الضروريات والحاجيات والكماليات

البحر الهادي

:: أستاذ ::
أحباب اللمة
إنضم
27 ماي 2016
المشاركات
5,791
نقاط التفاعل
12,812
النقاط
1,716
محل الإقامة
أرض الوطن
الجنس
ذكر
الأولويات لغةً: ترتيب الأمور بناء على القرب والبعد من أمر معين. ووضع كل شيء في مرتبته بالعدل، من الأحكام والقيم والأعمال، ثم يقدِّم الأَولى فالأولى، بناءً على معايير شرعية صحيحة يهدي إليها نور الوحي ونور العقل .


وفقه الأولويات: يعني أن ندرج الفرد وكذلك أن ندرج المجتمعات فيما هو أهم، أما أن نأتي إلى ما هو أقل، وأن تترك المهمات فلا بد أن يكون ثمة سوء في التصرف ونتيجة سيئة في هذا التصرف؛ لأننا أخللنا بأمر شرعي، وهو البداءة بالأهم فالأهم.


الالتزام بفقه الأولويات وأعني بفقه الأولويات أن: فيه ضروريات بدونها يهلك الإنسان، وفيه حاجات بدونها تصبح الحياة شاقة، وفيه كماليات يمكن للأسرة أن تستغني عنها، وبالتالي فلا يجوز للزوج أن يشتري الكماليات وعنده عجز في الضروريات والحاجيات، ولا يجوز للزوجة أن تنفق الأموال في الكماليات وعندها عجز في الضروريات والحاجيات.


إن المجتمع الإسلامي بتركيبته الفذّة لم يكن وحيداً في هذا العالم، بل يحتك بآلاف التجمعات البشرية في مختلف أصقاع الأرض، وتختلف هذه التجمعات بعضها البعض في الكثير أو في القليل بحكم بيئاتها وبحكم الطرائق التي فرضت نفسها عليها للتعامل مع تلك البيئات في سياق السعي إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من إشباع الحاجات. وتولدت نتيجة هذه الاحتكاكات مجموعات كبيرة من العلاقات والارتباطات ذات الطابع العسكري والسياسي والتجاري أو غير ذلك وإن ملاحظة فاحصة نلقيها على طبيعة هذه التجمعات تطلعنا على جوهر المشكلة الاقتصادية التي بدأ يحس بها الإنسان، مما جعله يضطر إلى تنظيمها، فلقد أفرز التطور الإنساني العديد من الأمور التي أثرت على الواقع الاقتصادي للإنسان يمكننا حصرها فيما يلي:
ظهور التخصيصات الانتاجية في السلع والخدمات.
تنوع طرائق الاستهلاك السلعي والخدماتي لإشباع الحاجات.
ظهور تميز لبعض السلع والخدمات كأمور ذات أولوية ورغبة ملحة داخل المجتمع .


وفي خضم الطوفان السلعي الذي أغرق الأسواق بما هب ودب من مختلف الأشكال والألوان والأصناف، نرى البعض يلهث وراء كل سلعة مستحدثة دون النظر إلى حاجته إليها، أو نفعها وضررها له ولأسرته، أم المؤمن الذي تربى تربية إيمانية اقتصادية حقة، فإنه يقوم بتلبية ضرورياته أولاً، ثم حاجياته، ثم تحسينياته، وهذه هي رتب المصالح عند علماء الأصول.

1- الضروريات والحاجيات:
الضَّرُورَاتُ: كالمآكل والملابس والمساكن والمناكح والمراكب الجوالب للأقوات، وغيرها ممّا تمسُّ إليه الضّرورات، وأقل المجزئ من ذلك ضروريّ .


ومفهوم الحوائج الأصلية: يتراوح بين الضروري والحاجي بحسب الموارد المتوفرة .


ومازال الناس بالفطرة يسعون منذ القدم في تلبية حاجاتهم الاقتصادية المختلفة وإنما الاختلاف بينهم يقع في درجة الإشباع وأسلوبه وليس في حجم الوفرة الاقتصادية مما جعل المشكلة تنحصر في الإنسان ذاته الذي يحتاج دائماً إلى تهذيب وتربية ليرقى إلى درجات القناعة الاقتصادية، فعلى الرغم من أنّ قلة الموارد الاقتصادية تزعج الإنسان وتثير لديه المشكلات إلاّ أنّ حدتّها تقل وتضعف بحسب قوة صلته بالله تعالى، وقد أشار كثيراً من علماء النفس المعاصرين إلى أن السعادة التي يتطلع إليها الفرد إنما تنبع من ذاته، وليست من كثرة الأشياء والممتلكات، كما أشارت العديد من الدراسات الحديثة إلى وجود علاقة بين الترف الحضاري وبين التوتر النفسي؛ ولهذا يُلحظ في حال السلف الاستقرار في حال الشدة والرخاء على حد سواء حتى إن أحدهم قد يتلذذ بالفقر كما يتلذذ الناس اليوم بالغنى .



والحاجات الاقتصادية هي: كل ما يحتاج إليه الإنسان في حياته، سواء أكانت حاجة ضرورية أم حاجة كمالية أو ثانوية. أو هي كل رغبة يشعر بها الإنسان ويمكنه إشباعها بوساطة المال أو التبادل أو غير ذلك. وبعض الحاجات الإنسانية لا تعتبر من قبيل الحاجات الاقتصادية؛ لأنها لا تُشبع بوساطة المال أو التبادل كحاجته إلى النفس مثلاً. وهناك حاجات فردية شخصية كحاجة الإنسان إلى المسكن والملبس والطعام ونحوها، وهناك حاجات جماعية أو اجتماعية كحاجة المجتمع كله إلى الأمن، والدفاع عنه ضد أعدائه .


وتتميز الحاجات الاقتصادية بأنها قابلة للإشباع بوساطة المال، وأنها عندما تُشبع تقل درجة إلحاحها على الإنسان، ودرجة الألم الذي يصاحب عدم إشباعها. وإشباع الحاجات من الضروريات للإنسان، حتى إنهم قالوا: إن الحاجة وضرورة إشباعها هما القوة الواقعة على النشاط الاقتصادي أياً كانت صورته أو درجته. وتتطور الحاجات الاقتصادية أو تتعدد بتطور المجتمع الإنساني، بمعنى أن حاجة الإنسان المتمدن أضعاف حاجات الإنسان البدائي؛ لأن مع التمدن تتعدد الحاجات وتزيد التطلعات، ويترتب على ذلك مضاعفة النشاط الاقتصادي الذي يُوصل إلى إشباع هذه الحاجات العديدة. والحاجات العامة للإنسان ضرورية من الناحية الاقتصادية كحاجته إلى المسكن والملبس والمطعم والزواج والأسرة والأبناء، وحاجته إلى حرية التفكير وحرية التعبير وسائر الحريات، وتلك كلها حاجات حقيقية لا يستطيع الإنسان أن يحيا حياة إنسانية كريمة آمنة إلاّ إذا أشبعها بطريق مشروع؛ ومن أجل ذلك فإن هذه الحاجات العامة تُصنف في الحاجات الاقتصادية لأنها ضرورة للإنسان .

2- الكماليات أو التحسينات:
والتّكملات: من لُبس النّاعمات، وأَكل الطيبات، وشُرب اللّذيذات، وسُكنى القصور العاليات، والغرف المرتفعات . وتعتبر الكماليات من الأمور التي يمكن الاستغناء عنها في الحياة اليومية، ولكن الإنسان بطبعه يميل إلى الرفاهية.


والحاجات الكمالية هي: ما يمكن تسميتها تجاوزاً بحاجات الرفاهية (welfare)، وتتنوع القائمة هنا بحسب مستوى دخل الأفراد، هذا وتجدر الإشارة إلى أن الحاجات البشرية لا تقف جامدة عند مستوى معين، بل هي في تجديد مستمر نتيجة التطور التكنولوجي الدائم واختلاف أنماط الحياة التي يعيشها الفرد ومستويات الدخل التي يمر بها. والمعروف أن كثيراً من السلع يكون كمالياً عند فرد معين عندما يكون دخله منخفضاً، ثم قد تصبح نفس السلعة ضرورية عندما ينتقل إلى مستوى دخل أفضل.


وقد اختلف الاقتصاديون حول تحديد مقياس للرفاهية، مما أدى إلى وجود فرع من الاقتصاد يُعنى باقتصاد الرفاهية (welfare economic)، بحيث يعتبر فرع من الاقتصاد المعياري الذي يهتم بكيفية ترتيب النشاط الاقتصادي لتحقيق الرفاهية القصوى. وركز اقتصاديو الرفاهية على اعتبار رفاهية الفرد تتحدد بتكوين سلم التفضيل الجماعي وهو حاجات المجتمع من السلع والخدمات نوعاً وكماً وذلك بترتيبها حسب أهميتها النسبية، ولكن هذا المقياس أصبح غير منطقي بسبب عدم إمكانية قياس المنفعة. فالرفاهية الاجتماعية تُعتبر بمثابة دالة لرفاهية المستهلكين وهذا يتطلب أخذ أفضليات كل مستهلك .


نعلم أن سلوك الإنسان إنما يكون نتيجة التفاعل بين استعدادات الفرد وحاجاته النفسية وبين بيئته، وما تتضمنه من عناصر وقوى دافعة تدفعه إلى القيام بأنواع مختلفة من السلوك لإشباع هذه الحاجات التي تصبح أهدافاً أو غايات. غير أن سلوكه هذا يتأثر بعاملين مهمتين: عناصر البيئة المادية والحالة النفسية الراهنة للشخص. فوجود حاجة نفسية عند شخص ما تخلق عنده نوعاً من التوتر فيعمل لإشباع هذه الحاجة أي لتحقيق هدف يتصل بهذه الحاجة النفسية التي أصبحت دافعاً. وفي سبيل ذلك يسلك أنواعاً من السلوك. وهو في ذلك يركز انتباهه ويهتم بالوسائل التي تيسر له إصابة الهدف ويتجنب ما يعرقل الوصول إلى الهدف، حتى إذا أصاب الهدف تم الإشباع وشعر بالارتياح .


لذا كانت الحاجة إلى التربية الاقتصادية التي من أهم معالمها السلوكية غنى النفس والتعفف بالقناعة والرضا بما قسم المولى سبحانه وتعالى، فنجد الفرد المسلم يكتفي بالحاجيات الضرورية، وإن طلب الكماليات إلا أنه يطلبها ضمن الحد المعقول وليس تبعاً للترف والبطر والخيلاء. والناس في هذا العصر لم تعد تعرف الضروريات من الكماليات، لأسباب عدة أهمها:
ضعف النفس البشرية أمام مغريات الحياة العصرية.
شعور بعض الناس بالنقص أمام أقاربهم وجيرانهم، إذا لم يقتنوا أحدث التقنيات العصرية.
إغراق الأسواق بسلع مغرية شكلاً ومضموماً، وراحةً ورفاهية.


فكلما تطور العصر تقدمت التكنولوجيا، وزادت المنتجات والسلع المتطورة، وهذا شيء عظيم، ولكن أن تتحول هذه المستحدثات والاختراعات إلى سلاح تُقتل به الأسر وتدمر، فالأسرة غير المؤمنة ستعيش في صراع عصيب، فإما ستستدين لشراء كل جديد، أو ستضطر إلى هدم كيان هذه الأسرة بانفصال الزوجة عن الزوج. ويتحول البيت الإسلامي من بيت راحة وأمان إلى بيت جحيم وانتقام.


إن مجموع الحاجيات والتحسينيات ينتهض أن يكون كل واحد منهما كفرد من أفراد الضروريات، وذلك أن كمال الضروريات من حيث هي ضروريات إنما يحسن موقعه حيث يكون فيها على المكلف سعة وبسطة من غير تضييق ولا حرج، وحيث يبقى معها خصال معاني العادات ومكارم الأخلاق موفرة الفصول مكملة الأطراف؛ حتى يستحسن ذلك أهل العقول فإذا أخل بذلك لبس قسم الضروريات لبسة الحرج والعنت واتصف بضد ما يستحسن في العادات فصار الواجب الضروري متكلف العمل وغير صاف في النظر الذي وضعت عليه الشريعة وذلك ضد ما وضعت عليه .
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top