الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمابعد:
فإن من أعظم ما ندب الله جل وعلا إليه عباده المؤمنين التواصي بالحق, والنصح للخلق, وإني مع مقدم هذا الشهر العظيم أوصي نفسي وإخواني بهذه الوصايا المنتقاة من كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه المصطفى لعل الله جل وعلا أن ينفعني بها وإخواني في هذا الشهر العظيم فيكتب الأجر للكاتب والقاريء وهذه الوصايا هي على النحو التالي:
1_من أعظم مايعين على تحقيق العبادة على أكمل وجه مطلوب الاستعانة بالله تبارك وتعالى, وعلم العبد علما يقينيا أن تحقيق العبادة والراحة والطمأنينة في أدائها إنما يتحقق باللجوء إلى الله تبارك وتعالى والاستعانة به في تحقيق العبادة.
وفي الإستعانة بالله وحده في تحقيق العبادة فائدتان:
إحداهما: أن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في عمل الطاعات.
والثانية: أنَّه لا معين له عَلَى مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله الله فهو المخذولاستقبال رمضان.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله( أسعد الخلق أهل العبادة والاستعانة والهداية إلى المطلوب، وأشقاهم من عدم الأمور الثلاثة) إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 123)
2_إخلاص الدين لله جل وعلا في تحقيق العبادة, وهذا يتطلب من المسلم المقبل على ربه في هذا الشهر العظيم أن يجعل أعماله الصالحة خالصة لله تبارك وتعالى, فإن العبد إذا خلصت نيته لله تعالى وكان قصده وهمه وعمله لوجهه سبحانه كان الله معه؛ فإنه سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، ورأس التقوى والإحسان خلوص النية لله جل وعلا. قال الإمام ابن القيم رحمه الله (إذا أشرب القلب العبودية والإخلاص صار عند الله من المقربين، وشمله استثناء {إلا عبادك منهم المخلصين} [الحجر: 40]) . إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 6).
3_احرص أخي المسلم أن يكون عملك الصالح موافقا لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام , قال بعض السلف: ما من فعلة وإن صغرت إلا ينشر لها ديوانان: لم؟ وكيف؟ أى لم فعلت؟ وكيف فعلت؟ فالأول: سؤال عن علة الفعل وباعثه وداعيه؛ هل هو حظ عاجل من حظوظ العامل، وغرض من أغراض الدنيا فى محبة المدح من الناس أو خوف ذمهم، أو استجلاب محبوب عاجل، أو دفع مكروه عاجل؟ أم الباعث على الفعل القيام بحق العبودية، وطلب التودد والتقرب إلى الرب سبحانه وتعالى، وابتغاء الوسيلة إليه؟.
ومحل هذا السؤال: أنه، هل كان عليك أن تفعل هذا الفعل لمولاك، أم فعلته لحظك وهواك؟.
والثانى: سؤال عن متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام فى ذلك التعبد، أى هل كان ذلك العمل مما شرعته لك على لسان رسولى، أم كان عملا لم أشرعه ولم أرضه؟.
فالأول سؤال عن الإخلاص، والثانى عن المتابعة، فإن الله سبحانه لا يقبل عملا إلا بهما.
فطريق التخلص من السؤال الأول: بتجريد الإخلاص، وطريق التخلص من السؤال الثانى: بتحقيق المتابعة، وسلامة القلب من إرادة تعارض الإخلاص، وهوى يعارض الاتباع. فهذه حقيقة سلامة القلب الذى ضمنت له النجاة والسعادة. إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 8).
4_الاقتصاد في كل الأمور حسن حتى في العبادة، ولهذا نهى عن التشديد في العبادة عَلَى النفس، وأمر بالاقتصاد فيها، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا، فَإِنَّهُ مَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ)قال الألباني:صحيح.
5_إحسان العبادة إتقانها وإكمالها والإتيان بها عَلَى أكمل الوجوه.
6_طاعة العبد لربه في السر دليل عَلَى قوة إيمانه وإخلاصه لربه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه خشيته في السر والعلانية , وأفضل النوافل إسرارها، ولذلك فضلت صلاة الليل عَلَى نوافل الصلاة وفضلت صدقة السر عَلَى صدقة العلانية.
7_العبادة إِنَّمَا تبنى عَلَى ثلاثة أصوال: الخوف والرجاء والمحبة, وكل منهما فرض لازم، والجمع بين الثلاثة حتم واجب.
8_كلما قويت معرفة العبد بالله قويت محبته له ومحبته لطاعته، وحصلت له لذة العبادة من الذكر وغيره عَلَى قدر ذلك.
9_أفضل الناس من سلك طريق النَّبيّ صلّى الله عليه وسلم وخواص أصحابه في الاقتصاد في العبادة البدنية والاجتهاد في الأحوال القلبية، فإنَّ سفر الآخرة يقطع بسير القلوب لا بسير الأبدان.
10_ "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل "وقد قال العلماء في سر ذلك أن العمل اليسير إذا كانت خاتمة العبد عليه ختم له على العمل الصالح, وأما إذاكان العمل كثيرا منقطعا, فإنه ربما يختم له على حال الانقطاع, فيختم له على غير العمل ا لصالح.
11_من أفضل الأعمال التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في شهر رمضان المبارك الصلاة, فالله الله في الصلاة, قال صلى الله عليه وسلم: "أعني على نفسك بكثرة السجود" وقال: "أفضل الأعمال الصلاة لأول وقتها" وقال: " جعلت قرة عيني في الصلاة " والصلاة تختص بجمع الهمة وحضور القلب والانقطاع عن كل شيء سواها بخلاف غيرها من الطاعات ولهذا كانت ثقيلة على النفس. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 77)
12_ الحرص على الإيثار والصدقة والإحسان إلى الناس على اختلاف حاجاتهم ومصالحهم من تفريج كرباتهم ودفع ضروراتهم وكفايتهم فى مهماتهم ومن كانت هذه صفته فقد دخل فيهم أحد الصنفين اللذين قال النبى صلى الله عليه وسلم فيهم: "لا حسد إلا فى اثنين: رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها الناس، ورجل آتاه الله مالاً وسلطه على هلكته فى الحق"، يعنى أنه لا ينبغى لأحد أن يغبط أحداً على نعمة ويتمنى مثلها، إلا أحد هذين، وذلك لما فيهما من منافع النفع العام والإحسان المتعدى إلى الخلق، فهذا ينفعهم بعلمه وهذا ينفعهم بماله، والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله.
ولا ريب أن هذين الصنفين من أنفع الناس لعيال الله، ولا يقوم أمر الناس إلا بهذين الصنفين ولا يعمر العالم إلا بهما، قال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ الله ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أنفقوا مِنَّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 262] ، [وقال تعالى: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا يحزنون وقال تعالى: {إنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالمصَّدِّقَات وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:18] قال تعالى {من ذا الذى يقرض الله قرضاً حسناً فَيْضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 542] ، وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد: 11] ، فصدَّر سبحانه الآية بألطف أنواع الخطاب، وهو الاستفهام المتضمن لمعنى الطلب، وهو أبلغ فى الطلب من صيغة الأمر، والمعنى: هل أحد يبذل هذا القرض الحسن فيجازى عليه أضعافاً مضاعفة؟ وسمى ذلك الإنفاق قرضاً حسناً حثاً للنفوس وبعثاً لها على البذل لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولا بد طوّعت له نفسه بذله وسهل عليه إخراجه.
فإن علم أن المستقرض ملى وفى محسن كان أبلغ فى طيب قلبه وسماحة نفسه، فإن علم أن المستقرض يتجر له بما اقترضه وينميه له ويثمره حتى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح، فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده من فضله وعطائه أجراً آخر من غير جنس القرض وأن ذلك الأجر حظ عظيم وعطاءٌ كريم فإنه لا يتخلف عن قرضه إلا لآفة فى نفسه من البخل والشح أو عدم الثقة بالضمان، وذلك من ضعف إيمانه، ولهذا كانت الصدقة برهاناً لصاحبها.
