- إنضم
- 9 سبتمبر 2008
- المشاركات
- 3,579
- نقاط التفاعل
- 580
- النقاط
- 171
حقيقة الوهابية!
ردّا على الهجمة الإعلامية القذرة على دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
ذكروا عنَّا أشياء يستحي العاقل من ذكرها..كل ما ذُكر عنّا من الأشياء، غير دعوة الناس إلى التوحيد، والنهي عن الشرك، فكلّه من البهتان
محمد بن عبد الوهاب
الوهابية، وهابي، المذهب الوهابي، كلمات انتشرت في الآونة الأخيرة، تُرددها الألسن في وسائل الإعلام، ومجالس الحوار، فهل عرف معناها مُردّدها وسامعها؟! أم أنّه مجرد تقليد للغير، واتّهاما لأُناس من غير تثبّت؟! ولاشك أن العاقل ينزّه سمعه ولسانه عن قضايا لم يدرك معناها إدراكا يعفيه من الحساب في الدنيا والآخرة، ورحم الله المؤرّخ الجزائري وأوّل وزير للشؤون الدينية بعد الاستقلال أحمد المدني القائل: «الحقيقة التاريخية لا تظهر بجلاء إلاّ بدراسة مختلف الوثائق والأسانيد، والمقابلة بين أقوال الخصمين، والخروج من ذلك بنتيجة ربّما لا ترضي أحدا من الجانبين، إنّما هي ترضي الحق وتُثبت عدالة التاريخ» [«حياة كفاح» (1/67)].
فمن هم الوهابية يا تُرى؟!
كل من بحث في هذه القضية لم ولن يجد طائفة تتبنّى هذا الاسم، وإنّما اتَّهم الصوفية والشيعة كلّ من اتبع عالما وُلد بنجد –السعودية- سنة: (1115 هـ / 1703م) اسمه محمد بن عبد الوهاب، أخذ العلم عن شيوخ كانوا دعاة قبل أن يولد، فالذي دعا إليه الناس هو خلاصة ما حصّله من شيوخه، فلم يأت بشيء جديد كما سيأتي بيانه!
وهناك إشكال كبير: من المفترض أن تكون النسبة (مُحمدية) فشيخهم هو محمد! والذي يظهر أنّ تسمية (محمّدية) تزعج الخصوم، وتجعل الناس تقترب منها استحسانا لنسبتها، مما جعلهم ينسبون طائفة لغير قائدها، وهي خدعة انطلت على بعض الناس.
مميّزات الطاعنين في الوهابية
لا ريب أنّ الواقف على صفات خصوم (الوهابية) كمًّا ونوعًا، سينجلي أمامه غبار التعتيم الذي يُمارسه الإعلام في هذه القضية الخطيرة، وكما قيل وبضدّها تتميّز الاشياء.
فمن مُميّزاتهم:
تعدد مشاربهم، فهُم إمّا من: الصوفية، أو الرافضة الشيعة، أو العلمانيين ممن يسعون لإلغاء الإسلام، وموقف هذا الصنف الأخير هو موقف محيّر! فالديمقراطية عندهم هي ركن العلمانية التي تنبثق منها حرية الفكر التي منحوها لجميع البشر كاليهود والنصارى والهندوس! فلماذا أرادوا إقصاء الوهابية من هذا المضمار الشاسع؟! لا شك –وبعد دراسة متأنّية- أنّها المدرسة الوحيدة التي تهدّد العلمانية، لسعيها الجاد لتحكيم الشريعة في المجتمع الإسلامي، وإحياء السنن في نفوس المسلمين، هذا فيما يخص العلمانيين.
أمّا اليهود والنصارى فقد ركبوا موجة العداء لمحمد بن عبد الوهاب، والملاحظ أنّ كلّ هذه الأصناف وجدت في وسائل الإعلام الملجأ الآمن!، وهو الملجأ الذي اطمأنّ له أكثر الناس، بعدما ابتعدوا عن القراءة الهادفة! وهو ما تفطّن له المصلحون قديما، يقول محمد رشيد رضا في [«مجلة المنار» (27 / 463)]: «حملت الجرائد على الوهابيين حملة واحدة لا يصدها صادّ، ولا تقف دون حد وأباحت صفحاتها لأصحاب الأهواء السياسية والخرافية الدينية المخالفين لهم في عقائدهم وآرائهم وأفكارهم».
ومن مُميّزاتهم:
كيل الاتهامات العريضة للوهابية من غير إظهار لبراهين من مصادر موثوقة أو حتى غير موثوقة! وإذا ما أُلزموا بذلك تراهم يحيلون على النت أو الجرائد! وأفضلهم من يحيل على كتاب مجهول! وليس بمهمّ أن كان صوفيا أو رافضيا أو نصرانيا، كردود دحلان وابن جرجيس وهما صوفيان مشهوران، وكذلك اعتمادهم على مُذكرات النصراني المجهول (هِمْفَر) الذي كتب تاريخه وأظهر فيه حقده على الوهابية، مع أخطاء تاريخية فادحة، فوجد فيه خصوم محمد بن عبد الوهاب مبتغاهم!.
ومن مُميّزاتهم:
شيطنة دعوة محمد بن عبد الوهاب بأنواع من التهم، حتى يُخيّل لك أن إبليس هو قائدها جاء بها ليدمّر العقائد ويُزهق الأرواح، فأحقادهم منعدمة النظير! إذا رأيت الواحد منهم وهو يتكلم عنها ترى الجنون قد أخذ بعقله! محمرّ الوجه مرتعد الفرائص.
ومن مُميّزاتهم:
وقوعهم في نفس الانحرافات التي انتقدوها على محمد بن عبد الوهاب، فقد كفّروه وبدّعوه ورموه بالإلحاد كما فعل دحلان في الفتوحات الإسلامية (2/239)، وجرَّحوا كل من مدح الوهابية، واتهموا الأبرياء بالإرهاب والتطرف!
هذه بعض صفات خصوم ابن عبد الوهاب، اختصرتها لضيق المقام، وإنّي أدعو كلّ قارئ أن يقارن بين ما كتبناه وبين بما سيراه عمليا عند خصوم محمد بن عبد الوهاب!
حقائق أم أكاذيب؟!
لقد أثار خصوم ابن عبد الوهاب أخبارا تنتقص من مكانته، وهي عادة قديمة تحدث في الخصومات، وعليه فليس من الإنصاف أن نبتلع كل ما يقوله خصم عن خصمه، بل ينبغي علينا أن ننظر للمُتَّهَم هل هو مقرٌّ بما يُنقل عنه أم لا؟! وكل مطّلع على كتابات محمد بن عبد الوهاب يعلم أنّه أنكر ما نُسب إليه، قال كما في «الدرر السنية (1/33-72)»: «والله يعلم أن الرجل افترى عليّ أمورا لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي..وذكروا عنَّا أشياء يستحي العاقل من ذكرها..كل ما ذُكر عنّا من الأشياء، غير دعوة الناس إلى التوحيد، والنهي عن الشرك، فكلّه من البهتان»، فهذه أقوال الرجل، فلينظر فيها القارئ وليبحث عمّا يُبرهن على صحة أقاويل خصومه، وإلاّ فليبق متشبّثا بأصل البراءة حتى تثبت التهمة.
وليس بمقدورنا أن نتطرق لكلّ ما قيل عنه وعن دعوته في مثل هذ المقام، لكن لابأس أن نعرّج على أبرز الاتهامات التي روّج لها خصومه، وهي ثلاثة:
أوّلا: صناعة بريطانية:
وهي أقوى ما روّج له خصومه لعلمهم المسبق أن عداء المسلمين للإنجليز سيسهّل عليهم المهمّة، أمّا جذور الحكاية فتمتد لوقت كتابة رجل مجهول سمّى نفسه (هِمْفَر) مُذكّراته، يدّعي فيهاأنّه التقى بمحمد بن عبد الوهاب! ويكفي في إبطال هذا الزعم فقرات ثلاث من الكتاب المذكور، وهي: «كان محمد بن عبد الوهاب شابا متحررا بكل معنى الكلمة لا يتعصّب ضد الشيعة..كان يقول نصف كتاب البخاري باطل.. كان يترك الصلاة غالبا..» «مذكراته (31-38)»، وواصل في سرد حكايات سخيفة منها شُربه الخمر وتمتعه بنصرانية! قال: «شرب حتى الثمالة وعربد وجامعها عدة مرات»، نعم! هذا هو الكتاب الذي اعتمده أصحاب تهمة الصناعة البريطانية! والغريب أن أكثر الخائضين لم يسمعوا عن مصدر الفرية فضلا عن معرفتهم بعنوان الكتاب واسم صاحبه.
ثانيا: الخروج على الخلافة العثمانية:
وهي ممّا لبّس به خصومه على المسلمين، ولا شك أنّ كل من عرف التاريخ العثماني، يدرك أن الخلافة كانت وقت قيام محمد بن عبد الوهاب بدعوته في أضعف أيّامها، ولم تقدر على بسط نفوذها على الجزيرة، وهذا ما شهد عليه حتى خصومه، ومنهم دحلان، يقول في «الفتوحات الإسلامية (2/241)»: «كانت الدولة العثمانية في تلك السنين في ارتباك كثير وشدة قتال مع النصارى وفي اختلاف في خلع السلاطين وقتلهم»، ومن تأمل في المصادر التاريخية لتلك الحقبة يجد هذه الحقيقة، يقول ابن بشر في «عنوان المجد (1/47-55)» وهو من أعظم ما كتب عن تاريخ نجد: «لما بقيت الرياض بلا رئيس ترأس دهام.. وفي سنة 1105..كثر القتل والقتال في مكة والحرم» بل حتى منطقة حريملا التي منها انطلق محمد بن عبد الوهاب في دعوته قال عنها ابن بشر (2/85): «وكان رؤساء أهل بلد حُريملا قبيلتين وكل منهما يدّعي القول له ولا للبلد رئيس يزع الجميع»، ولم يثبت أنّ حامية عثمانية واحدة وصلت إلى نجد في تلك الأيّام كما تُثبته الوثائق، فكيف استطاع خصوم محمد بن عبد الوهاب إثبات هذه التهمة ؟!، ومن نظر في مسائل الرجل التي دوّن فيها رؤيته العقائدية في قضية طاعة وليّ الأمر والخروج، يجد أنّه قد أبرأ ذمته، يقول كما في «الدرر السَنيّة (1/31)»: «وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين، برّهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، وغلبهم بالسيف حتى صار خليفة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه».
ثالثا: دعوة تكفيرية إرهابية:
لم نسمع بالإرهاب والتفجيرات إلا في هذا الزمن! مع أنّ دعوة الرجل قد اكتسحت العالم لمدة تفوق قرنين، وحتى أتباعه ممن يوصفون بالسلفية والمداخلة، قد عرفهم الناس برفض التكفير والتطرف، ومواقفهم تشهد خصوصا في الجزائر، حتى لقّبهم خصومهم بعبيد السلطان! أمّا احتجاج الخوارج بكلام الرجل أو نشرهم لبعض كتبه فالعقل يرفض هذه المجازفة! لأنّ القوم قد احتجوا بالقرآن والسنّة، وكلام الصحابة، فهل سَنتَّهِم هذه المصادر بالإرهاب؟ أم أن العدل يحتّم علينا أن نتهم من أساء فهم القرآن قبل كلام محمد بن عبد الوهاب! أما التكفير كحكم شرعي ليس هو من خصائص محمد بن عبد الوهاب، بل كل أئمة المذاهب قالوا بتكفير من خالف أصلا من الأصول التي بيّنوها، أو ارتكب ناقضا من النواقض، وهذا موجود في كتبهم قبل أن يخلق محمد بن عبد الوهاب، وكُتب المالكية تعجّ بهذا، يقول خليل المالكي في «مختصره» (247- 249): «الرِّدَّة كفرُ مسلمٍ بصريح، أو لفظ يقتضيه، أو فعل يتضمَّنه»، فهل سيتجرّأ خصوم الوهابية ويتهمون هذا الإمام بالتكفير؟ وينبغي أن ننب أن محمد بن عبد الوهاب قد تبرّأ من هذه التهمة، قال «الدرر السَنيّة (1/80-102)»: «ويا عجبا كيف يدخل هذا في عقل عاقل، هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون؟..والعلماء اختلفوا في كفر التارك لها كسلا من غير جحود، ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم: الشهادتان».
هذه أبرز التهم التي أوردها الخصوم اكتفينا بها لأهميّتها، وإلاّ فهناك عشرات المسائل التي شنعوا بها عليه، كالكرامات، والشفاعة والتوسّل، والاحتفال بالمولد، وانتقاص الأئمة، والخروج عن مذاهبهم، إذا نظر فيها العاقل يعرف أنها مسائل لها تعلق بالرافضة والصوفية، فهم من حرفوا معانيها وحوّروا مسارها الشرعي، وإنما جاء محمد بن عبد الوهاب لتصحيحها، فقابلوه بحروب قصدوا بها تشويه صورته وإثارة العامة عليه.
الوهابي بلسان حال خصومه!
السامع لكلّ ما قيل عن الوهابية، يجتمع عنده انطباع من حيث لا يشعر أنّ الوهابيّ: هو ذاك المُتديّن الذي أعفى لحيته وقصّر ثوبه، وحذّر من الخوارج والشيعة والصوفية والعلمانية، وحثّ على تحكيم الشريعة، وانتقد الأحزاب، وأطاع السلطان، وأنكر البدع وطبّق السنّة، ونشر صحيح الأحاديث وكشف عن ضعيفها! والقارئ الكريم غير ملزم بتصديق ما أقرره هنا بل عليه أن يتدبّر في أقوال خصوم محمد بن عبد الوهاب وسيجد ألسنتهم تصف كل من تطرق لمثل هذه القضايا أو التزم بشريعة الله قولا وعملا بأنّه وهابي.
حقيقة خطيرة ونبأ صادم
بمجرّد أن ينظر القارئ في تفاصيل هذه الحرب، يدرك أنّ أصحابها قد صوّبوا سهامهم لكلّ المصلحين الذين اشتركت رؤاهم مع رؤية محمد بن عبد الوهاب، فالناظر في سيرة جمعية العلماء المسلمين، يجد تشابها كبيرا بين مناهجها التعليمية وبين مدرسة محمد بن عبد الوهاب! وهو ما يستدعي اهتماما بهذه القضية لما يترتب عليها من آثار، أقلّها خطرا أن يكبر أبناء الجزائر على اتّهام الجمعية في عقيدتها، ورميها بما يرمى به ابن عبد الوهاب!.
إنّ العلاقة الوطيدة بين الجمعية وبين مدرسة محمد بن عبد الوهاب كانت غير خافية عند الموافق والمخالف، لاشتراكهما في نفس الأهداف، يقول المؤرّخ أبو القاسم سعد الله رحمه الله في [«الحركة الوطنية» (2/386)]: «إنّ الكُتّاب الفرنسيّين يكادون يتفقون على إرجاع أصل الفكرة الإصلاحية لدى العلماء إلى الحركة الوهابيةوكانت تهدف إلى تطهير وإحياء الإسلام»، ويقول محمد الميلي في [«الشيخ مبارك الميلي؛ حياته العلمية» (ص 128)]: «إن هذا العمل -أي رسالة الشرك ومظاهره- يسجل مظهرا من مظاهر الوحدة الفكرية بين المغرب العربي والمشرق، وهي وحدة تحققت بفعل عامل الدين واللغة في نفس الوقت، فأوجه الشبه بين حركة جمعية العلماء وتيارات الفكر السلفي في المشرق عديدة، فقد اعتمدت في دعوتها على كتب ابن تيمية وابن القيم وكتابات محمد بن عبد الوهاب».
