بسم الله الرحمن الرحيم
أحصوا هلال شعبان لرمضان ، والعبرة برؤية العين .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أمابعد:
قريبا يهل علينا هلال شهر رمضان المبارك ، ورؤية هلاله سنة سلفنا الصالح ، فقد كانوا يتراؤن الهلال ، وهذه عبادة تغافل عنها كثير من الناس ، فقد أمر الله سبحانه وتعالى بصوم شهر رمضان بمشاهدة الهلال وتحريه فقال :فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ..... [البقرة: 185].
قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ..... [البقرة: 185].
قال القرطبي في تفسيره : فرض الله صيام شهر رمضان أي مدة هلاله ، وبه سمي الشهر ، كما جاء في الحديث : ( فإن غمي عليكم الشهر ) أي الهلال ، وسيأتي ، وقال الشاعر :
أخوان من نجد على ثقة ***والشهر مثل قلامة الظفر
حتى تكامل في استدارته ***في أربع زادت على عشر
وفرض علينا عند غمة الهلال إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما ، وإكمال عدة رمضان ثلاثين يوما ، حتى ندخل في العبادة بيقين ونخرج عنها بيقين ، فقال في كتابه وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ، وروى الأئمة الأثبات عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدد في رواية فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين . وقد ذهب مطرف بن عبد الله بن الشخير وهو من كبار التابعين وابن قتيبة من اللغويين فقالا : يعول على الحساب عند الغيم بتقدير المنازل واعتبار حسابها في صوم رمضان ، حتى إنه لو كان صحوا لرئي ، لقوله عليه السلام : فإن أغمي عليكم فاقدروا له أي استدلوا عليه بمنازله ، وقدروا إتمام الشهر بحسابه . وقال الجمهور : معنى فاقدروا له فأكملوا المقدار ، يفسره حديث أبي هريرة فأكملوا العدة . وذكر الداودي أنه قيل في معنى قوله " فاقدروا له " : أي قدروا المنازل ، وهذا لا نعلم أحدا قال به إلا بعض أصحاب الشافعي أنه يعتبر في ذلك بقول المنجمين ، والإجماع حجة عليهم ، وقد روى ابن نافع عن مالك في الإمام لا يصوم لرؤية الهلال ولا يفطر لرؤيته ، وإنما يصوم ويفطر على الحساب : إنه لا يقتدى به ولا يتبع . قال ابن العربي : وقد زل بعض أصحابنا فحكى عن الشافعي أنه قال : يعول على الحساب ، وهي عثرة ( لا لعا لها ) .إنتهى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ أحصوا هلال شعبان لرمضان و لا تخلطوا برمضان إلا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم و صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته , فإن غم عليكم فإنها ليست تغمى عليكم العدة “ .[ “السلسلة الصحيحة” 2 / 103]
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يأثم المسلمون جميعا إذا لم يتراء أحد منهم هلال رمضان دخولا أو خروجا ؟
فأجاب : " ترائي هلال رمضان أو هلال شوال أمر معهود في عهد الصحابة رضي الله عنهم ؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما : ( تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه ) .
ولا شك أن هدي الصحابة رضي الله عنهم أكمل الهدي وأتمه " انتهى [48 سؤالا في الصوم" سؤال رقم 21] .
وتَرائي الهلال ليلةَ الثلاثين من شعبان، فرضٌ على الكفاية؛ نصَّ على ذلك الحنفيَّة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنا مع عمر بين مكة والمدينة، فتراءينا الهلال، وكنت رجلاً حديد البصر، فرأيته وليس أحدٌ يزعم أنه رآه غيري - قال - فجعلت أقول لعمر أما تراه؟ فجعل لا يراه -قال- يقول عمر: سأراه وأنا مستلقٍ على فراشي)).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ الصوم يوم تصومون , و الفطر يوم تفطرون , و الأضحى يوم تضحون “ .[ “السلسلة الصحيحة” 1 / 389 حديث رقم 224].
