المرأةُ المسلمةُ والتَّغيُّرَات

الطيب الجزائري84

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
14 جوان 2011
المشاركات
4,120
نقاط التفاعل
4,698
النقاط
191
العمر
39
الجنس
ذكر
  • د. رضا بوشامة


يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:35].
وروى التِّرمذي (3022) وغيره عن مجاهد عن أمِّ سلمة أنَّها قالت: «يَغزُو الرِّجالُ ولا تغزو النِّساء، وإنَّما لنا نصفُ الميراث فأنزل الله: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾، قال مجاهد: فأنزل فيها ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ الآية».
فقول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ﴾ نهيٌ عن مجرَّد تمنِّي المرأة أن تكون مثلَ الرَّجل، فكيف بمن يُنكرُ الفوارقَ الشَّرعية بين الرجل والمرأة وينادي بإلغائها ويطالبُ بالمساواة بينهما؟
فالمسلمةُ التي رضيت بالله ربًّا وبالنبي محمد ﷺ رسولا وبدين الإسلام دينا تعلم علم يقين أنَّ غايةَ خلقها عبادةُ الله وحده وطاعتُه وطاعةُ رسوله، خلقها الله خلقًا سويًّا، وفرَّق بينها وبين الرَّجل في الخِلقة والتَّكوين وفي القدرات والأداء، وكلَّفها بتكاليف توافق فطرتَها وأصلَ خِلقتها، وجعل لها حقوقا وواجبات، وفضَّل الرَّجل عليها وجعلَ له القوامةَ، فقال سبحانه: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ﴾[النساء:34]، وقال الله تعالى: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى﴾[آل عمران:36]، فهذا قدرٌ كونيٌّ لا يزول ولا يَبيد، مِن أجل أن يقوم كلٌّ منهما بما أُنيط به من أحكامٍ وواجبات وتنتظمُ مصالحُ العباد والحياة، وتجتمع الأُسَرُ على الخير والصلاح، وفق أُسُس متينة وأعراف شريفة.
فالمرأةُ المسلمة المؤمنة الصالحة راضيةٌ بأحكام الله وقضائه وقدره، لأنَّها تدركُ بإيمانها أنَّ الله اللطيفُ الخبير العليم الحكيم لا يقدِّر ولا يشرَع لها إلا ما فيه مصلحتُها الدنيويةُ والأخرويَّة، ﴿أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير﴾[المُلك:14]، فكلُّ الأحكام التي تخصُّ المرأةَ في دينها ومعامَلتِها مع زوجها مِن نكاح ومعاشرة وحقوق، وخُلع وطلاق، كلُّها من شرع الله وأمره، صلُحت به أمَّهات المؤمنين ونساءُ المسلمين منذ عُقود وعهود، وستصلُح به جميعُ المؤمنات المتَّبعات لشرع الله المبتغيات ما عند الله، المعتَزَّاتِ بدين الله ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا﴾[الأحزاب:36]، فالإسلامُ الحقيقيُّ ليس بالادِّعاء بل هو الاستسلام والإذعان لأمر الله وشرعه، ولو كان مخالفًا لهوى الإنسان وفكره.
ومن لازم الاستسلام لله والرِّضا بدين الله الكفرُ بما تُمليه عقول الناس السخيفة المخالفة لأوامر الله وشرعه.
فما عُرف شرعٌ أكرَمَ المرأةَ وحفظ لها حقوقها مثلَ شرع الله، فقد أكرمها أُمًّا: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾[الأحقاف:15]، وفي «الصَّحيحين» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ»(1).
وأكرمها وحفِظ حقوقَها بنتًا، فحرَّم وَأدَ البنات الذي كان مِن أعمال الجاهلية النَّكراء، ورغَّب في تربيتهنَّ وبيَّن ما في ذلك من الأجر العظيم والخير الجزيل.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «دَخَلَت امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ، فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْنَا، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرا مِنَ النَّارِ»(2).
وأكرمها زوجاً: فقد أوصى بها رسول الله ﷺ في أعظم مجمع للمسلمين في حجة الوداع، كما في «صحيح مسلم» (1218): «... فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ».
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي»(3).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُهم خِيَارُهم لنسائهم»(4).
وجعلها الإسلامُ شقيقةَ الرجل في الحقوق والواجبات إلا فيما خصَّها الله تعالى به لاختلاف طبيعتها وخِلقتها عن الرَّجل، وتشترك معه في تربية الأولاد، وتقوم على خدمتهم، واستقرارهم.
أكرمها أرملةً فحثَّ على رَعي شؤونها تكريما لها وحفاظا عليها وحراسة لها، ففي «الصحيحين» عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ الله، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ»(5).
فأيُّ فضلٍ وأيُّ عظمة هذه، فأين دعاةُ الحقوق والمساواة من هذه التشريعات الرَّبَّانيَّة.
ثم إنَّ المرأةَ المسلمةَ المؤمنةَ مطالبةٌ بطاعة الله سبحانه فيما أمر والانتهاءِ عما نهى عنه وزجر إن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر، فهي مُبتلاة في هذه الدنيا كالرجل، فطاعتُها لزوجها وعدمُ التَّطاول عليه وأداءُ الحقوق له والعملُ على مرضاته مِن طاعة الله سبحانه الآمرِ بذلك، وعملُها بشريعة الله في الأحكام ـ كأحكام الزَّواج والطَّلاق والخلع والحضانة وغير ذلك ـ من طاعة الله، فهي أحكام شرعية قطعيةٌ ثابتة بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ باقيةٌ إلى قيام الساعة لا تتغير ولا تتبدل بتغير الأزمان والأشخاص، وهي من دين الله الذي ارتضاه لعباده ورضي به المسلمون والمسلمات، فالعملُ بغيره ومخالفته مخالفةٌ لأوامر الله ونواهيه، والخيرُ كله فيما شرع اللهُ وقضى، لا فيما شرعته عقول البشر، ولو كان ذلك مما يشقُّ على بعض الناس؛ فالجنَّة حُفَّت بالمكاره والنار حُفَّت بالشهوات كما أخبر الصادق المصدوق ﷺ، لكنِ المؤمنةُ الصادقةُ تُحِسُّ بلذة طاعة الله، ولا يطمئنُّ لها بال ولا يَقَرُّ لها قرار حتى تؤدِّي الواجبات والحقوق كما أمر الله وشرع، وعاقبةُ ذلك النجاةُ من غضب الله وعذابه وسخطه وعقابه، ونيلُ مرضاته ودخولُ جِنانه، ففي المسند وغيرِه عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ»(6).
ولو قرأت المرأة المسلمة المستسلمة لله هذا الحديث العظيم ووقفت معه وقفات إيمانية بعيدة عن وساوس شياطين الإنس والجن، لعلمت ماذا يُراد منها في هذه الدنيا، وما كلَّفها به الله تعالى، ففي «السُّنن الكبرى» للنَّسائي (8914) عن الحُصَيْنِ بنِ مِحْصَنٍ: عن عَمَّةٍ لَهُ أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ لِحَاجَةٍ، فلمَّا فرَغَ من حاجَتِها قَالَ لَهَا: «أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ. فقَالَ: «فكَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟»، فَقَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلا مَا أعَجَزُ عَنْهُ(7)، فقَالَ: «انْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ».
لكن دُعاة السوء زيَّنوا لها الباطل بصورة الحقِّ، وأدخلوها في ظلمات الشرِّ، وقد روى «البخاري» (3606)، و«مسلم» (1847) من حديث حُذَيْفَةَ ابنِ اليَمَانِ قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ الله ﷺ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ» قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ» قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا».
نعم كَثُر دعاةُ الفتن الذين هم مِن جِلدتنا ويتكلَّمون بألسنتنا لكنَّهم يدعون إلى التمسُّك بما عليه الكفار والملحدون وإلى تركِ شريعة الله والانسلاخ من الدين، وفصلِ المجتمع المسلم عن أحكام الله، وركَّزوا على المرأة المسلمة؛ لأنها مُربيَّةُ الأجيال وعليها قوام الأمة والآمال.
وقد وُجد لهذه الأبواق المنتنة مَن يساندها ويُدافع عنها من النساء وأشباه الرجال، وهذا مِصداق ما قاله الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله: «إنَّ القائدَ الذي يقول للأمة: إنَّك مظلومةٌ في حقوقك وإنَّني أُريد إيصالَك إليها، يجدُ منها ما لا يجده مَن يقول لها: إنَّك ضالَّةٌ عن أصولِ دينك وإنَّني أريدُ هدايتَك، فذلك تُلبِّيه كلُّها، وهذا يُقاومه معظمُها أو شطرُها»(8).
تباكوا عندها بأنَّ حقوقَها مهضومةٌ وهي امرأةٌ مظلومة، ولا يمكن استردادُ مظالِمك إلا بالانسلاخ من دينك، وأنَّك في هذه الدنيا خُلقت مثلَ الرجل بل أعظم، فصوَّروا لها الباطل في صورة الحق، والكذبَ في صورة الصدق.
وهؤلاء الدعاة، منهم من لم يدخل الإيمانُ في قلبه، ولم يعرف سعادةَ الدنيا فضلا عن الآخرة، وظنَّ أنَّ سعادةَ المرأة باللَّهث وراء المال والجاه والسلطان والتسلطَ على الرجال، فلم يَنعَم بالإيمان والطمأنينة التي تلقاها المرأةُ المسلمة المطيعة لربِّها العاملة على رضى زوجها، وقد قال الله تعالى في كتابه وكلامُه حقٌ وصدق: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون﴾[الروم:21]، وقال: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون﴾[النحل:97].
فأين السعادةُ والهناء والمودة والرخاء في تسلط النساء على الرجال، وجعل القَوامةِ لهنَّ في كل مجال، لكن مَن كان فاقدا للإيمان يدعو غيرَه مِن الناس إلى الكفر والإلحاد والخروج من شريعة الرحمن، والعملُ بذلك إيذانٌ بزوال النعم وحلول النِّقم ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾[الإسراء:16].
وصِنفٌ آخرُ انبهروا بما عليه الغربُ الكافر من التَّمدُّن والحداثة والحضارة، وأُعجِبُوا بما هم عليه من الحريَّات وأيُّ حرِّيَّاتٍ؟! فاتَّبعوا سبيلَهم، ومشَوْا على آثارهم ليُرضوهم وما هم عنهم براضين حتى يتركوا الدِّين الذي أنزله الله رَبُّ العالمين ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِير﴾[البقرة:120].
وأما المسلمون فهم راضون عن الله وأحكامِه، يعلمون أنَّ اللهَ الحكيمَ الخبيرَ بأحوال عباده ما شرع لهم إلا ما فيه سعادتُهم في الدنيا والآخرة، وأنَّ دينَهم قائمٌ على جلب مصالح العباد ودرء المفاسدِ عنهم، لا يرضون عنه بديلا ولا تغييرا، يعتزُّون بدينهم وعقيدتهم وشريعتهم، فهي أحكم الشرائع وأعدلُها وأسلُمها، يؤمنون بقول الله جل في عُلاه: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾[آل عمران:19]، وبقوله: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين﴾[آل عمران:85]، وهذا الإيمان لا يتحقَّق إلا بالعمل بشريعة الله في كل المجالات عقيدةً وعبادة وتعاملا وأخلاقا، وأداءِ الحقوق بين الزوجين، ومعرفةِ الزوج حقَّ زوجته عليه وعدلِه في معاملتها والابتعاد عن ظلمها، ومعرفةِ الزوجة حقَّ زوجها عليه وأنَّ طاعتَه في المعروف من طاعة الله، وأن لا تكون عَونًا لأدعياء السوء ودعاةِ التغيير والتغريب لتبديل شرع الله بشرع مَن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، فالمسلم غيرُ الكافر، والمسلمة غيرُ الكافرة، ولكلٍّ شِرعُته ومنهجُه ودينه، والحكم لله وحده: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون﴾[المائدة:48].
فاقبلوا أيُّها المسلمون من الله حكمَه، فدينُكم الإسلام لا دينَ لكم غيرُه، وأما ما يُمليه علينا الأعداء والكفار فهو طريق للهاوية وسبيل للردى والنار الحامية.
واسمعي أيَّتها المرأة المسلمةُ نداءَ الله تعالى فبعد أن ذكر ـ في سورة سمَّاها بسورة النساء ـ أحكامًا كثيرة جَمَّةً وَأَوَامِرَ وَنَوَاهي متعددة تتعلَّق بالميراث والزواج والتعدُّد والطلاق وغير ذلك مما يصلح لبناء الأُسَرِ في الإسلام، قصَد مِنْها اسْتِئْنَاسَ الْمُؤْمِنِينَ وَاسْتِنْزَالَ نُفُوسِهِمْ إِلَى امْتِثَالِ الْأَحْكَامِ المذكورة، لأنَّهَا أَحْكَامٌ تُفْضِي إِلَى خَلْعِ عَوَائِدَ أَلِفُوهَا، وَتصَرْفِهُمْ عَنْ شَهَوَاتٍ اسْتَبَاحُوهَا، فقال سبحانه بعد تقريرها:
﴿يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم * وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا * يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾[النساء:26-28](9).
فلا يعلم ما يُصلحُك إلا خالقُك ورازقك ومدبِّرُ أمرك، فمَن رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا فليرض بأحكامه وشرائعه، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

(1)  «صحيح البخاري» (5971)، «صحيح مسلم» (2548).

(2) «صحيح البخاري» (1418)، «صحيح مسلم» (2629).

(3) «جامع الترمذي» (3895)، وصححه الألباني.

(4) «مسند أحمد» (7402)، وصححه الألباني.

(5) «صحيح البخاري» (5353)، «صحيح مسلم» (2982).

(6) «مسند أحمد» (1661)، وحسنه الألباني في «صحيح الترغيب» (1932).

(7) أي: ما أقصِّر ولا أترك مِن بِرِّه وطاعته إلاَّ ما لا أقدر عليه، ولا أستطيعه.

(8) «آثار ابن باديس» (3 /295).

(9) انظُرْ: «التَّحرير والتَّنوير» (5 /18).


المصدر..موقع راية الاصلاح
 
رد: المرأةُ المسلمةُ والتَّغيُّرَات

بارك الله فيك
 
رد: المرأةُ المسلمةُ والتَّغيُّرَات

وفيكم بارك الله
 
رد: المرأةُ المسلمةُ والتَّغيُّرَات

شكرا اخي الفضيل
الطيب الجزائري84
 
رد: المرأةُ المسلمةُ والتَّغيُّرَات

العفو ..بارك الله فيكم
 
رد: المرأةُ المسلمةُ والتَّغيُّرَات

باآآركَ الله فيك وجزاآآاك الله خيرا
 
رد: المرأةُ المسلمةُ والتَّغيُّرَات

وفيكم بارك الله
 
رد: المرأةُ المسلمةُ والتَّغيُّرَات

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top