القرآن
يعتبر المسلمون أن القرآن كلام الله الحرفي. وأن آياته أنزلت، بلسان عربيّ مبين، على محمد صلى الله عليه وسلم من الله عن طريق المَلَك جبريل في مناسبات عديدة منذ بعثته حوالي عام 610م حتى وفاته في 8 يونيو سنة 632م.
وقد تم تدوين القرآن بواسطة بعض صحابة محمدصلى الله عليه وسلم في حياته، إلا أنه لم يتم جمعه في كتاب واحد في ذلك الحين. وقد جُمع القرآن في كتاب واحد لأول مرة في زمن أبي بكر الصديق، الخليفة الأول، ثم تم نسخه في عدة نسخ وتوزيعها علي مختلف الأمصار المسلمة في عهد عثمان بن عفان، الخليفة الثالث. ويؤمن المسلمون بأن القرآن لم يتغير وبأن الله قد تكفل بحفظه. ويجمع المسلمون بمختلف طوائفهم على نسخة واحدة منه.
ينقسم القرآن إلى 114 سورة، ويحتوي على 6236 آية. ويوجد بالقرآن آيات مكية وأخرى مدنية. فأما المكية فهي التي نزلت قبل الهجرة، وكانت تركز أساسًا على بناء العقيدة والإيمان وكذلك المواضيع الأخلاقية والروحية. أما الآيات المدنية اللاحقة فنزلت بعد الهجرة وتهتم بالتشريع والأحكام وبمناقشة القضايا الاجتماعية والأخلاقية اللازمة لبناء المجتمع المسلم خصوصًا والبشري عمومًا.
والقرآن أكثر انشغالاً بالتوجيه المعنوي من التعليمات القانونية، ويعتبر الكتاب المرجعي "للمبادئ والقيم الإسلامية".
ويعتبر معظم المسلمين أن القرآن إلى جانب السنة النبوية هما المصدران الأساسيان للتشريع الإسلامي.
كلمة القرآن مشتقة من "القراءة"، وتعتبر قراءة القرآن أحد أهم العبادات في الإسلام، ويُقرأ القرآن باللغة العربية ولا يجوز تلاوته بلغة أخرى.
وعلى الرغم من وجود نسخ مترجمة من القرآن بمختلف لغات العالم، إلا أنها لا تتعدى مجرد كونها تفاسير لمعاني القرآن باللغات الأخرى، حيث تستمد قدسية القرآن من حرفيته، وهو ما لا يتاح في الترجمة بسبب الاختلافات اللغوية وأخطاء المترجمين.
وكما يؤمن المسلمون بالقرآن فإنهم كذلك يؤمنون بأن الكتب السابقة على نزول القرآن نزلت من عند الله على بعض الأنبياء، كالتوراة التي نزلت على موسى، والزبور المنزل على داود، وصحف إبراهيم، والإنجيل المنزل على المسيح عيسى بن مريم، ويعتقدون أن القرآن ناسخ وملغي لما فيها من شرائع، كما يعتقدون أن النسخ الحالية لهذه الكتب طرأ عليها التحريف،والإيمان بهذه الكتب شرط في الإيمان عند المسلمين ومن جحد شيءًا منها يعد كافرًا. ومن الآيات التي يستدل بها المسلمون على ذلك، الأيات التي وردت في سورة المائدة: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ .
الحياة مع القرآن
عادل بن عبد العزيز المحلاوي
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا , أحمد ه سبحانه جعل كتابه للمؤمنين هدى , وأصلي على من جُعل القرآنُ ربيع قلبه , ونور صدره ثم اهتدى أما بعد :
الحديث عن القرآن حديث عظيم , لأنه حديث عن كتاب عظيم , وما كتبت عن القرآن يوماً أو تحدثت عنه إلا أجتمع لي أمران الفرح والخجل , فأفرح لأني أتكلم عن كلام الله , وأخجل لأني مثلي يتكلم عن هذا الكلام , ولكني أحمده عز وجل أن أذن لمثلي أن يتكلم عن كلامه .
ولو أراد المرء أن يُسهب في الحديث عن كلام الله , لفني العمر ولم ينته من الحديث بعد , ولكن لعلي أتكلم عن كيف يتأثر المسلم بالقرآن , خصوصاً وأن المسلمين يُقبلون عليه في أيام رمضان .
صح عن عثمان رضي الله عنه وأرضاه أنه قال " لو سلمت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم " ذلك أن القرآن كلام الله , وكلامه صفة من صفاته .
تأمل –أولاً- في كرامة القرآن لأهله جاء عند الترمذي رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يجيء القرآن يوم القرآن فيقول : يارب حله فيُلبس تاج الكرامة , ثم يقول : يارب زده فيُلبس حلة الكرامة , ثم يقول يارب ارض عنه فيرضى عنه " حديث حسن .
فمن لي بمثلك يا صاحب القرآن نلت تاج الكرامة وحلتها وفزت بالرضى من الرحمن .
إن العيش مع القرآن عيش كريم , ونعمة يتفضل بها الله على من شاء من خلقه , وحياة تعجز العبارات أن تعبر عنها , ولذا كان حريٌ بالمؤمن الناصح لنفسه أن يجاهد نفسه للعيش الحقيقي مع القرآن , تأمل في حال السلف وكيف كانت حياتهم مع القرآن , وقارن بين حالنا وحالهم عند التلاوة .
قيل لبعض السلف : إذا قرأت القرآن تُحدث نفسك بشيء؟ فقال : أوَ شيء أحب إلي من القرآن حتى أحدث به نفسي ؟
لقد كانوا يعلمون أن القرآن ليس مثل كلام البشر ,فهم على يقين بصدق أخباره ,
ونفاذ وعده ووعيده , كان لأسلوبه المعجز أثره في نفوسهم ولذا تلذذوا به , وآثروه على حديث الناس فليت شعري متى نصل لهذا الحال ؟
ورمضان فرصة لنا لتجديد العهد مع القرآن أولاً, والعودة الحقيقة للتلاوة المؤثرة للقلوب, المغيرة للسلوك, نريد أن نصل إلى أن يكون حالنا بعد التلاوة غير حالنا قبله, وحياتنا مع القرآن حياة المحبين لآيات الرحمن, المعظمين لها.
ولئن كان رمضان فرصة للازدياد من الختمات , فإن الأولى بنا صرف الهمة للتدبر, حتى تتغير أحوالنا وتتبدل أمورنا إلى كل خير.
انظر إلى حال رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يحب أن يتلوا القرآن ويسمعه من غيره , ومن ورائه أبو بكر وعمر كانت تُسمع أصوات بكائهم من وراء الصفوف , ما الذي يجعلهم يبكون وهم الرجال الأبطال ,هل سألنا أنفسنا هذا السؤال ,أما الجواب فتأمله معي في هذه الآيات يقول سبحانه مادحاً خيرة خلقه وأصفيائه من أوليائه( أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) (مريم:58) فالبكاء ترجمة حقيقية لتأثر القلب , والعيش الحقيقي مع القرآن , أريدك كلما قرأت القرآن أو استمعت إليه استحضر أنه كلام الله الذي خلقك ورزقك وأنعم عليك , تفكر في كل آية بل وكل كلمة من كلماته وسيحدث في نفسك العجب
ولعلي أن أضع بين يديك طرقاً تصل بها إلى التأثر والانتفاع بتلاوتك فمنها :
- حاول أن تقرأ تفسيراً ميسراً للآيات , خصوصاً الآيات التي تحتاج إلى تفسير.
-( تحسين الصوت) حسن صوتك عند التلاوة ما استعطت إلى ذلك سبيلاً , وفي الحديث " ليس منا من لم يتغن بالقرآن"رواه البخاري
قال النووي : " والترتيل مستحب للتدبر ونحوه "
- الإنصات التام عند سماع القرآن من أهم أسباب الانتفاع به ولا حرج على المرء في تخير الصوت الحسن المؤثر , سأل رجل أحمد بن حنبل عن الصلاة في المسجد البعيد عن الحي , فقال له الإمام " انظر ما هو أنفع لقلبك"
- ترديد الآيات المؤثرة في القلب : لابد للقارئ عند تلاوته أن تمر به آية مؤثرة في قلبه فالأنفع له أن يقف متدبرا لمعاني هذه الآية ً , مستفهماً هذا الخطاب , ولو بقي مع هذه الآية زمناً فهو أنفع له من إكمال السورة دون تبدر, يقول أبو سليمان الداراني رحمه الله : ربما أقمت في الآية الواحدة خمس ليال , ولولا أني أدع الفكر فيها ما جزتها أبدا , ولربما جاءت الآية من القرآن فيطير عقلي لها .
