11- عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك”. رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
راوي الحديث:
جابر بن عبد الله بن عمرو بن حَرَام الأنصاري ثم السَّلَمي بفتحتين صحابي ابن صحابي غزا تسع عشرة غزوة ، واستغفر له النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجمل الذي باعه من النبي _صلى الله عليه وسلم _ خمساً وعشرين مرة، مات بالمدينة بعد السبعين وهو ابن أربع وتسعين ع
معاني المفردات:
معروف: أي ما عرف حسنه من الشرع.
صدقة: أي يثاب عليه كما يثاب على الصدقة بالمال.
بوجه طلق: أي بانبساط وتبسم.
من دَلْوِك: الدلو الإناء الذي يستقى به من البئر.
المعنى الإجمالي للحديث:
للصدقة المالية فضل عظيم حتى إن الله يضاعفها سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا يعلمها إلا هو، ولما لم يكن كل أحد قادراً على الصدقة بالمال فتح الله لعباده أبواب الصدقات فجعل كل معروف صدقة حثاً لعباده على الاستكثار من فعل المعروف ولو بالشيء القليل ولو أن يفرغ في إناء أخيه من إنائه فلا يعنّيه أن يملأ دلوه بنفسه.
ما يستفاد من الحديث:
سعة فضل الله عز وجل إذ فتح لعباده أبواب المعروف والصدقات فجعل كل قول وعمل رغّب فيه الشارع صدقة يثاب عليه ثواباً جزيلاً كما يثاب على الصدقات.
الحث على طلاقة الوجه والبشاشة عند لقاء المسلم ولا سيما من الأهل والإخوان والزوار.
مما جاء في الأحاديث النص عليه أنه من المعروف وأنه صدقة :
التسبيح فكل تسبيحة صدقة
التكبير فكل تكبيرة صدقة
الأمر بالمعروف
النهي عن المنكر
معاشرة الرجل أهله
الإمساك عن الشر
إرشادك الرجل في أرض الضلالة
إماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق.
والمقصود أن المعروف والصدقات لا تنحصر ، وأن الصدقة ليست مختصة بأهل الأموال واليسار بل هي متيسرة ولو لمن لم يكن له مال بفعل شيء من خصال المعروف. والحمد لله على واسع فضله والله أعلم.
أبي ذر في الإحسان إلى الخدم
10- قال معرور _ بن سويد الكوفي_ : مررنا بأبي ذر رضي الله عنه وعليه ثوب وعلى غلامه حلة، فقلنا: لو أخذت هذا وأعطيت هذا غيره كانت حلة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه” متفق عليه واللفظ للبخاري في الأدب المفرد.
راوي الحديث:
أبو ذر الغفاري الصحابي المشهور اسمه جندب بن جنادة على الأصح وقيل برير بموحدة مصغر أو مكبر واختلف في أبيه فقيل جندب أو عشرقة أو عبد الله أو السكن تقدم إسلامه وتأخرت هجرته فلم يشهد بدرا ومناقبه كثيرة جدا مات سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان ع
مفردات الحديث:
ثوب: أي إزار
غلامه: مملوكه.
حلة: أي ثوبان إزار ورداء ، واحدة الحُلل، وهي برود اليمن، ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد
تحت يده: تحت قدرته وتصرفه لأنه مملوك له.
ما يغلبه: ما لا يطيقه من الأعمال.
المعنى الإجمالي للحديث:
يوصي النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى المماليك والخدم لضعفهم بإحسان لباسهم وإحسان طعامهم، وعدم تكليفهم من الأعمال ما يشق عليهم، فإن كلفوهم سادتهم بشيء من الأعمال التي فوق طاقتهم فليعينوهم حتى يخف الحمل عنهم.
ما يستفاد من الحديث:
فضل أبي ذر رضي الله عنه حيث أكرم مملوكه امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكان يلبسه مما يلبس بل حسب هذه الرواية ألبسه خيراً مما يلبس هو فلبس أزاراً فقط والبس مملوكه إزاراً ورداء.
فضل دين الإسلام وعنايته بالحقوق ولا سيما حقوق الضعفاء كالنساء والأطفال والأيتام والمماليك والأسرى والفقراء ونحوهم فأمر بالإحسان إليهم والعطف عليهم.
من الإحسان إلى المملوك إحسان طعامه وشرابه ولباسه وسكنه بحيث يكون لائقاً به مناسباً له بالمقدار المتعارف عليه في البلد. وليس من شرط هذا الإحسان أن يكون لباس المملوك كلبس سيده أو طعامه كطعامه لأن العادة والعرف لم تجر بهذا، فإن ساواه بنفسه فهل تفضل وتكرم من السيد كما فعل أبو ذر رضي الله عنه.
من الإحسان إلى المملوك أن لا يكلف عملاً شاقاً فوق طاقته، فإن كلفه ما يشق عليه فليعنه إما بنفسه وإما بغيره رفعاً للضرر عنه.
ياخذ حكم المملوك في الإحسان ومراعاة عدم التكليف فوق الطاقة من يعمل عند الإنسان من الخدم والسائقين والعاملات بل حتى الدواب التي ينتفع بها في الحرث والركوب وحمل المتاع يؤمر المسلم بالإحسان إليها طعاماً وشراباً وعملاً فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطا لرجل الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه فسكت، فقال: «من ربُّ هذا الجمل، لمن هذا الجمل؟» ، فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: «أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه» رواه أحمد وأبو داود. والمعنى أن الجمل يشتكي صاحبه أنه يجيعه فلا يعطيه ما يكفيه من الطعام ويشق عليه في العمل ويتعبه فلا يريحه. فما أحسن دين الإسلام وما أكمله ..وما أرحم من شرعه وارتضاه والله أعلم.