وليست هي حقيقة نسجتها مخيّلات الناس، بل هي شهادات صدرت من قيادة الجمعية الأولى:
يقول ابن باديس رحمه الله[«الآثار» (4/236)]: «(الوهابية) هي حركة إصلاح في الإسلام ترجع إلى العلامة العظيم محمد بن عبد الوهاب، وترمي إلى تطهير الإسلام من جميع البدع».
ويقول الإبراهيمي رحمه الله [«الآثار» (1/124)]: «إن الوهّابيين قوم مسلمون يشاركونكم في الانتساب إلى الإسلام ويفوقونكم في إقامة شعائره وحدوده ويفوقون جميع المسلمين في هذا العصر بواحدة وهي أنهم لا يقرُّون البدعة، وما ذنبهم إذا أنكروا ما أنكره كتاب الله وسنة رسوله».
ويقول العقبي رحمه الله [«السنّة» (العدد 2 ص: 7)]: «ثُمّ ما هي هذه الوهابية التي تصوّرها المُتَخَيِّلون أو صَوَّرَها لهُم المجرمون؟ أهي حزب سياسي وخطر اجتماعي؟ أم هي مذهب ديني وعقيدة إسلامية؟ وإذا كانت الوهابية هي عبادةُ اللهِ وحدَهُ بما شرعه لعباده، فإنها هي مذهبنا ودِينُنَا التي نَدِينُ اللهَ بِهَا وعَلَيْهَا نَحْيَى وَعَلْيَها نَمُوتُ ونُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الآمِنِين».
ويقول أحمد حماني رحمه الله [«صراع بين السنة والبدعة» (1/50-51)]: «أول صوت ارتفع بالإصلاح والإنكار على البدعة ووجوب الرجوع إلى كتاب الله والتمسك بسنة رسول الله ق ونبذ كل ابتداع ومقاومة أصحابه، جاء من الجزيرة العربية وأعلنه في الناس محمد بن عبد الوهاب أثناء القرن الثامن عشر، كان مبنيّا على الدين وتوحيد الله ﻷومحو كل آثار الشرك لما كان كذلك فقد فهم أعداء الإسلام قيمتها» .
إن بغي الخصوم جعلهم يكتمون هذه الحقيقة بعدما تيقنوا أنها ستفضحهم إن هم جهروا بها! فصعب عليهم اتّهام ابن باديس بالوهابية! لكنّهم عمدوا إلى ترسيخ هذا المعتقد عند الجزائري بطرق خفيّة حتى يقول به وهو لا يدري، فعندما يكبر الصغير على كراهية دعاة التوحيد فلاشك سيتهم الجمعية إن هو وقف على محاربتها الشرك.
قالوا عن الوهابية
وبعيدا عن أنصار الوهابية! ننقل شهادات لأصحاب مدارس فكرية، هي أقرب للعلمانية والصوفية، ولا ارتباط لها بالمدرسة السلفية المحسوبة على محمد بن عبد الوهاب، فهي شهادات أدباء ومفكرين -كما يحلو للبعض تسميتهم- اتفقت على تزكية هذه الدعوة، وقد أنصفوها انصافا باهرا، لهذا حرص الخصوم على تغييبها.
1- يقول الكاتب المصري الشهير أحمد أمين في كتابه «زعماء الإصلاح في العصر الحديث (صفحة 7-18)»: «اسم الوهابية هو اسم أطلقه عليهم خصومهم واستعمله الأوروبيون ثم جرى على الألسن، كان حرّ التفكير في حدود الكتاب والسنّة، لا يخشى أحدا، كانت دعوته حربا على كل ما ابتُدع، كانت جزيرة العرب عندما دعا دعوته أشبه شيء بالجاهلية».
2- ويقول أبو الحسن الندوي في كتابه [«القرن الخامس عشر» (صفحة: 52-55)]: «حركة تطهير العقائد ودعوة الدين الخالص الكبرى، التي قامت في مركز الإسلام الجزيرة العربية، قادها الإمام محمد بن عبد الوهاب وقد كسبت دعوته نجاحا لم يلقه كثير من المصلحين، فقد نشأ نتيجة لها مدرسة بلغ تأثيرها إلى أنحاء بعيدة، إن العقلية الغربية عاجزة عن تفهم هذه الحقيقة، وهي أن دراسة الكتاب والسنة الواعية المخلصة تفتق العقول، وتزيل الغشاوة، وتلهب جذوة الإيمان، فتُنهض في كل فترة قادة ومصلحون يثورون على الأوضاع الفاسدة»
3-ويقول طه حسين في كتابه [«الحياة الأدبية» (صفحة: 34-36)]: «أراد محمد بن عبد الوهاب أن يَجعل من هؤلاء الأعراب المشركين قومًا مسلمين على نحو ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن الغريب أن ظهور هذا المذهب في نجد قد أحاطت به ظروف تُذكر بظهور الإسلام»
4- أما محمد عبده: فيقول عنه حافظ وهبة في [«خمسون عاما في جزيرة العرب» (صفحة: 43)]: «لقد سمعت في صغري ثناء الشيخ محمد عبده وإطراءه للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ووضعه إياه في عداد المجددين المصلحين».
5- ويقول المفكر الجزائري مالك بن نبي في كتابه [«شاهد للقرن» (صفحة: 306)]: «الأمر الذي لاشك فيه هو أن الاستعمار كان يتضايق كثيرا من تولي الدولة السعودية على الأرض المقدسة، لأنّها ستصبح منارة إشعاع للفكرة الوهابية، الفكرة الإسلامية الوحيدة التي تصلح بما فيها من طاقة متحركة لتحرير العالم الإسلامي المنهار منذ سقوط خلافة بغداد».
والمطّلع على كتب ابن نبي يدرك أن الرجل كان يتبنى جهارا أفكار محمد بن عبد الوهاب في التوحيد! فها هو يقول في كتابه [«شاهد على القرن» (1/261)]: «أما صديقي صاحب المقهى- وكنا نسميه (ولد جدنا) - الذي ما زالت قدمه راسخة بزاوية القادرية، فقد فضل الصمت حتى لا يتوروط في نظرياتي الإصلاحية الوهابية الوحدوية».
6- يقول محمد الغزالي: في كتابه (مائة سؤال عن الإسلام ص:270):«رفع محمد بن عبد الوهاب شعار التوحيد، وحق له أن يفعل! فقد وجد نفسه في بيئة تعبد القبور..وقد رأيت بعيني من يقبلون الأعتاب ويجأرون بدعاء فلان أو فلان! ما هذا الزيغ؟»
7- ويقول يوسف القرضاوي في كتابه «فقه الأولويات (263)»: «فالإمام محمد بن عبد الوهاب كانت الأولوية عنده للعقيدة، لحماية التوحيد من الشركيات والخرافيات التي كدرت صفاءه، وألف في ذلك كتبه، وقام بحملاته في هدم مظاهر الشرك».
هذا آخر ما أنقله للقارئ من تلك الشهادات، ولاشك أنّ الباحث وهو يقف بين أقوال هؤلاء وبين أقوال خصوم محمد بن عبد الوهاب، يجد نفسه –طواعية- تُقدّم أقوال من نقلنا شهاداتهم لاعتبارات أربعة:
أولا: أنهم محل ثقة عند خصوم محمد بن عبد الوهاب.
ثانيا: كانوا أقرب لعصر محمد بن عبد الوهاب وأتباعه.
ثالثا: أنّهم كانوا مهتمّين بقضايا الأمة -بغض النظر عن صحة توجهاتهم - لهذا كان تقديم كلامهم على كلام غيرهم هو عين الإنصاف لأنه كلام متخصّص بالشأن الإصلاحي.
رابعا: توجهاتهم الدعوية المخالفة من حيث الإجمال لدعوة محمد بن عبد الوهاب، ويؤكّد هذا انتقاداتهم الثابتة عنهم للانحرافات الفردية لبعض أتباع محمد بن عبد الوهاب التي لا يتحمل وزرها، لكنها انتقادات أخوية أبرزت مقاصد أصحابها من خلال ثنائهم على دعوته كما مرّ بنا، فليسوا من الأتباع الذين تحملهم العواطف –عادة- على مجانبة الحقيقة في إطراء السيد والشيخ.
الخاتمة
بعد هذه الإطلالة العاجلة على هذه القضية المهمّة، نجد أنّ النظر بعين المقت، وإهمال قواعد النقد، وتكريس فكرة الانتقام، هي عُدّة المتكلمين على دعوته، وهي عادة البشر تزداد سوءا كلما طال الأمد، يطلقون العنان لأحقادهم تُجاه كل من يخالفهم، ويجسدونها بالافتراءات، ويصادف ذلك قلوبا خاوية من خشية الله، وعقولا مرتجّة، تهوى الغريب من الأخبار والقصص، فكيف لو ملكت هذه القلوب جرائد وقنوات؟!
فرجل من المصلحين، قام في زمن كادت تُمحى فيه معالم الإسلام كما شهد من نقلنا أقوالهم، وقَومته هي قومة بشر يخطئ ويصيب، وإنما واجه جيشا من الفرق وعلى رأسها الصوفية والرافضة، وهو جيش قد شهدت البشرية بتبحّره في الكذب والافتراء، لا يقوى عليه إلا من وفقه الله ورزق بأتباع مخلصين ينتصرون له، وعليه فإنّ أصحاب العقول ينحازون تلقائيا لمن خاصمه أعداء الله ورسوله ه من الطوائف التي شهد التاريخ بمناقضتها لأصول الدين وفروعه، وتحالفها مع خصوم الأمّة على مرّ العصور، وليس هذا من الكلام الذي يرمى من غير دليل، وإنما هو حق يجد القارئ دلالاته في هجمات القوم على دعوة محمد بن عبد الوهاب، فقدحهم فيه دائما ما يقابله ثناء على دول الرافضة، ورؤوس الإجرام في هذا العصر، فليتمعّن العاقل ولينظر بكل هدوء فيما يجري من حوله، وسيدرك لا محالة أنها حرب أريد بها محاربة الإسلام وأهله، وتشويه دعاة الحق في كل مكان وزمان، وأرجو أن أكون قد وُفّقت في هذا الطرح المختزل، فالمقام لا يسمح بأكثر من هذا، ونصيحتي أن نكون جميعا على قدر المسؤولية الأخلاقية التي أنيطت بنا كبشر أولا، ثم كمسلمين أوجب عليهم خالقهم أن يعاملوا كافة الناس بميزان العدل والقسط، وألاّ نسلم عقلونا لكلّ متحدّث، وإنما ننظر في الكلام فنتبع أحسنه، ونبحث عن الحقيقة بكل تجرّد، ثم لا يتوانى كلّ من ظهر له الحق عن إذاعته بين الناس، وهو واجب وفريضة، وكتمانه هو من الخيانة التي ترفضها النفوس الشريفة، لا سيما في زمن طغى فيه البغي والتعدي على حقوق الأبرياء، والحمد لله رب العالمين.
كتبه:
أبو معاذ محمد بن حمُّو مرابط
العاصمة