إنَّ الصيام عبادة من العبادات الجليلة التي يحبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكل عبادة لها سنن وآداب، وهنا سأذكر إن شاء الله تعالى جملة من سنن وآداب الصيام؛ ومنها:
أولاً: السحور:
وهو أكلة السحر، عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً" [1].
فالسحور فيه:
• اتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
• التقوي على عبادة الله تعالى به.
• مخالفة أهل الكتاب، فعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ" [2].
• صلاة الله وملائكته على المتسحرين، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ فَلا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِين". [3]
من أحكام السحور:
• يكون السحور في أي وقت من الليل، والمستحب تأخيره، لما رواه سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ" [4] وزاد أحمد: " و أَخَّرُوا السَّحُورَ " [5].
• يتحقق السحور بأي شيء ولو كان بقليل الطعام أو جرعة ماء، لحديث: " السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ فَلا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِين"[6].
♦ في حال الشك في طلوع الفجر فلك الأكل والشرب حتى تتيقن؛ لأن الله قال:
﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [7] وقد جاء رجل إلى ابن عباس يسأله عن السحور، فقال له رجل من جلسائه: كل حتى لا تشك، فقال له ابن عباس: ((إن هذا لا يقول شيئاً كل ما شككت حتى لا تشك)) [8].
• من سمع الأذان وفي يده شرابه فله أن يشرب حتى ينتهي، لما رواه أَبِو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ" [9].
ثانياً: الغسل من الجنابة والحيض والنفاس:
والأمر في الغسل قبل الفجر على الاستحباب، وعند الفجر على الجواز، وعند خشية فوات وقته على الوجوب، ليتمكن المسلم من أداء الصلاة في وقتها، وقد ثبت أن عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ: " أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلامٍ ثُمَّ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ" [10].
ثالثاً: الفطور:
من أحكام الفطور:
• وقت الإفطار: هو غروب الشمس وليس الأذان المتأخر عنه كما يظنه كثير من الناس.
• يتحقق الفطر بأي شيء ولو كان بقليل الطعام أو جرعة ماء.
• المستحب تعجيل الفطر، لما جاء في الحديث الصحيح: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" [11]، وأن يكون على رطب، فمن لم يجد فالتمر، فإن لم يجد فالماء، لما رواه ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ" [12].
• يُستحب الدعاء عند الفطر، وأصح الدعاء ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ "[13].
رابعاً: تقوى الله وملازمة الأخلاق الحسنة:
وذلك بالكف عن اللغو والرفث وكل ما يُنافي الصوم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ"[14]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"[15].
خامساً: الجود ومدارسة كتاب الله:
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مدارسة القرآن الكريم، وكان جبريل عليه السلام يدارسه كما ثبت في الحديث الصحيح عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلام كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ" [16].
والمدارسة تكون:
• بقراءة القرآن بترتيل وتجويد كما أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ووصل إلينا بالقراءات الصحيحة المتواترة.
• وكذلك بفهمه وتعلمه على ما فهمه السلف الصالح ومن بعدهم من أهل العلم على طريقتهم بعيداً عن الأهواء والبدع.
• والعمل بأحكامه.
• والدعوة لما تعلمت من آيات وأحكام.
سادساً: الدعاء:
فقد جاءت آية الدعاء ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ [17] بين آيات الصوم لبيان أهميته.
واعلم - وفقني الله وإياك - أن دعاء الصائم مظنة إجابة الدعاء، فعن أنس رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد ودعوة الصائم ودعوة المسافر" [18].
سابعاً: التوبة النصوح:
التوبة واجبة على كل مسلم لقوله تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [19] ورمضان شهر لتجديد التوبة والإنابة إلى الله سبحانه، وهو فرصة للمتكاسلين والمذنبين والمسوفين والمسرفين لمراجعة أنفسهم ومحاسبتها، وقد ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ" [20]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ" [21].
ثامناً: تفطير الصائمين:
ويكون الفطور ولو على تمرة أو جرعة ماء، وقد كان من هدي السلف الصالح رضي الله عنهم أنهم يفطرون الصائمين، وقد روى عطاء عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" [22].
تاسعاً: العمرة:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ: "مَا مَنَعَكِ مِنْ الْحَجِّ؟" قَالَتْ: أَبُو فُلانٍ -تَعْنِي زَوْجَهَا- كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا، قَالَ: "فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً" أَوْ "حَجَّةً مَعِي" [23] فهنيئاً لك يا أخي المُعتمر بحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم.