمضان على القضاء والكفَّارة بجامع فرضية الصوم ووجوبه في الكلِّ، فلمَّا كان تأخيرُ نيَّة الصوم في القضاء والكفَّارة لا يصحُّ إلَّا بنيَّةٍ من الليل وجب إلحاقُ الفرع بأصله المتَّفق عليه(٦٢).
ثانيًا: مناقشة الأدلَّة السابقة:
نتعرَّض ـ أوَّلًا ـ إلى مناقشة أدلَّة الأحناف فيما ذهبوا إليه، ثمَّ النظر في مدى صحَّة اعتذاراتهم في عدم الأخذ بحديث الباب، ونستتبع ذلك ـ ثانيًا ـ بمناقشة صحَّة القياس الذي استدلَّ به الجمهور على مذهبهم.
١) مناقشة أدلَّة الأحناف:
• بخصوص الآية التي احتجَّ بها الأحناف، فإنَّه لا يَلزم مِن الأمر بالصوم الأمرُ بالنيَّة، لأنَّ وجوبها في الصوم لم يكن بمجرَّد الأمر بالصوم، بل بورود أدلَّةٍ خارجيةٍ أخرى تثبتها مثل قوله تعالى: ﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ﴾ [البيِّنة: ٥]، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»(٦٣).
والتأسيس على أنَّ الآية تأمر بالصوم بنيَّةٍ متأخِّرةٍ عن أوَّل النهار ظاهرُ الفساد وما بُني عليه مثلُه، إذ لو كان حقًّا لكان الإتيان بالنيَّة بعد طلوع الفجر أفضلَ مِن غيرها، وهو قولٌ لا يجيزه الأحنافُ فضلًا عن الجمهور، ومِن ناحيةٍ أخرى فإنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بيَّن هذه الآيةَ بالتنصيص على النيَّة وتعيين وقتها مِن الليل، فوجب المصير إلى سنَّته والأخذُ ببيانه.
وما استنبطه الأحناف مِن الآية مِن أنَّ الإمساك يقع صومًا، وُجدت النيَّة أو انتفت، فلا يخفى معارضتُه لحديث الباب ولحديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، الذي ينصُّ صراحةً على أنَّه لا عَمَلَ إلَّا بنيَّةٍ.
ـ أمَّا حديث سَلَمة بنِ الأكوع رضي الله عنه فقد عورض بأنَّ عاشوراء لم يكن واجبًا، وإنَّما كان تطوُّعًا شديدَ التأكيد(٦٤)، بدليل حديث معاوية رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ»(٦٥)، فالحديث نصَّ صراحةً على عدم وجوبه بقوله: «وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ»، وقوله: «فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ»، إذ: «التَّخْيِيرُ يُنَافِي الوُجُوبَ».
ويؤيِّد ذلك عدمُ النقل عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه أوجب على مَن أفطر قضاءَه، ﻓ «مَا لَمْ يَجِبْ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ».
غير أنَّ القول بتطوُّعية صوم عاشوراء يعارضه حديثُ عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ»(٦٦)، وفي روايةٍ أخرى عنها قالت: «فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ صِيَامَهُ»(٦٧)، والحديث يدلُّ على أنَّ صوم عاشوراء كان واجبًا، وأنَّ وجوبه نُسِخ بفرضية رمضان.
وقد حقَّق الحافظ ابن حجرٍ ـ رحمه الله ـ(٦٨) هذه المسألةَ ونَظَم متفرِّقَها بقوله: «ويؤخذ مِن مجموع الأحاديث أنَّه كان واجبًا لثبوت الأمر بصومه، ثمَّ تأكَّد الأمرُ بذلك، ثمَّ زيادة التأكيد بالنداء العامِّ، ثمَّ زيادته بأمرِ كلِّ مَن أكل بالإمساك، ثمَّ زيادته بأمر الأمَّهات أن لا يرضعن فيه الأطفالَ، وبقول ابن مسعودٍ الثابت في «صحيح مسلم»: «لَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ»، مع العلم بأنَّه ما تُرك استحبابُه، بل هو باقٍ، فدلَّ على أنَّ المتروك وجوبُه»(٦٩).
ويزيد تأكيدَ الوجوب أنَّ مَن شهد أَمْرَه بصوم عاشوراء والنداءَ بصومه في السنَّة الأولى أو أوائل العام الثاني إنَّما هم الصحابةُ السابقون الذين روَوُا الوجوبَ، بخلاف راوي عدم الوجوب، فلم يشهد معاويةُ ما شهد أولئك باعتبار أنَّه مِن مُسْلِمَة الفتح(٧٠).
ومع ذلك يمكن الجمعُ بين الأحاديث السابقة التي ظاهرُها التعارض بحملِ حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في قوله عليه الصلاة والسلام: «وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ» على عدم فرضيته بقوله عزَّ وجلَّ: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ﴾ [البقرة: ١٨٣]، أو يُحْمَل على أنَّ فرضيته لم تتقرَّر على سبيل الدوام والاستمرار كما هو حالُ صيام رمضان(٧١).
هذا، ومع التسليم بعدم نسخِ الصوم الواجب في يومٍ معيَّنٍ بنيَّةٍ مِن نهارٍ، فإنَّ جوابه يظهر مِن جهتين:
ـ الجهة الأولى: أنَّ الاستدلال به خارجٌ عن محلِّ النزاع، لأنَّ المتنازَع فيه هو الصيام الواجب المقدور عليه، وإيقاع النيَّة مِن نهارٍ في صوم عاشوراء بعد النداء إنَّما صحَّ ضرورةً لأهل الأعذار، ذلك لأنَّ تبييت النيَّة أمرٌ متعذِّرٌ عليهم، والرجوع إلى الليل غيرُ مقدورٍ، فكان الجواز خاصًّا بمن ظهر له وجوبُ الصيام مِن النهار، كالمجنون يفيق والصبيِّ يحتلم والمُغمى عليه يصحو والكافرِ يُسلم والمسافرِ يقيم، على ما ذهب إليه ابن حزمٍ(٧٢) الظاهريُّ وتبعه في ذلك الشوكانيُّ(٧٣)، بخلاف القادرين فلا يصحُّ منهم صيامٌ إلَّا بتبييت النِّيَّة مِن الليل كما أرشد إليه حديثُ الباب(٧٤).
ـ الجهة الثانية: تتمثَّل في إلحاقِ صورةِ صيامِ عاشوراءَ بنيَّةٍ مِن نهارٍ على صورة استقبال أهل قباء بالاستدارة نحو الكعبة، بجامعِ أنَّهم لم يبلغهم الحكمُ ولم يخاطَبوا بما قبله، وفق هذا المنظور يقول النوويُّ(٧٥) ـ رحمه الله ـ ما نصُّه: «ولو سلَّمْنا أنَّه كان فرضًا فكان ابتداءُ فرضه عليهم مِن حينِ بَلَغَهم، ولم يخاطَبوا بما قبله، كأهل قباء في استقبال الكعبة، فإنَّ استقبالها بَلَغهم في أثناء الصلاة، فاستداروا وهم فيها مِن استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة، وأجزأتهم صلاتُهم حيث لم يبلغهم الحكمُ إلَّا حينئذٍ، وإن كان الحكمُ باستقبال الكعبة قد سبق قبل هذا في حقِّ غيرهم، ويصير هذا كَمَن أصبح بلا نيَّةٍ ثمَّ نَذَر في أثناء النهار صَوْمَ ذلك اليوم»(٧٦).
• وقد وَهِمَ أبو الحسن المرغينانيُّ صاحب «الهداية» في الحديث الذي ساقه في استدلاله بشهادة الأعرابيِّ في رؤية الهلال مِن حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال الزيلعيُّ ـ رحمه الله ـ: «حديثٌ غريبٌ»(٧٧)، وذكره ابن الجوزيِّ في «التحقيق» وقال: «وهذا لا يُعرف، وإنَّما المعروف أنَّه شهد عنده أعرابيٌّ برؤية الهلال، فأمر أن يُنادى في الناس أن تصوموا غدًا»(٧٨)، ومع ذلك فلفظُ حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما الذي أخرجه أصحابُ السنن وغيرهم: أنَّ أعرابيًّا جاء إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «إِنِّي رَأَيْتُ الهِلَالَ»، فَقَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟» قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ؟» قال: «نعم»، قال: «فَأَذِّنْ فِي النَّاسِ ـ يَا بِلَالُ ـ أَنْ يَصُومُوا غَدًا»(٧٩)، ضعيفٌ لا تقوم به حجَّةٌ، ومع التسليم بها فليس في هذا اللفظ مِن الحديث ما يُستَدَلُّ به على محلِّ النزاع، لأنَّ رؤية الأعرابيِّ وأَمْرَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالصوم كان في الليل، كما يظهر ذلك جليًّا مِن قوله: «أَنْ يَصُومُوا غَدًا».
• وأمَّا استدلالهم بالقياس فغيرُ ناهضٍ لأنه يَلْزَم مِن إعمال قياسهم صحَّةُ الصوم بنيَّةٍ مِن نهارٍ بعد الزوال إلحاقًا بما قبله، بجامع التيسير ورفعِ الحرج، إذ العسر والضيق والحرج يوجَد بعد الزوال أيضًا، والأحناف يمنعون صحَّةَ النيَّة بعد الزوال، و«إِذَا كَانَ اللَّازِمُ بَاطِلًا فَالمَلْزُومُ مِثْلُهُ».
ولعلَّ الحرج والمشقَّة في جواز تأخير النيَّة مِن نهارٍ خاصٌّ بغير القادرين على الرجوع إلى الليل دون القادرين، لانتفاء الحرج في إيجابها عليهم مِن الليل ـ كما تقدَّم مِن مذهب ابن حزمٍ ومَن تبعه ـ، وما جاز لأجل الضرورة لا يَلزم جوازُه في غيرها.
٢) مناقشة اعتذارات الأحناف:
أمَّا اعتذارات الأحناف في عدم الأخذ بحديث الباب فقد نوقشت على الوجه التالي:
١ ـ إعلال الحديث بسبب الاضطراب في رفعه ووقفه ليس سببًا موجِبًا لتضعيفه، بل العكس، فإنَّ روايته بطريق الرفع والوقف موجِبٌ لقوَّة الحديث، ولهذا يرى ابن حزمٍ أنَّ الاختلاف في الخبر يزيده قوَّةً(٨٠)، وخاصَّةً أنَّ الذي رَفَعه ثقةٌ ثبتٌ، فقَدْ رواه مسنَدًا عبدُ الله بن أبي بكرٍ الصدِّيق(٨١) وابن عمر ـ أيضًا ـ رضي الله عنهم، والرفع زيادةٌ، و«زِيَادَةُ العُدُولِ الثِّقَاتِ مَقْبُولَةٌ» ـ كما تقرَّر في الأصول وعلوم الحديث ـ(٨٢).
وعلى تقدير عدم صحَّته مرفوعًا فقد اشتُهر موقوفًا بأسانيدَ صحيحةٍ عن ثلاثةٍ مِن الصحابة، وهم: ابن عمر وحفصة بنت عمر وعائشة بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهم، ولم يُعْلَم لهم مخالفٌ مِن الصحابة، فيكون حجَّةً عند أكثر العلماء وأصحاب أبي حنيفة(٨٣).
وحديث سَلَمَة بنِ الأَكْوَع الدالُّ على جواز صوم عاشوراء بنيَّةٍ من نهارٍ ـ وإن كان أصحَّ سندًا مِن حديث الباب ـ فلا يعارضه لخروجه عن محلِّ النزاع ـ كما قدَّمْنا ـ، لأنَّ المتنازَع فيه هو الصيام الواجب المقدور: هل يصحُّ إيقاع النيَّة مِن النهار فيه مِن غير عذرٍ مقترِنٍ به؟ وحديث عاشوراء مغايرٌ، لأنَّه خاصٌّ ضرورةً لأهل الأعذار لتعذُّر الرجوع إلى الليل واستحالته.
٢ ـ والاعتراض على حديث الباب بأنَّه مِن أخبار الآحاد، فلا يصلح ناسخًا للكتاب، لكونه زيادةً على النصِّ القرآنيِّ فيُعتبر نسخًا؛ فإنَّ التحقيق في مسألة الزيادة على النصِّ هو التفصيلُ: فإن كانت الزيادةُ أثبتت حكمًا نفاه النصُّ المتواتر أو نَفَتْ حكمًا أثبتَه النصُّ المتواتر فهي نسخٌ له، وإن كانت الزيادة لم تتعرَّض للنصِّ بنفيٍ ولا إثباتٍ، بل زادت شيئًا سكت عنه النصُّ؛ فلا يجوز أن يكون نسخًا، لأنَّها إنَّما رفعت الإباحةَ العقلية التي هي البراءةُ الأصلية، ورفعُها ليس نسخًا إجماعًا، لأنَّ النسخ هو: «رَفْعُ الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ المُتَأَخِّرِ عَنْهُ»، والبراءة ليست حكمًا شرعيًّا، وإنَّما هي حكمٌ عقليٌّ(٨٤).
والقول بأنَّ المتواتر لا يُنسخ بالآحاد غيرُ صحيحٍ ـ على التحقيق ـ، وإن خالف جمهورُ الأصوليِّين ذلك، لأنَّ أخبارَ الآحادِ الصحيحةَ الثابتَ تأخُّرُها عن النصِّ المتواتر لا منافاة بينها أصلًا، ولا تعارُض ألبتَّة حتَّى يترجَّح المتواتر على الآحاد، إذ لا تناقُض بين خبرين اختلف زمنُهما لجواز صدقِ كلٍّ منهما في وقته، وإيضاح ذلك: أنَّ المتواتر في وقته قطعيٌّ، ولكنَّ استمرار حكمه إلى الأبد غيرُ قطعيٍّ، فنسخُه بالآحاد إنَّما نفى استمرارَ حكمه الذي لا قطعية في دلالته على دوام حكمه، ولذلك لا وجه لردِّ خبر الآحاد لأنَّ كلًّا منهما حقٌّ في وقته(٨٥).
٣ ـ أمَّا التأويلات الواردة على حديث الباب فالجواب عنها فيما يلي:
أ) حملُ حديث الباب على صوم الكفَّارة والقضاء والنذر يخالف المعنى الظاهرَ مِن زاويتين:
ـ الأولى: أنَّ العموم ظاهرٌ في كلِّ صومٍ لورود النكرة في سياق النفي.
ـ الثانية: أنَّه يَسبِق إلى الفهم مِن لفظ «الصوم» الصومُ الأصليُّ الذي يكون وقوعُه غالبًا في النصِّ المتبادِر منه وهو الفرضُ والنفل، أمَّا القضاء والكفَّارة والنذر فإنَّ وجوبَه بعارضٍ ووقوعَه نادرٌ(٨٦).
وبناءً عليه، فإنَّه «لَا يَصْلُحُ أَنْ يُصَارَ إِلَى المُحْتَمَلِ المَرْجُوحِ بِإِرَادَةِ العَارِضِ النَّادِرِ مَعَ وُجُودِ الرَّاجِحِ الظَّاهِرِ» المتمثِّل في إرادة الأصل الغالب مِن النصِّ إلَّا بدليلٍ أقوى منه يدلُّ على صرف اللفظ عن ظاهره المتبادِر منه إلى المحتمل المرجوح، كما هو مقرَّرٌ في علم الأصول، وحديثُ عاشوراء لا يصلح صارفًا ـ كما سبق بيانُه ـ، وصرفُه به على هذا النحو مِن التأويل البعيد(٨٧).
ب) حملُ الحديث على نفي الفضيلة والكمال لا يستقيم، لأنَّ «الأَصْلَ اتِّجَاهُ النَّفْيِ إِلَى الصِّحَّةِ» لكونها أقربَ المجازين إلى الذات، أو نفيِ العمل باعتبار حقيقته الشرعية، ولا يُعدل عن هذا الظاهر إلَّا بدليلٍ أقوى(٨٨) على ما تقدَّم إيضاحُه، وحديث: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ المَسْجِدِ إِلَّا فِي المَسْجِدِ» ضعيفٌ لا تقوم به الحجَّةُ(٨٩)، ولو صحَّ لوجب حملُه على نفيِ صحَّةِ صلاة جار المسجد إلَّا فيه، لأنَّ الصحَّة كلَّما وُجدت فحقيقةُ الصلاة الشرعية موجودةٌ، وكلَّما عدمت فهي معدومةٌ.
ج) أمَّا التأويل الأخير فغريبٌ وبعيدٌ، يردُّه نصُّ الحديث المرفوع والأحاديث الموقوفة التي تصرِّح بوجوب إيقاع النيَّة مِن الليل.
٣) مناقشة أدلَّة الجمهور:
• أمَّا حديث الباب الذي احتجَّ به الجمهورُ على مذهبهم فقَدِ اعترض عليه الأحنافُ بجملةٍ مِن الاعتراضات تقدَّم ذكرُها.
