- إنضم
- 31 مارس 2016
- المشاركات
- 3,043
- نقاط التفاعل
- 4,564
- النقاط
- 191
الفتوى رقم: ٦٧٩
الصنف: فتاوى الصلاة - صلاة الجماعة
في حكم إنشاءِ صفٍّ وراء صفٍّ مقطوع
السؤال:
مَن دَخَلَ المسجدَ مسبوقًا فوَجَدَ أصحابَ الصَّفِّ الأخير يُصلُّون بين السواري ـ وفي المسجد مُتَّسَعٌ ـ فهل يدخل معهم أو يُنْشِئُ صفًّا جديدًا فيُصَلِّي مُنْفرِدًا؟ وبارك اللهُ فيكم.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقَدْ وَرَدَ النهيُ عن إقامةِ الصفِّ بين السواري، فعن قُرَّةَ بنِ إياسٍ رضي الله عنهما قال: «كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا»(١).
وعِلَّةُ النهيِ الانقطاعُ؛ فإذا لم يَكُنِ الصفُّ مقطوعًا كالذي يكون بين السَّارِيَتَيْنِ لم يُكْرَه، وكذلك وقوفُ الإمامِ بين ساريتين لا يَضُرُّ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم صَلَّى في الكعبة بين سواريها(٢).
وهذا النهيُ إنما يتعلَّق بما إذا كان في المسجد سَعَةٌ؛ فإِنْ ضاقَ بأهله ولم يجدوا مكانًا إِلَّا بين السواري فلا بأسَ بالصلاة فيه جَرْيًا على قاعدةِ: «إِذَا ضَاقَ الأَمْرُ اتَّسَعَ»، و«المَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ»، وقد نَقَلَ ابنُ العربيِّ المالكيُّ ـ رحمه الله ـ عَدَمَ اختلافِ العلماءِ في جوازه عند الضيق(٣).
غير أنَّ أفضليةَ الصفِّ غيرِ المقطوعِ تبقى قائمةً ولو ضاقَ المسجدُ؛ لأنَّ «الجَوَازَ لَا يُنَافِي الأَفْضَلِيَّةَ».
وعليه، فَإِنْ رأى المسبوقُ ـ في مسجدٍ واسعٍ ـ الصفَّ مُنْقَطِعًا وأمكن إحداثُ صفٍّ آخَرَ بمَن معه أو عَلِم أنَّ المسبوقين مثلَه يلتحقون بصفِّه جاز له ذلك اتِّقاءً للنهي واستبراءً لدينه.
أمَّا إذا غَلَبَ على ظَنِّه أنه سيُصَلِّي خَلْفَ الصفِّ المقطَّعِ لوحده بحيث لا يصطفُّ غيرُه معه وخاصَّةً عند انتهاءِ صلاةِ الإمام فعليه أن يعدل عنه لحديثِ عليِّ بنِ شيبان رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم رأى رجلًا صَلَّى وَحْدَه خَلْفَ الصَّفِّ فقال له: «أَعِدْ صَلَاتَكَ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ»(٤)، ويَلْزَمه الالتحاقُ بالصفِّ المقطَّع اضطرارًا لصحَّةِ صلاةِ غيرِ المُنْفَرِدِ ولو مع قَطْعِ الصفِّ دون المُنْفَرِد عملًا بأَهْوَنِ الضَّررَيْنِ وأخفِّ المفسدتين.
وجزاءُ النهي يترتَّب على المتسبِّب في قَطْعِ الصفوف لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللهُ»(٥).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
(١) أخرجه ابنُ ماجه في «إقامة الصلاة والسنَّة فيها» بابُ الصلاة بين السواري في الصفِّ (١٠٠٢) مِن حديث قُرَّةَ بنِ إياسٍ المُزَنيِّ رضي الله عنهما. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١/ ٦٥٥) رقم: (٣٣٥).
(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» بابُ الصلاة بين السواري في غيرِ جماعةٍ (٥٠٤)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٢٩)، مِن حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(٣) «عارضة الأحوذي» لابن العربي (٢/ ٢٨).
(٤) أخرجه ابنُ ماجه في «إقامة الصلاة» بابُ صلاة الرجل خَلْفَ الصفِّ وحده (١٠٠٣)، وابنُ حبَّان في «صحيحه» (٢٢٠٣) واللفظُ له، مِن حديث عليِّ بنِ شيبان بنِ مُحْرِزٍ الحَنَفيِّ اليماميِّ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه ابنُ كثيرٍ في «إرشاد الفقيه» (١/ ١٧٦)، وصحَّحه ابنُ القيِّم في «إعلام الموقِّعين» (٢/ ٢٥٩)، والألبانيُّ في «التعليقات الحسان» (٢٢٠٠).
(٥) أخرجه أبو داود في «الصلاة» بابُ تسوية الصفوف (٦٦٦)، والنسائيُّ في «الإمامة» بابُ مَن وَصَلَ صفًّا (٨١٩)، مِن حديث عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه النوويُّ في «الخلاصة» (٢/ ٧٠٧)، وأحمد شاكر في تحقيقه ﻟ: «مسند أحمد» (٨/ ٨٢)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (١١٨٧).
فتاوى الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس -حفظه الله-
الصنف: فتاوى الصلاة - صلاة الجماعة
في حكم إنشاءِ صفٍّ وراء صفٍّ مقطوع
السؤال:
مَن دَخَلَ المسجدَ مسبوقًا فوَجَدَ أصحابَ الصَّفِّ الأخير يُصلُّون بين السواري ـ وفي المسجد مُتَّسَعٌ ـ فهل يدخل معهم أو يُنْشِئُ صفًّا جديدًا فيُصَلِّي مُنْفرِدًا؟ وبارك اللهُ فيكم.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقَدْ وَرَدَ النهيُ عن إقامةِ الصفِّ بين السواري، فعن قُرَّةَ بنِ إياسٍ رضي الله عنهما قال: «كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا»(١).
وعِلَّةُ النهيِ الانقطاعُ؛ فإذا لم يَكُنِ الصفُّ مقطوعًا كالذي يكون بين السَّارِيَتَيْنِ لم يُكْرَه، وكذلك وقوفُ الإمامِ بين ساريتين لا يَضُرُّ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم صَلَّى في الكعبة بين سواريها(٢).
وهذا النهيُ إنما يتعلَّق بما إذا كان في المسجد سَعَةٌ؛ فإِنْ ضاقَ بأهله ولم يجدوا مكانًا إِلَّا بين السواري فلا بأسَ بالصلاة فيه جَرْيًا على قاعدةِ: «إِذَا ضَاقَ الأَمْرُ اتَّسَعَ»، و«المَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ»، وقد نَقَلَ ابنُ العربيِّ المالكيُّ ـ رحمه الله ـ عَدَمَ اختلافِ العلماءِ في جوازه عند الضيق(٣).
غير أنَّ أفضليةَ الصفِّ غيرِ المقطوعِ تبقى قائمةً ولو ضاقَ المسجدُ؛ لأنَّ «الجَوَازَ لَا يُنَافِي الأَفْضَلِيَّةَ».
وعليه، فَإِنْ رأى المسبوقُ ـ في مسجدٍ واسعٍ ـ الصفَّ مُنْقَطِعًا وأمكن إحداثُ صفٍّ آخَرَ بمَن معه أو عَلِم أنَّ المسبوقين مثلَه يلتحقون بصفِّه جاز له ذلك اتِّقاءً للنهي واستبراءً لدينه.
أمَّا إذا غَلَبَ على ظَنِّه أنه سيُصَلِّي خَلْفَ الصفِّ المقطَّعِ لوحده بحيث لا يصطفُّ غيرُه معه وخاصَّةً عند انتهاءِ صلاةِ الإمام فعليه أن يعدل عنه لحديثِ عليِّ بنِ شيبان رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم رأى رجلًا صَلَّى وَحْدَه خَلْفَ الصَّفِّ فقال له: «أَعِدْ صَلَاتَكَ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ»(٤)، ويَلْزَمه الالتحاقُ بالصفِّ المقطَّع اضطرارًا لصحَّةِ صلاةِ غيرِ المُنْفَرِدِ ولو مع قَطْعِ الصفِّ دون المُنْفَرِد عملًا بأَهْوَنِ الضَّررَيْنِ وأخفِّ المفسدتين.
وجزاءُ النهي يترتَّب على المتسبِّب في قَطْعِ الصفوف لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللهُ»(٥).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
(١) أخرجه ابنُ ماجه في «إقامة الصلاة والسنَّة فيها» بابُ الصلاة بين السواري في الصفِّ (١٠٠٢) مِن حديث قُرَّةَ بنِ إياسٍ المُزَنيِّ رضي الله عنهما. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١/ ٦٥٥) رقم: (٣٣٥).
(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» بابُ الصلاة بين السواري في غيرِ جماعةٍ (٥٠٤)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٢٩)، مِن حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(٣) «عارضة الأحوذي» لابن العربي (٢/ ٢٨).
(٤) أخرجه ابنُ ماجه في «إقامة الصلاة» بابُ صلاة الرجل خَلْفَ الصفِّ وحده (١٠٠٣)، وابنُ حبَّان في «صحيحه» (٢٢٠٣) واللفظُ له، مِن حديث عليِّ بنِ شيبان بنِ مُحْرِزٍ الحَنَفيِّ اليماميِّ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه ابنُ كثيرٍ في «إرشاد الفقيه» (١/ ١٧٦)، وصحَّحه ابنُ القيِّم في «إعلام الموقِّعين» (٢/ ٢٥٩)، والألبانيُّ في «التعليقات الحسان» (٢٢٠٠).
(٥) أخرجه أبو داود في «الصلاة» بابُ تسوية الصفوف (٦٦٦)، والنسائيُّ في «الإمامة» بابُ مَن وَصَلَ صفًّا (٨١٩)، مِن حديث عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه النوويُّ في «الخلاصة» (٢/ ٧٠٧)، وأحمد شاكر في تحقيقه ﻟ: «مسند أحمد» (٨/ ٨٢)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (١١٨٧).
فتاوى الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس -حفظه الله-