لم الفائدة في بيان حكم قراءة الزلزلة في الركعتين من الصلاة الواحدة

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,286
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
لم الفائدة في بيان حكم قراءة الزلزلة في الركعتين من الصلاة الواحدة
الحمد لله الملك العلام، والصلاة والسلام على نبيه محمد خير الأنام، وعلى آله وصحبه أولي النهى والأحلام.
أما بعد، فإن من أهم المسائل المتعلقة بواحدة هي من أعظم العبادات –وهي الصلاة- : قراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة أثناء القيام، وهذه المسألة لها صورة مهمة وهي : تكرار نفس الصورة في الركعتين من الصلاة الواحدة.
وهذه الصورة مختلف فيها بين الأئمة من وجهين :
الوجه الأول : في حمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم –سيأتي ذكره في الحديث قريبا- على التشريع أم النسيان.
الوجه الثاني : إذا حمل على التشريع فما حكم الاقتداء به في هذا الفعل؟
وستكون خطة البحث على النسق الآتي :
1 _ أقسام أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وحكم كل قسم منها.
2 _ بيان نوع الفعل في هذا الحديث.
3 _ بيان الحكم العام في تكرار نفس السور في الركعتين من الصلاة الواحدة.
4 _ بيان الحكم الخاص بتكرار سورة الزلزلة في الركعتين من الصلاة الواحدة.
1 _ أقسام أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وحكم كل قسم منها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الأصول من علم الأصول (ص 331) : "وأما الفعل فإن فعله صلى الله عليه وسلم أنواع :
الأول : ما فعله بمقتضى الجبلة كالأكل، والشرب، والنوم فلا حكم له في ذاته، ولكن قد يكون مأمورا به، أو منهيا عنه لسبب، وقد يكون له صفة مطلوبة كالأكل باليمين، أو منهي عنها كالأكل بالشمال.
الثاني : ما فعله بحسب العادة كصفة اللباس فمباح في حد ذاته، وقد يكون مأمورا به، أو منهيا عنه لسبب.
الثالث : ما فعله على وجه الخصوصية فيكون مختصا به كالوصال في الصوم، والنكاح بالهبة.
ولا يحكم بالخصوصية إلا بدليل؛ لأن الأصل التأسي به.
الرابع : ما فعله تعبدا فواجب عليه حتى يحصل البلاغ؛ لوجوب التبليغ عنه، ثم يكون مندوبا في حقه وحقنا على أصح الأقوال؛ وذلك لأن فعله تعبدا يدل على مشروعيته، والأصل عدم العقاب بالترك، فيكون مشروعا لا عقاب في تركه، وهذا حقيقة المندوب.
مثال ذلك : حديث عائشة أنها سئلت : بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دل بيته قالت : "بالسواك"، فليس في السواك إلا مجرد الفعل، فيكون مندوبا.
ومثال آخر : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته في الوضوء. فتخليل اللحية ليس داخلا في غسل الوجه حتى يكون بيانا لمجمل، وإنما هو فعل مجرد فيكون مندوبا.
الخامس : ما فعله بيانا لمجمل من نصوص الكتاب أو السنة فواجب عليه حتى يحصل البيان لوجوب التبليغ عليه، ثم يكون له حكم ذلك النص المبين في حقه وحقنا؛ فإن كان واجبا كان ذلك الفعل واجبا، وإن كان مندوبا كان ذلك الفعل مندوبا.
مثال الواجب : أفعال الصلاة الواجبة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بيانا لمجمل قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة 43].
ومثال المندوب : صلاته النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين خلف المقام بعد أن فرغ من الطواف بيانا قوله تعالى {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة 125]، حيث تقدم صلى الله عليه وسلم إلى مقام إبراهيم وهو يتلو هذه الآية، والركعتان خلف المقام سنة".
مسألة : إذا تردد الفعل بين المشروعية من عدمها يحمل على المشروعية.
قال محمود خطاب السبكي في المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (5/239) : "إذا دار الأمر بين أن يكون مشروعا أو غير مشروع فحمل فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المشروعية أولى لأن الأصل في أفعاله التشريع".
2 _ بيان نوع الفعل في هذا الحديث.
وهذا الفعل هو الوارد في الحديث الذي رواه أبو داود في سننه -تحت باب : باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين- عن معاذ بن عبد الله الجهني، أن رجلا، من جهينة أخبره، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم "يقرأ في الصبح إذا زلزلت الأرض في الركعتين كلتيهما" فلا أدري أنسي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرأ ذلك عمدا. حسنه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (816). والحديث أخرجه البيهقي في السنن.
وهذا الفعل اختلف فيه الأصوليون أكان تشريعا منه صلى الله عليه وسلم لأمته، أم كان نسيانا منه.
فذهبت طائفة إلى أنه كان نسيانا منه صلى الله عليه وسلم ولم يكن تشريعا، وذلك لأمرين :
الأول : لأن المعتاد من قراءته أنه كان يقرأ في الركعة الثانية غير ما قرأ به في الركعة الثانية فلا يكون مشروعا.
الثاني : أن النسيان وارد على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم فيما سيأتي للمصنف في أبواب سجود السهو : "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون" الذي رواه الشيخان عن عبد الله مسعود.
والصحيح أنه كان تشريعا منه صلى الله عليه وسلم لأمته، وذلك لأمور :
الأول : أن الأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم في العبادات التشريع، والنسيان خلاف الأصل.
الثاني : أنه لو فعله ناسيا لنبه عليه ولم يقر على ذلك.
الثالث : أن جعله من باب التشريع أحوط.
الرابع : أن النسيان فيما لم يكن طريقه البلاغ وإذا نسي فلا يقر عليه.
قال العظيم آبادي رحمه الله في عون المعبود شرح سنن أبي داود (3/29) : "(أم قرأ ذلك عمدا؟) تردد الصحابي في أن إعادة النبي صلى الله عليه وسلم للسورة هل كان ناسيانا لكون المعتاد من قراءته أن يقرأ في الركعة الثانية غير ما قرأ به في الأولى، فلا يكون مشروعا لأمته، أو فعله عمدا لبيان الجواز، فتكون الإعادة مترددة بين المشروعية وعدمها؟ وإذا دار بين أن يكون مشروعا أو غير مشروع، فحمل فعله صلى الله عليه وسلم على المشروعية أولى؛ لأن الأصل في أفعاله التشريع، والنسيان على خلاف الأصل. ونظيره ذكره الأصوليون فيما إذا تردد فعله صلى الله عليه وسلم بين أن يكون جبليا أو لبيان الشرعة والأكثر على التأسي، ذكره الشوكاني".
قال محمود خطاب السبكي في المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (5/239) : "تردد الصحابي في إعادته صلى الله عليه وعلى آله وسلم السورة هل كان ناسيا لكون المعتاد من قراءته أنه كان يقرأ في الركعة الثانية غير ما قرأ به في الركعة الثانية فلا يكون مشروعا. أو فعله لبيان الجواز فتكون الإعادة مترددة بين المشروعية وعدمها. وإذا دار الأمر بين أن يكون مشروعا أو غير مشروع فحمل فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المشروعية أولى لأن الأصل في أفعاله التشريع. والنسيان خلاف الأصل. وجوز الصحابي النسيان على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما سيأتي للمصنف في أبواب سجود السهو : "إنما أنا بشر مثلكم أنس كما تنسون" لكن محل النسيان فيما لم يكن طريقه البلاغ وإذا نسي فلا يقر عليه بل لابد أن يتذكره".
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى في الشرح الممتع (3/77) : "قد يقول قائل : لعل النبي صلى الله عليه وسلم نسي؛ لأن من عادته أنه لا يكرر السورة.
والجواب عن هذا : أن يقال : احتمال النسيان وارد، ولكن احتمال التشريع –أي : أن النبي صلى الله على وسلم كررها تشريعا للأمة ليبين أن ذلك جائز- يرجح على احتمال النسيان؛ لأن الأصل في فعل الرسول عليه والسلام التشريع، وأنه لو كان ناسيا لنبه عليه، وهذا الأخير –أي : أن ذلك من باب التشريع- أحوط وأقرب إلى الصواب".
قال الإمام الألباني رحمه الله تعالى في المشكاة (ص 273) : "ثم إن الظاهر لدينا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك عمدا، لا نسيانا، بل تشريعا وتعليما".
3 _ بيان الحكم العام في تكرار نفس السور في الركعتين من الصلاة الواحدة.
اختلفت المذاهب –التي ترى أن فعله كان تشريعا- في تكرار نفس السورة في الركعتين من الصلاة الواحدة على أقوال أشهرها :
المذهب الأول : ذهبت الحنابلة إلى جواز تكرار نفس السورة في الركعتين من غير كراهة، وهو المشهور من مذهب الحنفية، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام.
قال محمود خطاب السبكي في المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (5/239) : "وفي الحديث دلالة على جواز تكرار السورة في الركعتين، وإلى ذلك ذهبت الحنابلة بلا كراهة، وهو مشهور مذهب الحنفية".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العدة في شرح العمدة (2/769) : "فأما تكرار الآية أو السورة الواحدة في الركعتين، فلا يكره في الفرض ولا في النفل، لما روى أبو داود عن رجل من جهينة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} في الركعتين كليهما".
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى في الشرح الممتع (3/77) : "وهنا سؤال : هل يجوز أن يقرأ الإنسان بالسورة في الركعتين بمعنى أن يكررها مرتين؟
الجواب : نعم، ولا بأس بذلك، والدليل فعل النبي عليه الصلاة والسلام أنه قرأ {إِذَا زُلْزِلَتِ} في الركعتين جميعا كررها".
المذهب الثاني : ذهب المالكية وبعض الحنفية إلى الكراهة، وحمل فعله صلى الله عليه وسلم على الجواز.
قال محمود خطاب السبكي في المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (5/239) : "وذهبت المالكية وبعض الحنفية إلى كراهته، والحديث عندهم محمول على بيان الجواز".
المذهب الثالث : ذهب الشافعية إلى أنه خلاف الأولى.
قال محمود خطاب السبكي في المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (5/239) : "وظاهر كلام الشافعية أنه خلاف الأولى".
وهذا الذي يفهم من كلام الإمام ابن باز رحمه الله تعالى حيث سئل رحمه الله : لاحظت بعض الأئمة يقرأ سورة الزلزلة في ركعتي الفجر مستدلين على ذلك أنه كان من هديه عليه الصلاة والسلام، فما رأيكم في ذلك؟ جزاكم الله خيرا.
فأجاب رحمه الله : قد روى أبو داود عن معاذ بن عبد الله الجهني بإسناد حسن أن رجلا من جهينة أخبره بأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح : {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} في الركعتين كلتيهما، وأخرج النسائي بإسناد حسن عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قرأ في الفجر بالمعوذتين، لكن الأفضل أن يقرأ في صلاة الفجر من طوال المفصل مثل : {قَ}، {واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} و{وَالذَّارِيَاتِ} ونحوها، لأن هذا هو الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو تطويل القراءة في صلاة الفجر. وقد قال صلى الله عليه وسلم : "صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه البخاري في الصحيح. وفق الله الجميع". (الموقع الرسمي للشيخ).
مهم : جواز هذا الفعل لا يعني أن يكون هو الغالب في فعل المصلي بل يكون أحيانا.
قال الشيخ محمد بازمول حفظه الله في شرح صفة الصلاة (ص 209) : "أنه يجوز للإمام أن يقرأ السورة في الركعة الأولى، ثم يعيد نفس السورة في الركعة الثانية. وهذا أحيانا. والدليل أنه ثبت –كما قال المصنف رحمه الله- أن الرسول صلى الله عليه والسلام قرأ مرة في صلاة الفجر سورة "الزلزلة" في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية كذلك. وقول الراوي في الحديث : "لا أدري أنسي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرأ بذلك عمدت؟" فإنه لا يؤثر في حكم المسألة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم، ومبلغ عن الله الشرع، فلو كان هذا لا يجوز لما أقره الوحي عليه! وليلاحظ أن السنة في ذلك أن يفعل هذا أحيانا، لا تكرارا، لا على سبيل الدوام".
4 _ بيان الحكم الخاص بتكرار سورة الزلزلة في الركعتين من الصلاة الواحدة.
قال الشيخ العباد في شرحه على سنن أبي داوود : "وهذا الحديث يدل على ما ترجم له من جواز إعادة السورة مرة ثانية، ولكن المشهور والمعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله أنه لا يعيد، فهذا الحديث يدل على الجواز، ولو فعل بالنسبة لهذه السورة لكان مناسباً؛ لأن الإعادة لم ترد عنه صلى الله عليه وسلم إلّا في هذه السورة، وأما ما سواها فإن الأولى للإنسان ألا يعيد في الركعة الثانية ما قرأه في الركعة الأولى". (شرح سنن أبي داود –منقول-).
هذا ما يسر الله تعالى جمعه في هذه الأسطر القليلة في محاولة بسيطة، نفع الله بها.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
كتبه
أبو البراء يوسف صفصاف
27 ربيع الأول 1438
26 ديسمبر 2016

 
آخر تعديل:
شكرا لك اخي الكريم و بارك الله فيك
جزاك الله خيرا
أسأل الله لي ولكم الاستفادة من امور الدين لأفضل العلوم هي العلوم الاسلامية بلا شك و وصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي أن نتفقه في الدين
شكرا لك اخي
 
جزاك الله خيرا و رزقك خير الدنيا و خير الاخرة
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top