عمر بن الخطاب- فتوحات فارس وإيران في عهد عمر بن الخطاب

angegardienretour

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
23 أكتوبر 2016
المشاركات
1,505
نقاط التفاعل
1,028
النقاط
71
محل الإقامة
الجزائر العاصمة
الجنس
أنثى
السلام عليكم

عمر بن الخطاب هو الفاروق رضي الله عنه، ثاني الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، كان مثال الشهامة والعدل والإنصاف، والزهد والتقشف، والاستماتة في إيصال الخير إلى كل فرد من أفراد الرعية

لم يكن عمر بن الخطاب قد خطط في هذا الوقت لفتح بلاد فارس المعروفة بإيران اليوم، وكان هدف الاصطدامات التي حدثت حتى الآن داخل الأراضي الفارسية هو الحفاظ على إنجازات المسلمين والمحافظة على الأراضي الإسلامية، إلا أن العراق الذي ضم إلى رقعة الدولة الإسلامية، يعد جزءًا من بلاد العرب؛ لأن العرب سكنوا في أنحائه قبل الإسلام، وكان عمر يقول: "وددت أن بيننا وبين فارس جبلًا من نار لا يصلون إلينا منه، ولا نصل إليهم"، ولكن الفرس لم يركنوا إلى الهدوء، فكانوا يجهزون الجيوش استعدادًا لمواصلة الحرب، كما كانوا يقومون بأعمال التمرد في البلاد المفتوحة، ولما سأل عمر كبار الصحابة عن سبب ذلك أجابوه: "لا يمكن أن تخمد هذه الفتنة ما لم يخرج يزدجرد من حدود إيران، ولا يمكن أن تنقطع آمال الإيرانيين طالما تراودهم هذه الفكرة، وهي أن وارث عرش "كنعان" موجود على قيد الحياة".

فتح الأهواز
ونتيجة عدم تعقب المسلمين لفلول الفرس في بلاد إيران حسب خطة عمر رضي الله عنه، تمكن بعض قادتهم كالهرمزان وملكهم يِزدجرد من إعادة تنظيم الجيش، وتصورا أن المسلمين خافوهم فلم يتعقبوهم، وبدأ التجمع الفارسي في مكانين، نهاوند ويتولى يزدجرد أمر حشد الجيوش فيها، والأهواز ويتولى الهرمزان الذي كان قد فرً من القادسية أمر الفرس فيها.

ونتيجة قرب الأهواز من البصرة، بدأت تحرشات الفرس بالمسلمين هناك، فلنرجع قليلا إلى الوراء لتبين ظروف البصرة وعلاقتها بالأهواز. وكان عتبة بن غزوان قد مات فولاها عمر رضي الله عنه المغيرة بن شعبة، الذي كان قد تمكن من قهر سكان الأهواز وصالحهم على الجزية، ثم عزل عمر رضي الله عنه المغيرة على إثر شغب بعض أهل البصرة عليه واتهامهم له بالزنا، ولم تثبت التهمة، لكن عمر عيَّن أبا موسى الأشعري على البصرة، وفي طريق أبي موسى إلى البصرة ثار الفرس بالأهواز ورفضوا دفع الجزية، وزاد في طمع الفرس فشل المغامرة التي قام بها العلاء بن الحضرمي حيث تقدم بالمسلمين من البحرين بالسفن إلى إقليم فارس متجهًا إلى اصطخر عاصمة الإقليم فقطع عليه الفرس طريق الرجعة، وأنقذت حاميات البصرة والكوفة العلاء بن الحضرمي وعزل عن البحرين.

ولما اطلع أبو موسى الأشعري على تحرشات الفرس وطمعهم دفع قواته إلى مدينة الأهواز ففتحها بعد أن كانت قد فتحت مناذر ونهر تيري، وقد فر الهرمزان من الأهواز إلى رامهرمز، وبدأت الحشود تتجمع من فارس حوله بتحريض من يزدجرد فطلب عمر رضي الله عنه من سعد بن أبي وقاص أن يوجه النعمان بن مقرن من الكوفة إلى رامهرمز [1].

فتع رامهرمز
كما طلب من أبي موسى الأشعري أن يوجه سهيل بن عدي من البصرة إلى رامهرمز، وقد تمكن النعمان من فتح رامهرمز قبل وصول سهيل.

فتح تستر
وفر الهرمزان إلى تستر، ولحقه النعمان وسهيل فحاصرا تستر، ولكثرة جيوش الهرمزان وحصون تستر لم يتمكن المسلمون من فتحها إلا بعد وصول أمداد كثيرة من البصرة بقيادة أبي موسى الأشعري ومن الكوفة بقيادة عمار بن ياسر وإليها، ودار قتال عنيف خارج تستر التي كانت عاصمة خوزستان وأكثر مدنها منعة، ثم اضطر الفرس إلى الاعتصام بحصونها، وقد دل رجل من أهل تستر المسلمين على مدخل

مائي إلى المدينة، فدخل منه مائتان وأربعون مقاتلا في الليل وفتحوا أبواب المدينة، ودخلها المسلمون، فاعتصم الهرمزان بقلعته ثم أسلم على أن يحكم فيه عمر رضي الله عنه، وكفت المدينة عن المقاومة، وأُرسل الهرمزان إلى عمر في المدينة، فأعلن إسلامه أمامه.

فتح السوس وجندي سابور
ثم اتجه المسلمون إلى السوس فحاصروها حتى نفد قوتها وصالحتهم، وأسلم سياه الأسواري بشرط أن يلحق هو وجيشه بأشراف العطاء، وصالحت جندي سابور المسلمين، وبذلك تم خضوع إقليم فارس للمسلمين [2].

نهاوند 21هـ
وأما يزدجرد فاستمر يحشد الجيوش في نهاوند من مختلف المقاطعات بقيادة الفيرزان حتى قيل أن جيشه بلغ 150,000 مقاتل، وتغيرت وجهة نظر الخليفة عمر رضي الله عنه في منع الانسياح في بلاد إيران بعد أن شرح له الأحنف بن قيس الموقف، وأن الفرس سيستمرون بالمقاومة مادام يزدجرد حيًّا، وهمَّ عمر أن يتوجه إلى العراق لقيادة الجيش بنفسه لولا نصيحة الصحابة له بالبقاء، فعين النعمان بن مقرن على الجيش وبعده حذيفة بن اليمان، وقيل أن جيش المسلمين بلغ 30,000 مقاتل.

وكانت نهاوند حصينة، وكان الفرس يخرجون منها فيقاتلون ثم يحتمون بحصونها، فلم يتمكن منهم المسلمون حتى استدرجوهم بعيدًا عنها، ثم قاتلوهم وهزموهم وقتل الفيرزان واستشهد النعمان، وفتح المسلمون نهاوند (شهر محرم عام 21هـ/ شهر ديسمبر عام 641م)، وتسمى فتح الفتوح، فلم تقم للفرس بعدها قائمة. وفي أعقابها صالحت همذان ثم الدينور ثم السيروان ثم الصيمرة ثم ماه [3].

وتتمثل خطة عمر رضي الله عنه بعد نهاوند بالانسياح السريع في بلاد إيران كي لا يجتمع للفرس، لذلك عقد بنفسه سبعة ألوية، فجعل لواء خراسان إلى الأحنف بن قيس، ولواء أردشير وسابور إلى مجاشع بن مسعود السلمي، ولواء اصطخر إلى عثمان بن أبي العاص الثقفي، ولواء درابجرد إلى سارية بن زنيم الكناني، ولواء كرمان إلى سهيل بن عدي، ولواء سجستان إلى عاصم بن عمرو، ولواء مكران إلى الحكم بن عمرو التغلبي.

فتح أصبهان
وجه عمر عبد الله بن عبد الله بن عتبان إلى أصبهان أو أصفهان، وبعد قتال عنيف خارج المدينة صالحت أصبهان على الجزية. وتوضح الروايات التي يسوقها أبو الشيخ الأنصاري أن بعض أصبهان فتح صلحا وبعضها فتح عنوة، ومما فتح صلحا مدينة جي أصبهان (جي: اسم مدينة ناحية أصفهان القديمة، وتسمى الآن عند الفرس شهرستان) وشقها، ومما فتح عنوة شق التيمرة من أصبهان ورستاق الشيخ ورستاق بوحوار ورستاق جرم قاشان، وحدث فتح أصفهان في عام "21هـ/ 642م".

إعادة فتح همذان
ثم انتقضت همذان فأعاد فتحها صلحا نعيم بن مقرن، واجتمعت جيِوش المقاطعات الشمالية من الديلم وأهل الري وأذربيجان بقيادة اسفنديار الرازي أخي رستم قائد القادسية، فهزمهم نعيم بن مقرن في واج روذ [4].

فتح الري
لكنها عادت فاجتمعت في الري بقيادة ملك الري سياوخش، والري عاصمة الشمال الحصينة، وجاءتهم الأمداد من أهل دنباوند وطبرستان وقومس وجرجان، فإن سقوط الري بيد المسلمين يجعل الخطر مباشرا على هذه المناطق، وكذلك لأهمية الري الدينية حيث فيها معابد النار الكثيرة، وقد لقي المسلمون مقاومة عنيفة انتهت بفتح الري عنوة، ومع ذلك فقد أجراه نعيم صلحا، ولعل خطورة الوضع وعنف العدو في هذه المناطق جعله يفكر في تهدئة أهل الري.

فتح قومس
كان نصر المسلمين بالري (عام 22هـ / 643م) حاسمًا، لذلك أسرعت حاميات المدن، والأقاليم المجاورة في الدخول في ذمة المسلمين لقاء الأمان وتأدية الجزية، فلما سار سويد بن مقرن إلى قومس، بأمر عمر، لم يتصد له أحد، ودخلها سلمًا بلا حرب، ولا مقاومة، وبفتح الري وقومس ودنباوند، لم يبق بين المسلمين وشواطئ بحر قزوين من أرض فارس غير جرجان وطبرستان وأذربيجان.

فتح جرجان
عسكر سويد بعد صلح قومس ببسطام، وكاتب ملك جرجان، وهو رزبان صول، يدعوه إلى الدخول في طاعة المسلمين، وهدده بالمسير إليه، فاستجاب لنداء الصلح، أقام سويد في جرجان حتى جبى خراجها، ووضع على مداخلها من يحرسها من أتراك دهستان. ويعد صلح جرجان نقطة تحول في مسار التعامل مع القوى المحلية.

فتح طبرستان
بلغت أنباء انتصار المسملين ودخولهم قومس وجرجان مسامع فرخان حاكم خراسان، وكانت طبرستان داخلة في حكمه، فآثر السلامة، وصالح سويدًا.

فتح أذربيجان
تقع أذربيجان إلى الغرب من طبرستان وتجاورها، ويتاخم جنوبها بلاد العراق العربي والجزيرة الفراتية، والغالب على أرضها الجبال، واشتهرت بكثرة معابد النار فيها، ولهذا سميت بأذربيجان، ومعناها أرض النار، أو معابد النار. عيَّن الخليفة عمر حذيفة بن اليمان على حرب أذربيجان، فسار إليها، حتى إذا وصل إلى أردبيل وهي قصبتها، تصدى له حاكمها المرزبان، وجرى بينهما قتال ضار، ويبدو أنه "المرزبان" أدرك عدم جدوى المقاومة بعد أن مالت كفة المعركة لصالح المسلمين، فعرض الصلح على حذيفة، فأجابه إلى ذلك، وشمل الصلح جميع أهل أذربيجان على ثمانمائة ألف درهم وزن ثمانية، مقابل عدم التعرض لأحد من السكان بالقتل أو بالسبي، مع المحافظة على بيوت النار، وللسكان أن يمارسوا شعائرهم الدينية، وإظهار ما كانوا يظهرونه، ثم عزل عمر حذيفة، وولى عتبة بن فرقد السلمي أذربيجان، فأتاها من الموصل أو شهرزور، ولما دخل أردبيل وجد أهلها على العهد، وانتفضت عليه نواح فغزاها فظفر وغنم، وكان معه عمرو بن عتبة الزاهد.

فتح إقليم فارس
لم تشكل الأراضي التي سيطر عليها الفرس والتي غزاها المسلمون،دولة مستقلة بالمفهوم العام للدولة، وإنما كانت داخلة ضمن إمبراطورية تضم دويلات، أو ولايات تخضع للحكم الفارسي، في حين تركزت الدولة التي أقامها الساسانيون في إقليم فارس، ثم ضم هؤلاء إلى دولتهم ما جاورها من أقاليم، ووصل المسلمون في عام "23هـ / 644م" إلى قلب الإمبراطورية الفارسية الساسانية، إلى أرض الشعب الذي حكم الشعوب المجاورة؛ وبدأوا بفتح مدنها.

أرسل عمر ثلاثة ألوية لفتح إقليم فارس، انطلقت جميعها من قاعدة البصرة، وهي على الشكل التالي:
- مجاشع بن مسعود إلى أردشير خرة وسابور.
- عثمان بن أبي العاص إلى اصطخر.
- سارية بن زنيم الكناني إلى فسا وداربجرد.

وبعد أن اجتازوا جميعًا أرجان دون مقاومة، وكانت في طريقهم، تفرقوا كلٌّ إلى وجهته المحددة، وفتحوا كامل الإقليم، والملفت أن كافة عمليات الفتح كانت عبارة عن معارك صغيرة بالمقارنة مع معارك البويب والقادسية وجلولاء ونهاوند، وذلك بفعل قضاء المسلمين في تلك المعارك على القوة الميدانية للإمبراطورية الفارسية المنهارة.

ويذكر البلاذري أن أبا موسى الأشعري قدم من البصرة، واشترك في فتوح إقليم فارس مع عثمان بن أبي العاص، ففتح أرجان وشيراز وسينيز صلحا وفتح عثمان درابجرد صلحا، ويخالفه الطبري فيذكر أن سارية بن زنيم فتح بسا ودرابجرد.

فتح كرمان
تقع كرمان إلى الشرق من إقليم فارس، وإلى الجنوب من صحراء خراسان وسجستان، ويحدها من الجنوب بحر فارس، اختص سهيل بن عدي الأنصاري الخزرجي بفتح هذا الإقليم، فخرج من البصرة على رأس الجيش، واصطدم بحاميات الإقليم، وانتصر عليها وفتحه.

فتح سجستان
تقع سجستان إلى الشمال من مكران، وتشغل الآن أجزاء من إيران وأفغانستان، كان يزدجرد بكرمان حين هاجمها المسلمون، فخرج منها إلى خراسان، وحاول أن يعبئ أهلها وأهل سجستان لمقاومة الزحف الإسلامي، وبخاصة أن المسافة بين هذين الإقليمين، وكل من البصرة والكوفة، قاعدتي الإمدادات الإسلامية شاسعة جدًا. كان عاصم بن عمرو التميمي هو المكلف بفتح هذا الإقليم، فسار إليه ولحق به عبد الله بن عمير الأشجعي من غطفان، فالتقيا بقوات سجستانية في أول حدود الإقليم، فاصطدما بها وتغلبا عليها، فتراجع أفرادها إلى الداخل، وتحصنوا بعاصمتهم زرنج، فحاصرهم المسلمون، وضيقوا عليهم بما كانوا يشنونه من غارات على الضواحي، واضطر سكان زرنج إلى طلب الصلح، فصالحهم عاصم على مدينتهم، وما احتازوا من الأرض، وأن تكون مزارعهم حمى لهم لا يمسها المسلمون.

فتح مكران
تدخل مكران ضمن أراضي السند -باكستان اليوم، ولكن جزءًا منها يقع ضمن أراضي إيران، وهي ناحية واسعة، غزاها الحكم بن عمرو التغلبي، فاصطدم بحاكمها راسل، وانتصر عليه واستقر فيها، وكتب إلى عمر يبشره بالفتح مع صحار العبدي، وسأله عمر عن مكران، كما هي عادته كلما قدم عليه رسول يبشره بفتح ناحية، فأجابه: "يا أمير المؤمنين، أرض سهلها جبل، وماؤها وشل -قليل-وتمرها دقل-أردأ التمر، ولصها بطل، وخيرها قليل، وشرها طويل، والكثير بها قليل، والقليل بها ضائع، وما وراءها شر منها"، فتأثر عمر من هذا الوصف، وقال: "لا يغزوها جيش لي ما أطعت"، وكتب إلى الحكم وسهيل بن عدي، وهو أحد مساعديه "لا يجوزن مكران أحد من جنودكما، واقتصرا على ما دون النهر"، لذا تعد مكران آخر حدود فتوح عمر، استنادًا لرواية الطبري، في حين ذكر البلاذري أن الجيوش الإسلامية، وصلت إلى المنطقة المنخفضة من الديبل (مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند) وبلدة تانة، وإذا أخذنا بهذه الرواية، فإن الإسلام قد دخل السند والهند في عهد عمر.

فتح خراسان
يُعد فتح خراسان محورًا رئيسيًا في الصراع الإسلامي - الفارسي من واقع ناحيتين:

الأولى: أن يزدجرد تمركز في مرو بخراسان بعد فراره من أمام زحف المسلمين، وسوف يخرجه هذا القرار من أرض فارس إلى بلاد الأتراك والصين، فيقيم في حماية حكامهما.
الثانية: أن سقوط خراسان بيد المسلمين من شأنه أن يقضي على:
- آخر أمل لدى الفرس لطرد المسلمين من المناطق الشرقية المفتوحة.
- آخر ملوك بني ساسان، فتسقط بذلك الأسرة الحاكمة.

عقد عمر للأحنف بن قيس لواء قيادة الجيش، فخرج من البصرة، وسلك طريق أصفهان، وتزامن اجتيازه لها مع حصار عبد الله بن عبد الله بن عتبان لمدينة جي، وهذا يعني أن الحملة خرجت من قاعدة البصرة في عام "21هـ / 642م"، غير أنها أتمت مهمتها خلال عام "22هـ / 643م"، ثم وصل الأحنف إلى الطبسين (بين نيسابور وأصفهان وكرمان)، وتوغل حتى بلغ هراة (من أمهات مدن خراسان)، وفتحها عنوة.

يعد سقوط هراة خطوة أولى على طريق سقوط خراسان كلها، فأرسل الأحنف فرقة عسكرية بقيادة مطرف بن عبد الله بن الشخير لفتح نيسابور، وفرقة أخرى لفتح سرخس (بين نيسابور ومرو) بقيادة الحارث بن حسان السدوسي، وسار بنفسه باتجاه مرو الشاهجان، حيث يقيم يزدجرد، فلما اقترب منها غادرها الملك الفارسي إلى مرو الروذ، واستقر الأحنف مكانه في مرو الشاهجان.

والواضح أن المسلمين جردوا يزدجرد من كل أرضه، واضطروه على الفرار حتى آخر حدود مملكته، ولم يبق أمامه سوى الالتجاء إلى جيرانه، وطلب مساعدتهم, وفعلًا، فقد كتب إلى ثلاثة ملوك يستمدهم، ويستنجد بهم وهم خاقان الترك، وملك الصغد (قصبتها سمرقند وتعد من بلاد ما وراء النهر) وملك الصين، لكن الأحنف لم يمهله، وهاجمه في مرو الروذ بعد أن تلقى إمدادات من الكوفة، ومرة أخرى، يفر يزدجرد إلى بلخ، ودخل الأحنف مرو الروذ، وأرسل وحدات عسكرية في إثره، لما لحق بها، فحاضر المدينة وفتحها.

كان طبيعيًّا أن يتابع يزدجرد فراره من أمام المسلمين، ولما لم يكن له في أرض مملكته مكان يفر إليه ويحتمي به، عبر نهر جيحون إلى خاقان الترك الذي توافقت مصلحته مع مصلحة العاهل الفارسي، وقد خشي من الامتداد الإسلامي باتجاه بلاده، وتعاون الرجلان في مقاومة فاشلة حيث جندا جيشًا، وهاجما المسلمين في خراسان، وانتهى الأمر بانسحاب خاقان الترك إلى بلاده مقتنعًا بما تناهى إلى أسماعه من أن المسلمين لن يعبروا النهر، على تعليمات عمر.

أما يزدجرد فقد نزل ضيفًا على حاكم مرو "ماهويه"، الذي لم يكن يتمنى غير التخلص من ضيفه الذي رفض أن يزوجه ابنته، وتحالف مع نيزك طرخان التابع لبيغو حاكم طخارستان، فأرسل نيزك جماعة لأسره، فاشتبكوا معه وهزموه، فمضى هاربًا حتى انتهى إلى بيت طحان على شاطئ نهر المرغاب، فمكث ليلتين وماهويه يبحث عنه، فلما أصبح اليوم الثاني دخل الطحان إلى بيته، فرأى يزدجرد بهيئته الملكية وهو لا يعرفه، فبهت، وطمع به، فقتله بعد أن وشى به إلى ماهويه، وطرح جثته في النهر، وذلك في عام "31هـ / 652م"، ولما يبلغ الثامنة والعشرين من عمره، وقد خلف ابنين هما بهرام وفيروز وثلاث بنات هن أورج، وشهربانو ومرداوند. وبفرار يزدجرد إلى ملك الترك، ومقتله بعد ذلك تم القضاء على الإمبراطورية الفارسية [5].

وهكذا تم فتح بلاد إيران في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأقام المسلمون المسالح في شتى أرجائها متوقعين انتقاض الفرس في هذه الديار، لقد كانت فتوح المشرق عنيفة اقتضت من المسلمين تضحيات جسيمة بسبب اختلاف الدم، فسكان إيران فرس لا تربطهم بالعرب لغة ولا جنس ولا ثقافة، وكان الشعور القومي عند الإيرانيين يذكيه التاريخ الطويل والثقافة المتأصلة، كما أن القتال كان يدور في صميم الوطن الإيراني ويشرك رجال الدين المجوس في تأليب السكان على المقاومة ،يضاف إلى ذلك بُعد هذه المناطق عن مراكز الجيش في البصرة والكوفة، وطبيعة الأرض الجبلة التي تمكن السكان من المقاومة، ولذلك فقد انتقضت معظم هذه المراكز، وأعيد فتحها في خلافة عمر أو في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهما [6].

[1] الطبري: تاريخ، 4/ 72 - 76. شلبي النعماني: سيرة الفاروق، ص139.
[2] السابق، 4/ 77، 83، 89 - 94.
[3] السابق، 4/ 114 - 139، 142 - 143.
[4] الطبري: تاريخ، 4/ 139 - 141، 146 - 150. وأبو الشيخ: طبقات، ص189.
[5] الطبري: تاريخ، 4/ 150 - 160، 167 - 182، 293 - 298. البلاذري: ص321، 378 - 380، 420.
[6] شكري فيصل: حركة الفتح الإسلامي، ص220 - 225.

:regards01::regards01::regards01:
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top