تركيا بين مطرقة العلمانية وسندان الصوفية
(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)
(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)
شاء الله لي أن أزور القُسطنطينيَّة عاصمةَ الخلافة العثمانية، فكان أوَّلَ ما أثار انتباهي كثرةُ المساجد، وانتشارُ الحجاب بشكل لافت، وقد أبدع أصحابُ هذه البلاد في تشييد المساجد متأثِّرين بالعمارة البيزنطية، مساجدُ تعلوها قبابٌ متدرِّجة، كأنها سلاسلُ جبلية، ومآذنُ أسطوانية رشيقة، كأنها النخل الباسقات، ينبعث منها أَذانٌ يحلِّق بك في السَّماء، وينقلك لزمن العزَّة، زمن الخلافة والخلفاء، حيث كلُّ مسجد يخلِّد اسم مشيِّده من سلاطين الخلافة العثمانية.
أمَّا الحجاب، فهو منتشر بشكل لافتٍ - كما أسلفت - سواءٌ منه ذلك المختزَل في غطاء الرأس كما يروِّج له بعض الدعاة الجدد، أو تلك الجلابيب السوداء المدْنَاة من فوق الرأس، حيث تَعِجُّ بعض الأحياء الشعبية بنساء متلفِّعات بمُرُوطِهن السوداء.
هذا كان أوَّل انطباع لي، ثم ما لبث ليلُ الحقيقة أن أسدَلَ ظلامه على هذه المشاهد المضيئة الأخَّاذة، وبدأت الصورة الحقيقية تنجلي، وتتَّضح معالِمُها عند اقترابي منها أكثر، اتَّضحت صورة هذه العناية بالمساجد، التي أصبحت أيقونة وشعارًا ورمزًا لمدينة "إسطنبول" لجذب السُّياح وتحقيق التميُّز والتفرد، مساجد تغلب عليها الشَّكلانية، وتُختزل رسالتُها في جذب السياح، وتأثيث المشهد، ولا أدلَّ على ذلك من تحويل بعضِها إلى متاحف صِرفة، وكنت أعتقد أنَّ "أيَا صُوفيا" هي المسجد الوحيد في العالم الذي تم تحويله إلى متحف، لكنني اكتشفت غيرَه في إسطنبول، تم تحويله كذلك إلى متحف يتم الدخول إليه بالأداء، ومن بين أهمِّ ثلاثة متاحف في تركيا اثنان منها كانا مسجدين، ويبقى أهمَّ تجلٍّ لطغيان الشكل على المضمون، وتحريف دور المسجد ورسالته - مسجدُ "ساكرين" الذي صممتْه أشهرُ مصمِّمة حانات وملاهٍ ليلية في تركيا.
المساجد في إسطنبول مرتبطة بالقبور والأضرحة، خاصة تلك المساجد الكبيرة، حيث ينتصب المسجد ببنائه الكبير الضَّخم، تتحلَّق حوله عددٌ من المرافق والملحَقات، تكون المقبرة أهمَّها، حيث يتم دفن مؤسِّس المسجد في ضريح خاصٍّ، أو مع حاشيته وأفراد أسرته، وتُحفظ لكل شخص مكانتُه ورتبته في موته، كما كانت عليها في حياته، وتتفاوت شواهد القبور طُولاً وحجمًا وشكلاً؛ فقد تتخذ شكلَ عمامة السلاطين العثمانيين الضخمة، أو عمامةً أقل حجمًا، أو طربوشًا أو قبعة، أو شكلاً آخرَ؛ حسب الشخص الذي يرقد في القبر ومنزلته ومكانته، والمقبرة محطَّة المصلين قبل الصلاة أو بعدها، حيث يقف الواحد منهم خاشعًا خافضًا رأسَهُ، ممسكًا بشباكها أو سياجها، متمتمًا بدعواتٍ ترحُّمًا منه على أولئك المقبورين، أو ربما طالبًا منهم الرحمة، وقد رأيت عند قبر محمد الفاتح في حي "الفاتحِ" العجَب العُجاب، ورأيت أعجب منه عند قبر الصَّحابي الجليل أبي أيُّوب الأنصاري في حي "أيوب سلطان"، مناكرَ وبدعًا وضلالاتٍ، لا تعدُّ ولا تحصى.
إن المسجد فضاءٌ يتقاسمه الرجال والنساء بالتساوي، وقد أُخبرت أن امرأة جلست في إحدى المرات تُلقي دروسها على الرِّجال والنساء جنبًا إلى جنب، وحتى حينما صمَّمت مصمِّمة الملاهي والحانات: "زينب فاضل أوغلو" مسجدَها، كانت قضية المساواة حاضرةً؛ لذلك خصَّت جناح النساء باهتمام زائد، وجعلت للمحراب غطاءً يشبه غطاءَ الرأس على الطريقة التركية، وعبَّر المفتي عن إعجابه بهذه اللَّمسة النسائية، بل عن حاجة المساجد إليها!
قد يعتقد البعضُ أني أبالغ، لا بأس إليكم هذه أيضًا: المساجد - خاصَّة المشهورةَ منها - غاصَّة بالمتبرِّجات من المسلمات وغيرهن؛ لذلك أنت مطالب بغضِّ بصرِك حتى وأنت داخل المسجد، وبانتظار الزِّحام أن يخف على الباب؛ كي لا يحتكَّ جسدُك بأجساد النساء ولحومهن المكشوفة، وقد تفشل احتياطاتُك كلها، إن كان حظُّك مثلَ حظي حين دخلت مسجد الفاتح، وإذا برجل حسَنِ الهندام يبدو عليه الوقارُ، وقد لفَّ سجَّادة الصلاة في جريدة داعرةٍ تعرِضُ صور عاهراتٍ بملابسهن الدَّاخلية، ولا ناهٍ ولا مَنْ ينتهِي؛ كما يقال، ومثل هذه الجرائد موجودةٌ بكثرة، وقضية التبرُّج لم أستطع فهمَها في هذه البلاد، فقد علمت أن الدعاةَ والخطباء لا يرون بأسًا في كشف المرأة لشَعرها أو لُبْسِها البِنطال، ولا عجب كما قال الشَّاعر:
إِذَا كَانَ رَبُّ الْبَيْتِ لِلطَّبْلِ ضَارِبًا
فَشِيمَةُ أَهْلِ الْبَيْتِ كُلِّهِمُ الرَّقْصُ
فَشِيمَةُ أَهْلِ الْبَيْتِ كُلِّهِمُ الرَّقْصُ
هذا يجرُّنا إلى الحديث عن قضية اللِّباس أو الحجاب، هذه القضية، التي بهرتني أوَّل الأمر، ثم انكشف عنها الغطاءُ، وانقشع عن حقيقتها الضبابُ.
إن الحجاب العصريَّ المختزَلَ في غطاء الرأس، هو لباسٌ أشبه ما يكون بلباسٍ قوميٍّ، ورمز للمرأة التركية، وليس حزبُ العدالة والتنمية وحده مَن طالب بتعديل قانون حظر الحجاب، بل وقف حزب الحركة القومية نفس الموقف، وتوجد المحجَّبات في أكثر الأحزاب العلمانية تطرُّفًا، مثل: حزب كمال أتاتورك، المسمى: حزب الشعب الجمهوري.
وتزامَنَ وجودي بإسطنبول مع تنظيم مظاهرة لإحياء ذكرى الحرب على غزة، لن تستطيع التمييز فيها بين المنضويات تحت جمعية أحرار تركيا "الإسلامية"، والمنضويات تحت جمعية أنصار فلسطين "اليسارية"، بل قد تحوَّل الحجاب إلى وسيلة من وسائل الإشهار، فتجد في شوارع إسطنبول، وفي المحلات التِّجارية، وواجهات البنايات والمتاجر والعمارات - لوحاتٍ إشهاريةً بطولٍ يزيدُ على العشرة الأمتار لنساءٍ محجَّبات يعرضْن سلَعًا تجارية، قد تكون الحجابَ نفسه، أو ربما ملابس نسائية داخلية أو غيرها من السِّلع، ووضع الفتيات والنساء لغطاء الرأس هذا - المسمَّى حجابًا - لا يمنع من وضعِ المكياج الصارخ، أو من أن ترافِقَ متحجِّبةٌ متبرجِّةً تبرُّجًا صارخًا، وتسيران معًا جنبًا إلى جنب، أو أن تختلي بشابٍّ في الأماكن التي يرتادها العُشَّاق، أو أن تحمل في حقيبة اليد عُلبة سجائر لتدخنها في الحديقة، أو في الشارع، أو حتى في صحن المسجد، وقد لفتَ انتباهي كثرةُ المدخنات من النساء - والمحجَّبات منهن على الخصوص - وكذلك الشأن بالنسبة للرجال، حيث تجد الواحد منهم بلحيتِه وجُبَّته وعمامته، وقد أمسك سيجارته بين أصابع يده اليسرى، بينما تُداعب أصابعُ يمناه حبَّاتِ مِسبحته، وقد ناقشتُ عددًا ممن توسَّمت فيهم الصلاحَ حول حكم التدخين، فلم يوافقوني على القول بحُرمته، وأصرُّوا على القول بكراهته فقط، وقد رددت على أحدهم مازحًا، فقلت له: ما دمتم تعتبرونه مكروهًا لماذا هذا الإقبال عليه نساءً ورجالاً، شِيبًا وشبابًا؟ لا شك أن الخلاف عندكم بخصوصه يدور حول القول بالنَّدب أو الوجوب؟
وفي أحد الأيام الماطرة، وبعد أن خفَّ المطر قرَّرْتُ التجول في شوارع منطقة الفاتح المبللة، فقادتْني رجلاي لحيٍّ شعبي، عرَفتُ فيما بعد أن اسمه "جهارشنبه"، وهي كلمة فارسية تعني "الأربعاء"، وإذا بهذا الحي يختلف اختلافًا كليًّا عن الحي الذي أسكنه، رغم أن المسافة بينهما لا تزيد عن 700 متر، حي شعبي يعجُّ بالحركة، والباعة المتجولين، والأبنية القديمة، والأزقة الضيقة، والأهم من هذا أن هذا الحيَّ يعجُّ بنساء ورجال لا يمكن رؤيتُهم في مكان آخرَ من الأماكن التي زُرتها، نساء متلفِّعات بالسواد، منهن المنتقبات، ومنهن من تكشف وجهها، ومنهن من تُظهر منه الأنفَ والعينينِ، ورجال بلحًى طويلة، وجُبَّة أو قميص وسروال فضفاض، وعمامة أو قَلَنْسوة.
وبينما أنا في إحدى مكتبات هذا الحي، إذا بشابٍّ يتصفح كتابًا بالعربية، أظن أنه الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة، اقتربت منه، حيَّيته وسألته إن كان يعرف العربية، فأجابني: إلى حدٍّ ما، إنه شاب أوزبكي في العشرينيات من عمره، حكى لي معاناته مع طلب العلم، قضى عامًا في الشام، فلم يُعجبْه الكثيرُ من الأمور هناك، ففكَّر في الذهاب إلى السعودية، إلا أنه عانى من إجراءات وتعقيدات تجعل الذَّهاب إلى هناك مستحيلاً كما قال، وراودتْه فكرة الذَّهاب إلى مصر، ثم استقر رأيُه على تركيا؛ ليكتشف أن الحال بسوريَّا أفضلُ منه في تركيا بكثير، بخصوص المواد والبرامج والمناهج، قال لي: إننا نُحقن بالتصوُّف حقنًا هنا، وأن قاعدة "لا تعترض فتنطرد" مطبقةٌ بحذافيرها في هذه المدارس.
وسألته عن المواد التي يدرسونها، فأجابني أن ذلك راجع للشَّيخ أو المدرسة، التي هي غالبًا تابعة لطريقة من الطُّرق الصُّوفية، وحكى لي معاناته في تلك المدارس القرآنية، حيثُ إن أي تساؤل أو نقاش أو اعتراض على مسألة في الدرس يعرِّضك لتهمة الرَّمي بالوهَّابية، وقد لاحظت من خلال نقاشاتي، كيف أن العداء للوهابية متأصِّلٌ فيهم ومتجذِّر؛ لسببين:
الأول: يعتبرون الشيخَ عادَى التَّصوفَ وحاربه، وبمعنى آخر: حارب الإسلامَ الحقيقي.
الثاني: خرج على دولتهم وحاربَها، وشقَّ عصى الطاعة، وساهم في إضعافها وإسقاطها.
ثم حاولتُ أن أعرف مِن صاحبي توجُّهَ مَن خمَّنت أنهم سلفيُّون، إلا أنه قطع عليَّ تخميناتي واستنتاجاتي وفرضيَّاتي، وأخبرني أن من أراهم بهذا اللباس المتميِّز متصوِّفةٌ من جماعة "إسماعيل آغا"، وهو اسم المدرسة القرآنية التابعة لهذه الجماعة التي يدرس بها صاحبي، وأضاف أن هذا اللباس يفرضُه عليهم شيخهم، وهم يلبَسونه انصياعًا لأوامر الشيخ، وتميزًا عن باقي الطُّرق والجماعات، فكان أن ودَّعت صاحبي، وأسدلت الستار على فصلٍ درامي آخر، عنوانه: الحجاب طاعة لأوامر الشيخ.
قرَّرتُ معرفة المزيد عن هذه الجماعة وهؤلاء الأشخاص؛ لذلك كثَّفت زياراتي لهذا الحي، وهو حي يضم بين جنباته مكتباتٍ عدة، أسماؤها مستدعاةٌ من القاموس الصوفي، وعليها إقبال لا نظير له من هؤلاء المريدين وطلبة وطالبات مدرسة إسماعيل آغا.
لفت انتباهي ذات مرة مؤذِّنٌ ينادي للصلاة من فوق المئذنة دون مكبِّر صوت، كنت قد أدَّيت صلاتي جمعًا وقصرًا؛ لذلك قرَّرت العودة للمسجد في اليوم الموالي، فحضرت باكرًا، خاصة وأن المساجد في تركيا لا تُغلق أبوابها، وهذا ما لَم أعتَدْه في بلادي، وعند الباب لفتت انتباهي لوحةٌ كبيرة، كُتب عليها مسجدُ شيخ الإسلام "إسماعيل آغا"، المسجد غرفٌ وأدوار، وحركة دؤوبة وسطه، خروجًا ودخولاً، صعودًا ونزولاً، والمشرفون على النَّظافة والصيانة، يقومون بواجبهم بتفانٍ وإتقانٍ، وكأنهم يؤدُّون وِرْدًا من أوراد الشيخ، أذَّن المؤذِّن معلنًا دخول وقت صلاة الظهر، ولا بد للمرء أن تثيره وتستفزَّه بعضُ الأمور في صلاة الأتراك عند أول صلاة له في هذه البلاد، وقد أرجأتُ الإشارة لهذا الأمر إلى حين الحديث عن شيوخِهم وطلبة العلم عندهم، فهم في هذا الباب قدوةٌ، وعند القوم صفوة الصفوة، بعد الأذان يعلن المؤذِّن الإقامة لصلاة ركعتين، والمؤذِّن عادة يكون في شرفةٍ خلف المصلين أو في الدور الأول إن كان للمسجد طابقان، أو في أقل الأحوال يعلو على شيءٍ شبيه بالمنبر، ويقوم الناس بحيث لا يتخلف منهم أحدٌ عن هذه الصلاة الفردية، وبعدها يعلن المؤذِّن إقامة الصَّلاة، والناس في أماكنهم لا يتحرَّكون إلا حين سماعهم قولَ المؤذِّن: "قد قامت الصلاة" فيقومون قَومة رجلٍ واحد لا يتخلفون، وعندما يكبِّر المؤذِّن تكبيرتَه الأولى في تكبيرتي الإقامة الأخيرتين، ينتظر حتى يكبِّر الإمام، ويشرع في قراءة الفاتحة، ثم يكمل ما بقي من صيغة الإقامة، والناس قد بدأت صلاتها، يصطفُّ المصلُّون غير مقتربين من بعضهم، وبين الواحد والآخر مقدار شبر في غالب الأحيان، ويصلُّون صلاة كأنها سباقات السُّرعة النهائية، حتى إنك في سجودك أو ركوعك لا تكاد تُكمل تسبيحةً واحدة، وفي التشهد لا يشيرون بأصابعهم بل يضعون أيديهم مبسوطة فوق ركبهم كالجَلسة بين السجدتين، وعند السلام يلوون رؤوسهم بحركة شبيهة برقصة دراويش الطريقة المولوية، بعد السلام ينبعث صوت المؤذِّن من الخلف عبر المكبِّر مردِّدًا الأذكار والأوراد بطريقة شبيهة بترانيم الكنائس، وكانت تُشعرني بالضيق والتقزز، ثم يقوم الكل لصلاة ركعتين أو أربع.
واليوم الموالي كان يوم جمعة، حضرت باكرًا أيضًا، ورغم ذلك فالمسجد مملوءٌ عن آخره، لن أبالغ إن قلت: إنني الوحيد الذي كان من غير جُبَّة أو قميص وعمامة، حوالي ثلاثة آلاف مصلٍّ بلباسٍ موحد، دخل شيخ يبدو عليه الوقار، صعِد مرتبة على يسار المحراب، وألقى درسه بالتُّركية، بعد أن انتهى أعلن المؤذِّن - فيما يُشبه الإقامةَ - القيامَ للصلاة، فصلينا أربع ركعاتٍ منفصلات، ثم صعِد الخطيب المنبر، وبدأ بالمقدِّمة التي حفظتها - وهي باللغة العربية - ليس لها علاقة بموضوع الخطبة، الذي فهمتُه من خلال الآيات والأحاديث.
الخطبة الثانية تُقرأ فيها الصلاة الإبراهيميةُ عادةً، أو دعاء آخر، ثم نصلي ركعتين لَم أرَ أسرعَ منهما، ثم يقوم الكل لصلاة أربع ركعات بتسليمة واحدة أو بتسليمتين، لا يتخلَّف منهم أحد، لا بل يعلن المؤذِّن إقامة الصلاة في بعض المساجد بعد ركعتي الجمعة، ويؤمُّ الخطيب الناس في صلاة رباعيَّة، لست أدري إن كانوا يعتبرونها ظهرًا أم ماذا؟
وبعد هذه الصلوات قرأ المؤذن ما تيسَّر من القرآن بصوت عذْبٍ شجيٍّ، ثم قام الكل للسلام على الشيخ، وأخذت مكاني بينهم للسلام عليه والحديث معه، إلا أن الأمر لم يكُنْ بالبساطة التي اعتقدت، الأمر أشبهُ ما يكون بالسلام على رئيس دولة، حرَّاس شخصيون وبروتوكول، دفعني أحدُهم وكان يضاعفني طولاً وعَرضًا، وصاح فِيَّ بلغة تركية، وأجبتُه بلهجة لا تقلُّ صرامةً بلغة عربية، فأفسح لي المجال، بل أحاطني بيديه حاميًا إياي من الزِّحام، بعد هذا الحوار غير المفهوم بيننا، لكنه أثمر نتيجة طيِّبة، وكان موكب الشيخ يمر بجانب مصلِّين اصطفُّوا في صفٍّ طويل ومنتظم، واستمر الشيخ في التقدُّم مكتفيًا بمدِّ يده، والناس تتفنَّن وتُبدع في تقبيلها والتبرُّك بها، إلى أن دخل غرفة خاصَّة به، ودخل معه أفرادٌ قليلون وأقفلوا وراءهم الباب، ثم ولَّت تلك الجماهير وجهَها شطرَ باب مقفلٍ آخر، وتبعتُهم وأنا مستغرب هذه الطقوس الاستعراضية، وبعد وقت قصير، خرج خمسةُ شيوخ أكبرُ سنًّا من الشيخ الخطيب، فانهال عليهم المصلون بالتقبيل والتبرُّك، إلا واحدًا منهم كان يمنع الناس من تقبيل يده، وكان أكبرَهم سنًّا.
في اليوم الموالي رجعت لصلاة العصر، في نفس المسجد، وبعد الصلاة تلا علينا شيخٌ ما تيسر من القرآن الكريم بصوت عذب شجيٍّ، وهو متقن للقراءات العشر كما علمتُ فيما بعد، ثم بعد القراءة انتشر الأطفال في أرجاء المسجد يقرؤون القرآن بصوت مرتفع، وفي زاوية من زوايا المسجد، تحلَّقَ عددٌ قليل من الناس حول شيخ معاق، اقتربت منهم فإذا به يدرِّسُهم اللغة العربية، وكان درسًا في تصريف الأفعال، حضرت الدرس الذي امتد إلى أذان المغرب، سلَّمت على الشيخ وبعد دردشة قصيرة طلب مني الحضور غدًا، وهو ما حدث، فكنت أحضُرُ دروسه، ويخصِّص لي حوالي نصف ساعة آخِرَ الحصَّة للنقاش والدردشة، كان يستعرض فيها مهاراتِه في اللغة العربية، معتبرًا إياي حقلَ تجارِب لمفرداته وتعابيره وقاموسه، وقد كان يتكلم بالإضافة لِلُغته واللغة العربية: الفَرنسيةَ والإنجليزية بحكمِ عمله كأستاذٍ للإنجليزية في كلية الإلهيات، كان همي معرفة المزيد عن هذه الجماعة، وقد بدا الشيخُ متحفِّظًا في حديثه، ولَم أظفَرْ منه إلا بمعلومات قليلة، وخلاصة كلامه أن جماعةَ "إسماعيل آغا" إحدى الجماعات التابعة للطريقة النَّقشبندية، وأخذت اسمها من اسم المسجد الذي يؤمُّ فيه الصلاةَ شيخُ الجماعة "محمود أفندي"، وهو مريضٌ طريح الفراش كما أخبرني صاحبي الشيخ، والجماعة كغيرها من الجماعات الصوفية لها مدارسُها القرآنية ومساجدها، بل لبعضها مصانعُ ومعامل ومَرافقُ اجتماعية.
ودَوْرُ الجماعات الصوفية التربويُّ والدعوي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي في المجتمع التركي - ظاهرٌ ملحوظ، والأئمة والدعاة والوعاظ والخطباء لا يتخرَّجون إلا في كلية الإلهيات أو في دُور القرآن والمعاهد التابعة للجماعات الصوفية، بل خرِّيجو هاتِهِ الدُّور والمعاهد لهم حضور وتميُّز ومصداقية أكثر من غيرهم، ورغم ذلك فإن الشيخ لم يكن راضيًا عن تعامل الدولة معهم، وتحدث معي بلغة المظلوم لِمَا تعانيه الطرق الصوفية من حصار واضطهاد ومنع! وهو منعٌ قانوني لا أثر له على أرض الواقع، بل يمكِن القول: إنَّ الطرق والجماعات الصوفية تؤثِّر في الحياة السياسية بما لها من أحزاب، أو بما تقدِّمه من أصوات، بل من دعمٍ ماليٍّ أحيانًا لأحزاب أخرى، كيف لا والتصوف عندهم هو الإسلام؟ أي: لتكون مسلمًا عليك أن تكون متصوفًا، وقد سألت مرة شيخًا كبيرًا صاحب مكتبة: كيف حال الالتزام والتديُّنِ عندكم؟
فأجابني: الحمد لله، التصوُّف بخير.
