■ قلَّ الواعظون والساعون لله عزَّ وجلَّ بالنَّصِيحَة في الأرض
☆ قال الشيخ عز الدين رمضاني حفظه الله:
وممَّا يبيِّن أنَّ النَّصيحة من مهمَّات الأمور، وسوابق الفروض أنَّ الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ عقدوا البيعة لأجلها، وتعهَّدوا أمام النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بذلها مقرونة مع أعظم شعائر الدِّين وخصال الإسلام وهما إقامة الصَّلاة وإيتاء الزَّكاة، ففي «الصَّحيحين» عن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: «بايعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على إقام الصَّلاة وإيتاء الزَّكاة، والنُّصح لكلِّ مسلم»(3).
وفي بعض روايات الحديث: «بايعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فشَرط عليَّ: والنُّصح لكلِّ مسلم»(4).
وهذا يدلُّ على كمال شفقته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمَّته حيث لم يستثن أحدًا ولو كان فاسقًا، ولنا أن ننظر إلى سمت هذا الصحابي الجليل، كيف تشبث بهذا العهد إلى أمد طويل، فإنَّه من حين أخذه البيعة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بذل النُّصح لكلِّ مسلم، لم يدع وقتًا يمرُّ عليه، أو فرصة سانحة تساق إليه إلاَّ وبذل لهم نصحه، وأسبل عليهم عطفه، إمَّا فعلاً هاديًا، وإمَّا قولاً مواتيًا، أمَّا الفعل فقد روى ابن حبَّان (4616) بإسناد صحيح أنَّ جريرًا ـ رضي الله عنه ـ «كان إذا اشترى شيئًا أو باعه يقول لصاحبه: اعلم أنَّ ما أخذنا منك أحبُّ إلينا ممَّا أعطيناكه؛ فاختر».
وروى الطَّبراني في «الكبير» (2/235) في ترجمته أنَّ غلامه اشترى له فرسًا بثلاثمائة درهم، فلمَّا رآه جاء إلى صاحبه فقال: إنَّ فرسك خير من ثلاثمائة، فلم يزل يزيده حتَّى أعطاه سبعمائة درهم أو ثمانمائة».
فهذا هو النُّصح المنافي للغبن، والصِّدق المنافي للغشِّ، فأين هذا من غدر بعض الباعة بزبائنهم، يكتمون عنهم عيوب السِّلع ثمَّ يتحدَّثون بعد ذلك فخرًا وسخريَّة أنَّهم استغفلوهم وغرَّرُوا بهم.
وأمَّا القول؛ فقد أخرج البخاري في «صحيحه» من كتاب الإيمان (58) أنَّه يوم مات المغيرة ابن شعبة ـ رضي الله عنه ـ ـ وكان واليًا على الكوفة في خلافة معاوية ـ رضي الله عنه ـ ـ قام جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ فحمد الله وأثنى عليه وقال: «عليكم باتِّقاء الله وحده لا شريك له، والوقار والسَّكينة، حتَّى يأتيكم أمير، فإنَّما يأتيكم الآن».
ثمَّ قال: «استعفوا لأميركم، فإنَّه كان يحبُّ العفو، ثمَّ قال: أمَّا بعد: فإنِّي أتيت النَّبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قلت: أبايعك على الإسلام فشرط عليّ: والنُّصح لكلِّ مسلم، فبايعته على هذا، وربِّ هذا المسجد إنِّي لناصح لكم، ثمَّ استغفر ونزل».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) البخاري (57)، ومسلم (58).
(4) البخاري (58).
[فقه النصيحة عند الصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ (راية الإصلاح)]
☆ قال الشيخ عز الدين رمضاني حفظه الله:
وممَّا يبيِّن أنَّ النَّصيحة من مهمَّات الأمور، وسوابق الفروض أنَّ الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ عقدوا البيعة لأجلها، وتعهَّدوا أمام النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بذلها مقرونة مع أعظم شعائر الدِّين وخصال الإسلام وهما إقامة الصَّلاة وإيتاء الزَّكاة، ففي «الصَّحيحين» عن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: «بايعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على إقام الصَّلاة وإيتاء الزَّكاة، والنُّصح لكلِّ مسلم»(3).
وفي بعض روايات الحديث: «بايعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فشَرط عليَّ: والنُّصح لكلِّ مسلم»(4).
وهذا يدلُّ على كمال شفقته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمَّته حيث لم يستثن أحدًا ولو كان فاسقًا، ولنا أن ننظر إلى سمت هذا الصحابي الجليل، كيف تشبث بهذا العهد إلى أمد طويل، فإنَّه من حين أخذه البيعة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بذل النُّصح لكلِّ مسلم، لم يدع وقتًا يمرُّ عليه، أو فرصة سانحة تساق إليه إلاَّ وبذل لهم نصحه، وأسبل عليهم عطفه، إمَّا فعلاً هاديًا، وإمَّا قولاً مواتيًا، أمَّا الفعل فقد روى ابن حبَّان (4616) بإسناد صحيح أنَّ جريرًا ـ رضي الله عنه ـ «كان إذا اشترى شيئًا أو باعه يقول لصاحبه: اعلم أنَّ ما أخذنا منك أحبُّ إلينا ممَّا أعطيناكه؛ فاختر».
وروى الطَّبراني في «الكبير» (2/235) في ترجمته أنَّ غلامه اشترى له فرسًا بثلاثمائة درهم، فلمَّا رآه جاء إلى صاحبه فقال: إنَّ فرسك خير من ثلاثمائة، فلم يزل يزيده حتَّى أعطاه سبعمائة درهم أو ثمانمائة».
فهذا هو النُّصح المنافي للغبن، والصِّدق المنافي للغشِّ، فأين هذا من غدر بعض الباعة بزبائنهم، يكتمون عنهم عيوب السِّلع ثمَّ يتحدَّثون بعد ذلك فخرًا وسخريَّة أنَّهم استغفلوهم وغرَّرُوا بهم.
وأمَّا القول؛ فقد أخرج البخاري في «صحيحه» من كتاب الإيمان (58) أنَّه يوم مات المغيرة ابن شعبة ـ رضي الله عنه ـ ـ وكان واليًا على الكوفة في خلافة معاوية ـ رضي الله عنه ـ ـ قام جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ فحمد الله وأثنى عليه وقال: «عليكم باتِّقاء الله وحده لا شريك له، والوقار والسَّكينة، حتَّى يأتيكم أمير، فإنَّما يأتيكم الآن».
ثمَّ قال: «استعفوا لأميركم، فإنَّه كان يحبُّ العفو، ثمَّ قال: أمَّا بعد: فإنِّي أتيت النَّبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قلت: أبايعك على الإسلام فشرط عليّ: والنُّصح لكلِّ مسلم، فبايعته على هذا، وربِّ هذا المسجد إنِّي لناصح لكم، ثمَّ استغفر ونزل».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) البخاري (57)، ومسلم (58).
(4) البخاري (58).
[فقه النصيحة عند الصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ (راية الإصلاح)]