محب السلف
:: عضو منتسِب ::
في حكم قضاء تارك الصلاة متعمدا
التبويب الفقهي للفتاوى: فتاوى الصلاة > أحكام الصلاة
الفتوى رقم: ١٦٣
الصنف: فتاوى الصلاة - أحكام الصلاة
في حكم قضاء الصلاة لتارِكِها متعمِّدًا
السؤال:
امرأةٌ تابَتْ في كِبَرِها، هل عليها أَنْ تُصلِّيَ ما فاتَها مِنْ صلاةٍ مِنْ بلوغها إلى يومِ توبتها؟ أجيبونا مأجورين.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنَّ الصحيح الراجحَ مِنْ أقوال أهل العلم: أنَّ تارِكَ الصلاةِ مُتعمِّدًا لا يجب عليه القضاءُ، وهو مذهبُ ابنِ حزمٍ وابنِ تيمية وابنِ القيِّم وغيرِهم مِنْ أهل التحقيق؛ لأنَّ الأمر بالفعل الذي يجب في زمنٍ مُؤقَّتٍ لا يَترتَّبُ إلَّا على مصلحةٍ خاصَّةٍ بذلك الوقتِ؛ ترجيحًا له مِنْ بين سائرِ الأوقات؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا ١٠٣﴾ [النساء]، ولأنَّ القضاء ـ في الأصل ـ لا يجب بأمر الأداء، وإنما يجب بأمرٍ مُجدَّدٍ، وهو ما عليه جمهورُ الأصوليِّين، وليس في أَمْرِ المُتعمِّدِ أمرٌ جديدٌ سوى في النوم والنسيان؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا»(١)؛ فلو لم يَرِدْ هذا الحديثُ في وجوب القضاء على النائم والناسي لَمَا وَجَبَ؛ ذلك لأنَّ المُتعمِّدَ إخراجَها عن وقتها مُفرِّطٌ في صلاته ومُضيِّعٌ لها ومُقصِّرٌ في أداء واجِبِه فلا يُعْذَرُ، وغيرُ المعذورِ لا يُعْطى حُكْمَ المعذور؛ وعليه فلا قضاءَ عليه لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الأُخْرَى»(٢).
أمَّا ما يحتجُّ به مَنْ يقول بالقضاء مِنْ مِثْلِ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما في مسألة الحجِّ مِنْ قصَّةِ المرأة الجُهَنية: «فَإِنَّ اللهَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ»(٣)، وحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما ـ أيضًا ـ في قصَّةِ المرأةِ التي ماتَتْ أُمُّها وعليها صومُ نذرٍ فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالقَضَاءِ»(٤)؛ فلا يَصْلُحُ للاحتجاجِ به على المُفرِّط، وإنما هو محمولٌ على المعذور، ولأنَّ النذر فيه مُطْلَقٌ ليس محدودَ الوقت، ومِثْلُه الحجُّ، بخلاف الصلاة فهي عبادةٌ مُؤقَّتةٌ محدودةُ الطرفين تُعَدُّ مِنْ أحَدِ أقسام الواجب المقيَّد: وهو الواجبُ الموسَّع، فضلًا عن أنَّ النذر الْتزامٌ في الذِّمَّةِ بمَنْزِلةِ الدَّيْن؛ فيقبلُ قضاءَ الوليِّ له كما يقضي دَيْنَه.
قال ابنُ حزمٍ ـ رحمه الله ـ: «وأمَّا مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصلاةِ حتَّى خَرَجَ وقتُها فهذا لا يَقْدِرُ على قضائها أبدًا؛ فلْيُكْثِرْ مِنْ فِعْلِ الخيرِ وصلاةِ التطوُّعِ ليُثَقِّلَ مِيزانَه يومَ القيامة، ولْيَتُبْ ولْيَسْتَغْفِرِ اللهَ عزَّ وجلَّ»(٥).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٤ شعبان ١٤١٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٥ جانفي ١٩٩٦م
(١) أخرجه البخاريُّ في «مواقيت الصلاة» بابُ مَنْ نَسِيَ صلاةً فلْيُصَلِّ إذا ذَكَرَ ولا يُعيدُ إلَّا تلك الصلاةَ (٥٩٧)، ومسلمٌ في «المساجد ومواضع الصلاة» (٦٨٤)، والطبرانيُّ في «الأوسط» (٦١٢٩) واللفظُ له، مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.
(٢) أخرجه مسلمٌ في «المساجد ومواضع الصلاة» (٦٨١) مِنْ حديثِ أبي قتادةَ رضي الله عنه.
(٣) أخرجه البخاريُّ في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» بابُ مَنْ شبَّه أصلًا معلومًا بأصلٍ مُبيَّنٍ قد بيَّن اللهُ حُكْمَهُما ليَفْهَمَ السائلُ (٧٣١٥) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وتمامُه: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: «إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟» قَالَ: «نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟»، قَالَتْ: «نَعَمْ»، فَقَالَ: «اقْضُوا اللهَ الَّذِي لَهُ؛ فَإِنَّ اللهَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ».
(٤) أخرجه البخاريُّ في «الصوم» بابُ مَنْ مات وعليه صومٌ (١٩٥٣)، ومسلمٌ في «الصيام» (١١٤٨) واللفظُ له، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، ولفظُه بتمامه: «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: «إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ ـ وفي لفظٍ للبخاريِّ: صَوْمُ نَذْرٍ ـ»، فَقَالَ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟» قَالَتْ: «نَعَمْ»، قَالَ: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالقَضَاءِ»».
(٥) «المحلَّى» لابن حزم (٢/ ٢٣٥)، وانظر: (ص ٢٤٤) مِنْ نَفْسِ الجزء.