سألت صاحبي الشيخ عن قضية الأذان من فوق المئذنة دون مكبِّر صوت، فأجابني أن الأذان بمكبِّر الصوت بدعة، وأنهم في جماعتهم يتَّبعون سنة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الأذان، حيث كان يصدَعُ به بلال بن رباح بصوته المجرَّد، عجبت لهذا التعامل الانتقائي مع السنة، وهذا التقسيم العجيب للبدعة، لكنني لم أعلِّق على هذا التبرير، واكتفيت بالاستغراب الممزوج بالتَّشجيع لهذا الحرص على اتباع الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في دقائق الأمور.
ثم كانت نقاشاتنا عن التاريخ والفتوحات، وحال الأمة، وانهيار دولة الخلافة، وحركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
والغريب في الأمر هو أنه رغم هذا التغلغل الصوفي، وهذه السيطرة، وهذا الانتشار، وهذا التأطير والدعم المتواصل له، إلا أنَّ شرذمة من العلمانيين معزولةً، ليس لها تاريخ، ولا امتدادٌ ولا دعم أو سندُ شعبي - تفعل ما تشاء في هذا الشعب، واستطاعت تغريبَه ومسْخه، وقد تزامن وجودي في تركيا مع أحداث ومناسبات اعتبرتُها مقياسًا ومؤشرًا لقياس توجُّهات هذا الشعب، وقد أكون مخطئًا.
عايشت عيد الأضحى، وحلول السنة الهجرية، ورأس السنة الميلادية، ومناسبة عاشوراء، مرَّ عيدُ الأضحى كغيره من الأيام، لا شيء يميِّزه، حتى صلاة العيد تؤدَّى في المساجد باكرًا، وانبعثَتْ في اليوم الأول للسنة الهجرية أورادٌ وأذكارٌ من مآذن المساجد، أما رأسُ السَّنة الميلادية، فإن الاحتفالات به لا تختلف عن الدُّول الأوربية، وعند اقتراب منتصف الليل قطع علَيَّ مجموعةٌ من المتسكِّعين نومي وهم يرفعون أصواتَهم بالعدِّ العكسي مُعلنين حلول السنة الجديدة، ثم تلا العدَّ أصواتُ المفرقعات التي انبعثتْ من كل مكان في المدينة، أما مناسبة عاشوراء، فقد خيِّل إليَّ أني في "قُمّ" بإيران، أو "كربلاء" بالعراق، دعواتٌ لحضور الاحتفال بالمناسبة، ولافتات، بل صور للإمام الحسين - رضي الله عنه - كما تخيَّله العقل الشيعي الخرافي.
انطلق الموكب العزائي من منطقة تسمَّى محلَّة الزينبية في العاصمة إسطنبول (وهي المنطقة التي ستضمُّ أضخم مجمع ثقافي وديني شيعي)، واستقر في نهاية المطاف في ساحة عاشوراء، حيث أقيم مهرجان حاشدٌ، لم يسبق له مثيلٌ في تاريخ تركيا كما علقت وسائل الإعلام، وحضره مسؤولون أتراك، وهي الأمور التي بدأ السماح بها بوصول حزب العدالة والتنمية إلى الحُكم.
إن الأتراك أميلُ إلى التفاعل مع الأحداث السياسية، والتعليق عليها والحديث بشأنها، وقد حضرت إحداها، وهي عبارة عن معرِض لصور العدوان الإسرائيلي على غزة، بحثت في المعرِض عمن يتحدث العربية، فدلَّني أحدهم على بعض المسؤولين عن المعرض، فسألته عن الجهة المنظمة له، فأجابني: إنها جمعية تدعى "حيدرة"، وقبل أن يودِّعني وجَّه لي دعوةً لحضور أمسية في اليوم الموالي، ودعوة أخرى لحضور تجمُّع بمناسبة عاشوراء، وهو التجمع الذي حضره خمسون ألفَ شيعيٍّ من أصل ثلاثة ملايين شيعي في تركيا، لهم مقراتهم ومساجدهم ومراكزهم كغيرهم من الطوائف الموجودة بكثرة فيها، باستثناء الطائفة العلويَّة، التي كان النقاش محتدمًا بخصوص منحِها حقَّ بناء دُور عبادتِها قُبيل عودتي، وهي طائفة تبالغ في تقديس علِيٍّ - رضي الله عنه - إلى حدِّ تأليهه وعبادته.
تركيا تَعِج بالأحداث، والشعب التركي يتفاعل معها، وهو شعب مسيَّس بامتياز، لكن الغريب أن الإعلام الذي تسيطر عليه النُّخبة المتغرِّبة، والتي لم يَكفِها إبعادُ هذا الشَّعب عن دينه، وإغراقُ البرامج بالفسق والمجون والعُرْي، فأضافت - لديمقراطيتها وحدَاثتها - محاصرةَ هذا الشعب، وعزلَه عن العالم الخارجي، وبالإضافة لحجب عدد من المواقع بينها اليوتيوب؛ لأنه عرَض مقطعًا، قيل: إنه يسيءُ لأتاتورك، فإن القنوات التلفزية الكثيرة التي عددت منها حوالي خمس عشرة قناة، لا تُورِد في نشراتها الإخبارية أيَّ خبر دولي إلا إذا كان لتركيا دخل فيه، ولَم أرَ أغربَ من هكذا، أخبارٌ تُطنِبُ في الأخبار المحلية، لدرجة الحديث عن السَّرقات والأحداث التافهة، حتى لو اصطدمت دراجة هوائية بشجرة مقطوعة في قرية نائية، لأعدُّوا ريبورتاجًا ومراسلين لتغطية الحدث، وأذاعوه وكرَّروه في النشرات المتوالية، وتَغفُل أو تتغافل عن أحداث تهزُّ العالَمَ والدول المجاورة، ولا أخفي أنها نشرات ممتعة، كنت أتابع فيها أخبار الأحياء والأزقة والشوارع المجاورة لسكناي، وكنت أنتظر رؤية نفسي في نشرة من النشرات، إذا ما حدثت مشادَّة أو سوءُ فهم أو اصطدام بيني وبين أحدهم في الشارع! أخبار طويلة ومفصلة عن كل التفاصيل التي تحدث في إسطنبول وغيرها من مدن تركيا، هي أخبار تتخفى وراء الاهتمام بالشأن الداخلي وتقوية الشعور الوطني، لكن وراء الأكمة ما وراءها كما يقال.
انتهت جولتي بتركيا وهأنا أعُدُّ متاعي لمغادرة هذه البلاد الرائعة وأناسها الكرماء الطيبين، وقد استفدت في هذه البلاد أنَّ لكل ظاهر باطنًا، وهي مقولة صوفية، تلخِّص حال الدين والتديُّن في تركيا.
وخلاصة الأمر: إذا نظرنا بعين المتفائل، فإنَّ الحجاب في تركيا بخير، والنساء مستورات، حيث تفُوق نسبة المحجَّبات بين النساء 65 في المائة، ولا تبلغ نسبة المنتقبات بينهن 1.5 في المائة، وهذا راجع لطبيعة المجتمع الذي تسيطر عليه الجماعات والطرق الصوفية، والتي لم تستطع آلة القمع العَلْمانية بكل تَرسانتها التأثيرَ فيه، واستطاعت الطُّرق الصوفية على علاَّتِها وطوامِّها الحِفَاظَ على تديُّن الناس، وتعليمهم وتربيتهم.
وكل تلك الضجة التي تُثار حول منع الحجاب إنما تثار حول منعه في الجامعات وبعض المؤسسات، أما إذا نظرنا بعين المتفحِّص المدقِّق، فإن كل تلك المظاهر خدَّاعةٌ وشكلية، لا تُسمن ولا تُغني من جوع، والحجاب المزعوم إما أنه انسياق وراء الموضة، لا يمنع ارتداؤُه من اقتراف كلِّ المنكرات والمعاصي، وإما أنه تقليد لا يختلف لباسُه عن لُبْسِ الحذاء؛ أي: إنه أُفرِغَ من بُعْدِهِ التعبديِّ، ولَم يَبْقَ إلا البُعدُ الوظيفي، أو أنه امتثال لأوامر الشيخ وعلامة الانتماء والولاء لطريقة بعينها وشيخ بنفسه، وداخل هذه الأشكال الثلاثة لا وجود لحجاب ممتثل لأوامر الله - تعالى - محقِّقٍ لشروطه، ساعٍ وراء الرضا والرضوان، وهذا بطبيعة الحال لا يمنع من وجوده خارج هذه الصور الثلاث؛ بل حتى داخلها بنسبة قليلة.
أمَّا المساجد، فهي منتشرةٌ بكثرة والحمد لله، والأذان يملأ سماءَ تركيا، منبعثًا مما يقارب مائة ألف مسجد، لكن بنظرة متفحِّصة عما يجري ويدور داخل هذه المساجد، تجعل القلب يعتصر ألمًا وكمدًا.
وبالنظر إلى الإقبال على الدين والالتزام، وتمكُّن الخطاب الإسلامي من حجز مكانه بين مقاعد أصحاب السياسة والثقافة والفكر، وتنوُّع الجماعات والأحزاب الإسلامية، وقوة خطابِها، وجرأة مواقفها، والتزايد المستمر عليها، يشعر المرءُ بعزَّة واطمئنان، لكن بنظرة متأنِّية متفحصة تكتشف أنَّ الذي يتقدَّم إنما هو التصوف، ورغم دَوْرِ المتصوفة قديمًا في الفتوحات، وإدخال شعوب بكاملها إلى الإسلام، وصمودهم أمام الهجمة العَلْمانية المسعورة بالحفاظ على الدِّين وإبقاء جذوته مشتعلة، ودَوْرِهم في حفظ القرآن الكريم، والعناية به تدريسًا وطباعة، ودَوْرهم في إمالة الكِفَّة لصالح الأحزاب الإسلامية، إلا أن هذا الدَّور يفقد بريقَه أمام المحدَثات التي أوجدوها في الدين، وأصبحت جزءًا منه، حتى إذا ما أتى مَن ينبِّهُ عليها ويدعو إلى حذفها وإلغائها، رُمِيَ بالسعي لتحريف الدين، وربما رُمِيَ بالكفر، هذا الدور يفقد بريقَه أمام إنجازات طغمة فاسدة، قلة قليلة، استطاعت السيطرةَ على مجتمعٍ بكامله، فسيَّرتْه كيفما شاءت وتشاء.
وبنظرة متفحِّصة تنجلي حقيقة هذا التنوع الطائفي والفكري، الذي استفاد منه الجميع سوى الداعين للتمسُّك بالكتاب والسنة، حالهم كما قال الشَّاعر:
أَحَرَامٌ عَلَى بَلاَبِلِهِ الدَّوْ
حُ حَلاَلٌ لِلطَّيْرِ مِنْ كُلِّ جِنْسِ
بنظرة متفحِّصة تتضح من هذا الخطاب الإسلامي قوَّتُه وجرأته، فيبدو مثل فقاعات الصابون، خطاب استهلاكي لدغدغة المشاعر وامتصاص الغضب، ظاهرُه فيه الشِّدة، وباطنه وئامٌ وولاء، خِطاب خدَّاع مثل كل تلك الأشكال التي رأيت في هذه البلاد، ولا عجب؛ من تربتها نبَتَ، ومِن ثقافتها مَتَحَ.
حاولت أن أتعمَّق أكثر في تقديم صورةٍ أوضح عن الصحوة الإسلامية في تركيا، وعن التصوُّف ومدارسِه وشيوخه، لكن لأسباب ذاتية وموضوعية لم أستطع الاستمرار، فاكتفيت بهذه الملاحظات؛ علَّها تستفزُّ مَنْ له همة ومقدرة للمضي في بحث هذا الملف بعمق أكبر من جهة، ومن جهة أخرى هي رسالة للإعلام - وأخص بالذكر منه الإسلامي - لتحليل كثير من الظواهر والمواقف الإسلامية، وعدم الاكتفاء بالحومان حولها، أو الاكتفاء بظاهرِها، والوقوف عند الجانب الإخباري منها، ومن جهة ثالثة هي صرخةٌ أوجِّهها للمشايخ والدعاة؛ ليَكتبَ مَنْ له باعٌ في الكتابة، ويحاضر ويخطب من له ملَكة الخطابة، ويتواصل وينصح مَن له عند القوم جاهٌ ومكانة؛ لإنقاذ هذه البلاد، من أجنحة ثلاثة ماكرة، تطير بها نحو المجهول:
• التغريب: باستهدافه أخلاقَ هذا الشعب وقِيَمَه، من خلال نشر الفساد وإشاعة الفاحشة وتشجيعها، عن طريق وسائل الإعلام وغيرها، ويوجد في تركيا دُورٌ للدّعارة قانونيَّة بيافطاتٍ كبيرة على أبوابِها، صُدِمتُ لَمَّا رأيتُها، علمت فيما بعدُ أن الدولة كانت تشرف على إدارتِها مباشرة، ثمَّ تمت عمليةُ تفويتها فيما يشبه الخوصصة.
• العلمنة: بما تنشُره من تقديس لأتاتورك وحُثالةِ فكره، وربطِ الشعب بهذا الوثَن من خلال الاحتفال به، ونشر صوره وطبعها على الأيقونات والهدايا والملابس، ونصْبِ تماثيله وغيرها.
• التصوف: بما يساهم به من تحريف للعقائد والشعائر والعبادات، وتخدير الناس وإلهائهم عن قضاياهم، ولا أدلَّ على ذلك من حالِ تركيا التي يسيطر عليها المتصوِّفة، ولهم من الأتباع ما يجعلهم على قلب رجل واحد، ومع ذلك فإن قلَّة قليلة متغرِّبةً تفعل فيهم الأفاعيل، وهم في زواياهم وتكاياهم وخوانقهم عاكفون، أو بالشعارات الزائفة يتحرَّكون، وللباطل ينصرون، وللبدع والمنكرات ينشرون.
رابط الموضوع: من هنا
آخر تعديل: