رد: المزاجية في حياتنا
السلام عليكم
الشخصية المزاجية المتقلبة الدكتور أيمن غريب قطب ناصر يطلق عامية الناس على مصطلح تقلبات المزاج السريعة ب"النفسية" أو "النفسنة"، أو ربما يشخصها العديد بعد ردة فعل عند طرح أي موضوع أو فكرة مخالفة لرأيه، أو أية سلوك مخالف لطبيعة المحيط به، فالجميع يخشاه خوفاً من سلاطة لسانه أو هدوئه المخيف، وكل ذلك يجعل الناس حذرةً من التعامل معه. ومن الطبيعي ان مزاجنا يتأثر بحسب المتغيرات الشخصية والاجتماعية والموقفية أي التفاعلية، وهي من صفات المزاج الطبيعي أو الصحي، ولكن قسم من الناس يتميزون بتقلب المزاج من وقت لآخر أو من يوم ليوم أو حتى أكثر من مرة في اليوم الواحد، وهم ما نطلق عليهم (المودي) أو (أبو غزالة) وهكذا"، ولقد كان هذا الاضطراب يصنف ضمن اضطرابات الشخصية، وكان يسمى "اضطراب الشخصية المزاجية-الانفعالية-المزاجية"، فالاضطراب المزاجي هو مجموعة من التشخيصات في نظام تصنيف الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية حيث أن اضطراب مزاج الشخص هو ميزته الأساسية. و يعرف هذا التصنيف بالاضطرابات المزاجية (الوجدانية) في التصنيف الدولي للأمراض (ICD). وقداقترح الطبيب النفسي الإنجليزي هنري ماودسلي فئة شاملة للاضطراب الوجداني. و اُستبدل المصطلح لاحقًا بالاضطراب المزاجي، حيث يشير مصطلح الاضطراب المزاجي إلى الحالة العاطفية الكامنة بينما يشير مصطلح الاضطراب الوجداني إلى التعابير الخارجية الظاهرة للآخرين. و تصنف الاضطرابات المزاجية ضمن المجموعات الأساسية للمزاج المرتفع مثل الهوس أو الهوس الخفيف، والاضطراب الاكتئابي الرئيسي (MDD) (المعروف بالاكتئاب السريري، أو الاكتئاب أحادي القطب، أو الاكتئاب الرئيسي) الذي هو أشهر نوع للمزاج المكتئب وأكثره دراسة، والاضطراب ثنائي القطب (BD) وهو المزاج المتناوب ما بين الهوس و الاكتئاب (المعروف سابقًا بالهوس الاكتئابي). و يوجد العديد من الأنواع الفرعية للاضطرابات الاكتئابية أو المتلازمات النفسية التي تتميز بأعراض أخف حدة مثل الاضطراب الاكتئابي الجزئي (مشابه للاضطراب الاكتئابي الرئيسي ولكن أكثر اعتدالًا منه) واضطراب دوروية المزاج (مشابه للاضطراب ثنائي القطب و لكن أكثر اعتدالًا منه). و قد تحدث الاضطرابات المزاجية استحثاثًا بمادة أو استجابة لحالة طبية. وعندما تكون اضطرابات في الشخصية فإنّه يعني إن علاجه صعب أو شبه مستحيل!، ولكن من حسن الحظ إنّه اعتبر من اضطراب من اضطرابات المزاج، وعلاجه يتم بتناول أدوية ضابطة للمزاج أو العلاج النفسي أو كليهما معا.