• أمَّا قياس الجمهور فَفُنِّدَ بظهور الفارق بين المقيس والمقيس عليه، ومناطُ الفرق يظهر في أنَّ الوقت في القضاء والكفَّارة غيرُ متعيِّنٍ لهما شرعًا، بخلاف صوم رمضان فإنَّ الوقت فيه متعيِّنٌ، لأنَّ خارجَ رمضان متعيِّنٌ للنفل، ولا يكون لغيره إلَّا بتعيُّنه، فإذا لم يَنْوِ من الليل صومًا آخَر بقي الوقتُ متعيِّنًا للتطوُّع فلا يملك تغييرَه(٩٠).
ثالثًا: سبب اختلاف العلماء:
يرجع سبب الخلاف في هذه المسألة ـ عند التأمُّل ـ إلى المسائل التالية:
١ ـ في النصوص الشرعية الواردة في المسألة التي ظاهرُها التعارض.
٢ ـ في الاضطراب الحاصل في حديث حفصة رضي الله عنها بين صحَّة الرفع أو الوقف.
٣ ـ في صحَّةِ أن تكون الزيادةُ على النصِّ نسخًا، وفي صحَّة نسخِ المتواتر بالآحاد.
٤ ـ في توهُّم الإجمال الوارد على النفي المضاف إلى جنس الفعل مِن حديث حفصة رضي الله عنها(٩١).
٥ ـ في صلاحية حديثِ سَلَمةَ بنِ الأكْوَع «حديث عاشوراء» أن يكون دليلًا صارفًا للَّفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى المحتمَل المرجوح.
٦ ـ في تقرير وجود ارتباطٍ وتلازمٍ بين الحكمين اللذين تضمَّنهما حديث سَلَمة بن الأكوع حتَّى يَلزم مِن رفعِ أحد الحكمين رفعُ الآخر.
٧ ـ في توهُّم سريان نسخِ حكمٍ مِن أحكام الأصل المقيس عليه إلى الحكم الذي يُطلب مثلُه في الفرع(٩٢).
رابعًا: الرأي المختار:
بعد الاطِّلاع على أدلَّة الفريقين المتعارضين والوقوفِ على سبب اختلافهم، فإنَّه يترجَّح مذهبُ الجمهور للاعتبارات التالية:
• لقوَّة أدلَّتهم وضعف أدلَّةِ مخالفيهم واعتذاراتهم على ما ظهر أثناء المناقشة.
• ولأنَّ حديث الباب رُوِي مسنَدًا وموقوفًا، والرفع زيادةٌ، والزيادة مِن الثقة مقبولةٌ ـ كما تقرَّر في الأصول وعلوم الحديث ـ.
• ولأنَّ الزيادة في الحديث لم تتعرَّض للنصِّ القرآنيِّ بنفيٍ ولا إثباتٍ، وإنَّما زادت شيئًا سكت عنه النصُّ فلا يُعتبر نسخًا، لأنَّها رفعت الإباحةَ العقلية، ولأنَّه لا وجه لردِّ خبر الآحاد الصحيح الثابتِ تأخُّرُه عن المتواتر، إذ لا تعارُض ألبتَّة بينهما ولا تناقُض بين نصَّين اختلف زمنُهما لجواز صدقِ كلِّ واحدٍ منهما في وقته، فنسخُ المتواتر بالآحاد إنَّما رَفَع استمرارَ حكم المتواتر، ودلالةُ المتواتر على استمرار حكمه ليست قطعيةً حتَّى يُمنع نسخُها بأخبار الآحاد الصحيحة.
• وإذا سلَّمْنا أنَّ الزيادةَ على النصِّ نسخٌ فلا نسلِّم أنَّ الآية نصٌّ، بل إنَّ المطلق ظاهرٌ في معناه لا نصٌّ، وإذا كان ظاهرًا جاز تأويلُه بخبر الواحد.
• ولأنَّ حديث عاشوراء ـ وإن استُظهر بعدم لزوم نسخِ صحَّةِ تعيين يومٍ مِن الصوم الواجب بنيَّةٍ مِن نهارٍ مِن نسخِ وجوب عاشوراء بالنظر لعدم وجود ارتباطٍ وتلازمٍ بين الحكمين ـ إلَّا أنَّ الحكم الثانيَ المحكمَ غيرَ المنسوخ خارجٌ عن محلِّ النزاع من جهةٍ، ولا يصلح صارفًا ـ من جهةٍ أخرى ـ لظاهر حديث الباب للعلَّة نفسِها.
وعليه، لم يُبْنَ الفرعُ على الأصل في الحكم المنسوخ بل في حكمٍ آخر، ولا يَلزم مِن نسخ حكم الوجوبِ نسخُ حكم التبييت المقيسِ على الأصل فيه.
• وأمَّا الإجمال فبعيدٌ؛ لأنَّ المجمل هو: «مَا احْتَمَلَ مُسَمَّيَاتٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَجُوز أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لِلْمُتَكَلِّمِ»، وهذا معدومٌ في حديث حفصة رضي الله عنها؛ لأنَّ «النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بُعِثَ لِبَيَانِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَا الأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ، فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى المَعْهُودِ مِنْ عُرْفِ الشَّرْعِ».
• والتعارض بين الأدلَّة منتفٍ إذا ما حَمَلْنا حديثَ الباب على الصيام الواجب المقدور في وجوب إيقاع النيَّة مِن الليل، وحَمَلْنا حديث سَلَمةَ بنِ الأَكْوَع رضي الله عنه «حديث عاشوراء» على جواز إيقاعها مِن نهارٍ ضرورةً، لتعذُّر الرجوع إلى الليل، وهذا جمعٌ حَسَنٌ بين الحديثين لا تَعَسُّف فيه ولا تَكَلُّف، وفيه إعمالٌ لجميع الأدلَّة دون إهدارٍ لبعضها.
• والأقيسة المتعارضة فيما بينها إن صحَّت فهي فاسدةُ الاعتبار لمقابلتها للنصِّ.
وعليه، فإنَّ العمل بمقتضى حديث الباب وحَمْلَه على ظاهره آكدٌ وجوبُه، واشتراطُ تبييت النيَّة فيه مِن الليل حتمٌ لزومُه، وهو مذهب جمهور السلف والخلف، وبه قال مالكٌ والشافعيُّ وأحمد ـ رحمهم الله تعالى ـ على ما تقدَّم.
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
(١) أخرجه الدارميُّ (٢/ ٦)، والنسائيُّ (٤/ ١٩٦)، والطحاويُّ في «شرح معاني الآثار» (٢/ ٥٤) من حديث حفصة رضي الله عنها.
(٢) أخرجه أبو داود (٢/ ٨٢٣)، والترمذيُّ (٣/ ١٠٨)، والنسائيُّ (٤/ ١٩٦)، وأحمد في «مسنده» (٦/ ٢٨٧)، والبيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٤/ ٢٠٢)، والبغويُّ في «شرح السنَّة» (٦/ ٢٦٩)، من حديث حفصة رضي الله عنها.
(٣) «سنن ابن ماجه» (١/ ٥٤٢)، «سنن الدارقطني» (٢/ ١٧٢). والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٤/ ٢٧) وفي «صحيح الجامع» (٢/ ١٢٤٩).
(٤) انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٣٣)، و«التلخيص الحبير» (٢/ ١٨٨) و«الدراية» (١/ ٢٧٥) و«فتح الباري» (٤/ ١٤٢) كلُّها لابن حجر، «طريق الرشد» لعبد اللطيف (٢٠٦).
(٥) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٦/ ١٦٢).
(٦) «المجموع» للنووي (٦/ ٢٨٩)، والحديث صحَّحه الألبانيُّ معتبِرًا فتوى حفصة وعبد الله ابني عمر رضي الله عنهم به تقويةً لرفعِ مَن رفَعَه، مستفيدًا ممَّا قرَّره ابن حزمٍ في «المحلَّى» [انظر: «إرواء الغليل» (٤/ ٣٠)].
(٧) وهي أسنُّ من أخيها عبد الله بستِّ سنين [انظر: «سير أعلام النبلاء» للذهبي (٢/ ٢٢٧)].
(٨) هو أبو حذيفة خُنَيسُ بنُ حُذافة السهميُّ، كان من السابقين الأوَّلين إلى الإسلام، هاجر إلى الحبشة، وعاد بعدها إلى المدينة، وشهد مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بدرًا، ومات رضي الله عنه على إثر جراحةٍ أصابته بغزوة أُحُدٍ.
انظر ترجمته في: «الاستيعاب» لابن عبد البرِّ (٢/ ٤٥٢)، «أسد الغابة» لابن الأثير (٢/ ١٢٤)، «الإصابة» لابن حجر (١/ ٤٥٦)، ومؤلَّفنا: «الإعلام» (٧٦).
(٩) أخرجه أبو داود (٢/ ٧١٢)، وابن ماجه (١/ ٦٥٠)، من حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، والنسائيُّ (٦/ ٢١٣)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما [انظر: «إرواء الغليل» للألباني (٧/ ١٥٧)].
(١٠) انظر ترجمتها وأحاديثها في:
«مسند أحمد» (٦/ ٢٨٣)، «الطبقات الكبرى» لابن سعد (٨/ ٨١)، «المعارف» لابن قتيبة (١٣٥، ١٥٨، ١٨٤، ٥٥٠)، «المستدرك» للحاكم (٤/ ١٤)، «الاستيعاب» لابن عبد البرِّ (٤/ ١٨١١)، «أسد الغابة» لابن الأثير (٥/ ٤٢٥)، «العبر» (١/ ٥، ٥٠) و«سير أعلام النبلاء» (٢/ ٢٢٧) كلاهما للذهبي، «مجمع الزوائد» للهيثمي (٩/ ٢٤٤)، «تهذيب التهذيب» (١٢/ ٤١١) و«الإصابة» (١٢/ ١٩٧) كلاهما لابن حجر، «شذرات الذهب» لابن العماد (١/ ١٠، ١٦)، «الرياض المستطابة» للعامري (٣١٢)، ومؤلَّفنا: «الإعلام» (٧٠).
(١١) انظر: «النهاية» لابن الأثير (١/ ١٧٠).
(١٢) «معالم السنن» للخطَّابي مع «سنن أبي داود» (٢/ ٨٢٣)، وانظر: «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٤٣٢).
(١٣) انظر: «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٤٣٢).
(١٤) انظر: «مفتاح الوصول» للتلمساني ـ بتحقيقنا ـ (٥٠٩)، والمصادر المثبتة على هامشه.
(١٥) العلماء يختلفون في حكم النيَّة في العبادات: أهي ركنٌ أم شرطٌ أم أنَّها ركنٌ في بعض العبادات شرطٌ في غيرها ؟ على أقوالٍ، والمختار منها ما ذهب إليه العلائيُّ المتوفَّى سنة (٧٦١ﻫ) من تفصيلٍ بين ما تُعتبر النيَّةُ في صحَّته وما تُعتبر في حصول الثواب عليه، حيث يقول: «فما كانت النيَّة معتبَرةً في صحَّته فهي ركنٌ فيه، وما يصحُّ بدونها ولكن يتوقَّف حصولُ الثواب عليها، كالمباحات والكفِّ عن المعاصي؛ فنيَّةُ التقرُّب شرطٌ في الثواب» [انظر هذه المسألة في: «الأشباه والنظائر» (٤٣) و«منتهى الآمال» (١٤١) كلاهما للسيوطي].
(١٦) انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ٢٩٠). ومعنى ذلك: أنَّه إِنْ نوى من النهار صومَ الغد لم تُجزئه تلك النيَّةُ ما لم يستصحبها إلى جزءٍ من الليل، وبهذا قال الحنابلة [انظر: «المغني» لابن قدامة (٣/ ٩٣)]. غير أنَّ المالكية يوجبون النيَّةَ في أوَّل الشهر، وليس عليه أن يبيِّت في بقيَّته [انظر: «تنوير المقالة» للتتائي (٣/ ١٢١، ١٢٣)].
(١٧) المصدر السابق نفسه.
(١٨) هو أبو الطيِّب محمَّدُ بن المفضَّل بن سَلَمة بن عاصمٍ الضبِّيُّ البغداديُّ الفقيه الشافعيُّ، أخذ الفقهَ عن أبي العبَّاس بن سُرَيْجٍ وآخَرين، كان عالمًا جليلًا موصوفًا بفرط الذكاء، صنَّف كُتُبًا عديدةً، وله في المذهب وجوهٌ حسنةٌ، توفِّي شابًّا سنة (٣٠٨ﻫ).
انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (٤/ ٢٠٥)، «طبقات الشيرازي» (٩٠)، «وفيات الأعيان» لابن خلِّكان (٤/ ٢٠٥)، «طبقات الإسنوي» (١/ ٣١٧)، «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (١/ ١٠٢)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٢/ ٢٥٣)، ومؤلَّفنا: «الإعلام» (٣٨٦).
(١٩) انظر: «المجموع» (٦/ ٢٩١).
(٢٠) وقياس ما لا تُعلم علَّتُه قياسٌ فاسدٌ، وكذلك فيما أُجيز استثناءً وترخيصًا فلا يقاس عليه، لأنَّه ثابتٌ على خلاف القياس، وما كان كذلك فغيرُه عليه لا يقاس، ثمَّ إنَّ اختصاصهما لا حرج فيه.
(٢١) انظر حكم الجهر بالنيَّة والتلفُّظ بها هَمْسًا في: «مقاصد المكلَّفين» للدكتور عمر سليمان الأشقر (١٢٣) وما بعدها.
(٢٢) انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ٢٥٧).
(٢٣) انظر كونَ النكرة في سياق النفي المركَّب ﺑ «لا» نصًّا صريحًا في العموم في: «أضواء البيان» للشنقيطي (١/ ١٣٩). ومسألةُ النكرة مبسوطةٌ في كتب الأصول، منها: «المعتمد» لأبي الحسين (١/ ٢٠٧)، «إحكام الفصول» للباجي (٢٣١)، «البرهان» للجويني (١/ ٣٢٣، ٣٣٧)، «أصول السرخسي» (١/ ١٦٠)، «المستصفى» للغزَّالي (٢/ ٩٠)، «المحصول» للفخر الرازي (١/ ٢/ ٥١٨، ٥٦٣)، «روضة الناظر» لابن قدامة (٢/ ١٢٤)، «الإحكام» للآمدي (٢/ ٥٥)، «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (١٧٩، ١٨١)، «كشف الأسرار» للبخاري (٢/ ١٢)، «الإبهاج» للسبكي (٢/ ١٠٣)، «جمع الجوامع» لابن السبكي (١/ ٤١٣)، «نهاية السول» (٢/ ٩١) و«التمهيد» (٣١٨) كلاهما للإسنوي، «تقريب الوصول» لابن جزيٍّ ـ بتحقيقنا ـ (٩١)، «مفتاح الوصول» للتلمساني ـ بتحقيقنا ـ (٥٤٦)، «فتح الغفَّار» لابن نُجيم (١/ ١٠٠)، «القواعد والفوائد» للبعلي (٢٠١)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (٣/ ١٣٦)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (١/ ٢٦٠)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (١١٩)، «شرح الورقات» للعبَّادي (١٠٤)، «نشر البنود» للعلوي (١/ ٢١٦).
(٢٤) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٦/ ١٧٢)، «سبل السلام» للصنعاني (٢/ ٣١٤)، «وبل الغمام» للشوكاني (١/ ٤٨٨).
(٢٥) انظر: «التفريع» لابن الجلَّاب (١/ ٣٠٣)، «المحلَّى» لابن حزم (٦/ ١٧٠)، «المهذَّب» للشيرازي (١/ ١٨٨)، «القبس» لابن العربي (٢/ ٤٨٨)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٩٣)، «المغني» لابن قدامة (٣/ ٩٦)، «المجموع» للنووي (٦/ ٣٠٢)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٤)، «المحرَّر» لأبي البركات (١/ ٢٢٨)، «الاختيارات» لابن مودود (١/ ١٢٧)، «القوانين الفقهية» لابن جزيٍّ (١١٩)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٦٠).
(٢٦) أخرجه مسلم (٨/ ٣٣)، وأبو داود (٢/ ٨٢٣)، والترمذي (٣/ ١١١)، وابن ماجه (١/ ٥٤٣)، والنسائي (٤/ ١٩٣)، والدارقطني (٢/ ١٧٦)، وأحمد في «مسنده» (٦/ ٤٩، ٢٠٧)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (٤/ ٢٧٥)، والبغوي في «شرح السنَّة» (٦/ ٢٧٠)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢٧) انظر: «القبس» لابن العربي (٢/ ٤٨٩).
(٢٨) «السنن الكبرى» للبيهقي (٤/ ٢٧٥)، «سنن الدارقطني» (٢/ ١٧٦).
(٢٩) سيأتي حديثُه قريبًا، انظر: (هامش ٤٧).
(٣٠) انظر: «إحكام الفصول» للباجي (١٨٤)، «البحر المحيط» للزركشي (٣/ ٢٢٨).
(٣١) انظر: «إرواء الغليل» للألباني (٤/ ١٣٥).
(٣٢) انظر كونَ أمرِه صلَّى الله عليه وسلَّم أوكدَ مِنْ فعله في: «المجموع» لابن تيمية (٢٢/ ٣٢١).
(٣٣) انظر: «الجوهر النقيَّ» لابن التركماني (٤/ ٢٧٥).
(٣٤) «إرواء الغليل» للألباني (٤/ ١٣٧).
