حكم الاحتفال بمولد خير الأنام
عليه الصلاة والسلام
عليه الصلاة والسلام
في شرطَيْ قَبول العبادة
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقد قَرَّرَ أهلُ السُّنَّة والجماعةِ أنَّ العِبادةَ لا تقع صحيحةً ولا مقبولةً إلَّا إذا قامت على أصلين عظيمين:
أوَّلهما: عبادة الله وحده لا شريك له، أي: الإخلاص، بأن تكون العبادةُ خالصةً لله تعالى من شوائبِ الشِّرك، إذ كلُّ عبادةٍ خالطها شركٌ أبطلها؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٦٥ بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ٦٦﴾ [الزمر]، وقال تعالى: ﴿وَلَوۡ أَشۡرَكُواْ لَحَبِطَ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٨٨﴾ [الأنعام].
كما أنَّ الأصلَ يقتضي أن يكون الله سبحانه وتعالى هو الشارع الوحيد لها، قال تعالى: ﴿أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُ﴾ [الشورى: ٢١]، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ ١٨﴾ [الجاثية]، وقال سبحانه عن نبيِّه: ﴿قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ ٩﴾ [الأحقاف]، ومعنى ذلك أنَّ العبادة التي شرعها الله تعالى توقيفيةٌ في هيئتها وعددِها ومواقيتِها ومقاديرِها، لا يجوز تعدِّيها وتجاوزها بحال، ولا مجال للرأي فيها، قال تعالى: ﴿فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ١١٢﴾ [هود].
ثانيهما: عبادة الله بما شرع على لسان نَبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم، ويظهر من هذا الأصل أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم هو المبلِّغُ الوحيدُ عن الله تعالى، والمبيِّنُ لشريعته قولًا وفِعلًا، أي: هو القُدوة في العبادة، ولا يُقضى بصلاح العبادة وصوابها إلَّا إذا قُيِّدَتْ بالسُّنَّة والإخلاص، قال تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا ١١٠﴾ [الكهف]. وقد أمر اللهُ تعالى بطاعة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، وجعل طاعتَه من طاعة الله، قال تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠]، وقال تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْ﴾ [الحشر: ٧]، وقال تعالى: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ٢١﴾ [الأحزاب]، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(١).
ولقد بيَّن النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هذا الدِّينَ وأدَّى واجبَ التبليغِ خيرَ أداءٍ، وامتثل لأمر ربِّه في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥ﴾ [المائدة: ٦٧]، وقام به أتمَّ قيام، وقد أتمَّ اللهُ به هذا الدِّينَ فلا ينقصه أبدًا ورضيه فلا يسخطه أبدًا، قال تعالى: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗا﴾ [المائدة: ٣]، فَكَمُلَتِ الشريعةُ واستغنَت عن زيادةِ المبتدعين واستدراكاتِ المستدركين، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَايْمُ اللهِ لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ البَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ»(٢)، وقد شَهِدَتْ له أُمَّتُهُ بإبلاغ الرِّسالة وأداءِ الأمانة، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خُطبته يومَ حَجَّة الوداع، وقد سار على هديه الشريفِ أهلُ الإيمان من سلفنا الصالح من الصحابة والذين اتبعوهم بإحسان، غير مبدِّلين ولا مغيِّرين، سالكين السبيل المستقيمَ، فمن جانبه وحادَ عنه ساء مصيرُه، قال تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا ١١٥﴾ [النساء].
حَدَثُ الاحتفالِ بالمولد ومصدرُه الأوَّل
فهؤلاء هم أهلُ محبَّةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، الصادقون في توقيره وتعظيمه والتزام شرعه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتسليم لأحكامه، والتأسِّي به في الظاهر والباطن، استجابة لله سبحانه في قوله: ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣١﴾ [آل عمران]، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: «هذه الآية الكريمة حاكمة على كلِّ مَن ادَّعَى محبَّةَ الله وليس هو على الطريقة المحمَّدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرعَ المحمَّدِيَّ والدِّين النبوي في جميع أقواله وأفعاله كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(٣)، … وقال الحسن البصريُّ وغيرُه من السلف: «زعم قوم أنهم يحبُّون اللهَ فابتلاهم الله بهذه الآية: ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١]»»(٤).
وتفريعًا على ما تقدَّم فإنَّ الاحتفالَ بالمولد النبويِّ الذي أحدثه بعضُ الناس إمَّا مضاهاةً للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإمَّا محبّةً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتعظيمًا له ـ زعموا ـ، يُعتبر من البدع المحدثة في الدِّين التي حَذَّرَ الشرع منها؛ لأنَّ هذا العملَ ليس له أصلٌ في الكتاب والسُّنَّة، ولم يتخذ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم موالد لأحدٍ من سابقيه من الأنبياء والصالحين، ولا لأبيه آدم عليه السلام، ولا لمن مات قبله مثل: عمِّه حمزة، وزوجته خديجة رضي الله عنهما، ولم يُؤْثَرْ عن الصحابة والتابعين إحياءُ مِثْلِ هذه الموالدِ والاحتفال بها، أي: لم ينقل عن أهل القرون المفضَّلة إقامة هذا العمل، ولا عن الأئمَّة أصحاب المذاهب الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، فلو كان الاحتفال بالمولد مشروعًا لكان محفوظًا؛ لأنَّ الله تعالى تكفَّل بحفظ شرعه، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩﴾ [الحجر]، ولو كان محفوظًا ما تركه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون رضي الله عنهم، ولو كانت عبادة خيِّرة متجلية في محبة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم لسبقونا إليها، فلمَّا لم يفعلوا عُلم أنَّه ليس من دين الله تعالى، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»(٥)، وفي رواية لمسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(٦)، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»(٧)، قال حذيفة رضي الله عنه: «كُلُّ عِبَادَةٍ لَا يَتَعَبَّدُهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فَلَا تَعَبَّدُوهَا، فَإِنَّ الأَوَّلَ لَمْ يَدَعْ لِلآخِرِ مَقَالًا»(٨)، وقال عبدُ الله بن مسعود رضي الله عنه: «اتَّبِعُوا ولَا تَبْتَدِعُوا فقَدْ كُفِيتُمْ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»(٩).