أنا وكافل اليتيم
9- عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا” وقال بإصبعيه السبابة والوسطى. أخرجه البخاري.
راوي الحديث:
سهل بن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبو العباس له ولأبيه صحبة مشهور مات سنة ثمان وثمانين وقيل بعدها وقد جاز المائة ع
معاني المفردات:
كافل اليتيم: القائم بأمره المربي له.
هكذا: أي كما أنه ليس بين السبابة والوسطى أصبع فكذلك ليس بين درجة الكافل ودرجة النبي صلى الله عليه وسلم درجة.
اليتيم: من فقد أباه قبل أن يبلغ ، واليُتْم في الدواب فقد الأم. وجمع اليتيم أيتام ويتامى.
السبابة: الأصبع التي تلي الإبهام، تسمى السبابة لأنها يشار بها في السب، وتسمى المسبحة لأنها يشار بها في التوحيد.
الوسطى: التي بين السبابة والبِنصِر.
المعنى الإجمالي للحديث:
يحث النبي صلى الله عليه وسلم على كفالة اليتيم ورعايته برحمته والإنفاق عليه وتربيته وتعلميه وتأديبه، ويعد من يفعل ذلك أن تكون منزلته يوم القيامة قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم.
ما يستفاد من الحديث:
إذا فقد الطفل _ والطفلة من باب أولى _ أباه فقدْ فقدَ الركن الشديد الذي يأوي إليه، وينفق عليه، ويرعاه ويؤدبه ويربيه، فيكون عرضة للظلم والعدوان، وللضياع والإهمال ، فحث النبي صلى الله عليه وسلم على كفالة اليتيم لسد هذا النقص الكبير.
كفالة اليتيم لا تقتصر على الإنفاق عليه ، ولكنها تشمل أيضاً تربيته وتعليمه وتقويم أخلاقه وسلوكه، وحمايته من الظلم والعدوان، ورحمته والعطف عليه.
لا يشترط في اليتيم أن يكون قريباً للكافل بل سواء كان قريباً أو أجنبياً عنه ففي الرواية الأخرى : ” أنا وكافل اليتيم له أو لغيره” .
يدخل في هذا الفضل المرأة إذا مات زوجها ولها أولاد صغار فقامت بكفالتهم وتربيتهم والإنفاق عليهم حتى يكبروا.
من فضائل كفالة اليتيم لين القلب وشفاؤه من القسوة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا شكى إلى النبى صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال: “أطعم المسكين وامسح رأس اليتيم ” رواه أحمد وحسنه ابن حجر والألباني.
جاء الوعيد الشديد على أكل مال اليتيم بغير حق فقال تعالى (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا). والله أعلم.
استنبط بعض أهل العلم أن الحكمة في فوز كافل اليتيم بهذا الفضل أنه لما كان النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أمة جاهلة فرباها وعلمها وهداها لما يصلحها ناسب أن يكون من رعى اليتيم فرباه ورعاه وعلمه وأدبه في منزلة قريبة من منزلة النبي صلى الله عليه وسلم.
الساعي على الأرملة
8- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهدين في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل”.
راوي الحديث:
تقدمت ترجمته في الحديث رقم (6).
معاني المفردات:
الساعي على الأرملة: الذي يعمل ويقوم بنفقتها ويصلح شؤونها.
الأرملة: من لا زوج لها. سميت بذلك من الإرمال وهو الفقر.
المعنى الإجمالي للحديث:
يبشر النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن من سعى على أرملة أو مسكين بما يصلح حالهم فقام بالإنفاق عليهم والإحسان إليهم وقضاء حوائجهم بأن يعطيه الله جل وعلا ثواب المجاهدين في سبيل الله ويعطيه ثواب من صام النهار وقام الليل فما أعظم ثوابه، وأكثر أجره.
ما يستفاد من الحديث:
ديننا دين الرحمة والرأفة والإحسان وفعل المعروف ولا سيما مع الضعفاء والفقراء والمساكين، لذا حث في هذا الحديث على الإحسان إلى الأرملة التي فقدت زوجها الذي ينفق عليها ويرعى مصالحها وعلى المساكين الذين لا يجدون ما يكفيهم لمؤنتهم وحاجاتهم.
السعي على الأرملة والمساكين إنفاقاً ورعاية واهتماماً يحتاج إلى صبر عظيم ومجاهدة للنفس لأنه يحتاج إلى بذل مال والمال عزيز على النفس، ويحتاج إلى مداومة واستمرار، ويحتاج إلى أن يحفظ أجره وثوابه فلا يبطله بالمن والأذى، ويحتاج إن يجتنب خطوات الشيطان لا سيما في السعي على الأرملة فإن الشيطان قد يزين للساعي استغلال حاجتها لقضاء مآربه المحرمة منها أو من بعض أهل بيتها.
جعل الساعي بمنزلة المجاهد في سبيل الله لأن السعي التام الكامل يحتاج إلى صبر عظيم كما هو الحال في الجهاد فإنه يحتاج إلى صبر عظيم. وجعل بمنزلة صائم النهار قائم الليل لأن السعي عليهم عمل مستمر فكان بمنزلة المستمر في العبادة ليلاً نهاراً. فما أعظم ثواب المحسن المنفق الساعي على الأرامل والمساكين. والله أعلم.
…المرأة العابدة المؤذية لجيرانها 7- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل وتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا خير فيها، هي من أهل النار” قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة وتصدق بأثوار، ولا تؤذي أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هي من أهل الجنة” أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد.
راوي الحديث:
أبو هريرة الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة اختلف في اسمه واسم أبيه واختلف في أيها أرجح فذهب كثيرون إلى أنه عبد الرحمن بن صخر وذهب جمع من النسابين إلى أنه عمرو بن عامر مات سنة سبع وقيل سنة ثمان وقيل تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة ع
معاني المفردات:
تَصَدّق بأثوار: أي تتصدق بقطع الأَقِط.
المعنى الإجمالي للحديث:
عرض بعض الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم شأن امرأتين إحداهما كثيرة العبادة مع أنها تؤذي جيرناها والأخرى ليس لها نصيب كبير من النوافل لكنها لا تؤذي جيرانها فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤذية في النار مع كثرة عبادتها وقليلة النافلة مع سلامة جيرانها منها في الجنة.
ما يستفاد من الحديث:
في الحديث الترهيب من أذية الجار فإذا كانت هذه المرأة استحقت النار مع كثرة نوافلها لأذية جيرانها بلسانها فكيف بمن يؤذي جاره بلسانه ويده، وكيف بمن يقع منه الأذى لجاره وهو مقصر في النوافل أو مقصر في الواجبات.
في الحديث التنبيه على أن إثم أذى الجار يمحق كثيراً من حسنات العبد، فإن السيئات تذهب الحسنات كما أن الحسنات تذهب السيئات كما قال تعالى (فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ومن خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية) فأي الكفتين رجحت بالأخرى بُني عليها مصير العبد من جنة أو نار.
في الحديث التنبيه على ما يفعله بعض الناس فإنهم قد يظلمون ويسيئون وهم يطلبون الأجر والثواب كمن يؤذي الناس في الطواف أو السعي أو رمي الجمار، وكذا من يأكل مال غيره بغير وجه كالربا والرشوة والغش ثم يتصدق منه للفقراء ويساهم به في أعمال الخير.
جواز ذكر الشخص بما فيه من العيب إذا كان لقصد شرعي كالاستفتاء أو التظلم أو كان من أهل البدع فتذكر بدعته وغلطه حتى يحذر الناس منه فهذا ليس من الغيبة المذمومة بل هو من النصيحة المحمودة. فالنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم حين ذكروا أن المرأة تؤذي جيرانها لأنهم ما قصدوا مجرد عيبها وغيبتها إنما أردوا معرفة حكمها في الشريعة، كما أقر هنداً رضي الله عنها حين وصفت زوجها بأنها شحيح فلم ينكر عليها لأنها مستفتية أو متظلمة تريد معرفة حقها الشرعي ولهذا حذر السلف من الصحابة ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان من أهل البدع بأوصافهم وبأسمائهم أفراداً وفرقاً وجماعات دون نكير والله أعلم.
6- عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت” متفق عليه واللفظ لمسلم.
راوي الحديث:
أبو شريح الخزاعي الكعبي اسمه خويلد بن عمرو أو عكسه وقيل عبد الرحمن بن عمرو وقيل هانئ وقيل كعب صحابي نزل المدينة مات سنة ثمان وستين على الصحيح ع
ما يستفاد من الحديث:
اقتصر في الحديث على ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر دون باقي أركان الإيمان لأن فيهما التذكير بالمبدأ والمعاد ، فالإيمان بالله فيه تذكير العبد بمبدئه ، فإن الله خلقه بعد العدم وأوجده في هذه الحياة الدنيا وكلفه بالعبادة وهي فعل طاعته واجتناب معصيته. وفي ذكر الإيمان باليوم الآخر تذكير العبد بمعاده الذي يصير إليه بعد الموت وهي دار الآخرة التي فيها المجازاة والمحاسبة على مثاقيل الذر من الخير والشر فيكون في تذكر المبدأ والمعاد داعياً للمبادرة للامتثال.
إكرام الجار والإحسان إليه من خصال الإيمان، وهو من مكارم الأخلاق التي كانت تتحلى بها العرب في الجاهلية فأقره الإسلام وزاده حسناً وكمالاً حتى قال صلى الله عليه وسلم (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) متفق عليه من حديث ابن عمر.
الجيران ثلاثة أصناف: جار له ثلاثة حقوق ، وجار له حقان ، وجار له حق واحد، فالجار المسلم ذو القرابة له ثلاثة حقوق حق الإسلام والقرابة والجوار، والجار المسلم له حقان حق الإسلام وحق الجوار، والجار الكافر له حق واحد وهو حق الجوار. فالكفر لا يمنع حسن الجوار فعن عبد الله بن عمرو، أنه ذبح شاة فقال: أهديتم لجاري اليهودي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه» رواه أبو داود وصححه الألباني.
الإحسان إلى الجار له صور كثيرة ومنها: إن استقرضك أقرضته وإن استعانك أعنته وإن مرض عدته وإن احتاج أعطيته وإن افتقر عدت عليه وإن أصابه خير هنيته وإن أصابته مصيبة عزيته وإذا مات اتبعت جنازته ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا تؤذيه بريح قدرك إلا أن تغرف له وإن اشتريت فاكهة فتهدي له وإن لم تفعل فتدخلها سرا ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده. ومن لم يحسن إلى جاره فلا أقل من أن يكفّ عنه أذاه.
إكرام الضيف من محاسن الأخلاق ومكارمها ، وأول من ضيف الضيوف إبراهيم الخليل عليه السلام وكانت العرب تعده من مكارم الأخلاق فأقره الإسلام وزاده تأكيداً.
إكرام الضيف يكون بحسن استقباله بالبشاشة والطلاقة والترحيب به. ويكون بحسن محادثته وملاطفته، ويكون بإكرامه بالطعام والشراب دون إسراف ولا تبذير. وبحسن توديعه وتشييعه عند خروجه وانصرافه.
يأمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المسلم بأن يصون لسانه عن كل مالا ينبغي فلا يتكلم إلا بما ينفعه في دينه أو دنياه فإذا لم يكن لقول الخير مجالاً فليلزم الصمت فالصمت سلامة ومنجاة والله أعلم.
5- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه” متفق عليه.
راوي الحديث:
أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين مشهور مات سنة اثنتين وقيل ثلاث وتسعين وقد جاوز المائة ع
معاني المفردات:
يبُسط له: يوسع له في رزقه ويُكثر ويُبارك.
ينسأ له : يؤخر له.
أثره: أجله.
المعنى الإجمالي للحديث:
يحث النبي صلى الله عليه وسلم على صلة الرحم والإحسان إليها بذكر فائدتين عاجلتين لصلة الرحم إضافة لما للواصل من الثواب العاجل في الآخرة، والفائدتان العاجلتان هما طول العمر ، وسعة الرزق.
ما يستفاد من الحديث:
يحث النبي صلى الله عليه وسلم على صلة الرحم بذكر بعض فوائده العاجلة.
من فضائل صلة الرحم أن الله تعالى يوسع لواصل الرحم في رزقه ويبارك له فيه.
من فضائل صلة الرحم أيضاً أن الله تعالى يؤخر في أثر واصل الرحم أي في أجله.
هذا الحديث فيه إشكال حيث جعل صلة الرحم من أسباب زيادة العمر وقد نص القرآن الكريم أن الأجل لا يزيد ولا ينقص كما قال تعالى (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وقال تعالى (ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها)
وقد أجاب العلماء عن هذا الإشكال بعدة أجوبة ومنها:
أن الله تعالى قد يزيد في العمر وقد ينقص منه كما يشاء سبحانه واستدلوا بقوله تعالى (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب).
أن الزيادة في العمر إنما هي بحسب ما عند الملك الموكل بقبض الروح فيكون عنده مثلاً إذا وصل رحمه فعمره سبعون وإذا لم يصل رحمه فعمره ستون وهو لا يدري أي العمرين له وأما في علم الله فقد علم الله وقد كتب في اللوح المحفوظ أنه سيصل رحمه وسيكون عمره سبعين سنة فالزيادة والنقص هو بحسب ما عند الملك وعدم الزيادة والنقص هو بالنسبة لما في اللوح المحفوظ.
أن الزيادة ليست حقيقية بطول البقاء في الدنيا وإنما المقصود أن الله يبارك له في عمره فيوفقه لفعل الطاعات والاستكثار من القربات فهذا هو العمر الحقيقي للعبد بخلاف أيام الغفلة والمعاصي فليست بعمر ولو طالت. وقيل الزيادة المعنوية المقصود بها بقاء ذكره بعد موته بالثناء الحسن والذكرى الطيبة.
أن الله تعالى جعل صلة الرحم سبباً دينياً لطول العمر كما جعل توفر الرعاية الصحية الجيدة سبباً مادياً لطول العمر والسلامة من الأمراض والآفات المهلكة وقد سبق في علمه تعالى أن فلاناً سيصل رحمه ويطول عمره كما سبق في علمه أن فلاناً سيحضى برعاية صحية جيدة ويطول عمره _وكل ميسر لما خلق له_ فالمقصود من الحديث الحث على صلة الرحم ليكون سبباً في سعة طول العمر. ولكن الأسباب لا تنفع بنفسها إنما بأمر الله تعالى فإن شاء الله نفع السبب وإن شاء سلبه التأثير والنفع. والله أعلم.
أنا الرحمن وأنا خلقت الرحم ا
4- عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “قال الله عز وجل: أنا الرحمن وأنا خلقت الرحم، واشتققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بَتَتُّه”. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه.
ترجمة الراوي:
عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة القرشي الزهري أحد العشرة _ أي المبشرين بالجنة_ أسلم قديماً _ على يد أبي بكر_ ومناقبه شهيرة مات سنة اثنتين وثلاثين وقيل غير ذلك ع
معاني المفردات:
بَتَتُّه: قطعته.
المعنى الإجمالي للحديث:
في هذا الحديث القدسي ينوه الله بشأن الرحم بأن اسمها مشتق من اسمه الرحمن الدال على صفة الرحمة، وبشر عباده بأن من وصل رحمه وصله الله أي برحمته وفضله ، ومن قطعها قطعه الله من رحمته وفضله.
ما يستفاد من الحديث:
هذا الحديث حديث قدسي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (قال الله) فأضافه إلى الله جل وعلا ، والحديث القدسي يختلف عن القرآن: فليس معجزا ولا يتلى في الصلاة ولا تلزم الطهارة لمس الكتاب الذي فيه الأحاديث القدسية. ويختلف عن الحديث المرفوع أن القدسي لفظه ومعناه من الله ، وأما المرفوع فالمعنى من الله واللفظ والتعبير من النبي صلى الله عليه وسلم.
للرحم شأن عظيم فقد خلقها الله واشتق لها اسماً من اسمه الرحمن الدال على صفة الرحمة، وأمر بوصلها ووعد من وصلها بالأجر والثواب والبركة في العمر والرزق كما قال صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يبسط له في رزقه ، و أن ينسأ له في أثره فليصل رحمه) ، وحذر جل وعلا من قطعها وتوعد من قطعها بالعذاب واللعن كما قال تعالى (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) و توعدهم بالحرمان من دخول الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة قاطع).
صلة الرحم تكون بإيصال الخير إليهم بكل ما يمكن من التوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة والنفقة على القريب وتفقد أحوالهم والتغافل عن زلاتهم، وبالعون على الحاجة وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه وبالدعاء والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة.
حين يكون القريب كافراً أو فاجراً مجاهراً بفجوره فتشرع صلته بالزيارة بقصد تألفه ودعوته رجاء هدايته وصلاحه.
في الحديث تقرير القاعدة المعروفة أن الجزاء من جنس العمل فمن وصل رحمه وصله الله برحمته وفضله وتوفيقه ومن قطع رحمه قطع الله عنه رحمته وفضله وتوفيقه والله أعلم.