التبويب الفقهي للفتاوى: فتاوى الصلاة > أحكام الصلاة
الفتوى رقم: ١٦٣
الصنف: فتاوى الصلاة - أحكام الصلاة
في حكم قضاء الصلاة لتارِكِها متعمِّدًا
السؤال:
امرأةٌ تابَتْ في كِبَرِها، هل عليها أَنْ تُصلِّيَ ما فاتَها مِنْ صلاةٍ مِنْ بلوغها إلى يومِ توبتها؟ أجيبونا مأجورين.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنَّ الصحيح الراجحَ مِنْ أقوال أهل العلم: أنَّ تارِكَ الصلاةِ مُتعمِّدًا لا يجب عليه القضاءُ، وهو مذهبُ ابنِ حزمٍ وابنِ تيمية وابنِ القيِّم وغيرِهم مِنْ أهل التحقيق؛ لأنَّ الأمر بالفعل الذي يجب في زمنٍ مُؤقَّتٍ لا يَترتَّبُ إلَّا على مصلحةٍ خاصَّةٍ بذلك الوقتِ؛ ترجيحًا له مِنْ بين سائرِ الأوقات؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا ١٠٣﴾ [النساء]، ولأنَّ القضاء ـ في الأصل ـ لا يجب بأمر الأداء، وإنما يجب بأمرٍ مُجدَّدٍ، وهو ما عليه جمهورُ الأصوليِّين، وليس في أَمْرِ المُتعمِّدِ أمرٌ جديدٌ سوى في النوم والنسيان؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا»(١)؛ فلو لم يَرِدْ هذا الحديثُ في وجوب القضاء على النائم والناسي لَمَا وَجَبَ؛ ذلك لأنَّ المُتعمِّدَ إخراجَها عن وقتها مُفرِّطٌ في صلاته ومُضيِّعٌ لها ومُقصِّرٌ في أداء واجِبِه فلا يُعْذَرُ، وغيرُ المعذورِ لا يُعْطى حُكْمَ المعذور؛ وعليه فلا قضاءَ عليه لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الأُخْرَى»(٢).
أمَّا ما يحتجُّ به مَنْ يقول بالقضاء مِنْ مِثْلِ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما في مسألة الحجِّ مِنْ قصَّةِ المرأة الجُهَنية: «فَإِنَّ اللهَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ»(٣)، وحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما ـ أيضًا ـ في قصَّةِ المرأةِ التي ماتَتْ أُمُّها وعليها صومُ نذرٍ فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالقَضَاءِ»(٤)؛ فلا يَصْلُحُ للاحتجاجِ به على المُفرِّط، وإنما هو محمولٌ على المعذور، ولأنَّ النذر فيه مُطْلَقٌ ليس محدودَ الوقت، ومِثْلُه الحجُّ، بخلاف الصلاة فهي عبادةٌ مُؤقَّتةٌ محدودةُ الطرفين تُعَدُّ مِنْ أحَدِ أقسام الواجب المقيَّد: وهو الواجبُ الموسَّع، فضلًا عن أنَّ النذر الْتزامٌ في الذِّمَّةِ بمَنْزِلةِ الدَّيْن؛ فيقبلُ قضاءَ الوليِّ له كما يقضي دَيْنَه.
قال ابنُ حزمٍ ـ رحمه الله ـ: «وأمَّا مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصلاةِ حتَّى خَرَجَ وقتُها فهذا لا يَقْدِرُ على قضائها أبدًا؛ فلْيُكْثِرْ مِنْ فِعْلِ الخيرِ وصلاةِ التطوُّعِ ليُثَقِّلَ مِيزانَه يومَ القيامة، ولْيَتُبْ ولْيَسْتَغْفِرِ اللهَ عزَّ وجلَّ»(٥).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٤ شعبان ١٤١٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٥ جانفي ١٩٩٦م
(١) أخرجه البخاريُّ في «مواقيت الصلاة» بابُ مَنْ نَسِيَ صلاةً فلْيُصَلِّ إذا ذَكَرَ ولا يُعيدُ إلَّا تلك الصلاةَ (٥٩٧)، ومسلمٌ في «المساجد ومواضع الصلاة» (٦٨٤)، والطبرانيُّ في «الأوسط» (٦١٢٩) واللفظُ له، مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.
(٢) أخرجه مسلمٌ في «المساجد ومواضع الصلاة» (٦٨١) مِنْ حديثِ أبي قتادةَ رضي الله عنه.
(٣) أخرجه البخاريُّ في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» بابُ مَنْ شبَّه أصلًا معلومًا بأصلٍ مُبيَّنٍ قد بيَّن اللهُ حُكْمَهُما ليَفْهَمَ السائلُ (٧٣١٥) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وتمامُه: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: «إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟» قَالَ: «نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟»، قَالَتْ: «نَعَمْ»، فَقَالَ: «اقْضُوا اللهَ الَّذِي لَهُ؛ فَإِنَّ اللهَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ».
(٤) أخرجه البخاريُّ في «الصوم» بابُ مَنْ مات وعليه صومٌ (١٩٥٣)، ومسلمٌ في «الصيام» (١١٤٨) واللفظُ له، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، ولفظُه بتمامه: «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: «إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ ـ وفي لفظٍ للبخاريِّ: صَوْمُ نَذْرٍ ـ»، فَقَالَ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟» قَالَتْ: «نَعَمْ»، قَالَ: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالقَضَاءِ»».
(٥) «المحلَّى» لابن حزم (٢/ ٢٣٥)، وانظر: (ص ٢٤٤) مِنْ نَفْسِ الجزء.