وهذه الأمور كلها تحت هذه الألفاظ التى تضمنتها الآية، فإنه [سبحانه] سماه قرضاً، وأخبر أنه هو المقترض لا قرض حاجة، ولكن قرض إحسان إلى المقرض [استدعاه] لمعاملته، وليعرف مقدار الربح فهو الذى أعطاه ماله واستدعى منه معاملته به، ثم أخبر [عن ما] يرجع إليه بالقرض وهو الأضعاف المضاعفة، ثم أخبر عما يعطيه فوق ذلك من الزيادة وهو الأجر الكريم.
وحيث جاءَ هذا القرض فى القرآن قيده بكونه حسناً، وذلك يجمع أموراً ثلاثة: أحدها أن يكون من طيب ماله لا من رديئه وخبيثه. الثانى: أن [يخرجه] طيبة به نفسه ثابتة عند بذله ابتغاءَ مرضاة الله. الثالث: أن لا يمن به ولا يؤذى. فالأول يتعلق بالمال، والثانى يتعلق بالمنفق بينه وبين الله، والثالث بينه وبين الآخذ.طريق الهجرتين.
13_قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} فأخبر أنه أعد الجنة للمتقين دون غيرهم, ثم ذكر أوصاف المتقين, فذكر بذلهم للإحسان في حالة العسر واليسر, والشدة والرخاء, فإن من الناس من يبذل في حال اليسر والرخاء, ولا يبذل في حال العسر والشدة, ثم ذكر كف أذاهم عن الناس بحبس الغيظ بالكظم وحبس الانتقام بالعفو, ثم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم وأنها إذا صارت منهم قابلوها بذكر الله والتوبة والاستغفار وترك الإضرار فهذا حالهم مع الله وذاك حالهم مع خلقه. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 119)
14_ليكن لسانك رطباً من ذكر الله جل وعلا, فذكر الله جل وعلا يورث حياة القلب، قال شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله تعالى روحه يقول: الذكر للقلب مثل الماء للسمك فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟ الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 42)
.
15_ استكثر من الطاعات في الشهر المبارك, فالدين كله استكثار من الطاعات، وأحب خلق الله إليه أعظمهم استكثارا منها.
ففي صحيح البخاري «ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه.»
فهذا جزاؤه وكرامته للمستكثرين من طاعته.
16_ للصوم ثلاث مراتب: صوم العموم. وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص.
فأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة.
وأما صوم الخصوص: فهو كف النظر، واللسان، واليد، والرجل، والسمع، والبصر، وسائر الجوارح عن الآثام.
وأما صوم خصوص الخصوص: فهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة، والأفكار المبعدة عن الله تعالى، وكفه عما سوى الله تعالى بالكلية، وهذا الصوم له شروح تأتى فى غير هذا الموضع.
من آداب صوم الخصوص: غض البصر، وحفظ اللسان عما يؤذى من كلام محرم أو مكروه، أو ما لا يفيد، وحراسة باقي الجوارح.
وفى الحديث من رواية البخارى، أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه ".
ومن آدابه: أن لا يمتلئ من الطعام فى الليل، بل يأكل بمقدار، فانه ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن. ومتى شبع أول الليل لم ينتفع بنفسه فى باقيه، وكذلك إذا شبع وقت السحر لم ينتفع بنفسه إلى قريب من الظهر، لأن كثرة الأكل تورث الكسل والفتور، ثم يفوت المقصود من الصيام بكثرة الأكل، لأن المراد منه أن يذوق طعم الجوع، ويكون تاركا للمشتهى. مختصر منهاج القاصدين (ص: 44).
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم لي ولأخواني المسلمين التوفيق والسداد وأن يبارك لنا في شهر رمضان, وأن يبارك لنا في أوقاتنا وأعمارنا ويختم لنا بالحسنى إنه جواد كريم.
أمابعد:
فإن من أعظم ما ندب الله جل وعلا إليه عباده المؤمنين التواصي بالحق, والنصح للخلق, وإني مع مقدم هذا الشهر العظيم أوصي نفسي وإخواني بهذه الوصايا المنتقاة من كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه المصطفى لعل الله جل وعلا أن ينفعني بها وإخواني في هذا الشهر العظيم فيكتب الأجر للكاتب والقاريء وهذه الوصايا هي على النحو التالي:
1_من أعظم مايعين على تحقيق العبادة على أكمل وجه مطلوب الاستعانة بالله تبارك وتعالى, وعلم العبد علما يقينيا أن تحقيق العبادة والراحة والطمأنينة في أدائها إنما يتحقق باللجوء إلى الله تبارك وتعالى والاستعانة به في تحقيق العبادة.
وفي الإستعانة بالله وحده في تحقيق العبادة فائدتان:
إحداهما: أن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في عمل الطاعات.
والثانية: أنَّه لا معين له عَلَى مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله الله فهو المخذولاستقبال رمضان.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله( أسعد الخلق أهل العبادة والاستعانة والهداية إلى المطلوب، وأشقاهم من عدم الأمور الثلاثة) إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 123)
2_إخلاص الدين لله جل وعلا في تحقيق العبادة, وهذا يتطلب من المسلم المقبل على ربه في هذا الشهر العظيم أن يجعل أعماله الصالحة خالصة لله تبارك وتعالى, فإن العبد إذا خلصت نيته لله تعالى وكان قصده وهمه وعمله لوجهه سبحانه كان الله معه؛ فإنه سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، ورأس التقوى والإحسان خلوص النية لله جل وعلا. قال الإمام ابن القيم رحمه الله (إذا أشرب القلب العبودية والإخلاص صار عند الله من المقربين، وشمله استثناء {إلا عبادك منهم المخلصين} [الحجر: 40]) . إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 6).
3_احرص أخي المسلم أن يكون عملك الصالح موافقا لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام , قال بعض السلف: ما من فعلة وإن صغرت إلا ينشر لها ديوانان: لم؟ وكيف؟ أى لم فعلت؟ وكيف فعلت؟ فالأول: سؤال عن علة الفعل وباعثه وداعيه؛ هل هو حظ عاجل من حظوظ العامل، وغرض من أغراض الدنيا فى محبة المدح من الناس أو خوف ذمهم، أو استجلاب محبوب عاجل، أو دفع مكروه عاجل؟ أم الباعث على الفعل القيام بحق العبودية، وطلب التودد والتقرب إلى الرب سبحانه وتعالى، وابتغاء الوسيلة إليه؟.
ومحل هذا السؤال: أنه، هل كان عليك أن تفعل هذا الفعل لمولاك، أم فعلته لحظك وهواك؟.
والثانى: سؤال عن متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام فى ذلك التعبد، أى هل كان ذلك العمل مما شرعته لك على لسان رسولى، أم كان عملا لم أشرعه ولم أرضه؟.
فالأول سؤال عن الإخلاص، والثانى عن المتابعة، فإن الله سبحانه لا يقبل عملا إلا بهما.
فطريق التخلص من السؤال الأول: بتجريد الإخلاص، وطريق التخلص من السؤال الثانى: بتحقيق المتابعة، وسلامة القلب من إرادة تعارض الإخلاص، وهوى يعارض الاتباع. فهذه حقيقة سلامة القلب الذى ضمنت له النجاة والسعادة. إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 8).
4_الاقتصاد في كل الأمور حسن حتى في العبادة، ولهذا نهى عن التشديد في العبادة عَلَى النفس، وأمر بالاقتصاد فيها، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا، فَإِنَّهُ مَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ)قال الألباني:صحيح.
5_إحسان العبادة إتقانها وإكمالها والإتيان بها عَلَى أكمل الوجوه.
