- إنضم
- 23 أكتوبر 2016
- المشاركات
- 1,505
- نقاط التفاعل
- 1,028
- النقاط
- 71
- محل الإقامة
- الجزائر العاصمة
- الجنس
- أنثى
السلام عليكم
عالم الجن من العوالم الغيبيه التي لا نراها ولا نعلم عنها الا بالقدر الذي وجدناه مثبوتاً في كتاب الله وفي سنة نبيه عليه افضل الصلاة والسلام ومما ثبت بالتواتر عن الثقات من السلف والخلف فمن هم الجن؟ وماهي حقيقتهم؟ وما حقيقة علاقتهم مع الانس؟
ورد في لسان العرب “جَنَّ الشيءَ يَجُنُّه جَنّاً: سَتَره.
وكلُّ شيء سُتر عنك فقد جُنَّ عنك.
وجَنَّه الليلُ يَجُنُّه جَنّاً وجُنوناً وجَنَّ عليه يَجُنُّ، بالضم، جُنوناً وأَجَنَّه: سَتَره، وبه سمي الجِنُّ لاسْتِتارِهم واخْتِفائهم عن الأبصار، ومنه سمي الجَنينُ لاسْتِتارِه في بطنِ أُمِّه”.
وقد ذكر الجوهري في الصحاح : “الجِنُّ خلاف الإنسِ، والواحد جنِّيٌّ، سميت بذلك لأَنها تخفى ولا تُرَى”.
فالانسان لا يستطيع رؤية الجن على هيئتهم الحقيقيه فقد قال تعالى {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } (الأعراف:27)
وللجن اكثر من تسميه بحسب حالهم كما ورد ذلك عن ابن عبد البر عندما قال ” الجن عند أهل الكلام والعلم باللسان منزلون علي مراتب: فإذا ذكروا الجن خالصا قالوا: جني .. فإن أرادوا أنه ممن يسكن مع الناس، قالوا: عامر والجمع عمّار وعوامر.. فإن كان ممن يعرض للصبيان، قالوا: أرواح .. فإن خبث وتعزم فهو شيطان .. فإن زاد على ذلك فهو: مارد .. فإن زاد على ذلك وقوي أمره، قالوا: عفريت، والجمع: عفاريت والله أعلم بالصواب “.
وبالنسبة لحقيقة وجود الجن فهي من الحقائق التي لا تقبل الشك او الجدال وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – عندما قال : ” لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن، ولا في أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم.. وهذا لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواتراً معلوماً بالاضطرار، ومعلوم بالاضطرار أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة، بل مأمورون منهيون ” .
كما ان الأدلة على وجود الجن من القرآن كثيره ولا أدلَّ على ذلك من أن الله سمّى سورة كاملة باسمهم “الجن ” وقص فيها من أخبارهم وأقوالهم الشيء الكثير، وأما أحاديث السنة الدالة على وجودهم فأكثر من أن تحصر.
وخلق الجن قبل خلق الإنس، والدليل على ذلك قوله تعالى: { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه }(الكهف:50) وقوله تعالى{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ }(الحجر :29) فإبليس وهو من الجن قد امره الله تعالى بالسجود لآدم من قبل ان ينفخ فيه الروح بل ان الله عز وجل قد ذكر اسبقية خلق الجن في قوله { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم }(الحجر:26-27).
أما مادة خلقهم فهي النار، بدليل قوله تعالى: { والجان خلقناه من قبل من نار السموم }(الحجر:27) ونار السموم هي التي تنفذ في مسام البدن لشدة حرها، وقال تعالى: { وخلق الجان من مارج من نار }(الرحمن:15)، والمارج هو اللهب الذي لا دخان فيه . وفي صحيح مسلم عن عائشة – رضي الله عنها- أن – رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال: ( خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ).
وحقيقة خلقهم من النار لا يلزم منها ان تكون اشكالهم وهيئاتهم كالنار بل انهم اخذوا بعض صفات النار كالخفه واللطافه فهم مثل البشر الذين خُلقوا من التراب ولكنهم لم يأخذوا هيئته بل اخذوا بعض صفاته كالثقل والكثافه
فقد ورد عن النبي عليه افضل الصلاة والسلام انه قال ( عرض لي الشيطان في صلاتي فخنقته حتى وجدت برد لعابه على يدي ) فلو كانت الجن باقيه على هيئة النار لما كان للشيطان لعاب كذلك ورد عن النبي عليه افضل الصلاة والسلام انه قال ( إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي ) فلو كان الشيطان على هيئة النار لما احتاج لشهاب النار وانما اكتفى بالتلويح بيده .
وجنس الجن كجنس الإنس فيهم الذكور والإناث، قال تعالى: { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً } (الجن: 6) . وفي حديث زيد بن أرقم أن رسول الله – صلى الله علية وسلم – قال: ( إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاءَ فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) والخُبُث – بضم الخاء والباء -: ذكور الجن، والخبائث: إناثهم.
وللجن قدره على التشكّل بهيئات مختلفه فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” الجن يتصورون في صور الإبل، والبقر، والغنم، والخيل، والبغال، والحمير، وفي صور بني أدم، وقد أتي الشيطان لقريش في صورة شيخ نجدي لما اجتمعوا بدار الندوة، هل يقتلوا الرسول – صلى الله عليه وسلم – أو يحبسوه، أو يخرجوه، كما قال تعالى: { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين }.
ولما أجمعت قريش الخروج إلى بدرٍ ذكروا ما بينهم وبين كنانة من الحرب، فكاد ذلك يثنيهم، فجاء لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي – وكان من أشراف بني كنانة – فقال لهم: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة بشيءٍ تكرهونه، فخرجوا والشيطان جار لهم لا يفارقهم، فلما دار القتال ورأى عدو الله جند الله قد نزلت من السماء، فركض على عقبيه، فقالوا: إلى أين يا سراقة ؟ ألم تكن قلت: إنك جار لنا لا تفارقنا ؟ فقال: { إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب }(الانفال:48)”.
وقد روى الطبراني عن أبي ثعلبة الخشني – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ( الجن ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات، وصنف يحلّون ويظعنون ) وقال الهيثمي في المجمع: “رجاله وثّقوا وفي بعضهم خلاف ” . فعندما تتشكل الجن بهيئه غير هيئتهم الحقيقيه يستطيع الانسان رؤيتهم بل والتعامل معهم .
وبالنسبة لطعامهم ومساكنهم فقد روى مسلم في صحيحه عن بن مسعود رضي الله عنه قال (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة . ففقدناه . فالتمسناه في الأودية والشعاب . فقلنا : استطير أو اغتيل . قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم . فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء . قال فقلنا : يا رسول الله ! فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم . فقال ” أتاني داعي الجن . فذهبت معه . فقرأت عليهم القرآن ” قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم . وسألوه الزاد . فقال ” لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم ، أوفر ما يكون لحما . وكل بعرة علف لدوابكم ” . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم” ) وعن أبي هريرة (أنه كان يحمل مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إِداوَةً لوضوئه وحاجته ، فبينما هو يَتْبَعُه بها ، فقال: “مَنْ هذا؟” فقال: أنا أبو هريرة ، فقال: “ابْغِني أحجارًا أستَنفِضْ بها ، ولا تأتني بعظمٍ ولا بروثةٍ” . فأتيتهُ بأحجارٍ أحملُها في طرف ثوبي ، حتى وضعْتُها إلى جنبِه ، ثم انصرفت حتى إذا فرَغَ مَشَيْتُ ، فقُلْتُ: ما بالُ العظم والروثه؟ قال”هما من طعام ِالجنِّ ،وإنه أتاني وَفْدُ جِنِّ نَصيبينَ ، ونِعْمَ الجِنُّ ، فسَألوني الزَّادَ ، فدعوت اللَّهَ لهم أن لا يَمُرُّوا بعظمٍ ، ولا بروثةٍ إلا وجَدوا عليها طعامًا”)صحيح البخاري.
وذكر هذين الصنفين من الطعام لا يدل على أن الجن عامة مقتصرون عليهما ولكن ربما كان ذلك من أهم طعامهم، أو أنه مختص ببعضهم على حسب أصنافهم وأماكن إقامتهم .
بل قد يكون مختص بالمؤمنين فحسب كما يدل عليه ظاهر الحديث. أما الكفّار من الجن فليس لهم ذلك، بل هم يستحلون كل طعام لم يذكر اسم الله عليه، كما في الحديث: ( إن الشيطان يستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه ) رواه مسلم . ومما يمنع الشياطين من تناول طعام الأنس ذكر اسم الله عليه، فعن جابر – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلي الله علية وسلم – يقول: ( إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت. وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء ) رواه مسلم . والجن تسكن في كل مكان فمنهم من يسكن الحشوش ومنهم من يسكن الاسواق ومنهم من يسكن في منازل البشر ومنهم من يحلّون ويضعنون .
والجن مثل البشر من حيث التكليف الشرعي قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }(الذاريات،56) والنبي عليه افضل الصلاة والسلام بعث للثقلين الانس والجن وكما ان في الانس مؤمنون وكافرون كذلك الحال بالنسبة للجن قال تعالى {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ۖ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} (الجن،14).
علاقة الجن بالانس علاقه ازليه بدأت منذ خلق الله آدم ابو البشر وسوف تستمر الى قيام الساعه والغالب في هذه العلاقه هي العداوة والبغضاء فالعداوة بدأت من حقد ابليس على آدم عليه السلام وتوعّده لإفساد ذرية آدم قال تعالى:{ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }(فاطر: 6). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت ) رواه مسلم.
وفي بعض الاحيان تكون العلاقه علاقة عبودية وتسخير قال تعالى: { وجعلوا لله شركاء الجن } (الأنعام:100) قال القرطبي في تفسير الآية: “هذا ذكر نوع آخر من جهالاتهم، أي فيهم من اعتقد لله شركاء من الجن .. والآية نزلت في مشركي العرب . ومعنى إشراكهم بالجن أنهم أطاعوهم كطاعة الله عز وجل “. كما ان هناك علاقة تعليم حيث يقوم الجن بتعليم الانس السحر قال تعالى: { واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} (البقره:102)
ومن انواع العلاقه بينهما العلاقه القائمه على اذية الجن للبشر فلدى الجن القدره على اذية البشر بإذن الله ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” وعمل الجن وأذاهم للإنس إما يكون من المحرمات التي حرمها الله على الجن والإنس، وإما أن يكون فحشاً وظلما بالإكراه ” ومن امثلة ذلك ما روى مسلم في صحيحه ((أن أبا السائب دخل على أبي سعيد الخدري في بيته، قال: فوجده يصلي، قال: فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته. فسمعت تحريكاً في عراجين في ناحية البيت. فالتفت فإذا حية. فوثبت لأقتلها. فأشار إليّ: أن أجلس. فجلست. فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار. فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم. فقال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس. قال فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق. فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله. فاستأذنه يوماً. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ عليك سلاحك. فإني أخشى عليك قريظة. فأخذ الرجل سلاحه. ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة. فأهوى إليها الرمح ليطعنها به. وأصابته غيرة. فقالت له: اكفف عليك رمحك، وأدخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني. فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش. فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به. ثم خرج فركزه في الدار. فاضطربت عليه. فما يدري أيهما كان أسرع موتاً. الحية أم الفتى؟ قال: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا له. وقلنا: ادع الله يحييه لنا. فقال: استغفروا لصاحبكم. ثم قال: إن بالمدينة جناً قد أسلموا. فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام. فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه. فإنما هو شيطان)ومن امثلة ذلك أذيتهم للمولود حين ولادته: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها ) ثم يقول أبو هريرة: { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم }. قال القرطبي: ” هذا الطعن من الشيطان هو ابتداء التسليط فحفظ الله مريم وابنها منه؛ ببركة دعوة أمها حيث قالت: { إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم }”. وقد تتسبب الجن في مرض بني آدم ولا سيما بالطاعون: فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فناء أمتي بالطعن والطاعون قالوا: يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون ؟ قال: وخز أعدائكم من الجن، وفي كلٍّ شهادة ) رواه احمد .
