الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فالسلفية هي الإسلام والإسلام هو السلفية، والسلفية هي شرع ربنا جل وعلا وليس لها مشرع غير الله سبحانه وتعالى.
والله عز جل أمرنا بالتراحم فيما بيننا ورغب فيه بين عباده، ولهذا كان من أسماء الله عز وجل وصفاته الرحمن الرحيم.
الرحمن صفة واسعة لجميع الخلق، والرحيم صفة واصلة خاصة بعباده المؤمنين.
ومن رحمة الله عز وجل بنا أرسل لنا أرحم الخلق بالخلق نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال الله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء 107]. وقال: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة 128].
فكان النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرحمة المهداة.
وقد حث عليه الصلاة والسلام على الرحمة وأمر بها، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال وهو على المنبر: ((ارحموا ترحموا)).
أخرجه أحمد في ((المسند)) والبخاري في ((الأدب المفرد)) والطبراني في ((مسند الشاميين)) والبيهقي في ((الشعب)) وصححه الألباني.
فكان رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم مدرسة في الرحمة، فقد تعددت صور رحمته عليه الصلاة والسلام.
جاء في ((صحيح)) مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا)).
أخرجه الترمذي وأبو داود وأحمد والبخاري في ((الأدب المفرد)) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) والحميدي في ((المسند)) والحاكم في ((المستدرك)) والبيهقي في ((الشعب)) و ((معرفة السنن)) و ((الآداب)) و ((المدخل)) والخلال في ((السنة)) وابن أبي الدنيا في ((النفقة على العيال)) والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) وهناد في ((الزهد)) وصححه الألباني.
هذا من صور رحمته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالأطفال وحثه عليها، بل حث على رحمة جميع عباد الله عز وجل مؤمنهم وكافرهم، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس)) أخرجه البخاري وفي رواية لمسلم ((من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل)).
وكذلك من صور رحمته عليه الصلاة والسلام الرحمة بالحيوان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له)).
قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا.
فقال: ((نعم في كل ذات كبد رطبة أجر)). أخرجه البخاري.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال: ((من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال من حرق هذه قلنا نحن قال إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)). أخرجه أبى داود وصححه الإمام الألباني رحمه الله.
ومن هذه الصور المشرقة كان لأهل العلم النصيب الوافر؛ ولهذا قالوا: العلم رحم بين أهله، ولهذا تجد المحدثين أول حديث يرونه فيما بينهما، حديث المسلسل بالأولوية عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)).
أخرجه الترمذي واللفظ له وأبو داود وأحمد وابن أبي شيبة في ((المصنف)) والحميدي في ((المسند)) والحاكم في ((المستدرك)) والطبراني في ((الأوسط)) والبيهقي في ((الكبرى)) و ((الشعب)) وابن جرير في ((تهذيب الآثار)).
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني.
وعلى هذا درج السلفيون فكانوا من أرحم الخلق بالخلق لأنهم يقتدون بنبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال النضر بن شميل كما في ((سير أعلام النبلاء)): ما رأيت أرحم بمسكين من شعبة.
ومن هذه الرحمة الرد على المخالف، ومن صور الرحمة المتمثلة في الرد على أهل البدع والأهواء أن تحذر الناس من سلوك طريقهم لئلا يضلوا عن الصراط المستقيم وينحرفوا عن المنهج القويم، فيقعوا في شباكهم، وعلى هذا يستحقون العذاب.
ومن صور الرحمة المتمثلة في الرد على أهل البدع والأهواء أن تتألم لحالهم وتسعي جاهدا لأن تنتشلهم من مستنقع البدع والخرافات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتوى الحموية الكبرى)): ((ومن وجه آخر إذا نظرت إليهم بعين القدر والحيرة مستولية عليهم، والشيطان مستحوذ عليهم رحمتَهم ورفقتَ عليهم)) اهـ.
ويقول الإمام ابن باز رحمه الله في ((تعليقات على الفتوى الحموية)): ((ومن نظر إليهم بنظر ثان، وهو أنهم أصابتهم حيرة وشك وريبة، والتبست عليهم الأمور، من نظر إليهم بهذا النظر رحمتَهم، ورأى أن الواجب أن يعلموا وأن يوجهوا وأن يصبر عليهم لعلهم يهتدون، لعلهم يتبصرون.
وهذا الذي قاله الشيخ رحمه الله صحيح في حق من لم يعاند، أما من عاند وكابر ولم يقبل الهدى ولم يقبل التوجيه؛ فليس له إلا ما قال الشافعي رحمه الله، وما هو أشد منه من ضرب عنقه وإراحة العالم منه، أو تخليده في السجون حتى يستريح الناس من شره وبلائه)) اهـ.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((الكافية الشافية)):
فانظر بعين الحكم وارحمهم بها *** إذ لا ترد مشيئة الديان
ونظر بعين الأمر واحملهم على *** أحكامه فهما إذن نظران
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح الكافية الشافية)) (1/214-215): ((فحينئذ لنا نظران:
النظر الأول: أن تنظر إليهم بعين القدر، وهذا يقتضي الرحمة، والحنان عليهم، والتأوه لهم، وأن نحمد الله عز وجل أن عافانا مما ابتلاهم به، لأن هذا من أقدار الله عز وجل، فأنت إذ نظرت إلى هذا المخذول – والعياذ بالله – ترق له وتقول: هو مسكين، كيف صد عن الهدى، واتبع الهوى والردى؟!
النظر الثاني: بعين الشرع، فهذا النظر يجب أن تحملهم على الشرع، ولو بالضرب، ولو بالحبس، قال الله – تبارك وتعالى -{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ } [النور: 2].
فقال: { وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ }[النور: 2]، أما بعين القدر فارحمهم وتأوه لهم.
قال الشافعي – رحمه الله-: حكمي في أهل الكلام: أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال لهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على علم الكلام)) اهـ.
وأخرج العقيلي في ((الضعفاء)) عن أبي صالح الضراء قال: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئا من أمر الفتن. فقال: ذاك يشبه أستاذه يعنى الحسن بن حيي. قال: قلت ليوسف أما تخاف أن تكون هذه غيبة. فقال: لم يا أحمق أنا خير لهؤلاء من أمهاتهم وآبائهم أنا أنهي الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتبعتهم أوزارهم ومن أطراهم كان أضر عليهم.
حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلى ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين.
فعلى هذا تكون الشدة على أهل الأهواء والبدع من الرحمة بهم، فهذه منقبة من مناقب السلفيين، وفلا يكون نظرك قاصر فتتهم السلفيين بالشدة على إطلاقه.
وإلى من اشتط عن هذا الطريق المستقيم وخالف هدي النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الرحمة بعباد الله عز وجل، أذكره بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تنزع الرحمة إلا من شقي)).
أخرجه الترمذي وأبو داود وأحمد في ((المسند)) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) والبخاري في ((الأدب المفرد)) وابن حبان في ((صحيحه)) والطيالسي في ((المسند)) وأبو يعلي في ((المسند)) والحاكم في ((المستدرك)) والطبراني في ((الأوسط)) والبيهقي في ((الكبرى)) و ((الشعب)) وابن جرير في ((تهذيب الآثار)).
قال الترمذي: هذا حديث حسن، وحسنه الألباني.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الثلاثاء 11 ذي الحجة سنة 1437 هـ
الموافق لـ: 13 سبتمبر سنة 2016 م
أما بعد:
فالسلفية هي الإسلام والإسلام هو السلفية، والسلفية هي شرع ربنا جل وعلا وليس لها مشرع غير الله سبحانه وتعالى.
والله عز جل أمرنا بالتراحم فيما بيننا ورغب فيه بين عباده، ولهذا كان من أسماء الله عز وجل وصفاته الرحمن الرحيم.
الرحمن صفة واسعة لجميع الخلق، والرحيم صفة واصلة خاصة بعباده المؤمنين.
ومن رحمة الله عز وجل بنا أرسل لنا أرحم الخلق بالخلق نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال الله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء 107]. وقال: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة 128].
فكان النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرحمة المهداة.
وقد حث عليه الصلاة والسلام على الرحمة وأمر بها، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال وهو على المنبر: ((ارحموا ترحموا)).
أخرجه أحمد في ((المسند)) والبخاري في ((الأدب المفرد)) والطبراني في ((مسند الشاميين)) والبيهقي في ((الشعب)) وصححه الألباني.
فكان رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم مدرسة في الرحمة، فقد تعددت صور رحمته عليه الصلاة والسلام.
جاء في ((صحيح)) مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا)).
أخرجه الترمذي وأبو داود وأحمد والبخاري في ((الأدب المفرد)) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) والحميدي في ((المسند)) والحاكم في ((المستدرك)) والبيهقي في ((الشعب)) و ((معرفة السنن)) و ((الآداب)) و ((المدخل)) والخلال في ((السنة)) وابن أبي الدنيا في ((النفقة على العيال)) والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) وهناد في ((الزهد)) وصححه الألباني.
هذا من صور رحمته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالأطفال وحثه عليها، بل حث على رحمة جميع عباد الله عز وجل مؤمنهم وكافرهم، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس)) أخرجه البخاري وفي رواية لمسلم ((من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل)).
وكذلك من صور رحمته عليه الصلاة والسلام الرحمة بالحيوان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له)).
قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا.
فقال: ((نعم في كل ذات كبد رطبة أجر)). أخرجه البخاري.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال: ((من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال من حرق هذه قلنا نحن قال إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)). أخرجه أبى داود وصححه الإمام الألباني رحمه الله.
ومن هذه الصور المشرقة كان لأهل العلم النصيب الوافر؛ ولهذا قالوا: العلم رحم بين أهله، ولهذا تجد المحدثين أول حديث يرونه فيما بينهما، حديث المسلسل بالأولوية عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)).
أخرجه الترمذي واللفظ له وأبو داود وأحمد وابن أبي شيبة في ((المصنف)) والحميدي في ((المسند)) والحاكم في ((المستدرك)) والطبراني في ((الأوسط)) والبيهقي في ((الكبرى)) و ((الشعب)) وابن جرير في ((تهذيب الآثار)).
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني.
وعلى هذا درج السلفيون فكانوا من أرحم الخلق بالخلق لأنهم يقتدون بنبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال النضر بن شميل كما في ((سير أعلام النبلاء)): ما رأيت أرحم بمسكين من شعبة.
ومن هذه الرحمة الرد على المخالف، ومن صور الرحمة المتمثلة في الرد على أهل البدع والأهواء أن تحذر الناس من سلوك طريقهم لئلا يضلوا عن الصراط المستقيم وينحرفوا عن المنهج القويم، فيقعوا في شباكهم، وعلى هذا يستحقون العذاب.
ومن صور الرحمة المتمثلة في الرد على أهل البدع والأهواء أن تتألم لحالهم وتسعي جاهدا لأن تنتشلهم من مستنقع البدع والخرافات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتوى الحموية الكبرى)): ((ومن وجه آخر إذا نظرت إليهم بعين القدر والحيرة مستولية عليهم، والشيطان مستحوذ عليهم رحمتَهم ورفقتَ عليهم)) اهـ.
ويقول الإمام ابن باز رحمه الله في ((تعليقات على الفتوى الحموية)): ((ومن نظر إليهم بنظر ثان، وهو أنهم أصابتهم حيرة وشك وريبة، والتبست عليهم الأمور، من نظر إليهم بهذا النظر رحمتَهم، ورأى أن الواجب أن يعلموا وأن يوجهوا وأن يصبر عليهم لعلهم يهتدون، لعلهم يتبصرون.
وهذا الذي قاله الشيخ رحمه الله صحيح في حق من لم يعاند، أما من عاند وكابر ولم يقبل الهدى ولم يقبل التوجيه؛ فليس له إلا ما قال الشافعي رحمه الله، وما هو أشد منه من ضرب عنقه وإراحة العالم منه، أو تخليده في السجون حتى يستريح الناس من شره وبلائه)) اهـ.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((الكافية الشافية)):
فانظر بعين الحكم وارحمهم بها *** إذ لا ترد مشيئة الديان
ونظر بعين الأمر واحملهم على *** أحكامه فهما إذن نظران
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح الكافية الشافية)) (1/214-215): ((فحينئذ لنا نظران:
النظر الأول: أن تنظر إليهم بعين القدر، وهذا يقتضي الرحمة، والحنان عليهم، والتأوه لهم، وأن نحمد الله عز وجل أن عافانا مما ابتلاهم به، لأن هذا من أقدار الله عز وجل، فأنت إذ نظرت إلى هذا المخذول – والعياذ بالله – ترق له وتقول: هو مسكين، كيف صد عن الهدى، واتبع الهوى والردى؟!
النظر الثاني: بعين الشرع، فهذا النظر يجب أن تحملهم على الشرع، ولو بالضرب، ولو بالحبس، قال الله – تبارك وتعالى -{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ } [النور: 2].
فقال: { وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ }[النور: 2]، أما بعين القدر فارحمهم وتأوه لهم.
قال الشافعي – رحمه الله-: حكمي في أهل الكلام: أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال لهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على علم الكلام)) اهـ.
وأخرج العقيلي في ((الضعفاء)) عن أبي صالح الضراء قال: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئا من أمر الفتن. فقال: ذاك يشبه أستاذه يعنى الحسن بن حيي. قال: قلت ليوسف أما تخاف أن تكون هذه غيبة. فقال: لم يا أحمق أنا خير لهؤلاء من أمهاتهم وآبائهم أنا أنهي الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتبعتهم أوزارهم ومن أطراهم كان أضر عليهم.
حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلى ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين.
فعلى هذا تكون الشدة على أهل الأهواء والبدع من الرحمة بهم، فهذه منقبة من مناقب السلفيين، وفلا يكون نظرك قاصر فتتهم السلفيين بالشدة على إطلاقه.
وإلى من اشتط عن هذا الطريق المستقيم وخالف هدي النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الرحمة بعباد الله عز وجل، أذكره بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تنزع الرحمة إلا من شقي)).
أخرجه الترمذي وأبو داود وأحمد في ((المسند)) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) والبخاري في ((الأدب المفرد)) وابن حبان في ((صحيحه)) والطيالسي في ((المسند)) وأبو يعلي في ((المسند)) والحاكم في ((المستدرك)) والطبراني في ((الأوسط)) والبيهقي في ((الكبرى)) و ((الشعب)) وابن جرير في ((تهذيب الآثار)).
قال الترمذي: هذا حديث حسن، وحسنه الألباني.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الثلاثاء 11 ذي الحجة سنة 1437 هـ
الموافق لـ: 13 سبتمبر سنة 2016 م