6_طاعة العبد لربه في السر دليل عَلَى قوة إيمانه وإخلاصه لربه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه خشيته في السر والعلانية , وأفضل النوافل إسرارها، ولذلك فضلت صلاة الليل عَلَى نوافل الصلاة وفضلت صدقة السر عَلَى صدقة العلانية.
7_العبادة إِنَّمَا تبنى عَلَى ثلاثة أصوال: الخوف والرجاء والمحبة, وكل منهما فرض لازم، والجمع بين الثلاثة حتم واجب.
8_كلما قويت معرفة العبد بالله قويت محبته له ومحبته لطاعته، وحصلت له لذة العبادة من الذكر وغيره عَلَى قدر ذلك.
9_أفضل الناس من سلك طريق النَّبيّ صلّى الله عليه وسلم وخواص أصحابه في الاقتصاد في العبادة البدنية والاجتهاد في الأحوال القلبية، فإنَّ سفر الآخرة يقطع بسير القلوب لا بسير الأبدان.
10_ "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل "وقد قال العلماء في سر ذلك أن العمل اليسير إذا كانت خاتمة العبد عليه ختم له على العمل الصالح, وأما إذاكان العمل كثيرا منقطعا, فإنه ربما يختم له على حال الانقطاع, فيختم له على غير العمل ا لصالح.
11_من أفضل الأعمال التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في شهر رمضان المبارك الصلاة, فالله الله في الصلاة, قال صلى الله عليه وسلم: "أعني على نفسك بكثرة السجود" وقال: "أفضل الأعمال الصلاة لأول وقتها" وقال: " جعلت قرة عيني في الصلاة " والصلاة تختص بجمع الهمة وحضور القلب والانقطاع عن كل شيء سواها بخلاف غيرها من الطاعات ولهذا كانت ثقيلة على النفس. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 77)
12_ الحرص على الإيثار والصدقة والإحسان إلى الناس على اختلاف حاجاتهم ومصالحهم من تفريج كرباتهم ودفع ضروراتهم وكفايتهم فى مهماتهم ومن كانت هذه صفته فقد دخل فيهم أحد الصنفين اللذين قال النبى صلى الله عليه وسلم فيهم: "لا حسد إلا فى اثنين: رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها الناس، ورجل آتاه الله مالاً وسلطه على هلكته فى الحق"، يعنى أنه لا ينبغى لأحد أن يغبط أحداً على نعمة ويتمنى مثلها، إلا أحد هذين، وذلك لما فيهما من منافع النفع العام والإحسان المتعدى إلى الخلق، فهذا ينفعهم بعلمه وهذا ينفعهم بماله، والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله.
ولا ريب أن هذين الصنفين من أنفع الناس لعيال الله، ولا يقوم أمر الناس إلا بهذين الصنفين ولا يعمر العالم إلا بهما، قال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ الله ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أنفقوا مِنَّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 262] ، [وقال تعالى: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا يحزنون وقال تعالى: {إنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالمصَّدِّقَات وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:18] قال تعالى {من ذا الذى يقرض الله قرضاً حسناً فَيْضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 542] ، وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد: 11] ، فصدَّر سبحانه الآية بألطف أنواع الخطاب، وهو الاستفهام المتضمن لمعنى الطلب، وهو أبلغ فى الطلب من صيغة الأمر، والمعنى: هل أحد يبذل هذا القرض الحسن فيجازى عليه أضعافاً مضاعفة؟ وسمى ذلك الإنفاق قرضاً حسناً حثاً للنفوس وبعثاً لها على البذل لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولا بد طوّعت له نفسه بذله وسهل عليه إخراجه.
فإن علم أن المستقرض ملى وفى محسن كان أبلغ فى طيب قلبه وسماحة نفسه، فإن علم أن المستقرض يتجر له بما اقترضه وينميه له ويثمره حتى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح، فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده من فضله وعطائه أجراً آخر من غير جنس القرض وأن ذلك الأجر حظ عظيم وعطاءٌ كريم فإنه لا يتخلف عن قرضه إلا لآفة فى نفسه من البخل والشح أو عدم الثقة بالضمان، وذلك من ضعف إيمانه، ولهذا كانت الصدقة برهاناً لصاحبها.
