وفاة أخ من إخواننا السلفيين بخاتمة حسنة نحسبه والله حسيبه
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
فهذه قصة فيها عبرة وذكرى وبشرى كذلك بإذن الله:
نزل إخوانٌ لنا من غرب الوطن وبالضبط من تيسمسيلت-أعز الله أهلها بالتوحيد والسنة- ضيوفا عند أخٍ لنا في دلس وهو من منطقتهم ، وكان من بين هؤلاء الإخوة ، أخٌ يريد أن يبْرَحَ إلى أهله رغم أنّ الجوَ كان مهيأً للبقاء أكثر،وفي اليوم الثاني كان مصرا على الرجوع، تعشوا وانصرفوا بعد السلام علينا ، وفي الصباح كعادة أهل السنة الحرص على صلاة الغداة ،إذ ان تركها في جماعة المسلمين صفةٌ أهل السنة منها براء ، فكان الأخُ المتوفى من أيقظهم للصلاة - رحمه الله تعالى- صلّوا وعزموا واتفقت كلمتهم على أن يرجعوا إلى تيسمسلت، الأخ السائق عبد القادر-رحمه الله تعالى- مبتلى بمرض مزمن لا يظهر عليه أثره، ولا تسمع منه شكوى غير قوله الله أكبر كلما تألم أو اشتد عليه المرض ، عرف بهذا -رحمه الله تعالى - وهم في طريقهم إلى تيسمسيلت وبالضبط في مدينة تيجلابين،توقف الأخ عبد القادر-غفر الله له- والذي كان يريد الرجوع إلى أهله وولده، فأخبر أخا له بأنه يريد أن يطمئن على من كان في السيارة الثانية ( حيثُ إنّه كانت ثمّتَ سيارةٌ أخرى ترافقهم وتأخرت قليلا) فنزل من السيارة وشرع في غسل وجهه، يخبرني الأخ الزبير- حفظه الله- (وهو أقرب الإخوان إليه وقد مات على صدره) أنه لا يشتكي أبدا،قال فأبصرته وهو يشدُّ على بطنه بقوة ويقول الله أكبر، قال : فقلت:لعله كعادته يتألم بسبب مرضه ،وقد ألفنا عنه ومنه هذا، قال: لكن الرجل أكثر التكبير فعلمت أن المصابَ جلل!! يقول: فبدأ عبد القادر بذكر كلمة التوحيد صافية نقية يفهمها كل من يسمعها فجعل يرددها وعدها خمس مرات (لا إله إلا الله) هكذا، حتى سكت وفارقت روحه الجسد ومات-غفر الله له- فكان آخر كلامه في هذه الدنيا قوله لا إله إلا الله ، هذا آخرُ ما تلفظ به - رحمك الله أخي الكريم وغفر لك-.
حزنت حزنا شديداً أول ما سمعت ،كيف لا أحزن ؟وهذا أيوبٌ السختيانيُّ يقول -رحمه الله-:
(إني أُخبر بموت الرجل من أهل السنة وكأني أفقد بعض أعضائي) اللالكائي: 1/60/29، وحلية الأولياء : 3/9
وكان السلف يحبون أهل السُّنةِ ويوصونَ بهم خيرا،ولا يهمهم من شرق البلاد كانوا أو من غربها ،فقد كان الثوري الإمام الهمام يقول -رحمه الله-: (استوصوا بأهل السنة خيرا فإنهم غرباء) اللالكائي : 1/64/49.
وكان –رحمه الله- يقول أيضا: (إذا بلغك عن رجل بالمشرق صاحب سنة وآخر بالمغرب فابعث إليهما بالسلام وادع لهما ما أقل أهل السنة والجماعة) اللالكائي : 1/64/50
وهذا الإمام المبجل أحمد بن حنبل - رحمه الله – في آخر رسالته التي أرسلها للإمام مسدد بن مسرهد – يقول: (أحبّوا أهل السنّةِ على ما كان منهم . أماتنا الله وإياكم على السنة والجماعة ، ورزقنا الله وإياكم اتباع العلم . ووفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه) طبقات الحنابلة : 1/345.
ثم بعد سماعي القصة برَمّتِها ،خفّفت من حزني وهمي على فقدنا لأخ وحبيب من أحبتنا أهل السنة،فقلت في نفسي: يثبت الله جلّ وعلا أهل التوحيد ، ويوفقهم للنطق بالكلمة التي يشتغلون بتعلمها ويجتهدون للعمل بمقتضاها، ويعظمونها، وتذكرت حديث نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" فاستبشرت وغلبت جانب الرجاء (فنرجوا من الله أن يتقبله) فهذه هي البشرى الأولى ، أن ختم له بكلمة التوحيد، ومن البشائر كذلك التي حدثت بعد موته -رحمه الله- هي أنّ الله تبارك وتعالى يسر لإخواننا كل ما يلزم من أمورٍ تتعلق بإخراجه من المستشفى دون تعرض جسده للتشريح، ولا يخفاكم ما يترتب عند موت الفجأة من إجراءات وتدخل الطبيب الشرعي وغير ذلك ، فتيسر كما أسلفت إخراج ونقل الأخ إلى تيسمسيلت في مساء يوم وفاته .
فاللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى.
والذي خفف من ألم الفراق كذلك ، نصوص ثابتة في حسن الظن بالله عند أئمة السلف ، حيث إنهم كانوا إذا أُخبروا بموت أهل التوحيد والسنة ، يبشرون أبنائهم وإخوانهم بخير ما كانوا عليه من التمسك بمنهج الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، وهذه أقوال لبعضهم قلت أسلي بها نفسي وإخواني ثبتني الله وإياكم على الإسلام والسنة المحضة ، إن ربي سميع مجيب.
- عن معتمر بن سليمان – رحمه الله - قال: (دخلت على أبي وأنا منكسر فقال : مالك ؟ قلت : مات صديق لي .قال : مات على السنة ؟ قلت : نعم. قال : فلا تخف عليه. ) اللالكائي : 1/67/61.
وقال يعقوب بن حميد بن كاسب : قال مالك بن أنس:" لو لقي الله رجل بملء الأرض ذنوبا ثم لقي الله بالسنة لكان في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا". (ذم الكلام واهله للهروي 4/121-122-رقم881).
وقول الإمام أحمد: «مَنْ مَاتَ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالسُّنَّةِ مَاتَ عَلَى الخَيْرِ كُلِّهِ». سير أعلام النبلاء (11/296)
ففي هذا مع الاختصار الشديد (وغيره كثير في كلام السلف)، بشرى وتسلية لمن ثبته الله على هذا المنهج القويم ،ثبتنا الله وإياكم معشر الإخوان عليه حتى نلقاه جلّ وعلا موحدين متبعين لا مشركين ولا مبدلين، إن ربي سميع الدعاء.
والعبرة في القصة:
أن الموت قد يفاجئ أيا منا ،وفي أي وقت، فلا ينبغي لنا أن نكون من الغافلين ، فعلينا أن نعد العدة للقاء الله جل وعلا. ولنكثر من التوبة والإنابة وسؤال الله العون . هذا والله المستعان وعليه التكلان وصلى الله وسلم وأنعم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
والحمد لله ربِّ العالمين.
نقلا عن منتديات التصفية و التربية.