كنا في المقبرة مجتمعين لدفن اثنين ممن نعرفهم احدهما غني ذو مال وجاه والاخر مثلما نقول " درويش " من دراويش المدينة منذ ان وعييت وهو هائم في شوارع المدينة يقتات من هنا وهناك لا نعرف عنه سوى انه مسكين معدوم لا له ولا عليه كل ما يملك " قبعة " تقيه الحر و" عصى " تبعد عنه الشر .
اما الغني فهو صاحب املاك وعقارات وشركة مقاولات كبيرة ومشهورة له اولاد واحفاد ومعارف بعدد شعر رأسه . قضى الله ان يكون رحيلهما ودفنهما في نفس اليوم في نفس المقبرة لتروى فيها قصة تكون عبرة فماهي القصة التي حدثت في هذا اليوم ؟ تابعوا ...
لا داعي لان اصور لكم المنظر داخل المقبرة والجمع الذي دفن هذا ومن كانو مع ذاك طبعا الصورتين مختلفين اشد اختلاف . اصحاب المال من يرافقهم والفقراء من يتبعهم الى اخر وجهة لهم .
سيارات فخمة واجسام ضخمة ملامحهم مرهقة وعيونهم شاخصة تكاد تنفجر افئدتهم من شدة اختناقهم وانعدام صبرهم في هذه المواقف لتواجدهم داخل المقبرة المهجورة ورؤية المشهد الذي يتجنبونه ولا يودونه ولا حتى لانفسهم واولادهم يتخيلونه .
فاما المشهد الاول فمشهد الفقير المعدم .
تم دفن المسكين بسرعة وبسهولة لاسباب معقولة فالزحام لم يكن شديدا حول قبره ولا يوجد حرص على ان يكون القبر متينا ومتقنا ولعله كان خفيف الجثة فلم يكن حمله ووضعه في الحفرة امرا عسيرا او شاقا للحاضرين . لم ينتظروا ولدا ولا اخا ولا جدا فالرجل عاش وحيدا ومات وحيدا وسيكون بعثه وحيدا . لم يخلوا المنظر سوى من بعض الحضور لا تبدوا عليهم علامات الاسى والحزن الا العجلة والسرعة في الرفع والحط والاخذ والمد والحفر والردم .
وانشغل الكثرة من الناس في المشهد المقابل بدفن الغني فوضعوه برفق واحكموا غلق قبره برفق وتابعو بتسويته وتثبيت التراب والاحجار حوله وفوقه حتى ضننت انهم سيجعلون بيننا وبينه ردما فلم يكفهم الحجر فنادى احدهم احضروا الحجر فلم يكفنا ما وفرناه لانهاء العمل على القبر فنظروا هنا وهناك بحثا عن احجار فلم يجدوا فنظرو تجاه قبر المسكين فوجدوا احجار زائدة عن الحاجة وقد كان اصحابه قد اكملوا الدفن وهموا بالمغادرة فاستعاروها من المسكين ليكملو دفن هذا الغني . الغني لم تكفه الاحجار لبناء قبره فلم يجد سوى احجار ذلك الفقير فجمعوها وهم بحاجة سديدة اليها " اللهم ارحم صاحب هذا القبر لانه ترك لنا ما يستر صاحب ذالك القبر " واجعل مثواه الجنة .
التفت الكثيرون ممن استوعبوا اللقطة نحو بعضهم البعض يسبحون في استغراب سبحان الله العظيم ويومئون برؤوسهم متفقين على انها رسالة نزلت على الجميع وعبرة وتنويه للحاضرين اغنيائهم وفقرائهم ... وجهاء وحقراء ... اميين ومتعلمين ... يامن كان المساكين بحاجة اليك في الدنيا ها انت بحاجة اليهم لتستر نفسك تحت التراب .
عشت متمتعا وفير المال والاولاد زاهيا املا بالعيش الطويل وتقول لن ينقصني شيئ ولن احتاج لمخلوق ومالي لا ينفذ .
والان انت ترحل تاركا ورائك كل مالك وجاهك ولم تجد حتى حجرات لتكمل بها قبرك وهو اخر ملك تركته في هذه الدنيا .
انصرفت وتركت الامام السعيد بهذه الدعوة يدعوا بمالذ وطاب واشتهت الانفس من الادعية الصحيحة والمعتدية القديمة منها والحديثة واعدا الحاضرين بجنة النعيم ورضوان من رب العالمين والملتقى بعد حين في فيلا هذا المتوفى المسكين .
نعم سبحان الله قصة حقيقية ليس من نسج الخيال وواقعة شهدتها بام عيني لانقلها لكم واخطها كعبرة وموعظة . ان شاء الله يستفيد منها الجميع .
ربي يبارك فيكم وتقبل الله منا ومنكم .
آخر تعديل بواسطة المشرف: