- إنضم
- 9 سبتمبر 2008
- المشاركات
- 3,579
- نقاط التفاعل
- 580
- النقاط
- 171
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
السؤال وجه للشيخ محمد بن هادي عضو هيئةالتدريس بكلية الحديث الشريف والدراسات الاسلامية. والحاصل على الدكتوراه في عام 1427 هـ، مع مرتبةالشرف الأولى وهو تلميذ الشيخ ابن باز رحمه الله
السؤال:هذا يسأل عن الفرق بين الغيبة والجرح والتعديل؟
الجواب:والفرق بينهما أوضح من الشمس في كبد الظهيرة، ليس بينه وبينها سحاب، فالغيبة حدَّها النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم – بقوله: ((ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ))، بما يكره، فقال له السائل: ((وَإِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ)) هذه هي الغيبة، ((وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)) بهتان،كذب، وسُمِّيت الغيبة غيبة لأنك تذكره بالذي يكرهه في حال غَيْبَتِهِ، فأنتَ تغتابه، فسُمِّيَت الصورة هذه غيبة، والجرح والتعديل صورةٌ من صور الغيبة، لكن هل هو من المحرم أو من الجائز؟
يشمله لفظ الغيبة، لكن هل هذه الغيبة مُحَرَّمة أو جائزة؟ فأنا أسأل ابني السائل؛ لو أنك أردت أن تشترك مع شخصٍ آخر في تجارة، وأنا أعرف هذا الشخص أنه خائن، أو سارق، أو كذاب، أو مُتحايل، ونحو ذلك؛ فجئت تستشيرني وتستنصحني، أفلا يجب عليَّ أن أنصح لك بما يحفظ مالك؟ أليس هذا ممَّا يجب؟ أليس كذلك؟ فإذا كان هذا في الدينار والدرهم؛ يجب لك عليَّ أن أنصحك حتى لا يغشّك هذا، فتحفظ دينارك ودرهمك، فكيف بدينك؟ من باب أولى.
إذا جئتني تسألني عن شابٍّ تقدم لخطبة ابنتك أو أختك، يريد الزواج، فجئت تسألني عنه، وأنا أعلم أنه غير مستقيم، أليس من الواجب عليَّ أن أنصح لك؟ بنصِّ حديث رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – الذي قال فيه: ((وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ))، هذا من حق المسلم على المسلم، فإذا كان هذا في مسألة الزواج فكيف بالدين؟ من باب أولى.
فهكذا؛ هذه الأمور مستثناة يا ولدي، نعم هي غيبة صورتها، لكنها استثناها الشارع – صلَّى الله عليه وسلَّم – من هذا ومن ذلك قوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – للرجل الذي استأذنه: ((بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ)) ذَمَّهُ، فإنَّ بِئْسَ فعلٌ للذم، كما أنَّ نِعْمَ للمدح، ثم قال: ائذنوا له فدخل عليه، الشاهد: أنه يجوز لكَ أن تذكر الإنسان جرحًا وتعديلًا في حال غيبته بما يكرهه لأجل حفظ الدِّين، فحينما يُتَكَّلم ويُقال: فلان كذَّاب؛ لا تُؤخذ روايته، فلان وضَّاع؛ لا تؤخذ روايته، فلانٌ مختلط ولم يُعرف ولم يُتَبَيَّن اختلاطه من روى عنه قبل، ومن روى عنه بعد؛ فيُتَقَّى حديثه فيأتي ما يشهد له أو ما يتابعه.
فلان ثقة فلانٌ صدق، فلان صدوقٌ سيّء الحفظ، فلان ثقة قدري، فلان ثقة مرجئ، فلان صدوق خارجي، وهكذا، ذكرته في رتبته في الوثاق، وبَيَّنت ثُمَّ ذكرت ما عنده من النِّحلة المنحرفة، ما قيمة هذه الإضافة؟ قيمتها أنَّنا ننظر إذا رَوَى ما يُؤيِّد بدعته نتوقف فيه، وإذا لم يروِ ما يؤيد بدعته نقبله، وأما ما يؤيِّد البدعة فنتوقف فيه حتى يأتي الشاهد له، سواءً شاهد من طريق صحابي آخر، أو مُتابع يتابعه في هذه الرواية؛ هذا ما يتعلق بالرواية.
بَقِيَ ما يتعلَّق بالدِّيانة؛ هذا باقٍ إلى يوم القيامة، وهو التحذير من أهل الأهواء والبدع لئلَّا يُركن إليهم، ولِئلَّا ينخدع بهم فيُجالسوا فيَعْدُو ذلك المُجالس ببدعتهم، وعلى هذا جرى السلف – رحمهم الله -؛ “رأيتك تماشي طلقًا”، قال: نعم، قال: “لا تماشيه فإنه مرجئ” وهكذا وقد قام على هذا إجماع السلف.
وأنصح ابني السائل هذا السؤال أن يرجع إلى أشهر كتاب بين أيدينا رياض الصالحين في كلِّ مسجد، إذا ما كان في بيتك أو مكتبتك فادخل أي مسجد تجد فيه رياض الصالحين، افتح كتاب الأمور المنهيِّ عنها، بابُ ما يُنهى عنه من الغيبة، ثُمَّ بعده يأتي باب ما يُباح من الغيبة، فقوله: ما يُباح يدل على أن الأصل الحذر، لكن هنا أُبيح لسببٍ، أو لعلةٍ أوجبت ذلك، فهنا حفظ الدين، فأنت لم تطعن في هذا لأجل شيء بينك وبينه، وإنَّما من أجل ما عنده من انحرافٍ في الاعتقاد والمسلك فيحذره الناس، لابد من ذكر هؤلاء بما فيهم وإلَّا فمتى يحذرهم الناس، نسأل الله – سبحانه وتعالى- أن يوفقنا وإياك، ولو كان الرياض موجودا هنا نقرأ عليكم منه، فإذا كان عندك وقت فأنت ترجع إليه، وتجد إن شاء الله تعالى، فيه بإذن الله مبينة والذين ينكرون هذا إنما يريدون أن يطمسوا هذا الحق والله – سبحانه وتعالى – مُظْهِرٌ الحق على رغم أنف كُلِّ من خالف في ذلك، أو جَحَدَ فيه أو حاول أن يُغَطِّيه فإن هذا لا يُجْدِيهِ نفعًا بإذن الله.
هذا الكتاب وصل، كتاب الأمورِ المنهيِّ عنها، صفحة مائتين وأربع وخمسين من هذه النسخة، أول بابٍ في هذا الكتاب باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان، ثلاثمائة وأربع وخمسون أنا سأقرأ عليكم، الفيصل بيننا وبين هؤلاء؛ الكتب التي ألَّفها العلماء قبل أن تأتي البدع الجديدة وبدع التحزب.
باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان وهذا أمر متَّفق عليه، لا ينكرهُ إلَّا جاهلٌ أو كذاب، قال تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ هذا نهيٌ للتحريم، ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾، ثُمَّ ذكر المصنف -رحمه الله- الحافظ النووي قال: اعلم أنه ينبغي لكلِّ مكلَّفٍ أن يحفظ لسانهُ عن جميع الكلامِ، إلَّا كلامًا ظهرت فيه المصلحة.
أين مثل هذه التقييدات اليوم؟ هذا مشطوبٌ عليه، إلَّا كلام ظهرت فيه المصلحة ما يذكر، بس ينبغي أن يحفظ لسانهُ عن جميع الكلام، هذا ما هو صحيح، لكن العلماء إلَّا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلامُ وتركه في المصلحة، فالسنةُ الإمساك، لأنه قد ينجرُ الكلام المباح إلى حرامٍ أو مكروه، إلى غيرِ ذلك.
ثم ذكر الأحاديث التي وردت في النهي عن الغيبة، والأمر بالصمت، أو قول الخير.
ثم انتقل بعد ذلك، بعد أن أُمرنا بأن نمسك ألسنتنا إلَّا عن ما فيه مصلحة، انتقل بعد ذلك إلى بابٍ آخر، وله علاقةٌ وثيقةٌ به، وهو: تحريمُ سماع الغيبة، يعني إذا وجدنا إنسان يتكلم ويغتابُ بما لا حاجةَ إليه، ولا مصلحة فيه، يجب أن نزجره، فالأعراض مصونة، أعراض المسلمين ما يتكلم فيها مطلقًا، يتكلم فيها للحاجة، وبقدر، وفي حدٍ مباح الذي يجوز.
فقال باب: تحريم سماع الغيبةِ، وأمر من سمع غيبةً محرمةً، فانظروا إلى قوله، ما قال من سمعَ غيبة أن يردها، قال غيبةً محرمة، هناك غيبة جائزة ستأتي معنا، هذا إطلاق أهل العلم، أمَّا أهل الأهواء اليوم والحزبيون ما يريدون مثل هذه الكلمات المقيّدة، يريدون أن يُطلق ويمشي، لأنه يريد أن يُغَطِّي الحقَ،
وهيهات دون ذلك خَرْطُ القتادِ فكُتب العلماء لهم بالمرصاد
قال: باب ُتحريم سماع الغيبةِ، هذا أولًا: يحرم علينا أن نستمع من يغتاب، متى؟ في الغيبةِ المحرمة التي لا سبب يبيحها، ما في سبب شرعي يبيحها إلَّا التفكه بأكل أعراض الناس في المجالس؛ هذا لا يجوز لنا أن نستمع، ولا يجوز لنا أن نسكت، نُنكر عليه، والإنكار على قائلها، فإذا لم يستطع يُنكر ويرد، فإن عجز، أو لم يُقْبَل منه فارق ذلك المجلس؛ أيضًا إن أمكنهُ.
انظر إلى هذه التقيدات، إذا عجز، ما يستطيع خاف مثلًا، ضَعُف، أو أنهُ لا يُقبل منهُ، يتكلم في ناس أكبر منه، الناس ما تستمع إليه، فحينئذٍ يجب عليه يفارق المجلس، في الغيبة المُحَرَّمة؛ يُفارق المجلس إذا أمكنهُ، إذا ما أمكنه الله يعذره، كأن يكون في مجلسٍ ظالم، كأن يكون في مجلس باغية، طاغية، ربما يفتك بهِ، ما أعجبك كلامنا، هاتوه اضربوه، لا، فإذا كان مثل هذا فعليه أن يتقيّ الله – سبحانه وتعالى-، والله يعذرهُ.
انتهينا الآن؟ الغيبة محرمة.
أنها ليست محرمة إذا كانت شرعية، ويحرم سماعها إذا لم تكن شرعية.
وقال: باب تحريم سماع الغيب، فلا نستمعها إذا تكلم غيرنا، يحرم علينا أن نغتاب، ويحرم علينا في الباب الثاني أن نسمع الغيبة المُحَرَّمة، يجب علينا الإنكار، ويجب علينا المفارقة إذا قَدِرنا.
الباب الثالث: بابُ بيان ما يباح من الغيبة.
هل الحزبيين اليوم يذكرون هذا؟
هذا الباب محذوف تمامًا عندهم، وسنصكُّ به مسامعهم ما بقيَ كلام رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم – بيننا، ولتُخرق هذه المسامع.
قال: “اعلم أن الغيبة تُباحُ لغرضٍ صحيحٍ شرعيٍّ لا يمكن الوصول إليه إلا بها“.
هذا هو الضابط، هذا هو الشرط.
لا يمكن الوصول إلى هذا الغرض الشرعي إلا بأن نغتاب.
ثم بعد أن ذكر الضابط،
أولًا: احفظوا عني؛ اعلم أنَّ الغيبة تُباح لغرضٍ صحيحٍ شرعيٍ، فالأصلُ فيها الحظر، وتأتي الإباحة للغرض الصحيح الشرعي، والضابط فيها؛ ألَّا يتمكن من الوصول إلى هذا الغرض الشرعي الصحيح إلَّا بها، كالطعن في الشهود، كالنصحية ممَّن يراد أن يصاهرك، والتحذير والنصيحة لك ممن يريد أن يشاركك في تجارة، كما ذكرنا في الأمثلة السابقة.
قال: وهو ستةُ أبوابٍ، يعني ما يُباح الغيبة فيه، خمسة والسادس.
الأول: التظلم: فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطان، والقاضي، وغيرهما ممن له ولاية أو قُدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر وردّ العاصي إلى الصواب؛ فيقول لمن يرجو قدرته مثل الهيئات؛ يذهب إليهم، ويقول -لهم في إزالة المنكر-: فلان يعمل كذا، فلان يعمل كذا من المنكرات، فازجره عنه ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصّل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حرامًا، هذا حقّ.
الثالث: الاستفتاء: يأتي يستفتي، يقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه وتحصيل حقي ودفع الظلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط، والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص أو زوجٍ كان من أمره كذا وكذا إلى آخره، ومع ذلك فالتعيين، يعني أن تقول فلان، جائز كما سنذكره في حديث هندٍ – إن شاء الله تعالى-.
الرابع: تحذير المسلمين من الشرِّ ونصيحتهم، فنصيحة معطوف على تحذير، تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم. هذا الرابع.
وذلك من وجوه، هذا الرابع تحته وجوه – صور- منها:
– جرح المجروحين من الرواة والشهود: رواة الآثار والأخبار عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم – كما قلنا لكم قبل قليل: صدوق يُخطي، وصدوق مُرجي، وثقة خارجي، وثقة قدري، وصدوق ناصبي، ونحو ذلك، أول باب ذكره هنا؛ جرح المجروحين من الرواة ومن الشهود، الشهود الذين يشهدون عند القاضي عليك في قضية معينة، فتقول له: يا شيخ، أيها القاضي، هذا ليس بعدل، والله لا يصلي، وهو من جيراننا في الحي، واسأل عنه جماعة المسجد، القاضي يقف يقول: هات. يؤخر الجلسة يقول: غدًا تأتي بشاهدين من المسجد، جماعة المسجد، أو ما يطلب، يشهدون بأنه لا يصلي، فتأتي بالشهود، يقولون: نعرف ذلك، وهو من جماعة الحي، وهذا المسجد ليس لنا سواه، والله لا يُصَلِّي معنا، خلاص انتهى، سقطت عدالته لأن الله يقول: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ﴾ وهذا ليس بعدل مادام لا يُصَلِّي، فهذا طعنٌ في الشهود، يقول النووي -في جرح الرواة والشهود-: “وذلك جائزٌ بإجماع المسلمين”، لا لا اسمعوا باقي أعلى منه؛ “بل واجبٌ عند الحاجة”، ما هو مباح، فالطعن في هؤلاء لحفظ الدُّنيا والدين، الرواة لحفظ الدين، والشهود لحفظ دنيا المسلمين ما تفسد دنياهم يعتدي بعضهم على بعض، يقول: “هذا واجبٌ للحاجة”.
– ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان، هذه صورة ثانية، الأول الشهود والرواة، والثاني المشاورة في المصاهرة، أو مشاركته فيه، أو إيداعه، أو معاملته أو غير ذلك، أو مجاورته يأتي يبغى يشتري هذه الفلة، هذا البيت، يسأل جيران الحي قالوا: والله ما ننصحك به جارك سيء، لا تجاوره فيترك هذا واجب مادام استنصح واجب لأن الجيرة قبل الديار.
يلومونني أن بعت بالرخص منزلي وما علموا جارا هناك ينقِّصُ
فقلت لهم كفوا الملامَ إنها بجيرانها تغلوا الدِّيارُ وتَرْخصُ
إذا كان الجار سيء تبيع دارك أبو مائة ألف بعشرة آلاف، لأن النبي-صلَّى الله عليه وسلَّم – استعاذ بالله من جار السوء في دار المُقامة -الاستقرار الدائم- فإن جار البادية يتحوَّل، يجلس بجوارك سيء في البادية أيام الربيع ثلاثة أشهر يطوي بيت الشعر وخيمته ويمشي، تأمنه حينئذٍ ترتاح، أما جار السوء في دار الإقامة فهذا الضرر به مستديم، فلذلك استعاذ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم – بالله من جار السوء في دار المقامة، فإذا سألت الجيران قبل أن تشتري يجب عليهم أن ينصحوك، فإذا كان هذا يا ناس في الدنيا فكيف بدين الله -تبارك وتعالى -؟! ويقول أيضا: “فيجب على المشاور ألَّا يخفي حاله” يجب عليه أن يُبَيِّن الحق بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة منها إذا رأى متفقِّهًا – هذا ما يريد أن يسمعونه اليوم الإخوان والمسلمين والسروريين والتبليغ، وكل ما شئت من هذه الأحزاب، ولكن نخرق به آذانهم، ونصمّهم بذلك رغم أنوفهم-.
يقول كذلك -رحمه الله-: ومنها إذا رأى – من صور النصيحة والتحذير تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم- يقول: ومنها “إذا رأى متفقِّها -طالب علم- يتردَّد إلى مبتدعٍ أو فاسقٍ يأخذ عنه العلم وخاف أن يتضرَّر المتفقهُ بذلك؛ فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة” وهذا مما يُغلط فيه يعني لا تقصد إلَّا نصيحته، فإذا بَيَّنت له بذلك فأنتَ ناصح، ومنها أن يكون له ولاية يعني سلطان لا يقوم بها على وجهها، إمَّا بأن لا يكون صالحًا، وإمَّا بأن يكون فاسقًا أو مُغفَّلًا ونحو ذلك، فيجب ذِكْر ذلك لمن له عليه ولاية عامة، يعني مثلًا أمير في هذه البلدة، أو والي في هذه البلدة، محافظ في هذه البلدة، ولَّاه السلطان فتبين أنه غير صالح فالذهاب بيان حاله بالأدلة للسلطان العام الحاكم للبلد هذا من النصيحة ومن إزالة الشر عن المسلمين، فيجب بيان ذلك، يقول: “فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله ويولِّي من يصلح أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضي حاله ولا يغتر به” إذا جاءت الأخبار من قبله إلى السلطان الأعظم يعرف أن هذا الرجل لا يُعَوَّل عليه وأن يسعى في أن يحثه على الاستقامة أو يستبدل به يعني تسعى عند السلطان في أن يحث هذا الوالي الذي على ولايته على أن يستقيم على شرع الله، أو يستبدله تحثه على أن يولِّي الخَيرِّ.
الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه؛ هذا الذي تكلمنا فيه، أن يكون الكلام فيه بسبب مجاهرته بفسقه أو بدعته، البدعة معنا مجاهر بالبدعة يدعو إليها، إذا لم يكن يدعو إليها يفعلها أمام الناس وإن لم يكن يدعو الناس إليها، ما يستتر ولا يخاف، كالمجاهر بشرب الخمر ومصادرة الناس وأخذ المكسِ وجباية الأموال ظلما وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به ويحرم ذكره بغيره من العيوب إلَّا أن يكون لجوازه سببٌ آخر مما ذكرنا، يعني يأتي للعيب الآخر سبب آخر فنذكره به، هذا لا يريدون ذكره اليوم، هذا لا يُراد ذكره عند هؤلاء اليوم، وهم يقرؤون كثير منهم أئمة ويقرؤون على الناس رياض الصالحين لكن أظن هذا الباب بعضهم ما يلوي عليه، ما يأتي إليه.
السادس: التعريف فإذا كان الإنسان معروفًا بلقب، يعني ما تعرفه إَّلا بلقبه، وإن كان اللقب يسوؤه ما يحب يُدعى به، أو يعرف به مثل: الأعمش، والأعرج، والأصم، والأعمى، والأحول، وغيرهم؛ جازَ تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التَّنقُّص، يعني أنت حينما تقول : الأعمش، الأعور، الأعرج، كذا ، لا تريد تنقصه وإنَّما تريد التعريف به ، سليمان بن مهران ما يعرفونه الناس، لكن لو قلت: الأعمش الكاهي الكوفي الأسدي عرفه الناس، فهذا لا بأس به، الأعرج من هو؟ ابن هرمز ، عبد الرحمن بن هرمز لا يعرفه بعض الناس، لكن لو قلت الأعرج عرفوه؛ وهكذا، إلى آخره، فمثل هذا يُعَرَّف به لأنه لا يُتَوَّصل إلى معرفته إلَّا باللقب فنعرِّفه به، أمَّا إذا كان يعرف بغيره فلا نلوي على هذا.
قال: فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء، وأكثرها مُجْمَعٌ عليه ودلائلها من الأحاديث الصحيحة المشهورة فمن ذلك ودلائلها من الأحاديث الصحيحة المشهورة فمن ذلك عن عائشة رضي الله عنها أن رجلًا استأذن على النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: ((ائْذَنُوا لَهُ، بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ)) متفق عليه.
واحتجَّ به البخاري على جواز غيبة أهل الفساد والريب، البخاري بَوَّب عليه في الصحيح باب الجواز اغتياب أهل الفساد والرِيَب؛ هكذا بوَّب عليه.
وعنها – يعني عائشة رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا)) هذا النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم – قاله في فلان وفلان، هذا هو، فأنت مثلًا لو جئت وسُئِلت عن شخص وتعرف أنه متعالم وهو جاهل، وقلت ما أظن عنده من العلم شيء قال لك: لا تغتاب، هذا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول : ((مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا)) خَرَّجه البخاري .
قال الليث بن سعد – أحد رواة الحديث-: “هذان الرجلان كانا من المنافقين”، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: ((أتيت النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم – فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني– تستشير النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم – في حال الخطبة الآن – فقال لها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم -(وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ)) ، يعني فقير، هذا معنى صعلوك، الصعاليك هم الفقراء، ((وأَمَّا أبو الجَهْم فلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ)) يعني يضرب، بعضهم قال: دائم مسافر؛ لا، الصحيح جاء في رواية مسلم قال : متفق عليه، وفي رواية لمسلم((وَأَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ)) يضرب يكسر ظهرك بعد ثلاثة أيام، ولو مرة، فمثل هذا يُنصح فيه ولا يُحَذَّر منه؟ أسألكم هذا يهلك الحرمة هي جاءت تتزوج ولا جاءت تهلك؟ فقال: ((أَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ))، قال النووي -رحمه الله –: “قال وفي رواية لمسلم: ((أَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ)) وهو تفسير لرواية ((لَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ))” وقيل معناه: كثير الأسفار، وعن زيد بن أرقم – رضي الله عنه – قال: ((خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ أَصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ- المنافق لعنه الله – لِأَصْحَابِهِ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا))، وقال: ((لئِن رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَسَأَلَهُ فَاجْتَهَدَ يَمِينَهُ مَا فَعَلَ – كذابين، وهكذا الذي عنده البدع والأهواء ويفعل البلاء ويجتهد يمينه ما فعل؛ هذا من شبه المنافقين – قَالُوا كَذَبَ زَيْدٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِمَّا قَالُوا شِدَّةٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقِي فِي ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ﴾)) – السورة كاملة – قال: ((فَدَعَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ فَلَوَّوْا رُءُوسَهُمْ)) متفق عليه.
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قالت هند امرأة أبي سفيان للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي)) – الآن تستفتي – ((رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ))، فقال لها النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ))، والشاهد فيه: قولها – رضي الله عنها – : ((إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ))، هذا يحب الإنسان أن يُقال فيه في حال حضرته؟((وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ))، يعني تأخذ منه خُفْيَةً من ماله، فالنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم – ما قال لها هذه غيبة, اتق الله في نفسك يا هند، لا تتكلمي في زوجك يا هند, أفتاها, قال: ((خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ)) متفق عليه.
هذه الأخبار لا يريدها أهل الأهواء, ونحن نقرؤها صباح مساء، وليموتوا بغيظهم, ونسأل الله – جلَّ وعلا- أن يُثَبِّتنا على الحق والهدى حتى نلقاه إنه جواد كريم.
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
منقول من موقع الشيخ العلامة محمد بن هادي المدخلي حفظه