النهي عن قيل وقال
3- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” كان ينهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال، وعن منع وهات وعقوق الأمهات وعن وأد البنات” متفق عليه واللفظ للبخاري
ترجمة الراوي:
المغيرة بن شعبة بن مسعود بن مُعَتِّب الثقفي صحابي مشهور أسلم قبل الحديبية وولي إمرة البصرة ثم الكوفة مات سنة خمسين على الصحيح. ع
معاني المفردات:
قِيْل وقال: أي نقل الكلام الذي لا تُعرف صحته وصدقه.
منع وهات: أي منع ما أُمر بإعطائه، وطلب ما نُهي عن طلبه.
وأد البنات: دفنهن أحياء.
المعنى الإجمالي للحديث:
ينهى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن ست خصال مذمومة لما فيها من الضرر الخاص والعام. وهي نقل الكلام دون تثبت ولا تحر عن مصداقيته وثبوته، وإضاعة المال الذي به قيام معايش الناس وحياتهم، وكثرة الأسئلة التي لا نفع فيها، وأن يمنع الإنسان مالاً أو شيئاً امر بإنفاقه وبذله، أو طلبه مالاً أو غيره مما نهي عن طلبه، كما نهى عن عقوق الأمهات ونص عليهم لضعفهن وعظم حقهن وإلا فعقوق الأب محرم أيضاً كعقوق الأم. وكما نهى عن أذى الأمهات فقد نهى أيضاً عن أذى البنات فنهى عن العادة الجاهلية القبيحة وهي قتلهم بناتهم بدفنهن أحياء والعياذ بالله خوفاً من الفقر أو خوفا من العار.
ما يستفاد من الحديث:
على كل ٍّ من المسلم والمسلمة التفكر والتأمل في الكلام قبل النطق به لقوله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) فالكلام من عمل العبد الذي يحاسب عليه ويجازى به يوم القيامة إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
من الغلط أن يتحدث الإنسان بكل ما سمع أو قرأ لأن الناس تتناقل الأخبار الكاذبة بقصد وبغير قصد فإذا نقلت كل ما سمعت دون تحقق فستنقل الكذب وتتحدث به وقد قال صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم في المقدمة.
ينبغي أن يتحرى المسلم في كل ما ينقل عنه غيره وتتأكد المسؤولية في مواضع ومنها:
نقل الكلام المتعلق بالأحكام الشرعية لأنه من القول على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز نسبة شيء إلى الله والى رسوله الا بعد التثبت والتحقق.
النقل عن العلماء بأن فلاناً أفتى بكذا أو قال كذا لأن العلماء هم المبلغون عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولأن النقل عنهم قد يكون فيه ما يستلزم تنقصهم وازدراءهم وبغض القلوب لهم فيكون في التنفير عنهم تنفير عن الدين والعلم الشرعي.
النقل عن ولاة الأمور من الحكام والأمراء ونحوهم ولا سيما في أوقات الفتن فإن الناس تتناقل عنهم كثيراً من الأخبار التي توغر الصدور عليهم وتمهد للخروج عليهم فيحصل بسبب هذه الأخبار من الفساد والشرور ما لا يعلمه إلا الله.
ما يتعلق بأمور السياسة والأمن والخوف ولا سيما في أوقات الفتن فإنها بيئة خصبة لنمو الإشاعات وتكاثرها فلا يصح ترويجها بل يجب القضاء عليها بالسكوت عنها وردها إلى الجهات المسؤولة المعنية لتدرسها وتتعامل معها بما تقتضيه المصلحة وقد ذم تعالى من يتناقل هذا النوع من الأخبار وأمر بردها إلى أولي الأمر فقال سبحانه وتعالى (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 83]
المال من النعم العظيمة وقد سماه الله خيراً فقال (وإنه لحب الخير لشديد) يعني المال. وبه قيام الحياة ومصالحها كما قال تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً) وهو اختبار وابتلاء فلا يحل اكتسابه من وجه حرام كالربا والسرقة والرشوة ، ولا يجوز انفاقه في مصرف حرام كشراء آلات المعازف والخمور وكتب البدع ، ولا يجوز منع الحقوق الواجبة فيه كالزكاة الواجبة والنفقات الواجبة.
لإضاعة المال صور عديدة ومنها إنفاق شيء منه ولو قليلاً فيما حرم الله تعالى، ومنها الإسراف والتبذير وهو مجاوزة الحد المتعارف عليه في شراء الملابس والمراكب ونحوها وفي الضيافة ونحو ذلك. قال تعالى (ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً).
السؤال من وسائل تحصيل العلم وقد قال تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وقد جاء جبريل عليه السلام يعلم الناس دينهم عن طريق أسئلة طرحها على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن الأسئلة على نوعين
النوع الأول :
أسئلة محمودة يشكر أهلها وهي الأسئلة التي تكون بقصد التعلم ، وتكون عما ينفع المسلم، وتكون موجهة لأهل الذكر والعلم ،قد كان الصحابة يسالون النبي صلى الله عليه وسلم عما يشكل عليهم فكان النبي صلى الله عليه وسلم يجيبهم وربما تولى الله الإجابة بنفسه الكريمة فينزل الإجابة قرآنا يتلى إلى يوم القيامة.
النوع الثاني:
أسئلة مذمومة، وهي الأسئلة التي يراد بها إظهار السائل فضل نفسه، أو يريد بها تغليط المسؤول وإظهار عجزه وجهله، أو السؤال عما لا ينفع ، أو السؤال عن القضايا التي لم تقع وإنما هي مجرد تخيل وتوقع ، أو السؤال في زمن نزول الوحي عن شيء حلال فحرم من أجل سؤاله أو شيء كان فيه سعة فضيق وشدد على الناس بسبب سؤاله.
في قوله صلى الله عليه وسلم (ومنع وهات) النهي عن خصلتين متقابلتين وهما:
أن يمنع المسلم ما يجب عليه بذله ، أو يطلب ما يحرم عليه طلبه.
فمنع الزكاة الواجبة وعدم إعطائها مستحقيها كبيرة من كبائر الذنوب وقد توعد مانعها بالعقوبة العاجلة في الدنيا بأخذها منه بالقوة وتغريمه شطر ماله، وبالعذاب البرزخي في القبر والعذاب بعد البعث في عرصات القيامة والعذاب بعد ذلك في النار والعياذ بالله كما قال تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها وجوههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون).
ومن المنع المحرم أيضاً أن يحبس النفقة عمن تجب عليه نفقته كالزوجة والأولاد والدواب التي يملكها قال صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرء إثماً أن يضيق من يقوت) رواه مسلم وأبو داود واللفظ له.
وقال صلى الله عليه وسلم : «عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» متفق عليه.
ومن الطلب المحرم أن يطلب المسلم تعلّم العلوم الضارة كعلم السحر والكهانة قال تعالى فيمن يطلب تعلم السحر (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر).
ومنه أيضاً أن يطلب مال الرشوة ـ أو الزيادة الربوية إذا داين الناس.
ومنه أيضاً أن يسأل الناس من غير حاجة حقيقية وإنما يريد التكثر وزيادة المال وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم (لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مُزعة لحم) متفق عليه من حديث ابن عمر.
في الجملة الأخيرة ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن وأد البنات وهي عادة قبيحة كان يفعلها بعض العرب فكانوا يدفنون بناتهم أحياء إما خشية الفقر وقلة ذات اليد وإما يخشى أن تكبر الفتاة فتفعل فاحشة، أو تكون حرب فتسبى فتلوث عرضه وسمعته بذلك فيدفنها استباقاً لهذا المكروه المتوهم، قال تعالى: “وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت” قال ابن عباس: هي المدفونة.
والشارع الحكيم الرحيم لم يكتف بالنهي عن وأد البنات فقط بل أمر بإكرامهن والإحسان إليهن ووعد من فعل ذلك الجنة والنجاة من النار فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: جاءتني امرأة، ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته حديثها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن كن له سترا من النار» متفق عليه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو» وضم أصابعه. رواه مسلم. والله أعلم.
أبي بكرة: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر
2- عن أبى بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟” ثلاثا قالوا: بلى يا رسول الله، قال: “الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، – وجلس وكان متكئا- ألا وقول الزور” فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت” متفق عليه.
ترجمة الراوي:
نفيع بن الحارث بن كَلَدة _بفتحتين_ بن عمرو الثقفي أبو بكرة صحابي مشهور بكنيته وقيل اسمه مسروح بمهملات أسلم بالطائف ثم نزل البصرة ومات بها سنة إحدى أو اثنتين وخمسين ع
معاني المفردات:
الاتكاء: ميل القاعد على أحد جنبيه. ويطلق أيضاً على التربع.
الزور: الميل ، و قول الزور: هو القول المائل عن الحق.
ليته سكت: أي شفقة عليه.
المعنى الإجمالي للحديث:
من نصح النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وحرصه عليهم أنه كان يحذرهم مما يضرهم كما كان يأمرهم بما ينفعهم، وفي هذا الحديث يحذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من أكبر الكبائر وهي الإشراك الله أي عبادة غير الله معه، وعقوق الوالدين بمعصيتهم وإساءة عشرتهم، وشهادة الزور المائلة الزائغة لإبطال حق أو إحقاق باطل.
ما يستفاد من الحديث:
حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فإنه ابتدأهم بصيغة السؤال حتى يلفت انتباههم ويحضروا قلوبهم لما سيلقيه عليهم.
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم أمته ما يضرهم ليجتنبوه.
أن الذنوب تتفاوت منها الصغائر ومنها الكبائر والكبائر تتفاوت أيضاً ولذا قال صلى الله عليه وسلم (أكبر الكبائر).
أن الشرك _ وهو عبادة غير الله مع الله_ هو أكبر الكبائر على الإطلاق فلا ذنب أكبر من الشرك ، لأنه يوجب الخلود في النار ، ولأن من مات عليه لا يغفر الله له والعياذ بالله، كما قال تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ولأنه يحبط ويبطل جميع الأعمال الصالحة قال تعالى (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون).
أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، ولعظم قبحه جاء العقوق بعد الشرك، كما أن البر بهما يجيء بعد التوحيد كما في قوله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا)
عقوق الوالدين لا ينحصر في صورة واحدة بل له صور كثيرة منها عصيان أوامرهم التي لا يمنع الشرع من تنفيذها ، وانتهارهم ورفع الصوت عليهم والنظر الحاد إليهم ، وهجرهم وترك الإنفاق عليهما مع حاجتهما وقدرة الابن على الانفاق، والمقصود أن كل ما يؤذيهم قَلّ أو كثر فهو من العقوق وكل بحسبه والعياذ بالله.
عظم شأن شهادة الزورة، ولذا لما أراد التحذير منها جلس ، ثم كرر التحذير منها مراراً، فإن شهادة الزور تسفك بها الدماء المعصومة وتلوث بها الأعراض الطاهرة، وتسلب بها الأموال المحترمة إلى غير ذلك من المفاسد والأضرار الدينية والدنيوية.
ليس معنى اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة الزور أنها أكبر من الشرك ولكن أراد التنبيه على عظم خطرها فإن شناعة الشرك والعقوق أمر متقرر في النفوس لكن شهادة الزور قد يتساهل فيها كثير من الناس لينفعوا أنفسهم أو من يحبون ، أو ليضروا ويؤذوا من يبغضون.
لا تقتصر شهادة الزور الشهادة في أمور الأموال والحقوق ونحو ذلك ، وإنما يدخل فيها تزكية الناس أو ذمهم فمن شهادة الزور أن يمدح المادح أهل البدع وأهل الانحراف العقدي كمن يسب الصحابة أو يرفض السنة، أو يدعو إلى الفتن في بلاد المسلمين بالثورات والمظاهرات، أو يقرر عقيدة الخوارج في تكفير المسلمين واستحلال دمائهم. فهذه الصورة غش وخداع للمسلمين وهي من أشد أنواع شهادة الزور لأنها تزكية لمن وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها.
نعوذ بالله من الشرك ومن العقوق ومن قول الزور. والله أعلم.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: “الصلاة على وقتها” قلت: ثم أي؟ قال: “ثم بر الوالدين” قلت: ثم أي؟ قال: “ثم الجهاد في سبيل الله”، قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني”. متفق عليه.
راوي الحديث:
عبد الله بن مسعود بن غافل بمعجمة وفاء بن حبيب الهذلي أبو عبد الرحمن من السابقين الأولين ومن كبار العلماء من الصحابة مناقبه جمة _ أي فضائله كثيرة_ وأمّره عمرُ على الكوفة ومات سنة اثنتين وثلاثين أو في التي بعدها بالمدينة ع.
المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله الصلاة على وقتها، وكلما بادر المسلم إلى أداء الصلاة في أول وقتها فهو أفضل، ثم يلي ذلك بر الوالدين والإحسان إليهما، ثم يلي ذلك الجهاد في سبيل الله الذي به عز الإسلام وأهله.
ما يستفاد من الحديث:
حرص ابن مسعود رضي الله عنه على التفقه في دينه والبحث عن أفضل الأعمال لأن شغل الوقت بالعمل الافضل خير وأكثر أجراً من شغله بالعمل الأقل فضلاً وأجراً.
الأعمال الصالحة كلها طيبة ومحبوبة إلى الله ولكن بعضها أفضل من بعض وأكثر ثواباً وأرفع درجة.
الصلاة على وقتها من أحب الأعمال إلى الله وأفضلها، فالصلاة عمود الإسلام وثانية أركانه العظام، وهي الصلة بين العبد وربه وهي حد فاصل بين الإيمان والكفر، وقد جعل الله لكل فرض وقت بداية ووقت نهاية فلا يجوز تقديم الصلاة عن وقتها ولا يجوز تأخيرها عن وقتها إلا من عذر شرعي.
أعظم الحقوق على الإنسان بعد حق الله هو حق والديه فإنهما السبب المباشر لوجوده ، وقد رعياه واعتنيا به صغيراً لا يريدان منه جزاء ولا شكورا وإنما محض شفقة ومحبة، يكتسبان للإنفاق عليه، ويسهران لراحته، ويتحملان من النصب والتعب والمشاق من أجله الشيء الكثير. وحق الأم أكبر لأنها عانت في حمله ثم في ولادته ثم في رضاعه معاناة عظيمة. فرحم الله آباءنا وأمهاتنا أحياء وأمواتاً وجزاهم عنا خير الجزاء ورزقنا برهما والإحسان إليهما.
بر الوالدين له صور كثيرة غير منحصرة ومنها طاعتهما في المعروف ، واللطف في الكلام معهما والإنفاق عليهما ، والهدية لهما، وصلتهما بالزيارة والخدمة وقضاء الحاجات لهما، واجتناب عقوقهما ولو بكلمة أف .
بر الوالدين لا ينقطع بالموت بل يستمر بعد الموت بالدعاء لهما وبصلة رحمهما وصلة أصدقائهما.
ثم جاء في المرتبة الثالثة الجهاد في سبيل الله ، وهو بذل الجهد لإعلاء كلمة الله، والجهاد يكون بالنفس والمال واللسان أي بالعلم والحجة والبيان.
والجهاد الشرعي هو الذي يكون تحت راية ولي والأمر وبأمره ويكون بعد اسئتذان الوالدين فبرهما مقدم على الجهاد في سبيل الله.
فمن المخالفات الكبيرة التي تقع اليوم ذهاب كثير من الناس إلى بلاد الفتن بدعوى الجهاد بدون استئذان ولي الأمر وبدون استئذان الوالدين وقد حصل بسبب ذلك من المفاسد أكبر بكثير من المصالح المرجوة من ضعف المسلمين واحتلال ديارهم واقتتالهم فيما بينهم ورجوع كثير منهم إلى البلاد بالتكفير واستحلال الدماء المعصومة.
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات عن أفضل الأعمال أو أحبها إلى الله فكانت إجاباته صلى الله عليه وسلم تختلف، ولعل اختلاف إجاباته صلى الله عليه وسلم كان بسبب اختلاف حال السائلين فيحث الغني على الصدقة و يحث الشاب على الجهاد والصوم والكبير على الاشتغال بالذكر، ومن له أبوان أو أحدهما يدعوه إلى برهما وهكذا.
وقد تكون الأفضلية بحسب الحال والوقت فإذا كان الوقت وقت مجاعة فالأفضل الصدقة وإذا كان الوقت وقت جهاد فالأفضل الجهاد وهكذا..والله أعلم.
فضل التبكير إلى الجمعة
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر” رواه البخاري ومسلم .
معاني المفردات:
غسل الجنابة: أي كصفة غسل الجنابة.
راح: الرواح يكون بعد الزوال ويقابله الغدو وهو الذهاب في أول النهار قبل الزوال، ويطلق الرواح على مطلق الذهاب في أي وقت كان وهو المقصود هنا.
قرّب: أي تقرب إلى الله بالذبح.
بدنة: واحدة الإبل.
التعليق:
1- من صفات المؤمنين التي يحبها الله المسارعة إلى الخيرات والاستباق إليها قال تعالى (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) وقال تعالى (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنات عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) ، ومن المسارعة الى الخير المسارعة الى حضور الجمعة كما في هذا الحديث.
2- فضل الاغتسال يوم الجمعة كغسل الجنابة هو الاغتسال الكامل بأن يتوضأ أولاً وضوءه للصلاة، ثم يغسل رأسه ثلاثاُ، ثم يغسل سائر جسده.
3- حمل بعض أهل العلم قوله صلى الله عليه وسلم (غسل الجنابة) على أنه يغتسل عن جنابة فاستحبوا أن يجامع أهله قبل الخروج للجمعة حتى يكون أجمع لقلبه.
4- اختلف أهل العلم في ابتداء هذه الساعات فمنهم من قال بعد صلاة الفجر ، ومنهم من قال بعد طلوع الشمس لأن ما قبل طلوعها وقت لصلاة الفجر وليتهيأ للجمعة بالغسل واللبس والتطيب.
5- تحسب الساعات بالنظر إلى ما بين طلوع الشمس إلى الزوال فإذا كان في الصيف زاد مقدار الساعة الواحدة وإذا كان في الشتاء نقص مقدارها لطول النهار في الصيف وقصره في الشتاء.
6- كلما بكر المسلم إلى الجمعة كان أكثر لأجره وأعظم لثوابه، وينبغي له إذا دخل المسجد أن يصلي ما كتب له ثم يشغل نفسه بالتلاوة أو الذكر والدعاء والاستغفار حتى يدخل الإمام.
7- لا يشرع للإمام التبكير وإنما يدخل المسجد إذا دخل الوقت.
8- مما يلحظ على بعض الناس أنهم يسهرون ليلة الجمعة ثم يأخذهم النوم والكسل والفتور فلا يأتون الجمعة إلا متأخرين فبعضهم لا يدخل المسجد إلا في الخطبة ومنهم من لا يدخله إلا في أثناء الصلاة وهذا من الحرمان لا سيما مع الاستمرار والمداومة عليه والله المستعان.
لا يغتسلُ رجل يوم الجمعة ويتطهرُ …
عن سلمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا يغتسل رجل يوم الجعة ويتطهر ما استطاع من الطهر ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى” رواه البخاري .
التعليق:
1- يوم الجمعة عيد اسبوعي يجتمع فيه اهل البلد في الجامع يشهدون الخطبة والصلاة فشرع لهم فيه الاغتسال والتزين والتطيب حتى يكونوا على أكمل صورة، وأحسنها والله تعالى جميل يحب الجمال.
2- مشروعية الاغتسال للجمعة حتى قال بعض العلماء بوجوبه يأثم من تركه عمدا بلا عذر، وفي الحديث (غسل الجمعة واجب على كل محتلم)
3- في قوله صلى الله عليه وسلم (ويتطهر ما استطاع من طهر) التنبيه على مشروعية المبالغة في التطهر ويدخل في ذلك الزيادة على إفاضة الماء على البدن كاستعمال منظفات الشعر والبشرة وكقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وتقليم الاظافر .
4- مشروعية الادهان يوم الجمعة لإزالة شعث الرأس، وقد جاءت السنة بالحث على إكرام الشعر لمن كان له شعر وذلك بترجيله ودهنه ، ولكن لا ينبغي توفيره تقليداً لأصحاب الشهوات ولا ينبغي توفيره تقليدا لبعض أهل الضلال كالخوارج ومن شابههم. و [إنما الأعمال بالنيات].
5- مشروعية التطيب يوم الجمعة. ولو لم يجد الا طيب امراته كما في حديث ابي سعيد عند مسلم.
6- فسر بعض العلماء البيت في قوله صلى الله عليه وسلم (طيب بيته) بالمرأة وعليه أي طيب امرأته فسماها النبي صلى الله عليه وسلم بيتا لأجل أن الأصل في المرأة هو قرارها في البيت ليكون سترا لها وأبعد عن أسباب الفتن ولتقوم بوظائفها الطبيعية التي اختصت بها كرضاع أولادها وتربيتهم والقيام بشؤون بيتها وزوجها.
7- إذا دخل المسجد فإنه يقف حيث تنتهي الصفوف ولا يتخطى الرقاب إلا إذا وجد فرجة فله أن يتخطى إليها ، ولا يفرق بين اثنين بالجلوس بينهما كما انه لا يفرق بينهما بالمرور بينهما. وفي هذا الحث على التبكير الى الجمعة فإنه إذا بكر إليها لم يتخط الرقاب ولم يفرق بين اثنين غالباً.
8- ليس للجمعة سنة قبلية ولكنه إذا دخل صلى ما تيسر له ثم جلس حتى يدخل الخطيب. وينبغي له أن يعمر هذا الوقت بالذكر وقراءة القرآن والدعاء أما ما يفعل في بعض البلاد من قراءة أحد القراء بصوت عال في المسجد حتى يدخل الخطيب فهو من الأعمال التي لا أصل لها بل هي من محدثات الأمور زيادة على ما فيها من التشويش على المصلين والداعين وقارئي القرآن.
9- مشروعية الإنصات للخطيب حتى ينتفع بما في الخطبة من الموعظة والذكر وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم من تكلم والإمام يخطب فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من تكلم يوم الجمعة ، والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصت ليست له جمعة” رواه أحمد بإسناد لا بأس به.
10- فضيلة من أتى بهذه الخصال الكريمة وأنه يغفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى والمقصود بها الصغائر لما تقرر أن الكبائر إنما تكفر بالتوبة النصوح والله أعلم.