الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين . اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علما ، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، اللهم يا ربنا بارك لنا في جمعنا هذا ، اللهم أنزل علينا فيه السكينة ، اللهم اجعله باب زيادة إيمان ورفعة، اللهم اجعله حجة لا علينا ، اللهم اجعله مرتقى لنا إلى الخير ونيل رضوانك يا ربنا.
معاشر الكرام : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
لقاءنا هذا في موضوعٍ غاية في الأهمية ألا وهو «تجديد الإيمان» ؛ والإيمان كما لا يخفى أعظم المطالب وأشرف المواهب وأجلُّ الغايات وأنبل المقاصد ، الإيمان هو الذي خُلقنا لأجله وأوجدنا لتحقيقه ، وهو الذي به ننال سعادة الدنيا والآخرة {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل:97] ، بالإيمان دخول الجنة ، وبالإيمان النجاة من النار ، وبالإيمان رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة كما قال الله عز وجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }[القيامة:22-23] ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ )) يعني معاشر المؤمنين . وللإيمان من الثمار والآثار في الدنيا والآخرة ما لا حد له ولا عد .
والعاقل من يُعنى بإيمانه ويجعل اهتمامه بإيمانه في أولويات اهتمامته ومقدِّمات أولوياته ، كيف لا ! وهو الغاية العظمى والمطلب الأجلّ . ويتأكد هذا الأمر حينما نستشعر ونعلم أن الإيمان بحاجة مستمرة -لا أقول في كل يوم بل في كل ساعة- إلى تجديد ، لأن ما يصرف عن الإيمان ويشغل عن تتميمه وتكميله في هذه الحياة أمور كثيرة وشواغل عديدة وصوارف متنوعة تأتي للمرء من هنا وهناك وتخدشه من كل جهة ، فيحتاج المؤمن إلى أن يكون دائما متيقظًا ودائمًا ذا عناية دقيقة بإيمانه ؛ يعمل على تجديد إيمانه وتقوية صلته بربه ، ويعمل على سلامة نفسه من النواقص والقوادح التي تؤثر في الإيمان نقصا وضعفا .
وقد جاء في الحديث وهو عند الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ)) ؛ «يَخْلَق كما يَخْلَق الثوب» انظر إلى هذا الثوب الذي تلبسه وتعنى بنظافته وتعاهده دائمًا ، ولهذا تجد الإنسان بين وقت وآخر ينظر إلى ثوبه وربما أيضًا يسأل من حوله هل علِق بثوبي شيء ؟ خاصة إذا مرَّ بمكان يخشى أن يكون قد علق بثوبه بعض الأوساخ ، فتجده يتعاهد ثوبه ويُعنى بنظافته ، ولو أصيب بشيء من الأوساخ لا يصبر على بقائها ، بل يريد أن يبقى ناصعًا نقيًا أبيض صافيًا سليمًا من الأوساخ . وإذا كان الثوب الذي يحرص كل على جِدَّته ونظافته يخلَق ويصيبه ما يصيبه من الأوساخ فيحتاج إلى غسلٍ وتعاهد وعناية فإن مقام الإيمان أعظم وشأن الدين أكبر وأمره أجلّ ، ومن كان يُعنى بثوبه فلا حرج عليه لكن إيمانه أولى بالعناية وأجدر بالاهتمام .
((إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ)) حتى الإيمان الذي في القلب الذي هو الركيزة والأساس الذي يُبنى عليه العمل الظاهر يخلَق ، فإيمان المرء في داخله من جوفه يخلَق ، قد يكون في بعض الأزمنة قويًا ثم يصيبه ما يصيبه فيخلَق إيمانه يصبح ضعيفًا جدا في قلبه رقيقًا في قلبه لماذا ؟ لأنه قد توالت عليه الصوارف والفتن والصواد والملهيات والمشغلات إلى أن يصبح الإيمان في داخل الإنسان وفي جوفه ضعيفًا جدًا ، حتى إنه ليصبح في بعض أحواله مظهرا بلا مخبر وصورة بلا معنى . وهذه مصيبة إذا لم يمكن المرء فعلًا متعاهدًا لإيمانه حريصا على تجديد إيمانه فإن إيمانه يخلَق ، ليس هذا فقط بل يذهب . الإمام أحمد رحمه الله تعالى سئل أيزيد الإيمان وينقص ؟ قال : «يزيد حتى يبلغ أعلى السماوات ، وينقص حتى يكون في أسفل سافلين» ، والثوري رحمه الله سئل أيزيد الإيمان وينقص؟ قال : «يزيد حتى يكون أمثال الجبال ، وينقص حتى لا يبقى منه شيء» .
ولهذا هذه المسألة فعلًا تحتاج إلى فقه ، أعني إيمان الشخص كلٌ نظره في إيمانه هذه مسألة تحتاج إلى تفقه ، ولهذا قال أبو الدرداء رضي الله عنه : «إن من فقه الرجل أن يعلم أمزداد إيمانه أو منتقص ، وإن من فقه الرجل أن يعلم نزغات الشيطان أنى تأتيه» من أين تأتيه ؟ هذه مسألة تحتاج إلى فقه ، إذا مشى هكذا في الحياة لا ينظر في هذا الأمر ولا يتأمل ولا يتدبر يُفاجئ أن إيمانه أصبح رقيقا ضعيفًا واهيًا ، وربما ذهب إيمان الإنسان وهو لا يشعر ، ولهذا يحتاج فعلًا المؤمن إلى أن يحرص على تجديد الإيمان ، إذا كان يجدد الثوب ويتعاهد الثوب فالإيمان أولى بهذا التجديد وأولى بهذه العناية وأولى بهذا الاهتمام .
ولابد في هذا المقام من فزع إلى الله ولجوء صادق إليه ، لأن إيمانك بيد الله ، هبةٌ منه جل وعلا يتفضل به على من شاء {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ }[النور:21] ، {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء:83] قال عز وجل: { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات:7-8] ، ولهذا صح في الدعاء المأثور عن نبينا عليه الصلاة والسلام ((اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ )) ، لا يزين قلبك بالإيمان إلا إذا زينه الله به ، ولا يُعمر قلبك بالإيمان إلا إذا عمره الله به ، فأنت بحاجة إلى أن تلجأ إلى الله سبحانه وتعالى صادقا مع الله أن يجدد الإيمان في قلبك كما أوصاك نبيك عليه الصلاة والسلام ((فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ)) ، أنت بحاجة إلى صدق مع الله سبحانه وتعالى في التجائك إليه سبحانه وتعالى أن يجدد الإيمان في قلبك .
ثم مع هذا الدعاء تجاهد نفسك بما دعوت الله به ، والقاعدة عند العلماء في باب الدعاء : إذا دعوت الله بمطلوبٍ من مصالح دينك أو د**** فأتبِع الدعاء ببذل السبب ، كما قال عليه الصلاة والسلام ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ)) ، ليس يدعو ويبقى جالسًا ، بل يدعو ويبقى مجاهدًا لنفسه بما دعا الله سبحانه وتعالى به؛ فيأتيه العون ويأتيه التسديد ويأتيه التيسير والتوفيق من الله سبحانه وتعالى ، فيجاهد نفسه على ما يكون به حفظ إيمانه وتكميل دينه .
وهذه العملية «عملية تجديد الإيمان» هي عملية ينبغي أن تكون مصاحبة للمسلم في كل يوم من أيامه ، كل يوم من أيامه يعمل على التجديد لإيمانه من خلال وسائل ومجالات كثيرة هيأها الله سبحانه وتعالى له وجاء تبيانها في كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه .
ومن أهم ما يكون في هذا الباب أن يكون يوميًا مرتبط بالعلم الشرعي ؛ لأن العلم الشرعي لمن وفقه الله سبحانه وتعالى لتحصيله بنية صالحة يعدُّ صِمام أمان لحفظ الإيمان وتقويته ، ولهذا قال نبينا عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)) ، وقال عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)) ، والعلم نور لصاحبه وضياء له في طريقه وفي سيره ، بالعلم يميز المرء بين الهدى والضلال ، والحق والباطل ، والنور والظلام ، وبدون العلم تلتبس عليه الأمور وتختلط عليه الأشياء . ولهذا يحتاج العبد في هذا المقام -مقام تجديد الإيمان - إلى علم يهديه ، يهديه أي إلى طريق الخير ؛ كيف يسلك طريق الخير ولا علم له به ولا بصيرة !! كيف يقوي إيمانه وهو لا يعرف مقويات إيمانه!! كيف يتقي الأمور التي تُضعف الإيمان وهو لا يعرف!! وقد قيل قديما «كيف يتقي من لا يدري ما يتقي!!» ، إذا كان لا عناية له بالعلم ولا دراية به كيف يتقي ما ينبغي أن يتقى وهو أصلًا لا يدري ما الذي ينبغي أن يتقى .
ولهذا من أهم ما يكون في هذا الباب أن يُعنى عناية يومية بالعلم ، ولهذا ينبغي أن يكون له حظ يومي مع العلم ، العلم الشرعي لا تدخله الإجازة لا صيفية ولا غيرها ، العلم مع المرء في كل أيامه ، ولهذا كان نبينا عليه الصلاة والسلام كل يوم إذا أصبح بعد أن يصلي الصبح يقول في دعائه: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا» ، في كل يوم يسأل الله العلم النافع لأنه مطلوب من المرء في كل يوم من أيامه . ولهذا ينبغي للمسلم أن ينتبه لهذه القضية ؛ أن العلم الشرعي لا ينفصل عنه ، مشكلة كثير من الناس أنه منفصل عن العلم الشرعي ، أعطى كل شيء وقته إلا العلم الشرعي لم يعطه من وقته ، لا قراءةً لكتب العلم ولا حضورًا لمجالس أهل العلم ولا سماعًا لتقريرات أهل العلم ثم يتألم من ظلمة قلبه وقسوته ورقة دينه وبُعده عن طاعة الله سبحانه وتعالى !! وهو أوصد هذا الباب العظيم الذي نفسه بحاجة إليه .
وأعظم ما يكون في العلم الشرعي العناية بالقرآن الكريم ؛ القرآن الكريم أمره عجب في تقوية الإيمان وزيادة اليقين وتمتينه في القلب ، قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }[التوبة:124] . قال عز وجل: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[الأنفال:2-4] .
فالقرآن له تأثير عجيب جدا في تقوية الإيمان وزيادته في القلوب تقوية الصلة بالله سبحانه وتعالى ، لكن هذا التأثير للقرآن لا يُنال بالقراءة المجردة دون تأمل وتدبر وتمعن في المعاني والدلالات ، ولهذا قال ربنا جل وعلا: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص:29] ، قال جل وعلا: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء:82] ، وقال جل وعلا: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24] . وسبحان الله التدبر للقرآن يعدُّ حاجزًا من النكوص والانحراف ، لأن هدايات القرآن لا تحصَّل إلا بالتدبر والتأمل للقرآن ، وإذا حصل هذا التدبر والعقل لمعاني القرآن الكريم أصبح عند العبد حصن بإذن الله يقيه من النكوص على الأعقاب ومن الانحراف والضلال . تأمل في هذا المعنى الآيات في سورة المؤمنون حيث يقول الله سبحانه وتعالى { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} أي لو أنهم تدبروا القول لما نكصوا على الأعقاب ، لكان تدبرهم للقول حاميا وحافظا وواقيا لهم من النكوص على الأعقاب ، ولهذا هذا الانحراف والنكوص على الأعقاب بسبب البُعد عن القرآن .
القرآن هو كتاب الهداية هو كتاب السعادة { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9] ، القرآن كله هداية ، كم من أناس وأناس هداهم الله وشرح صدورهم وتعمق الإيمان في قلوبهم بآية واحدة وقعت في قلبه موقعًا عظيما ، ولهذا التدبر هو الأساس لهذا الباب ، لا يكن همك وأنت تقرأ القرآن متى أختم السورة ، وليكن همك وأنت تقرأ القرآن متى أهتدي بالقرآن؟ متى أنتفع بالقرآن؟ متى أكون من أهل القرآن أهل الله وخاصته ، وليس أهل القرآن من حفظوه حفظا مجردا أو قرأوه قراءة مجردة ، وإنما أهل القرآن من فهموا كلام الله وعملوا بكلام الله { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ }[البقرة:121] ، قال ابن عباس وغير واحد من المفسرين يتبعونه حق اتباعه هذا معنى{ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ } ؛ بهذا يكون المرء من أهل هذا القرآن العظيم . ولهذا تلاوة القرآن سبحان الله إذا كانت عن تأمل تأتي الهداية { وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ }[النمل:92] ، تلاوة القرآن باب عظيم للهداية لكن مع التأمل والتدبر والعقل لكلام الله سبحانه وتعالى .
ثم باب العلم الذي يزداد به الإيمان واسع جدا ؛ إذا جئنا إلى السنة والسيرة النبوية هذه باب عظيم جدًا في تقوية الإيمان ، وأيضا سير الصحابة الكرام ومن اتبعهم بإحسان هذا باب عظيم جدا من أبواب تقوية الإيمان، عندما يكون المسلم مرتبط بقراءة دائمة في سيرة النبي العطرة صلوات الله وسلامه عليه وأخباره العظيمة وسير الصحابة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ؛ هذه القراءة الدائمة المستمرة تولد في القلب محبة قوية لهؤلاء القدوات ، وإذا تولدت في القلب هذه المحبة نشأ عن ذلك الاتباع والسير على المنهاج الذي كانوا عليه {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}[التوبة:100] .
انظر الخلل الكبير الذي حصل في كثير من الشباب والشابات في هذا الزمان عندما يمَّموا في القراءة والنظر إلى قراءة أخبار التافهين والتافهات وأشباه هؤلاء من الهمل وأخذوا يقرؤون في قصصهم وأخبارهم كيف انحطوا انحطاطا شديدًا وحصل فيهم انحرافات شديدة بسبب هذه القراءات ، ولو أنهم توجهوا في قراءتهم ونظرهم إلى سير الأخيار وأخبار الأبرار من عباد الله سبحانه وتعالى لرأوا ثمرة ذلك . ولهذا يحتاج العبد في هذا الباب -باب تجديد الإيمان- أن يكون عنده ارتباط بأئمة الدين ؛ حتى يقتدي بهم ، حتى ينهج نهجهم ، حتى يسلك سبيلهم ، حتى يكون على منهاجهم ، وهذا باب عظيم من أبواب تقوية الإيمان وتنميته في القلوب .
أيضا كل ما يعينك على الصلة بالله والتعظيم لله والإجلال لله ويأتي في مقدمة ذلك المعرفة بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأن تتأمل في مخلوقاته الدالة على عظمته وجلاله ؛ فإن هذا يقوي الإيمان في القلب تقوية عظيمة جدا وعجيبة للغاية ، تتأمل في أسماء الرب عز وجل ما يزيدك خشية لله وحبًا وتعظيما وإجلالًا لله تبارك وتعالى ، فإن من كان بالله أعرف كان منه أخوف ولعبادته أطلب وعن معصيته تبارك وتعالى أبعد.
أيضا في ها المقام مجاهدة النفس على الأعمال الصالحة الأعمال ؛ الصالحة ضرورية جدا في تحقيق الإيمان وتنميته ، فكما أن الأعمال الصالحة من جهة هي من الإيمان وخصاله وشعبه فإنها من جهة أخرى تحقق الإيمان ، ولهذا يحتاج العبد إلى تعاهد نفسه دائمًا بالعمل الصالح المقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، فإن المحافظة على هذه الأعمال من أعظم ما يكون معونة على تقوية الإيمان وبقائه وحفظه . خذ مثالا على ذلك الصلاة قد قال الله تعالى : {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت:45] كم في الصلاة من تجديد الإيمان، كم فيها من صلة بالله سبحانه وتعالى، انظر في نفسك عندما تكون محافظا على هذه الصلاة معظما لها معتنيا بها كم لها من الأثر على قلبك في تحقيق الإيمان ، وانظر حال من ابتعد عن هذه الصلاة كيف أن بُعده عنها تولد عنه ضعف الإيمان في قلبه ، ولهذا قال السلف رحمهم الله : «الإيمان قول وعمل ؛ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية» ، فالطاعات تزيد الإيمان وتقوي الإيمان كلما ازددت طاعة وعبادة وتقربا لله سبحانه وتعالى كان ذلك من الأسباب والوسائل المعينة على تقوية الإيمان وتمكينه .
هذا جانب في الموضوع ، جانب آخر في هذا الباب وهو جانب حفظ الإيمان من الأمور التي تُنقص الإيمان وتتسبب في ضعفه ووهائه وربما أيضا ذهابه . وينبغي أن يُعلم كما أن المسلم مطلوب منه أن يعرف أسباب الإيمان وأسباب زيادته وقوته ليعمل بها ويحافظ عليها فإنه مطلوب منه في الوقت نفسه أن يعرف أسباب ضعف الإيمان حتى يجتنبها وحتى يكون على حذر منها .
واعلم أيها المسلم أن لك عدوًا في إيمانك يراك ولا تراه متسلط عليك في كل وقت يأتيك من كل جهة وأنت لا تراه ، وليس له مهمة إلا هذا الإيمان الذي عندك ، يعمل ليل نهار بكل الوسائل وشتى الطرق ليذهب عنك هذا الإيمان ، لا همَّ له إلا هذا ، كما ذكر الله سبحانه وتعالى من شأن وحال هذا العدو في قوله جل في علاه عن الشيطان أعاذنا الله عز وجل منه قال : {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف:17] ، { وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}هذه قالها الشيطان متى؟ قالها قديمًا عندما حصلت منه الغواية قال { رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي}[الحجر:39] حينذاك قال هذه الكلمة قال { وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}؛ هذا ظنه في الناس أنهم يكونون كذلك ، ولهذا قال الله في سورة سبأ {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)} .
أقولها بعبارة دارجة ربما يكون لها شيء من الوقع في فهم المعنى ، أقول: أكثر الناس ما خيَّبوا ظن إبليس فيهم ؛ ظن في أكثر الناس أن يكونوا أتباعه ، هذا الظن الذي ظنه حصل في أكثر الناس إلا القليل الذين نجاهم الله ، ولهذا اجتهِد أن تكون في أهل النجاة أهل السلامة من هذا العدو الذي أمرك الله سبحانه وتعالى أن تتخذه عدوا . ليست مسألة الأعداء مسألة اقتراحات ، الآن بعض الناس هو الذي يحدد من هم أعداءه ويقترح ، وتجده يعادي من لا يُعادى ، والله بعض الناس الآن يعادي الصالحين من عباد الله ويبغضهم ويكرههم ويمتلأ قلبه بالغل وأشياء كثيرة عليهم ويعتبرهم هم العدو اللدود له ، وهذا كله من نزغ الشيطان ، الله سبحانه وتعالى هو الذي حدد لنا من هم أعداءنا ، أليس الله قال : {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}[النساء:45] ، الله عز وجل هو الأعلم هو الذي بين لنا وأشد الأعداء لنا الذين يجب أن نتخذه فعلا عدو الشيطان {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر:6] .
ولهذا يحتاج الإنسان فعلا في هذا الباب -باب تجديد الإيمان- أن يتخذ الشيطان عدوا ، ما يمكن يسلم لك إيمانك إلا باتخاذ الشيطان عدو يعاديك عداوة شديدة تولِّد هذه العداوة الحذر الشديد من نزغ الشيطان ووساوسه وصده عن دين الله سبحانه وتعالى والحذر من طرائقه . ابن القيم رحمه الله تعالى ضرب مثال لبيان حال الشيطان مع الإنسان مثال يوضح يقول : «مثل الشيطان والإنسان كمثل شخص معه قطعة من اللحم -القطعة من اللحم هي الإيمان- معه قطعة من اللحم بين يديه وحوله كلب جائع يطوف به من كل جهة ينتظر أقل غفلة من صاحب اللحم ليخطف منه لحمه» . وهذه حال الشيطان سبحان الله ؛ يطوف بالإنسان من كل جهة وقاعد له بكل طريق كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ)) في كل طريق ، والله سبحانه وتعالى يقول : {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا}[الإسراء:64-65] . هذا أمر لابد أن يستشعره العبد وكما قال بعض السلف «عدو يراك ولا تراه شديد المؤنة» لكن هذه المؤنة الشديدة تهون مع قوة الصلة بالله والذكر بالله فإن ذكر الله سبحانه وتعالى حصن حصين من الشيطان الرجيم { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} العبد الذاكر لله الملتجئ إلى الله ليس للشيطان عليه سبيل ، سبيله على من يعشُ عن ذكر الله {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}[الزخرف:36] .
أيضًا في هذا المقام يحتاج المرء إلى أن يحذر من قرناء السوء وخلطاء الفساد أهل الشر ، يحذر منهم سواء القرناء من الأشخاص أو القرناء من الوسائل الحديثة ، لأن زماننا هذا استجدَّ فيه من القرناء ما لم يكن له وجود في الأزمنة الأولى ، هذه الأجهزة التي أصبحت مع الناس في أيديهم وبيوتاتهم أصبحت قرين للمرء ملازم له ويصاحبها باستمرار ، وكم أضعفت من إيمان ، هذا الجهاز الذي يحمله كثير من الناس في أيديهم وفي جيوبهم كم كان له أثر في ضعف الإيمان ورقة الدين بسبب ما يُبث فيه ويُدخل فيه من وسائل الهدم للدين والخلق والعقيدة مما أضر بكثير من الشباب .
ولهذا إغلاق المنافذ التي تضعف الإيمان ويترتب عليها رقة الدين هذا مطلب أساس ، أما أن يدخل المرء ولا يبالي في هذه المواقع الموبوءة والأماكن المشبوهة وأماكن الرذيلة وفي الوقت نفسه يريد أن يبقى إيمانه سليما هيهات
ألقاه في اليم مكتوفًا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
ما يكون هذا ؛ لابد من أخذ بوسائل النجاة بإغلاق هذه المنافذ ولهذا جاء في الحديث العظيم في المسند وغيره أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال : ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا، وَلَا تَتَعَرَّجُوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ: حُدُودُ اللَّهِ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ: مَحَارِمُ اللَّهِ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ: كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي مِنِ فَوْقَ الصِّرَاطِ: وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ)) ، الشاهد في الحديث ((وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ)) ، هذه الأبواب الكثيرة التي إن فتحها المرء على نفسه "أنظر أشاهِد" الفضول الذي أضر بكثير من الناس ، لا تفتح على نفسك باب فتنة باب شر أغلِق الباب حتى لا تدخل عليك الروائح الخبيثة والأفكار الرذيلة ، هذا القلب الذي يُطلب نقاؤه وصفاؤه وسلامته نفوذ هذه الأشياء المضرة إليه إما عن البصر أو عن السمع هي المنافذ ؛ فاحفظ سمعك واحفظ بصرك من أن تنفِذ من خلالهما إلى قلبك ما يكون به هلكة القلب ومرض القلب ، ولهذا هذه الأجهزة يجب على المرء أن يتعامل معها بحذر ، وأن يحرص على أن لا ينفذ منها إلى قلبه ما يكون سببا في مرض قلبه وضعف دينه .
وأيضا في هذا المقام مقام تجديد الإيمان يحترز المرء من النفس الأمارة بالسوء كما قال الله { إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}[يوسف:53] ، وهذه النفس البشرية سبحان الله يجتمع فيها أمور كثيرة جدا ويحتاج العبد إلى أن يعمل على السلامة من نفسه فيما تأمره به وتدعوه إليه من شر ، النفس أمارة بالسوء ولهذا تجد الإنسان من داخله تأتيه أوامر بالسوء ، من داخله تنبع من نفسه ، وإذا أصبح المرء مطاوعًا لنفسه فيما تطلب فيما تدعو إليه هلك ، أهلكته نفسه ، ولهذا الذي ينبغي مع النفس هو ما ذكره الله في قوله في سورة الحشر { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ }[الحشر:18] ، ليس كل ما تطلب النفس تطاوَع فيه ، وإنما ينظر ما قدَّم لغد ، ماذا قدمت نفسه لغد ما الذي ينفعه غدا يوم يلقى الله سبحانه وتعالى ، فيحاسب نفسه ويزن أعماله في هذه الحياة الدنيا قبل أن يحاسبه الله سبحانه وتعالى .
هذا باب عظيم جدا وهو حقيقة من أعظم وأهم ما ينبغي أن يُعنى به المسلم في هذه الحياة الدنيا ؛ العمل على تجديد إيمانه وصفاء دينه ونقاء دينه وصلته بربه تبارك وتعالى ، وأن يكون هذا التعاهد مستمرا إلى أن يتوفاه الله سبحانه وتعالى غير مغيِّر ولا مبدِّل ، والتوفيق بيد الله وحده لا شريك له يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، الأمر أمره والتوفيق بيده ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
هدانا الله اجمعين وشرح الله صدورنا للخير ، وأصلح لنا شأننا كله ، وزيننا بزينة الإيمان ، وجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ، وغنَّمنا أجمعين وأمة الإسلام خيرات هذا الشهر العظيم وبركاته ، وأصلح لنا شأننا كله . اللّٰهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كلِّ خير ، والموت راحة لنا من كلِّ شرّ ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، من طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه.
نقلا عن موقع الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله.
معاشر الكرام : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
لقاءنا هذا في موضوعٍ غاية في الأهمية ألا وهو «تجديد الإيمان» ؛ والإيمان كما لا يخفى أعظم المطالب وأشرف المواهب وأجلُّ الغايات وأنبل المقاصد ، الإيمان هو الذي خُلقنا لأجله وأوجدنا لتحقيقه ، وهو الذي به ننال سعادة الدنيا والآخرة {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل:97] ، بالإيمان دخول الجنة ، وبالإيمان النجاة من النار ، وبالإيمان رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة كما قال الله عز وجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }[القيامة:22-23] ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ )) يعني معاشر المؤمنين . وللإيمان من الثمار والآثار في الدنيا والآخرة ما لا حد له ولا عد .
والعاقل من يُعنى بإيمانه ويجعل اهتمامه بإيمانه في أولويات اهتمامته ومقدِّمات أولوياته ، كيف لا ! وهو الغاية العظمى والمطلب الأجلّ . ويتأكد هذا الأمر حينما نستشعر ونعلم أن الإيمان بحاجة مستمرة -لا أقول في كل يوم بل في كل ساعة- إلى تجديد ، لأن ما يصرف عن الإيمان ويشغل عن تتميمه وتكميله في هذه الحياة أمور كثيرة وشواغل عديدة وصوارف متنوعة تأتي للمرء من هنا وهناك وتخدشه من كل جهة ، فيحتاج المؤمن إلى أن يكون دائما متيقظًا ودائمًا ذا عناية دقيقة بإيمانه ؛ يعمل على تجديد إيمانه وتقوية صلته بربه ، ويعمل على سلامة نفسه من النواقص والقوادح التي تؤثر في الإيمان نقصا وضعفا .
وقد جاء في الحديث وهو عند الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ)) ؛ «يَخْلَق كما يَخْلَق الثوب» انظر إلى هذا الثوب الذي تلبسه وتعنى بنظافته وتعاهده دائمًا ، ولهذا تجد الإنسان بين وقت وآخر ينظر إلى ثوبه وربما أيضًا يسأل من حوله هل علِق بثوبي شيء ؟ خاصة إذا مرَّ بمكان يخشى أن يكون قد علق بثوبه بعض الأوساخ ، فتجده يتعاهد ثوبه ويُعنى بنظافته ، ولو أصيب بشيء من الأوساخ لا يصبر على بقائها ، بل يريد أن يبقى ناصعًا نقيًا أبيض صافيًا سليمًا من الأوساخ . وإذا كان الثوب الذي يحرص كل على جِدَّته ونظافته يخلَق ويصيبه ما يصيبه من الأوساخ فيحتاج إلى غسلٍ وتعاهد وعناية فإن مقام الإيمان أعظم وشأن الدين أكبر وأمره أجلّ ، ومن كان يُعنى بثوبه فلا حرج عليه لكن إيمانه أولى بالعناية وأجدر بالاهتمام .
((إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ)) حتى الإيمان الذي في القلب الذي هو الركيزة والأساس الذي يُبنى عليه العمل الظاهر يخلَق ، فإيمان المرء في داخله من جوفه يخلَق ، قد يكون في بعض الأزمنة قويًا ثم يصيبه ما يصيبه فيخلَق إيمانه يصبح ضعيفًا جدا في قلبه رقيقًا في قلبه لماذا ؟ لأنه قد توالت عليه الصوارف والفتن والصواد والملهيات والمشغلات إلى أن يصبح الإيمان في داخل الإنسان وفي جوفه ضعيفًا جدًا ، حتى إنه ليصبح في بعض أحواله مظهرا بلا مخبر وصورة بلا معنى . وهذه مصيبة إذا لم يمكن المرء فعلًا متعاهدًا لإيمانه حريصا على تجديد إيمانه فإن إيمانه يخلَق ، ليس هذا فقط بل يذهب . الإمام أحمد رحمه الله تعالى سئل أيزيد الإيمان وينقص ؟ قال : «يزيد حتى يبلغ أعلى السماوات ، وينقص حتى يكون في أسفل سافلين» ، والثوري رحمه الله سئل أيزيد الإيمان وينقص؟ قال : «يزيد حتى يكون أمثال الجبال ، وينقص حتى لا يبقى منه شيء» .
ولهذا هذه المسألة فعلًا تحتاج إلى فقه ، أعني إيمان الشخص كلٌ نظره في إيمانه هذه مسألة تحتاج إلى تفقه ، ولهذا قال أبو الدرداء رضي الله عنه : «إن من فقه الرجل أن يعلم أمزداد إيمانه أو منتقص ، وإن من فقه الرجل أن يعلم نزغات الشيطان أنى تأتيه» من أين تأتيه ؟ هذه مسألة تحتاج إلى فقه ، إذا مشى هكذا في الحياة لا ينظر في هذا الأمر ولا يتأمل ولا يتدبر يُفاجئ أن إيمانه أصبح رقيقا ضعيفًا واهيًا ، وربما ذهب إيمان الإنسان وهو لا يشعر ، ولهذا يحتاج فعلًا المؤمن إلى أن يحرص على تجديد الإيمان ، إذا كان يجدد الثوب ويتعاهد الثوب فالإيمان أولى بهذا التجديد وأولى بهذه العناية وأولى بهذا الاهتمام .
ولابد في هذا المقام من فزع إلى الله ولجوء صادق إليه ، لأن إيمانك بيد الله ، هبةٌ منه جل وعلا يتفضل به على من شاء {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ }[النور:21] ، {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء:83] قال عز وجل: { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات:7-8] ، ولهذا صح في الدعاء المأثور عن نبينا عليه الصلاة والسلام ((اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ )) ، لا يزين قلبك بالإيمان إلا إذا زينه الله به ، ولا يُعمر قلبك بالإيمان إلا إذا عمره الله به ، فأنت بحاجة إلى أن تلجأ إلى الله سبحانه وتعالى صادقا مع الله أن يجدد الإيمان في قلبك كما أوصاك نبيك عليه الصلاة والسلام ((فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ)) ، أنت بحاجة إلى صدق مع الله سبحانه وتعالى في التجائك إليه سبحانه وتعالى أن يجدد الإيمان في قلبك .
ثم مع هذا الدعاء تجاهد نفسك بما دعوت الله به ، والقاعدة عند العلماء في باب الدعاء : إذا دعوت الله بمطلوبٍ من مصالح دينك أو د**** فأتبِع الدعاء ببذل السبب ، كما قال عليه الصلاة والسلام ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ)) ، ليس يدعو ويبقى جالسًا ، بل يدعو ويبقى مجاهدًا لنفسه بما دعا الله سبحانه وتعالى به؛ فيأتيه العون ويأتيه التسديد ويأتيه التيسير والتوفيق من الله سبحانه وتعالى ، فيجاهد نفسه على ما يكون به حفظ إيمانه وتكميل دينه .
وهذه العملية «عملية تجديد الإيمان» هي عملية ينبغي أن تكون مصاحبة للمسلم في كل يوم من أيامه ، كل يوم من أيامه يعمل على التجديد لإيمانه من خلال وسائل ومجالات كثيرة هيأها الله سبحانه وتعالى له وجاء تبيانها في كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه .
ومن أهم ما يكون في هذا الباب أن يكون يوميًا مرتبط بالعلم الشرعي ؛ لأن العلم الشرعي لمن وفقه الله سبحانه وتعالى لتحصيله بنية صالحة يعدُّ صِمام أمان لحفظ الإيمان وتقويته ، ولهذا قال نبينا عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)) ، وقال عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)) ، والعلم نور لصاحبه وضياء له في طريقه وفي سيره ، بالعلم يميز المرء بين الهدى والضلال ، والحق والباطل ، والنور والظلام ، وبدون العلم تلتبس عليه الأمور وتختلط عليه الأشياء . ولهذا يحتاج العبد في هذا المقام -مقام تجديد الإيمان - إلى علم يهديه ، يهديه أي إلى طريق الخير ؛ كيف يسلك طريق الخير ولا علم له به ولا بصيرة !! كيف يقوي إيمانه وهو لا يعرف مقويات إيمانه!! كيف يتقي الأمور التي تُضعف الإيمان وهو لا يعرف!! وقد قيل قديما «كيف يتقي من لا يدري ما يتقي!!» ، إذا كان لا عناية له بالعلم ولا دراية به كيف يتقي ما ينبغي أن يتقى وهو أصلًا لا يدري ما الذي ينبغي أن يتقى .
ولهذا من أهم ما يكون في هذا الباب أن يُعنى عناية يومية بالعلم ، ولهذا ينبغي أن يكون له حظ يومي مع العلم ، العلم الشرعي لا تدخله الإجازة لا صيفية ولا غيرها ، العلم مع المرء في كل أيامه ، ولهذا كان نبينا عليه الصلاة والسلام كل يوم إذا أصبح بعد أن يصلي الصبح يقول في دعائه: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا» ، في كل يوم يسأل الله العلم النافع لأنه مطلوب من المرء في كل يوم من أيامه . ولهذا ينبغي للمسلم أن ينتبه لهذه القضية ؛ أن العلم الشرعي لا ينفصل عنه ، مشكلة كثير من الناس أنه منفصل عن العلم الشرعي ، أعطى كل شيء وقته إلا العلم الشرعي لم يعطه من وقته ، لا قراءةً لكتب العلم ولا حضورًا لمجالس أهل العلم ولا سماعًا لتقريرات أهل العلم ثم يتألم من ظلمة قلبه وقسوته ورقة دينه وبُعده عن طاعة الله سبحانه وتعالى !! وهو أوصد هذا الباب العظيم الذي نفسه بحاجة إليه .
وأعظم ما يكون في العلم الشرعي العناية بالقرآن الكريم ؛ القرآن الكريم أمره عجب في تقوية الإيمان وزيادة اليقين وتمتينه في القلب ، قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }[التوبة:124] . قال عز وجل: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[الأنفال:2-4] .
فالقرآن له تأثير عجيب جدا في تقوية الإيمان وزيادته في القلوب تقوية الصلة بالله سبحانه وتعالى ، لكن هذا التأثير للقرآن لا يُنال بالقراءة المجردة دون تأمل وتدبر وتمعن في المعاني والدلالات ، ولهذا قال ربنا جل وعلا: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص:29] ، قال جل وعلا: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء:82] ، وقال جل وعلا: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24] . وسبحان الله التدبر للقرآن يعدُّ حاجزًا من النكوص والانحراف ، لأن هدايات القرآن لا تحصَّل إلا بالتدبر والتأمل للقرآن ، وإذا حصل هذا التدبر والعقل لمعاني القرآن الكريم أصبح عند العبد حصن بإذن الله يقيه من النكوص على الأعقاب ومن الانحراف والضلال . تأمل في هذا المعنى الآيات في سورة المؤمنون حيث يقول الله سبحانه وتعالى { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} أي لو أنهم تدبروا القول لما نكصوا على الأعقاب ، لكان تدبرهم للقول حاميا وحافظا وواقيا لهم من النكوص على الأعقاب ، ولهذا هذا الانحراف والنكوص على الأعقاب بسبب البُعد عن القرآن .
القرآن هو كتاب الهداية هو كتاب السعادة { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9] ، القرآن كله هداية ، كم من أناس وأناس هداهم الله وشرح صدورهم وتعمق الإيمان في قلوبهم بآية واحدة وقعت في قلبه موقعًا عظيما ، ولهذا التدبر هو الأساس لهذا الباب ، لا يكن همك وأنت تقرأ القرآن متى أختم السورة ، وليكن همك وأنت تقرأ القرآن متى أهتدي بالقرآن؟ متى أنتفع بالقرآن؟ متى أكون من أهل القرآن أهل الله وخاصته ، وليس أهل القرآن من حفظوه حفظا مجردا أو قرأوه قراءة مجردة ، وإنما أهل القرآن من فهموا كلام الله وعملوا بكلام الله { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ }[البقرة:121] ، قال ابن عباس وغير واحد من المفسرين يتبعونه حق اتباعه هذا معنى{ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ } ؛ بهذا يكون المرء من أهل هذا القرآن العظيم . ولهذا تلاوة القرآن سبحان الله إذا كانت عن تأمل تأتي الهداية { وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ }[النمل:92] ، تلاوة القرآن باب عظيم للهداية لكن مع التأمل والتدبر والعقل لكلام الله سبحانه وتعالى .
ثم باب العلم الذي يزداد به الإيمان واسع جدا ؛ إذا جئنا إلى السنة والسيرة النبوية هذه باب عظيم جدًا في تقوية الإيمان ، وأيضا سير الصحابة الكرام ومن اتبعهم بإحسان هذا باب عظيم جدا من أبواب تقوية الإيمان، عندما يكون المسلم مرتبط بقراءة دائمة في سيرة النبي العطرة صلوات الله وسلامه عليه وأخباره العظيمة وسير الصحابة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ؛ هذه القراءة الدائمة المستمرة تولد في القلب محبة قوية لهؤلاء القدوات ، وإذا تولدت في القلب هذه المحبة نشأ عن ذلك الاتباع والسير على المنهاج الذي كانوا عليه {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}[التوبة:100] .
انظر الخلل الكبير الذي حصل في كثير من الشباب والشابات في هذا الزمان عندما يمَّموا في القراءة والنظر إلى قراءة أخبار التافهين والتافهات وأشباه هؤلاء من الهمل وأخذوا يقرؤون في قصصهم وأخبارهم كيف انحطوا انحطاطا شديدًا وحصل فيهم انحرافات شديدة بسبب هذه القراءات ، ولو أنهم توجهوا في قراءتهم ونظرهم إلى سير الأخيار وأخبار الأبرار من عباد الله سبحانه وتعالى لرأوا ثمرة ذلك . ولهذا يحتاج العبد في هذا الباب -باب تجديد الإيمان- أن يكون عنده ارتباط بأئمة الدين ؛ حتى يقتدي بهم ، حتى ينهج نهجهم ، حتى يسلك سبيلهم ، حتى يكون على منهاجهم ، وهذا باب عظيم من أبواب تقوية الإيمان وتنميته في القلوب .
أيضا كل ما يعينك على الصلة بالله والتعظيم لله والإجلال لله ويأتي في مقدمة ذلك المعرفة بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأن تتأمل في مخلوقاته الدالة على عظمته وجلاله ؛ فإن هذا يقوي الإيمان في القلب تقوية عظيمة جدا وعجيبة للغاية ، تتأمل في أسماء الرب عز وجل ما يزيدك خشية لله وحبًا وتعظيما وإجلالًا لله تبارك وتعالى ، فإن من كان بالله أعرف كان منه أخوف ولعبادته أطلب وعن معصيته تبارك وتعالى أبعد.
أيضا في ها المقام مجاهدة النفس على الأعمال الصالحة الأعمال ؛ الصالحة ضرورية جدا في تحقيق الإيمان وتنميته ، فكما أن الأعمال الصالحة من جهة هي من الإيمان وخصاله وشعبه فإنها من جهة أخرى تحقق الإيمان ، ولهذا يحتاج العبد إلى تعاهد نفسه دائمًا بالعمل الصالح المقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، فإن المحافظة على هذه الأعمال من أعظم ما يكون معونة على تقوية الإيمان وبقائه وحفظه . خذ مثالا على ذلك الصلاة قد قال الله تعالى : {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت:45] كم في الصلاة من تجديد الإيمان، كم فيها من صلة بالله سبحانه وتعالى، انظر في نفسك عندما تكون محافظا على هذه الصلاة معظما لها معتنيا بها كم لها من الأثر على قلبك في تحقيق الإيمان ، وانظر حال من ابتعد عن هذه الصلاة كيف أن بُعده عنها تولد عنه ضعف الإيمان في قلبه ، ولهذا قال السلف رحمهم الله : «الإيمان قول وعمل ؛ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية» ، فالطاعات تزيد الإيمان وتقوي الإيمان كلما ازددت طاعة وعبادة وتقربا لله سبحانه وتعالى كان ذلك من الأسباب والوسائل المعينة على تقوية الإيمان وتمكينه .
هذا جانب في الموضوع ، جانب آخر في هذا الباب وهو جانب حفظ الإيمان من الأمور التي تُنقص الإيمان وتتسبب في ضعفه ووهائه وربما أيضا ذهابه . وينبغي أن يُعلم كما أن المسلم مطلوب منه أن يعرف أسباب الإيمان وأسباب زيادته وقوته ليعمل بها ويحافظ عليها فإنه مطلوب منه في الوقت نفسه أن يعرف أسباب ضعف الإيمان حتى يجتنبها وحتى يكون على حذر منها .
واعلم أيها المسلم أن لك عدوًا في إيمانك يراك ولا تراه متسلط عليك في كل وقت يأتيك من كل جهة وأنت لا تراه ، وليس له مهمة إلا هذا الإيمان الذي عندك ، يعمل ليل نهار بكل الوسائل وشتى الطرق ليذهب عنك هذا الإيمان ، لا همَّ له إلا هذا ، كما ذكر الله سبحانه وتعالى من شأن وحال هذا العدو في قوله جل في علاه عن الشيطان أعاذنا الله عز وجل منه قال : {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف:17] ، { وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}هذه قالها الشيطان متى؟ قالها قديمًا عندما حصلت منه الغواية قال { رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي}[الحجر:39] حينذاك قال هذه الكلمة قال { وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}؛ هذا ظنه في الناس أنهم يكونون كذلك ، ولهذا قال الله في سورة سبأ {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)} .
أقولها بعبارة دارجة ربما يكون لها شيء من الوقع في فهم المعنى ، أقول: أكثر الناس ما خيَّبوا ظن إبليس فيهم ؛ ظن في أكثر الناس أن يكونوا أتباعه ، هذا الظن الذي ظنه حصل في أكثر الناس إلا القليل الذين نجاهم الله ، ولهذا اجتهِد أن تكون في أهل النجاة أهل السلامة من هذا العدو الذي أمرك الله سبحانه وتعالى أن تتخذه عدوا . ليست مسألة الأعداء مسألة اقتراحات ، الآن بعض الناس هو الذي يحدد من هم أعداءه ويقترح ، وتجده يعادي من لا يُعادى ، والله بعض الناس الآن يعادي الصالحين من عباد الله ويبغضهم ويكرههم ويمتلأ قلبه بالغل وأشياء كثيرة عليهم ويعتبرهم هم العدو اللدود له ، وهذا كله من نزغ الشيطان ، الله سبحانه وتعالى هو الذي حدد لنا من هم أعداءنا ، أليس الله قال : {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}[النساء:45] ، الله عز وجل هو الأعلم هو الذي بين لنا وأشد الأعداء لنا الذين يجب أن نتخذه فعلا عدو الشيطان {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر:6] .
ولهذا يحتاج الإنسان فعلا في هذا الباب -باب تجديد الإيمان- أن يتخذ الشيطان عدوا ، ما يمكن يسلم لك إيمانك إلا باتخاذ الشيطان عدو يعاديك عداوة شديدة تولِّد هذه العداوة الحذر الشديد من نزغ الشيطان ووساوسه وصده عن دين الله سبحانه وتعالى والحذر من طرائقه . ابن القيم رحمه الله تعالى ضرب مثال لبيان حال الشيطان مع الإنسان مثال يوضح يقول : «مثل الشيطان والإنسان كمثل شخص معه قطعة من اللحم -القطعة من اللحم هي الإيمان- معه قطعة من اللحم بين يديه وحوله كلب جائع يطوف به من كل جهة ينتظر أقل غفلة من صاحب اللحم ليخطف منه لحمه» . وهذه حال الشيطان سبحان الله ؛ يطوف بالإنسان من كل جهة وقاعد له بكل طريق كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ)) في كل طريق ، والله سبحانه وتعالى يقول : {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا}[الإسراء:64-65] . هذا أمر لابد أن يستشعره العبد وكما قال بعض السلف «عدو يراك ولا تراه شديد المؤنة» لكن هذه المؤنة الشديدة تهون مع قوة الصلة بالله والذكر بالله فإن ذكر الله سبحانه وتعالى حصن حصين من الشيطان الرجيم { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} العبد الذاكر لله الملتجئ إلى الله ليس للشيطان عليه سبيل ، سبيله على من يعشُ عن ذكر الله {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}[الزخرف:36] .
أيضًا في هذا المقام يحتاج المرء إلى أن يحذر من قرناء السوء وخلطاء الفساد أهل الشر ، يحذر منهم سواء القرناء من الأشخاص أو القرناء من الوسائل الحديثة ، لأن زماننا هذا استجدَّ فيه من القرناء ما لم يكن له وجود في الأزمنة الأولى ، هذه الأجهزة التي أصبحت مع الناس في أيديهم وبيوتاتهم أصبحت قرين للمرء ملازم له ويصاحبها باستمرار ، وكم أضعفت من إيمان ، هذا الجهاز الذي يحمله كثير من الناس في أيديهم وفي جيوبهم كم كان له أثر في ضعف الإيمان ورقة الدين بسبب ما يُبث فيه ويُدخل فيه من وسائل الهدم للدين والخلق والعقيدة مما أضر بكثير من الشباب .
ولهذا إغلاق المنافذ التي تضعف الإيمان ويترتب عليها رقة الدين هذا مطلب أساس ، أما أن يدخل المرء ولا يبالي في هذه المواقع الموبوءة والأماكن المشبوهة وأماكن الرذيلة وفي الوقت نفسه يريد أن يبقى إيمانه سليما هيهات
ألقاه في اليم مكتوفًا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
ما يكون هذا ؛ لابد من أخذ بوسائل النجاة بإغلاق هذه المنافذ ولهذا جاء في الحديث العظيم في المسند وغيره أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال : ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا، وَلَا تَتَعَرَّجُوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ: حُدُودُ اللَّهِ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ: مَحَارِمُ اللَّهِ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ: كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي مِنِ فَوْقَ الصِّرَاطِ: وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ)) ، الشاهد في الحديث ((وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ)) ، هذه الأبواب الكثيرة التي إن فتحها المرء على نفسه "أنظر أشاهِد" الفضول الذي أضر بكثير من الناس ، لا تفتح على نفسك باب فتنة باب شر أغلِق الباب حتى لا تدخل عليك الروائح الخبيثة والأفكار الرذيلة ، هذا القلب الذي يُطلب نقاؤه وصفاؤه وسلامته نفوذ هذه الأشياء المضرة إليه إما عن البصر أو عن السمع هي المنافذ ؛ فاحفظ سمعك واحفظ بصرك من أن تنفِذ من خلالهما إلى قلبك ما يكون به هلكة القلب ومرض القلب ، ولهذا هذه الأجهزة يجب على المرء أن يتعامل معها بحذر ، وأن يحرص على أن لا ينفذ منها إلى قلبه ما يكون سببا في مرض قلبه وضعف دينه .
وأيضا في هذا المقام مقام تجديد الإيمان يحترز المرء من النفس الأمارة بالسوء كما قال الله { إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}[يوسف:53] ، وهذه النفس البشرية سبحان الله يجتمع فيها أمور كثيرة جدا ويحتاج العبد إلى أن يعمل على السلامة من نفسه فيما تأمره به وتدعوه إليه من شر ، النفس أمارة بالسوء ولهذا تجد الإنسان من داخله تأتيه أوامر بالسوء ، من داخله تنبع من نفسه ، وإذا أصبح المرء مطاوعًا لنفسه فيما تطلب فيما تدعو إليه هلك ، أهلكته نفسه ، ولهذا الذي ينبغي مع النفس هو ما ذكره الله في قوله في سورة الحشر { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ }[الحشر:18] ، ليس كل ما تطلب النفس تطاوَع فيه ، وإنما ينظر ما قدَّم لغد ، ماذا قدمت نفسه لغد ما الذي ينفعه غدا يوم يلقى الله سبحانه وتعالى ، فيحاسب نفسه ويزن أعماله في هذه الحياة الدنيا قبل أن يحاسبه الله سبحانه وتعالى .
هذا باب عظيم جدا وهو حقيقة من أعظم وأهم ما ينبغي أن يُعنى به المسلم في هذه الحياة الدنيا ؛ العمل على تجديد إيمانه وصفاء دينه ونقاء دينه وصلته بربه تبارك وتعالى ، وأن يكون هذا التعاهد مستمرا إلى أن يتوفاه الله سبحانه وتعالى غير مغيِّر ولا مبدِّل ، والتوفيق بيد الله وحده لا شريك له يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، الأمر أمره والتوفيق بيده ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
هدانا الله اجمعين وشرح الله صدورنا للخير ، وأصلح لنا شأننا كله ، وزيننا بزينة الإيمان ، وجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ، وغنَّمنا أجمعين وأمة الإسلام خيرات هذا الشهر العظيم وبركاته ، وأصلح لنا شأننا كله . اللّٰهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كلِّ خير ، والموت راحة لنا من كلِّ شرّ ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، من طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه.
نقلا عن موقع الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله.