دعني أستمتع من قوتي وشبابي!!!
الحمد لله الذي بعث {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [النساء 165]، وهدى من عباده المنذَرين إلى صراطه المستقيم {أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة 5]، آمن بهم أصناف الناس أجمعين، رجالا ونساء، ذكورا وإناثا، ومنهم {فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف 13]، وصلى الله وسلم على نبينا محمد المبعوث {رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [النساء 107]، اتبعه أشرف الناس أجمعين –بعد الأنبياء والمرسلين-، منهم شباب لا يزالون بالفضل والثناء مذكورين، وما ذلك إلا بالقيام بشرع رب العالمين واتباع سنة النبي الأمين، رضي الله عنهم أجمعين.
أما بعد، فإن المتأمل والمتدبر في حال هذه الأمة المحمدية المباركة وقارنها بمن سلف منها، وجد فرقا شاسعا، وبونا واسعا، إذ كان الأولون أسياد الأمم، يحبهم من والاهم، ويهابهم من عاداهم، شاع صيتهم،و علا شأنهم.
أما حال اليوم فغير الأمس، لم تعد لأفراد ولا لجماعات هذه الأمة هيبة عند الأمم، صاروا أتباعا بعدما كانوا متبوعي الأمم والحضارات، وما ذلك إلا لمخالفة شرع ربهم، وسنة نبيهم، والبعد عن سبب عزهم وشرفهم.
روى الحاكم في المستدرك عن طارق بن شهاب، قال : خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة له فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا، تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك، فقال عمر : "أوه لم يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب (2893).
نعم هو واقعنا اليوم، كثير منا ابتغى العزة بغير ما أعزه به الله تعالى، اتباع للكفار في جل شؤونهم، وتقليد لهم في كل عاداتهم، في هيئاتهم، ولباسهم، وكلامهم، وتسريحاتهم، بل وفي دياثتهم، ونجاستهم، فكان الجزاء ما كان ذل وهوان وضعف في أوساط الأمة وتكالب عليها -خلصنا الله منه-.
وإن من أصناف هذه الأمة التي ركبت هذا الموج المهلك، صنف الشباب، وما أدراك ما الشباب، قوة ونشاط الأمة وحماسها، حراس الأمة وبناؤوها، يتلاشون في أحضان الثقافة الغربية الكافرة، ويتركون ما أرعب الأمم الغابرة.
ألا فلنذكر أنفسنا أولا، ونذكر غيرنا بما كان عليه سلفنا من شباب الأمة.
إن الله تعالى بعث أنبياء من خيرة شباب أممهم، قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء 60].
وقال تعالى عن يوسف عليه السلام {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [يوسف 19].
وإن الله تعالى بعث نبينا صلى الله عليه وسلم شابا بالغا أشده، اختاره ليكون سيد المرسلين وخاتم النبيين، روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال : أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، ونبي الله صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف، قال : فيلقى الرجل أبا بكر فيقول يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول : هذا الرجل يهديني السبيل، قال : فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق، وإنما يعني سبيل الخير، فقام بما قام به من دعوة وجهاد وهو شاب.
وقد اتبعه من آمن به من قومه، فكان من خيرة أصحابه صلى الله عليه وسلم شباب، شاركوه دعوته ونصروه وأيدوه، وبذلوا في ذلك الغالي والنفيس، روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال : كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمنيت أن أرى رؤيا، فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت غلاما شابا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وله عن عمرو بن ميمون الأودي في قصة استئذان عمر عائشة رضي الله عنهما أن يدفن مع صاحبيه، جاء في آخر القصة : "وولج عليه شاب من الأنصار، فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله، كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت، ثم استخلفت فعدلت، ثم الشهادة بعد هذا كله..." الحديث.
وروى البخاري -واللفظ له- ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابا لا نجد شيئا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
وقد صنع هؤلاء الشباب أعظم تاريخ، فكانوا خير قدوة لشبابنا، عبادةٌ وخلق، وتقوى، وورع، وجهاد، وغيرها كثير لا يحصى.
جاهدوا بأنفسهم في سبيل الله؛ لأجل إعلاء كلمة الله، فدخلوا المعارك وصنعوا البطولات، روى الحاكم في المستدرك عن أبي موسى الأشعري، أنه قال وهو مصاف العدو : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الجنة تحت ظلال السيوف" فقال شاب رث الهيئة : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم، فكسر جفن سيفه معه، ثم قال لأصحابه : السلام عليكم ثم دخل في القتال. صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (3117).
كسر غمد سيفه وغلافه، وسلم على أصحابه داخلا المعركة ناويا الشهادة في سبيل الله تعالى تعالى، بعد أن علم أن الجهاد من أعظم أسباب دخول الجنة.
بل كانوا السباقين إلى المعركة، روى أبو داود في سننه عن علي، قال : تقدم -يعني عتبة بن ربيعة- وتبعه ابنه وأخوه فنادى من يبارز؟ فانتدب له شباب من الأنصار. فقال : من أنتم؟ فأخبروه فقال : لا حاجة لنا فيكم إنما أردنا بني عمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قم يا حمزة، قم يا علي، قم يا عبيدة بن الحارث". فأقبل حمزة إلى عتبة، وأقبلت إلى شيبة، واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم ملنا على الوليد فقتلناه، واحتملنا عبيدة. صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (2665).
وروى مسلم عن أنس بن مالك، أن فتى من أسلم قال : يا رسول الله، إني أريد الغزو وليس معي ما أتجهز، قال : "ائت فلانا، فإنه قد كان تجهز، فمرض"، فأتاه، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام، ويقول : أعطني الذي تجهزت به، قال : يا فلانة، أعطيه الذي تجهزت به، ولا تحبسي عنه شيئا، فوالله، لا تحبسي منه شيئا، فيبارك لك فيه.
وروى الطبراني في المعجم عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يجند الناس أجنادا جندٌ باليمن، وجند بالشام، وجند بالمشرق، وجند بالمغرب" قال رجل : يا رسول الله، إني فتى شاب فلعلي أدرك ذلك، فأي ذلك تأمرني؟ قال : "عليكم بالشام، فإنها صفوة الله من بلاده يسوق إليها صفوته من عباده، عليكم بالشام، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله، فمن أبى فليلحق بيمنه. صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (4070).
والأعجب من ذلك قصة الغلامين الأنصاريين رضي الله عنهما مع أبي جهل يوم بدر، فقد روى الشيخان عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار -حديثة أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضلع منهما- فغمزني أحدهما فقال : يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قلت : نعم ، ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، قلت : ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني، فابتدراه بسيفيهما، فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبراه فقال : "أيكما قتله؟"، قال كل واحد منهما : أنا قتلته، فقال : "هل مسحتما سيفيكما؟"، قالا : لا، فنظر في السيفين، فقال : "كلاكما قتله، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح"، وكانا معاذ ابن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح.
يالها من نية خالصة، ومحبة صادقة، وهمة عالية، لكن إذا علمت من هؤلاء زال العجب، إنهم أنصار محمد صلى الله عليه وسلم، وما أدراك ما أنصار محمد.
ومن هؤلاء الشباب رضي الله عنهم من هاجر بلده، وترك وطنه، وخلف ماله وبيته وأهله هجرة في سبيل الله تعالى، روى ابن حبان في صحيحه عن جابر بن عبد الله، قال : لما رجعت مهاجرة الحبشة، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : "ألا تحدثوني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة" ، قال فتية منهم : يا رسول الله، بينا نحن جلوس مرت علينا عجوز من عجائزهم، تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثم دفعها على ركبتيها، فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت، التفتت إليه، ثم قالت : ستعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانا يكسبون، فسوف تعلم أمري وأمرك عنده غدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صدقت، ثم صدقت، كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم" صححه الإمام الألباني في صحيح الجامع (4598).
وروى أحمد في المسند عن علقمة، قال : كنت مع ابن مسعود وهو عند عثمان فقال له عثمان ما بقي للنساء منك؟ قال : فلما ذكرت النساء قال ابن مسعود : ادن يا علقمة، قال : وأنا رجل شاب، فقال له عثمان خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتية من المهاجرين ، فقال : "من كان منكم ذا طول فليتزوج، فإنه أغض للطرف، وأحصن للفرج، ومن لا فإن الصوم له وجاء" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (6498).
وإذا نظرت إلى عبادتهم وجدت الثبات والنشاط والمداومة والتجلد، روى البيهقي في السنن عن عبد الله بن عمر أنه رأى فتى وهو يصلي وقد أطال صلاته وأطنب فيها فقال : من يعرف هذا ؟ فقال رجل : أنا، فقال عبد الله بن عمر : لو كنت أعرفه لأمرته أن يطيل الركوع والسجود، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن العبد إذا قام يصلي أتي بذنوبه فجعلت على رأسه وعاتقيه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (1671) وفي الصحيحة (1398).
وروى الشيخان –واللفظ للبخاري- عن عبد الله بن عمرو، قال : أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أني أقول : والله لأصومن النهار، ولأقومن الليل ما عشت، فقلت له : قد قلته بأبي أنت وأمي قال : "فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر"، قلت : إني أطيق أفضل من ذلك، قال : "فصم يوما وأفطر يومين"، قلت : إني أطيق أفضل من ذلك، قال : "فصم يوما وأفطر يوما، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام"، فقلت : إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا أفضل من ذلك"، وكان عبد الله شابا قويا.
وكان شباب الصحابة يحرصون ويحافظون على الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، روى أبو داود، عن يزيد بن الأسود، أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام شاب، فلما صلى إذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد، فدعا بهما فجيئ بهما ترعد فرائصهما، فقال : "ما منعكما أن تصليا معنا؟ " قالا : قد صلينا في رحالنا، فقال : "لا تفعلوا، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل، فليصل معه فإنها له نافلة".
وروى الشيخان عن جابر بن عبد الله : أن معاذ بن جبل رضي الله عنه، كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال : فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذا، فقال : إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، إنا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإن معاذا صلى بنا البارحة، فقرأ البقرة، فتجوزت، فزعم أني منافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "يا معاذ، أفتان أنت -ثلاثا- اقرأ : والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها" فكان رضي الله عنه حريصا على الجماعة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وهؤلاء الشباب رضي الله عنهم كانوا من أشد الناس خوفا على أنفسهم من الفاحشة والمعصية، حتى أن الواحد منهم يهم بالاستخصاء خشية على نفسه لما لم يطق الزواج، روى البخاري -واللفظ له- ومسلم عن قيس، قال : قال عبد الله : كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس لنا شيء، فقلنا : ألا نستخصي؟ "فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب، ثم قرأ علينا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة 87] "
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قلت : يا رسول الله إني رجل شاب، وأنا أخاف على نفسي العنت، ولا أجد ما أتزوج به النساء، فسكت عني، ثم قلت : مثل ذلك، فسكت عني، ثم قلت : مثل ذلك، فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاق فاختص على ذلك أو ذر".
وهؤلاء الشباب رضي الله عنهم كانوا مسارعين لاستجابة أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، روى البخاري عن علقمة بن قيس النخعي، قال : "كنا جلوسا مع ابن مسعود، فجاء خباب، فقال : يا أبا عبد الرحمن، أيستطيع هؤلاء الشباب أن يقرءوا كما تقرأ؟ قال : أما إنك لو شئت أمرت بعضهم يقرأ عليك؟ قال : أجل، قال : اقرأ يا علقمة، فقال زيد بن حدير، أخو زياد بن حدير : أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا؟ قال : أما إنك إن شئت أخبرتك بما قال النبي صلى الله عليه وسلم في قومك وقومه؟ فقرأت خمسين آية من سورة مريم، فقال عبد الله : كيف ترى؟ قال : قد أحسن، قال عبد الله : ما أقرأ شيئا إلا وهو يقرؤه، ثم التفت إلى خباب وعليه خاتم من ذهب، فقال : ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى، قال : أما إنك لن تراه علي بعد اليوم ، فألقاه".
وكان هؤلاء الشباب حريصين على العلم والتعلم، ملتفين حول أهل العلم، روى البخاري عن محمد بن الحسين بن علي، قال : دخلنا على جابر بن عبد الله، فسأل عن القوم حتى انتهى إلي، فقلت : أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى، ثم نزع زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثديي وأنا يومئذ غلام شاب، فقال : مرحبا بك، يا ابن أخي، سل عما شئت، فسألته، وهو أعمى، وحضر وقت الصلاة، فقام في نساجة ملتحفا بها، كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه، على المشجب، فصلى بنا، فقلت : أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولأبي داود عن عبد الله بن عبيد الله، قال : دخلت على ابن عباس، في شباب من بني هاشم فقلنا لشاب منا : سل ابن عباس أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ فقال : لا، لا، فقيل له : فلعله كان يقرأ في نفسه، فقال : خمشا هذه شر من الأولى، كان عبدا مأمورا بلغ ما أرسل به وما اختصنا دون الناس بشيء إلا بثلاث خصال" أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا ننزي الحمار على الفرس" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (808).
وأخرج الترمذي في جامعه عن علي بن أبي طالب قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ، فقال : "هذه عرفة، وهو الموقف، وعرفة كلها موقف"، ثم أفاض حين غربت الشمس، وأردف أسامة بن زيد، وجعل يشير بيده على هينته، والناس يضربون يمينا وشمالا، يلتفت إليهم، ويقول : "يا أيها الناس عليكم السكينة"، ثم أتى جمعا فصلى بهم الصلاتين جميعا، فلما أصبح أتى قزح فوقف عليه ، وقال : "هذا قزح وهو الموقف، وجمع كلها موقف"، ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر، فقرع ناقته، فخبت حتى جاوز الوادي فوقف، وأردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها، ثم أتى المنحر، فقال : "هذا المنحر ومنى كلها منحر"، واستفتته جارية شابة من خثعم، فقالت : إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة الله في الحج ، أفيجزئ أن أحج عنه ؟ قال : "حجي عن أبيك" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (885).
وروى الحاكم في المستدرك عن عطاء بن أبي رباح، قال : كنت مع عبد الله بن عمر فأتاه فتى يسأله عن إسدال العمامة، فقال ابن عمر : سأخبرك عن ذلك بعلم إن شاء الله تعالى، قال : كنت عاشر عشرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وحذيفة، وابن عوف، وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم، فجاء فتى من الأنصار فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس، فقال : يا رسول الله أي المؤمنين أفضل؟ قال : "أحسنهم خلقا" قال : فأي المؤمنين أكيس؟ قال : "أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا قبل أن ينزل بهم أولئك من الأكياس" ثم سكت الفتى. حسنه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (1128).
وكانوا رضي الله عنهم خيرة القراء، متنافسين على العلم والتحصيل مجتهدين في ذلك، روى البخاري عن علقمة بن قيس النخعي، قال : "كنا جلوسا مع ابن مسعود، فجاء خباب، فقال : يا أبا عبد الرحمن، أيستطيع هؤلاء الشباب أن يقرءوا كما تقرأ؟ قال : أما إنك لو شئت أمرت بعضهم يقرأ عليك؟ قال : أجل، قال : اقرأ يا علقمة، فقال زيد بن حدير، أخو زياد بن حدير : أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا؟ قال : أما إنك إن شئت أخبرتك بما قال النبي صلى الله عليه وسلم في قومك وقومه؟ فقرأت خمسين آية من سورة مريم، فقال عبد الله : كيف ترى؟ قال : قد أحسن، قال عبد الله : ما أقرأ شيئا إلا وهو يقرؤه.
وروى ابن ماجه في سننه عن عبد الله بن عمرو، قال : جمعت القرآن فقرأته كله في ليلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إني أخشى أن يطول عليك الزمان، وأن تمل، فاقرأه في شهر". فقلت : دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال : "فاقرأه في عشرة" قلت : دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال : "فاقرأه في سبع" قلت : دعني أستمتع من قوتي وشبابي فأبى. صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه (1363)، نعم يستمتع بذلك من ذاق حلاوته والله المستعان.
فتحملوا العلم من أصحابه وتعلموا، حتى صار منهم من يكتب الوحي، ويكلف بجمع القرآن، روى البخاري عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال : "أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده"، قال أبو بكر رضي الله عنه : إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر : "كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" قال عمر : هذا والله خير، "فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر"، قال زيد : قال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتتبع القرآن فاجمعه ، "فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن"، قلت : "كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "، قال : هو والله خير ، "فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف، وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره،{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه".
وكان منهم رضي الله عنهم مرجعا للناس في الفتوى والرأي، روى مالك في الموطأ عن أبي إدريس الخولاني، أنه قال : دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه، وصدروا عن قوله، فسألت عنه، فقيل هذا معاذ بن جبل. صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب (3018).
وقد كلف النبي صلى الله عليه وسلم بعض الشباب القضاء بين الناس، روى ابن ماجه عن علي، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت : يا رسول الله تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم، ولا أدري ما القضاء؟ قال : فضرب بيده في صدري، ثم قال : "اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه"، قال : فما شككت بعد في قضاء بين اثنين. صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه (2339).
وهذا لأن هؤلاء الشباب كانوا أصحاب فطنة وذكاء رضي الله عنهم، روى البخاري عن محارب بن دثار، قال : سمعت ابن عمر، يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء، لا يسقط ورقها ولا يتحات" فقال القوم : هي شجرة كذا، هي شجرة كذا، فأردت أن أقول : هي النخلة، وأنا غلام شاب فاستحييت، فقال : "هي النخلة". وزاد في رواية : فحدثت به عمر فقال : لو كنت قلتها لكان أحب إلي من كذا وكذا.
فهؤلاء رضي الله عنهم رفعهم الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة، فكان الواحد من كبار الصحابة بطلب من أحدهم أن يستغفر الله له، روى الحاكم في المستدرك عن أبي ذر رضي الله عنه قال : مر فتى على عمر، فقال عمر : نعم الفتى، قال : فتبعه أبو ذر، فقال : يا فتى استغفر لي، فقال : يا أبا ذر أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : استغفر لي، قال : لا، أو تخبرني، فقال : إنك مررت على عمر رضي الله عنه، فقال : نعم الفتى، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (1736).
مع ذلك لم يؤد بهم ذلك إلى الغرور والتكبر، بل كان منهم من يعمل على تنظيف بيت الله من القاذورات والأوساخ، هذا العمل الذي يحتقره كثير من الناس اليوم ويستحيون من أدائه، روى مسلم عن أبي هريرة، أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد -أو شابا- ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأل عنها -أو عنه- فقالوا : مات، قال : "أفلا كنتم آذنتموني" قال : فكأنهم صغروا أمرها -أو أمره- فقال : "دلوني على قبره" فدلوه، فصلى عليها، ثم قال : "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم".
هذا هو النوع من الشباب الذي تأتيه البشارة في حياته قبل موته، هذا النوع الذي يثبته الله تعالى عند موته، روى ابن ماجه عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل على شاب وهو في الموت، فقال : "كيف تجدك؟" قال : أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن، إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف" حسنه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه (4337).
وهذا الصنف وأمثالهم رضي الله عنهم الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا طل إلا ظله، روى الشيخان عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال : إني أخاف الله، ورجل تصدق، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه".
فيا شباب الإسلام هذا حال سلفكم من شباب الصحابة رضي الله عنهم، كانوا من خيرة الناس، وأشرفهم وأنبلهم، ما رفعهم جاه ولا سيادة ولا مال، إنما رفعهم الله تعالى لما كانوا عليه من الطاعة والعبادة وملازمة التقوى والورع.
فالله الله في شبابكم الذي حض وحث النبي صلى الله على اغتنامه، روى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه : "اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" صححه الإمام الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الترغيب والترهيب (3355).
عليك أيها الشاب بعلو الهمة، والاهتمام بمعالي الأمور وأشرفها، دع عنك سفاسف الأمور وأوضعها، دع عنك اللهو واللعب فإن الأمر جد، وإن الشاب مثلك من سلفك أصحاب نبيك صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم كان يقود الجيش ويغزو به، روى البخاري عن أبي ظبيان، قال : سمعت أسامة بن زيد رضي الله عنهما، يقول : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة، فصبحنا القوم فهزمناهم.
وله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا، وأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس في إمارته، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده".
نسأل الله تعالى أن يصلح حالنا وحال شبابنا، وأن يردنا إليه ردا جميلا.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
يوسف صفصاف
15 ذوالقعدة 1437
18 أوت 2016.
نقلا عن منتديات التصفية و التربية.