ولعل اكثر اذى الجن حدوثاً هو تلبّسهم للبشر ورغم ذلك فإن هذا الموضوع يعتبر من المواضيع الجدليه والتي لازالت تتأرجح ما بين النفي والاثبات وسوف نستعرض ادلة الطرفين ونناقشها في الاسطر القادمه:
بالنسبة لمن ينكرون التلبّس فإن غالب ما يعتمدون عليه هو قولهم بعدم وجود ادله صريحه من القرآن تدل على تلبّس الجن للبشر وقولهم بأن ما يعتقده البعض من تلبّس انما هو في الحقيقه مرض نفسي كإنفصام الشخصيه ولعلّ ما يقوّي قولهم هذا ما ورد على لسان اشهر راقي في السعوديه الشيخ علي العمري والذي انكر تلبّس الجن للبشر ويرد اصحاب الرأي القائل بالتلبّس على ما سبق بقولهم ان الادله من القرآن والسنه كثيره ولعل ابرزها قوله تعالى { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ }(البقره:275) و حديث يعلى بن مرة قال : سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت منه شيئا عجبا …. وفيه : وأتته امرأة فقالت : إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين ، يأخذه كل يوم مرتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أدنيه . فأدنته منه ، فتفل في فيه ، وقال : اخرج عدو الله ! أنا رسول الله . رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ” وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة .. وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قلت لأبي: إن أقواماً يقولون: إن الجني لا يدخل في بدن المصروع، فقال: يا بني يكذبون، هذا يتكلم على لسانه .
وهذا الذي قاله أمر مشهور؛ فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما. والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب، ولا بالكلام الذي يقوله، وقد يجر المصروع وغير المصروع، ويجر البساط الذي يجلس عليه، ويحول آلات، وينقل من مكان إلى مكان، ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علما ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرّك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان . وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذّب ذلك فقد كَذَبَ على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك ” . وبالنسبه لموضوع الامراض النفسيه وانفصام الشخصيه فإن عالم الجن عالم غيبي يعجز العلم عن كشف ماهيّته والحكم عليه ولاشك ان بعض الحالات هي بالفعل امراض نفسيه ولكن الكثير من الحالات لايمكن ان تكون كذلك فمن يعاني من انفصام الشخصيه لايمكن ان يتحدث بأمور ليست في عقله الباطن بينما الممسوس يتكلم احياناً بلغه اجنبيه لم يكن يعلمها من قبل ويتحدث عن امور يستحيل ان يكون يعلم عنها شيئاً ويفعل امور تفوق قدرته الطبيعيه مما يجعل من يرى ذلك يجزم ان الفاعل لكل ذلك ليس الانسي بل شيء آخر مختلف تماماً عنه وبالنسبة لنفي الراقي الشهير لذلك فإن الكثير من الرقاه والمشايخ يثبتون التلبّس والشيخ علي ليس معصوماً ليكون كلامه صحيح فهو إن كان اخطأ طوال عشرين سنه فإنه للخطأ في قوله هذا اقرب من الصواب لاسيما وانه يخالف ما سبق من الادلّه واقوال اقرانه من الرقاه. بل ان من اللطائف في هذا الموضوع انه اثناء جمعي لهذه الماده اخذ احد الاصدقاء يهذي بوساوس ويتكلم عن اشخاص لانراهم ويتهددهم وبعد ان اخذه والده لمستشفى الصحه النفسيه اخبروه انه سليم ووصفوا له بعض المهدئات وسمحوا لوالده بأن يحضر له احد الرقاه وبعد ان قرأ عليه تحدث على لسانه صوت نسائي واخبرهم بأنه مسحور عندها نصحه الطبيب ان يستمر في العلاج بالرقيه .
اقوال غير ثابته في اصل الجن وعداوة ابليس للإنس
يعتقد البعض ان اول من سكن الارض هم الحن والبن وقد ورد ذكرهم في كتاب البدايه والنهاية لإبن كثير بل ان البعض ذهب الى ان العظام التي اكتشفها العلماء عام 1994م في اثيوبيا والتي تعود الى اربعة ملايين واربعمائة الف عام هي هياكل عظمية للحن والبن واذا كانت هذه العظام هي عظام الحن والبن فعلاً فهذا يعني انهم مخلوقات قريبة للبشر من حيث الخلقه وان لهم دماء وأن هذين الجنسين من المخلوقات بعد ان سكنوا الارض وعمروها عاثوا فيها الفساد فسلّط الله عليهم الجن فقتلوهم وأجلوهم عنها وأبادوهم منها وسكنوها بعدهم لأن الجن اقوى منهم من حيث الخلقه ولهم قدرات اكبر منهم كالتخفي والطيران والغوص وغيره من صفات الجن والجن هم ابناء سوميا الذي خلقه الله عز وجل قبل خلق آدم عليه السلام بألفي عام .. وقال عز وجل له تمنّ فقال سوميا أتمنى أن نرى ولا نُرى وأن نغيب في الثرى وأن يصير كهلنا شاباً ولبّى الله عز وجل لـه أمنيته وأسكنه الأرض له ما يشاء فيها وعاش الجن في الارض زمناً يعبدون الله لكن أتت أمة من الجن بدلاً من أن يداوموا الشكر لله على ما أنعم عليهم من النعم فسدوا في الأرض بسفكهم للدماء فيما بينهم فأمر الله جنوده من الملائكة بغزو الأرض لاجتثاث الشرّ الذي عمها وعقاب بني الجن على إفسادهم فيها وغزت الملائكة الأرض وقتلت من قتلت وشرّدت من شرّدت من الجن وفرّ من الجن نفر قليل اختبئوا بالجزر وأعالي الجبال وأسر الملائكة من الجن إبليس الذي كان حينذاك صغيراً وكان اسمه عزازيل وأخذوه معهم للسماء.
كبر إبليس بين الملائكة واقتدى بهم بالاجتهاد في الطاعة للخالق سبحانه وأعطاه الله منزلة عظيمة بتوليته سلطان السماء الدنيا.
ثم خلق الله أبو البشر آدم عليه السلام وأمر الملائكة بالسجود لـه فسجدوا جميعاً طاعةً لأمر الله لكن إبليس أبى السجود وبعد أن سأله الله عن سبب امتناعه قال: ((أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين)) فطرده الله من رحمته عقاباً له على عصيانه وتكبره وبعد أن رأى إبليس ما آلت إليه حالته طلب من الله أن يمدّ له بالحياة حتى يوم البعث وأجابه الله على طلبه ثم أخذ إبليس يتوعد آدم وذريته من بعده بأنه سيكون سبب طردهم من رحمة الله.
وأسكن الله آدم الجنه وخلق له زوجه حواء لتؤنسه فيها وسمح لهما بالتنعّم فيها الا شجرة نهاهما الله عنها وكانت الجنة محروسة من الملائكة الذين يُحرّمون على إبليس دخولها كما أمرهم الله بذلك وكان إبليس يتحيّن الفرص لدخول الجنة حتى يتمكن من آدم والذي لم يكن يغادرها
فاهتدى لحيلة وهي إستخدام الحية لدخول الجنة فطلب منها مساعدته للدخول للجنة فأمرته بأن يختبئ داخل جوفها حتى تمر من الحراس الملائكة واختبئ إبليس داخلها حتى تمكنت من المرور من حراسة الملائكة لداخل الجنة دون أن تُكتشف الحيلة وذلك لحكمة لا يعلمها إلا الله سبحانه.
