- إنضم
- 9 سبتمبر 2008
- المشاركات
- 3,579
- نقاط التفاعل
- 580
- النقاط
- 171
الكلمة النابية وأثرها على تربية الطفل
ذو القعدة 1437 - أوت 2016 مجلة الإصلاح
الشيخ عز الدين رمضاني حفظه اللّٰه
والمُربِّي المثالي ليس ذلك الذي يتغاضى عن الزَّلاَّتِ ويُهمِلُ التَّأديبَ في وَقتِه، أو يَضرِبُ صفحًا عن إيقاعِ العقابِ والتَّوبيخِ بالطِّفلِ حين يُسِيءُ، وإنَّما المُربِّي النَّاجِحُ هو الَّذي يُظهِرُ استيَاءَه ويُوجِّهُ تَوبِيخَه إلى السُّلوكِ السَّيِّءِ الَّذي وَقَع فيه الطِّفلُ وليس إلى شخصِه حتَّى لا يَهزِمَ نفسِيَّتَه فيُصَابَ بالإحباطِ، بل عليه أن يتَحَوَّلَ من الكلمة النَّابيةِ إلى الكلمةِ البانية، ومن المقولة السَّائبة إلى المقولة الجالِبة، ومن اللَّفظَةِ القاسيةِ إلى اللَّفظَةِ الحانيةِ، فبدَلَ أن يَقُولَ له: «أَنْتَ أنانِيٌّ وحقير؛ لأنَّكَ أكلتَ حلوى أخيك»، يقول له: «إنَّ ما قُمتَ به عملٌ سيِّئٌ غيرُ مَقبُول منك؛ لأنَّه حقُّ أخيك»
ولْنتأَمَّلْ هذا الحديثَ لندرِكَ قدرَ التَّوجيه البَنَّاءِ وطريقة الزَّجرِ الَّتي يُؤخَذُ بها الطِّفل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذَ الحَسَنُ بنُ عليٍّ رضي الله عنهما تَمْرَةً من تَمْرِ الصَّدَقَةِ فجعلَها في فيه، فقالَ له النَّبيُّ ﷺ : «كِخْ، كِخْ» ليطْرَحَها، ثمَّ قال: «أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟»(14)
قال النَّووي: «وهي كلمةٌ يُزجَرُ بها الصِّبيانُ عن المُستَقْذَراتِ، فيقالُ له كِخْ، أي اتْرُكْهُ وارْمِ به»(15)
والحديثُ من النَّاحية التَّربويَّةِ يُقدِّمُ أسلوبًا مِثالِيًّا في طريقةِ الزَّجرِ، ليكُفَّ الحسن رضي الله عنه عن الفعل، ثمَّ ما لَبِثَ أن وضَّحَ له تعليلَه لسبَبِ عدمِ الأكلِ لتكون له سلوكًا دائمًا ويكونَ وقعُ ذلك على نفسه أقوى تأثيرًا
ثمَّ لْنَقِفْ على هذا المثالِ الواقعي الَّذي يُوضِّحُ لنا كيفَ يَضُرُّ الانتقادُ السَّلبي المصحوبُ بالكلمةِ النَّابيةِ بنفسِيَّةِ الطِّفلِ، ثمَّ نُتبِعُه بمثالٍ آخَرَ للانتقاد الإيجابي المُرفَقِ بالكلمة البانية مع بيان نتائجه الطَّيِّبَةِ
«زياد طفل في العاشرةِ من عُمُرِه سَكَبَ كُوبًا من الحليب دون قصدٍ منه، وهو جالسٌ مع وَالِدَيْه على مائدةِ الإفطارِ، صَرَخَتْ أُمُّه في وَجهِه قائِلةً: أعتقد أنَّكَ في سنٍّ تَجعَلُك تعرِفُ كيف تُمسِكُ الكأسَ، كم مرَّة قلتُ لك أن تأخُذَ حِذْرَكَ، لكن كالعادة لا تَسمَعُ الكلام
وعلَّق الأبُ غاضِبًا: لنْ يفعَلَ أبدًا لأنَّه غبيٌّ، وسيبقى غبيًّا
التَّعليق: لقد سَكَبَ زيادٌ قليلاً من الحليب، لكن هجومُ والدَيْه القاسي على شخصِيَّتِه سبَّبَ له ألمًا نفسِيًّا ربَّمَا يطولُ أَثرُه رَدْحًا من الزَّمن، كما أنَّه لا يَجعَلُه راغِبًا في تَحسِينِ سُلوكهِ
وأمَّا أَيْمَن البالغُ من العمر ثماني سنوات فقد وقَع له مثلُ ما وقع لزياد، لكنَّ الَّذي اختلف هو حسنُ تعامل والِدَتِه معه، وتعليقُها على ما صدَرَ من ابنِها بأَلْطَفِ عبارَةٍ وأَرْقَى أُسلُوبٍ وَرَّثَ إعجابًا وحُبًّا من وَلَدِها حين قالت له: لقد سكَبْتَ الحليبَ وعليكَ أن تُنظِّفَ المائدةَ، وأعطَتْه إسفَنْجَة مُبلَّلة ليَمْسَحَ الحليبَ الَّذي سَكَبَه؛ ففعَل وتأسَّفَ عن ما صدر منه، ولم تقُلْ له أمُّه: كن أكثَرَ حذَرًا في المرَّةِ القادمةِ؛ لأنَّها لم ترغَبْ في إفسادِ إحساسِه بالامتنانِ الَّذي ارتسم واضحًا في ملامحه»(16)
حقًّا؛ قليلٌ أولئكَ الآباء أو الأمَّهات الَّذينَ باستطاعتهم أن يَستَعمِلُوا الثَّناءَ في الأوقاتِ الصَّعبةِ عندما يقوم الأولادُ بأمورٍ غير مُناسِبةٍ وغيرِ لائقةٍ بهم، وبدلاً من التَّأنيبِ يوحون إليهم بالسُّلوكِ الحَسَنِ ويُذِكِّرُونَهم بتَصرُّفاتٍ قاموا بها في السَّابِق واستحقَّت المدح
.....يتبع إن شاء الله ....
ذو القعدة 1437 - أوت 2016 مجلة الإصلاح
الشيخ عز الدين رمضاني حفظه اللّٰه
والمُربِّي المثالي ليس ذلك الذي يتغاضى عن الزَّلاَّتِ ويُهمِلُ التَّأديبَ في وَقتِه، أو يَضرِبُ صفحًا عن إيقاعِ العقابِ والتَّوبيخِ بالطِّفلِ حين يُسِيءُ، وإنَّما المُربِّي النَّاجِحُ هو الَّذي يُظهِرُ استيَاءَه ويُوجِّهُ تَوبِيخَه إلى السُّلوكِ السَّيِّءِ الَّذي وَقَع فيه الطِّفلُ وليس إلى شخصِه حتَّى لا يَهزِمَ نفسِيَّتَه فيُصَابَ بالإحباطِ، بل عليه أن يتَحَوَّلَ من الكلمة النَّابيةِ إلى الكلمةِ البانية، ومن المقولة السَّائبة إلى المقولة الجالِبة، ومن اللَّفظَةِ القاسيةِ إلى اللَّفظَةِ الحانيةِ، فبدَلَ أن يَقُولَ له: «أَنْتَ أنانِيٌّ وحقير؛ لأنَّكَ أكلتَ حلوى أخيك»، يقول له: «إنَّ ما قُمتَ به عملٌ سيِّئٌ غيرُ مَقبُول منك؛ لأنَّه حقُّ أخيك»
ولْنتأَمَّلْ هذا الحديثَ لندرِكَ قدرَ التَّوجيه البَنَّاءِ وطريقة الزَّجرِ الَّتي يُؤخَذُ بها الطِّفل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذَ الحَسَنُ بنُ عليٍّ رضي الله عنهما تَمْرَةً من تَمْرِ الصَّدَقَةِ فجعلَها في فيه، فقالَ له النَّبيُّ ﷺ : «كِخْ، كِخْ» ليطْرَحَها، ثمَّ قال: «أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟»(14)
قال النَّووي: «وهي كلمةٌ يُزجَرُ بها الصِّبيانُ عن المُستَقْذَراتِ، فيقالُ له كِخْ، أي اتْرُكْهُ وارْمِ به»(15)
والحديثُ من النَّاحية التَّربويَّةِ يُقدِّمُ أسلوبًا مِثالِيًّا في طريقةِ الزَّجرِ، ليكُفَّ الحسن رضي الله عنه عن الفعل، ثمَّ ما لَبِثَ أن وضَّحَ له تعليلَه لسبَبِ عدمِ الأكلِ لتكون له سلوكًا دائمًا ويكونَ وقعُ ذلك على نفسه أقوى تأثيرًا
ثمَّ لْنَقِفْ على هذا المثالِ الواقعي الَّذي يُوضِّحُ لنا كيفَ يَضُرُّ الانتقادُ السَّلبي المصحوبُ بالكلمةِ النَّابيةِ بنفسِيَّةِ الطِّفلِ، ثمَّ نُتبِعُه بمثالٍ آخَرَ للانتقاد الإيجابي المُرفَقِ بالكلمة البانية مع بيان نتائجه الطَّيِّبَةِ
«زياد طفل في العاشرةِ من عُمُرِه سَكَبَ كُوبًا من الحليب دون قصدٍ منه، وهو جالسٌ مع وَالِدَيْه على مائدةِ الإفطارِ، صَرَخَتْ أُمُّه في وَجهِه قائِلةً: أعتقد أنَّكَ في سنٍّ تَجعَلُك تعرِفُ كيف تُمسِكُ الكأسَ، كم مرَّة قلتُ لك أن تأخُذَ حِذْرَكَ، لكن كالعادة لا تَسمَعُ الكلام
وعلَّق الأبُ غاضِبًا: لنْ يفعَلَ أبدًا لأنَّه غبيٌّ، وسيبقى غبيًّا
التَّعليق: لقد سَكَبَ زيادٌ قليلاً من الحليب، لكن هجومُ والدَيْه القاسي على شخصِيَّتِه سبَّبَ له ألمًا نفسِيًّا ربَّمَا يطولُ أَثرُه رَدْحًا من الزَّمن، كما أنَّه لا يَجعَلُه راغِبًا في تَحسِينِ سُلوكهِ
وأمَّا أَيْمَن البالغُ من العمر ثماني سنوات فقد وقَع له مثلُ ما وقع لزياد، لكنَّ الَّذي اختلف هو حسنُ تعامل والِدَتِه معه، وتعليقُها على ما صدَرَ من ابنِها بأَلْطَفِ عبارَةٍ وأَرْقَى أُسلُوبٍ وَرَّثَ إعجابًا وحُبًّا من وَلَدِها حين قالت له: لقد سكَبْتَ الحليبَ وعليكَ أن تُنظِّفَ المائدةَ، وأعطَتْه إسفَنْجَة مُبلَّلة ليَمْسَحَ الحليبَ الَّذي سَكَبَه؛ ففعَل وتأسَّفَ عن ما صدر منه، ولم تقُلْ له أمُّه: كن أكثَرَ حذَرًا في المرَّةِ القادمةِ؛ لأنَّها لم ترغَبْ في إفسادِ إحساسِه بالامتنانِ الَّذي ارتسم واضحًا في ملامحه»(16)
حقًّا؛ قليلٌ أولئكَ الآباء أو الأمَّهات الَّذينَ باستطاعتهم أن يَستَعمِلُوا الثَّناءَ في الأوقاتِ الصَّعبةِ عندما يقوم الأولادُ بأمورٍ غير مُناسِبةٍ وغيرِ لائقةٍ بهم، وبدلاً من التَّأنيبِ يوحون إليهم بالسُّلوكِ الحَسَنِ ويُذِكِّرُونَهم بتَصرُّفاتٍ قاموا بها في السَّابِق واستحقَّت المدح
.....يتبع إن شاء الله ....