- وأنت تقرأ آيات القرآن اجعل نفسك كأنك المخاطب بها , فإن كثيرا منا لا يستحضر في ذهنه هذه الأمر فيفوت على نفسه الانتفاع .
- حاول العيش مع هذه الآيات بوجدانك , فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة استحضر نفسك كأنك تعيش فيها متلذذاً بملاذها , وإذا مررت بآية فيها ذكر النار خشيت أن تكون من أهلها واستعذت بالله منها , وإذا مررت بقصص السابقين نقلت فؤادك إلى ذلك الزمان وكأنك تعيش تلك الأحداث , وهكذا مع كل آية من الآيات .
- تدبر في آيات الصفات التي تصف الله تعالى وعظمته , وتصف أفعاله العظيمة مثل خلق الجبال والأرض والسماء والأنهار وغيرها , خذ مثالاً هذه الأية العظيمة من سورة لقمان (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَريم* هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (لقمان11) تفكر في هذا الصنع العجيب المتقن ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (النمل:88)
واعلم أن التدبر يوصلك إلى عظمة ربك ومولاك , ويريك حقيقة الدنيا والآخرة , ويبين لك مآل الفريقين , ومستقر الطائفتين , ويزيد في إيمانك , ويرفع في درجاتك , ويقوي استقامتك , ويزهدك في الدنيا , ويرغبك الآخرة , ويطرد عنك الهم , ويزيل عنك الغم , ويُسليك عن الناس , ويجعلك تلج جنة الدنيا , في خيرات لا منتهى لها .
يعتبر المسلمون أن القرآن كلام الله الحرفي. وأن آياته أنزلت، بلسان عربيّ مبين، على محمد صلى الله عليه وسلم من الله عن طريق المَلَك جبريل في مناسبات عديدة منذ بعثته حوالي عام 610م حتى وفاته في 8 يونيو سنة 632م.
وقد تم تدوين القرآن بواسطة بعض صحابة محمدصلى الله عليه وسلم في حياته، إلا أنه لم يتم جمعه في كتاب واحد في ذلك الحين. وقد جُمع القرآن في كتاب واحد لأول مرة في زمن أبي بكر الصديق، الخليفة الأول، ثم تم نسخه في عدة نسخ وتوزيعها علي مختلف الأمصار المسلمة في عهد عثمان بن عفان، الخليفة الثالث. ويؤمن المسلمون بأن القرآن لم يتغير وبأن الله قد تكفل بحفظه. ويجمع المسلمون بمختلف طوائفهم على نسخة واحدة منه.
ينقسم القرآن إلى 114 سورة، ويحتوي على 6236 آية. ويوجد بالقرآن آيات مكية وأخرى مدنية. فأما المكية فهي التي نزلت قبل الهجرة، وكانت تركز أساسًا على بناء العقيدة والإيمان وكذلك المواضيع الأخلاقية والروحية. أما الآيات المدنية اللاحقة فنزلت بعد الهجرة وتهتم بالتشريع والأحكام وبمناقشة القضايا الاجتماعية والأخلاقية اللازمة لبناء المجتمع المسلم خصوصًا والبشري عمومًا.
والقرآن أكثر انشغالاً بالتوجيه المعنوي من التعليمات القانونية، ويعتبر الكتاب المرجعي "للمبادئ والقيم الإسلامية".
ويعتبر معظم المسلمين أن القرآن إلى جانب السنة النبوية هما المصدران الأساسيان للتشريع الإسلامي.
كلمة القرآن مشتقة من "القراءة"، وتعتبر قراءة القرآن أحد أهم العبادات في الإسلام، ويُقرأ القرآن باللغة العربية ولا يجوز تلاوته بلغة أخرى.
وعلى الرغم من وجود نسخ مترجمة من القرآن بمختلف لغات العالم، إلا أنها لا تتعدى مجرد كونها تفاسير لمعاني القرآن باللغات الأخرى، حيث تستمد قدسية القرآن من حرفيته، وهو ما لا يتاح في الترجمة بسبب الاختلافات اللغوية وأخطاء المترجمين.
وكما يؤمن المسلمون بالقرآن فإنهم كذلك يؤمنون بأن الكتب السابقة على نزول القرآن نزلت من عند الله على بعض الأنبياء، كالتوراة التي نزلت على موسى، والزبور المنزل على داود، وصحف إبراهيم، والإنجيل المنزل على المسيح عيسى بن مريم، ويعتقدون أن القرآن ناسخ وملغي لما فيها من شرائع، كما يعتقدون أن النسخ الحالية لهذه الكتب طرأ عليها التحريف،والإيمان بهذه الكتب شرط في الإيمان عند المسلمين ومن جحد شيءًا منها يعد كافرًا. ومن الآيات التي يستدل بها المسلمون على ذلك، الأيات التي وردت في سورة المائدة: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ .
الحياة مع القرآن
عادل بن عبد العزيز المحلاوي
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا , أحمد ه سبحانه جعل كتابه للمؤمنين هدى , وأصلي على من جُعل القرآنُ ربيع قلبه , ونور صدره ثم اهتدى أما بعد :
الحديث عن القرآن حديث عظيم , لأنه حديث عن كتاب عظيم , وما كتبت عن القرآن يوماً أو تحدثت عنه إلا أجتمع لي أمران الفرح والخجل , فأفرح لأني أتكلم عن كلام الله , وأخجل لأني مثلي يتكلم عن هذا الكلام , ولكني أحمده عز وجل أن أذن لمثلي أن يتكلم عن كلامه .
ولو أراد المرء أن يُسهب في الحديث عن كلام الله , لفني العمر ولم ينته من الحديث بعد , ولكن لعلي أتكلم عن كيف يتأثر المسلم بالقرآن , خصوصاً وأن المسلمين يُقبلون عليه في أيام رمضان .
صح عن عثمان رضي الله عنه وأرضاه أنه قال " لو سلمت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم " ذلك أن القرآن كلام الله , وكلامه صفة من صفاته .
تأمل –أولاً- في كرامة القرآن لأهله جاء عند الترمذي رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يجيء القرآن يوم القرآن فيقول : يارب حله فيُلبس تاج الكرامة , ثم يقول : يارب زده فيُلبس حلة الكرامة , ثم يقول يارب ارض عنه فيرضى عنه " حديث حسن .
فمن لي بمثلك يا صاحب القرآن نلت تاج الكرامة وحلتها وفزت بالرضى من الرحمن .
إن العيش مع القرآن عيش كريم , ونعمة يتفضل بها الله على من شاء من خلقه , وحياة تعجز العبارات أن تعبر عنها , ولذا كان حريٌ بالمؤمن الناصح لنفسه أن يجاهد نفسه للعيش الحقيقي مع القرآن , تأمل في حال السلف وكيف كانت حياتهم مع القرآن , وقارن بين حالنا وحالهم عند التلاوة .
قيل لبعض السلف : إذا قرأت القرآن تُحدث نفسك بشيء؟ فقال : أوَ شيء أحب إلي من القرآن حتى أحدث به نفسي ؟
لقد كانوا يعلمون أن القرآن ليس مثل كلام البشر ,فهم على يقين بصدق أخباره ,
ونفاذ وعده ووعيده , كان لأسلوبه المعجز أثره في نفوسهم ولذا تلذذوا به , وآثروه على حديث الناس فليت شعري متى نصل لهذا الحال ؟
ورمضان فرصة لنا لتجديد العهد مع القرآن أولاً, والعودة الحقيقة للتلاوة المؤثرة للقلوب, المغيرة للسلوك, نريد أن نصل إلى أن يكون حالنا بعد التلاوة غير حالنا قبله, وحياتنا مع القرآن حياة المحبين لآيات الرحمن, المعظمين لها.
ولئن كان رمضان فرصة للازدياد من الختمات , فإن الأولى بنا صرف الهمة للتدبر, حتى تتغير أحوالنا وتتبدل أمورنا إلى كل خير.
انظر إلى حال رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يحب أن يتلوا القرآن ويسمعه من غيره , ومن ورائه أبو بكر وعمر كانت تُسمع أصوات بكائهم من وراء الصفوف , ما الذي يجعلهم يبكون وهم الرجال الأبطال ,هل سألنا أنفسنا هذا السؤال ,أما الجواب فتأمله معي في هذه الآيات يقول سبحانه مادحاً خيرة خلقه وأصفيائه من أوليائه( أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) (مريم:58) فالبكاء ترجمة حقيقية لتأثر القلب , والعيش الحقيقي مع القرآن , أريدك كلما قرأت القرآن أو استمعت إليه استحضر أنه كلام الله الذي خلقك ورزقك وأنعم عليك , تفكر في كل آية بل وكل كلمة من كلماته وسيحدث في نفسك العجب
ولعلي أن أضع بين يديك طرقاً تصل بها إلى التأثر والانتفاع بتلاوتك فمنها :
- حاول أن تقرأ تفسيراً ميسراً للآيات , خصوصاً الآيات التي تحتاج إلى تفسير.
-( تحسين الصوت) حسن صوتك عند التلاوة ما استعطت إلى ذلك سبيلاً , وفي الحديث " ليس منا من لم يتغن بالقرآن"رواه البخاري
قال النووي : " والترتيل مستحب للتدبر ونحوه "
- الإنصات التام عند سماع القرآن من أهم أسباب الانتفاع به ولا حرج على المرء في تخير الصوت الحسن المؤثر , سأل رجل أحمد بن حنبل عن الصلاة في المسجد البعيد عن الحي , فقال له الإمام " انظر ما هو أنفع لقلبك"
- ترديد الآيات المؤثرة في القلب : لابد للقارئ عند تلاوته أن تمر به آية مؤثرة في قلبه فالأنفع له أن يقف متدبرا لمعاني هذه الآية ً , مستفهماً هذا الخطاب , ولو بقي مع هذه الآية زمناً فهو أنفع له من إكمال السورة دون تبدر, يقول أبو سليمان الداراني رحمه الله : ربما أقمت في الآية الواحدة خمس ليال , ولولا أني أدع الفكر فيها ما جزتها أبدا , ولربما جاءت الآية من القرآن فيطير عقلي لها .
- وأنت تقرأ آيات القرآن اجعل نفسك كأنك المخاطب بها , فإن كثيرا منا لا يستحضر في ذهنه هذه الأمر فيفوت على نفسه الانتفاع .
- حاول العيش مع هذه الآيات بوجدانك , فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة استحضر نفسك كأنك تعيش فيها متلذذاً بملاذها , وإذا مررت بآية فيها ذكر النار خشيت أن تكون من أهلها واستعذت بالله منها , وإذا مررت بقصص السابقين نقلت فؤادك إلى ذلك الزمان وكأنك تعيش تلك الأحداث , وهكذا مع كل آية من الآيات .
- تدبر في آيات الصفات التي تصف الله تعالى وعظمته , وتصف أفعاله العظيمة مثل خلق الجبال والأرض والسماء والأنهار وغيرها , خذ مثالاً هذه الأية العظيمة من سورة لقمان (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَريم* هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (لقمان11) تفكر في هذا الصنع العجيب المتقن ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (النمل:88)
واعلم أن التدبر يوصلك إلى عظمة ربك ومولاك , ويريك حقيقة الدنيا والآخرة , ويبين لك مآل الفريقين , ومستقر الطائفتين , ويزيد في إيمانك , ويرفع في درجاتك , ويقوي استقامتك , ويزهدك في الدنيا , ويرغبك الآخرة , ويطرد عنك الهم , ويزيل عنك الغم , ويُسليك عن الناس , ويجعلك تلج جنة الدنيا , في خيرات لا منتهى لها .