(٣٥) انظر: «سبل السلام» للصنعاني (٢/ ٣١٤)، «وبل الغمام» للشوكاني (١/ ٤٨٨).
(٣٦) هو أبو بكر محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن صالحٍ الأبهريُّ، شيخ المالكية في العراق، جَمَع بين القراءات وعلوِّ الإسناد والفقه، مِن مصنَّفاته: كتاب «الأصول»، وكتاب «إجماع أهل المدينة»، و«الردُّ على المزني»، و«شرح المختصر الكبير في الفقه لعبد الله بن عبد الحكم»، وكتاب «الأمالي»، توفِّي ببغداد سنة (٣٧٥ﻫ).
انظر ترجمته في: «طبقات الفقهاء» للشيرازي (١٦٧)، «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (٥/ ٤٦٢)، «ترتيب المدارك» للقاضي عياض (٢/ ٤٦٦)، «الكامل» (٩/ ٤٧) و«اللباب» (١/ ٢٧) كلاهما لابن الأثير، «سير أعلام النبلاء» (١٦/ ٣٣٢) و«دول الإسلام» (١/ ٢٣٠) كلاهما للذهبي، «الديباج المذهب» لابن فرحون (٢٥٥)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٣/ ٨٥)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ٣/ ١١٨)، «شجرة النور» لمخلوف (١/ ٩١)، «الأعلام» للزركلي (٧/ ٩٨)، «تاريخ التراث العربي» لسزكين (٢/ ١٥٢)، ومؤلَّفنا: «الإعلام» (٣٦٢).
(٣٧) متَّفقٌ عليه، سيأتي تخريجه، انظر: (هامش ٦٣).
(٣٨) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٦/ ١٦٠)، «المغني» لابن قدامة (٣/ ٩٣)، «المجموع» للنووي (٦/ ٣٠٢)، «قواعد المقَّري» (٢/ ٥٥٤)، «إيضاح المسالك» للونشريسي (٢٣٩)، «تنوير المقالة» للتتائي (٣/ ١٢٣).
(٣٩) انظر: «منتهى الآمال» للسيوطي (١١٠).
(٤٠) انظر: «شرح السنَّة» للبغوي (٦/ ٢٦٩)، «المجموع» للنووي (٦/ ٢٨٩، ٣٠١).
(٤١) انظر: «تحفة الفقهاء» للسمرقندي (١/ ٥٣٤)، «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٢٦)، «فتح القدير» لابن الهمام (٢/ ٤٨)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٣)، «الاختيار» لابن المودود (١/ ١/ ١٢٦)، وشذَّ زُفَر الهُذَليُّ صاحب أبي حنيفة في صوم رمضان على المريض والمسافر أنَّه واجبٌ في حقِّهما تبييتُ النيَّة من الليل كالقضاء لعدم تعيُّنه عليهما.
(٤٢) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٦/ ١٦٠)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٩٣)، «المغني» لابن قدامة (٣/ ٩١)، «المجموع» للنووي (٦/ ٣٠١).
(٤٣) انظر: «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٤).
(٤٤) «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٢٩).
(٤٥) هو الصحابيُّ أبو إياسٍ سلمةُ بن عمرو بن الأكوع الحجازيُّ المدنيُّ، كان ممَّن بايع النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم على الموت بعد الحديبية، وكان مِن فرسان الصحابة، راميًا شجاعًا، عالمًا فاضلًا، سخيًّا خيِّرًا، له سوابق ومشاهد محمودةٌ، توفِّي سنة (٧٤ﻫ).
انظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (٤/ ٣٠٥)، «المعارف» لابن قتيبة (٣٢٣)، «المستدرك» للحاكم (٣/ ٥٦٢)، «جمهرة الأنساب» لابن حزم (٢٤٠)، «الاستيعاب» لابن عبد البرِّ (٢/ ٦٣٩)، «أسد الغابة» لابن الأثير (٢/ ٣٣٣)، «سير أعلام النبلاء» (٣/ ٣٢٦) و«الكاشف» (١/ ٣٨٥) و«دول الإسلام» (١/ ٥٤) كلُّها للذهبي، «البداية والنهاية» لابن كثير (٩/ ٦)، «الإصابة» (٢/ ٦٦) و«التهذيب» (٤/ ١٥٠) كلاهما لابن حجر، «شذرات الذهب» لابن العماد (١/ ٨١)، «الرياض المستطابة» للعامري (١٠١)، وتحقيقنا لكتاب «المفتاح» للشريف التلمساني (٦٦٤).
(٤٦) عاشوراء هو العاشر من شهر المحرَّم، واتَّفق العلماء على استحباب صيامه، ويُسَنُّ الجمع بين التاسع والعاشر لحديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما مرفوعًا: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» [أخرجه مسلم (٨/ ١٣)]، غير أنَّ العلماء يختلفون في وجوبه قبل أن يُكتب رمضانُ. [انظر: «المنتقى» للباجي (٢/ ٥٨)، «المقدِّمات الممهِّدات» لابن رشد (١/ ٢٤٢)، «المغني» لابن قدامة (٣/ ١٧٣)، «الاعتبار» للحازمي (٣٤٠)، «المجموع» للنووي (٦/ ٣٨٢)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٢٤٥)].
(٤٧) متَّفقٌ على صحَّته: أخرجه البخاريُّ (٤/ ٢٤٥)، ومسلمٌ (٨/ ١٣)، والبغويُّ في «شرح السنَّة» (٦/ ٣٣٥)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
(٤٨) هو أبو الحسن برهانُ الدين عليُّ بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغينانيُّ، الفقيه الحنفيُّ، صاحب كتاب «الهداية شرح البداية» و«المنتقى» وغيرهما، وُلد سنة (٥٣٠ﻫ)، كان حافظًا مفسِّرًا محقِّقًا أديبًا، وتوفِّي سنة (٥٩٣ﻫ).
انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» للذهبي (٢١/ ٢٣٢)، «الفوائد البهيَّة» للكنوي (١٤١)، «الجواهر المضية» للقرشي (١/ ٣٨٣)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ١٨٢)، «الأعلام» للزركلي (٥/ ٧٣)، «أسماء الكتب المتمِّم لكشف الظنون» لعبد اللطيف رياض زادة (٧٩)، ومؤلَّفنا: «الإعلام» (٢٤٥).
(٤٩) حديث ابن عبَّاسٍ هو حديث الأعرابيِّ المتعلِّق بمسألة رؤية الهلال، وهو مغايرٌ لحديث سلمة بن الأكوع في صوم عاشوراء، ووَهِم أبو الحسن المرغينانيُّ فمَزَج لفظَ الحديثين في «الهداية» (٢/ ٤٣)، كما سيأتي في المناقشة، انظر: (الرابط).
(٥٠) انظر: «الاختيار» لابن مودود (١/ ١/ ١٢٧)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٤).
(٥١) انظر: «مفتاح الوصول» للتلمساني ـ بتحقيقنا ـ (٧١٨)، و«حاشية السندي على النسائي» (٤/ ١٩٣)، و«وبل الغمام» للشوكاني (١/ ٤٨٧)، و«حاشية الشلبي على تبيين الحقائق» (١/ ٣١٤). وقال ابن العربيِّ المالكيُّ: «ومن علمائنا من قال: «إنَّ صوم عاشوراء أجزأ بنيَّةٍ مِن نهارٍ، ثمَّ نُسخ الصومُ في عاشوراء بشهر رمضان»، ومنهم مَن قال: «إن كان نُسخ فرضُ الصوم فلم يُنسخ فرضُ النيَّة ولا وقتُها»، والصحيح أنَّ الحكم إذا نُسخ نُسخ بجميع صفاته، إذ يمتنع أن يُنسخ الأصلُ ويبقى الوصفُ» [«القبس» (٢/ ٥١٠)]. قلت: ولا يمتنع ذلك إلَّا إذا كان بين الأصل ووصفه ارتباطٌ وتلازمٌ، فإنَّه يَلزم مِن رفعِ الأصلِ رفعُ وَصْفه، وفي هذه المسألة انتفى الارتباطُ والتلازم بين نسخ وجوب عاشوراء وبين صحَّة صومه بنيَّةٍ من نهارٍ، فلا يَلزم مِن رفع اعتبار حكمِ وجوبِه رفعُ اعتبار حكم التبييت كما لا يَلزم مِن نسخ وجوبِه نسخُ استحبابه.
(٥٢) انظر: «الاختيار» لابن المودود (١/ ١/ ١٢٧)، «فتح القدير» لابن الهمام (٢/ ٤٨).
(٥٣) انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٣٣)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (٢/ ١٨٨).
(٥٤) هو الإمام أبو جعفرٍ أحمد بن محمَّد بن سلامة الأزديُّ الحجريُّ المصريُّ، وُلد ﺑ«طحا» بصعيد مصر عام (٢٣٩ﻫ) ونُسب إليها، وتلقَّى العلمَ عن خاله إسماعيل بن يحيى المُزنيِّ أفقهِ أصحاب الشافعيِّ وعن غيرِه، ثمَّ انتقل إلى مذهب الأحناف، وانتهت إليه رئاسةُ الحنفية بمصر، كان محدِّثًا ثبتًا، وفقيهًا مجتهدًا، من مؤلَّفاته: «العقيدة الطحاوية»، و«شرح معاني الآثار»، و«مشكل الآثار»، و«أحكام القرآن»، توفِّي بمصر سنة (٣٢١ﻫ).
انظر ترجمته في: «طبقات الفقهاء» للشيرازي (١٤٢)، «اللباب» لابن الأثير (٢/ ٨٢)، «تذكرة الحفَّاظ» للذهبي (٣/ ٨٠٨)، «مرآة الجنان» لليافعي (٢/ ٢٨١)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١١/ ١٧٤)، «الجواهر المضيئة» للقرشي (١/ ٢٧١)، «لسان الميزان» لابن حجر (١/ ٢٧٤)، «تاج التراجم» لابن قطلوبغا (٦)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٢/ ٢٨٨)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ١/ ٩٢).
(٥٥) «شرح معاني الآثار» للطحاوي (٢/ ٥٥).
(٥٦) انظر: «فتح القدير» لابن الهمام (٢/ ٤٦)، «حاشية الشلبي على تبيين الحقائق للزيلعي» (١/ ٣١٤).
(٥٧) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٣٠).
(٥٨) انظر كونَ الزيادة على النصِّ المطلقِ نسخًا عند الأحناف في: «أصول السرخسي» (٢/ ٨٢)، «ميزان الأصول» للسمرقندي (٧٢٣)، «كشف الأسرار» للبخاري (٣/ ١٩١)، «فتح الغفَّار» لابن نجيم (٢/ ١٣٥)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (٢/ ٩١).
(٥٩) انظر: «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٤).
(٦٠) انظر: المصدر السابق، و«بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٣٠)، وسيأتي تخريج الحديث، انظر: (الهامش ٨٩).
(٦١) انظر: «تبيين الحقائق» للزيلعي مع «حاشية الشلبي» عليه (١/ ٣١٤).
(٦٢) انظر: «المغني» لابن قدامة (٣/ ٩٢)، «المجموع» للنووي (٦/ ٣٠١).
(٦٣) أخرجه البخاريُّ (١/ ٩)، ومسلمٌ (١٣/ ٥٣)، وأبو داود (٢/ ٦٥١)، والترمذيُّ (١/ ١٧٩)، والنسائيُّ (١/ ٨٥)، وابن ماجه (٢/ ١٤١٣)، وأحمد في «مسنده» (١/ ٢٥، ٤٣)، من حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه .
(٦٤) انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ٣٠١).
(٦٥) متَّفقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ (٤/ ٢٤٤)، ومسلمٌ (٨/ ٨)، من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
(٦٦) «صحيح البخاري» (٤/ ٢٤٤)، في «الصوم» باب صيام يوم عاشوراء.
(٦٧) المصدر السابق، الجزء والصفحة نفسهما.
(٦٨) هو أبو الفضل أحمد بن عليِّ بن محمَّدٍ الشهيرُ بابن حجرٍ الكنانيُّ العسقلانيُّ المصريُّ، الحافظ الكبير، الإمام المنفرد بمعرفة الحديث وعِلَلِه في عصره، الشافعيُّ الفقيه، وُلد سنة (٧٧٣ﻫ)، توفِّي والدُه وهو صغيرٌ فتربَّى في حضانة أحد أوصياء أبيه، ودرس حتَّى برع في العلم، وتولَّى التدريس، وأصبح رؤوسُ العلماء مِن كلِّ مذهبٍ تلامذتَه، كما تولَّى القضاءَ والتصنيف، له مؤلَّفاتٌ نفيسةٌ، منها: «فتح الباري»، و«تهذيب تهذيب الكمال»، و«الإصابة»، و«الدرر الكامنة» وغيرها، توفِّي سنة (٨٥٢ﻫ).
انظر ترجمته في: «الضوء اللامع» للسخاوي (٢/ ٣٦)، «حسن المحاضرة» للسيوطي (١/ ٢٠٦)، «درَّة الحجال» لابن القاضي المكناسي (١/ ٦٤)، «البدر الطالع» للشوكاني (١/ ٧٨)، «الفكر السامي» للحجوي (١/ ٢/ ٣٥٠)، «الأعلام» للزركلي (١/ ١٧٣)، «معجم الأصوليِّين» للبقا (١/ ١٧٧).
(٦٩) «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٢٤٧).
(٧٠) انظر: المصدر السابق، الجزء والصفحة نفسهما.
(٧١) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٢٤٧).
(٧٢) هو أبو محمَّد عليُّ بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالبٍ الفارسيُّ الأصل، الأندلسيُّ القرطبيُّ، تفقَّه على المذهب الشافعيِّ، وانتقل إلى المذهب الظاهريِّ، فكان قمَّةً في علوم الإسلام، يُجيد النقلَ، ويُحسن النظمَ والنثر، فقيهًا مُفسِّرًا، مُحدِّثًا أصوليًّا، طبيبًا أديبًا، مؤرِّخًا عاملًا بعلمه زاهدًا في الدنيا، ترك مؤلَّفاتٍ قيِّمةً منها: «الإحكام في أصول الأحكام»، و«المحلَّى بالحجج والآثار»، و«الفصل في المِلَل والأهواء والنِّحَل»، و«جمهرة أنساب العرب»، توفِّي سنة (٤٥٦ﻫ).
انظر ترجمته في: «معجم الأدباء» لياقوت (١٢/ ٢٣٥)، «وفيات الأعيان» لابن خلِّكان (٣/ ٣٢٥)، «جذوة المقتبس» للحميدي (٣٠٨)، «بغية الملتمس» للضبِّي (٤١٥)، «الصلة» لابن بشكوال (٢/ ٤١٥)، «سير أعلام النبلاء» (١٨/ ١٨٤) و«دول الإسلام» (١/ ٢٦٨) و«تذكرة الحفَّاظ» (٣/ ١١٤٦) كلُّها للذهبي، «مرآة الجنان» لليافعي (٣/ ٧٩)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٢/ ٩١)، «وفيات ابن قنفذ» (٥٦)، «لسان الميزان» لابن حجر (٤/ ١٩٨)، «طبقات الحفَّاظ» للسيوطي (٤٣٥)، «نفح الطيب» للمقَّري (٢/ ٧٧)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٣/ ٢٩٩)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ٣/ ٤٢)، «هديَّة العارفين» للبغدادي (٥/ ٦٩٠)، «الفتح المبين» للمراغي (١/ ٢٥٥)، «ابن حزم: فقهه وآراؤه» لمحمَّد أبو زهرة.
(٧٣) هو أبو عبد الله محمَّد بن عليِّ بن محمَّدٍ الشوكانيُّ ثمَّ الصنعانيُّ اليمنيُّ الفقيه المحدِّث الأصوليُّ النظَّار، عُرف بالإمام المجتهد، وُلد بهجرة شوكان سنة (١١٧٢ﻫ)، ونشأ بصنعاء، كان فريدَ عصره ونادرَ دهره، له مؤلَّفاتٌ كثيرة ومفيدةٌ منها: «فتح القدير» في التفسير، و«نيل الأوطار» في الحديث، و«إرشاد الفحول» في الأصول، توفِّي سنة (١٢٥٠ﻫ).
انظر ترجمته في: «البدر الطالع» للشوكاني (٢/ ٢١٤)، «الفتح المبين» للمراغي (٣/ ١٤٤)، «الرسالة المستطرفة» للكتَّاني (١١٤)، «الأعلام» للزركلي (٦/ ٢٩٨)، «معجم المؤلِّفين» لكحالة (١١/ ٥٣)، «الإمام الشوكاني، حياته وفكره» د. عبد الغنيِّ قاسم غالب الشرجبي، «الإمام الشوكاني مفسِّرًا» محمَّد حسن بن أحمد الغماري.
(٧٤) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٦/ ١٦٤)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٦٠)، وللإمام الشوكاني رسالةٌ في وجوب الصوم على من لم يفطر إذا وقع الإشعارُ بدخول رمضان في النهار [انظر: «البدر الطالع» (٢/ ٢٢٠)].
(٧٥) هو أبو زكريَّا يحيى بن شرف بن مري الشافعيُّ، الملقَّب بمحيي الدين النوويُّ، وُلد ﺑ «نوا» مِن قرى حوران في بلاد الشام سنة (٦٣١ﻫ)، كان إمامًا عالمًا بالفقه حافظًا للحديث وفنونه ورجاله، إلى جانب ذلك عُرف بالزهد والورع، وَلِيَ مشيخةَ دار الحديث ولم يأخذ من مرتَّبها شيئًا، ولم يتزوَّج، من مؤلَّفاته: «شرح صحيح مسلم»، «المجموع شرح المهذَّب»، «رياض الصالحين»، وهي كتبٌ لا غنى للعالم ـ فضلًا عن طالب العلم ـ عنها، توفِّي سنة (٦٧٦ﻫ).
انظر ترجمته في: «تذكرة الحفَّاظ» للذهبي (٤/ ١٤٧٠)، «طبقات الشافعية الكبرى» لابن السبكي (٥/ ١٦٥)، «طبقات الشافعية» لابن هداية الله الحسيني (٢٢٥)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٣/ ٢٧٨)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٥/ ٣٥٤)، «الأعلام» للزركلي (٨/ ١٤٩)، «الفتح المبين» للمراغي (٢/ ٨١)، «معجم المؤلِّفين» لكحالة (١٣/ ٢٠٢)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ٤/ ٣٤١).
(٧٦) «المجموع» للنووي (٦/ ٣٠١).
(٧٧) «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٣٥).
(٧٨) «التحقيق» لابن الجوزي (٢/ ٦٧).
(٧٩) أخرجه الترمذيُّ (٣/ ٧٤)، وأبو داود (٢/ ٧٥٤)، والنسائيُّ (٤/ ١٣١، ١٣٢)، وابن ماجه (١/ ٥٢٩)، والحاكم (١/ ٤٢٤)، والبيهقيُّ (٤/ ٢١١، ٢١٢)، والدارميُّ (٢/ ٥)، من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، والحديث ضعَّفه الألبانيُّ في «الإرواء» (٤/ ١٥).
(٨٠) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٦/ ١٦٢).
(٨١) انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٣٣)، «التلخيص الحبير» (٢/ ١٨٨) و«الدراية» (١/ ٢٧٥) كلاهما لابن حجر.
(٨٢) انظر أقوال العلماء في مسألة زيادة الثبت العدل في رواية الأخبار في: «مقدِّمة ابن الصلاح» (٤٠)، «شرح صحيح مسلم» للنووي (١/ ٣٢)، «اختصار علوم الحديث» لابن كثير (٦١)، «فتح المغيث» للسخاوي (١/ ٢١٢)، «تدريب الراوي» للسيوطي (١/ ٢٠٤)، «توضيح الأفكار» للصنعاني (٢/ ١٦)، «أسباب اختلاف المحدِّثين» للأحدب (١/ ٣٤٣).
(٨٣) هذه المسألة معروفةٌ عند الأصوليِّين ﺑ «الإجماع السكوتي»، وقد اختلف العلماء في كونه إجماعًا وحجَّةً، فالذي عليه جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة أنَّه حجَّةٌ وإجماعٌ، وفي المسألة أقوالٌ أخرى [انظر: «الإشارة» للباجي ـ بتحقيقنا ـ (٣٢١)، والمصادر المثبتة على الهامش ص: (٣٢٢)].
(٨٤) انظر: «أضواء البيان» للشنقيطي (٥/ ٢١١، ٢١٢، ٧/ ٥٥٦).
(٨٥) انظر: «إرشاد الفحول» للشوكاني (١٩١)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (٦/ ٦٣).
(٨٦) انظر: «مذكِّرة الشنقيطي في الأصول» (١٧٨).
(٨٧) انظر: المرجع السابق.
(٨٨) انظر: «وبل الغمام» للشوكاني (١/ ٤٨٨).
(٨٩) أخرجه الحاكم (١/ ٢٤٦)، والدارقطني (١٦١)، والبيهقي (٣/ ٥٧)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال السخاويُّ: «أسانيده ضعيفةٌ، وليس له إسنادٌ يثبت» [انظر: «المقاصد الحسنة» للسخاوي (٧٢٦)، «التمييز» للشيباني (٢١٣)، «كشف الخفاء» للعجلوني (٢/ ٣٦٥)، «الفوائد» للشوكاني (٢١)، «سلسلة الأحاديث الضعيفة» للألباني (١/ ٢١٧)].
(٩٠) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ٨٦)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٦).
(٩١) ووجه الإجمال فيه تردُّدُه بين نفي الصوم الحقيقيِّ الذي هو الإمساك وبين نفي الصوم الشرعيِّ، وشأن المجملِ التعطيلُ حتَّى يَرِدَ البيانُ، ولذلك لا يشترطون تبييتَ النيَّة [انظر: «أسباب اختلاف الفقهاء» لعبد الله التركي (١٧٤)].
(٩٢) انظر: «مفتاح الوصول» للشريف التلمساني (٧١٨).
المصدر ...موقع الشيخ فركوس حفظه الله
في شرح حديث تبييت النية
نصُّ الحديث:
عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ»(١)، وفي روايةٍ: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ»(٢)، ولابن ماجه والدارَقُطْنِيِّ بلفظِ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ مِنَ اللَّيْلِ»(٣).
سند الحديث:
الحديث رواه الخمسة، ورجَّح الترمذيُّ والنَّسائيُّ وَقْفَه، وصحَّحه مرفوعًا ابنُ خزيمة وابنُ حِبَّان، وقال الحاكم في «الأربعين»: «صحيحٌ على شرط الشيخين»، وفي «المستدرك»: «صحيحٌ على شرط البخاريِّ»(٤).
هذا، والحديث مع كونه ورد مرفوعًا وموقوفًا، فإنَّ ذلك لا يضعِّفه على ما ذهب إليه بعضُ أهل العلم، بل ورودُه كذلك سببٌ مُوجِبٌ للقوَّة باعتبار الطرق، كما أشار إليه ابن حزمٍ(٥)، والحديث أسنده عبد الله بن أبي بكرٍ كما ذكره الخطَّابيُّ. قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «والحديث حسنٌ يُحتجُّ به اعتمادًا على رواية الثقات الرافعين، والزيادةُ مِن الثقة مقبولةٌ»(٦).
ترجمة راوية الحديث:
هي أمُّ المؤمنين حفصةُ بنتُ أميرِ المؤمنين عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنهما، العدوية، كان مولدها قبل البعثة بخمس سنين(٧)، تزوَّجها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد خُنَيْس بنِ حُذافة السَّهْميِّ(٨) في سنة ثلاثٍ من الهجرة وطلَّقها تطليقةً، ثمَّ راجعها بأمر جبريل عليه السلام له بذلك، وقال: «إِنَّهَا صَوَّامَةٌ وَقَوَّامَةٌ، وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الجَنَّةِ»(٩)، وكفى بهذا الثناء العظيم لها شرفًا. ولها فضائل وجملةٌ من الأحاديث، توفِّيت سنة (٤٥ﻫ) أو (٤١ﻫ) عام الجماعة، وقيل غيرُ ذلك(١٠).
غريب الحديث:
ـ «بيَّت الصيامَ»: أي: نواه ليلًا(١١).
ـ «يُجْمِع»: أي يعزم، يقال: أجمعتُ على الأمر، أي: عزمتُ عليه، قال الخطَّابيُّ ـ رحمه الله ـ: «يُجْمِع مِن الإجماع، وهو إحكام النيَّة والعزيمة، يقال: أجمعتُ الرأيَ وأَزْمَعْت بمعنًى واحدٍ»(١٢).
ـ «يَفْرِضْه»: من الفرض، وهو الوجوب والإلزام(١٣).
الأحكام والفوائد المستنبطة من الحديث:
يمكن أن نستخرج الأحكام والفوائد مِن هذا النصِّ على ما يأتي:
١) قوله: «فَلَا صِيَامَ لَهُ» يفيد بظاهره أنَّ النفي متوجِّهٌ إلى الصحَّة، لأنَّها أقرب المجازين إلى الذات، أو متوجِّهٌ إلى نفي الذات الشرعية أو نفيِ العمل باعتبار حقيقته الشرعية، والمعنيان متلازمان، لأنَّ الصحَّة كلَّما وُجدت فحقيقة الصيام الشرعيِّ موجودةٌ، وكلَّما عدمت فهي معدومةٌ(١٤).
٢) ومنه يُستدلُّ على وجوب تبييتِ النيَّة وإيقاعها في أيِّ جزءٍ من الليل ليصحَّ الصيامُ، والمسألة خلافيةٌ سيأتي بيانُها.
٣) فيه دليلٌ على أنَّ النيَّة ركنٌ في الصيام، لا يصحُّ إلَّا بها(١٥).
٤) وقوله: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ ...» و«... مِنَ اللَّيْلِ»: دليلٌ يُفْهَم منه عدمُ صحَّة النيَّة قبل بداية أوَّل جزءٍ مِن أجزاء الليل، وهو الغروب ولو بلحظةٍ(١٦).
٥) وبالمقطع السابق نفسِه استدلَّ الجمهورُ على أنَّ الليل كلَّه محلُّ النيَّة ووقتُها(١٧)، خلافًا لأبي الطيِّب بنِ سَلَمة(١٨) مِنَ الشافعية، الذي يرى عدمَ صحَّة النيَّة إلَّا بعد منتصف الليل، إلحاقًا قياسيًّا على أذان الصبح والدفع مِن مزدلفة.
والظاهر أنَّ مذهب الجمهور أقوى:
• عملًا بما يفيده الحديث، ولمرجوحية قول أبي الطيِّب ـ رحمه الله ـ، فقد اتَّفق الشافعيةُ على تغليطه فيها كما ذكره النوويُّ ـ رحمه الله ـ(١٩)، ذلك لأنَّ:
• قياسه ظاهر البطلان:
١ ـ لافتقاره إلى علَّةٍ جامعةٍ بين المقيس والمقيس عليه.
٢ ـ ولأنَّه قياسٌ فاسد الاعتبار لمقابلته للنصِّ.
٣ ـ فضلًا عن نهود الفارق بينهما:
ـ من ناحية اختصاص الأذان بالنصِّ الذي لا تُدْرَك علَّتُه، والدفعِ بالنصف الثاني مِن الليل بترخيصٍ(٢٠) لا يؤدِّي إلى حرجٍ فيه، بخلاف النيَّة فتأخيرُها يؤدِّي إلى تفويت الصوم، لِـما يُعلَم مِن استغراق كثيرٍ مِن النَّاس النصفَ الثانيَ بالنوم.
ـ ولأنَّ الأذان والدفع يجوزان بعد الفجر بخلاف نيَّة الصوم، فافترقا.
٦) يستفاد من لفظ «التبييت» و«إجماع النيَّة» في الحديث: الإشارةُ إلى محلِّها وهو القلب، ومنه يُستدلُّ على أنَّ حصول النيَّة فيه كافيةٌ مِن غير حاجةٍ إلى تلفُّظ باللسان، سواءٌ هَمْسًا كان أو جهرًا(٢١).
٧) قوله: «قَبْلَ الفَجْرِ» و«مِنَ اللَّيْلِ»: يُفْهَم منه عدمُ صحَّة النيَّة بعد الفجر وانقضاء الليل ولو بلحظةٍ، وهو مذهب الجمهور، خلافًا لأبي حنيفة الذي يرى أنَّ صوم رمضان يتأدَّى بنيَّةٍ مِن بعد غروب الشمس إلى منتصف النهار ـ على ما سيأتي تفصيله ـ.
٨) ومن المقطع السابق يظهر عدمُ صحَّة صومِ مَن ظهر له وجوبُ الصيام من النهار، كالحائض والنفساء إذا طَهُرَتا في أثناء النهار والمجنونِ يفيق والصبيِّ يحتلم والكافرِ يُسلِم، وكمن انكشف له مِن النهار أنَّ ذلك اليوم مِن رمضان، فإنَّه يجب عليهم القضاءُ، وبهذا قال الشافعية(٢٢)، خلافًا لأبي حنيفة وأصحابه فإنَّهم يعتبرون صومَ مَن نوى قبل منتصف النهار صحيحًا ـ كما سيأتي ـ.
٩) وقوله: «فَلَا صِيَامَ لَهُ»: نكرةٌ في سياق النفي رُكِّبت مع «لا» النافية للجنس فَبُنِيت على الفتح، والنكرة إذا كانت كذلك فهي نصٌّ صريحٌ في العموم(٢٣)، فيَعُمُّ كلَّ صيامٍ، ولا يخرج عنه إلَّا ما قام الدليل على أنَّه لا يُشترط فيه التبييت.
ومِن هذه الصيغة عمَّم مالكٌ وزُفَرُ وداودُ الظاهريُّ والمُزنيُّ التبييتَ لسائر أنواع الصيام، الفرضِ والنفل والقضاء والكفَّارة والنذر معيَّنًا كان أو مطلقًا، وعليه استدلُّوا بالحديث على عدم جواز صوم النفل إلَّا بنيَّةٍ مِن الليل كالفرض، لعدم قيام الدليل على التخصيص، وبهذا قال ابن حزمٍ وتابعه الصنعانيُّ والشوكانيُّ(٢٤)، وهو مرويٌّ عن ابن عمر وجابر بن زيدٍ التابعيِّ وغيرهما، خلافًا لجمهور العلماء القائلين بصحَّة صوم النفل بنيَّة النهار وعليه جمهورُ السلف، وهو مرويٌّ عن عليٍّ وابن مسعودٍ وأبي أيُّوب الأنصاريِّ وابن عبَّاسٍ رضي الله عنهم(٢٥)، استنادًا لدليلٍ مخصِّصٍ لعموم النيَّة الذي رواه مسلمٌ من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ذات يومٍ فقال: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» قلنا: «لا»، فقال: «فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ»، ثمَّ أتانا يومًا آخَرَ، فقلنا: «أُهْدِيَ إِلَيْنَا حَيْسٌ»، فقال: «أَرِينِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا»، فأكل(٢٦)، ولم يكن طَلَبُه للطعام عبثًا، وإنَّما كان لإرادة الأكل، فلمَّا لم يجد نوى الصومَ(٢٧)، ويؤيِّد تخصيصَ عموم حديث النيَّة ـ جمعًا بين النصوص ـ روايةُ: «إِذًا أَصُومُ»، ومعناه: أبتدئ نيَّةَ الصيام، وقد رواها الدارقطنيُّ والبيهقيُّ وقالا: «هذا إسنادٌ صحيحٌ»(٢٨)، كما استدلُّوا بحديث سَلَمة بن الأكوع رضي الله عنه(٢٩) في جواز صوم عاشوراء بنيَّةٍ من نهارٍ.
والمختار ـ عندي ـ مذهبُ مَن تمسَّك بعموم التبييت وعدمِ العمل بخصوص حديث عائشة رضي الله عنها، لاحتماله أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم قد نوى الصومَ مِن الليل، وإنَّما أراد الفطرَ لمَّا ضعف عن الصوم، ذلك لأنَّ لفظة: «إذًا» صلةٌ ـ عند أهل اللغة ـ إذا كانت متوسِّطةً، وعليه يُحمل المعنى على أنَّه خبرٌ عن صيامٍ متقدِّمٍ لا صيامٍ ابتدأه لوقته(٣٠)، وتؤيِّد هذا المعنى روايةُ: «فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا» ورواية: «قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا»، وفي أخرى: «أَمَا إِنِّي قَدْ أَصْبَحْتُ وَأَنَا صَائِمٌ»(٣١)، وليس في الحديث ـ أيضًا ـ أنَّه أصبح مفطرًا ثمَّ نوى الصومَ نهارًا، فلو كان كذلك لبيَّنه ولنُقل إلينا.
ثمَّ إنَّ حديث حفصة رضي الله عنها أمرٌ قوليٌّ وحديث عائشة فعلٌ محتملٌ، و«طَاعَتُهُ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي أَمْرِهِ أَوْلَى مِنْ مُوَافَقَتِهِ فِي فِعْلٍ لَمْ يَأْمُرْنَا بِمُوَافَقَتِهِ فِيهِ بِاتِّفَاقِ المُسْلِمِينَ»(٣٢)، وخاصَّةً مع وجود الاحتمال السابق، لأنَّ «المُحْتَمَلَ يُرَدُّ إِلَى العَامِّ»، وحديث عائشة أعمُّ مِن أن يكون بيَّت الصومَ، ولا يمكن الاحتجاج بمذهب الصحابيِّ في هذه الحال، لأنَّه ظهر له مخالِفٌ مِن الصحابة، إذ المقرَّر في الأصول: «أَنَّ الصَّحَابَةَ إِذَا اخْتَلَفُوا لَمْ يَجُزِ العَمَلُ بِأَحَدِ القَوْلَيْنِ إِلَّا بِتَرْجِيحٍ».
ورواية: «إِذًا أَصُوم» قد رَدَّ إسنادَها ابنُ التركمانيِّ بقوله: «كيف يكون صحيحًا وفيه سليمانُ بن معاذٍ، ويقال له: سليمان بن قرم، قال ابن معينٍ: ليس بشيءٍ، وفي «الميزان»: قال ابن حبَّان: كان رافضيًّا، ومع ذلك يقلِّب الأخبارَ؟»(٣٣).
وقد بيَّن الألبانيُّ ـ رحمه الله ـ بأنَّ الجمهور ضعَّفوه، وقال: «هو بلا شكٍّ سيِّئُ الحفظ، فيمكن الاستشهاد بحديثه، وأمَّا الاحتجاج به فلا»(٣٤).
قلت: ولو صحَّ لوجب تقديمُ الروايات الأصحِّ عليه، منعًا للاضطراب ودفعًا للشذوذ.
وأمَّا الاستدلال بحديث عاشوراء فخارجٌ عن محلِّ النزاع، لأنَّ المتنازَع فيه إنَّما هو الصيام الواجب المقدورُ عليه، وإيقاع النيَّة مِن نهارٍ في صوم عاشوراء بعد النداء إنَّما صحَّ ضرورةً لأهل الأعذار ـ كما سيأتي ـ.
وعليه يتعيَّن البقاءُ على الأصلين المتمثِّلين في عموم حديث التبييت ـ من جهةٍ ـ، وعدمِ الفرق بين الفرض والنفل والقضاء والنذر ـ من جهةٍ أخرى ـ ما لم يقم ما يرفعهما(٣٥)، و«النَّصُّ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ بِمَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ إِلَّا إِذَا كَانَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ خَالَفَهُ».
١٠) في الحديث دليلٌ ـ أيضًا ـ على وجوب تبييت النيَّة لكلِّ يومٍ باعتبار أنَّ صوم كلِّ يومٍ عبادةٌ مستقلَّةٌ، وإلى هذا القول ذهب أبو حنيفة والشافعيُّ وروايةٌ عن أحمد والأبهريُّ مِن المالكية(٣٦)، وخالف في الاستدلال بهذا الحديثِ مالكٌ وإسحاق وروايةٌ أخرى عن أحمد، حيث يرى هؤلاء إجزاءَ الصوم بنيَّةٍ واحدةٍ لجميع الشهر في أوَّله باعتبار أنَّ صوم الشهر عبادةٌ واحدةٌ، عملًا بقياس الصوم على الحجِّ في إجزائه بنيَّةٍ واحدةٍ، واستنادًا إلى قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»(٣٧)، إذ ليس للعامل مِن عمله إلَّا ما نواه وقد نوى صيامَ شهرٍ(٣٨).
والمختار المذهب الأوَّل، لأنَّ الذي يدلُّ على أنَّ كلَّ يومٍ عبادةٌ مستقلَّةٌ لا أنَّ الشهر كلَّه عبادةٌ واحدةٌ: أنَّ فساد بعض أيَّام الشهر لا يَلزم منه فسادُ الكلِّ أو البعض الآخَر، ولأنَّه لو وطئ الصائمُ امرأتَه في أيَّامٍ متعدِّدةٍ لتعدَّدت الكفَّارةُ عليه، ولا تتعدَّد إلَّا إذا كان كلُّ يوم عملًا برأسه(٣٩)، ولأنَّ الشهر قد يتخلَّله في ليله ما لا يُباح في نهاره كالطعام والشراب والنكاح، الأمر الذي يفارق فيه الحجَّ باعتباره عملًا واحدًا، والإخلال بأحد أركانه يقتضي فسادَه كلِّيَّةً، ولذلك تجزئ فيه النيَّةُ الواحدة، على أنَّ «نِيَّةَ العَامِلِ لَا تُصَحِّحُ فَسَادَ العَمَلِ» ولو كانت صالحةً أو حسنةً.
فقه الحديث:
اتَّفق العلماء على أنَّه لا يجوز تأخيرُ نيَّةِ صومِ الكفَّارة وقضاءِ رمضانَ والنذرِ المطلق، ولا يصحُّ إلَّا بنيَّةٍ مِن الليل(٤٠)، واختلفوا في جوازِ صومِ رمضانَ بنيَّةٍ مِن النهار على مذهبين:
• المذهب الأوَّل: يرى صحَّةَ تأدية صومِ رمضان بنيَّةٍ مِن غروب الشمس إلى منتصف النهار، كما يجوز بمطلق النيَّة وبنيَّة النفل، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه(٤١).
• المذهب الثاني: يرى عدمَ صحَّةِ صومِ رمضان إلَّا بنيَّةٍ مِن الليل، وهو مذهب جماهير العلماء مِن السلف والخلف، وبه قال مالكٌ والشافعيُّ وأحمد وإسحاق بن راهويه وداود الظاهريُّ(٤٢).
أوَّلًا: أدلَّة الفريقين:
استدلَّ كلٌّ من الفريقين المتعارضين في هذه المسألة بجملةٍ من الأدلَّة، نستعرضها مع الفريق الأوَّل المتمثِّل في مذهب الأحناف أوَّلًا، ثمَّ الفريق الثاني في رأي الجمهور ثانيًا.
١) أدلَّة مذهب الأحناف القائلين بجواز صومه بنيَّةٍ من النهار:
احتجَّ الأحناف بالكتاب والسنَّة والقياس:
• أمَّا الكتاب: فبقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِ﴾ [البقرة: ١٨٧].
ووجه دلالة الآية: أنَّها تأمر بالصوم متراخيًا عن أوَّل النهار بدلالة حرفِ: «ثمَّ» الذي يفيد التعقيبَ مع التراخي، وهذا بعد إباحة الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر، والأمر بالصوم أمرٌ بالنيَّة، إذ هي ركنٌ في صحَّة الصوم شرعًا، فلَزِم منه الصومُ بنيَّةٍ متأخِّرةٍ عن أوَّل النهار، لأنَّ العزيمة تصير كذلك بعد الفجر لا محالة، فيخرج مِن عهدة الامتثال مَن أتى به، لأنَّه أتى بالمأمور به(٤٣).
وتدلُّ ـ من جهةٍ أخرى ـ على «أنَّ الإمساك في أوَّل النهار يقع صومًا وُجدت النيَّةُ أو لم توجَد، لأنَّ إتمام الشيء يقتضي سابقيةَ وجود بعضٍ منه، ولأنه صام رمضان في وقتٍ متعيِّنٍ شرعًا لصوم رمضان لوجود ركن الصوم مع شرائطه التي ترجع إلى الأهلية والمحلِّية»(٤٤).
• أمَّا بالسنة: فقد احتجُّوا بحديث سَلَمة بن الأكوع(٤٥) رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعث رجلًا ينادي في الناس يوم عاشوراء(٤٦): «أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ أَوْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلَا يَأْكُلْ»، وفي روايةٍ قال: «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ اليَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ»(٤٧).
واحتجَّ صاحب «الهداية»(٤٨) برواية ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ أعرابيًّا شهد عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم برؤية الهلال فأمر مناديَه أن يناديَ: «مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ»(٤٩).
ووجه دلالة الحديث: أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم أمر بالصوم الشرعيِّ في أثناء النهار، وهذا يقتضي القدرةَ عليه، لأنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم بُعث لبيان الأحكام الشرعية وآمرًا بها، ولو شُرطت النيَّةُ مِن الليل لَما كان قادرًا عليه، فدلَّ على عدم اشتراطها(٥٠)، وقد كان صومُ عاشوراء واجبًا، فدلَّ ذلك على جوازِ صومِ رمضانَ بنيَّةٍ مِن النهار، وإن اعتُرِض بأنَّ الحديث منسوخٌ ﻓ «لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَنْسُوخًا نَسْخُ كُلِّ الأَحْكَامِ المُتَعَلِّقَةِ بِهِ»، ذلك لأنَّ الحديث دلَّ على أمرين:
ـ أحدهما: وجوب صوم عاشوراء.
ـ والثاني: أنَّ الصوم الواجب في يومٍ بعينه يصحُّ بنيَّةٍ مِن النهار.
فلا يَلزم مِن نسخِ الأوَّل نسخُ الثاني(٥١).
ثمَّ إنَّ وضوح حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما الذي استدلَّ به صاحبُ «الهداية» صريحٌ في محلِّ النزاع لوقوعه في رمضان، بدليل تعلُّقه برؤية الهلال، فكان ذلك حجَّةً كافيةً وشاهدًا قويًّا على صحَّة المذهب.
• أمَّا بالقياس: فاستدلُّوا بقياس نيَّة الصوم على نيَّة الصلاة في جواز تقديمها على المَنْويِّ بجامعِ أنَّهما عبادتان، فإذا جاز تقديمُ النيَّة مِن أوَّل الغروب جاز تأخيرُها بجامع التيسير ودفعِ الحرج، إذ إنَّ كثيرًا مِن الناس يتحرَّجون إذا لم تَجُزْ مِن النهار، كالذي نَسِيَها ليلًا، أو كالتي طهرت مِن حيضها قبل الفجر ولم تعلم إلَّا بعده، أو كبلوغ الصبيِّ وإقامة المسافر وإسلام الكافر بعد الفجر، وإذا ثبت هذا فإنَّ المعنى الموجود في النيَّة المتقدِّمة موجودٌ في النيَّة المتأخِّرة فحصل المطلوب(٥٢).
هذا، وقد اعتذر الأحناف عن الأخذ بحديث الباب بجملةٍ مِن الاعتذارات تظهر على الترتيب التالي:
ـ أنَّ حديث الباب لا تقوم به حجَّةٌ لاضطرابه وعدمِ صحَّة رفعِه على ما ذكره جماعةٌ مِن الحفَّاظ ورجَّحوا وَقْفَه، قال البخاريُّ: «والصحيح عن ابن عمر موقوفٌ»، وصحَّح الترمذيُّ وَقْفَه ـ أيضًا ـ، وقال النسائيُّ: «الصواب عندي موقوفٌ ولم يصحَّ رفعُه»(٥٣)، وقال الطحاويُّ ـ رحمه الله ـ(٥٤): «هذا الحديث لا يرفعه الحفَّاظ الذين يروونه عن ابن شهابٍ، ويختلفون عنه فيه اختلافًا يوجب اضطرابَ الحديث بما هو دونه»(٥٥)، وإذا ثبت الوقفُ فلا تقوم به حجَّةٌ(٥٦)، ولا يقوى على المقاومة، لأنَّ حديث عاشوراء أصحُّ.
ـ ومع التسليم بصحَّة الحديث مرفوعًا فهو مِن أخبار الآحاد، وقد تضمَّن الزيادةَ على النصِّ، فلو وجبت هذه الزيادةُ لكانت نسخًا للمُطْلَقات الثابتةِ بالقرآن، وخبرُ الآحاد لا يصلح ناسخًا للكتاب(٥٧)، لأنَّ «المَظْنُونَ لَا يَنْسَخُ المَقْطُوعَ»(٥٨).
ـ وعلى تقدير صلاحيته للاحتجاج، ولدفع التعارض؛ وجب تأويلُه وحَمْلُه على المحامل التالية:
• حَمْل الحديث على صوم الكفَّارة وقضاء رمضان والنذر المطلق(٥٩).
• حَمْله على نفي الفضيلة والكمال، فيكون مراده: «لا صيام كامل أو أفضل لمن لم يبيِّت النِّية مِن الليل»، كقوله: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ المَسْجِدِ إِلَّا فِي المَسْجِدِ»(٦٠).
• حَمْلُه على النهي عن تقديم النيَّة على الليل، بأن نوى قبل غروب الشمس أن يصوم غدًا، أو حَمْله على نفي نيَّة الصيام، أي: لا صيام لمن لم يَنْوِه مِن الليل، بأن نوى الصيام مِن وقتِ نوى مِن النهار، فيكون الجارُّ والمجرور في الحديث ـ وهو «من الليل» ـ متعلِّقًا ﺑ «صيام» الثاني لا «يبيِّت»(٦١).
٢) أدلَّة مذهب الجمهور المانعين مِن صومه بنيَّةٍ مِن نهارٍ:
احتجَّ الجمهور بالسنَّة والقياس:
• أمَّا بالسنَّة: فبحديث الباب استدلُّوا على عدمِ صحَّةِ صومِ رمضان إلَّا بنيَّةٍ من الليل في أيِّ جزءٍ مِن أجزائه، وعليه لا يصحُّ التبييت قبل أوَّل أجزائه وهو الغروب، ولا بعد انقضاء آخر أجزائه.
• أمَّا استدلالهم بالقياس: فبإلحاق صوم رمضان على القضاء والكفَّارة بجامع فرضية الصوم ووجوبه في الكلِّ، فلمَّا كان تأخيرُ نيَّة الصوم في القضاء والكفَّارة لا يصحُّ إلَّا بنيَّةٍ من الليل وجب إلحاقُ الفرع بأصله المتَّفق عليه(٦٢).
ثانيًا: مناقشة الأدلَّة السابقة:
نتعرَّض ـ أوَّلًا ـ إلى مناقشة أدلَّة الأحناف فيما ذهبوا إليه، ثمَّ النظر في مدى صحَّة اعتذاراتهم في عدم الأخذ بحديث الباب، ونستتبع ذلك ـ ثانيًا ـ بمناقشة صحَّة القياس الذي استدلَّ به الجمهور على مذهبهم.
١) مناقشة أدلَّة الأحناف:
• بخصوص الآية التي احتجَّ بها الأحناف، فإنَّه لا يَلزم مِن الأمر بالصوم الأمرُ بالنيَّة، لأنَّ وجوبها في الصوم لم يكن بمجرَّد الأمر بالصوم، بل بورود أدلَّةٍ خارجيةٍ أخرى تثبتها مثل قوله تعالى: ﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ﴾ [البيِّنة: ٥]، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»(٦٣).
والتأسيس على أنَّ الآية تأمر بالصوم بنيَّةٍ متأخِّرةٍ عن أوَّل النهار ظاهرُ الفساد وما بُني عليه مثلُه، إذ لو كان حقًّا لكان الإتيان بالنيَّة بعد طلوع الفجر أفضلَ مِن غيرها، وهو قولٌ لا يجيزه الأحنافُ فضلًا عن الجمهور، ومِن ناحيةٍ أخرى فإنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بيَّن هذه الآيةَ بالتنصيص على النيَّة وتعيين وقتها مِن الليل، فوجب المصير إلى سنَّته والأخذُ ببيانه.
وما استنبطه الأحناف مِن الآية مِن أنَّ الإمساك يقع صومًا، وُجدت النيَّة أو انتفت، فلا يخفى معارضتُه لحديث الباب ولحديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، الذي ينصُّ صراحةً على أنَّه لا عَمَلَ إلَّا بنيَّةٍ.
ـ أمَّا حديث سَلَمة بنِ الأكوع رضي الله عنه فقد عورض بأنَّ عاشوراء لم يكن واجبًا، وإنَّما كان تطوُّعًا شديدَ التأكيد(٦٤)، بدليل حديث معاوية رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ»(٦٥)، فالحديث نصَّ صراحةً على عدم وجوبه بقوله: «وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ»، وقوله: «فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ»، إذ: «التَّخْيِيرُ يُنَافِي الوُجُوبَ».
ويؤيِّد ذلك عدمُ النقل عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه أوجب على مَن أفطر قضاءَه، ﻓ «مَا لَمْ يَجِبْ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ».
غير أنَّ القول بتطوُّعية صوم عاشوراء يعارضه حديثُ عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ»(٦٦)، وفي روايةٍ أخرى عنها قالت: «فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ صِيَامَهُ»(٦٧)، والحديث يدلُّ على أنَّ صوم عاشوراء كان واجبًا، وأنَّ وجوبه نُسِخ بفرضية رمضان.
وقد حقَّق الحافظ ابن حجرٍ ـ رحمه الله ـ(٦٨) هذه المسألةَ ونَظَم متفرِّقَها بقوله: «ويؤخذ مِن مجموع الأحاديث أنَّه كان واجبًا لثبوت الأمر بصومه، ثمَّ تأكَّد الأمرُ بذلك، ثمَّ زيادة التأكيد بالنداء العامِّ، ثمَّ زيادته بأمرِ كلِّ مَن أكل بالإمساك، ثمَّ زيادته بأمر الأمَّهات أن لا يرضعن فيه الأطفالَ، وبقول ابن مسعودٍ الثابت في «صحيح مسلم»: «لَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ»، مع العلم بأنَّه ما تُرك استحبابُه، بل هو باقٍ، فدلَّ على أنَّ المتروك وجوبُه»(٦٩).
ويزيد تأكيدَ الوجوب أنَّ مَن شهد أَمْرَه بصوم عاشوراء والنداءَ بصومه في السنَّة الأولى أو أوائل العام الثاني إنَّما هم الصحابةُ السابقون الذين روَوُا الوجوبَ، بخلاف راوي عدم الوجوب، فلم يشهد معاويةُ ما شهد أولئك باعتبار أنَّه مِن مُسْلِمَة الفتح(٧٠).
ومع ذلك يمكن الجمعُ بين الأحاديث السابقة التي ظاهرُها التعارض بحملِ حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في قوله عليه الصلاة والسلام: «وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ» على عدم فرضيته بقوله عزَّ وجلَّ: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ﴾ [البقرة: ١٨٣]، أو يُحْمَل على أنَّ فرضيته لم تتقرَّر على سبيل الدوام والاستمرار كما هو حالُ صيام رمضان(٧١).
هذا، ومع التسليم بعدم نسخِ الصوم الواجب في يومٍ معيَّنٍ بنيَّةٍ مِن نهارٍ، فإنَّ جوابه يظهر مِن جهتين:
ـ الجهة الأولى: أنَّ الاستدلال به خارجٌ عن محلِّ النزاع، لأنَّ المتنازَع فيه هو الصيام الواجب المقدور عليه، وإيقاع النيَّة مِن نهارٍ في صوم عاشوراء بعد النداء إنَّما صحَّ ضرورةً لأهل الأعذار، ذلك لأنَّ تبييت النيَّة أمرٌ متعذِّرٌ عليهم، والرجوع إلى الليل غيرُ مقدورٍ، فكان الجواز خاصًّا بمن ظهر له وجوبُ الصيام مِن النهار، كالمجنون يفيق والصبيِّ يحتلم والمُغمى عليه يصحو والكافرِ يُسلم والمسافرِ يقيم، على ما ذهب إليه ابن حزمٍ(٧٢) الظاهريُّ وتبعه في ذلك الشوكانيُّ(٧٣)، بخلاف القادرين فلا يصحُّ منهم صيامٌ إلَّا بتبييت النِّيَّة مِن الليل كما أرشد إليه حديثُ الباب(٧٤).
ـ الجهة الثانية: تتمثَّل في إلحاقِ صورةِ صيامِ عاشوراءَ بنيَّةٍ مِن نهارٍ على صورة استقبال أهل قباء بالاستدارة نحو الكعبة، بجامعِ أنَّهم لم يبلغهم الحكمُ ولم يخاطَبوا بما قبله، وفق هذا المنظور يقول النوويُّ(٧٥) ـ رحمه الله ـ ما نصُّه: «ولو سلَّمْنا أنَّه كان فرضًا فكان ابتداءُ فرضه عليهم مِن حينِ بَلَغَهم، ولم يخاطَبوا بما قبله، كأهل قباء في استقبال الكعبة، فإنَّ استقبالها بَلَغهم في أثناء الصلاة، فاستداروا وهم فيها مِن استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة، وأجزأتهم صلاتُهم حيث لم يبلغهم الحكمُ إلَّا حينئذٍ، وإن كان الحكمُ باستقبال الكعبة قد سبق قبل هذا في حقِّ غيرهم، ويصير هذا كَمَن أصبح بلا نيَّةٍ ثمَّ نَذَر في أثناء النهار صَوْمَ ذلك اليوم»(٧٦).
• وقد وَهِمَ أبو الحسن المرغينانيُّ صاحب «الهداية» في الحديث الذي ساقه في استدلاله بشهادة الأعرابيِّ في رؤية الهلال مِن حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال الزيلعيُّ ـ رحمه الله ـ: «حديثٌ غريبٌ»(٧٧)، وذكره ابن الجوزيِّ في «التحقيق» وقال: «وهذا لا يُعرف، وإنَّما المعروف أنَّه شهد عنده أعرابيٌّ برؤية الهلال، فأمر أن يُنادى في الناس أن تصوموا غدًا»(٧٨)، ومع ذلك فلفظُ حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما الذي أخرجه أصحابُ السنن وغيرهم: أنَّ أعرابيًّا جاء إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «إِنِّي رَأَيْتُ الهِلَالَ»، فَقَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟» قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ؟» قال: «نعم»، قال: «فَأَذِّنْ فِي النَّاسِ ـ يَا بِلَالُ ـ أَنْ يَصُومُوا غَدًا»(٧٩)، ضعيفٌ لا تقوم به حجَّةٌ، ومع التسليم بها فليس في هذا اللفظ مِن الحديث ما يُستَدَلُّ به على محلِّ النزاع، لأنَّ رؤية الأعرابيِّ وأَمْرَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالصوم كان في الليل، كما يظهر ذلك جليًّا مِن قوله: «أَنْ يَصُومُوا غَدًا».
• وأمَّا استدلالهم بالقياس فغيرُ ناهضٍ لأنه يَلْزَم مِن إعمال قياسهم صحَّةُ الصوم بنيَّةٍ مِن نهارٍ بعد الزوال إلحاقًا بما قبله، بجامع التيسير ورفعِ الحرج، إذ العسر والضيق والحرج يوجَد بعد الزوال أيضًا، والأحناف يمنعون صحَّةَ النيَّة بعد الزوال، و«إِذَا كَانَ اللَّازِمُ بَاطِلًا فَالمَلْزُومُ مِثْلُهُ».
ولعلَّ الحرج والمشقَّة في جواز تأخير النيَّة مِن نهارٍ خاصٌّ بغير القادرين على الرجوع إلى الليل دون القادرين، لانتفاء الحرج في إيجابها عليهم مِن الليل ـ كما تقدَّم مِن مذهب ابن حزمٍ ومَن تبعه ـ، وما جاز لأجل الضرورة لا يَلزم جوازُه في غيرها.
٢) مناقشة اعتذارات الأحناف:
أمَّا اعتذارات الأحناف في عدم الأخذ بحديث الباب فقد نوقشت على الوجه التالي:
١ ـ إعلال الحديث بسبب الاضطراب في رفعه ووقفه ليس سببًا موجِبًا لتضعيفه، بل العكس، فإنَّ روايته بطريق الرفع والوقف موجِبٌ لقوَّة الحديث، ولهذا يرى ابن حزمٍ أنَّ الاختلاف في الخبر يزيده قوَّةً(٨٠)، وخاصَّةً أنَّ الذي رَفَعه ثقةٌ ثبتٌ، فقَدْ رواه مسنَدًا عبدُ الله بن أبي بكرٍ الصدِّيق(٨١) وابن عمر ـ أيضًا ـ رضي الله عنهم، والرفع زيادةٌ، و«زِيَادَةُ العُدُولِ الثِّقَاتِ مَقْبُولَةٌ» ـ كما تقرَّر في الأصول وعلوم الحديث ـ(٨٢).
وعلى تقدير عدم صحَّته مرفوعًا فقد اشتُهر موقوفًا بأسانيدَ صحيحةٍ عن ثلاثةٍ مِن الصحابة، وهم: ابن عمر وحفصة بنت عمر وعائشة بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهم، ولم يُعْلَم لهم مخالفٌ مِن الصحابة، فيكون حجَّةً عند أكثر العلماء وأصحاب أبي حنيفة(٨٣).
وحديث سَلَمَة بنِ الأَكْوَع الدالُّ على جواز صوم عاشوراء بنيَّةٍ من نهارٍ ـ وإن كان أصحَّ سندًا مِن حديث الباب ـ فلا يعارضه لخروجه عن محلِّ النزاع ـ كما قدَّمْنا ـ، لأنَّ المتنازَع فيه هو الصيام الواجب المقدور: هل يصحُّ إيقاع النيَّة مِن النهار فيه مِن غير عذرٍ مقترِنٍ به؟ وحديث عاشوراء مغايرٌ، لأنَّه خاصٌّ ضرورةً لأهل الأعذار لتعذُّر الرجوع إلى الليل واستحالته.
٢ ـ والاعتراض على حديث الباب بأنَّه مِن أخبار الآحاد، فلا يصلح ناسخًا للكتاب، لكونه زيادةً على النصِّ القرآنيِّ فيُعتبر نسخًا؛ فإنَّ التحقيق في مسألة الزيادة على النصِّ هو التفصيلُ: فإن كانت الزيادةُ أثبتت حكمًا نفاه النصُّ المتواتر أو نَفَتْ حكمًا أثبتَه النصُّ المتواتر فهي نسخٌ له، وإن كانت الزيادة لم تتعرَّض للنصِّ بنفيٍ ولا إثباتٍ، بل زادت شيئًا سكت عنه النصُّ؛ فلا يجوز أن يكون نسخًا، لأنَّها إنَّما رفعت الإباحةَ العقلية التي هي البراءةُ الأصلية، ورفعُها ليس نسخًا إجماعًا، لأنَّ النسخ هو: «رَفْعُ الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ المُتَأَخِّرِ عَنْهُ»، والبراءة ليست حكمًا شرعيًّا، وإنَّما هي حكمٌ عقليٌّ(٨٤).
والقول بأنَّ المتواتر لا يُنسخ بالآحاد غيرُ صحيحٍ ـ على التحقيق ـ، وإن خالف جمهورُ الأصوليِّين ذلك، لأنَّ أخبارَ الآحادِ الصحيحةَ الثابتَ تأخُّرُها عن النصِّ المتواتر لا منافاة بينها أصلًا، ولا تعارُض ألبتَّة حتَّى يترجَّح المتواتر على الآحاد، إذ لا تناقُض بين خبرين اختلف زمنُهما لجواز صدقِ كلٍّ منهما في وقته، وإيضاح ذلك: أنَّ المتواتر في وقته قطعيٌّ، ولكنَّ استمرار حكمه إلى الأبد غيرُ قطعيٍّ، فنسخُه بالآحاد إنَّما نفى استمرارَ حكمه الذي لا قطعية في دلالته على دوام حكمه، ولذلك لا وجه لردِّ خبر الآحاد لأنَّ كلًّا منهما حقٌّ في وقته(٨٥).
٣ ـ أمَّا التأويلات الواردة على حديث الباب فالجواب عنها فيما يلي:
أ) حملُ حديث الباب على صوم الكفَّارة والقضاء والنذر يخالف المعنى الظاهرَ مِن زاويتين:
ـ الأولى: أنَّ العموم ظاهرٌ في كلِّ صومٍ لورود النكرة في سياق النفي.
ـ الثانية: أنَّه يَسبِق إلى الفهم مِن لفظ «الصوم» الصومُ الأصليُّ الذي يكون وقوعُه غالبًا في النصِّ المتبادِر منه وهو الفرضُ والنفل، أمَّا القضاء والكفَّارة والنذر فإنَّ وجوبَه بعارضٍ ووقوعَه نادرٌ(٨٦).
وبناءً عليه، فإنَّه «لَا يَصْلُحُ أَنْ يُصَارَ إِلَى المُحْتَمَلِ المَرْجُوحِ بِإِرَادَةِ العَارِضِ النَّادِرِ مَعَ وُجُودِ الرَّاجِحِ الظَّاهِرِ» المتمثِّل في إرادة الأصل الغالب مِن النصِّ إلَّا بدليلٍ أقوى منه يدلُّ على صرف اللفظ عن ظاهره المتبادِر منه إلى المحتمل المرجوح، كما هو مقرَّرٌ في علم الأصول، وحديثُ عاشوراء لا يصلح صارفًا ـ كما سبق بيانُه ـ، وصرفُه به على هذا النحو مِن التأويل البعيد(٨٧).
ب) حملُ الحديث على نفي الفضيلة والكمال لا يستقيم، لأنَّ «الأَصْلَ اتِّجَاهُ النَّفْيِ إِلَى الصِّحَّةِ» لكونها أقربَ المجازين إلى الذات، أو نفيِ العمل باعتبار حقيقته الشرعية، ولا يُعدل عن هذا الظاهر إلَّا بدليلٍ أقوى(٨٨) على ما تقدَّم إيضاحُه، وحديث: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ المَسْجِدِ إِلَّا فِي المَسْجِدِ» ضعيفٌ لا تقوم به الحجَّةُ(٨٩)، ولو صحَّ لوجب حملُه على نفيِ صحَّةِ صلاة جار المسجد إلَّا فيه، لأنَّ الصحَّة كلَّما وُجدت فحقيقةُ الصلاة الشرعية موجودةٌ، وكلَّما عدمت فهي معدومةٌ.
ج) أمَّا التأويل الأخير فغريبٌ وبعيدٌ، يردُّه نصُّ الحديث المرفوع والأحاديث الموقوفة التي تصرِّح بوجوب إيقاع النيَّة مِن الليل.
٣) مناقشة أدلَّة الجمهور:
• أمَّا حديث الباب الذي احتجَّ به الجمهورُ على مذهبهم فقَدِ اعترض عليه الأحنافُ بجملةٍ مِن الاعتراضات تقدَّم ذكرُها.
• أمَّا قياس الجمهور فَفُنِّدَ بظهور الفارق بين المقيس والمقيس عليه، ومناطُ الفرق يظهر في أنَّ الوقت في القضاء والكفَّارة غيرُ متعيِّنٍ لهما شرعًا، بخلاف صوم رمضان فإنَّ الوقت فيه متعيِّنٌ، لأنَّ خارجَ رمضان متعيِّنٌ للنفل، ولا يكون لغيره إلَّا بتعيُّنه، فإذا لم يَنْوِ من الليل صومًا آخَر بقي الوقتُ متعيِّنًا للتطوُّع فلا يملك تغييرَه(٩٠).
ثالثًا: سبب اختلاف العلماء:
يرجع سبب الخلاف في هذه المسألة ـ عند التأمُّل ـ إلى المسائل التالية:
١ ـ في النصوص الشرعية الواردة في المسألة التي ظاهرُها التعارض.
٢ ـ في الاضطراب الحاصل في حديث حفصة رضي الله عنها بين صحَّة الرفع أو الوقف.
٣ ـ في صحَّةِ أن تكون الزيادةُ على النصِّ نسخًا، وفي صحَّة نسخِ المتواتر بالآحاد.
٤ ـ في توهُّم الإجمال الوارد على النفي المضاف إلى جنس الفعل مِن حديث حفصة رضي الله عنها(٩١).
٥ ـ في صلاحية حديثِ سَلَمةَ بنِ الأكْوَع «حديث عاشوراء» أن يكون دليلًا صارفًا للَّفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى المحتمَل المرجوح.
٦ ـ في تقرير وجود ارتباطٍ وتلازمٍ بين الحكمين اللذين تضمَّنهما حديث سَلَمة بن الأكوع حتَّى يَلزم مِن رفعِ أحد الحكمين رفعُ الآخر.
٧ ـ في توهُّم سريان نسخِ حكمٍ مِن أحكام الأصل المقيس عليه إلى الحكم الذي يُطلب مثلُه في الفرع(٩٢).
رابعًا: الرأي المختار:
بعد الاطِّلاع على أدلَّة الفريقين المتعارضين والوقوفِ على سبب اختلافهم، فإنَّه يترجَّح مذهبُ الجمهور للاعتبارات التالية:
• لقوَّة أدلَّتهم وضعف أدلَّةِ مخالفيهم واعتذاراتهم على ما ظهر أثناء المناقشة.
• ولأنَّ حديث الباب رُوِي مسنَدًا وموقوفًا، والرفع زيادةٌ، والزيادة مِن الثقة مقبولةٌ ـ كما تقرَّر في الأصول وعلوم الحديث ـ.
• ولأنَّ الزيادة في الحديث لم تتعرَّض للنصِّ القرآنيِّ بنفيٍ ولا إثباتٍ، وإنَّما زادت شيئًا سكت عنه النصُّ فلا يُعتبر نسخًا، لأنَّها رفعت الإباحةَ العقلية، ولأنَّه لا وجه لردِّ خبر الآحاد الصحيح الثابتِ تأخُّرُه عن المتواتر، إذ لا تعارُض ألبتَّة بينهما ولا تناقُض بين نصَّين اختلف زمنُهما لجواز صدقِ كلِّ واحدٍ منهما في وقته، فنسخُ المتواتر بالآحاد إنَّما رَفَع استمرارَ حكم المتواتر، ودلالةُ المتواتر على استمرار حكمه ليست قطعيةً حتَّى يُمنع نسخُها بأخبار الآحاد الصحيحة.
• وإذا سلَّمْنا أنَّ الزيادةَ على النصِّ نسخٌ فلا نسلِّم أنَّ الآية نصٌّ، بل إنَّ المطلق ظاهرٌ في معناه لا نصٌّ، وإذا كان ظاهرًا جاز تأويلُه بخبر الواحد.
• ولأنَّ حديث عاشوراء ـ وإن استُظهر بعدم لزوم نسخِ صحَّةِ تعيين يومٍ مِن الصوم الواجب بنيَّةٍ مِن نهارٍ مِن نسخِ وجوب عاشوراء بالنظر لعدم وجود ارتباطٍ وتلازمٍ بين الحكمين ـ إلَّا أنَّ الحكم الثانيَ المحكمَ غيرَ المنسوخ خارجٌ عن محلِّ النزاع من جهةٍ، ولا يصلح صارفًا ـ من جهةٍ أخرى ـ لظاهر حديث الباب للعلَّة نفسِها.
وعليه، لم يُبْنَ الفرعُ على الأصل في الحكم المنسوخ بل في حكمٍ آخر، ولا يَلزم مِن نسخ حكم الوجوبِ نسخُ حكم التبييت المقيسِ على الأصل فيه.
• وأمَّا الإجمال فبعيدٌ؛ لأنَّ المجمل هو: «مَا احْتَمَلَ مُسَمَّيَاتٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَجُوز أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لِلْمُتَكَلِّمِ»، وهذا معدومٌ في حديث حفصة رضي الله عنها؛ لأنَّ «النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بُعِثَ لِبَيَانِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَا الأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ، فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى المَعْهُودِ مِنْ عُرْفِ الشَّرْعِ».
• والتعارض بين الأدلَّة منتفٍ إذا ما حَمَلْنا حديثَ الباب على الصيام الواجب المقدور في وجوب إيقاع النيَّة مِن الليل، وحَمَلْنا حديث سَلَمةَ بنِ الأَكْوَع رضي الله عنه «حديث عاشوراء» على جواز إيقاعها مِن نهارٍ ضرورةً، لتعذُّر الرجوع إلى الليل، وهذا جمعٌ حَسَنٌ بين الحديثين لا تَعَسُّف فيه ولا تَكَلُّف، وفيه إعمالٌ لجميع الأدلَّة دون إهدارٍ لبعضها.
• والأقيسة المتعارضة فيما بينها إن صحَّت فهي فاسدةُ الاعتبار لمقابلتها للنصِّ.
وعليه، فإنَّ العمل بمقتضى حديث الباب وحَمْلَه على ظاهره آكدٌ وجوبُه، واشتراطُ تبييت النيَّة فيه مِن الليل حتمٌ لزومُه، وهو مذهب جمهور السلف والخلف، وبه قال مالكٌ والشافعيُّ وأحمد ـ رحمهم الله تعالى ـ على ما تقدَّم.
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
(١) أخرجه الدارميُّ (٢/ ٦)، والنسائيُّ (٤/ ١٩٦)، والطحاويُّ في «شرح معاني الآثار» (٢/ ٥٤) من حديث حفصة رضي الله عنها.
(٢) أخرجه أبو داود (٢/ ٨٢٣)، والترمذيُّ (٣/ ١٠٨)، والنسائيُّ (٤/ ١٩٦)، وأحمد في «مسنده» (٦/ ٢٨٧)، والبيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٤/ ٢٠٢)، والبغويُّ في «شرح السنَّة» (٦/ ٢٦٩)، من حديث حفصة رضي الله عنها.
(٣) «سنن ابن ماجه» (١/ ٥٤٢)، «سنن الدارقطني» (٢/ ١٧٢). والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٤/ ٢٧) وفي «صحيح الجامع» (٢/ ١٢٤٩).
(٤) انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٣٣)، و«التلخيص الحبير» (٢/ ١٨٨) و«الدراية» (١/ ٢٧٥) و«فتح الباري» (٤/ ١٤٢) كلُّها لابن حجر، «طريق الرشد» لعبد اللطيف (٢٠٦).
(٥) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٦/ ١٦٢).
(٦) «المجموع» للنووي (٦/ ٢٨٩)، والحديث صحَّحه الألبانيُّ معتبِرًا فتوى حفصة وعبد الله ابني عمر رضي الله عنهم به تقويةً لرفعِ مَن رفَعَه، مستفيدًا ممَّا قرَّره ابن حزمٍ في «المحلَّى» [انظر: «إرواء الغليل» (٤/ ٣٠)].
(٧) وهي أسنُّ من أخيها عبد الله بستِّ سنين [انظر: «سير أعلام النبلاء» للذهبي (٢/ ٢٢٧)].
(٨) هو أبو حذيفة خُنَيسُ بنُ حُذافة السهميُّ، كان من السابقين الأوَّلين إلى الإسلام، هاجر إلى الحبشة، وعاد بعدها إلى المدينة، وشهد مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بدرًا، ومات رضي الله عنه على إثر جراحةٍ أصابته بغزوة أُحُدٍ.
انظر ترجمته في: «الاستيعاب» لابن عبد البرِّ (٢/ ٤٥٢)، «أسد الغابة» لابن الأثير (٢/ ١٢٤)، «الإصابة» لابن حجر (١/ ٤٥٦)، ومؤلَّفنا: «الإعلام» (٧٦).
(٩) أخرجه أبو داود (٢/ ٧١٢)، وابن ماجه (١/ ٦٥٠)، من حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، والنسائيُّ (٦/ ٢١٣)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما [انظر: «إرواء الغليل» للألباني (٧/ ١٥٧)].
(١٠) انظر ترجمتها وأحاديثها في:
«مسند أحمد» (٦/ ٢٨٣)، «الطبقات الكبرى» لابن سعد (٨/ ٨١)، «المعارف» لابن قتيبة (١٣٥، ١٥٨، ١٨٤، ٥٥٠)، «المستدرك» للحاكم (٤/ ١٤)، «الاستيعاب» لابن عبد البرِّ (٤/ ١٨١١)، «أسد الغابة» لابن الأثير (٥/ ٤٢٥)، «العبر» (١/ ٥، ٥٠) و«سير أعلام النبلاء» (٢/ ٢٢٧) كلاهما للذهبي، «مجمع الزوائد» للهيثمي (٩/ ٢٤٤)، «تهذيب التهذيب» (١٢/ ٤١١) و«الإصابة» (١٢/ ١٩٧) كلاهما لابن حجر، «شذرات الذهب» لابن العماد (١/ ١٠، ١٦)، «الرياض المستطابة» للعامري (٣١٢)، ومؤلَّفنا: «الإعلام» (٧٠).
(١١) انظر: «النهاية» لابن الأثير (١/ ١٧٠).
(١٢) «معالم السنن» للخطَّابي مع «سنن أبي داود» (٢/ ٨٢٣)، وانظر: «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٤٣٢).
(١٣) انظر: «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٤٣٢).
(١٤) انظر: «مفتاح الوصول» للتلمساني ـ بتحقيقنا ـ (٥٠٩)، والمصادر المثبتة على هامشه.
(١٥) العلماء يختلفون في حكم النيَّة في العبادات: أهي ركنٌ أم شرطٌ أم أنَّها ركنٌ في بعض العبادات شرطٌ في غيرها ؟ على أقوالٍ، والمختار منها ما ذهب إليه العلائيُّ المتوفَّى سنة (٧٦١ﻫ) من تفصيلٍ بين ما تُعتبر النيَّةُ في صحَّته وما تُعتبر في حصول الثواب عليه، حيث يقول: «فما كانت النيَّة معتبَرةً في صحَّته فهي ركنٌ فيه، وما يصحُّ بدونها ولكن يتوقَّف حصولُ الثواب عليها، كالمباحات والكفِّ عن المعاصي؛ فنيَّةُ التقرُّب شرطٌ في الثواب» [انظر هذه المسألة في: «الأشباه والنظائر» (٤٣) و«منتهى الآمال» (١٤١) كلاهما للسيوطي].
(١٦) انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ٢٩٠). ومعنى ذلك: أنَّه إِنْ نوى من النهار صومَ الغد لم تُجزئه تلك النيَّةُ ما لم يستصحبها إلى جزءٍ من الليل، وبهذا قال الحنابلة [انظر: «المغني» لابن قدامة (٣/ ٩٣)]. غير أنَّ المالكية يوجبون النيَّةَ في أوَّل الشهر، وليس عليه أن يبيِّت في بقيَّته [انظر: «تنوير المقالة» للتتائي (٣/ ١٢١، ١٢٣)].
(١٧) المصدر السابق نفسه.
(١٨) هو أبو الطيِّب محمَّدُ بن المفضَّل بن سَلَمة بن عاصمٍ الضبِّيُّ البغداديُّ الفقيه الشافعيُّ، أخذ الفقهَ عن أبي العبَّاس بن سُرَيْجٍ وآخَرين، كان عالمًا جليلًا موصوفًا بفرط الذكاء، صنَّف كُتُبًا عديدةً، وله في المذهب وجوهٌ حسنةٌ، توفِّي شابًّا سنة (٣٠٨ﻫ).
انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (٤/ ٢٠٥)، «طبقات الشيرازي» (٩٠)، «وفيات الأعيان» لابن خلِّكان (٤/ ٢٠٥)، «طبقات الإسنوي» (١/ ٣١٧)، «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (١/ ١٠٢)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٢/ ٢٥٣)، ومؤلَّفنا: «الإعلام» (٣٨٦).
(١٩) انظر: «المجموع» (٦/ ٢٩١).
(٢٠) وقياس ما لا تُعلم علَّتُه قياسٌ فاسدٌ، وكذلك فيما أُجيز استثناءً وترخيصًا فلا يقاس عليه، لأنَّه ثابتٌ على خلاف القياس، وما كان كذلك فغيرُه عليه لا يقاس، ثمَّ إنَّ اختصاصهما لا حرج فيه.
(٢١) انظر حكم الجهر بالنيَّة والتلفُّظ بها هَمْسًا في: «مقاصد المكلَّفين» للدكتور عمر سليمان الأشقر (١٢٣) وما بعدها.
(٢٢) انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ٢٥٧).
(٢٣) انظر كونَ النكرة في سياق النفي المركَّب ﺑ «لا» نصًّا صريحًا في العموم في: «أضواء البيان» للشنقيطي (١/ ١٣٩). ومسألةُ النكرة مبسوطةٌ في كتب الأصول، منها: «المعتمد» لأبي الحسين (١/ ٢٠٧)، «إحكام الفصول» للباجي (٢٣١)، «البرهان» للجويني (١/ ٣٢٣، ٣٣٧)، «أصول السرخسي» (١/ ١٦٠)، «المستصفى» للغزَّالي (٢/ ٩٠)، «المحصول» للفخر الرازي (١/ ٢/ ٥١٨، ٥٦٣)، «روضة الناظر» لابن قدامة (٢/ ١٢٤)، «الإحكام» للآمدي (٢/ ٥٥)، «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (١٧٩، ١٨١)، «كشف الأسرار» للبخاري (٢/ ١٢)، «الإبهاج» للسبكي (٢/ ١٠٣)، «جمع الجوامع» لابن السبكي (١/ ٤١٣)، «نهاية السول» (٢/ ٩١) و«التمهيد» (٣١٨) كلاهما للإسنوي، «تقريب الوصول» لابن جزيٍّ ـ بتحقيقنا ـ (٩١)، «مفتاح الوصول» للتلمساني ـ بتحقيقنا ـ (٥٤٦)، «فتح الغفَّار» لابن نُجيم (١/ ١٠٠)، «القواعد والفوائد» للبعلي (٢٠١)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (٣/ ١٣٦)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (١/ ٢٦٠)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (١١٩)، «شرح الورقات» للعبَّادي (١٠٤)، «نشر البنود» للعلوي (١/ ٢١٦).
(٢٤) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٦/ ١٧٢)، «سبل السلام» للصنعاني (٢/ ٣١٤)، «وبل الغمام» للشوكاني (١/ ٤٨٨).
(٢٥) انظر: «التفريع» لابن الجلَّاب (١/ ٣٠٣)، «المحلَّى» لابن حزم (٦/ ١٧٠)، «المهذَّب» للشيرازي (١/ ١٨٨)، «القبس» لابن العربي (٢/ ٤٨٨)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٩٣)، «المغني» لابن قدامة (٣/ ٩٦)، «المجموع» للنووي (٦/ ٣٠٢)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٤)، «المحرَّر» لأبي البركات (١/ ٢٢٨)، «الاختيارات» لابن مودود (١/ ١٢٧)، «القوانين الفقهية» لابن جزيٍّ (١١٩)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٦٠).
(٢٦) أخرجه مسلم (٨/ ٣٣)، وأبو داود (٢/ ٨٢٣)، والترمذي (٣/ ١١١)، وابن ماجه (١/ ٥٤٣)، والنسائي (٤/ ١٩٣)، والدارقطني (٢/ ١٧٦)، وأحمد في «مسنده» (٦/ ٤٩، ٢٠٧)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (٤/ ٢٧٥)، والبغوي في «شرح السنَّة» (٦/ ٢٧٠)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢٧) انظر: «القبس» لابن العربي (٢/ ٤٨٩).
(٢٨) «السنن الكبرى» للبيهقي (٤/ ٢٧٥)، «سنن الدارقطني» (٢/ ١٧٦).
(٢٩) سيأتي حديثُه قريبًا، انظر: (هامش ٤٧).
(٣٠) انظر: «إحكام الفصول» للباجي (١٨٤)، «البحر المحيط» للزركشي (٣/ ٢٢٨).
(٣١) انظر: «إرواء الغليل» للألباني (٤/ ١٣٥).
(٣٢) انظر كونَ أمرِه صلَّى الله عليه وسلَّم أوكدَ مِنْ فعله في: «المجموع» لابن تيمية (٢٢/ ٣٢١).
(٣٣) انظر: «الجوهر النقيَّ» لابن التركماني (٤/ ٢٧٥).
(٣٤) «إرواء الغليل» للألباني (٤/ ١٣٧).
(٣٥) انظر: «سبل السلام» للصنعاني (٢/ ٣١٤)، «وبل الغمام» للشوكاني (١/ ٤٨٨).
(٣٦) هو أبو بكر محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن صالحٍ الأبهريُّ، شيخ المالكية في العراق، جَمَع بين القراءات وعلوِّ الإسناد والفقه، مِن مصنَّفاته: كتاب «الأصول»، وكتاب «إجماع أهل المدينة»، و«الردُّ على المزني»، و«شرح المختصر الكبير في الفقه لعبد الله بن عبد الحكم»، وكتاب «الأمالي»، توفِّي ببغداد سنة (٣٧٥ﻫ).
انظر ترجمته في: «طبقات الفقهاء» للشيرازي (١٦٧)، «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (٥/ ٤٦٢)، «ترتيب المدارك» للقاضي عياض (٢/ ٤٦٦)، «الكامل» (٩/ ٤٧) و«اللباب» (١/ ٢٧) كلاهما لابن الأثير، «سير أعلام النبلاء» (١٦/ ٣٣٢) و«دول الإسلام» (١/ ٢٣٠) كلاهما للذهبي، «الديباج المذهب» لابن فرحون (٢٥٥)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٣/ ٨٥)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ٣/ ١١٨)، «شجرة النور» لمخلوف (١/ ٩١)، «الأعلام» للزركلي (٧/ ٩٨)، «تاريخ التراث العربي» لسزكين (٢/ ١٥٢)، ومؤلَّفنا: «الإعلام» (٣٦٢).
(٣٧) متَّفقٌ عليه، سيأتي تخريجه، انظر: (هامش ٦٣).
(٣٨) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٦/ ١٦٠)، «المغني» لابن قدامة (٣/ ٩٣)، «المجموع» للنووي (٦/ ٣٠٢)، «قواعد المقَّري» (٢/ ٥٥٤)، «إيضاح المسالك» للونشريسي (٢٣٩)، «تنوير المقالة» للتتائي (٣/ ١٢٣).
(٣٩) انظر: «منتهى الآمال» للسيوطي (١١٠).
(٤٠) انظر: «شرح السنَّة» للبغوي (٦/ ٢٦٩)، «المجموع» للنووي (٦/ ٢٨٩، ٣٠١).
(٤١) انظر: «تحفة الفقهاء» للسمرقندي (١/ ٥٣٤)، «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٢٦)، «فتح القدير» لابن الهمام (٢/ ٤٨)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٣)، «الاختيار» لابن المودود (١/ ١/ ١٢٦)، وشذَّ زُفَر الهُذَليُّ صاحب أبي حنيفة في صوم رمضان على المريض والمسافر أنَّه واجبٌ في حقِّهما تبييتُ النيَّة من الليل كالقضاء لعدم تعيُّنه عليهما.
(٤٢) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٦/ ١٦٠)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٩٣)، «المغني» لابن قدامة (٣/ ٩١)، «المجموع» للنووي (٦/ ٣٠١).
(٤٣) انظر: «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٤).
(٤٤) «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٢٩).
(٤٥) هو الصحابيُّ أبو إياسٍ سلمةُ بن عمرو بن الأكوع الحجازيُّ المدنيُّ، كان ممَّن بايع النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم على الموت بعد الحديبية، وكان مِن فرسان الصحابة، راميًا شجاعًا، عالمًا فاضلًا، سخيًّا خيِّرًا، له سوابق ومشاهد محمودةٌ، توفِّي سنة (٧٤ﻫ).
انظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (٤/ ٣٠٥)، «المعارف» لابن قتيبة (٣٢٣)، «المستدرك» للحاكم (٣/ ٥٦٢)، «جمهرة الأنساب» لابن حزم (٢٤٠)، «الاستيعاب» لابن عبد البرِّ (٢/ ٦٣٩)، «أسد الغابة» لابن الأثير (٢/ ٣٣٣)، «سير أعلام النبلاء» (٣/ ٣٢٦) و«الكاشف» (١/ ٣٨٥) و«دول الإسلام» (١/ ٥٤) كلُّها للذهبي، «البداية والنهاية» لابن كثير (٩/ ٦)، «الإصابة» (٢/ ٦٦) و«التهذيب» (٤/ ١٥٠) كلاهما لابن حجر، «شذرات الذهب» لابن العماد (١/ ٨١)، «الرياض المستطابة» للعامري (١٠١)، وتحقيقنا لكتاب «المفتاح» للشريف التلمساني (٦٦٤).
(٤٦) عاشوراء هو العاشر من شهر المحرَّم، واتَّفق العلماء على استحباب صيامه، ويُسَنُّ الجمع بين التاسع والعاشر لحديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما مرفوعًا: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» [أخرجه مسلم (٨/ ١٣)]، غير أنَّ العلماء يختلفون في وجوبه قبل أن يُكتب رمضانُ. [انظر: «المنتقى» للباجي (٢/ ٥٨)، «المقدِّمات الممهِّدات» لابن رشد (١/ ٢٤٢)، «المغني» لابن قدامة (٣/ ١٧٣)، «الاعتبار» للحازمي (٣٤٠)، «المجموع» للنووي (٦/ ٣٨٢)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٢٤٥)].
(٤٧) متَّفقٌ على صحَّته: أخرجه البخاريُّ (٤/ ٢٤٥)، ومسلمٌ (٨/ ١٣)، والبغويُّ في «شرح السنَّة» (٦/ ٣٣٥)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
(٤٨) هو أبو الحسن برهانُ الدين عليُّ بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغينانيُّ، الفقيه الحنفيُّ، صاحب كتاب «الهداية شرح البداية» و«المنتقى» وغيرهما، وُلد سنة (٥٣٠ﻫ)، كان حافظًا مفسِّرًا محقِّقًا أديبًا، وتوفِّي سنة (٥٩٣ﻫ).
انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» للذهبي (٢١/ ٢٣٢)، «الفوائد البهيَّة» للكنوي (١٤١)، «الجواهر المضية» للقرشي (١/ ٣٨٣)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ١٨٢)، «الأعلام» للزركلي (٥/ ٧٣)، «أسماء الكتب المتمِّم لكشف الظنون» لعبد اللطيف رياض زادة (٧٩)، ومؤلَّفنا: «الإعلام» (٢٤٥).
(٤٩) حديث ابن عبَّاسٍ هو حديث الأعرابيِّ المتعلِّق بمسألة رؤية الهلال، وهو مغايرٌ لحديث سلمة بن الأكوع في صوم عاشوراء، ووَهِم أبو الحسن المرغينانيُّ فمَزَج لفظَ الحديثين في «الهداية» (٢/ ٤٣)، كما سيأتي في المناقشة، انظر: (الرابط).
(٥٠) انظر: «الاختيار» لابن مودود (١/ ١/ ١٢٧)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٤).
(٥١) انظر: «مفتاح الوصول» للتلمساني ـ بتحقيقنا ـ (٧١٨)، و«حاشية السندي على النسائي» (٤/ ١٩٣)، و«وبل الغمام» للشوكاني (١/ ٤٨٧)، و«حاشية الشلبي على تبيين الحقائق» (١/ ٣١٤). وقال ابن العربيِّ المالكيُّ: «ومن علمائنا من قال: «إنَّ صوم عاشوراء أجزأ بنيَّةٍ مِن نهارٍ، ثمَّ نُسخ الصومُ في عاشوراء بشهر رمضان»، ومنهم مَن قال: «إن كان نُسخ فرضُ الصوم فلم يُنسخ فرضُ النيَّة ولا وقتُها»، والصحيح أنَّ الحكم إذا نُسخ نُسخ بجميع صفاته، إذ يمتنع أن يُنسخ الأصلُ ويبقى الوصفُ» [«القبس» (٢/ ٥١٠)]. قلت: ولا يمتنع ذلك إلَّا إذا كان بين الأصل ووصفه ارتباطٌ وتلازمٌ، فإنَّه يَلزم مِن رفعِ الأصلِ رفعُ وَصْفه، وفي هذه المسألة انتفى الارتباطُ والتلازم بين نسخ وجوب عاشوراء وبين صحَّة صومه بنيَّةٍ من نهارٍ، فلا يَلزم مِن رفع اعتبار حكمِ وجوبِه رفعُ اعتبار حكم التبييت كما لا يَلزم مِن نسخ وجوبِه نسخُ استحبابه.
(٥٢) انظر: «الاختيار» لابن المودود (١/ ١/ ١٢٧)، «فتح القدير» لابن الهمام (٢/ ٤٨).
(٥٣) انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٣٣)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (٢/ ١٨٨).
(٥٤) هو الإمام أبو جعفرٍ أحمد بن محمَّد بن سلامة الأزديُّ الحجريُّ المصريُّ، وُلد ﺑ«طحا» بصعيد مصر عام (٢٣٩ﻫ) ونُسب إليها، وتلقَّى العلمَ عن خاله إسماعيل بن يحيى المُزنيِّ أفقهِ أصحاب الشافعيِّ وعن غيرِه، ثمَّ انتقل إلى مذهب الأحناف، وانتهت إليه رئاسةُ الحنفية بمصر، كان محدِّثًا ثبتًا، وفقيهًا مجتهدًا، من مؤلَّفاته: «العقيدة الطحاوية»، و«شرح معاني الآثار»، و«مشكل الآثار»، و«أحكام القرآن»، توفِّي بمصر سنة (٣٢١ﻫ).
انظر ترجمته في: «طبقات الفقهاء» للشيرازي (١٤٢)، «اللباب» لابن الأثير (٢/ ٨٢)، «تذكرة الحفَّاظ» للذهبي (٣/ ٨٠٨)، «مرآة الجنان» لليافعي (٢/ ٢٨١)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١١/ ١٧٤)، «الجواهر المضيئة» للقرشي (١/ ٢٧١)، «لسان الميزان» لابن حجر (١/ ٢٧٤)، «تاج التراجم» لابن قطلوبغا (٦)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٢/ ٢٨٨)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ١/ ٩٢).
(٥٥) «شرح معاني الآثار» للطحاوي (٢/ ٥٥).
(٥٦) انظر: «فتح القدير» لابن الهمام (٢/ ٤٦)، «حاشية الشلبي على تبيين الحقائق للزيلعي» (١/ ٣١٤).
(٥٧) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٣٠).
(٥٨) انظر كونَ الزيادة على النصِّ المطلقِ نسخًا عند الأحناف في: «أصول السرخسي» (٢/ ٨٢)، «ميزان الأصول» للسمرقندي (٧٢٣)، «كشف الأسرار» للبخاري (٣/ ١٩١)، «فتح الغفَّار» لابن نجيم (٢/ ١٣٥)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (٢/ ٩١).
(٥٩) انظر: «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٤).
(٦٠) انظر: المصدر السابق، و«بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٣٠)، وسيأتي تخريج الحديث، انظر: (الهامش ٨٩).
(٦١) انظر: «تبيين الحقائق» للزيلعي مع «حاشية الشلبي» عليه (١/ ٣١٤).
(٦٢) انظر: «المغني» لابن قدامة (٣/ ٩٢)، «المجموع» للنووي (٦/ ٣٠١).
(٦٣) أخرجه البخاريُّ (١/ ٩)، ومسلمٌ (١٣/ ٥٣)، وأبو داود (٢/ ٦٥١)، والترمذيُّ (١/ ١٧٩)، والنسائيُّ (١/ ٨٥)، وابن ماجه (٢/ ١٤١٣)، وأحمد في «مسنده» (١/ ٢٥، ٤٣)، من حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه .
(٦٤) انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ٣٠١).
(٦٥) متَّفقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ (٤/ ٢٤٤)، ومسلمٌ (٨/ ٨)، من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
(٦٦) «صحيح البخاري» (٤/ ٢٤٤)، في «الصوم» باب صيام يوم عاشوراء.
(٦٧) المصدر السابق، الجزء والصفحة نفسهما.
(٦٨) هو أبو الفضل أحمد بن عليِّ بن محمَّدٍ الشهيرُ بابن حجرٍ الكنانيُّ العسقلانيُّ المصريُّ، الحافظ الكبير، الإمام المنفرد بمعرفة الحديث وعِلَلِه في عصره، الشافعيُّ الفقيه، وُلد سنة (٧٧٣ﻫ)، توفِّي والدُه وهو صغيرٌ فتربَّى في حضانة أحد أوصياء أبيه، ودرس حتَّى برع في العلم، وتولَّى التدريس، وأصبح رؤوسُ العلماء مِن كلِّ مذهبٍ تلامذتَه، كما تولَّى القضاءَ والتصنيف، له مؤلَّفاتٌ نفيسةٌ، منها: «فتح الباري»، و«تهذيب تهذيب الكمال»، و«الإصابة»، و«الدرر الكامنة» وغيرها، توفِّي سنة (٨٥٢ﻫ).
انظر ترجمته في: «الضوء اللامع» للسخاوي (٢/ ٣٦)، «حسن المحاضرة» للسيوطي (١/ ٢٠٦)، «درَّة الحجال» لابن القاضي المكناسي (١/ ٦٤)، «البدر الطالع» للشوكاني (١/ ٧٨)، «الفكر السامي» للحجوي (١/ ٢/ ٣٥٠)، «الأعلام» للزركلي (١/ ١٧٣)، «معجم الأصوليِّين» للبقا (١/ ١٧٧).
(٦٩) «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٢٤٧).
(٧٠) انظر: المصدر السابق، الجزء والصفحة نفسهما.
(٧١) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٢٤٧).
(٧٢) هو أبو محمَّد عليُّ بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالبٍ الفارسيُّ الأصل، الأندلسيُّ القرطبيُّ، تفقَّه على المذهب الشافعيِّ، وانتقل إلى المذهب الظاهريِّ، فكان قمَّةً في علوم الإسلام، يُجيد النقلَ، ويُحسن النظمَ والنثر، فقيهًا مُفسِّرًا، مُحدِّثًا أصوليًّا، طبيبًا أديبًا، مؤرِّخًا عاملًا بعلمه زاهدًا في الدنيا، ترك مؤلَّفاتٍ قيِّمةً منها: «الإحكام في أصول الأحكام»، و«المحلَّى بالحجج والآثار»، و«الفصل في المِلَل والأهواء والنِّحَل»، و«جمهرة أنساب العرب»، توفِّي سنة (٤٥٦ﻫ).
انظر ترجمته في: «معجم الأدباء» لياقوت (١٢/ ٢٣٥)، «وفيات الأعيان» لابن خلِّكان (٣/ ٣٢٥)، «جذوة المقتبس» للحميدي (٣٠٨)، «بغية الملتمس» للضبِّي (٤١٥)، «الصلة» لابن بشكوال (٢/ ٤١٥)، «سير أعلام النبلاء» (١٨/ ١٨٤) و«دول الإسلام» (١/ ٢٦٨) و«تذكرة الحفَّاظ» (٣/ ١١٤٦) كلُّها للذهبي، «مرآة الجنان» لليافعي (٣/ ٧٩)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٢/ ٩١)، «وفيات ابن قنفذ» (٥٦)، «لسان الميزان» لابن حجر (٤/ ١٩٨)، «طبقات الحفَّاظ» للسيوطي (٤٣٥)، «نفح الطيب» للمقَّري (٢/ ٧٧)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٣/ ٢٩٩)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ٣/ ٤٢)، «هديَّة العارفين» للبغدادي (٥/ ٦٩٠)، «الفتح المبين» للمراغي (١/ ٢٥٥)، «ابن حزم: فقهه وآراؤه» لمحمَّد أبو زهرة.
(٧٣) هو أبو عبد الله محمَّد بن عليِّ بن محمَّدٍ الشوكانيُّ ثمَّ الصنعانيُّ اليمنيُّ الفقيه المحدِّث الأصوليُّ النظَّار، عُرف بالإمام المجتهد، وُلد بهجرة شوكان سنة (١١٧٢ﻫ)، ونشأ بصنعاء، كان فريدَ عصره ونادرَ دهره، له مؤلَّفاتٌ كثيرة ومفيدةٌ منها: «فتح القدير» في التفسير، و«نيل الأوطار» في الحديث، و«إرشاد الفحول» في الأصول، توفِّي سنة (١٢٥٠ﻫ).
انظر ترجمته في: «البدر الطالع» للشوكاني (٢/ ٢١٤)، «الفتح المبين» للمراغي (٣/ ١٤٤)، «الرسالة المستطرفة» للكتَّاني (١١٤)، «الأعلام» للزركلي (٦/ ٢٩٨)، «معجم المؤلِّفين» لكحالة (١١/ ٥٣)، «الإمام الشوكاني، حياته وفكره» د. عبد الغنيِّ قاسم غالب الشرجبي، «الإمام الشوكاني مفسِّرًا» محمَّد حسن بن أحمد الغماري.
(٧٤) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٦/ ١٦٤)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٦٠)، وللإمام الشوكاني رسالةٌ في وجوب الصوم على من لم يفطر إذا وقع الإشعارُ بدخول رمضان في النهار [انظر: «البدر الطالع» (٢/ ٢٢٠)].
(٧٥) هو أبو زكريَّا يحيى بن شرف بن مري الشافعيُّ، الملقَّب بمحيي الدين النوويُّ، وُلد ﺑ «نوا» مِن قرى حوران في بلاد الشام سنة (٦٣١ﻫ)، كان إمامًا عالمًا بالفقه حافظًا للحديث وفنونه ورجاله، إلى جانب ذلك عُرف بالزهد والورع، وَلِيَ مشيخةَ دار الحديث ولم يأخذ من مرتَّبها شيئًا، ولم يتزوَّج، من مؤلَّفاته: «شرح صحيح مسلم»، «المجموع شرح المهذَّب»، «رياض الصالحين»، وهي كتبٌ لا غنى للعالم ـ فضلًا عن طالب العلم ـ عنها، توفِّي سنة (٦٧٦ﻫ).
انظر ترجمته في: «تذكرة الحفَّاظ» للذهبي (٤/ ١٤٧٠)، «طبقات الشافعية الكبرى» لابن السبكي (٥/ ١٦٥)، «طبقات الشافعية» لابن هداية الله الحسيني (٢٢٥)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٣/ ٢٧٨)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٥/ ٣٥٤)، «الأعلام» للزركلي (٨/ ١٤٩)، «الفتح المبين» للمراغي (٢/ ٨١)، «معجم المؤلِّفين» لكحالة (١٣/ ٢٠٢)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ٤/ ٣٤١).
(٧٦) «المجموع» للنووي (٦/ ٣٠١).
(٧٧) «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٣٥).
(٧٨) «التحقيق» لابن الجوزي (٢/ ٦٧).
(٧٩) أخرجه الترمذيُّ (٣/ ٧٤)، وأبو داود (٢/ ٧٥٤)، والنسائيُّ (٤/ ١٣١، ١٣٢)، وابن ماجه (١/ ٥٢٩)، والحاكم (١/ ٤٢٤)، والبيهقيُّ (٤/ ٢١١، ٢١٢)، والدارميُّ (٢/ ٥)، من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، والحديث ضعَّفه الألبانيُّ في «الإرواء» (٤/ ١٥).
(٨٠) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٦/ ١٦٢).
(٨١) انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٣٣)، «التلخيص الحبير» (٢/ ١٨٨) و«الدراية» (١/ ٢٧٥) كلاهما لابن حجر.
(٨٢) انظر أقوال العلماء في مسألة زيادة الثبت العدل في رواية الأخبار في: «مقدِّمة ابن الصلاح» (٤٠)، «شرح صحيح مسلم» للنووي (١/ ٣٢)، «اختصار علوم الحديث» لابن كثير (٦١)، «فتح المغيث» للسخاوي (١/ ٢١٢)، «تدريب الراوي» للسيوطي (١/ ٢٠٤)، «توضيح الأفكار» للصنعاني (٢/ ١٦)، «أسباب اختلاف المحدِّثين» للأحدب (١/ ٣٤٣).
(٨٣) هذه المسألة معروفةٌ عند الأصوليِّين ﺑ «الإجماع السكوتي»، وقد اختلف العلماء في كونه إجماعًا وحجَّةً، فالذي عليه جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة أنَّه حجَّةٌ وإجماعٌ، وفي المسألة أقوالٌ أخرى [انظر: «الإشارة» للباجي ـ بتحقيقنا ـ (٣٢١)، والمصادر المثبتة على الهامش ص: (٣٢٢)].
(٨٤) انظر: «أضواء البيان» للشنقيطي (٥/ ٢١١، ٢١٢، ٧/ ٥٥٦).
(٨٥) انظر: «إرشاد الفحول» للشوكاني (١٩١)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (٦/ ٦٣).
(٨٦) انظر: «مذكِّرة الشنقيطي في الأصول» (١٧٨).
(٨٧) انظر: المرجع السابق.
(٨٨) انظر: «وبل الغمام» للشوكاني (١/ ٤٨٨).
(٨٩) أخرجه الحاكم (١/ ٢٤٦)، والدارقطني (١٦١)، والبيهقي (٣/ ٥٧)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال السخاويُّ: «أسانيده ضعيفةٌ، وليس له إسنادٌ يثبت» [انظر: «المقاصد الحسنة» للسخاوي (٧٢٦)، «التمييز» للشيباني (٢١٣)، «كشف الخفاء» للعجلوني (٢/ ٣٦٥)، «الفوائد» للشوكاني (٢١)، «سلسلة الأحاديث الضعيفة» للألباني (١/ ٢١٧)].
(٩٠) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ٨٦)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٦).
(٩١) ووجه الإجمال فيه تردُّدُه بين نفي الصوم الحقيقيِّ الذي هو الإمساك وبين نفي الصوم الشرعيِّ، وشأن المجملِ التعطيلُ حتَّى يَرِدَ البيانُ، ولذلك لا يشترطون تبييتَ النيَّة [انظر: «أسباب اختلاف الفقهاء» لعبد الله التركي (١٧٤)].
(٩٢) انظر: «مفتاح الوصول» للشريف التلمساني (٧١٨).
المصدر ...موقع الشيخ فركوس حفظه الله