وطلب إبليس من الحية أن تكمل مساعدتها له ووافقت وعلم إبليس بأمر الشجرة التي نهى الله سبحانه آدم وحواء من الأكل منها ووجد أنها الطريق الذي سيمكّنه من إغواء آدم وحواء حتى يخرجهما عن طاعة الله ويخرجهما من رحمته تماماً كحاله.
فأغوى ابليس آدم بينما أغوت الحية حواء حتى أكلا من الشجرة بعد أن أوهماهما بأنهما من الناصحين وأن من يأكل من هذه الشجرة يُصبح من الخالدين ومن أصحاب مُلك لا يُبلى عندها غضب الله على آدم وحواء لأكلهما من الشجرة وذكٌرهما بتحذيره لهما ولم يجدا أي تبرير لفعلتهما سوى طلب المغفرة وحكم الله على آدم وحواء وإبليس والحية بأن اخرجهم من الجنه وأهبطهم الى الارض وهبط آدم وحواء من السماء إلى الأرض وتحديداً في الهند كما ذهب أكثر المفسرين في حين هبط إبليس في دستميسان على مقربة من البصرة وهبطت الحية في أصبهان.
وتاب الله على آدم وحواء ووعدهما بالعودة إلى الجنة إن اطاعاه وبالنار إن ضلّا السبيل.
كانت الأرض صحراء مقفرة عندما هبط اليها آدم ولكن الله أعطاه من ثمار الجنة ليزرعها بعد أن علّمه صنعة كل شيء وزرع آدم ثمار الجنة على الأرض وأنجب من حواء الأولاد وبقي على طاعة ربه فيما أمر واجتناب ما نهى عنه.
ولم يُخمد إبليس نار عداوته لآدم رغم ما فعل بتسبّبه في طرده من الجنه فكان يُمنّي النفس أن يُحرم عليه الجنة للأبد تماماً كحاله لكن عداوته قد انكشفت، ولم يعد بإمكانهِ مواجهة آدم لذا اختار أن يستخدم سلاحه “الوسوسة” لكن ليس على آدم وحواء بل على أبنهم قابيل الذي كان يُمني النفس بالزواج من توأمته التي شاء الله أن يتزوجها أخيه هابيل فوسوس إبليس لقابيل وزيّن له قتل أخيه هابيل فحدث ما حدث من القتل ووجد إبليس بذلك أن ذرية آدم هدفه فتجنّب آدم وحواء لإيمانهما القوي وتوبتهما العظيمة ووضع جلَّ أهدافه في ذريتهما التي رآها أضعف أمام الأهواء فبدأ شرّه يظهر للوجود وبلا حدود.
مات آدم وحواء وظن إبليس أن موتهما انتهاءً لهروبه من المواجهة وأن بإمكانه الظهور علناً للبشر وشنّ حربه عليهم، لأنهم ضعفاء لا يقدرون على المواجهة فظهر للعلن ومعه خلق من شياطين الجن والمردة والغيلان ليبسط نفوذه على الحياة في الأرض.
لكن الله شاء أن ينصر بني الإنس على الجيش الإبليسي الذي أسسه إبليس من الجن والمردة والغيلان حين نصرهم برجلٍ عظيم اسمه مهلاييل ونسبه هو: “مهلاييل بن قينن بن انوش بن شيث عليه السلام بن آدم عليه السلام” .. ويروى أنه ملك الأقاليم السبعة وأول من قطع الأشجار.
قام مهلاييل بتأسيس مدينتين محصنتين هما مدينة بابل ومدينة السوس الأقصى ليحتمي بها الإنس من أي خطرٍ يهدّدهم ثم أسّس جيشه الإنسي الذي كان أول جيش في حياة الإنس للدفاع عن بابل والسوس الأقصى وقامت معركةٌ رهيبة بين جيش مهلاييل وجيش إبليس وكتب الله النصر بها للإنس حيث قُتل بها المردة والغيلان وعدد كبير من الجان وفرّ إبليس من المواجهة وبعد هزيمته وفراره من الأراضي التي يحكمها مهلاييل ظل يبحث عن مأوى يحميه ومن معه من شياطين الجن الخاسرين في المعركة ضد مهلاييل واختار أن يكون هذا المأوى بعيداً عن مواطن الإنس يبني به مملكة يحكمها وتلم شمل قومه شياطين الجن الفارّين من غزو الملائكة آنذاك فوقع اختياره على منطقتي مثلث برمودا ومثلث التنين
استغل (إبليس) قدرات الجن الخارقة في بناء المملكة والتي كان من أهم تلك القدرات التي تلائم طبيعة البحر ما ذكرها القرآن الكريم: {والشياطين كل بناء وغواص} (ص:37) وبعد ذلك وضع عرشه على الماء وأسّس جيشه من شياطين الجن الذين التفّوا حوله في مملكته ينفّذون كل ما يأمرهم به قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة، يجيء أحدهم فيقول: ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا، فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئاً، ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، قال: فيقربه ويدنيه ويقول: نعم أنت)) رواه مسلم.
ووضع إبليس للحيّات مكانة خاصة عنده جزاء ما فعلت له من مساعدة تسببت في خروج آدم وحواء من الجنة وذلك بأن جعلها من المقربين لعرشه في مسند أبي سعيد: عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن صائد: ((ما ترى))؟ قال: أرى عرشاً على البحر حوله الحيات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صدق ذاك عرش إبليس)).
وأسّس إبليس مجلس وزرائه الذين سيقود مخططاته الشيطانية في عالم الإنس وهذا المجلس يتكوّن من اولاده الخمسه روي عن (زيد) عن (مجاهد) قوله: ((لإبليس خمسة من ولده، قد جعل كل واحد منهم على شيء من أمره، ثم سمّاهم فذكر: ثبر، الأعور، سوط، داسم، زلنبور . أما ثبر فهو صاحب المصيبات الذي يأمر بالثبور وشق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية وأما الأعور فهو صاحب الزنا الذي يأمر به ويزينه وأما سوط فهو صاحب الكذب الذي يسمع فيلقى الرجل فيُخبره بالخبر فيذهب الرجل إلى القوم فيقول لهم: قد رأيتُ رجلاً أعرف وجهه وما أدري أسمه حدثني بكذا وكذا أما داسم فهو الذي يدخل مع الرجل إلى أهله يُريه العيب فيهم ويُغضبه عليهم أما زلنبور فهو صاحب السوق الذي يركز رايته في السوق.
عالم الجن من العوالم الغيبيه التي لا نراها ولا نعلم عنها الا بالقدر الذي وجدناه مثبوتاً في كتاب الله وفي سنة نبيه عليه افضل الصلاة والسلام ومما ثبت بالتواتر عن الثقات من السلف والخلف فمن هم الجن؟ وماهي حقيقتهم؟ وما حقيقة علاقتهم مع الانس؟
ورد في لسان العرب “جَنَّ الشيءَ يَجُنُّه جَنّاً: سَتَره.
وكلُّ شيء سُتر عنك فقد جُنَّ عنك.
وجَنَّه الليلُ يَجُنُّه جَنّاً وجُنوناً وجَنَّ عليه يَجُنُّ، بالضم، جُنوناً وأَجَنَّه: سَتَره، وبه سمي الجِنُّ لاسْتِتارِهم واخْتِفائهم عن الأبصار، ومنه سمي الجَنينُ لاسْتِتارِه في بطنِ أُمِّه”.
وقد ذكر الجوهري في الصحاح : “الجِنُّ خلاف الإنسِ، والواحد جنِّيٌّ، سميت بذلك لأَنها تخفى ولا تُرَى”.
فالانسان لا يستطيع رؤية الجن على هيئتهم الحقيقيه فقد قال تعالى {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } (الأعراف:27)
وللجن اكثر من تسميه بحسب حالهم كما ورد ذلك عن ابن عبد البر عندما قال ” الجن عند أهل الكلام والعلم باللسان منزلون علي مراتب: فإذا ذكروا الجن خالصا قالوا: جني .. فإن أرادوا أنه ممن يسكن مع الناس، قالوا: عامر والجمع عمّار وعوامر.. فإن كان ممن يعرض للصبيان، قالوا: أرواح .. فإن خبث وتعزم فهو شيطان .. فإن زاد على ذلك فهو: مارد .. فإن زاد على ذلك وقوي أمره، قالوا: عفريت، والجمع: عفاريت والله أعلم بالصواب “.
وبالنسبة لحقيقة وجود الجن فهي من الحقائق التي لا تقبل الشك او الجدال وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – عندما قال : ” لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن، ولا في أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم.. وهذا لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواتراً معلوماً بالاضطرار، ومعلوم بالاضطرار أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة، بل مأمورون منهيون ” .
كما ان الأدلة على وجود الجن من القرآن كثيره ولا أدلَّ على ذلك من أن الله سمّى سورة كاملة باسمهم “الجن ” وقص فيها من أخبارهم وأقوالهم الشيء الكثير، وأما أحاديث السنة الدالة على وجودهم فأكثر من أن تحصر.
وخلق الجن قبل خلق الإنس، والدليل على ذلك قوله تعالى: { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه }(الكهف:50) وقوله تعالى{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ }(الحجر :29) فإبليس وهو من الجن قد امره الله تعالى بالسجود لآدم من قبل ان ينفخ فيه الروح بل ان الله عز وجل قد ذكر اسبقية خلق الجن في قوله { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم }(الحجر:26-27).
أما مادة خلقهم فهي النار، بدليل قوله تعالى: { والجان خلقناه من قبل من نار السموم }(الحجر:27) ونار السموم هي التي تنفذ في مسام البدن لشدة حرها، وقال تعالى: { وخلق الجان من مارج من نار }(الرحمن:15)، والمارج هو اللهب الذي لا دخان فيه . وفي صحيح مسلم عن عائشة – رضي الله عنها- أن – رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال: ( خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ).
وحقيقة خلقهم من النار لا يلزم منها ان تكون اشكالهم وهيئاتهم كالنار بل انهم اخذوا بعض صفات النار كالخفه واللطافه فهم مثل البشر الذين خُلقوا من التراب ولكنهم لم يأخذوا هيئته بل اخذوا بعض صفاته كالثقل والكثافه
فقد ورد عن النبي عليه افضل الصلاة والسلام انه قال ( عرض لي الشيطان في صلاتي فخنقته حتى وجدت برد لعابه على يدي ) فلو كانت الجن باقيه على هيئة النار لما كان للشيطان لعاب كذلك ورد عن النبي عليه افضل الصلاة والسلام انه قال ( إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي ) فلو كان الشيطان على هيئة النار لما احتاج لشهاب النار وانما اكتفى بالتلويح بيده .
وجنس الجن كجنس الإنس فيهم الذكور والإناث، قال تعالى: { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً } (الجن: 6) . وفي حديث زيد بن أرقم أن رسول الله – صلى الله علية وسلم – قال: ( إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاءَ فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) والخُبُث – بضم الخاء والباء -: ذكور الجن، والخبائث: إناثهم.
وللجن قدره على التشكّل بهيئات مختلفه فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” الجن يتصورون في صور الإبل، والبقر، والغنم، والخيل، والبغال، والحمير، وفي صور بني أدم، وقد أتي الشيطان لقريش في صورة شيخ نجدي لما اجتمعوا بدار الندوة، هل يقتلوا الرسول – صلى الله عليه وسلم – أو يحبسوه، أو يخرجوه، كما قال تعالى: { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين }.
ولما أجمعت قريش الخروج إلى بدرٍ ذكروا ما بينهم وبين كنانة من الحرب، فكاد ذلك يثنيهم، فجاء لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي – وكان من أشراف بني كنانة – فقال لهم: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة بشيءٍ تكرهونه، فخرجوا والشيطان جار لهم لا يفارقهم، فلما دار القتال ورأى عدو الله جند الله قد نزلت من السماء، فركض على عقبيه، فقالوا: إلى أين يا سراقة ؟ ألم تكن قلت: إنك جار لنا لا تفارقنا ؟ فقال: { إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب }(الانفال:48)”.
وقد روى الطبراني عن أبي ثعلبة الخشني – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ( الجن ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات، وصنف يحلّون ويظعنون ) وقال الهيثمي في المجمع: “رجاله وثّقوا وفي بعضهم خلاف ” . فعندما تتشكل الجن بهيئه غير هيئتهم الحقيقيه يستطيع الانسان رؤيتهم بل والتعامل معهم .