وهذه الأمور كلها تحت هذه الألفاظ التى تضمنتها الآية، فإنه [سبحانه] سماه قرضاً، وأخبر أنه هو المقترض لا قرض حاجة، ولكن قرض إحسان إلى المقرض [استدعاه] لمعاملته، وليعرف مقدار الربح فهو الذى أعطاه ماله واستدعى منه معاملته به، ثم أخبر [عن ما] يرجع إليه بالقرض وهو الأضعاف المضاعفة، ثم أخبر عما يعطيه فوق ذلك من الزيادة وهو الأجر الكريم.
وحيث جاءَ هذا القرض فى القرآن قيده بكونه حسناً، وذلك يجمع أموراً ثلاثة: أحدها أن يكون من طيب ماله لا من رديئه وخبيثه. الثانى: أن [يخرجه] طيبة به نفسه ثابتة عند بذله ابتغاءَ مرضاة الله. الثالث: أن لا يمن به ولا يؤذى. فالأول يتعلق بالمال، والثانى يتعلق بالمنفق بينه وبين الله، والثالث بينه وبين الآخذ.طريق الهجرتين.
13_قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} فأخبر أنه أعد الجنة للمتقين دون غيرهم, ثم ذكر أوصاف المتقين, فذكر بذلهم للإحسان في حالة العسر واليسر, والشدة والرخاء, فإن من الناس من يبذل في حال اليسر والرخاء, ولا يبذل في حال العسر والشدة, ثم ذكر كف أذاهم عن الناس بحبس الغيظ بالكظم وحبس الانتقام بالعفو, ثم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم وأنها إذا صارت منهم قابلوها بذكر الله والتوبة والاستغفار وترك الإضرار فهذا حالهم مع الله وذاك حالهم مع خلقه. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 119)
14_ليكن لسانك رطباً من ذكر الله جل وعلا, فذكر الله جل وعلا يورث حياة القلب، قال شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله تعالى روحه يقول: الذكر للقلب مثل الماء للسمك فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟ الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 42)
.
15_ استكثر من الطاعات في الشهر المبارك, فالدين كله استكثار من الطاعات، وأحب خلق الله إليه أعظمهم استكثارا منها.
ففي صحيح البخاري «ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه.»
فهذا جزاؤه وكرامته للمستكثرين من طاعته.
16_ للصوم ثلاث مراتب: صوم العموم. وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص.
فأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة.
وأما صوم الخصوص: فهو كف النظر، واللسان، واليد، والرجل، والسمع، والبصر، وسائر الجوارح عن الآثام.
وأما صوم خصوص الخصوص: فهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة، والأفكار المبعدة عن الله تعالى، وكفه عما سوى الله تعالى بالكلية، وهذا الصوم له شروح تأتى فى غير هذا الموضع.
من آداب صوم الخصوص: غض البصر، وحفظ اللسان عما يؤذى من كلام محرم أو مكروه، أو ما لا يفيد، وحراسة باقي الجوارح.
وفى الحديث من رواية البخارى، أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه ".
ومن آدابه: أن لا يمتلئ من الطعام فى الليل، بل يأكل بمقدار، فانه ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن. ومتى شبع أول الليل لم ينتفع بنفسه فى باقيه، وكذلك إذا شبع وقت السحر لم ينتفع بنفسه إلى قريب من الظهر، لأن كثرة الأكل تورث الكسل والفتور، ثم يفوت المقصود من الصيام بكثرة الأكل، لأن المراد منه أن يذوق طعم الجوع، ويكون تاركا للمشتهى. مختصر منهاج القاصدين (ص: 44).
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم لي ولأخواني المسلمين التوفيق والسداد وأن يبارك لنا في شهر رمضان, وأن يبارك لنا في أوقاتنا وأعمارنا ويختم لنا بالحسنى إنه جواد كريم.