قال العلامة الألباني رحمه الله تعالى : ...و قد روى حديث عائشة موقوفا عليها , أخرجه البيهقي من طريق أبي حنيفة قال . حدثني علي بن الأقمر عن مسروق قال : “ دخلت على عائشة يوم عرفة فقالت : اسقوا مسروقا سويقا , و أكثروا حلواه , قال : فقلت : إني لم يمنعني أن أصوم اليوم إلا أني خفت أن يكون يوم النحر , فقالت عائشة : النحر يوم ينحر الناس , و الفطر يوم يفطر الناس “ . قلت : و هذا سند جيد بما قبله . فقه الحديث قال الترمذي عقب الحديث : “ و فسر بعض أهل العلم هذا الحديث , فقال : إنما معنى هذا الصوم و الفطر مع الجماعة و عظم الناس “ .
و قال الصنعاني في “ سبل السلام “ ( 2 / 72 ) : “ فيه دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس , و أن المتفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره , و يلزمه حكمهم في الصلاة و الإفطار و الأضحية “ . و ذكر معنى هذا ابن القيم رحمه الله في “ تهذيب السنن “ ( 3 / 214 ) , و قال : “ و قيل : فيه الرد على من يقول إن من عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل جاز له أن يصوم و يفطر , دون من لم يعلم , و قيل : إن الشاهد الواحد إذا رأى الهلال و لم يحكم القاضي بشهادته أنه لا يكون هذا له صوما , كما لم يكن للناس “ . و قال أبو الحسن السندي في “ حاشيته على ابن ماجه “ بعد أن ذكر حديث أبي هريرة عند الترمذي : “ و الظاهر أن معناه أن هذه الأمور ليس للآحاد فيها دخل , و ليس لهم التفرد فيها , بل الأمر فيها إلى الإمام و الجماعة , و يجب على الآحاد اتباعهم للإمام و الجماعة , و على هذا , فإذا رأى أحد الهلال , و رد الإمام شهادته ينبغي أن لا يثبت في حقه شيء من هذه الأمور , و يجب عليه أن يتبع الجماعة في ذلك
“ . قلت : و هذا المعنى هو المتبادر من الحديث , و يؤيده احتجاج عائشة به على مسروق حين امتنع من صيام يوم عرفة خشية أن يكون يوم النحر , فبينت له أنه لا عبرة برأيه و أن عليه اتباع الجماعة فقالت : “ النحر يوم ينحر الناس , و الفطر يوم يفطر الناس “ . قلت : و هذا هو اللائق بالشريعة السمحة التي من غاياتها تجميع الناس و توحيد صفوفهم , و إبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم من الآراء الفردية , فلا تعتبر الشريعة رأي الفرد و لو كان صوابا في وجهة نظره في عبادة جماعية كالصوم و التعبيد و صلاة الجماعة , ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم كان يصلي بعضهم وراء بعض و فيهم من يرى أن مس المرأة و العضو و خروج الدم من نواقض الوضوء , و منهم من لا يرى ذلك , و منهم من يتم في السفر , و منهم من يقصر , فلم يكن اختلافهم هذا و غيره ليمنعهم من الاجتماع في الصلاة وراء الإمام الواحد , و الاعتداد بها , و ذلك لعلمهم بأن التفرق في الدين شر من الاختلاف في بعض الآراء , و لقد بلغ الأمر ببعضهم في عدم الإعتداد بالرأي المخالف لرأى الإمام الأعظم في المجتمع الأكبر كمنى , إلى حد ترك العمل برأيه إطلاقا في ذلك المجتمع فرارا مما قد ينتج من الشر بسبب العمل برأيه , فروى أبو داود ( 1 / 307 ) أن عثمان رضي الله عنه صلى بمنى أربعا , فقال عبد الله بن مسعود منكرا عليه : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين , و مع أبي بكر ركعتين , و مع عمر ركعتين , و مع عثمان صدرا من إمارته ثم أتمها , ثم تفرقت بكم الطرق فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين , ثم إن ابن مسعود صلى أربعا ! فقيل له : عبت على عثمان ثم صليت أربعا ?! قال : الخلاف شر . و سنده صحيح . و روى أحمد ( 5 / 155 ) نحو هذا عن أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين . فليتأمل في هذا الحديث و في الأثر المذكور أولئك الذين لا يزالون يتفرقون في صلواتهم , و لا يقتدون ببعض أئمة المساجد , و خاصة في صلاة الوتر في رمضان , بحجة كونهم على خلاف مذهبهم ! و بعض أولئك الذين يدعون العلم بالفلك , ممن يصوم و يفطر وحده متقدما أو متأخرا عن جماعة المسلمين , معتدا برأيه و علمه , غير مبال بالخروج عنهم , فليتأمل هؤلاء جميعا فيما ذكرناه من العلم , لعلهم يجدون شفاء لما في نفوسهم من جهل و غرور , فيكونوا صفا واحدا مع إخوانهم المسلمين فإن يد الله مع الجماعة .إنتهى [ السلسلة الصحيحة]
هل يكفي في ثبوت دخول رمضان شهادة عدلٍ واحد؟.
يقول القرطبي في تفسيره : واختلف مالك والشافعي هل يثبت هلال رمضان بشهادة واحد أو شاهدين ، فقال مالك : لا يقبل فيه شهادة الواحد لأنها شهادة على هلال فلا يقبل فيها أقل من اثنين ، أصله الشهادة على هلال شوال وذي الحجة ، وقال الشافعي وأبو حنيفة : يقبل الواحد ، لما رواه أبو داود عن ابن عمر قال : تراءى الناس الهلال فأخبرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته ، فصام وأمر الناس بصيامه ، وأخرجه الدارقطني وقال : تفرد به مروان بن محمد عن ابن وهب وهو ثقة . روى الدارقطني " أن رجلا شهد عند علي بن أبي طالب على رؤية هلال رمضان فصام ، أحسبه قال : وأمر الناس أن يصوموا " ، وقال : أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان . قال الشافعي : فإن لم تر العامة هلال شهر رمضان ورآه رجل عدل رأيت أن أقبله للأثر والاحتياط ، وقال الشافعي بعد : لا يجوز على رمضان إلا شاهدان . قال الشافعي وقال بعض أصحابنا : لا أقبل عليه إلا شاهدين ، وهو القياس على كل مغيب .
يكفي في ثبوت دخول رمضان شهادة عدلٍ واحد، ، وهو اختيار ابن باز رحمه الله تعالى قال : والهلال يثبت بشاهد واحد في دخول رمضان ، شاهد عدل،عند جمهور أهل العلم .[ مجموع الفتاوى 61 / 15 ]. وهو إختيار الشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالى ، [الشرح الممتع 312 /6].
من هذا المبحث نستخلص :
1 - رؤية هلال دخول رمضان وخروجه أمر شرعي .
2 - أن الله فرض صيام شهر رمضان أي مدة هلاله.
3 - وفرض علينا عند غمة الهلال إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما.
4 – العبادة لابد الدخول فيها بيقين والخروج منها بيقين.
5 - أحصاء هلال شعبان لرمضان و ألا نخلطه برمضان بالصيام.
6 - ترائي هلال رمضان أو هلال شوال سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح.
7 - العبرة في الرؤية أن تكون بالعين لا بالحساب الفلكي .
8 – العبرة بموافقة الجماعة لا التفرد( الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون ) .
9 – يكفي في ثبوت دخول رمضان شهادة عدلٍ واحد.
جمعه وكتبه: أبو عبد السلام جابر البسكري
السبت 26 شعبان, 1436 هجري.
ملاحظة
جرى تغيير في العنوان.
السبت 26 شعبان, 1436 هجري.
ملاحظة
جرى تغيير في العنوان.