وبالنسبة لطعامهم ومساكنهم فقد روى مسلم في صحيحه عن بن مسعود رضي الله عنه قال (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة . ففقدناه . فالتمسناه في الأودية والشعاب . فقلنا : استطير أو اغتيل . قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم . فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء . قال فقلنا : يا رسول الله ! فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم . فقال ” أتاني داعي الجن . فذهبت معه . فقرأت عليهم القرآن ” قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم . وسألوه الزاد . فقال ” لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم ، أوفر ما يكون لحما . وكل بعرة علف لدوابكم ” . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم” ) وعن أبي هريرة (أنه كان يحمل مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إِداوَةً لوضوئه وحاجته ، فبينما هو يَتْبَعُه بها ، فقال: “مَنْ هذا؟” فقال: أنا أبو هريرة ، فقال: “ابْغِني أحجارًا أستَنفِضْ بها ، ولا تأتني بعظمٍ ولا بروثةٍ” . فأتيتهُ بأحجارٍ أحملُها في طرف ثوبي ، حتى وضعْتُها إلى جنبِه ، ثم انصرفت حتى إذا فرَغَ مَشَيْتُ ، فقُلْتُ: ما بالُ العظم والروثه؟ قال”هما من طعام ِالجنِّ ،وإنه أتاني وَفْدُ جِنِّ نَصيبينَ ، ونِعْمَ الجِنُّ ، فسَألوني الزَّادَ ، فدعوت اللَّهَ لهم أن لا يَمُرُّوا بعظمٍ ، ولا بروثةٍ إلا وجَدوا عليها طعامًا”)صحيح البخاري.
وذكر هذين الصنفين من الطعام لا يدل على أن الجن عامة مقتصرون عليهما ولكن ربما كان ذلك من أهم طعامهم، أو أنه مختص ببعضهم على حسب أصنافهم وأماكن إقامتهم .
بل قد يكون مختص بالمؤمنين فحسب كما يدل عليه ظاهر الحديث. أما الكفّار من الجن فليس لهم ذلك، بل هم يستحلون كل طعام لم يذكر اسم الله عليه، كما في الحديث: ( إن الشيطان يستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه ) رواه مسلم . ومما يمنع الشياطين من تناول طعام الأنس ذكر اسم الله عليه، فعن جابر – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلي الله علية وسلم – يقول: ( إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت. وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء ) رواه مسلم . والجن تسكن في كل مكان فمنهم من يسكن الحشوش ومنهم من يسكن الاسواق ومنهم من يسكن في منازل البشر ومنهم من يحلّون ويضعنون .
والجن مثل البشر من حيث التكليف الشرعي قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }(الذاريات،56) والنبي عليه افضل الصلاة والسلام بعث للثقلين الانس والجن وكما ان في الانس مؤمنون وكافرون كذلك الحال بالنسبة للجن قال تعالى {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ۖ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} (الجن،14).
علاقة الجن بالانس علاقه ازليه بدأت منذ خلق الله آدم ابو البشر وسوف تستمر الى قيام الساعه والغالب في هذه العلاقه هي العداوة والبغضاء فالعداوة بدأت من حقد ابليس على آدم عليه السلام وتوعّده لإفساد ذرية آدم قال تعالى:{ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }(فاطر: 6). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت ) رواه مسلم.
وفي بعض الاحيان تكون العلاقه علاقة عبودية وتسخير قال تعالى: { وجعلوا لله شركاء الجن } (الأنعام:100) قال القرطبي في تفسير الآية: “هذا ذكر نوع آخر من جهالاتهم، أي فيهم من اعتقد لله شركاء من الجن .. والآية نزلت في مشركي العرب . ومعنى إشراكهم بالجن أنهم أطاعوهم كطاعة الله عز وجل “. كما ان هناك علاقة تعليم حيث يقوم الجن بتعليم الانس السحر قال تعالى: { واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} (البقره:102)
ومن انواع العلاقه بينهما العلاقه القائمه على اذية الجن للبشر فلدى الجن القدره على اذية البشر بإذن الله ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” وعمل الجن وأذاهم للإنس إما يكون من المحرمات التي حرمها الله على الجن والإنس، وإما أن يكون فحشاً وظلما بالإكراه ” ومن امثلة ذلك ما روى مسلم في صحيحه ((أن أبا السائب دخل على أبي سعيد الخدري في بيته، قال: فوجده يصلي، قال: فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته. فسمعت تحريكاً في عراجين في ناحية البيت. فالتفت فإذا حية. فوثبت لأقتلها. فأشار إليّ: أن أجلس. فجلست. فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار. فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم. فقال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس. قال فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق. فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله. فاستأذنه يوماً. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ عليك سلاحك. فإني أخشى عليك قريظة. فأخذ الرجل سلاحه. ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة. فأهوى إليها الرمح ليطعنها به. وأصابته غيرة. فقالت له: اكفف عليك رمحك، وأدخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني. فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش. فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به. ثم خرج فركزه في الدار. فاضطربت عليه. فما يدري أيهما كان أسرع موتاً. الحية أم الفتى؟ قال: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا له. وقلنا: ادع الله يحييه لنا. فقال: استغفروا لصاحبكم. ثم قال: إن بالمدينة جناً قد أسلموا. فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام. فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه. فإنما هو شيطان)ومن امثلة ذلك أذيتهم للمولود حين ولادته: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها ) ثم يقول أبو هريرة: { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم }. قال القرطبي: ” هذا الطعن من الشيطان هو ابتداء التسليط فحفظ الله مريم وابنها منه؛ ببركة دعوة أمها حيث قالت: { إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم }”. وقد تتسبب الجن في مرض بني آدم ولا سيما بالطاعون: فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فناء أمتي بالطعن والطاعون قالوا: يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون ؟ قال: وخز أعدائكم من الجن، وفي كلٍّ شهادة ) رواه احمد .
ولعل اكثر اذى الجن حدوثاً هو تلبّسهم للبشر ورغم ذلك فإن هذا الموضوع يعتبر من المواضيع الجدليه والتي لازالت تتأرجح ما بين النفي والاثبات وسوف نستعرض ادلة الطرفين ونناقشها في الاسطر القادمه:
بالنسبة لمن ينكرون التلبّس فإن غالب ما يعتمدون عليه هو قولهم بعدم وجود ادله صريحه من القرآن تدل على تلبّس الجن للبشر وقولهم بأن ما يعتقده البعض من تلبّس انما هو في الحقيقه مرض نفسي كإنفصام الشخصيه ولعلّ ما يقوّي قولهم هذا ما ورد على لسان اشهر راقي في السعوديه الشيخ علي العمري والذي انكر تلبّس الجن للبشر ويرد اصحاب الرأي القائل بالتلبّس على ما سبق بقولهم ان الادله من القرآن والسنه كثيره ولعل ابرزها قوله تعالى { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ }(البقره:275) و حديث يعلى بن مرة قال : سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت منه شيئا عجبا …. وفيه : وأتته امرأة فقالت : إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين ، يأخذه كل يوم مرتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أدنيه . فأدنته منه ، فتفل في فيه ، وقال : اخرج عدو الله ! أنا رسول الله . رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ” وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة .. وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قلت لأبي: إن أقواماً يقولون: إن الجني لا يدخل في بدن المصروع، فقال: يا بني يكذبون، هذا يتكلم على لسانه .