وَخَيْرُ الأُمُورِ السَّالِفَاتُ عَلَى الهُدَى
وَشَرُّ الأُمُورِ المُحْدَثَاتُ البَدَائِعُ
***
وَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفْ
وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفْ
هذا، وإنَّما حدث ذلك في دولة بني عُبَيْدٍ من الشِّيعة الرافضة، المتسمِّين بالفاطميِّين، وقد أحدث القومُ عِدَّة موالدَ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولآل البيت، ولغيرهم من الأولياء والصالحين، بل لغيرهم من أهل الضلال والباطل من الخرافيِّين والقبوريِّين، فاحتفلوا بموسم رأس السَّنَة اقتداء باليهود، وبمولد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم اقتداءً بالنصارى، وبيوم عاشوراء، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن والحسين رضي الله عنهما، ومولد فاطمة رضي الله عنها، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه، وعيد الغدير، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النَّوْرُوزِ، وغيرها كثير.
وأوَّل من أحدثه المعزّ لدِين الله سَنَة (٣٦٢ﻫ) بالقاهرة، واستمرَّ الاحتفال به إلى أن ألغاه الأفضل أبو القاسم أمير الجيوش ابن بدر الجمالي، ووزير الخليفة المستعلي بالله، سنة (٤٩٠ﻫ)(١٠).
ثمَّ جاء من بعدهم عمر بن محمَّد المُلا الإِرْبِليّ(١١) أحد الصوفية المشهورين(١٢)، فكان أول من أعاد إحياء بدعة المولد بالموصل(١٣)، وبه اقتدى ملك إربل(١٤) وغيره.
ومعنى ذلك أنَّ هذه الموالدَ من حوادث الفاطميِّين الباطنيِّين الروافض، وهم أول المروِّجين لها، الساعين لنشرها كما ذكرت كتب التاريخ، تشبُّهًا بمن أُمرنا بمخالفتهم وتقليدًا لمن نُهينا عن اتباعهم ـ من اليهود والنصارى ـ في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلكتُمُوهُ»، قُلْنَا: «يَا رَسُولَ اللهِ، اليَهُودَ والنَّصَارَى؟» قَالَ: «فمن؟!»(١٥)، ولا ريب أنَّ الرافضة من أشدِّ الناس تأثُّرًا باليهود والنصارى لذلك شابهوهم في كثرة الأعياد، والصور، ومعظم الأفكار والمعتقدات، إذ لا يخفى على مُتمعِّنٍ في أصول الروافض أنَّ الجذور العقدية للتشيُّع تحمل بصمات وثنية آشورية بابلية ظاهرة، كما أنَّ أقوالهم في عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه وفي الأئمَّة من آل البيت تلتقي مع أقوال النصارى في المسيح عيسى عليه السلام جملةً وتفصيلًا، ولا غَرْوَ في ذلك، فإنَّ مؤسِّس الأصول العقدية للرافضة هو: عبد الله بن سبأ اليهودي الحميري من اليمن، الذي أسلم ظاهرًا ونقل ما وجده في الفكر اليهودي ومعتقده إلى التشيُّع(١٦).
حوادثُ ومُنْكَراتٌ
لم يعرف المسلمون الموالدَ قبل القرن الرابع الهجري، ولم يفعله السلفُ مع قيام المقتضي له، وانتفاءِ المانع، ولو كان هذا خيرًا محضًا أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحقَّ به مِنَّا؛ فإنَّهم كانوا أشدَّ محبةً للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وتعظيمًا له منَّا، وهم على الخير أحرص، كما صرَّح بذلك شيخ الإسلام في «الاقتضاء»(١٧)، عِلمًا أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»(١٨)، والمهديُّون من الخلفاء لم يفعلوا هذا العمل، وإنَّما مصدر الحدث العبيديون (الفاطميُّون) الروافض أوّلًا، ثُمَّ تَلَقَّتْهُ عنهم الصوفية مشاكلة، فاتخذوا المولدَ النبويَّ عِيدًا دينيًّا، فابتدعوا في الاحتفال به بدعًا محدثة بدعوى محبَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ زعموا ـ من إيقاد الشموع وإشعال الأضواء وتنوير البيوت والمساجد والأضرحة بها، مع تهييج الوضع بالمفرقعات بشتَّى ألوانها وأنواعها على وجه المرح واللعب، والإسراف في نفقات الزينة وتبذير الأموال لإقامة الحفلات وإطعام الطعام، وما ترتِّبه وسائلُ الإعلام السمعية والمرئية بهذه المناسبة من الأغاني والموسيقى والمدائح الشعبية، واختلاط الرجال بالنساء على وجهٍ غير مَرْضِيٍّ، وما ينشط فيه الكُتَّاب والشعراء في مدح النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وذِكْرِ سيرته بمساعدة بعض الصحف والمجلَّات التي تفسح مجالاتٍ لأهل الهوى والرَّدَى ومرضى القلوب في نشر مقالات التهكُّم والتضليل والتمييع، مع ما فيها من غلوٍّ وخطإ في المعلومات المبثوثة والأحكام الشرعية المعروضة، مصحوبة بطابع الاستفزاز والتحدِّي، والأدهى والأَمَرُّ طريقةُ أهل الطرق الصوفية في الاحتفال بالمولد النبوي فإنَّهم يجسِّدون المظهر الديني بالاجتماع حول الضريح وإنشاد المدائح والأذكار الخاصَّة، وما يقرأونه من المؤلَّفات الموضوعة عن صاحب المولد متبوعًا بدق الطُّبول والرقص البهلواني والتصفيق، وقِلَّة احترام كتاب اللهِ فَضلًا عمَّا تتضمَّنه قصائدُهم ومدائحُهم النبوية من غلوٍّ وإطراءٍ حذَّر منه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: «لَا تُطْرُوني كَمَا أَطْرَتِ النَّصارَى ابنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ»(١٩).
وهذا غَيْضٌ من فَيْضٍ من الأعمال التي لا تخرج ـ في طابعها العامِّ ـ عن الاحتفال الشعبي «الفولكلوري» المصطبغ بالصبغة الدينية، وترعاه الهيئات الرسمية التي تعتبر المولدَ النبويَّ عيدًا شرعيًّا وتمنح فيه الإجازات والعطل الرسمية مع أنَّ الشارعَ حَدَّدَ أعياد المسلمين بعِيدَيْنِ دون غيرهما، فقد روى أنسٌ رضي الله عنه قال: «قَدِمَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ المَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فيهِمَا فَقَالَ: «مَا هَذَانِ اليَوْمَانِ؟» قَالُوا: «كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الجَاهِليَّةِ»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَوْمَ الفِطْرِ»»(٢٠).
وعجبي لا ينقطع من فئةٍ من الدعاة تدَّعي سلوكَ الطريقة التي كان عليها الصحابة والتابعون ومَن تبعهم بإحسان من التمسُّك بالكتاب والسُّنَّة، وتقديمهما على ما سواهما، والعمل على مقتضى فهم السلف الصالح الذين اتفقت الأُمَّة على إمامتهم وعدالتهم، ثمّ لما قَويت شوكةُ الصُّوفية في البلاد تجدهم يشاركونهم في الموكب، ويجتمعون معهم على الموائد والزُّرَد والصُّحُون، ويبذلون الجهد في تسويغ أفعالهم بالبحث عن الشُّبُهات وحَشْدِ أقوالِ العلماء وينسجونها نسجًا ليُكوِّنوا بها أدلَّةً ـ زعموا ـ بُغْيَةَ إضفاء الشرعية على مواقفهم، ولئلَّا تضيع مختلف مصالحهم وشتى مآربهم، يُرضُونهم مداهنة متمثِّلين بمقولة القائل: «ودَارِهِمْ مَا دُمْتَ في دَارِهِمْ، وأَرْضِهِمْ مَا دُمْتَ في أَرْضِهِمْ»، وقد غفلوا أنَّ الله تعالى أحقُّ أن يُرضُوه إن كانوا مؤمنين وصادقين، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ أرْضَى اللهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللهُ، وَمَنْ أسْخَطَ اللهَ بِرِضَى النَّاسِ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ»(٢١).
والأعجب من ذلك أنَّه إذا ما اجتمعت كلمةُ أهلِ السُّنَّة على الحقِّ والدِّين وتعزَّزت وحدتها غيَّروا مواقفهم وتدافعوا إلى طليعتها موجِّهين ومنذرين، وقد أخبر الله تعالى عن مثل هذا الصِّنف من الناس بقوله: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَ لَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٠ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ ١١﴾ [العنكبوت].
شُبُهاتٌ وتلبيساتٌ
وعادة أهل الأهواء التمسُّك بالشُّبُهات يُلبِّسونها على العوامِّ وسائرِ من سار على طريقتهم، يحسبها الجاهل ـ بحسن ظنِّه ـ أدلة الشرع وأحكامه(٢٢)، ﴿وَيَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ٧٨﴾ [آل عمران].
ومن جُملة الشُّبهات وأهمِّ التعليلات: استنادهم إلى قوله تعالى: ﴿قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ ٥٨﴾ [يونس]، على أنَّ في الآية أمرًا بالفرح بمولده صلَّى الله عليه وسلَّم والاحتفال به، وقولِه تعالى: ﴿وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ ٥﴾ [إبراهيم]، ليشكروا اللهَ على نعمة مَولد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ففي الآية دليلٌ ـ في اعتقادهم ـ على جواز تخصيص شهر ربيع الأول، وليلة: «١٢ ربيع الأول» منه للابتهاج والفرحة بمولده، وإفهام الناس سيرة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأخلاقه ومعجزاته وشمائله، وما لقيه في دعوته من المِحَنِ والشدائد، وهو صبَّار على طاعة الله وعن محارمه وعلى أقداره، شكورٌ قائمٌ بحقوق الله يشكر اللهَ على نعمه، كُلُّ ذلك من التذكير بأيَّام الله، وجاء تأييدهم لذلك بما ورد في صحيح مسلم: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم سُئِلَ عن صوم الإثنين؟ فقال: «فِيهِ وُلِدْتُ، وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ»(٢٣)، ووجهه أنه يدلُّ على شرف ولادته صلَّى الله عليه وسلَّم، ويفيد شرعية الاحتفال بمولده، كما احتجُّوا على جواز المولد بأنَّ أبا لهب يُخفَّف عنه العذاب كلَّ إثنين لأنَّه أعتق ثويبة إثر بشارتها له بولادة النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على ما جاء في البخاري: «قَالَ عُرْوَةُ: وَثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لهَبٍ كَانَ أَبُو لَهبٍ أَعْتَقَها فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبِ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ ؟ قَالَ أَبُو لَهبٍ: لَمْ ألْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ»(٢٤)، ولما كان فرحه بولادة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سببًا في تخفيفِ العذاب عنه فذلك دليلٌ على جواز الفرح والابتهاج بيوم مولِدِه والاحتفال به(٢٥)؛ ولأنَّ الغرض من إقامة مولده صلَّى الله عليه وسلَّم ـ كما قرَّره أهل الطرق ـ هو شُكْرُ الله على نعمة إيجاده، وتخصيص شكر الله تعالى عليه إنما يكون بإقامة الولائم وإطعام الطعام والتوسعة على الفقراء ـ زعموا ـ، فضلًا عن أعمال البِرِّ الأخرى النافعة كالاجتماع على قراءة القرآن وتلاوته، والذِّكْرِ والصلاة على النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وسماع شمائله الشريفة وقراءة سيرته العطرة؛ كُلُّ ذلك ـ عندهم ـ محمودٌ غيرُ محظورٍ بل مطلوبٌ إحياءً للذِّكرى، معلِّلين ذلك بما حثَّ الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم أُمَّته عليه من صومِ عاشوراءَ شُكْرًا للهِ على نجاةِ موسى ومن معه، فإنَّ ذلك كُلَّهُ يُستفادُ منه شرعيةُ الاحتفال بالمولد(٢٦)، ويعكس ـ حالَ الاجتماع عليه ـ محبَّةَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتعظيمَهُ، ويذهبُ بعضُهم إلى أنَّ أعيادَ الميلاد من عادات أهلِ الكتاب، والعادة إذا تَفَشَّتْ عند المسلمين أصبحت من عاداتهم، والبدعةُ لا تندرج في العادات وإِنَّمَا تدخل في العبادات.
تفنيد الشبهات ومختلف التعليلات
ولا يخفى أنَّ تفسير قوله تعالى: ﴿قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ ٥٨﴾ [يونس] بمولده صلَّى الله عليه وسلَّم لا يَشهدُ له أيُّ تفسيرٍ، وهو مخالِفٌ لما فَسَّرَه به الصحابة الكرام والأئمَّة الأعلام، وقد جاء عنهم أَنَّ المرادَ بفضل الله: القرآن، ورحمتِه: الإسلام، وبهذا قال ابنُ عباس وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم، وعنهما ـ أيضًا ـ: فضل الله: القرآن، ورحمته: أن يجعلكم من أهله، وقيل: العكس(٢٧).
فالحاصلُ أنَّ اللهَ تعالى لم يأمر عبادَه بتخصيص ليلةِ المولد بالفرح والاحتفال، وإنَّما أمرهم أن يفرحوا بالإسلام وهو دِين الحقِّ الذي أنزل على نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم، ويدلُّ عليه قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧﴾ [الأنبياء]، وقد تعرَّضت الآية للبِعثة ولم تتعرَّض لولادته، قال تعالى ـ مُمْتَنًّا على المؤمنين ـ: ﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ﴾ [آل عمران: ١٦٤]، وفي «صحيح مسلم»: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً(٢٨)»(٢٩)، وفي رواية في «صحيح مسلم» ـ أيضًا ـ أَنَّه لَمَّا سُئِلَ عن صوم الإثنين قال: «وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ»(٣٠).
أمَّا قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ ٥﴾ [إبراهيم]، فالمراد به أن يُذكِّرَهم بنِعم اللهِ ونقمه التي انتقم فيها من قوم نوح وعاد وثمود، والمعنى: أن يَعِظَهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد، فإنَّ في التذكير بها لدلالات عظيمة على التوحيد وكمال القدرة لكلِّ مُؤمن، وأُردفت الآيةُ بالوصفين المذكورين وهما: «الصبر والشكر»؛ لأنَّهما ملاك الإيمان(٣١)، وقد صحَّ من حديثِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّه قال: «عَجَبًا لِأَمْرِ المُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ «شَكَرَ» فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ «صَبَرَ»، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»(٣٢).
ولا يخفى أنَّ الصحابة رضي الله عنهم ومَن بعدَهم من أهل الإيمان الذين يصبرون في الضرَّاء ويشكرون في السَّرَّاء ويحيون سُنَّته ويتَّبعون هديَه لم يفهموا من الآية الاحتفال بالمولد لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، ولا أقاموه، وإنَّما حدث بعد القرون الثلاثة المفضَّلة.
أمَّا شبهتهم بالحديث فغاية ما يدلُّ عليه الترغيب في الصيام يومَ الإثنين(٣٣) وقد اكتفى به، وما كفى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يكفي أُمَّتَه، وما وسعه يسعها، ولذلك كان شكر الله على نعمة ولادته بنوع ما شكر به صلَّى الله عليه وسلَّم إنَّما يكون في هذا المعنى المشروع، ومن ناحية أخرى فإنَّ يوم الإثنين الذي هو يوم مولده صلَّى الله عليه وسلَّم ومبعثه ـ كما ورد في الحديث ـ قد وافق يومَ وفاته بلا خلاف(٣٤)، وعلى المشهور ـ أيضًا ـ فإنَّ ولادته ووفاته كانتَا في شهر ربيع الأول، فلماذا يفرح الناس بولادته ولا يحزنون على وفاته، إذ ليس الفرح أولى من الحزن فيه، علمًا بأنَّ وفاتَه صلَّى الله عليه وسلَّم مِن أعظم ما ابتلي به المسلمون، وأفجعِ ما أُصيبت به أُمَّة الإسلام، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، ـ أَوْ مِنَ المُؤْمِنِينَ ـ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنِ المُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي»(٣٥).
قال ابن الحاج المالكي ـ رحمه الله ـ: «العجب العجيب كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور ـ كما تقدَّم ـ لأجل مولده عليه الصلاة والسلام في هذا الشهر الكريم، وهو عليه الصلاة والسلام فيه انتقل إلى كرامة ربِّه عزَّ وجلَّ، وفُجعت الأُمّة فيه وأُصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا، فعلى هذا كان يتعيَّن البكاء والحزن الكثير، وانفراد كُلِّ إنسان بنفسه لما أصيب به لقوله عليه الصلاة والسلام: «لِيُعزِّ المُسْلِمِينَ فِي مَصَائِبِهِمُ المُصِيبَةُ بِي»»(٣٦).
وليس لليوم الثاني عشر من ربيع الأول ـ إن صحَّ أنَّه مولده ـ من ميزةٍ دون الأيام الأخرى؛ لأنَّه لم يُنقل عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّه خصَّصه بالصيام أو بأيِّ عملٍ آخرَ، ولا فعله أهلُ القرون المفضَّلة من بعده، فدلَّ ذلك على أنَّه ليس له من فضلٍ على غيره من الأيام.
وحقيقٌ بالتنبيه: أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومَن معه من الصحابة الكرام أجمعوا على ابتداء التقويم السنوي الإسلامي من التاريخ الهجري، وقد خالفوا في ذلك النصارى في البداءة حيث ابتدأوا تقويمَهم السَّنوي من يوم ولادة المسيح عيسى عليه السلام فعن سعيد بن المسيِّب قال: «جمع عمرُ الناسَ فسألهم: من أيِّ يوم يكتب التاريخ ؟ فقال علي بن أبي طالب: مِن يوم هاجر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وترك أرضَ الشرك، ففعله عمر رضي الله عنه»(٣٧).
