الضوء .. كلنا يراه في شعاع الشمس في الظهيرة, أو نور المصباح في الحجرة, أو ضوء النجوم الخافت من النافذة. ولكن هل حاول أحدنا أن يمسكه? أن يروضه? أن يصنع منه سلكا أو خيطا? ليس في عالم الأساطير التي تغزل فيه الحوريات نور القمر وترتديه ثوبا فضيا يذوب مع أمواج البحر, ولكن في عالم الواقع .. عالم الكمبيوتر أو عالم الإنترنت. في هذا الوجود نتجول معا في رحلة مع الضوء وصراع العلماء معه لترويضه وسجنه في سلك أو معالج. يؤكد الخبراء أنه سرعان ما ستصل المعالجات المصنوعة من السليكون إلى أقصى سرعة متاحة لها وينتهي الأمر بها عند طريق مسدود. فهل تكون هذه هي النهاية ويتوقف الأمر عند هذا الحد? ربما تكون الإجابة في تقنية الكمبيوتر الضوئية, قضت المعالجات المصنوعة من السليكون في فترة الخدمة حتى الآن حوالي ثلاثين عاما وربما تقضى في الخدمة عشر سنوات أخرى. ولكن عندما يصل التصغير والسرعة إلى أقصى حد ممكن مع الشرائح الإلكترونية المصنوعة من السليكون سيصبح إحالة شرائح السليكون إلى المعاش أمراً حتمياً, لأن المستقبل يعني في الكمبيوتر السرعة والصغر وهما مضمارا سباق لا هوادة ولا رحمة فيهما.
اللاعبان الأساسيان في هذين المضمارين هما شركتا انتل و"إيه إم دي" اللتان تفكران فيما بعد سنة 2017 وهي السنة التي يعتقد الخبراء أن شرائح السليكون لن تصبح عملية في صناعة الكمبيوتر ولن تسمح بالوصول إلى السرعات المطلوبة في نفس الوقت (ربما 100 جيجاهيرتز وربما 10 تيراهيرتز وربما يتم ابتكار معيار للسرعة غير الميجا وغير التيراهيرتز) وتفكر الشركتان حاليا في تقنية جديدة تصل بهما إلى السرعات المطلوبة لكسب الميدالية الذهبية في نهاية السباق. ترى ما البديل لشرائح السليكون? التقنية الكمية Quantum Computing)?( أم تقنية الشريط الوراثي (دي إن إيه) DNA Computing? لم تستخدم أي من التقنيتين لتكوين أو تصميم جهاز كمبيوتر عملي متعدد الاستخدام فكل منهما مستقبلها, وإن كان يشوبه بعض الغموض, كما أنهما ليستا التقنيتين الوحيدتين لتصنيع المعالجات, فهناك تقنية كمبيوتر أخرى جديدة يفكر فيها أغلب الخبراء ويتحدثون عنها عندما يسألون عن تقنيات الكمبيوتر والمعالجات المستقبلية, ويبدو أنها الورقة الرابحة في هذا الرهان ... رهان التقنية الجديرة بتولي عرش الكمبيوتر خلال المستقبل البعيد وهي تقنية الكمبيوتر الضوئية أو الفوتونية (Optical Computing) أو (Photon Processing) والتي تعني تصنيع المعالجات ومكوناتها من مواد ضوئية أو فوتونية أي تتعامل مع الضوء ولا تتعامل مع الإلكترون. قوية ولكنه ضوء : هناك وسيلتان لزيادة سرعة الكمبيوتر إما بجعل المعالج سريعا في حد ذاته بتصنيعه بتقنية معينة وترتيب المكونات داخله بأسلوب معين , أو باستخدام عدد كبير من المعالجات بشكل متواز أي تعمل جميعها معا في نفس الوقت. وكل من تقنية الكوانتم وتقنية الشريط الوراثي يعملان بشكل متواز , بل ويعتمدان أصلا على التوازي, وهذا هو سر أدائهما.
أما التقنية الضوئية فتعتمد على معالج ضوئي واحد فقط سريع في حد ذاته, وربما يكون السؤال الذي يراود القارئ الآن هو: لماذا تكون المعالجات الضوئية أسرع من المعالجات الإلكترونية (المصنعة من شرائح إلكترونية)? والجواب لأن العقبات التي تعترض سباق السرعة في معالجات السليكون كثيرة ومتعددة, ولا ينبغي أن نغفل الحقيقة العلمية التي تقول إن الإلكترونات بطيئة جدا !, ولو لم تكن بطيئة لما كانت تلك الحرب الضارية والسباق الشرس على تصغير حجم المعالج والترانزستورات إلى أقصى حد ولأن الإلكترونات بطيئة, فإن الحل المنطقي الوحيد هو تقليل المسافات التي تقطعها هذه الإلكترونات.
ولكن للتصغير أيضا مشاكله, التي تختلف عن الصعوبات الخاصة بعمليات التسجيل الضغطي عند اقتراب الحجم من الطول الموجي للضوء حتى لو كان الضوء فوق البنفسجي الشديد القصر في الموجات الضوئية, إلى زيادة التسخين والتأثير المدمر مثل الاختراق الميكانيكي الكمي. كيف تتحرك الإلكترونات ببطء داخل المعالج? تعتمد سرعة الإلكترونات وحركتها على قوة الفولت ودرجة الحرارة ومجموعة من العوامل الأخرى . وليس من المجدي التقليل المستمر لقوة الفولت لتقليل تسرب الحرارة, والحد الأقصى لسرعة الإلكترون 100ألف متر في الثانية في حين أن سرعة الضوء 300 مليون متر (300 ألف كيلومتر في الثانية), أي أسرع من الإلكترون بنحو ثلاثة آلاف مرة. ولن تكون الاتصالات الضوئية السريعة ذات قيمة إذا كانت عمليات المنطق الضوئي بطيئة, ولكن التقنية الضوئية تحمل لنا الأمل في مفاتيح أسرع وعمليات منطق أسرع بكثير من المفاتيح التقليدية والسبب في سرعة المفاتيح هو عدم تفاعل الفوتونات مع بعضها البعض , حيث لا تحمل أي شحنات كهربائية أو مجالات محيطة بها. المفاتيح الضوئية: المفتاح الإلكتروني هوالجزء الأساسي في كل مكونات الكمبيوتر الإلكترونية في الماضي والحاضر, وعكس المفتاح الميكانيكي اليدوي الذي يتحكم فيه الإنسان في مسار تيار الكهرباء بالإجراء اليدوي العادي يسمح المفتاح الإلكتروني بتدفق الكهرباء في دائرة تتحكم فيها إشارة كهربائية من دائرة أخرى, وكانت المفاتيح الإلكترونية الأولى تحتوي على صمامات ومجسات, أما الآن فتحتوي المفاتيح الإلكترونية على ترانزستورات. والمفاتيح الإلكترونية هي حجر الأساس في بناء البوابات المنطقية والذاكرات وأي مكون آخر في جهاز الكمبيوتر, ولبناء كمبيوتر بمكونات ضوئية تعمل مثل مكونات الكمبيوتر الإلكترونية الحالية, فنحن نحتاج إلى مفتاح ضوئي.
وإذا كان المفتاح الإلكتروني الضوئي الذي يستخدم إشارة إلكترونية في فتح وإغلاق شعاع ضوئي لا يمثل أي مشكلة تقنية على الإطلاق فإن ذلك لا ينطبق على صناعة المفتاح الضوئي الخالص الذي يتحكم فيه شعاع ضوئي في فتح وإغلاق شعاع آخر. وليست المشكلة في أن صناعة المفاتيح الضوئية أمر مستحيل, ولكن من عدم جدواها عمليا في الوقت الحالي, والعلماء يصنعون المفتاح الضوئي حاليا من مواد يتغير معامل انكماشها Retroactive Index عندما يخترقها شعاع ليزر قوي. وبهذه الطريقة يمكن تغيير مسار شعاع ضوء آخر بتمريره خلال تلك المادة, ووجد أن المادة التي تتميز بهذه الخاصية هي مادة الليثيوم نيوبيت Lithium Niobate, ومشكلة المفتاح الضوئي الخالص, وبالأخص مشكلة بلورات الليثيوم نيوبيت - وأغلب المواد الضوئية الأخرى غير الخطية هي أن شعاع الفتح والإغلاق لابد أن يكون قويا جدا, وهذا يعني أن أغلب أجهزة الكمبيوتر الضوئية ستكون شرهة في استهلاك الطاقة وتسريب الحرارة الناجمة عن المفاتيح الضوئية مما يتسبب في مشكلة ضخمة, ولهذا يبتعد أغلب الباحثين حاليا عن تقنية المعالجات الضوئية بسبب صعوبة وتعقيد مشاكلها الفنية. والاتجاه السائد حاليا هو استخدام التقنية الضوئية في المكونات التي تصلح لتصنيعها من المواد الضوئية, بدلا من محاولة تطبيق التقنية الضوئية في مكونات ومجالات من الأفضل تركها للتقنية الإلكترونية. استثناء: يمكن الخروج من مأزق التقنية الضوئية بوسيلة واحدة فقط هي الترانزستور الفوتوني الذي ابتكره مركز أبحاث الجبل الصخري (Rocky Mountain Research Center) وباع حق تطويره لشركة سايبر داين كمبيوتر في ولاية أوتاه بمدينة سان جورج, ولا يستخدم هذا الترانزستور الضوئي موادا غير مألوفة مثل اللثيوم نيوبيت ولا يحتاج إلى أشعة ليزر قوية, بل يستخدم عناصر ضوئية رخيصة من البلاستيك وأشعة ليزر منخفضة القوة, ويعمل بمبدأ التداخل الموجي (Wave Interference) وتقول الشركة إن الترانزستورات الفوتونية قادرة على تمرير وفصل شعاع ضوء كل 30 فمتو ثانية, أي كل ثلاثين وحدة من مليون وحدة من النانوثانية (النانو ثانية جزء من بليون من الثانية), ومن المعروف أن سرعة تمرير تيار الكهرباء في المعالج بسرعة واحد جيجاهيرتز تساوي واحد نانوثانية, ويعني هذا إمكانية الوصول إلى سرعة تمرير تيار الشعاع الضوئي كل واحد فمتوثانية.