وهذا الذي قاله أمر مشهور؛ فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما. والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب، ولا بالكلام الذي يقوله، وقد يجر المصروع وغير المصروع، ويجر البساط الذي يجلس عليه، ويحول آلات، وينقل من مكان إلى مكان، ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علما ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرّك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان . وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذّب ذلك فقد كَذَبَ على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك ” . وبالنسبه لموضوع الامراض النفسيه وانفصام الشخصيه فإن عالم الجن عالم غيبي يعجز العلم عن كشف ماهيّته والحكم عليه ولاشك ان بعض الحالات هي بالفعل امراض نفسيه ولكن الكثير من الحالات لايمكن ان تكون كذلك فمن يعاني من انفصام الشخصيه لايمكن ان يتحدث بأمور ليست في عقله الباطن بينما الممسوس يتكلم احياناً بلغه اجنبيه لم يكن يعلمها من قبل ويتحدث عن امور يستحيل ان يكون يعلم عنها شيئاً ويفعل امور تفوق قدرته الطبيعيه مما يجعل من يرى ذلك يجزم ان الفاعل لكل ذلك ليس الانسي بل شيء آخر مختلف تماماً عنه وبالنسبة لنفي الراقي الشهير لذلك فإن الكثير من الرقاه والمشايخ يثبتون التلبّس والشيخ علي ليس معصوماً ليكون كلامه صحيح فهو إن كان اخطأ طوال عشرين سنه فإنه للخطأ في قوله هذا اقرب من الصواب لاسيما وانه يخالف ما سبق من الادلّه واقوال اقرانه من الرقاه. بل ان من اللطائف في هذا الموضوع انه اثناء جمعي لهذه الماده اخذ احد الاصدقاء يهذي بوساوس ويتكلم عن اشخاص لانراهم ويتهددهم وبعد ان اخذه والده لمستشفى الصحه النفسيه اخبروه انه سليم ووصفوا له بعض المهدئات وسمحوا لوالده بأن يحضر له احد الرقاه وبعد ان قرأ عليه تحدث على لسانه صوت نسائي واخبرهم بأنه مسحور عندها نصحه الطبيب ان يستمر في العلاج بالرقيه .
اقوال غير ثابته في اصل الجن وعداوة ابليس للإنس
يعتقد البعض ان اول من سكن الارض هم الحن والبن وقد ورد ذكرهم في كتاب البدايه والنهاية لإبن كثير بل ان البعض ذهب الى ان العظام التي اكتشفها العلماء عام 1994م في اثيوبيا والتي تعود الى اربعة ملايين واربعمائة الف عام هي هياكل عظمية للحن والبن واذا كانت هذه العظام هي عظام الحن والبن فعلاً فهذا يعني انهم مخلوقات قريبة للبشر من حيث الخلقه وان لهم دماء وأن هذين الجنسين من المخلوقات بعد ان سكنوا الارض وعمروها عاثوا فيها الفساد فسلّط الله عليهم الجن فقتلوهم وأجلوهم عنها وأبادوهم منها وسكنوها بعدهم لأن الجن اقوى منهم من حيث الخلقه ولهم قدرات اكبر منهم كالتخفي والطيران والغوص وغيره من صفات الجن والجن هم ابناء سوميا الذي خلقه الله عز وجل قبل خلق آدم عليه السلام بألفي عام .. وقال عز وجل له تمنّ فقال سوميا أتمنى أن نرى ولا نُرى وأن نغيب في الثرى وأن يصير كهلنا شاباً ولبّى الله عز وجل لـه أمنيته وأسكنه الأرض له ما يشاء فيها وعاش الجن في الارض زمناً يعبدون الله لكن أتت أمة من الجن بدلاً من أن يداوموا الشكر لله على ما أنعم عليهم من النعم فسدوا في الأرض بسفكهم للدماء فيما بينهم فأمر الله جنوده من الملائكة بغزو الأرض لاجتثاث الشرّ الذي عمها وعقاب بني الجن على إفسادهم فيها وغزت الملائكة الأرض وقتلت من قتلت وشرّدت من شرّدت من الجن وفرّ من الجن نفر قليل اختبئوا بالجزر وأعالي الجبال وأسر الملائكة من الجن إبليس الذي كان حينذاك صغيراً وكان اسمه عزازيل وأخذوه معهم للسماء.
كبر إبليس بين الملائكة واقتدى بهم بالاجتهاد في الطاعة للخالق سبحانه وأعطاه الله منزلة عظيمة بتوليته سلطان السماء الدنيا.
ثم خلق الله أبو البشر آدم عليه السلام وأمر الملائكة بالسجود لـه فسجدوا جميعاً طاعةً لأمر الله لكن إبليس أبى السجود وبعد أن سأله الله عن سبب امتناعه قال: ((أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين)) فطرده الله من رحمته عقاباً له على عصيانه وتكبره وبعد أن رأى إبليس ما آلت إليه حالته طلب من الله أن يمدّ له بالحياة حتى يوم البعث وأجابه الله على طلبه ثم أخذ إبليس يتوعد آدم وذريته من بعده بأنه سيكون سبب طردهم من رحمة الله.
وأسكن الله آدم الجنه وخلق له زوجه حواء لتؤنسه فيها وسمح لهما بالتنعّم فيها الا شجرة نهاهما الله عنها وكانت الجنة محروسة من الملائكة الذين يُحرّمون على إبليس دخولها كما أمرهم الله بذلك وكان إبليس يتحيّن الفرص لدخول الجنة حتى يتمكن من آدم والذي لم يكن يغادرها
فاهتدى لحيلة وهي إستخدام الحية لدخول الجنة فطلب منها مساعدته للدخول للجنة فأمرته بأن يختبئ داخل جوفها حتى تمر من الحراس الملائكة واختبئ إبليس داخلها حتى تمكنت من المرور من حراسة الملائكة لداخل الجنة دون أن تُكتشف الحيلة وذلك لحكمة لا يعلمها إلا الله سبحانه.
وطلب إبليس من الحية أن تكمل مساعدتها له ووافقت وعلم إبليس بأمر الشجرة التي نهى الله سبحانه آدم وحواء من الأكل منها ووجد أنها الطريق الذي سيمكّنه من إغواء آدم وحواء حتى يخرجهما عن طاعة الله ويخرجهما من رحمته تماماً كحاله.
فأغوى ابليس آدم بينما أغوت الحية حواء حتى أكلا من الشجرة بعد أن أوهماهما بأنهما من الناصحين وأن من يأكل من هذه الشجرة يُصبح من الخالدين ومن أصحاب مُلك لا يُبلى عندها غضب الله على آدم وحواء لأكلهما من الشجرة وذكٌرهما بتحذيره لهما ولم يجدا أي تبرير لفعلتهما سوى طلب المغفرة وحكم الله على آدم وحواء وإبليس والحية بأن اخرجهم من الجنه وأهبطهم الى الارض وهبط آدم وحواء من السماء إلى الأرض وتحديداً في الهند كما ذهب أكثر المفسرين في حين هبط إبليس في دستميسان على مقربة من البصرة وهبطت الحية في أصبهان.
وتاب الله على آدم وحواء ووعدهما بالعودة إلى الجنة إن اطاعاه وبالنار إن ضلّا السبيل.
كانت الأرض صحراء مقفرة عندما هبط اليها آدم ولكن الله أعطاه من ثمار الجنة ليزرعها بعد أن علّمه صنعة كل شيء وزرع آدم ثمار الجنة على الأرض وأنجب من حواء الأولاد وبقي على طاعة ربه فيما أمر واجتناب ما نهى عنه.
ولم يُخمد إبليس نار عداوته لآدم رغم ما فعل بتسبّبه في طرده من الجنه فكان يُمنّي النفس أن يُحرم عليه الجنة للأبد تماماً كحاله لكن عداوته قد انكشفت، ولم يعد بإمكانهِ مواجهة آدم لذا اختار أن يستخدم سلاحه “الوسوسة” لكن ليس على آدم وحواء بل على أبنهم قابيل الذي كان يُمني النفس بالزواج من توأمته التي شاء الله أن يتزوجها أخيه هابيل فوسوس إبليس لقابيل وزيّن له قتل أخيه هابيل فحدث ما حدث من القتل ووجد إبليس بذلك أن ذرية آدم هدفه فتجنّب آدم وحواء لإيمانهما القوي وتوبتهما العظيمة ووضع جلَّ أهدافه في ذريتهما التي رآها أضعف أمام الأهواء فبدأ شرّه يظهر للوجود وبلا حدود.
مات آدم وحواء وظن إبليس أن موتهما انتهاءً لهروبه من المواجهة وأن بإمكانه الظهور علناً للبشر وشنّ حربه عليهم، لأنهم ضعفاء لا يقدرون على المواجهة فظهر للعلن ومعه خلق من شياطين الجن والمردة والغيلان ليبسط نفوذه على الحياة في الأرض.
لكن الله شاء أن ينصر بني الإنس على الجيش الإبليسي الذي أسسه إبليس من الجن والمردة والغيلان حين نصرهم برجلٍ عظيم اسمه مهلاييل ونسبه هو: “مهلاييل بن قينن بن انوش بن شيث عليه السلام بن آدم عليه السلام” .. ويروى أنه ملك الأقاليم السبعة وأول من قطع الأشجار.
قام مهلاييل بتأسيس مدينتين محصنتين هما مدينة بابل ومدينة السوس الأقصى ليحتمي بها الإنس من أي خطرٍ يهدّدهم ثم أسّس جيشه الإنسي الذي كان أول جيش في حياة الإنس للدفاع عن بابل والسوس الأقصى وقامت معركةٌ رهيبة بين جيش مهلاييل وجيش إبليس وكتب الله النصر بها للإنس حيث قُتل بها المردة والغيلان وعدد كبير من الجان وفرّ إبليس من المواجهة وبعد هزيمته وفراره من الأراضي التي يحكمها مهلاييل ظل يبحث عن مأوى يحميه ومن معه من شياطين الجن الخاسرين في المعركة ضد مهلاييل واختار أن يكون هذا المأوى بعيداً عن مواطن الإنس يبني به مملكة يحكمها وتلم شمل قومه شياطين الجن الفارّين من غزو الملائكة آنذاك فوقع اختياره على منطقتي مثلث برمودا ومثلث التنين
استغل (إبليس) قدرات الجن الخارقة في بناء المملكة والتي كان من أهم تلك القدرات التي تلائم طبيعة البحر ما ذكرها القرآن الكريم: {والشياطين كل بناء وغواص} (ص:37) وبعد ذلك وضع عرشه على الماء وأسّس جيشه من شياطين الجن الذين التفّوا حوله في مملكته ينفّذون كل ما يأمرهم به قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة، يجيء أحدهم فيقول: ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا، فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئاً، ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، قال: فيقربه ويدنيه ويقول: نعم أنت)) رواه مسلم.
ووضع إبليس للحيّات مكانة خاصة عنده جزاء ما فعلت له من مساعدة تسببت في خروج آدم وحواء من الجنة وذلك بأن جعلها من المقربين لعرشه في مسند أبي سعيد: عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن صائد: ((ما ترى))؟ قال: أرى عرشاً على البحر حوله الحيات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صدق ذاك عرش إبليس)).
وأسّس إبليس مجلس وزرائه الذين سيقود مخططاته الشيطانية في عالم الإنس وهذا المجلس يتكوّن من اولاده الخمسه روي عن (زيد) عن (مجاهد) قوله: ((لإبليس خمسة من ولده، قد جعل كل واحد منهم على شيء من أمره، ثم سمّاهم فذكر: ثبر، الأعور، سوط، داسم، زلنبور . أما ثبر فهو صاحب المصيبات الذي يأمر بالثبور وشق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية وأما الأعور فهو صاحب الزنا الذي يأمر به ويزينه وأما سوط فهو صاحب الكذب الذي يسمع فيلقى الرجل فيُخبره بالخبر فيذهب الرجل إلى القوم فيقول لهم: قد رأيتُ رجلاً أعرف وجهه وما أدري أسمه حدثني بكذا وكذا أما داسم فهو الذي يدخل مع الرجل إلى أهله يُريه العيب فيهم ويُغضبه عليهم أما زلنبور فهو صاحب السوق الذي يركز رايته في السوق.