ً وغالبا ما تكون الشخصية المزاجية متقلّبة في أفكارها وآرائها وتصرّفاتها ،وقد تكون متعاونة ولطيفة ومثالية في أقوالها وسلوكها لكنها فجأة تنقلب فتصبح قاسية وعدوانية وقد توصف الشخصية المزاجية بالعاصفة التي متى هبّت تقلع كل شيء من دون أن تنظر إلى الخلف ومن دون أن تنتبه إلى نتائج أفعالها وأقوالها. - ويمكن ان تكون الشخصية المزاجية متسامحة ، لكنها فجأة تصبح صارمة وحازمة في مواقفها ولا تقبل أعذار الآخرين وهي متقلّبة في أفكارها وسلوكها، فتقبل بعض الامور حيناً لكنها ترفضها حيناً آخر. ونلاحظ أن الشخصية المزاجية لا تحسن إتخاذ قرار واحد والثبات عليه لذلك فإنها قد تقرّر شراء سيارة لكنها بعد فترة تبدّل رأيها. - كما انها تتميز بالتقلّب العاطفي وقد يكون ذلك بالاخص في الحياة الزوجية مما يجعلها حياة صعبة خاصة إذا كان أحد الطرفين يعاني من الشخصية المزاجية. إذ قد يبادر ويعرض المساعدة ولكنه بعد حين يتراجع. كذلك تطاول الشخصية المزاجية العواطف التي تتقلّب بين الحب والكراهية. انها مثالية في اقوالها وسلوكها بعض الأحيان , تشعر بالفراغ والملل كثيرا , مندفعة وغير منظمة , قلمها له تأثير أقوى من التواصل المباشر , سمعيا أو مرئيا , سرعان ماتنقلب للتحول إلى عاصفة تقتلع كل جميل صنعته , لتصبح قاسية الأقوال والأفعال , لا تستطيع أن تتحكم في مشاعرها الإيجابية والسلبية , تبالغ في النقد والمدح في نفس الوقت , تحتار في تسميتها , متسامحة لأمور العظيمة , صارمة في الأمور البسيطة , ليس لها مقياس محدد تعتمد عليه في التقييم " مزاجيتها " هي التي تحكم , سخية في وقت سكونها , عنيفة في وقت ثورتها , إنها شخصية غائبة الوعي والأهداف والرسالة , كثيرة التوبيخ والشكاوى من الناس , تؤذي نفسها وتوبخها بالضرب والشتائم المباشرة معظم الوقت " تعنيف الذات " نهج حياتها وخصوصا أمام المرآة أو الأصدقاء والأهل المقربين ..من المؤكد أن الانفلات المزاجي الذي يقود إلى علو وهبوط في السلوك لدى الإنسان في تعاملاته مع الآخرين خاصة المقربين منه؛ يؤدي إلى تناقضات كبيرة قد تطال المشاعر وأمور نفسية أخرى يصعب حصرها، ولا يمكننا هنا احتكار المزاجية على الرجل دون المرأة؛ إلاّ أنّ السؤال المطروح هنا هو عن أثر تلك المزاجية في حياتنا، وفي تعاطينا مع المزاجيين، فهل منحتك الأقدار أن تخالط أو ترافق أو تعاشر أناسا مزاجيين؟، وكيف تقيّم خسائر ومكاسب تجاربك معهم؟ أنّ الإشكالية الكبيرة لا تقف فقط عند حدود احتمال الشخص المزاجي، بل في خروج الشخص غير المزاجي من حالته المتوازنة النفسية إلى حالة الغضب والحزن؛ بسبب رؤية الشخص المزاجي الذي يدفع بذلك التقلب إلى الاكتئاب. ربما يوصف بعض الناس بأنّه "نفسية" لأنّه توجد شخصيات تتسم بالعصبية أوحدة المزاج أو ضيق الخلق أو سرعة الغضب أو عدم القدرة على التحكم بالانفعال، وهنا أيضاً لا بد لنا من تحديد إما إذا كانت هذه فعلاً سمة تتميز به شخصيته أو أنها نتيجة لاضطراب نفسي، كي لا يبدو واضحاً وصريحا كأن يكون قلقاً أو اكتئاباً أو غيرهما، ومن ثم لا بد هنا من الفحص والتشخيص النفسي الدقيق؛ لأنّها ربما تكون نتيجة لاضطراب في النوم أو كثرة استخدام المنبهات وتبدو كأنها ملازمة لطبيعة المرء، وقد تكون نتيجة للمرور بضغوط حياتية في الجانب الأسري والاجتماعي أو المهني وتختفي عند اختفاء المسببات. والمرأة التي تعاني من مزاجية زوجها فإنها قد تتحمله لأن للمرأة زوجا واحدا، إلاّ أنّ الرجل حينما يصاب بداء الزوجة المتقلبة في المزاج فإنه يشعر بالنقص أكثر، ذلك أنّ المرأة خلقت لتضفي الفرح في بيتها والانطلاق وهي من تستطيع أن تستوعب الرجل بكل أحواله فتخرجه من حالات الضيق إلى الفرح بخلاف الزوج الذي يجد نفسه أمام الزوجة حائرا لايعرف كيف يستوعبها وقد تكون صفة المزاجية، هي صفة يكتسبها الفرد من التعلم من المحيط الخارجي الذي يعيش فيه اي ليست سمة ثابة متأصلة في الشخص نفسة بل هي متعلمة ، فيتعلمها الفرد من محيط الأسرة والوالدين، وذلك حينما كان طفلاً يلاحظ هذه المزاجية من والده أو والدته، فالطفل هنا يعتقد بأن المزاجية نمط سلوكي عادي، فيبدأ في اكتسابها من خلال الملاحظة ومن خلال التركيز، وهي مرتبطة بعوامل «الكبت» واكتساب صفة النموذج او عمليات التقمص والتوحد ويمكن الرجوع لنظرية باندورا في ذلك لذلك فهي لا تحمل البوح بمعناه، فالرجل حينما يكتسب المزاجية ويكبر على ذلك فهو يعتقد أنه بمزاجيته تلك يحصل على متطلباته في كل يسر وسهوله، وحينما يرغب في الزواج يشعر بأنه يعاني من كبت داخلي عميق، فتتشكل لديه النظرة السوداوية للحياة، ونظرته لذاته ينقصها التقدير العالي، وبالتالي هو لايعبر عن مشكلاته تجاه الآخرين، فيعتقد بأنه بصمته يحل مشكلاته بالداخل بعيدا عن الآخرين، إلاّ أن الحقيقة أن تلك المشكلات تتفاقم بداخله ولعل السبب الذي يدفع الكثيرين إلى أن يعتقدوا أن المزاجية صفة مرتبطة بالأشخاص غير الاعتياديين مثل الشخصيات مفرطة الحساسية اوالمبدعين مثل الكتاب والروائيين والشعراء يكمن في أن المزاجية هي في حقيقتها مرتبطة بالفكر، فالكتّاب مثلاً يعيشون بفكرهم، والفكر يؤثر في المشاعر والمشاعر تؤثر في السلوك، هذا المثلث المعرفي يؤثر في المشاعر، فحينما يتذكر المرء حدثا ماضيا مؤلما فإنه من المؤكد بأن مشاعر الشخص في ذات اللحظة ستتأثر وتتغير وبالتالي ستنقل هذه المشاعر إلى المحور وهنا تطغى على الشخص حالة من الحزن والكآبة فيتغير سلوكه، وهذا ما يحدث للروائي أو الكاتب فلابد أن يعيش هذه الحالة حتى يبدع، فمن يكتب رواية حزينة جداً لابد أن يستحضر مشاعر الحزن حتى يعيشها فيكتبها، وهذه ماتسمى «السيكودراما» فكأنه يعيش فلما داخليا ليستطيع أن يعبر عنه في الخارج، وهذا قد يكون جزءا من الإبداع ولكنه يؤثر على الخارج، ولذلك فإن الشخصيات الأكثر تعقيداً في الحياة غالباً ماتتصف بالتقلب المزاجي ، أنّ الشخص المتقلب في مزاجه يؤثر على نفسه في المقام الأول أكثر بكثير من تأثيره على الآخرين، أما المحيطون به فإن كانوا إيجابيين فإنهم سينفرون منه بلاشك، فالشخص المزاجي لا يتلاءم إلاّ مع الأشخاص المزاجيين الذين يشبهونه في الحياة، وربما إذا استسلم الإيجابيون له فإنهم قد يكتسبون منه تلك الصفة، ولذلك فإن عكس صفة المزاجية «الانبساطية» والتفاؤل فالمزاجي «شخص متشائم»، يتصف بالانسحاب وعكس ذلك الشخص المنطلق.