أيُّها الإخوة الكرام : نأتي بعد هذا إلى الحديث عن حقيقة تزكية النّفس ، و ماهي الأمور التي تزكوا بها النّفس البشرية ؟ و يُمكنُ اجمال ذلك أيُّها الإخوة الكرام في أمور ثلاثة .
الأمر الأول : وهو أساس تزكية النّفس و لا زكاء لنفسٍ إلّا إذا قامت عليه و تأسست عليه ألا وهو الإيمان بالله و توحيده سبحانه و تعالى و إخلاص الدِّين له ، ألّا و هو تحقيق شهادة أن لا إله إلّا الله ، بما تعنيه هذه الكلمة من توحيد و إخلاص و إفراد لله سبحانه و تعالى بالذّل و الخضوع و المحبة و الإمتثال و جميع أنواع العبادة ، و هذا أساس تزكية النفس .
والنفس بأعمالها الصالحة و طاعاتها الزَاكية مَثلها مَثل شجرة مُباركة ، و من المعلوم أنَّ الأشجار لا قيام لها إلّا على أصُولها ، و قد قال الله تعالى في سورة ابراهيم : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ) ، و بهذا يُعلم أنَّ تزكية النّفس له أساس لا تقوم التزكية إلا عليه و هو توحيد الله و إخلاصُ الدّين له جل و علا .
قال الله تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) و قال الله تعالى : ( وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاة ) قال بن عباس : لا يشهدون أنَّ لا إله إلا الله ، و قال مجاهد : لا يزكون أعمالهم أي : ليست زاكية ، و قيل : لا يُطهرونها بلإخلاص كأنّه أراد و الله أعلم أهل الرِّياء فإنَّه شِرك .
وقال الله سبحانه و تعالى في قصة موسى مع فرعون : ( فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ) أي بلإخلاص و التوحيد لله جل و علا .
فالتّزكية شجرة مباركة ، عظيمة الثَمر ، كبيرة الأثر ، لها أصل لا قيام لها إلّا عليه ألا و هو توحيد الله عز وجل و إخلاص الدين له سبحانه و تعالى .
و كُـلما كان هذا التوحيد و الإخلاص و الإيمان بالله مُتمكنا من القلب ، كان هذا أبلغ في نَماء هذه الشّجرة و كونها مُثمرة أطايب الثَمر و لذيذه و حسنه و نافعه .
الأمر الثاني : من جوانب تزكية النّفس ، تزكيتها بفرائض الإسلام ، وواجبات الدّين ، وحُسن التّـقرب إلى الله سبحانه و تعالى ، بفعل ما أمر و ترك مانهى عنه تبارك و تعالى و زجـر .
و لهذا ينبغي أنْ يُعلم أنّ التزكية لها جانبان لا تكون إلّا بهما ، يدُل عليهما أصل هذه الكلمة اللّغوي ، و أيضا دلالة هذه الكلمة في نصوص الشرع .
و إذا نظرنا في كتب اللّغة في معنى التّزكية و مدلولها نجِد أنَّ لها جانبان كلاهما من معاني التزكية و هما : الطهارة والنّماء .
فالتزكية طهارة و نماء ، و لهذا يُقال : زكى الزّرع إذا طاب و زالت عنه المُؤذيات التي تُضعف نماءَه .
و تُسمى الصدقة المفروضة زكاة لأّنها تُطهر المال (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) و لأنَّها أيضا في الوقت نفسه سبب لنماء المال .
فالتزكية طهارة و في الوقت نفسه نماء ، طهارة بالبعد عن الأعمال المحرمة و المعاصي و الآثام ، ونماء بفعل الطاعات و العبادات المقربة إلى الله سبحانه وتعالى .
و عليه أيّها الإخوة فإنّ التّـزكية لابد فيها من فعل الأوامر التي فرضها الله سبحانه و تعالى على عباده و أوجبها عليهم و لا بد أيضا في الوقت نفسه من البُعد عن النّواهي و الآثام .
ففعل الأمر تزكية و ترك النَّهي أيضا تزكية ، فالتزكية تخلية و تحلية .
تخلية للنّفس بإبعادها عن الرذائل و الخسائس ، و تحلية لها بفعل الأوامر و الطاعات المقربة إلى الله سبحانه و تعالى .
فالصّلاة تزكية ، قد قال الله عز و جل : (إنَّ الصَلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) ، وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنَّ النبي عليه الصلاة و السلام قال : (أرأيتم لو أنَّ نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات ، هل يبقى من درَنِه شيئ ؟ قالوا : لا ، لايبقى من درنه شيئ ، فقال عليه الصلاة و السلام فذلكَ مَثلُ الصَّلواتِ يمحُو الله بِهنَّ الخَطايا ) .
الزكاة تزكية ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا )
و الصيام تزكية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
الحج تزكية ، جميع الطاعات التي أمر الله عزّ وجل عباده بها كُـلها داخلة في هذا الباب باب تزكية النَّفس .
و لهذا قال الله تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)
الذّكــر تزكية للنَّفس ، بل هو أعظم باب تزكوا به النُّفوس و تتطهر به القلوب و تطمئنن ، وكم من الأذكار المشروعة من الآثار المباركة على أهلها في الدنيا و الآخرة من تطهير وتنقية للنّفس من أدرانها و تفريقها و تقشيرها ، و الحديث بهذا الجانب قد يطول ، لكـنني اكتفي بمَثلٍ واحد في هذا الباب من السنة و هو ما رواه الترمذي في جامعه( أنَّ النبي عليه الصلاة و السلام مرَّ و كان مع أصحابه بشجرة يابسة الورق و بيده عليه الصلاة و السلام عصا ، فضرب الشّجرة بالعصا التي بيده فأخذ الورق يتناثر و يتساقط من تلك الشجرة ، و قال عليه الصلاة و السلام للصحابة وهم ينظرون لهذا الورق يتساقط من هذه الشّجرة ، إنَّ سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر لتُساقط من ذنُوب العبد كما تساقط ورق هذه الشجرة) ، فذكر الله عز وجل تزكية للنُّفوس و طهارة لها ، و عُـموم الطاعات و العبادات المقربة إلى الله جل و علا كلّها داخلة في هذا الباب باب تزكية النفس ، كذلك ترك النواهي و المحرمات و اجتبابُ الكبائر و الموبقات باب مهم للغاية في تزكية النّفس ، فإذا غـشى العبد في الحرام و ارتكب الآثام يكون بذلك ذنّب نفسه و دسّاها و حقّرها بحسب فعله لتلك المحرمات و ارتكابه لتلك الآثام ، و في هذا تأمل قوله سبحانه : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
فالبعد عن المحرمات ، اجتناب الكبائر و الآثام كل ذلكم أيّها الإخوة الكرام داخل في باب تزكية النّفس .
الأمر الأول : وهو أساس تزكية النّفس و لا زكاء لنفسٍ إلّا إذا قامت عليه و تأسست عليه ألا وهو الإيمان بالله و توحيده سبحانه و تعالى و إخلاص الدِّين له ، ألّا و هو تحقيق شهادة أن لا إله إلّا الله ، بما تعنيه هذه الكلمة من توحيد و إخلاص و إفراد لله سبحانه و تعالى بالذّل و الخضوع و المحبة و الإمتثال و جميع أنواع العبادة ، و هذا أساس تزكية النفس .
والنفس بأعمالها الصالحة و طاعاتها الزَاكية مَثلها مَثل شجرة مُباركة ، و من المعلوم أنَّ الأشجار لا قيام لها إلّا على أصُولها ، و قد قال الله تعالى في سورة ابراهيم : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ) ، و بهذا يُعلم أنَّ تزكية النّفس له أساس لا تقوم التزكية إلا عليه و هو توحيد الله و إخلاصُ الدّين له جل و علا .
قال الله تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) و قال الله تعالى : ( وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاة ) قال بن عباس : لا يشهدون أنَّ لا إله إلا الله ، و قال مجاهد : لا يزكون أعمالهم أي : ليست زاكية ، و قيل : لا يُطهرونها بلإخلاص كأنّه أراد و الله أعلم أهل الرِّياء فإنَّه شِرك .
وقال الله سبحانه و تعالى في قصة موسى مع فرعون : ( فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ) أي بلإخلاص و التوحيد لله جل و علا .
فالتّزكية شجرة مباركة ، عظيمة الثَمر ، كبيرة الأثر ، لها أصل لا قيام لها إلّا عليه ألا و هو توحيد الله عز وجل و إخلاص الدين له سبحانه و تعالى .
و كُـلما كان هذا التوحيد و الإخلاص و الإيمان بالله مُتمكنا من القلب ، كان هذا أبلغ في نَماء هذه الشّجرة و كونها مُثمرة أطايب الثَمر و لذيذه و حسنه و نافعه .
الأمر الثاني : من جوانب تزكية النّفس ، تزكيتها بفرائض الإسلام ، وواجبات الدّين ، وحُسن التّـقرب إلى الله سبحانه و تعالى ، بفعل ما أمر و ترك مانهى عنه تبارك و تعالى و زجـر .
و لهذا ينبغي أنْ يُعلم أنّ التزكية لها جانبان لا تكون إلّا بهما ، يدُل عليهما أصل هذه الكلمة اللّغوي ، و أيضا دلالة هذه الكلمة في نصوص الشرع .
و إذا نظرنا في كتب اللّغة في معنى التّزكية و مدلولها نجِد أنَّ لها جانبان كلاهما من معاني التزكية و هما : الطهارة والنّماء .
فالتزكية طهارة و نماء ، و لهذا يُقال : زكى الزّرع إذا طاب و زالت عنه المُؤذيات التي تُضعف نماءَه .
و تُسمى الصدقة المفروضة زكاة لأّنها تُطهر المال (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) و لأنَّها أيضا في الوقت نفسه سبب لنماء المال .
فالتزكية طهارة و في الوقت نفسه نماء ، طهارة بالبعد عن الأعمال المحرمة و المعاصي و الآثام ، ونماء بفعل الطاعات و العبادات المقربة إلى الله سبحانه وتعالى .
و عليه أيّها الإخوة فإنّ التّـزكية لابد فيها من فعل الأوامر التي فرضها الله سبحانه و تعالى على عباده و أوجبها عليهم و لا بد أيضا في الوقت نفسه من البُعد عن النّواهي و الآثام .
ففعل الأمر تزكية و ترك النَّهي أيضا تزكية ، فالتزكية تخلية و تحلية .
تخلية للنّفس بإبعادها عن الرذائل و الخسائس ، و تحلية لها بفعل الأوامر و الطاعات المقربة إلى الله سبحانه و تعالى .
فالصّلاة تزكية ، قد قال الله عز و جل : (إنَّ الصَلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) ، وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنَّ النبي عليه الصلاة و السلام قال : (أرأيتم لو أنَّ نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات ، هل يبقى من درَنِه شيئ ؟ قالوا : لا ، لايبقى من درنه شيئ ، فقال عليه الصلاة و السلام فذلكَ مَثلُ الصَّلواتِ يمحُو الله بِهنَّ الخَطايا ) .
الزكاة تزكية ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا )
و الصيام تزكية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
الحج تزكية ، جميع الطاعات التي أمر الله عزّ وجل عباده بها كُـلها داخلة في هذا الباب باب تزكية النَّفس .
و لهذا قال الله تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)
الذّكــر تزكية للنَّفس ، بل هو أعظم باب تزكوا به النُّفوس و تتطهر به القلوب و تطمئنن ، وكم من الأذكار المشروعة من الآثار المباركة على أهلها في الدنيا و الآخرة من تطهير وتنقية للنّفس من أدرانها و تفريقها و تقشيرها ، و الحديث بهذا الجانب قد يطول ، لكـنني اكتفي بمَثلٍ واحد في هذا الباب من السنة و هو ما رواه الترمذي في جامعه( أنَّ النبي عليه الصلاة و السلام مرَّ و كان مع أصحابه بشجرة يابسة الورق و بيده عليه الصلاة و السلام عصا ، فضرب الشّجرة بالعصا التي بيده فأخذ الورق يتناثر و يتساقط من تلك الشجرة ، و قال عليه الصلاة و السلام للصحابة وهم ينظرون لهذا الورق يتساقط من هذه الشّجرة ، إنَّ سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر لتُساقط من ذنُوب العبد كما تساقط ورق هذه الشجرة) ، فذكر الله عز وجل تزكية للنُّفوس و طهارة لها ، و عُـموم الطاعات و العبادات المقربة إلى الله جل و علا كلّها داخلة في هذا الباب باب تزكية النفس ، كذلك ترك النواهي و المحرمات و اجتبابُ الكبائر و الموبقات باب مهم للغاية في تزكية النّفس ، فإذا غـشى العبد في الحرام و ارتكب الآثام يكون بذلك ذنّب نفسه و دسّاها و حقّرها بحسب فعله لتلك المحرمات و ارتكابه لتلك الآثام ، و في هذا تأمل قوله سبحانه : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
فالبعد عن المحرمات ، اجتناب الكبائر و الآثام كل ذلكم أيّها الإخوة الكرام داخل في باب تزكية النّفس .
الأمر الثالث في باب تزكية النّفس : تزكيتها بفعل الرّغائب و المُستحبات ، و هذه المرحلة تأتي بعد المرحلة الفارطة ، و في الحديث القدسي يقول الله تعالى : ( ما تقرّب إلي عبدي بشئ أحب إلي ممّا افترضتُه عليه و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنّوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطِش بها و رجله التي يمشي عليها ، و لئن سألني لأُعطينه و لئن استعاذ بي لأُعيذنه ).
فهذه مجالات التزكية و جوانبها و هي ثلاثة ، تتلخص في أمور ثلاثة :
الأول الأصل و هو توحيد الله و الإيمان به وبكل ما أمر سبحانه و تعالى عباده بلإيمان به .
والثاني تزكيتها بفعل الفرائض و الواجبات وترك الكبائر و المحرمات .
والثالث تزكيتُها بفعل الرّغائب و النّوافل و المستحبات .
ثم أيّها الإخوة الكرام : تزكية النُّـفوس كما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين : ( أمرها مُسلّم إلى الرسل عليهم الصلاة و السلام و إنّما بعثهم الله لهذه التزكية وولاهم إيّاها و جعلها على أيديهم دعوةً و تعليماً و بيانا و ارشادا لا خلقاً ولا إلهاماً ، فهم المبعوثون لعلاج نفوس الأمم ) .
قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) ، و قال تعالى : (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ )
يقول سفيان ابن عيينه رحمه الله: (إنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم هو الميزان الأكبر وعليه تُعرض الأشياء ، على خُلقه وسيرته وهديه ، فما وافقها فهوالحق ، وما خالفها فهو الباطل ) هذا أيّها الإخوة ميزان دقيق و مهم للغاية في باب تزكية النّفس .
تزكية النَّـفس ليس أمرا مُسلما للإنسان يزكي نفسه بأي طريقة شاء و بأي سبيل أراد . لا . بل لابد في باب تزكية النّفس من وزنِ الأعمال بما جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة و السلام ، فَخلُقه و سيرته و هديه صلى الله عليه و سلم مِيزان تُعرض عليه الأعمال و تُقاس عليه الأمور ، و ليس للإنسان أنْ يتخِذَ لنفسه ما شاء من الأمور أو الوسائل التي يزعُم أنّها تُـزكي نفسه .
ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله : ( تزكية النُّفوس أصعب من علاج الأبدان و أشـد ، فمن زكّي نفسه بالرياضة و المجاهدة و الخَلوة ، التي لم يجئ بها الرسل ( يعني جاء بأعمال و طرق يزعم أنّها تزكي النّـفس لكن لم تأتي على الرسل عليهم الصلاة و السلام ) فهو كالمريض الذي يعالج نفسه برأيه ، وأين يقع رأيه من معرفة الطبيب ؟ ) فالرّسل أطباء القلوب ، فلا سبيل إلى تزكيتها و صلاحها إلّا من طريقهم و على أيديهم و بمحض الإنقياد والتسليم لهم و الله المستعان .
بعض النَّاس يظن في هذا الباب أنَّ التزكية تكون بالتّشديد على النَّفس و القسوة عليها ، و حرمان النَّفس من حقُـوقها التي فطر الله سبحانه و تعالى النّفوس على الإحتياج اليها ، قد قال عليه الصلاة و السلام : ( و لنفسك عليك حق ) فبعض النَّاس يظن أنَّ تزكيته لنفسه تكون بحرمان النَّفس من حقوقها المباحة أو بالقسوة على النَّفس و الشّدة عليها أو بالرّعونة و نحو ذلك من التّصرُفات التي يظن أنّه بمثل هذه المسالك يزكّي نفسه ، و هيهات أن تكون تزكية النَّـفس بمثل ذلك .
فتزكية النَّفس لا تكون لا بالإفراط و لا أيضا بالتفريط ، لا تكون لا بالزيادة و لا بالتقصير ، بل تكون بالتّـوسط و الإعتدال و ذلك بلزوم هدي النبي صلى الله عليه و سلم و نهجِه القويم صلوات الله و سلامه و بركاته عليه .
فلا بُـد من الوسطية و الإعتدال في باب تزكية النَّـفس مطلوبة بالدليل ، لكن تتفاوت في المسالك ، فمن النّـاس من يريد أن يزكي نفسه بالتّشديد و التعزير و القسوة على النّفس و في الحديث : ( إنّ هذا الدين يسر ولنْ يُشاد الدّين أحد إلا غلبه فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا ) و من النّاس من يزكّي نفسه بوسائل و طرائق لا أصل لها و لا أساس ، فالنّاس في هذا الباب بين افراط و تفريط ، و خِيارُ الأمور أوساطُها لا تفريطها و لا إفراطها .
يقول ابن القيم رحمه الله في - مدارج السالكين - : (فإنَّ النّفس متى انحرفت عن التوسط ، انحرفت إلى أحد الخُلقين الذميمين و لا بُد ، فإذا انحرفت عن خلق التواضع : انحرفت إما إلى كبر و علو ، وإما إلى ذلّ و مهانة و حقارة وإذا انحرفت عن خلق الحياء انحرفت : إمّا إلى قِحَةٍ وجُرأة ، وإمّا إلى عجـزٍ وخور ومهانة ، و كذلك إذا انحرفت عن خلق الصبر المحمود انحرفت إمّا إلى جزع و هلع وإمّا إلى غلظة كبد وقسوة قلب وتحجـر طبع ، وإذا انحرفت عن خلق الحلم انحرفت : إمّا إلى طيش أو إلى مهانة و حقارة وإذا انحرفت عن خلق الأناة والرفق انحرفت : إمّا إلى عجلة وطيش وعنف أو إلى تفريط وإضاعة ، وإذا انحرفت عن خلق العزة التي وهبها الله لأهل الإيمان انحرفت : إمّا إلى كِبر وإمّا إلى ذُل ، وإذا انحرفت عن خلق الشّجاعة انحرفت : إما إلى تهور وإقدام غير محمود أو إلى جبن وتأخر مذموم ) ، و هكذا نجد أنَّ النّفس إذا خرجت في باب التزكية عن حدّ الإعتدال والتّـوسط الذي كان عليه نبينا صلى الله عليه و سلم تنحرف إلى جانبين كلاهما مذموم و خِيار الأمور أوساطها لا تفريطها و لا إفراطها .
و يجب أنْ يُعلم في هذا الباب أنَّ خير العمل ما كان لله أطوع و لصاحبه أنفع و قد يكون ذلك أيسر العملين و قد يكون أشدُّهُما ، فليس كل شديد فاضلا ولا كل يسير مفضولا .
بل الشرع إذا أمرنا بأمر شديد فإننا نأمر به بما فيه من المنفعة لا لمجرد تعذيب النّفس . و قد قال عليه الصلاة و السلام : ( إنّما بُعِثتُم ميسرين و لم تُبعثوا معسّرين ) و قال
لمعاذ و أبي موسى لما بعثهما إلى اليمن : ( يسرا و لا تعسرا ، و بشِّرا و لا تُنفرا ) ، و قال عليه الصلاة و السلام : (هذا الدين يسر ولنْ يشادّ الدين أحد إلا غلبهُ ) ، و قال عليه الصلاة و السلام : ( أحبُّ الدين إلى الله الحنيفية السّمحاء ) ، و الشيطان له مداخل في هذا الباب عندما يرى الإنسان قد أقـبل على تزكية النّـفس إمّا أنْ يدخله في باب تشديد و تحقير على النَّفس ، بترك المباحات و تعذيب النفس بقلة المرأى ، يـُـفشل البدن ، المنع من المباحات ، أو ينقل الإنسان نقلة أخرى بعيدا يحرفه من خلالها عن الصواب و السداد .
والواجب على المسلم في هذا الباب باب تزكية النّفس و في كل باب أنْ يُلزم نفسه بشرع الله و دينه الثّابت عن رسوله صلوات الله و سلامه عليه ، و أنْ يحذر من كلِ طريق و سبيل لا أصل له في شرع الله عز وجل .
ثُم أيّها الإخوة الكرام : يَحتاج العبد في هذا المقام مقامِ تزكية النّـفس إلى أمر مهم للغاية لا بد من التأكيد عليه و هو : أنْ يكون على ذكر دائم للوقوف بين يدي الله و المجازات و المحاسبة ، و قد قال الله عـزّ و جل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ) و لتنظر نفس ما قدمت لغد ، وقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ) و من أواخر ما نزل على نبينا عليه الصلاة و السلام قول الله تعالى : (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ) ، و في الحديث و في سنده مقال و لكن معناه صحيح لا ريب في صحة معناه : ( الكيس من دان نفسة وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتْـبع نفسهُ هواها وتنمى على الله الأماني )
الكيس : أي اللّبيب الفطن الذي يحاسب نفسه و يُعِـدها لما بعد الموت ، يُعدها للقاء الله سبحانه و تعالى ، و العاجز من أتْبع نفسه هواها و تمنى على الله الأماني .
ثُمّ أمرٌ أخير أختم به ألا و هو أيّها الإخوة : ينبغي على من أكرمَه الله عزّ و جل بلإستقامة ووفقه للرّعاية لنفسه و العناية بها أن يذكُر دائما أن هذا محضُ فضل الله عليه و مَـنّه سبحانه و تعالى ، و أنّه لولا فضل الله عليه لما استقام و لَمَا اهتدى ، فيحذر في هذا المقام من أن ينظر إلى نفسه نظر الإعجاب أو الثناء على نفسه أو التزكّية لها و الله يقول : ( فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) و يقول : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ) ، فإذا أكرم الله سبحانه و تعالى عبده ، ووفقه لسلوكِ طريق الهِداية و لزوم سبيل الإستِقامة ، فعليه أنْ يذكر أنَّ هذا محضُ فضل الله و منّه عليه .
فلا ينظر إلى نفسه نظر إعجاب ، بل يكونُ حامدا ، شاكرا ، مُثنيا على مولاه سبحانه و تعالى ، و قد ذكر الله جل و علا في صفات المؤمنين الكُمّل فقال : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) أي : يقدمون ما يقدمون من طاعات و عبادات و قلوبهم خائفة .
و جاء في المسند أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سألت النبي عليه الصلاة و السلام عن معنى هذه الآية الكريمة ، و قالت : (يا رسول الله أهُـوَ الرجل يزني ويسرق و يقتل و يخاف أن يعذب ؟ قال لا يا ابنة الصديق ، و لكنّه الرجل يصلي و يصوم و يتصدق و يخاف أن لا يُقبل منه ) ، و لهذا قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : ( إنَّ المؤمن جمع بين إحسان و مَخافة ، و المنافق جمع بين إساءة و أمن ) ، المؤمن يحسن في العمل و يخاف ، و المنافق يسئ في العمل وآمن .
فالواجب على المسلم أنْ يُجاهد نفسه على تقوى الله سبحانه و تعالى و نيل رضاه ، و أنْ ينظر إلى نفسه دائما نظـر التقصير و التفريط ، و يلُـوم نفسه على تقصيرها و تفريطها ، و يجاهد نفسه على البعد عن الذّنوب و الآثام التي تحرمه من الخير و تحُـول بينه و بين نيل الفضائل و الخيرات و البركات في الدنيا و الآخرة ، و يكُون مُقبلا على ربّهِ سبحانه ، يرجوا رحمته و يخاف عذابه ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ) .
و أسأل الله الكريم ربّ العرش العظيم بأسمائه الحسنى و صفاته العليا ، و بأنَّهُ الله الذي لا إله إلّا هو ، الذي وسع كل شئ رحمة و علما أن يوفقنا جميعا لكل خير ، و أن يصلح لنا شأننا كله ، و أن يغفر لنا و لوالدينا ، و لمشايخنا و للمسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات الأحياء منهم و الأموات ، اللّهم آتِ نفوسنا تقواها و زكّها أنت خير من زكّاها أنت وليها ومولاها ، اللّهم أعِـنَّا ولا تُـعن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا ، وامكر لنا ولا تمكر علينا وأهدنا ويسر الهدى لنا وانصرنا على من بغى علينا ، اللّهم اجعلنا لك شاكرين لك ذاكرين إليك أوّاهين منيبين ، لك مخبتين لك مطيعين، اللّهم تقبّل توبتنا واغسل حوبتنا ، و ثبت حُجّتنا ، و اهدِ قلوبنا و اسلل سخيمة صدورنا ، اللّهم و أصلح ذات بيننا و ألف بين قلوبنا ، واهدنا سُبُل السّلام ، و أخرجنا من الظلمات إلى النور ، و بارك لنا في أسماعنا و أبصارنا ، و أزواجنا و ذرّياتنا ، و أموالنا و أوقاتنا و اجعلنا مباركين أينما كنّا ، اللّهم آمنّا في أوطاننا و أصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللّهم وفق ولاة أمرنا لكل خير و اهدهم يا حي يا قيوم لما تحبه و ترضاه من سديد الأقوال و صالح الأعمال ، اللّهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، و أصلح لنا شأننا كله لا إله إلّا أنت ، و الحمد لله أولا و آخرا ، و له الشُّكر ظاهراو باطنا ، و صلى الله و سلم و بارك و أنعم على عبده و رسوله نبينا محمد و آله و صحبه أجمعين .
و تم تفريغها و مراجعتها من طرف الأخت : أروى الأثرية
مساء يوم الجمعة : 21 جمادى الثاني 1431
- بالجزائر العاصمة
و ما كان في تفريغي هذا من صواب فمن الله وحده ، و ما كان من خطأ فمن نفسي و من الشيطان .
و أسأل الله أن ينفعنا بما نقرأ و نسمع و أن يوفقنا جميعا لما يحب و يرضى .
آخر تعديل: