و وَقَعَت الغجريَّة على الأرض لا تسْتَطِيع الحراك ، تتأمل ف صمت خيبتها ساقاها النحيلتين كأنهما من رخام أبيض لا حياة فيه
سقطت لا تدْري من أين و إلى أين ، أمن عالم خيالها إلى واقعها المريض، أم من قمة حلمها إلى يأسها المزمن
لا تَدْرِي أين أخطأت و أي جرم ارتكبت
ضلَّت تلك النظرة التي ودَّعها بها أميرها تنْخِرُ ثُقوبا سوداء في قلبها و تمتص منها كل السعادة و الأمل و تحولَّت في ثلاث ليالٍ من غجرية حُرَّة حالمة ، إلى أنقاض فتاة حمقاء
لاحقت حلمها المستحيل لِيرمي بها في النهاية إلى بركة الوحل تلك
ذرفت كل دموعها و حزنها ، و أخرجت قلبها المنكوب ليجف و ييبس في أشعة شمس باهتة ، فكل دُنياها صارت باهتة
ضنَّت أنها ستمل من البكاء سريعا، لكنَّ دموعها أرادت غير ذلك ،
لا تدري كم من الوقت انتحبت و لا كم من ابحار استنزفت في عزائها الطويل ذاك
حتى نسيت مرور الوقت و رحيل فصل الأمطار
و مع ميلاد أول براعم الفصل الجديد، و استيقاظ الأوراق الوليدة على أغصان الشجر
نبتت عند قدميها ، وردة يتيمة...
تأمَّلتها الغجرية وهي تتفتح لحظة توقف دموعها ، و يالدهشتها و هي ترى حورية صغيرة تخرج منها
- اسمي دمعة ، أخبرتها الحورية ، و قالت أنها تحوَّرت من يأسها و بُكائها ، و جاءت تُحقق لها أمنية وحيدة، ماذا تريدين ، سألتها حازمةً
ردَّت الغجرية في كلل ، لست أدري... صدِّقيني لست أدري ، كان الرقص عالمي و كان الأمير كل أحلامي ، و الآن خسرت كل شيء...؟
-اذا الآن لا تملكين شيئا ؟ سألت الحورية
و صمتت الغجرية صمت إيجاب
- اذا لم يعد لديك ما تخسرين عزيزتي ، فاستعدي لتختاري ...
- و أيَّ اختيار أملك و أنا على حافة اليأس ، حتى الموت يبدو لي رفاهية مطلقة
- أمنحك الاختيار عزيزتي ، بين التمسك بأطلال حلم ، أو الميلاد من جديد
اختاري بين ماضيك الذي منحك الوهم و سلب منك السعادة و بين مستقبل جديد لا تعرفين عنه شيئا
اختاري بين المكوث في العدم ، أو الانطلاق نحو المجهول
اختاري بين التخلي عن كل الشيء , أو افتحي ذراعيك للتحدي الجديد
اختاري بين السجن في خوفك الأبدي ، أو استقبلي الغد مع ما يحمله من مخاوف جديدة
اختاري عزيزتي ، بين انتظار أميرك أن يعود ،ربما تعيده مشاعر عالقة لم ينتبه لها ، أو ربما شفقة مُجردة ، فيأخذك معه إلى قلع الحلم القديم و يمنح لأطلالك فرصة ثانية ، لكنك تعلمين أنك لن تكوني غجرية في أعماقك حتى لو تعلَّمت الرقص على أنغامه من جديد
أو... دعيني آخذ ساقيك المتهالكتين و أمنحك مكانهما أجنحة ...
اختاري بين ماضيك الذي منحك الوهم و سلب منك السعادة و بين مستقبل جديد لا تعرفين عنه شيئا
اختاري بين المكوث في العدم ، أو الانطلاق نحو المجهول
اختاري بين التخلي عن كل الشيء , أو افتحي ذراعيك للتحدي الجديد
اختاري بين السجن في خوفك الأبدي ، أو استقبلي الغد مع ما يحمله من مخاوف جديدة
اختاري عزيزتي ، بين انتظار أميرك أن يعود ،ربما تعيده مشاعر عالقة لم ينتبه لها ، أو ربما شفقة مُجردة ، فيأخذك معه إلى قلع الحلم القديم و يمنح لأطلالك فرصة ثانية ، لكنك تعلمين أنك لن تكوني غجرية في أعماقك حتى لو تعلَّمت الرقص على أنغامه من جديد
أو... دعيني آخذ ساقيك المتهالكتين و أمنحك مكانهما أجنحة ...
- أنا ... أتخلى عن شُعلَّة النّار و دفء الرماد المحترق في روحي و أتحول الى حورية ذات أجنحة ...؟ ماذا لو لم أستطع الطيران ، ماذا لو بقيت خائفة لن أستطيع المشي من جديد و لا تعلم رقص جديد و لن أجرؤَ على الطيران ... أنا خائفة
- هذا رهانك يا صغيرة ، أمنحك سبع ليال للتفكير ، و سأعود حين تذرفين دمعتك الأخيرة.
أغلقت الحورية وردتها و انغمست في الأرض من جديد و كأنها لم تكن ، و كأن الحديث لم يحدث ، و ضل بالُ الغجرية مهموما مشُوقا ، بين أمل ضعيف و حلم جديد
و لم تتوقف في قرارة نفسها عن انتظاره ... تُريدُه أن يعود، مازالت لعنة عنادها تُكَبِّلُها
و لم تتوقف في قرارة نفسها عن انتظاره ... تُريدُه أن يعود، مازالت لعنة عنادها تُكَبِّلُها
انها ترفض التخلي عن حلمها البريء، ليس بهذه البشاعة على الأقل
و في ليلة منتصف هذا الأسبوع ، هطل المطر...
لم يكن مطرا قاسيا و باردا ، ولم يكن دافئا و لذيذا
كان هطولا رماديا بلا طعم و لا رائحة، و كأنه تعويذة من السماء جاءت لتغسلها من ...
من كل شيء
ألقت الغجرية ثيابها و فتحت ذراعيها للسماء ، لسماءٍ بلا نجوم ولا قمر ، و كأن الكون شاء ليلتها أن يستحي و يغض البصر عن لحظة جنونها – ربما الأخيرة-
وقفت الفتاة وسط الظلام عارية من كل شيء ، من ماضيها و حاضرها ، من الأمل في مستقبلها ، من روحها الغجرية و آمالها المنسية، من جمال شبابها و كهولة حُزنها
و من كل ذاكرتها
و من كل ذاكرتها
و رقصت ، لم تكن رقصة عادية على أنغام أو ألحان ، لم تكن تعبيرا عن ذاتها أو اغراءا لليل و القمر و النجوم
لم تكن رقصة بل كانت أقرب ما تكون الى صلاة ، منحت جسدها المنهك كُلَّ ما يريد
واستقبلت طَهور السماء بقلبها و تمايلت لا تدري أي خطوة تخطوها لاحقا و لا أي معنى ستمنحه لحركاتها،
احسَّتْ أنَّ روحها خفيفة و شفافة ، و أنَّ جسمها الرُّخامي صار سلسا كأنه الماء و أنَّ الأغلال التي كانت تُكبِّل ساقيها اختفت و تلاشت ، و علمت الغجرية يومها معنى الحُرَّية
لعلَّها تعلَّمت ليلتها أيضا ، كيف تطير
لم يبق على موعدها مع دمعتها اليتيمة إلاَّ ليلة واحدة ، و حين اقترب الأصيل و استعدَّت الشمس لتَلَقِّي حُضن الأُفُق... سمعت صهيل حصان و نحنحة أمير
لقد جاء ، ..
في هذا التوقيت الرهيب في دقته و اغرائه، جاء بعدما اتخذت هي قرارها و عزمت ...
ترجَّل عن حصانه الأبيض و سار نحوها في خُيلائه ... تأمَّلته لأول مرة دون وشاح مشاعرها الجميل، لاحظت لأول مرة كم هو مغرور واوثق من نفسه، شعرت بالإهانة من نظرته المخلوطة بين الشفقة و الاستهزاء ، احتقرت نفسها... غباءها ... ضعفها...
و شاهدته لأول مرة ... كم هو عادي كالآخرين و كم كان أيام حلمها خُرافيا ...
مدَّ يده إليها و قال كلمات، لم تكن تسمعها ، كانت غارقة حتى أذنيها في دهشتها من نفسها
كانت تريد أن تتأمله و أول مرة بعقلها ، و ترى كم هو طبيعيُّ حين جَرَّدته من مشاعرها
علمت حينها أنها من جعلت منه أميرا و فارسا ، فَهِمت عن كل جبروته و فروسيته و غروره جاء من نظرتها ، هي ألْبسته كل ألقابه و انتصاراته ، و من دون مشاعرها الصادقة، تحول الى مُجرَّد عادي...
بقي ينظر اليها و اختفت نظرة التَّعالي من وجهه، لم تسمح له أن ينطق ، فكلماته السابقة هي كل ما احتاجت الى سماعه فعلا (لم تعودي بحاجة إليه، و لا تنتظريني بعد اليوم)
قالت له، لم أعد بحاجة اليك، لا تعد للبحث عني بعد اليوم ...
و استدارت راحلة، و لم تلتفت اليه، و كأنه اختفى لحظت أشاحت بوجهها عنه ...
لم تكن اللحظات التي تفصلها عن موعدها مع دمعتها إلا لحظات انتظار واثقة،
و حين انبعثت الوردة من جديد سالت دمعتها الأخيرة،
وكانت دمعة أملٍ جديد..؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إيمان~
07/07/2016
13:34
آخر تعديل بواسطة المشرف: