التطور الحركي
ولد الطفل بدون أن تكون لديه أي قدرات سوى بضع غرائز وإنعكاسات إنفعالية كمص الأصابع ومنذ اليوم الأول يبدأ في تكوين القدرات الحركية والفكرية ومع إكتساب كل مقدرة يفقد الطفل إحدى الإنعكاسات الإنفعالية والحركية الطفولية، أي أنه في كل مرحلة عمرية هناك مكتسبات ومفتقدات وصولاً للسلوك الأكثر إرتقائاً.
وإذا علمنا أن وزن المخ عند الولادة هو 400 جرام وفي سن الرابعة هو 1400 جرام لعرفنا الأهمية البالغة لهذه المرحلة من العمر وبالطبع مع نمو المخ تنمو الأعصاب والأحاسيس كما تنمو المهارات والقدرات؛ فالزرع يحتاج إلى الماء لنموه وكذلك القدرات والمهارات تحتاج إلى التدريب والتعليم والبيئة التي يعيش فيها هي المصدر الأساسي لذلك وبقدر التدريب يكون نمو القدرات والذكاء.
تعريف النمو الحركي:
يشير مصطلح النمو الحركي إلى العملية التي بمقتضاها يستطيع الطفل أن يقوم بعدد من المهارات الحركية المختلفة (مهارات حركية كبرى- مهارات حركية دقيقة) مع إرتقاء التحكم في حركات الجسم المختلفة؟ وذلك عن طريق التآزر بين المراكز العصبية من ناحية والأطراف العصبية والعضلات من ناحية أخرى.
الجهاز العصبي وعلاقته بالنمو الحركي:
إن إرتقاء الأشكال المختلفة للنشاط الحركي إنما يسير جنباً إلى جنب مع نمو الأجزاء المختلفة للجهاز العصبي عند الطفل.
ونظراً لأن المراكز العصبية التي تقع في الأجزاء الدنيا من الجهاز العصبي (الحبل الشوكي) تنضج قبل المراكز العصبية الموجودة في المراكز العليا من القشرة المخية فإن المهارات الحركية البسيطة مثل الأفعال المنعكسة الأولية reflexes تظهر عند الوليد قبل الحركات الإرادية التي تنشأ من المراكز العصبية العليا في المخ.
الجهاز العصبي والأفعال المنعكسة الأولية:
الأجزاء التي تسيطر على الأفعال المنعكسة الأولية هي أكثر أجزاء المخ نضجاً عند الوليد والتي تعرف بأنها حركات لا إرادية تهدف إلى المحافظة على حياة الكائن الحي وحمايته من أي أخطار ومن هذه الإنعكاسات:
1. إنعكاسات فمية ومن هذه الإنعكاسات (إنعكاسات المص والبلع) وتظهر هذه الإنعكاسات بصورة خاصة عندما يشعر الوليد بالجوع ويقترب ميعاد رضاعته وهي توجد عند جميع الأطفال وغياب هذه الإنعكاسات يدل على وجود خلل في الجهاز العصبي للوليد.
2. إنعكاسات العين:
مثل إنقباض حدقة العين عند رؤية ضوء قوي أو رمش العين أو إغلاق الجفن عند سماع صوت مفاجيء وتهدف هذه الإنعكاسات إلى محاولة الطفل التكيف مع أي مؤثرات خارجية يتعرض لها.
3. إنعكاس مورو:
ويحدث ذلك عند رفع رأس الطفل قليلاً عن الفراش الذي ينام عليه بزاوية مقدارها 45 درجة ثم ترك رأسه فجأه؛ وغالباً ما يستجيب الطفل في هذه الحالة بالصراخ وفتح ذراعه وراحة يده مع الإحتفاظ بأصابع يديه مقوسه.
مقومات الحركة
1. الإيقاع: Tone
يشير إيقاع العضلة إلى درجة توتر أو شدة العضلة؛ وحينما تصل درجة توتر العضلة إلى معدل ثابت فإن وضع العظام المجاورة لهذه العضلة يصبح ثابتاً ويتم الإحتفاظ بهذا الوضع وبالإضافة إلى الدور الذي يلعبه إيقاع العضلات في المحافظة على إستقامة وضع الجسم فإنها أيضاً تكون مسئولة عن الحركة وتوازن حركة الجسم.
مثال : حركة فرد أو ثني الذراع.
2. التحكم Control
لكي تعمل عضلات الجسم بطريقة متآزرة لابد أن يكون هناك مركز للتحكم في حركة هذه العضلات ويقع مركز التحكم في العضلات داخل المخ والذي هو بمثابة المايسترو والذي يساعد على تنظيم وتآزر وتكامل النشاط الحركي للجسم.
مثال: المراكز العليا للنشاط الحركي توجد في الفص الجبهي وهي المسئولة عن الحركات الإرادية؛ أما المراكز الدنيا للنشاط الحركي فهي في المخيخ وجذع المخ وهي المسئولة عن الحركات اللاإرادية.
3. القوة أو الشدة: يشير مصطلح الشدة أو القوة إلى كمية الجهد المطلوب للإحتفاظ بوضع معين مثل القبض أو الإمساك بالأشياء.
وتؤثر وتتأثر قوة العضلة بعوامل كثيرة مرتبطة بالجهاز الحركي ولا ترتبط بكبر حجم العضلة.
مكونات السلوك الحركي:
للسلوك الحركي مكونات أساسية:
1. مكون إدراكي: وهو مقدرة الشخص على توجيه الإنتباه نحو المثيرات الحسية الخاصة بالمهارة (الإنتباه والتركيز).
2. مكون معرفي: وهو يتمثل في القدرات العقلية والتي تمكن الطفل من فهم المهارة وتنفيذها.
3. مكون تنسيقي: ويظهر على شكل القدرة في التنسيق بين المدخلات الحسية والإستجابة الحركية المناسبة (التآزر الحسي - الحركي).
4. مكون شخصي: وهو يختلف من طفل لآخر حيث يتأثر بالحالة المزاجية للطفل وعوامل أخرى مثل القدرة على الهدوء والإرتخاء والتركيز.
العوامل التي تؤثر في التطور الحركي لدى من لديهم متلازمة داون:
من لديهم متلازمة داون كأي أطفال آخرين يكتسبوا القدرات والحركات وتتطور لديهم ولكن هناك معوقات لتطور الحركة منها:
- وجود تأخر عقلي بدرجات متفاوتة.
- إرتخاء العضلات.
- ضعف الأربطة.
- قد يكون هناك تأثر في السمع أو البصر.
- تكرار الأمراض والإلتهابات.
- تأخر المهارات اللغوية.
هذه المعوقات بالإضافة إلى ضعف القدرات التعبيرية تجعل الترابط بين الطفل ومجتمعه ضعيف وخاصة من يقوم برعايته ويبدأ الإهمال فتتوقف القدرات الحركية والفكرية عن البناء ويزداد الجفاء. ومن هنا يجب التأكيد على دور الأسرة في بناء المهارات والقدرات لأن إهمال الطفل يؤدي إلى توقف البناء وزيادة التأخر الحركي والفكري بل أنه بالصبر والمثابرة على التدريب والتعليم تنموا قدرات الطفل وتتطور.
جوانب التطور الحركي:
التطور الحركي عند الأطفال يقسم إلى قسمين رئيسيين وهذا التطور لا يتجزأ وإنما يواكب كل منها الآخر:
تطور الحركات الكبيرة.
تطور الحركات الدقيقة.
أولاً: تطور الحركات الكبيرة:
يقصد بالحركات الكبيرة المهارات الحركية الأساسية التي يحتاج لها الطفل في عمليات التنقل والحركة وهي تشمل (التحكم بالرأس- الإنقلاب- الزحف- الجلوس- الحبو- الوقوف- المشي- الركض- القفز- التوازن- ووضعية الجسم وحفظ القوام).
ومعظم الأطفال ممن لديهم متلازمة داون يمرون بهذه المراحل تقريباً إلا أن طبيعة الحركة وزمنها قد يختلف من طفل لآخر.
ونتناول منها ما يلي:
التحكم بالرأس:
معظم الأطفال ممن لديهم متلازمة داون يظهر لديهم بعد الولادة مباشرة إنخفاض ملحوظ في مستوى التوتر العضلي.
ويظهر ذلك في وجود إضطراب في التوازن بين قوة العضلات القابضة والباسطة والذي يؤدي بدوره إلى تأخر في عملية التحكم بالرأس حيث يقومون بالتحكم في هذه العملية في مدى عمري من شهرين إلى 18 شهر.
وذلك نتيجة لتأخر إختفاء إرتداد الرقبة الزائد للخلف وعدم توازن عضلات الرقبة القابضة وهذه الظاهرة من المفروض أن تختفي طبيعياً عند عمر ثلاثة أشهر.
الإنقلاب:
أول الطرق التي يلجأ إليها الإنسان للتنقل وتغير مكانه بطريقة منتظمة وتأتي تعبيراً من الطفل أنه إستطاع التحكم بكتفيه.
والطفل الطبيعي ينجز هذه المهارة في مدى عمري من (3- 6) شهور؛ بينما الأطفال ممن لديهم متلازمة داون قد يصل المدى العمري لإكتساب هذه المهارة من (5- 14) شهر.
الجلوس:
يعتبر الجلوس من أهم مراحل التطور الحركي المهمة لأنها:
- تغير نظرته تجاه العالم من حوله.
- المعلومات والمهارات التي تصل إليه تصبح أكثر.
- تعمل على إحداث الترابط بين التوازن وحركات الإلتفاف والإماله.
- تعتبر دليلاً على درجة الإرتقاء العضلي العصبي.
- لها إرتباط قوي بالعملية اللغوية وذلك بإحداث تغيرات معينة في الجهاز التنفسي والتي من شأنها أن تساعد الطفل على التحكم بالمقاطع الصوتية وكيفية إخراجها.
والأطفال ممن لديهم متلازمة داون يستطيعون الجلوس في مدى عمري من (8 - 22) شهر.
4. الزحف:
توجد فروق فردية كبيرة بين الأطفال في هذا السن؛ فقد لا يمر كثير من الأطفال بهذه المهارة وقد يمر بعض الأطفال بها بسرعة لينتقلوا لمرحلة تالية ولكن الزحف يعتبر إحدى مراحل التطور الحركي الأساسية والرئيسية حيث أن:
- الطفل من خلال الزحف يتحرك إلى الأمام وإلى الخلف.
- من خلال الزحف يحدث تناسق في عمل الأطراف السفلية والعلوية.
ومعظم الأطفال ممن لديهم متلازمة داون يزحفون في عمر من (9- 24) شهر ويكون الزحف بطريقتين:
- الزحف على الأكواع.
- الزحف على كف اليد ومد الأرجل(السباحة).
بعد عملية الزحف غالباً ما يحدث لمعظم الأطفال ممن لديهم متلازمة داون ركوض في تطور الأداء الحركي وذلك لأسباب:
- يرفضون الأوضاع الأعلى مثل الحبو.
- عدم وجود الليونة الكافية والمرونة اللازمة في العمود الفقري.
- عدم توازن العضلية والخوف الشديد من الأوضاع العلوية.
الحبو:
يتزايد نمو الذراعين والجذع وإزدياد المرونة الحركية لسلسة الفقرات الظهرية ينتقل الطفل من وضع الزحف إلى الحبو وهي الخطوة الأساسية لعملية المشي.
- ويستطيع الأطفال ممن لديهم متلازمة داون التحكم في هذه المهارة في مدى عمري من (12- 28) شهر.
- قد يلجأ بعض الأطفال إلى الزحف عند المؤخرة وهم جلوس باستخدام الأرجل وهذا بدوره يؤدي إلى تأخير عملية الحبو أو عدم حدوثها وبالتالي تأخير عملية المشي.
- ينتقل الأطفال بعد ذلك إلى الوقوف على الركب أو الوقوف باستخدام الأثاث أو المشي الجانبي على الحائط ويجب تشجيع الطفل في هذه المرحلة حتى يستطيع تخطي مرحلة الخوف.
الوقوف:
- وهي تتطلب توافق بين القوة العضلية للأطراف السفلية والتوازن والوقوف عامل أساسي في عملية المشي.
- والأطفال ممن لديهم متلازمة داون يقفون في عمر سنة إلى ثلاث سنوات ونصف وأحياناً يتأخرون عن ذلك.
- ولا يجب إجبار هؤلاء الأطفال على الوقوف في وقت مبكر وكذلك الوقوف بشكل خاطيء بدون تدعيم وذلك تجنباً لحدوث المشاكل في التركيب العظمي مثل تقوس الركبة أو إلتفاف الساق.
المشي
- بعد أن يصبح الطفل قادراً على الوقوف الحر يبدأ خطواته الأولى؛ ليكتشف العالم من حوله ويزيد خبراته.
- تبدأ مرحلة المشي بشكل تدريجي فمثلاً يبدأ بالمسك بالأثاث أو الحائط ثم يتركه ويخطو خطوة أو إثنين ويقع ثم تدريجياً حتى يتقن مهارة المشي بشكل تام.
- أم الأطفال ممن لديهم متلازمة داون معظمهم يمشون في مدى عمري من 18 شهر إلى 4 سنوات؛ مع مراعاة الفروق الفردية والحالة الصحية.
تطور الحركات الدقيقة:
تحديد فترات التطور الحركي الدقيق أمراً صعباً؛ ولذلك سوف نعتمد على تحديد فترات عمرية تتطور خلالها القدرات الحركية الدقيقة:
من شهر إلى أسبوع:
لا يختلف الأطفال ممن لديهم متلازمة داون كثيراً عن الأطفال العاديين في هذه المرحلة إلا أن حركاتهم تكون أبطأ نتيجة لإنخفاض التوتر العضلي ويظهر ذلك من خلال:
- منعكس القبض يكون أقل قوة من الطبيعي.
- كثيراً منهم لا يستطيعون متابعة الأشياء التي تمر أمام أعينهم بالنظر.
- يظهرون أنماطاً مختلفة من الخمول.
من شهر إلى ثلاثة أشهر:
- يتسارع النمو هذه الفترة من خلال:
- يبدأ منعكس القبض بالتلاشي في الشهر الثاني.
- تظهر إنعكاسات أخرى مثل مص الأصابع.
- رفع الرأس بعض الشيء.
- متابعة حركة خشخيشة وذلك بتحريك الرأس لليمين واليسار.
إلا أن بعضهم قد يتأخرون في تحقيق ذلك حتى الشهر الرابع.
من عمر ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر:
إنخفاض التوتر العضلي في اليدين يؤثر على إستخدام الأيدي وبالتالي تأخر إستخدام الأصابع مقارنة بالطبيعيين؛ إلا أن كثيراً منهم لا يستطيعون الوصول والقبض على الأشياء إلا إذا وضعت في أيديهم وذلك للإرتباط الوثيق بين تطور الحركات الكبيرة والدقيقة.
- إنعكاس الإمساك يبدأ بالتراجع؛ من حيث ترك الشيء عندما يأخذه منه الكبير.
- يراقب يديه ويصبح مشغولاً بهما.
من عمر ستة أشهر إلى سنة:
خلال هذه تظهر مجموعة من التطورات في الحركات الدقيقة منها:
- الوصول إلى الأشياء أو الأغراض ومسكها.
- بعض منهم يكتفون بأخذ الألعاب وهزها ورميها بعيداً دون الإكتراث بها.
- يمكنهم أيضاً وضع الأشياء داخل الفم.
- يستطيعون رفع أيديهم وأرجلهم بشكل مستقيم وهم ينامون على ظهورهم.
- يظهر كثيراً منهم رغبة في مص الأصابع.
- يكون المدى الحركي أوسع من الطبيعي ولذلك فإنهم لا يظهروا سيطرة تامة على حركات الأصابع.
- يظهر الإهتمام بمتابعة الأشياء مع تطور الإنقلاب والزحف.
من عمر سنة إلى سنتين:
- يستطيع الأطفال ممن لديهم متلازمة داون أن يلتقطوا الأشياء الصغيرة بشكل أفضل.
- يستطيعوا إلتقاط الأشياء بواسطة إصبعين وكذلك الإشارة إلى الأشياء.
- يستطيعوا الضغط على الأشياء.
- تتحسن قدرات المسك كثيراً مما ينمي القدرات الإدراكية وذلك لأن مسك الشيء يتيح الفرصة للإهتمام والبحث عن التفاصيل وبالتالي نمو القدرات الإدراكية.
- يستمر لديهم سلوك القذف بالأشياء وعدم الإكتراث وكذلك الملل ورفض الإجبار على اللعب.
من عمر سنتين إلى أربع سنوات:
- يقل ميلهم إلى رمي الأشياء وتنمو القدرات الإدراكية بصورة أفضل.
- في بداية هذه المرحلة يكونوا قادرين على وضع قطعتين من البازل فوق بعض.
- يستطيعوا وضع حلقات في عامود.
- يستطيعوا بناء برج من المكعبات .
- يستطيعوا الشرب بواسطة الماصة (العود).
- يستطيعوا تدوير مفتاح بسيط.
- يستطيعوا الإمساك بالقلم ورسم أشكال عشوائية ويمكن توجيهها بالتدريب.
- يستطيعوا إدخال أشياء صغيرة داخل صندوق بفتحات.
- يستطيعوا تركيب بعض ألعاب البازل.
أي أنهم يحققوا مزيداً من التقدم في بعض القدرات مثل التآزر الحركي البصري وسعة الإنتباه والفهم العام وتظهر ليونة في الحركة (مرونة) ودرجة من النضج العام وكلما قدم تدخل مبكر من الإختصاصيين والأسرة لتنمية هذه المهارات كلما كانت النتائج أفضل.
ولد الطفل بدون أن تكون لديه أي قدرات سوى بضع غرائز وإنعكاسات إنفعالية كمص الأصابع ومنذ اليوم الأول يبدأ في تكوين القدرات الحركية والفكرية ومع إكتساب كل مقدرة يفقد الطفل إحدى الإنعكاسات الإنفعالية والحركية الطفولية، أي أنه في كل مرحلة عمرية هناك مكتسبات ومفتقدات وصولاً للسلوك الأكثر إرتقائاً.
وإذا علمنا أن وزن المخ عند الولادة هو 400 جرام وفي سن الرابعة هو 1400 جرام لعرفنا الأهمية البالغة لهذه المرحلة من العمر وبالطبع مع نمو المخ تنمو الأعصاب والأحاسيس كما تنمو المهارات والقدرات؛ فالزرع يحتاج إلى الماء لنموه وكذلك القدرات والمهارات تحتاج إلى التدريب والتعليم والبيئة التي يعيش فيها هي المصدر الأساسي لذلك وبقدر التدريب يكون نمو القدرات والذكاء.
تعريف النمو الحركي:
يشير مصطلح النمو الحركي إلى العملية التي بمقتضاها يستطيع الطفل أن يقوم بعدد من المهارات الحركية المختلفة (مهارات حركية كبرى- مهارات حركية دقيقة) مع إرتقاء التحكم في حركات الجسم المختلفة؟ وذلك عن طريق التآزر بين المراكز العصبية من ناحية والأطراف العصبية والعضلات من ناحية أخرى.
الجهاز العصبي وعلاقته بالنمو الحركي:
إن إرتقاء الأشكال المختلفة للنشاط الحركي إنما يسير جنباً إلى جنب مع نمو الأجزاء المختلفة للجهاز العصبي عند الطفل.
ونظراً لأن المراكز العصبية التي تقع في الأجزاء الدنيا من الجهاز العصبي (الحبل الشوكي) تنضج قبل المراكز العصبية الموجودة في المراكز العليا من القشرة المخية فإن المهارات الحركية البسيطة مثل الأفعال المنعكسة الأولية reflexes تظهر عند الوليد قبل الحركات الإرادية التي تنشأ من المراكز العصبية العليا في المخ.
الجهاز العصبي والأفعال المنعكسة الأولية:
الأجزاء التي تسيطر على الأفعال المنعكسة الأولية هي أكثر أجزاء المخ نضجاً عند الوليد والتي تعرف بأنها حركات لا إرادية تهدف إلى المحافظة على حياة الكائن الحي وحمايته من أي أخطار ومن هذه الإنعكاسات:
1. إنعكاسات فمية ومن هذه الإنعكاسات (إنعكاسات المص والبلع) وتظهر هذه الإنعكاسات بصورة خاصة عندما يشعر الوليد بالجوع ويقترب ميعاد رضاعته وهي توجد عند جميع الأطفال وغياب هذه الإنعكاسات يدل على وجود خلل في الجهاز العصبي للوليد.
2. إنعكاسات العين:
مثل إنقباض حدقة العين عند رؤية ضوء قوي أو رمش العين أو إغلاق الجفن عند سماع صوت مفاجيء وتهدف هذه الإنعكاسات إلى محاولة الطفل التكيف مع أي مؤثرات خارجية يتعرض لها.
3. إنعكاس مورو:
ويحدث ذلك عند رفع رأس الطفل قليلاً عن الفراش الذي ينام عليه بزاوية مقدارها 45 درجة ثم ترك رأسه فجأه؛ وغالباً ما يستجيب الطفل في هذه الحالة بالصراخ وفتح ذراعه وراحة يده مع الإحتفاظ بأصابع يديه مقوسه.
مقومات الحركة
1. الإيقاع: Tone
يشير إيقاع العضلة إلى درجة توتر أو شدة العضلة؛ وحينما تصل درجة توتر العضلة إلى معدل ثابت فإن وضع العظام المجاورة لهذه العضلة يصبح ثابتاً ويتم الإحتفاظ بهذا الوضع وبالإضافة إلى الدور الذي يلعبه إيقاع العضلات في المحافظة على إستقامة وضع الجسم فإنها أيضاً تكون مسئولة عن الحركة وتوازن حركة الجسم.
مثال : حركة فرد أو ثني الذراع.
2. التحكم Control
لكي تعمل عضلات الجسم بطريقة متآزرة لابد أن يكون هناك مركز للتحكم في حركة هذه العضلات ويقع مركز التحكم في العضلات داخل المخ والذي هو بمثابة المايسترو والذي يساعد على تنظيم وتآزر وتكامل النشاط الحركي للجسم.
مثال: المراكز العليا للنشاط الحركي توجد في الفص الجبهي وهي المسئولة عن الحركات الإرادية؛ أما المراكز الدنيا للنشاط الحركي فهي في المخيخ وجذع المخ وهي المسئولة عن الحركات اللاإرادية.
3. القوة أو الشدة: يشير مصطلح الشدة أو القوة إلى كمية الجهد المطلوب للإحتفاظ بوضع معين مثل القبض أو الإمساك بالأشياء.
وتؤثر وتتأثر قوة العضلة بعوامل كثيرة مرتبطة بالجهاز الحركي ولا ترتبط بكبر حجم العضلة.
مكونات السلوك الحركي:
للسلوك الحركي مكونات أساسية:
1. مكون إدراكي: وهو مقدرة الشخص على توجيه الإنتباه نحو المثيرات الحسية الخاصة بالمهارة (الإنتباه والتركيز).
2. مكون معرفي: وهو يتمثل في القدرات العقلية والتي تمكن الطفل من فهم المهارة وتنفيذها.
3. مكون تنسيقي: ويظهر على شكل القدرة في التنسيق بين المدخلات الحسية والإستجابة الحركية المناسبة (التآزر الحسي - الحركي).
4. مكون شخصي: وهو يختلف من طفل لآخر حيث يتأثر بالحالة المزاجية للطفل وعوامل أخرى مثل القدرة على الهدوء والإرتخاء والتركيز.
العوامل التي تؤثر في التطور الحركي لدى من لديهم متلازمة داون:
من لديهم متلازمة داون كأي أطفال آخرين يكتسبوا القدرات والحركات وتتطور لديهم ولكن هناك معوقات لتطور الحركة منها:
- وجود تأخر عقلي بدرجات متفاوتة.
- إرتخاء العضلات.
- ضعف الأربطة.
- قد يكون هناك تأثر في السمع أو البصر.
- تكرار الأمراض والإلتهابات.
- تأخر المهارات اللغوية.
هذه المعوقات بالإضافة إلى ضعف القدرات التعبيرية تجعل الترابط بين الطفل ومجتمعه ضعيف وخاصة من يقوم برعايته ويبدأ الإهمال فتتوقف القدرات الحركية والفكرية عن البناء ويزداد الجفاء. ومن هنا يجب التأكيد على دور الأسرة في بناء المهارات والقدرات لأن إهمال الطفل يؤدي إلى توقف البناء وزيادة التأخر الحركي والفكري بل أنه بالصبر والمثابرة على التدريب والتعليم تنموا قدرات الطفل وتتطور.
جوانب التطور الحركي:
التطور الحركي عند الأطفال يقسم إلى قسمين رئيسيين وهذا التطور لا يتجزأ وإنما يواكب كل منها الآخر:
تطور الحركات الكبيرة.
تطور الحركات الدقيقة.
أولاً: تطور الحركات الكبيرة:
يقصد بالحركات الكبيرة المهارات الحركية الأساسية التي يحتاج لها الطفل في عمليات التنقل والحركة وهي تشمل (التحكم بالرأس- الإنقلاب- الزحف- الجلوس- الحبو- الوقوف- المشي- الركض- القفز- التوازن- ووضعية الجسم وحفظ القوام).
ومعظم الأطفال ممن لديهم متلازمة داون يمرون بهذه المراحل تقريباً إلا أن طبيعة الحركة وزمنها قد يختلف من طفل لآخر.
ونتناول منها ما يلي:
التحكم بالرأس:
معظم الأطفال ممن لديهم متلازمة داون يظهر لديهم بعد الولادة مباشرة إنخفاض ملحوظ في مستوى التوتر العضلي.
ويظهر ذلك في وجود إضطراب في التوازن بين قوة العضلات القابضة والباسطة والذي يؤدي بدوره إلى تأخر في عملية التحكم بالرأس حيث يقومون بالتحكم في هذه العملية في مدى عمري من شهرين إلى 18 شهر.
وذلك نتيجة لتأخر إختفاء إرتداد الرقبة الزائد للخلف وعدم توازن عضلات الرقبة القابضة وهذه الظاهرة من المفروض أن تختفي طبيعياً عند عمر ثلاثة أشهر.
الإنقلاب:
أول الطرق التي يلجأ إليها الإنسان للتنقل وتغير مكانه بطريقة منتظمة وتأتي تعبيراً من الطفل أنه إستطاع التحكم بكتفيه.
والطفل الطبيعي ينجز هذه المهارة في مدى عمري من (3- 6) شهور؛ بينما الأطفال ممن لديهم متلازمة داون قد يصل المدى العمري لإكتساب هذه المهارة من (5- 14) شهر.
الجلوس:
يعتبر الجلوس من أهم مراحل التطور الحركي المهمة لأنها:
- تغير نظرته تجاه العالم من حوله.
- المعلومات والمهارات التي تصل إليه تصبح أكثر.
- تعمل على إحداث الترابط بين التوازن وحركات الإلتفاف والإماله.
- تعتبر دليلاً على درجة الإرتقاء العضلي العصبي.
- لها إرتباط قوي بالعملية اللغوية وذلك بإحداث تغيرات معينة في الجهاز التنفسي والتي من شأنها أن تساعد الطفل على التحكم بالمقاطع الصوتية وكيفية إخراجها.
والأطفال ممن لديهم متلازمة داون يستطيعون الجلوس في مدى عمري من (8 - 22) شهر.
4. الزحف:
توجد فروق فردية كبيرة بين الأطفال في هذا السن؛ فقد لا يمر كثير من الأطفال بهذه المهارة وقد يمر بعض الأطفال بها بسرعة لينتقلوا لمرحلة تالية ولكن الزحف يعتبر إحدى مراحل التطور الحركي الأساسية والرئيسية حيث أن:
- الطفل من خلال الزحف يتحرك إلى الأمام وإلى الخلف.
- من خلال الزحف يحدث تناسق في عمل الأطراف السفلية والعلوية.
ومعظم الأطفال ممن لديهم متلازمة داون يزحفون في عمر من (9- 24) شهر ويكون الزحف بطريقتين:
- الزحف على الأكواع.
- الزحف على كف اليد ومد الأرجل(السباحة).
بعد عملية الزحف غالباً ما يحدث لمعظم الأطفال ممن لديهم متلازمة داون ركوض في تطور الأداء الحركي وذلك لأسباب:
- يرفضون الأوضاع الأعلى مثل الحبو.
- عدم وجود الليونة الكافية والمرونة اللازمة في العمود الفقري.
- عدم توازن العضلية والخوف الشديد من الأوضاع العلوية.
الحبو:
يتزايد نمو الذراعين والجذع وإزدياد المرونة الحركية لسلسة الفقرات الظهرية ينتقل الطفل من وضع الزحف إلى الحبو وهي الخطوة الأساسية لعملية المشي.
- ويستطيع الأطفال ممن لديهم متلازمة داون التحكم في هذه المهارة في مدى عمري من (12- 28) شهر.
- قد يلجأ بعض الأطفال إلى الزحف عند المؤخرة وهم جلوس باستخدام الأرجل وهذا بدوره يؤدي إلى تأخير عملية الحبو أو عدم حدوثها وبالتالي تأخير عملية المشي.
- ينتقل الأطفال بعد ذلك إلى الوقوف على الركب أو الوقوف باستخدام الأثاث أو المشي الجانبي على الحائط ويجب تشجيع الطفل في هذه المرحلة حتى يستطيع تخطي مرحلة الخوف.
الوقوف:
- وهي تتطلب توافق بين القوة العضلية للأطراف السفلية والتوازن والوقوف عامل أساسي في عملية المشي.
- والأطفال ممن لديهم متلازمة داون يقفون في عمر سنة إلى ثلاث سنوات ونصف وأحياناً يتأخرون عن ذلك.
- ولا يجب إجبار هؤلاء الأطفال على الوقوف في وقت مبكر وكذلك الوقوف بشكل خاطيء بدون تدعيم وذلك تجنباً لحدوث المشاكل في التركيب العظمي مثل تقوس الركبة أو إلتفاف الساق.
المشي
- بعد أن يصبح الطفل قادراً على الوقوف الحر يبدأ خطواته الأولى؛ ليكتشف العالم من حوله ويزيد خبراته.
- تبدأ مرحلة المشي بشكل تدريجي فمثلاً يبدأ بالمسك بالأثاث أو الحائط ثم يتركه ويخطو خطوة أو إثنين ويقع ثم تدريجياً حتى يتقن مهارة المشي بشكل تام.
- أم الأطفال ممن لديهم متلازمة داون معظمهم يمشون في مدى عمري من 18 شهر إلى 4 سنوات؛ مع مراعاة الفروق الفردية والحالة الصحية.
تطور الحركات الدقيقة:
تحديد فترات التطور الحركي الدقيق أمراً صعباً؛ ولذلك سوف نعتمد على تحديد فترات عمرية تتطور خلالها القدرات الحركية الدقيقة:
من شهر إلى أسبوع:
لا يختلف الأطفال ممن لديهم متلازمة داون كثيراً عن الأطفال العاديين في هذه المرحلة إلا أن حركاتهم تكون أبطأ نتيجة لإنخفاض التوتر العضلي ويظهر ذلك من خلال:
- منعكس القبض يكون أقل قوة من الطبيعي.
- كثيراً منهم لا يستطيعون متابعة الأشياء التي تمر أمام أعينهم بالنظر.
- يظهرون أنماطاً مختلفة من الخمول.
من شهر إلى ثلاثة أشهر:
- يتسارع النمو هذه الفترة من خلال:
- يبدأ منعكس القبض بالتلاشي في الشهر الثاني.
- تظهر إنعكاسات أخرى مثل مص الأصابع.
- رفع الرأس بعض الشيء.
- متابعة حركة خشخيشة وذلك بتحريك الرأس لليمين واليسار.
إلا أن بعضهم قد يتأخرون في تحقيق ذلك حتى الشهر الرابع.
من عمر ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر:
إنخفاض التوتر العضلي في اليدين يؤثر على إستخدام الأيدي وبالتالي تأخر إستخدام الأصابع مقارنة بالطبيعيين؛ إلا أن كثيراً منهم لا يستطيعون الوصول والقبض على الأشياء إلا إذا وضعت في أيديهم وذلك للإرتباط الوثيق بين تطور الحركات الكبيرة والدقيقة.
- إنعكاس الإمساك يبدأ بالتراجع؛ من حيث ترك الشيء عندما يأخذه منه الكبير.
- يراقب يديه ويصبح مشغولاً بهما.
من عمر ستة أشهر إلى سنة:
خلال هذه تظهر مجموعة من التطورات في الحركات الدقيقة منها:
- الوصول إلى الأشياء أو الأغراض ومسكها.
- بعض منهم يكتفون بأخذ الألعاب وهزها ورميها بعيداً دون الإكتراث بها.
- يمكنهم أيضاً وضع الأشياء داخل الفم.
- يستطيعون رفع أيديهم وأرجلهم بشكل مستقيم وهم ينامون على ظهورهم.
- يظهر كثيراً منهم رغبة في مص الأصابع.
- يكون المدى الحركي أوسع من الطبيعي ولذلك فإنهم لا يظهروا سيطرة تامة على حركات الأصابع.
- يظهر الإهتمام بمتابعة الأشياء مع تطور الإنقلاب والزحف.
من عمر سنة إلى سنتين:
- يستطيع الأطفال ممن لديهم متلازمة داون أن يلتقطوا الأشياء الصغيرة بشكل أفضل.
- يستطيعوا إلتقاط الأشياء بواسطة إصبعين وكذلك الإشارة إلى الأشياء.
- يستطيعوا الضغط على الأشياء.
- تتحسن قدرات المسك كثيراً مما ينمي القدرات الإدراكية وذلك لأن مسك الشيء يتيح الفرصة للإهتمام والبحث عن التفاصيل وبالتالي نمو القدرات الإدراكية.
- يستمر لديهم سلوك القذف بالأشياء وعدم الإكتراث وكذلك الملل ورفض الإجبار على اللعب.
من عمر سنتين إلى أربع سنوات:
- يقل ميلهم إلى رمي الأشياء وتنمو القدرات الإدراكية بصورة أفضل.
- في بداية هذه المرحلة يكونوا قادرين على وضع قطعتين من البازل فوق بعض.
- يستطيعوا وضع حلقات في عامود.
- يستطيعوا بناء برج من المكعبات .
- يستطيعوا الشرب بواسطة الماصة (العود).
- يستطيعوا تدوير مفتاح بسيط.
- يستطيعوا الإمساك بالقلم ورسم أشكال عشوائية ويمكن توجيهها بالتدريب.
- يستطيعوا إدخال أشياء صغيرة داخل صندوق بفتحات.
- يستطيعوا تركيب بعض ألعاب البازل.
أي أنهم يحققوا مزيداً من التقدم في بعض القدرات مثل التآزر الحركي البصري وسعة الإنتباه والفهم العام وتظهر ليونة في الحركة (مرونة) ودرجة من النضج العام وكلما قدم تدخل مبكر من الإختصاصيين والأسرة لتنمية هذه المهارات كلما كانت النتائج أفضل.