ولم يُنقل عنهم أنهم اتخذوا مولِدَه صلَّى الله عليه وسلَّم ولَا مبعثَه ولا هجرتَه ولَا وفاتَه عيدًا يحتفلون به، كما أنَّهم لم يقتدوا بالنصارى في وضع التاريخ الإسلامي، إذ المعلوم أنَّ من سنَّة النصارى اتخاذ موالد الأنبياء أعيادًا، فكيف يُعدل عن سُنَن الخلفاء الراشدين المهديِّين إلى الاستنان بسُنَّة النصارى الضالين؟! وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»(٣٨).
ولا يخفى أنَّ سبيل الصحابة رضي الله عنهم حقّ لازم اتباعه وقد جاء الوعيد على اتباع غيرِ سبيل المؤمنين في قوله تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا ١١٥﴾ [النساء].
أمَّا من رأى أبا لهب بعد موته في النوم أنه خُفِّف عنه بعض العذاب كلَّ ليلة إثنين(٣٩)، فجوابه من عِدَّة وجوه:
الأول: أنَّه ليس في حديث البخاري أنَّه يخفَّف عنه كُلَّ إثنين، ولا أنه أعتق ثُويبة من أجل بشارتها إيَّاه بولادته صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد ذكر ابنُ حجر أنَّ أبا لهب أعتقها بعد هجرة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم(٤٠)، وروي أنَّه أعتقها قبل ولادته بزمنٍ طويلٍ(٤١).
الثاني: أنَّه خبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدَّثه به.
الثالث: وعلى تقدير أنَّه موصول فالذي في الخبر رؤيا منام فلَا حُجَّة فيه كما صَرَّح به الحافظ ابنُ حَجَر(٤٢)، قال المعلمي ـ رحمه الله ـ: «اتفق أهلُ العلم أَنَّ الرُّؤْيَا لا تصلح للحُجَّة، وإنما هي تبشير وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حُجَّةً شرعيةً صحيحةً»(٤٣).
الرابع: أنَّ الرائيَ له في المنام هو أَخُوهُ العباس رضي الله عنه، وذلك بعد سَنَةٍ من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر ذكره السُّهيلي(٤٤)، ولعلَّ الرَّائي لم يكن إذ ذاك قد أسلم(٤٥).
الخامس: أنَّ الخبر مخالِفٌ لظاهر القرآن والإجماع، قال تعالى: ﴿وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا ٢٣﴾ [الفرقان]، ولقوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَسَرَابِۢ بِقِيعَةٖ يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمَۡٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمۡ يَجِدۡهُ شَيۡٔٗا﴾ [النور: ٣٩]، وقوله تعالى: ﴿مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡۖ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَرَمَادٍ ٱشۡتَدَّتۡ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوۡمٍ عَاصِفٖ﴾ [إبراهيم: ١٨]، ولقد كان أبو لهب من أشدِّ الناس عداوةً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومُبالغةً في إيذائه، الأمر الذي يهدم ما سلف من الفرح به لو صحَّ ذلك، وقد ذكر القاضي عياض انعقاد الإجماع على أنَّ الكُفَّار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذابٍ وإن كان بعضهم أشدَّ عذابًا من بعض(٤٦).
السادس: وعلى فرض التسليم والقَبول جَدَلًا بأنه خفِّف عنه لإعتاقه ثويبة بسبب ولادته وإرضاعه صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فإنَّ هذا الأمر لا يخفى على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، كما لم يَخْفَ عليه تخفيف العذاب عن أبي طالب لأجل حمايته ونصرته، ومع هذا العلم لم ينقل عنه اتخاذ يوم مولده عيدًا، ولا أصحاب القرون المفضّلة بعده.
وأمَّا التوسعة على الفقراء بإطعام الطعام وغيرها من أفعال البِرِّ والإحسان فإن وقعت على الوجه الشرعي فهي من أعظم القربات والطاعات، أمَّا تخصيصها بوجهٍ لا يثبت إلَّا بنصٍّ شرعيٍّ، فإنه إذا انتفى تنتفي المشروعية، عملًا بقاعدة: «كُلُّ مَا أُضِيفَ إِلَى حُكِمٍ شَرْعِيٍّ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ»، وقاعدة: «إِذَا سَقَطَ الأَصْلُ سَقَطَ الفَرْعُ»(٤٧).
أمَّا الدروس والعِبر والعِظَات وتلاوةُ القرآن والذِّكر والصلاة على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقراءة سيرته وغيرها فإنَّما تشرع كلَّ وقتٍ، وفي كلِّ مكان من غير تخصيصٍ كعموم المساجد والمدارس والمجالس العامَّة والخاصَّة، وتسري عليها القاعدة السابقة: «إِذَا سَقَطَ الأَصْلُ مَعَ إِمْكَانِهِ فَالتَّابِعُ أَوْلَى»(٤٨).
وإن أُريد بالدروس والعظات وقراءة سيرته إحياء ذكره فإنَّ الله تكفَّل برفع ذكره في الدنيا والآخرة على مدار الأزمنة والدهور، فيُذكر مع الله في الأذان والخُطَب والصَّلوات والإقامة والتشهُّد ونحو ذلك، فَقَصْرُ ذِكره على يومِ مولدِه صلَّى الله عليه وسلَّم جفاءٌ في حَقِّهِ وتقصيرٌ في تعظيمه وتفريطٌ في توقيره ومحبَّته.
وأمَّا عاشوراء الذي حثَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على صيامه شُكرًا لله على نجاةِ موسى ومَنْ معه فإنَّما كان امتثالًا لأمرِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وطاعةً له وهو شُكْرٌ لله على تأييده للحقِّ على الباطل، لكن ليس فيه دليلٌ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ على إقامة الموالد والاجتماع إليها وإحداث المواسم الدينية، لربط الأزمنة بالأحداث ـ زعموا ـ، وإنَّما التوجيه النبوي لأُمَّته أن يعبِّروا عن شكر الله بتجسيده بالصيام لا باتخاذه عيدًا يحتفل به حتَّى يُلحقَ به مولدُه صلَّى الله عليه وسلَّم، إذ لا يعرف في الإسلام من الأعياد السنوية إلَّا عيد الأضحى وعيد الفطر ـ كما تقدَّم ـ ولو شرعه لنا عيدًا لندب إليه ولأمَر بترك صومه؛ لأنَّ الناس يعتبرون في العيد ضيوفًا عند الله تعالى، والصوم إعراض عن الضيافة، لذلك يفسد إلحاق حكم المولد قياسًا على عاشوراء لقادح المنع، وهو منع حكم الأصل.
ثمَّ إنَّ الاحتفال بعيد ميلاد عيسى عليه السلام ليس من عادات الكفار، وإنَّما هو من عباداتهم، كما أفصح عن ذلك ابن القيم ـ رحمه الله ـ بقوله(): «ومن خصَّ الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله، كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات، كيوم الميلاد، ويوم التعميد(٤٩)، وغير ذلك من أحواله».
وإذا سلَّمنا ـ جدلًا ـ أنَّه من عاداتهم، فقد نُهينا عن التشبُّه بأهل الكتاب، وتقليدهم، سواء في أعيادهم أو في غيرها لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(٥٠)، وأقلُّ أحوال الحديث اقتضاء تحريم التشبُّه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم كما في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡ﴾ [المائدة: ٥١](٥١)، ومعلوم أنَّ المشابهة إذا كانت في أمور دنيوية فإنَّها تورث المحبَّة والموالاة، فكيف بالمشابهة في أمور دينية ؟ فإنَّ إفضاءَها إلى نوعٍ من الموالاة أكثر وأشدُّ، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان، كما قرَّره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ(٥٢).
طاعة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم عنوان محبَّته وتعظيمه
وليس من محبَّته صلَّى الله عليه وسلَّم وتعظيمِه ارتكاب البدع التي حذَّر منها، وأخبر أنَّها شرٌّ وضلالة، وإنَّما تتجلَّى محبَّتُه في طاعته، والاستقامة على أمره، والتسليم لأحكامه، واتباع هديه، وسلوك طريقته، والتأسِّي به في مظهره ومخبره، قال تعالى: ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣١﴾ [آل عمران]، وقال تعالى: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ٢١﴾ [الأحزاب]، وقد كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم أشدَّ محبَّةً للنَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتعظيمًا له مِنَّا، وأحرصَ على الخير ممَّن جاء بعدَهم، وأسبقَ إليه من غيرهم، وكانوا أعلمَ الناس بما يصلح للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلو كان في إقامة مولده صلَّى الله عليه وسلَّم والاحتفال به واتخاذه عيدًا أدنى فضل ومحبَّة له وتعظيم له صلَّى الله عليه وسلَّم لكانوا رضي الله عنهم أسرعَ الناسِ إليه وأحرصَهم على إقامته والاحتفال به، لكن لم يُنقل عنهم ذلك، وإنَّما أُثِرَ عنهم ما عرفوه من الحقِّ من محبَّته وتعظيمه بالإيمان به وطاعته واتباع هديه، والتمسُّك بسُنَّته ونشر ما دعا إليه، والجهاد على ذلك بالقلب واللسان، وتقديم محبَّته صلَّى الله عليه وسلَّم على النفس والأهل والمال والولد والناس أجمعين(٥٣)، تلك هي المحبة الصادقة التي تنعكس على المحبوب بالطاعة والتزام شرعه واتباع هديه، إذ طاعة المحبوب عنوان محبَّته وتعظيمه، قال محمَّد البشير الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ: «أمَّا الحبُّ الصحيح لمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم فهو الذي يدع صاحبَه عن البدع، ويحملُه على الاقتداء الصحيح، كما كان السلف يحبُّونه، فيحيون سُننه، ويَذُودون عن شريعته ودينه، من غير أن يقيموا له الموالد، وينفقُوا منها الأموال الطائلة التي تفتقر المصالحُ العامَّةُ إلى القليل منها فلا تَجدُه»(٥٤).
هذا، وليست البدعة من محبَّته وتعظيمه ولو كانت حسنةً في نظر فاعلها؛ لأنه صلَّى الله عليه وسلَّم عَمَّمَ فقال: «وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»(٥٥)، وقال: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»(٥٦)، وفي رواية مسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(٥٧)، ثمّ إنَّه كيف تكون حسنةً ؟ لأنَّ المُحَسِّنَ لها إمَّا الشرع فتنتفي البدعةُ، وإمَّا العقلُ فلا مدخلَ له في إثبات الأحكام الشرعية، ولا في تعلُّق الثواب والعقاب بها آجلًا ـ عند أهل السُّنَّة ـ وإنَّما طريق ذلك السمع المجرَّد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «ومعلوم أنَّ كُلَّ ما لم يَسُنَّهُ ولا استحبَّه رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا أحدٌ مِن هؤلاء الَّذين يقتدي بهم المسلمون في دينهم، فإنَّه يكون من البدع المنكرات، ولا يقول أحدٌ في مثل هذا إنَّه بدعةٌ حسنةٌ»(٥٨).
هذا، وأخيرًا فإنَّنا نحمد الله تعالى على نِعمة ولادة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعلى نعمة النُّبوَّة والرِّسالة، فهو الذي أنزل عليه القرآنَ، وأتمَّ به الإسلامَ، وبيَّنه أتمَّ البيان، وبلَّغه على التمام، وبهذا نفرح ونبتهج من غير غُلُوٍّ ولا إطراءٍ، ونَسْتَلْهِمُ العِبَرَ والعِظاتِ من سيرتِه العَطِرة، ومن شمائله الشريفة، وسائرِ مواقفه المشرفة في ميادين الجهاد والتعليم، من غير تخصيص بزمان ولا مكان ولا هيئة، ونحرص على اتباع هديه صلَّى الله عليه وسلَّم، والتمسُّكِ بسُنَّته على ما مضى عليه سلفنا الصالح ـ رحمهم الله تعالى ـ.
والموفَّقُ السعيدُ من انتظم في سلك من أحيا سُنَّة وأمات بدعة.
ونسأل اللهَ بأسمائه الحسنى وصفاته العُلَا أن يُرِيَنَا الحقَّ حَقًّا ويرزقَنَا اتباعَهُ، والباطلَ باطِلًا ويرزقَنَا اجتنابَهُ، ولا يجعلَه مُتَلَبِّسًا علينا فنَضِلَّ، وأن يكون لنا عونًا على أداء واجب الدعوة والنذارة امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ ١٢٢﴾ [التوبة].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٨ صفر ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٨ مارس ٢٠٠٥م
الموافق ﻟ: ٢٨ مارس ٢٠٠٥م
(١) أخرجه مسلم في «الأقضية» (١٧١٨)، وأحمد (٢٥٤٧٢)، والدارقطني في «سُننه» (٤٥٩٣)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢) أخرجه ابن ماجه في «المقدمة» رقم: (٥)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» رقم: (٩)، وفي «السلسلة الصحيحة» (٦٨٨).
(٤) «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (١/ ٣٥٨).
(٥) أخرجه البخاري في «الصلح» (٢٦٩٧)، ومسلم في «الأقضية» (١٧١٨)، وأبو داود في «السُّنَّة» (٤٦٠٦)، وابن ماجه في «المقدمة» (١٤)، وأحمد (٢٦٠٣٣)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٧) أخرجه مسلم في «الجمعة» (٨٦٧)، وأحمد (١٤٩٨٤)، من حديث جابر رضي الله عنه.
(٨) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (٤٧)، وابن نصر في «السُّنَّة» (٨٩)، وابن وضَّاح في «البدع» (١١)، وابن عبد البر في «الجامع» (١٨٠٩) من طريق عبد الله بن عون عن إبراهيم، والأثر صححه مشهور سلمان في تحقيقه لكتاب «الاعتصام» للشاطبي (١/ ١٢٢).
(٩) أخرجه الدارمي في «سننه» (٢٠٩)، والطبراني في «الكبير» (٨٧٧٠)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢٢١٦)، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١/ ٤٣٤): «رواه الطبراني في «الكبير» ورجاله رجال الصحيح»، واللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (١/ ٩٦). وصحَّحه الألباني في «تحقيقه لإصلاح المساجد» (١٢).
(١٠) انظر: «المواعظ والاعتبار» للمقريزي (١/ ٤٣٢ ـ ٤٣٣)، «صبح الأعشى» للقلقشندي (٣/ ٣٩٨)، «الإبداع» لعلي محفوظ (١٢٦)، «القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل صلَّى الله عليه وسلَّم»، لإسماعيل الأنصاري (٦٨).
(١١) إِرْبِل: مدينة كبيرة من أعمال المَوْصِلِ، والمَوْصِل مدينة عتيقة، قديمة الأساس على طرف دِجلة من أعظم المدن بالعراق سميت بذلك لأنَّها وصلت بين الجزيرة والعراق، وقيل: وصلت بين الفرات ودِجلة. [انظر: «الروض المعطار» للحميري (٥٦٣)، «اللباب» لابن الأثير (١/ ٣٩، ٣/ ٢٦٩)، «مراصد الاطلاع» للصفي البغدادي (١/ ٥١، ٣/ ١٣٣٣).
(١٢) هو عمر بن محمَّد بن خضر الإربلي الموصلي أبو حفص معين الدين شيخ الموصل المعروف بالملّا، له أخبار مع الملك نور الدين محمود بن زنكي توفي سنة: (٥٧٠). [انظر ترجمته في: «البداية والنهاية» لابن كثير (١٢/ ٢٨٢)، «الأعلام» للزركلي (٥/ ٦٠)].
(١٣) انظر: «الباعث على إنكار البدع والحوادث» لأبي شامة (٢٤).
(١٤) هو الملك المظفر: أبو سعيد كُوكُبري بن زين الدين بن بُكْتِكين، كانت وفاته بقلعة إربل سنة: (٦٣٠). [انظر: «البداية والنهاية» لابن كثير (١٣/ ١٣٦)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (٤/ ١١٣)، و«شذرات الذهب» لابن العماد (٥/ ١٣٨)].
(١٥) أخرجه البخاري في «الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة» (٣٤٥٦)، ومسلم في «العلم» (٢٦٦٩)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(١٦) انظر: الدراسات عن الشيعة في المراجع التالية:
«تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة» للدكتور عبد الله فياض، «الشيعة والتشيُّع»، و«الشيعة وأهل البيت» لإحسان إلهي ظهير، و«الصراع بين الشيعة والتشيع» للدكتور موسى الموسوي، وغيرها.
(١٧) «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (٢/ ١٢٣).
(١٨) أخرجه أبو داود (٤٦٠٧)، والترمذي (٢٦٧٦)، وابن ماجه في «المقدمة» (٤٢)، وأحمد (١٧١٤٤)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٩٣٦).
(١٩) أخرجه البخاري في «الأنبياء» (٣٤٤٥)، والدارمي في «سننه» (٢٦٨٢)، وأحمد في «مسنده» (١٦٤)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(٢٠) أخرجه أبو داود في «الصلاة» (١١٣٤)، والحاكم في «المستدرك» (١٠٩١)، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وأحمد في «مسنده» (١٢٠٠٦)، من حديث أنس رضي الله عنه. والحديث صحَّحه ابن حجر في «فتح الباري» (٢/ ٥١٣)، والألباني في «صحيح الجامع» (٤٣٨١).
(٢١) أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (٢٧٧)، والشهاب القضاعي في «مسنده» (٥٠١)، والحديث صحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٢٣١١)، وشعيب الأرناؤوط في تحقيقه ﻟ «صحيح ابن حبان».
(٢٢) قد يحتفل بالمولد من كان مجتهدًا مُتأوِّلًا أو مُقلِّدًا جاهلًا بحُكمه وهو حسن القصد فإنَّه يعذر بجهله لعدم بلوغ الخطاب له، أو لمعارضته بتأويل إمَّا باجتهادٍ أو تقليدٍ، بخلاف العالم بحكمه العامل على غير مقتضى ما عَلِم. وهذا هو مقصود شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ حيث قال في «الاقتضاء» (٢/ ١٦٢): «فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا، قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كما قدمته لك أنَّه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدّد». [انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٢/ ٢٣)].
(٢٣) أخرجه مسلم في «الصيام» (١١٦٢)، وأبو داود في «الصوم» (٢٤٢٦)، وأحمد (٢٢٥٥٠)، من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه.
(٢٤) أخرجه البخاري في «النكاح» (٩/ ١٤٠) رقم: (٥١٠١)، باب ﴿وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ﴾ [النساء: ٢٣] ويَحْرُمُ مِن الرضاع ما يَحْرُمُ مِن النسب، من حديث عروة ابن الزبير.
(٢٥) انظر: «المواهب اللدنية» للقسطلاني (١/ ٢٦٠).
(٢٦) انظر: «الفتاوى الحديثية» لابن حجر الهيتمي (٩٠٩، ٩٧٤)، و«الحاوي للفتاوي» للسيوطي (١/ ٢٦٠).
(٢٧) «تفسير القرطبي» (٨/ ٣٥٣)، «تفسير ابن كثير» (٢/ ٤٠٢ ـ ٤٠٣).
(٢٨) أخرجه مسلم في «البر والآداب والصلة» (٢٥٩٩)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢٩) «حوار المالكي» لابن منيع (٨٥).
(٣٠) أخرجه مسلم في «الصيام»، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كلّ شهر (١١٦٢)، من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه.
(٣١) «تفسير ابن كثير» (٢/ ٥٢٣)، «فتح القدير» للشوكاني (٣/ ٩٤).
(٣٢) أخرجه مسلم في «الزهد والرقائق»، باب المؤمن أمره كلّه خير (٧٥٠٠)، من حديث صهيبٍ رضي الله عنه.
(٣٣) ومن التناقضات العجيبة أنَّ أهل إحياء المولد يكرهون الصيام يوم الإثنين إن وافق المولد لكونه عيدًا يلزم فيه الفرح والسرور ويستقبح في مثله الصيام، في حين أنَّ صاحب الشريعة يندب إلى صيام يوم الإثنين، فقد صامه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ورغَّب في صيامه، قال الحطاب في «مواهب الجليل» (٢/ ٤٠٦): «قال الشيخ زروق في شرح القرطبية: صيام المولد كَرِهَه بعضُ من قرب عصره ممّن صحّ علمُه وورعه، قال: إنه من أعياد المسلمين فينبغي أن لا يصام فيه، وكان شيخنا أبو عبد الله القوري يذكر ذلك كثيرًا ويستحسنه ؟!!».
(٣٤) «فتح الباري» (٨/ ١٢٩).
(٣٥) أخرجه ابن ماجه في «الجنائز» (١٥٩٩)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (١٠١٥٤)، من حديث عائشة رضي الله عنها. والحديث صحَّحه بشواهده الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٣/ ٩٨).
(٣٦) «المدخل» لابن الحاج (٢/ ١٦ ـ ١٧).
(٣٧) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٣/ ١٥) رقم (٤٢٨٧)، وقال عنه: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه». عن عثمان بن عبيد الله أبي رافع، عن سعيد بن المسيِّب ـ رحمه الله ـ.
(٣٩) «المواهب اللدنية» للقسطلاني (١/ ٢٦٠).
(٤٠) «الإصابة» لابن حجر (٤/ ٢٥٨).
(٤١) «شرح الزرقاني» على «المواهب اللدنية» (١/ ٢٥٩).
(٤٢) «فتح الباري» لابن حجر (٩/ ١٤٥).
(٤٣) «التنكيل» للمعلمي (٢/ ٢٤٢).
(٤٤) «البداية والنهاية» لابن كثير (٢/ ٢٧٣).
(٤٥) «الإصابة» لابن حجر (٢/ ٢٧١).
(٤٦) «فتح الباري» لابن حجر (٩/ ١٤٥).
(٤٧) وهذه القاعدة مطردة في المحسوسات والمعقولات؛ لأنّ الأساس إذا انهدم انهدم معه ما بُني عليه. [انظر: «الأشباه والنظائر» للسيوطي (١١٩)، و«الأشباه والنظائر» لابن نجيم (١٣٤)].
(٤٨) عبَّر عنها النووي بهذه الصيغة. انظر: «المجموع» له (١/ ٣٩٢).
(٤٩) التعميد أو المعمودية عند النصارى: أن يغمس القِسُّ الطفل في الماء باسم الأب والابن وروح القدس، ويتلو عليه بعض فِقَرٍ من الإنجيل، تعبيرًا عن تطهير النفس من الخطايا والذنوب، وهو آية التنصير عندهم. [انظر: «المعجم الوسيط» (٢/ ٦٢٦)، «المسيحية» لأحمد شبلي (٣٠/ ١٦٨ ـ ١٦٩)].
(٥٠) أخرجه أبو داود في «اللباس» (٤٠٣١)، وأحمد (٥١١٤)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وصحَّحه العراقي في «تخريج الإحياء» (١/ ٣٥٩)، وحسَّنه ابن حجر في «فتح الباري» (١٠/ ٢٨٨)، والألباني في «الإرواء» (١٢٦٩).
(٥١) انظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (١/ ٢٧٠).
(٥٢) انظر المصدر السابق (١/ ٥٥٠).
(٥٣) انظر : «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (٢/ ١٣٢).
(٥٤) «آثار البشير الإبراهيمي» (٢/ ٣٤١).
(٥٨) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٧/ ١٥٢[FONT="]).[/FONT]