بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
أنقل لكم هنا مقال المشرف أبو معاذ محمد مرابط في موقع التصفية والتربية
لبيان مافيه من الغلط والوهاء لكتاب البوروبي جذور البلاء
الإنباء بفواقر جذور البلاء نحْن أَصْحَاب المقامات الفاخرة وَلنَا شرف الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَمن نظر فِي الكتب الَّتِي أُفردت لذكر الْأَوْلِيَاء لم يجد فِيهَا إِلَّا منَّا، أمَّا هم فلا يثبت لهم قدم في الولاية ولا يقوم لهم في الصالحين راية، ولا يكون لهم كرامة، ولا يرون ربهم في الآخرة ولا كرامه، فهم في الدنيا ممقوتون، وفي الآخرة معذبون
(الموفق ابن قدامة -رحمه الله- ت:620 هـ)
المقدّمة: بسم الله والصلاة والسلام على أشرف رسل لله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم لقائه. ثم أما بعد: فقد وقفت كما وقف غيري:على عيب البوروبي أهل السنن والآثار وطعنه على من شغل نفسه بسماع الأحاديث وحفظ الأخبار وتكذيبه بصحيح ما نَقَله إلى الأمة الأئمة الصادقون واستهزائه بأهل الحق فيما وَضَعه عليهم الملحدون {الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون} وليس ذاك عجيبا من متَّبعي الهوى ومن أضلهم الله عن سلوك سبيل الهدى، ومن واضح شأنهم الدَّال على خذلانهم صُدوفهم عن النظر في أحكام القرآن وتركهم الحِجاج بآياته الواضحة البرهان، واطِّراحهم السُّنن من ورائهم، وتحكُّمهم في الدين بآرائهم فالحَدَث منهم مَنهوم بالغَزَل، وذو السن مفتون بالكلام والجَدَل قد جعل دينه غَرَضًا للخصومات، وأرسل نفسه في مراتع الهَلَكات، ومَنَّاه الشيطان دفعَ الحق بالشبهات، إن عُرِض عليه بعض كتب الأحكام المتعلقة بآثار نبينا عليه أفضل السلام، نبذها جانبا وولَّى ذاهبا عن النظر فيها، يسخر من حاملها وراويها، مُعاندة منه وطعنا على أئمة المسلمين، ثم هو يفتخر على العوام بذهاب عمره في درس الكلام.(1) ووافق كلّ ذلك تَوَغّل نحل الضلال كالروافض والقاديانية على أرض الجزائر، وتَعَرُّض كلاب النار من الخوارج القتلة وأعوانهم من القعدة لأمن وطننا الغالي، فاشترك الجميع في مقارعة هذا الشعب المسلم السلفي بفطرته، في محاولة يائسة لاقتلاع جذور العقيدة الصحيحة من قلوب أبناء هذا المجتمع السنيّ كما وصفه رئيس هذه البلاد. لقد اختار بوروبي –صاحب البلاء- وقتا حسّاسا لإخراج قذيفته المدمّرة التي وجّهها إلى صدور خيرة أبناء هذا الوطن، الذين ووقفوا في وجه الإرهاب الغادر، وقدّموا أرواحهم رخيصة لتحيا هذه البلاد آمنة مستقرة، يوم أن كان بوروبي متخفيّا في الجحور والمغارات لا يكاد يعرفه أحد، بل يوم أن كان ينط هنا وهناك في تجمعات الحزب المحظور!. لقد تحتّم على أهل السنة دفع صائلة البوروبي، ووجب عليهم إظهار ما تعلق بكتابه من تحريف وتزوير للحقيقة، لذلك قصدت بهذا البيان المختزل كشف ما لا يجوز السكوت عنه، وبيان خطط البوروبي الإبليسية التي أجرى بها قلمه الحاقد في جذور بلائه، وقد وقفت على عدّة محطّات منها، سأسردها للقارئ الكريم واحدة واحدة، وعلى الله توكلت لا إله إلا هو سبحانه.
الوقفة الأولى:مع قناة النهار
لا يحسن بنا أن نتطرق لبلاء البوروبي قبل أن نعرّج على موقف قناة النهار الذي يعكس منهجها في التعامل مع قضايا السلفيين، لا سيما في الآونة الأخيرة.
فالعاقل يدرك أن القناة تقوم بمعاقبة جماعية للسلفيين وعلى رأسهم مشايخهم، بسبب عزوفهم عن التواصل معها، ورفضهم المتكرر للظهور على شاشتها في البرامج والحوارات، أو حتى الكتابة على جريدتها.
فضرب أصحاب القناة -غفر الله لهم- بكل القيم والأخلاق عرض الحائط، ولم يلتفتوا حتى إلى مواثيقهم المعمول بها في عرفهم، حيث أخلّوا إخلالا كبيرا بميثاق الشرف الصحفي المعدّل والذي صدر عن قطاع إعلام الجامعة العربية بتونس سنة:2013 .
وكان إخلالهم من جهتين: الجهة الأولى:إعراضهم عمّا جاء في المادة العاشرة منه، والذي نصّ على: (تعميق روح التسامح والتآخي ونبذ كل دعاوى التحذير والتمييز والتعصب أيا كانت أشكاله).
فهل عمّقت القناة روح التسامح بإشهارها وتأييدها لكتاب بوروبي؟! الذي يتّهم طائفة عظيمة من هذا المجتمع باليهودية والإرهاب وفيهم دكاترة وأساتذة وأطبّاء، ومهندسون وطلبة في الجامعات، ورجال أمن في الشرطة والدرك والجيش! وهو ما يعني أن الدولة الجزائرية تُمكّن لأصحاب العقيدة اليهودية في مؤسساتها الاقتصادية والأمنية والأخطر من ذلك كلّه مؤسساتها الدينية! فهل يعي أصحاب القناة حقيقة موقفهم الذي ورّطهم فيه مفتيهم بوروبي؟! الجهة الثانية:أخلّت قناة النهار كذلك بالمادة الثالثة من هذا الميثاق والذي طالبت بـ: (تشجيع البرامج الإعلامية التي تهتمّ بالحفاظ على سلامة اللغة العربية باعتبارها قوام الثقافة العربية ورمز الهوية العربية). فالقناة شهّرت لهذه الفضيحة التي قسمت ظهر كل عربي! ولم تقدّر لغة القرآن حق قدرها، وكان عليها أن تعتذر بعد وقوفها على لغة الكتابالذي ربما أخطأت في تقويمه وحسبته من قبل أنه كتب بلغة الضاد! ولعلها تعتذر. وهنا تنبيه مهمّ: يعتبر شمس الدين بوروبي واحدا من أسرة النهار الإعلامية! فهو إعلامي في النهار قبل أن يكون كاتبا أو إماما أو مفتيا! فدعوى الحياد دعوى باطلة! فالكتاب فضلا عن تلميعها له في برامجها ونشرات أخبارها، فهو من تأليف واحد من إعلامييها! فأرجوا أن تدرك النهار أنها طرف في القضية، وأن تعمل على إصلاح ما أفسدت وهو الموقف الذي يرفع من شأن صاحبه.
ولا يفوتني أن أشيد بموقف مقدّم برنامج (قهوة وجرنان) وأشكره عليه، فقد كان منصفا في مناقشته لكاتب البلاء، فبارك الله فيه، وأسأل الله أن يهدي مدير القناة وكل أعوانه لخدمة الإسلام وأهله.
مما كان يقوله مالك بن نبي عن بعض الكتب أن القارئ يجد نفسه مجبرا على لبس قناع التنفس وهو يقلب أوراقها الملوّثة، وهو ما حدث لي مع هذا بلاء بوروبي عندما وقفت على انحرافاته شكلا ومضمونا. وهذه وقفات سريعة أضعها بين يديك أخي القارئ مسجّلا فيها ما ظهر لي من التجاوزات الشكلية التي وقعت من بوروبيفي بلائه المبين.
أولا: مدة تأليف الكتاب لقد عدّ الكاتب -بلسان حاله- واحدة من جليل مفاخره: وهي أنه بقي ثلاثين سنة وهو يغرسجذور بلائه! وهو نبأ صادم للعاقل يفرض عليه توجيه سؤال لهذا المدّعي: بما أنك وّلدت عام1965)، فقد مضى من سنّك اليوم خمسون سنة؟! فقل بربّك يا بوروبي كيف شرعت وأنت في العشرين من عمرك في الكتابة في موضوع هو من الصعوبة بمكان قد عجز عنه الأئمة الكبار! فمهما كان توجهك العقدي فلا إخالك تستسهل الكلام في باب الأسماء والصفات وانتقاد الفرق المخالفة في هذا المضمار الوعر! الذي لم يلجه إلا الأكفاء من عقلاء الإسلام! فمتى شرعت في طلب العلم؟ ومتى اشتدّ عودك في معتقد أهل السنة حتى بلغت مرحلة بيان أخطاء الفرق؟ كم لبثت في مرحلة التحصيل يا نابغة الكون!؟ وكيف لم تشغلك جمعيتك التي أسستها وأنت في الرابعة والعشرينسنة، وقضيت فيها ثلاث عشرة سنة من عمرك قبل أن تسحب منك الدولة الجزائرية الاعتماد! وتمنعك وزارة الشؤون الدينية من التدريس في مساجدها إلى يومنا هذا! كما ذكرت أنت! ولو أنك أنصفت نفسك لما افتخرت بما يعتبره المنصفون مَثلبة تُنقص من قدرك عند عقلاء بني آدم! فمهما حسنا الظن بكتابك فليس هو بذاك الإنجاز العظيم الذي يأخذ من عمرك أكثر من ربع القرن! فهو لا يعدو أن يكون جزءا قد ينهيه الباحث الموفق في سنتين على أكثر تقدير! أقول الباحث الموفق! أما عجينتك التي جهزتها فهي صنيعة ساعات وأيام قليلة وليست الثلاثين سنة التي هي كفيلة بإخراج كتاب التمهيد في أربعة وعشرين مجلدا للحافظ الكبير ابن عبد البر رحمه الله! وقد حدث هذا. إنما هي أسئلة إلزامية لا أكثر ولا أقل! وإلاّ فكلّ متتبع للشأن البوروبي يدرك أن كتاب البلاء هو عبارة عن خربشات سودّ بها الرجل صفحات جريدة الجزائر سنة (2011)!،وجهّز الكتاب للطبع سنة 2012 تحت اسم قاموس البدع الحشوية كما أعلن مُحبُّوه في وقته، ولم يجد المسكين من يطبع كتابه حتى تكرّمت عليه النهار ورفعت من شأنه، وكسته شهرة أخذت بعقله.
ثانيا:لغة الكتاب! لو رحم بوروبي نفسه ورحمنا، لطلب من مترجم حاذق أن ينقل نصّ كتابه إلى اللغة العربية! فوالله إن عين الناظر تكاد تطير من مكانها وهي تسرح في أرض الكتاب القاحلة! من شدّة العناء الذي تلقاه، ومن هول الفاجعة التي حلّت بأشرف اللغات وأفضلها. ثلاثون سنة قضاها بوروبي في جمع هذه الحماقة؟! ما أصدق قول القائل: (تمخّض الجبل فولد فأرا!)، وهو مثل عربي قديم ينطبق انطباقا كليّا على معجزة بوروبي التي نزلت على السلفيين المساكين في حين غفلة! فما إن وصلهم ذاك الإنجاز الباهرحتى تيقّنوا أن الساعة قربت حقا! لقد أساء البوروبي للغة العرب إساءة مخزية عندما كتب بلا حياء:الحشوية المتمسلفة ظَلال في العقيدة...ظلام في المنهج! وهو يقصد:ضلال في العقيدة! ولا ريب أن حرف الضاد لم يسقط سهوا من الكاتب أو الطابع! فكلنا يعلم أن الضاد في أقصى يسار لوحة الكتابة، وحرف الظاء في الجهة المقابلة من تحت! ومما يزيدنا إصرارا على القول بأن بوروبي المسكين لا يفرق بين الضاد والظاء تكراره لنفس هذا العبث في كتابه، وعلى سبيل المثال -وفي فقرة واحدة- قال طاعنا في الإمام المجدد كما في (صفحة: 256): (اتفاق علماء عصره على ظلاله: اتفق علماء عصره على ظلاله... وتكاد تكون كلمة علماء مذهبه من الحنابلة متفقة على ظلاله!)، وقال في صفحة (257): (تبين له أنهم علىظلال)، وقال في (صفحة: 263): (اكتشفوا ظلاله)، وقال في (صفحة:265): (مجمعون على ظلاله)، وقال في (صفحة:206): (ناظل عن العقيدة). ومواطن أخرى نتركها طلبا للاختصار، وحتى لا نصاب بفيروس (الضاد البوروبي) الذي يفتك بلسان من يصاب به. وأقول له ناصحا: يا بوروبي خذ من كتب الفروق بين الضاد والظاء ما تُقوِّم به لسانك وقلمك، وأنصحك بكتاب (الفرق بين الضاد والظاء للموصلي ت:797)، أو(الاعتماد في نظائر الظاء والضاد لابن مالك ت: 672)، فإن أعجزك ذلك فخذ فصل الضاد والظاء من الجزرية، وإن أبيت إلاّ الكسل، فأَخرج الضاد من كلامك يا رجل! يقول ابن قتيبة –رحمه الله- في كتابه (أدب الكتاب صفحة: 17) ناصحا الكاتب والمتكلم: (ونَسْتَحبّ له –إن استطاع- أن يَعْدِل بكلامه عن الجهة التي تُلزِمه مستثقل الإعراب، لِيَسْلَم من اللَّحن وقباحة التقعير، فقد كان واصل بن عطاء سامَ نفسه لِلَثْغَة إخراج الراء من كلامه.. فكان لا يتكلم في مجالس التناظر بكلمة فيها راء). أنبه القارئ أنّ جذور البلاء قد حوى أشكالا وأنواعا من المعضلات الكتابية والإملائية، وألوانا من الفيروسات البلاغية والتركيبية، والكثير منها طال أسماء الكتب والمؤلفين، وهو ما يفرض على القارئ المتعطش لقراءة كتاب هذا الإمام التحرّز وتدقيق النظر في صفحاته والبحث عن كل ما عجز لسانه عن نطقه، وعليه ألاّ يطمئن لكل اسم مذكور فيه! حتى لا تصيبه عدوى البلاء وينحرف لسانه عن الجادة. ولست هنا بصدد التوغل في بحر كوارثه الكتابية فهو بحر لا ساحل له! وإنما هي إشارات تؤكّد مقوله أهل السنة الذين قرّروا من أول يوم أن الرجل غريب عن الكتابة والخطابة دخيل على فن التأليف، ولنمثّل بشيء من تلكم الدواهي: - في (صفحة: 30): يقول: محمد الخضر الجنكي، والصحيح: الجكني. - في (صفحة: 77): يقول: الشكواني، إرشاد الفحول، والصحيح: الشوكاني. - في (صفحة: 19): يقول: رواه ابن علد، والصحيح: ابن عبد البر. - في (صفحة: 379): يقول: انظر الضغينة، والصحيح: الضعيفة. - في(صفحة:29): يقول: العقيدة النوويّة والصحيح: العقيدة النوريّة. - في (صفحة:22): يقول: سلامة القصاعي، والصحيح: سلامة القضاعي. - في(صفحة:487): يقول: قال الغرّاء، والصحيح: الفرّاء. - في (صفحة:479): يقول: أبي خزيمة في كتاب التوحيد والصحيح: ابن خزيمة. - في (صفحة: يقول: طبقات الشاميجة والصحيح: طبقات الشافعية. - في (صفحة: يقول: وقال الصعاني والصحيح: وقال الصنعاني. - في (صفحة:62): يقول: تحقيق دعس بن شبيب العجمي تفريط صالح القيروان! والصحيح: تحقيق دغش بن شبيب العجمي تقريظ صالح الفوزان! فلا أدري من ابن شبيب هذا الذي تحقق دعسه ومن هذا القيروان الذي فرّط؟!. - في (صفحة: 394): يقول: العقيدة السفاينية، والصحيح: السفارينية. -في (صفحة: 113): يقول: تبيّن لنا أنّ السلف أما يفوضون ... وأما يحملون الآيات، والصحيح: إمّا يفوضون... وإمّا يحملون الآيات. - وفي (صفحة: 394): يقول: للدغبسي اللودري، والصحيح: للدغيسي اللوردي. - وفي (صفحة: 377): يقول: أحوال الرجال للجوزاني، والصحيح: الجوزجاني. - وفي (صفحة:235): يقول: أمام الحرمين، والصحيح: إمام الحرمين. - وفي (صفحة:265): يقول: (فإنّه يرى كلامهما نضالا يقبل التأويل!)، لا تتعب نفسك أيها القارئ فهو يقصد: فإنّه يرى كلامهما نَصًّا لاَ يقبل التأويل! - وفي (صفحة:265): يقول: (لقواه بتفكير)، وترجمتها إلى العربية: لقوله بتكفير! - وفي (صفحة:265): يقول: (وهو غاية الاتقان)، والصحيح: وهو في غاية الاتقان! - وفي (صفحة:265): يقول: (التقشيندي)، والصحيح: النقشبندي! - وفي (صفحة:318): يقول: (لم تعلق الأمر بتبرير قلت أهب نجد وصموها بكل سوء)، والصحيح: للأسف لم أتوصل إلى معرفة ترجمة هذه الفقرة بعد عناء طويل!
ومن أفحش العبارات التي سطرها في كتابه: قوله في صفحة478): (الله عز وجل له رجلين حقيقيتين فيها سَبّاطا (حذاء).) فما الذي منع بوروبي من استعمال كلمة (حذاء)؟! إنه التشنيع والاستهزاء بالخصوم ولو على حساب لغة العرب، ولو كان الحديث في صفات الله سبحانه، وكذلك فعل في (صفحة:487) عندما قال: (واختلفوا في موضع الثوبين من ذاته ويبدو أنهم استقروا على أنهما تقاشر)، وهو يقصد الجوارب! فاللهم غفرا.
نعم هكذا أقحم البوربي نفسه في مضمار العلوم وليته لم يفعل! ورحم الله أبا هلال العسكري الذي أخبر في كتابه: (الصناعتين صفحة: 22) أنّ من يهجم على الكتابة من غير تحصيل للغة العرب لاسيما البلاغة، فقد: (مزج الصَّفْو بالكَدَر، وخلط الغُرَر بالعُرَر، واستعمل الوحشي العكر؛ فجعل نفسه مَهْزَأَة للجاهل، وعبرة للعاقل). صدق لله درّه! فقد رأينا كيف أضحى البوروبي مهزأة ومهزلة عند العام والخاص! وأصبح أضحوكة فيسبوكية بامتياز! يتندّر به الشباب في أوقات فراغهم، ويتسامر بأراجيزه الصغار في محادثاتهم، وحُقّ له أن يدوّن اسمه في كتب الأوائل، بصفته أول من نقض الضاد في كتاب، فاللهم سترك وعفوك.
ثالثا: الإطناب لنفخ الكتاب. لقد كان بمقدور بوروبي أن يلتزم منهجية علمية مدروسة يوصل بها الفكرة للقارئين، وكل من كان له يسير إلمام بصناعة الكتاب يعلم أن حجم الكتاب ليس دليلا على حسن مضمونه! وإنما يلجأ المتطفلون لنفخ صفحاتهم لسوء طويتهم وانحراف تصورهم، ولظنّهم أن حجم الكتب هو المقياس الحقيقي الذي يستعمله عقلاء الأمة لتقييم المقالات والبحوث! لهذا كان أول وآخر اهتمامالمتطفّل هو كيف أخرج الكتاب في أثقل وزن ممكن!
وكذلك هو حال بوروبي الذي لا يعلم أن الاختصار في لغة العرب هو: ترك الفضول كما قال الخليل بن أحمد في (العين 4 /1833)، لهذا قصد إلى فضول الكلام وجمعه في بلائه فأرّق المحبّ والعدوّ. وهذه أمثلة مختصرة لمواطن إطنابه: المثال الأول: بوروبي يردّ في كتابه على خصومه الحشوية! من أتباع أناس متقدمين وعلى رأسهم كما قرّر الصحابي الجليل عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فكيف سمح لنفسه أن يحتج عليهم بأقوال المعاصرين! وهم في الحقيقة من خصوم الحشوية بين متصوف وأشعري! بل يُلبّس على القارئ ويقحم هؤلاء المعاصرين في جملة أئمة السلف! وهو ما يؤكد أن الرجل لا يعلم لمن ألّف الكتاب! هل ألفه هل لإقناع خصومه! أم لتثبيت وإفادة من هو على شاكلته، فهذا الاضطراب يثبت مرة أخرى أن الرجل بعيد كل البعد عن الكتابة الهادفة! فالمبتدئ من الكُتاب يفكر في أهداف الكتابة ثم يثبتها في مقدمة ما يكتبه للناس.
يقول بوروبي كما في (صفحة: 18): (وها هي نصوص السلف كلها صريحة بتفويض وتسليم المعنى لله تعالى..) ثم شرع في سرد ما تهواه نفسه من كلام أئمة السلف المعتبرين عنده، ومنهم كما قال: (وقال العلامة عيسى الحميري في كتابه الفتح المبين في براءة الموحدين من عقائد المشبهين).
ولك أن تبكي أخي القارئ بل وتنوح على هيبة الكتابة كيف شوّه وجهها المشرق هذا البوروبي! فهذا العلامة المذكور هو في الحقيقة دكتور إماراتي معاصر لا هو إمام ولا حتى عالم يعرفه الناس! لكن هي شهوة التضخيم!
ومن أولئك السلف الذين سرد نصوصهم تحت هذا الفصل: (علي النوري ت: 1118) و(محمد سعيد البوطي ت: 1434) و( محمد السبكي ت:1352)، (بكري رجب ت: 1399)، (سلامة القضاعي ت:1376) وهو شيخ النقشبندية في مصر، (الشعراني الصوفي صاحب اليواقيت ت:973)، (النبهاني الصوفي ت:1350)، (إمام حنفي عبد الله) وهو دكتور معاصر!، و(محمد الطاهر بن عاشور ت:1393).
وأسماء أخرى من أراد الوقوف عليها فليرجع إلى الموطن المشار إليه آنفا من كتاب البوروبي ومواطن أخرى كثيرة، لا يسمح المقام بإحصائها!.
ويا لله العجب!! بما أن بوروبي يزعم بأن كل السلف كانوا على خلاف عقيدة الحشوية! فما باله لم يقتصر على أقوالهم؟! وذهب يهوّل بأقاويل دكاترة معاصرين ويضفي عليهم مهابة (العلاّمة والإمام)! حتى يخادع المحبّ ويرعب الخصم! وهو دليل من أدلة خفة عقل الرجل، والله المستعان. ومن لطائف بوروبي وألغازه المحيّرة: أنه عندما انتهى من هذا الفصل ونقل عشرات الأقوال جعل فصلين أعقب بهما الفصل السابق: الأول: (حجة الإسلام أبي حامد يبيّن حقيقة مذهب السلف وأنه السكوت عن تحديد المعنى وليس الحمل على الظاهر) والآخر: (الإمام المجدد حسن البنا يبيّن حقيقة مذهب السلف). وجواب هذا اللغز: هو أن بوروبي وضع الفصل الأول لينقل أقوال علمائه ممن نصوا –كما زعم- على أن مذهب السلف هو السكوت عن المعنى! وكان يجدر بالرجل أن يضم كلام الغزالي والبنَّا إلى هذا الفصل! فلماذا خصص لهما فصلين كاملين من غير أن يعلق على كلامهما بكلمة واحدة؟ الجواب: حتى يضخم الكتاب ويُكثر من فصوله! فما أغباه. المثال الثاني:خصص بوروبي في (صفحة:145) من كتابه، فصلا كاملا تحت عنوان: (الصميلي حشوي يضلل بالجملة)! ولأوّل وهلة يظن القارئ أن هذا الصميلي معدود من شيوخ ابن تيمية! أو من أساطين هذا المعتقد الحشوي! ما جعل بوروبي يحفظ كلامه ويجرد مقالته في كتابه العظيم! لكن الحقيقة الصادمة تظهر عندما نعرف أن هذا الصميلي هو شابّ حدّادي مجهول من جماعة فالح الحربي لا يعرفه أحد، كان يكتب قبل سنوات على النت خربشات صبيانة! جلّها في الطعن والتحذير من مشايخ الجزائر، فتلقّف البوروبي مقالا له وأثبته في بلائه من غير حياء! وقد أخذ منه هذا الفصل أربع صفحات كاملة! ثم أثبت إنجازه الكبير في الحاشية وأحال قائلا: (منشور على النت شبكة الأثري السلفية)! فهنيئا ل هذه المصادر العالية! وهنيئا له هذا الانتصار الباهر على جهابذة الحشوية! المثال الرابع: سوّد بوروبي ما يقارب مائة صفحة عن محمد بن عبد الوهاب وحاول جاهدا أن يثبت تهمة التكفير والخروج في حق هذا الإمام بأقوال أناس هم بين خصم أو معاصر! وهو في الحقيقة مبحث لا علاقة له بموضوع الكتاب! فالكتاب كما بيّن هو على غلافة يتناول مسائل الصفات، وهي المسائل التي انتقدها أهل البدع على أهل السنة ومن أجلها أطلقوا عليهم لقب الحشوية!
فصاحب البلاء رأى أن هذا الموضوع سهل ميسور، فمادته منشورة ومشهورة، وآلة النسخ واللصق لن تجد عناء في زبر الأقاويل وقصها، فضخّ المُنتَفخ النافخ حوالي مائة صفحة في بلائه، وأكاد أجزم أن كتاب بوروبي الآخر الذي لا يعرفه الناسالتنفير من التكفير) قد ضمّه (جذور بلائه)، عندما طولب بالإسراع لكي يلحق بمعرض الكتاب! نسأل الله العافية.
أقتصر على هذه الإشارات المختصرة، مكتفيا بها عن المواطن الأخرى وما أكثرها، لأن الوقت أعز من أن نقضيه في سردها، على أمل أن يقيّض الله من يعطيها حقها ومستحقها.
رابعا: ترتيب أم تخريب؟! اعتمد بوروبي على قدراته الخارقة، ومجهوده الشخصي في كلّ أطوار ومراحل الكتاب، ومن ذلك ترتيبه لمباحثه، فقد خبط الداهية فيه خبط عشواء، وكان عليه أن يبادر بكتابة طليعة عن معنى الحشو والتعريف بالحشوية كما هو معروف عند المبتدئين، لكنه أخّر ذلك إلى (صفحة: 111)!! أما أول فصول كتابه فكان في: (الفرق الأول بين عقيدة السلف وعقيدة المتمسلفة الحشوية؟) وهو ما يدخل القارئ في دوامة كبيرة! لأنه لم يدرك بعد معنى هذه العقيدة الحشوية ومن يمثّلها من الشيوخ، ولم يقف على تعاريف الحشو لغة واصطلاحا، وتاريخ نشأة هذه الفرقة! وأنّا للبوروبي أن يعرف هذا حتى يعرّفه للقارئ! الكاتب جعل الفصل الثاني في بيان أن مذهب السلف هو التفويض وهو الفرق الثاني بين عقيدتهم وعقيدة الحشوية! ثم الفصل الذي يليه ذكر فيه التأويل وهو أحد الفروق عنده بين السلف والحشوية! وبعد هذا الفصل مباشرة كتب هذا العنوان: (حملة شرسة ضد تفويض السلف!) وهو فصل حقه أن يكون بعد الفصل الذي تحدث فيه عن التفويض فلا أدري هل طاشت الأوراق واختلطت الملزمات فدخلت هذه في تلك وقدمت للمطبعة من غير مراجعة! وهذا بعيد جدا لأننا على يقين أن الرجل لا يمتلك أدنى مؤهلات الكتابة. وبعد تعريفه الهزيل بالحشوية المتأخر جدا، تكلّم مباشرة في فصل مستقل عن غلوّهم، ثم بعد هذا جعل فصلا بعنوان: من مشايخ الحشوية! ثم تطرق بسرعة خاطفة لتحذير العلماء من الوهابية وأخيرا رجع مسرعا لإكمال الحديث عن مخالفات الحشوية في صفات الله. والحق الذي لا يعتريه شك:أن كتاب بوروبي هو عبارة عن دفتر جعله كالمسوّدة فكان يهرول إليه كلما أتيحت له الفرصة لقنص فكرة شيطانية حتى يثبتها في بلائه، فهو لا يعدو أن يكون مسودة كالمسوّدات التي لا تُراعى فيها غالبا قواعد الكتابة، والله المستعان. وعلى كل حال: كل من يقف على هذا الهراء يجد نفسه في حاجة إلى طاقة ذهنية هائلة لكي يستوعب خطرات الكاتب التي أراد أن يوصلها للناس، ولم يقدر! فأرجو أن يعذرني القارئ الكريم فقدأثقلت عليه بمثل هذا المباحث المتعبة! لكن ما الحيلة وقد طلب منا بوروبي الرد على كتابه.
يتبع ....
يعتبر اتهام واحد من الناس في عرف العجائز بأنه يهودي أو على عقيدة اليهود أو حتى أخلاقه أخلاق يهود من أشنع التهم التي ترتج لها الجبال! فالكاتب هتك ستر الحياء وقال بما لم يقله الأوّلون من أسياده! واتّهم السلفيين بأن عقيدتهم عقيدة يهودية.
ولسنا بحمد لله أغبياء حتى يراوغنا هذا البوروبي محاولا التخلص من هذه الفاقرة الخطيرة، وهذه بعض أقواله من جذور بلائه:
فقد نقل كلام الشيخ العثيمين رحمه الله الذي جاء فيه (يبقى الإنسان منبهتا) وعلّق عليه قائلا كما في (صفحة: 389 حاشية: 2): (يقصد الإنسان الحشوي الذي صنعته الإسرائيليات والموضوعات، أما المسلم السلفي الذي فوض علم معاني الآيات والأحاديث لربّه فلا ينبهت أبدا).
التعليق: انظر أيّها القارئ المنصف كيف ذكر المسلم وقابله بالإنسان الحشوي! وهو ما يعني أنّ المسلم في جهة والحشوي في جهة أخرى، وتمعّن كذلك في قوله: الذي صنعته الإسرائيليات!لتعلم أن الحشوي لم يتأثّر بمجرد شبهة واحدة، بل هو صناعة يهودية كاملة!
ونقل بوروبي كذلك في (صفحة: 275) كلام الملك سعود رحمه الله: (إلى أن كفّرونا وقاتلونا واستحلّوا دماءنا وأموالنا) فعلّق عليه بوروبي قائلا: (لم يكفرهم أحد إلاّ بعد تكفيرهم للأمة ولم يقاتلهم أحد إلا بعد حملهم السلاح ولم يستحل أحد أموالهم إلا بعد أن نهبوا سائر أقطار الجوار).فهل هناك إقرار للتكفير والقتل أكثر من هذا؟!
كان على بوروبي وهو الشيخ الباحث الذي بقي ثلاثين سنة وهو يجمع في مادة هذا الكتاب أن يبيّن حكم الله في تكفير الوهابية والاعتداء عليهم، لا أن يتطاول بهذه الفقرة الشنيعة التي تهوّن من خطورة التكفير وتحرّض على حرمة الأبرياء.
ووالله! لو أن القارئ جلس أياما وهو ينظر في الكتاب لما وجد حرفا واحدا يظهر فيه البوروبي أن هؤلاء الحشوية هم من جملة المسلمين يحرم التعرض لهم! بل وقع منه عكس ذلك فقرر وأكّد في الكتاب وخارجه أن هؤلاء على دين اليهود حقيقة، وصرح بكل جرأة على قناة النهار أن بعضهم يدرك أنه على منهج اليهود! وأخطر ما تلفّظ به: قوله كما في خلفية الكتاب: (لقد أطلق أهل السنة على معتنقي المنهج اليهودي في الاعتقاد اسم الحشوية واليوم يسمون أنفسهم السلفية الأثرية...)
لا شك أنّ القارئ الحاذق يدرك أن لفظة (الاعتناق) تستعمل في حق من دخل ديانة جديدة! وليس هذا من المسائل التي تحتاج لكثير بيان، فهي كلمة تشعر بكفر المتكلّم عنه، وقد أعاد الرجل هذه الكلمة في مواطن كثيرة في هذا الكتاب وحتى في برامجه التلفزيونية.
وفي (صفحة: 148) نقل كلام بعضهم، وفيه ذكر بعض دعاة الجزائر ومنهم مشايخنا الفضلاء من علماء هذه البلاد كالمشايخ: محمد علي فركوس وعبد الغني عوسات ولزهر سنيقرة، ثم علق بوروبيعلى هذا الموضع كما في (الحاشية: 2) من نفس الصفحة بقوله: (هؤلاء هم رموز الحشوية في الجزائر يختلفون مع غيرهم في أنهم يحاولون إلباس ابن باديس لباس الحشو بهدف تأصيل الحشوية في الجزائر..)
انظروا -رحمكم الله- كيف يشهّربوروبي بأعيان أهل السنة وكأنه يقول للناس: هؤلاء هم أصحاب المنهج اليهودي الذين يتقصدون نشر اليهودية! وهو يعرف حق المعرفة موقف المجتمع الجزائري من اليهود! وشدّة كراهيتهم لهذا الجنس! فما الذي ننتظره بعد هذا التحريض؟!
وقال في (صفحة: 435): (ولنا أن نسأل أنصار ابن تيمية الذين جعلوا منه صنما يطوفون حوله: ألا تتقون الله وتدعون الموحدين يؤمنون بأوليّة الله على خلقه؟ أليس فيكم رجل رشيد ينصحكم بالتوقف عن نشر هذا الكفر بين الموحدين؟... ألا ترون أن هذا النوع من أنواع الشرك تطبعونه وتوزعونه على الموحدين).
فانظروا وفقكم الله إلى هذه الكلمات المختارة! وقولوا بربكم: ما حكم من اتخذ صنما وطاف به؟! نترك الجواب لقناة النهار ومن لطائف الغرائب: أن بوروبي صرّح في لقائه المتلفز الذي بثته قناة النهار مباشرة من المعرض يوم: 03 / 11 /2016: (أن المجتمع الجزائري مجتمع مسالم والجزائر عاش فيها النصارى واليهود!) فهلاّ سهّل بوروبي الأمر على السلفيين ووضعهم في منزلة اليهود والنصارى! وتركهم يعيشون آمنين في هذه البلاد؟! ودافع عنهم كما دافع عن اليهود عندما حرّم في فتواه -التي فرح بها اليهود-وصفهم بأحفاد القردة والخنازير كما في برنامجه (انصحوني)؟!.
من المسائل التي أكثر بوروبي من التشغيب بها على أهل السنة، وكانت لبّ دعاويه العريضة، وقاعدة كتابه الذي بنى عليها موقفه الظالم من السلفيين، مسألة الرواية عن بني إسرائيل، ولا ريب أن من أحكم مسائل هذا المبحث وضبط قواعده، علم أن بوروبي لولا زمن الجهل الذي نعيشه، لما اغتر بكتابه أحد من العامة.
ولن أطيل كثيرا في بيان هذه المسألة، وأسوق لبوروبي كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله -وهو معدود عنده وفي كتابه من أئمة السلف و علماء التفسير الأجلاّء البارزين- حيث اختصر معتقد أهل السنة وذكر رؤيتهم الشرعية في باب الرواية عن بني إسرائيل.
يقول رحمه الله كما في (البداية والنهاية 1 /7- 8): (ولسنا نذكر من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله، مما لا يخالف كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو القسم الذي لا يُصدق ولا يكذب مما فيه بسط لمختصر عندنا، أو تسمية لمبهم ورد به شرعنا مما لا فائدة في تعيينه لنا فنذكره على سبيل التحلي به لا على سبيل الاحتياج إليه، فقد قال الله تعالى في كتابه: {كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا}، وقد قص الله على نبيه صلى الله عليه وسلم خبر ما مضى: من خلق المخلوقات، وذكر الأمم الماضين، وكيف فعل بأوليائه، وماذا أحل بأعدائه وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته بيانا شافيا، فأما حديث :«وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج،»، فهو محمول على الإسرائيليات المسكوت عنها عندنا، فليس عندنا ما يصدقها ولا ما يكذبها فيجوز روايتها للاعتبار، فأما ما شهد له شرعنا بالصدق فلا حاجة بنا إليه، وما شهد له شرعنا منها بالبطلان فلا يجوز حكايته إلا على سبيل الإنكار) انتهى بتصرف يسير.
وحتى لا يَتنكّر بوروبي لموقفه من الحافظ ابن كثير كما هي عادته في تناقضاته التي سيأتي موضع ذكرها، ويعتبره من الحشوية! أنقل له موقف مالك رحمه الله!
يقول الحافظ ابن العربي المالكي –رحمه الله- في (المسالك في شرح موطأ مالك 3/ 587- 588 ): (فيه التنبيه على سَعَةِ عِلْمِ مالك، ومعرفته بالأخبار والآثار، والتَّحَدُّث عن بني إسرائيل إذا صحت عند العالم، كان مالك -رحمه الله- أعلم النّاس بالقصص وأخبار بني إسرائيل، وإنّه نوعٌ من العلّم أيضًا إذا تَحَرَّزَ في نَقْلِهِ).
وإني مذكّر بوروبي هنا بالشجاعة التي تحدث عنها في معرض الكتاب، وأنكر على العالم الذي يجبن ويخاف ولا يظهر الحق للناس! فحيّ هلا يا فارس الحروب، تفضّل وأخبر الناس بالحقيقة وأنّ مالكا رحمه الله كان حشويا يحدث بأحاديث اليهود!
رحم الله علماء الإسلام كم بذلوا من أوقاتهم وأعمارهم حتى يفهم الناس حقيقة دينهم، لكن الجاهل لا يرحم نفسه فينهل من معين كلامهم! وأخس منه هو ذاك الحاقد المغرض الذي يسعى لتحريف أقوالهم! وبوروبي جمع بين الشرّين وأخذ النصيب الأوفر من الجهل والحقد فضرب بنصوص الأئمة عرض الحائط وخان العلم والأمانة وعمد إلى تضليل القارئ بإخفائه لما قرره العلماء في مسألة الأخذ عن بني إسرائيل لا سيما المالكية منهم! وصوّر المسألة وكأن أهل السنة قد أخذوا مسائل الفقه والعقيدة عن اليهود من غير ضوابط ولا شروط! فحسبنا الله ونعم الوكيل.
أما زعمه الحقير بأن الصحابي الجليل عبد الله بن سلاّم رضي الله عنه هو أوّل من أدخل عقائد اليهود وروى الإسرائيليات وعنه أخذ الحشوية دينهم، فهو زعمٌ ينمّ على جهل مطبق بالمسألة أوّلا، وبعقيدته أهل السنة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيا.
وليس هذا موضع الإطالة لأني سأفرد ردّا مفصّلا في مناسبة أخرى أبيّن فيه جنايته على هذا الصحابي الجليل الذي يكفيه أن يكون مبشّرا بالمبشرين بالجنة كما شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعلّ الله ييسّر لنا من ينفي أكاذيب الرجل عن باقي الأئمة ممن اتهمهم بترويج عقائد اليهود ككعب وابن منبّه ونوف البكالي وغيرهم من أئمة الإسلام، أسأل الله أن يأخذ بحقهم من هذا الجاني المفتري، الذي استطال في أعراض الأبرياء من أولياء الله الصالحين. وأمر آخر مهمّ: لقد صدّع بوروبي وجماعته رؤوسنا وقصموا ظهورنا بدعاوي احترام المرجعية الوطنية ولزوم الاكتفاء بمذهب مالك كمصدر للتشريع والفتوى! وهم من أجهل الخلق بحقيقة هذا المذهب، وأبعد الناس عن معرفة كتاب مالك: الموطأ! ودليله من هذا المبحث:
ما رواه مالك في الموطّأ تحت باب: (ما جاء في الرجم) من (كتاب الرجم والحدود) (برقم:3035): جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تجدون في التوراة في شأن الرجم»؟ فقالوا: نفضحهم ويُجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، ثم قرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم. فقالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم «فرُجما»...»
هل رأيت با بوروبي بعينك كيف أنّ عمدة المرجعية الوطنية مالك قد روى حديث عبد الله بن سلاّم رضي الله عنه، وفيه انتفاع النبي صلى الله عليه وسلم بعلم هذا الصحابي بالإسرائيليات؟! فكيف قدرت على قلب الحقائق في هذه المسألة، وجعلت حسنة هذا الصحابي سيئة؟ وحوّلت فضيلته إلى مثلبة، وأظهرته وكأنه كان يقضي كل وقته في رواية المناكير والأباطيل عن اليهود؟ والحقيقة على خلاف هذا كما مرّ في الحديث السابق.
إنها – والله- كما مرّ بنا محطّة تكفي وحدها في هدم سقف البلاء على رأس بوروبي، الذي أرعد وأزبد وصاح وناح! وهو يحاول أن يقنع الأمة أنه أنجز ما عجز عنه الأولون والآخرون، وهي في الحقيقة مسألة يعلم صغار طلبة العلم موضعها من كتب الإسلام.
كلّ من ذاق طعم العلم وجاور أهله، يدرك أن الأمانة العلمية هي محنة الكُتّاب، ومنحة الصادقين من أهل الدار! وهي امتحان يتميّز به من تحركهم ضمائرهم للكتابة عمن تحركهم أحقادهم!
ولا غرو أن يشابه البوروبي شيوخه كالبوطي والغماري والسقاف في تحريف أقوال العلماء وبتر نصوصهم، وقد قيل: من شابه أباه فما ظلم.
نعم هو امتحان صعب للغاية فهل يا ترى نجح فيه البوروبي؟! سننظر! الامتحان الأول:قال كما في (صفحة: 478): (يعتقد الحشوية أن يجب على كل مسلم وصف الله تعالى بصفة الرجلين والقدمين!...).
بوروبي مولع كما هي عادته بتضليل القارئ البسيط! ولو لا ذلك لما احتاج إلى إخفاء النصوص التي اعتمدها أهل السنة ممن يصفهم بالحشوية في إثبات صفة القدمين! لكن لفرط مكره عمد إلى إخفاء ما يقد يهتدي به القارئ إلى عقيدة أهل الإسلام! لأنّ كل من عرف قيمة القرآن والسنة يدرك مثلا قيمة صحيحي البخاري والمسلم ومنزلتهما عند المسلمين.
فلو علم القارئ أن صفة القدم قد اتّفق على إثباتها البخاري ومسلم في صحيحيهما لسقط كتاب بوروبي من عينه لمجرد وقوفه على موضع واحد منه.
فقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه (البخاري 4849) و(مسلم2848)، في تحاجج الجنة والنار، وفيه: (يقال لجهنم: هل امتلأت، وتقول هل من مزيد، فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها، فتقول: قط قط)، وجاء في روايات أخرى كثيرة ومنها رواية (البخاري 4850)، ذكرالرجل بدل القدم.
بل الخبر رواه أحمد والنسائي والترمذي وحتى الإمام البيهقي الذي عدّه بوروبي في كتابه من أئمة السلف واحتج به في الكثير من المواضع هو نفسه ذكر خبر الرجل والقدم في كتابه (الأسماء والصفات 2 /190)!
ولبراعة صاحب البلاء في قلب الحقائق ترك كل هذه المصادر! وذهب يناوش أهل السنة في إيرادهم لأثر ابن عباس رضي الله عنهما الذي فسر قوله تعلى: (وسع كرسيّه السماوات والأرض) بأنه موضع القديمين! وتوسّع في مباحث حديثية –يجزم العارف به أنها ليست له- ليوهم القارئ أن أهل السنة لم يعتمدوا إلا على هذا الأثر في إثبات صفة القدم! وكذب الرجل وخان! ولم يكن أمينا في تقرير هذه المسألة
ولكن هنا مسألة مهمّة: فلو فرضنا أن تفسير الكرسي بموضع القدمين هو تفسير باطل! فليس من الضروري أن يكون القائل به من المجسمة الحشوية! ويشنّع عليه كتشنيع البوروبي!
فهذا الإمام الطبري رحمه الله وهو ممن أكثر النقل عنه البوروبي في بلائه واعتبره من أئمة السلف، يقول كما في (جامعه 4 / 537- 539 / بتصرف) عند تفسير قوله تعالى (وسع كرسيه السماوات والأرض): (القول في تأويل قوله جلّ ثناؤه: {وسع كرسيه السموات والأرض} اختلف أهل التأويل في معنى الكرسي الذي أخبر الله في هذه الآية أنه وسع السماوات والأرض، فقال بعضهم: هو علم الله، وقال آخرون: الكرسي: موضع القدمين، وقال آخرون: الكرسي: هو العرش نفسه، ولكل قول من هذه الأقوال وجهٌ ومذهب).
فليتعلم بوروبي الأدب من هذا الإمام! الذي ساق المسألة بنفس هادئ، ورجح ما ظهر له من غير تشنيع ولا شتيمة.
وها هو البيهقي يروي في كتابه (الأسماء والصفات (2 / 198)) بسنده قول أبي عبيد: (هذه الأحاديث التي يقول فيها: «ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، وإن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك قدمه فيها، والكرسي موضع القدمين» وهذه الأحاديث في الرواية هي عندنا حق، حملها الثقات بعضهم عن بعض، غير أنا إذا سئلنا عن تفسيرها لا نفسرها وما أدركنا أحدا يفسرها).
وللتذكير: فإن البيهقي وأبوعبيد من أئمة السلف كما صرح بهذا البوروبي في صفحة 18 من كتابه! فانظر يا من أكرمك الله بنعمة العقل إلى الحقد كيف يلقي بصاحبه إلى أنزل الخصال ويصيّره كذابا خائنا! ويدفعه إلى امتهان التحريف، وكتم الحقيقة، نسأل الله السلامة والعافية. وباختصار شديد: البوروبي أشغل القارئ بحديث الكرسي عن صفة الرجل الثابتة في البخاري ومسلم! وأوهمه أن الأئمة اتفقوا على تضعيف أثر ابن عباس وأن القائل به بل مجرد الناقل لخبره مجسم حشويّ! مع أن أبا عبيد يقول: حملها الثقات بعضهم عن بعض! الامتحان الثاني: يقول في بلائه (صفحة: 487): (من أغرب صفاته تعالى التي تنقلها لنا كتب الحشوية أنه تعالى يلبس الملابس الملونة، ذكر ابن ابي عاصم في كتابه السنة: من طريق عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ربي عز وجل في صورة شاب أمرد له وفرة جعد قطط عليه حلة خضراء، لكن ابن أبي يعلى يروي في طبقات الحنابلة عن عكرمة أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ربي عز وجل شابا أمرد – كذا- جعد قطط عليه حلة حمراء، فلون حلّته عند ابن أبي عاصم خضراء وعند الفراء حمراء!)
لقد قضى بوروبي على نفسه في موضعين من هذا الكلام: أولا: ليس في كتاب السنة لابن أبي عاصم ما ادعاه بوربي الظالم! وكذب عليه وافترى، فهو رحمه الله لم يذكر هذه الرواية في كتابه السنة وإني أتحداه أن يأتينا بها وله من الوقت عشر سنين! وإنما روى ابن أبي عاصم تحت باب: (ما ذكر من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربّه تعالى) رواية عكرمة (برقم: 440 و471) من غير الزيادة التي أقحمها البوروبي، وهذا نص كلامه: (عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ربي عز وجل ثم ذكر كلاما).
وقوله رحمه الله: (وذكر كلاما) هو إنكار منه لمتن الرواية كما يفهمه العاقل، فانظر رحمك الله كيف يجني بوروبي على أولياء الله؟!
ثانيا: لقد اقتص القصّاص من كلام ابن أبي يعلى ما يخدم هواه، لأن ابن أبي يعلى رحمه الله ساق الرواية في (الطبقات 2/ 45-46) وأعقبها بتصحيحها من كلام الإمام أحمد– وهي إحدى الروايتين عنه- فقال رحمه الله بعد الرواية التي نقلها بوروبي مباشرة: (قال المروذي: قلت لأبي عبد الله: إنهم يقولون ما رواه إلا شاذان فغضب وقال: من قال هذا؟ ثم قال: أخبرني عفان حدثنا عبد الصمد بن كيسان حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال رأيت: " ربي عز وجل " قال المروذي: فقلت: يا أبا عبد الله إنهم يقولون: ما روى قتادة عن عكرمة شيئا فقال: من قال هذا؟ أخرج خمسة ستة أحاديث أو سبعة عن قتادة عن عكرمة.).
لقد علم بوروبي أن القارئ الفطن يدرك ما قرّره صاحب البلاء في كتابه حينما أشاد كثيرا بالإمام أحمد وبرّأه من معتقد الحشوية وأقر بأنه أحد أئمة الإسلام العظام وأن المجسمة كذبوا عليه وزوروا كلامه لهذا رأى – مكرا منه وخديعة- أن يقتص الكلام ويترك رواية ابن أبي يعلى هكذا مجردّة! الامتحان الثالث: يقول البوروبي في (صفحة: 265) وهو يعدّ أسماء من ردّ على الوهابية: (شيخ داود بن سليمان التقشيندي البغدادي الحنفي المتوفى سنة 1299 هـ ألف صلح الإخوان في الرد على من قال على المسلمين بالشرك والكفران ردّ عليهم، تكفيرهم لسائر المسلمين).
وقع مصنف البلاء في جريمة الخيانة وأعمل مقصّ الحذف في موضع خطير جداّ : فعنوان كتاب ابن سليمان الكامل هو: (صلح الإخوان من أهل الإيمان و بيان الدين القيمفي تبرئة ابن تيمة وابن القيم). لقد أدرك صاحب المقص أن مجرد ذكر عنوان الكتاب سيدخل قارئ الكتاب في حيرة كبيرة، لذلك عمد إلى محو أهم ما في العنوان، لأن كتاب بوروبي بناه على تضليل ابن تيمية وابن القيم واتهامهما بالتكفير!
وانظر إلى ما جاء في مقدمة ابن سليمان كما في (صفحة: 2-3 ط. النخبة) : (راجعت بعض كتبهما –أي ابن تيمية وتلميذه- وأمعنت النظر فيها فوجدتهما قد تبرءا من ذلك –أي التكفير- وسلكا أعدل المسالك).
إن هذه الشهادة التي كتبها واحد من ألدّ خصوم محمد بن عبد الوهاب في حق شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لتهدم أركان كتاب البوروبي! لهذا لم يجد بدّا من إعمال المقص في عنوان كتابٍ هو من اختار ذكره في جذوره! وفي آخر هذا المبحث أنبه إلى أمر مهمّ: وهو أن إحصاء المواضع التي تصرف فيها بوروبي حذفا وتحريفا يحتاج إلى تتبع كبير! ويتطلب تفرّغا لجرد كل المواطن التي أخلّ الرجل بمعناها ومبناها وليس لي الوقت الكافي لكي أتفرغ لهذا الجانب الوعر، فأسأل الله أن ييسر لنا من يكشف هذا الجانب المظلم من هذا البيت الهش الذي هو أوهى من بيت العنكبوت.
وكأنّي ببوروبي ينازع الشاعر نزار قباني في رائعته –كما توصف- (تناقضات)! ويجهد نفسه في مجابهته بتناقضات (بلائه) التي ذهبت بعقل القارئ! وألقت به في ساحة الحيرة والتيه! وإنّنا –والله- في زمان أقرب ما يكون الجنون إلى العقلاء!
لقد ادخر لنا البوروبي قنبلة في كتابه انفجرت عليه قبل أن تنفجر على غيره! حينما لعب مقابلة بفريق واحد! يباري نفسه بنفسه! وهو إنجاز لم يسبق إليه على ما أظنّ!
فالكاتب المعجزة! هو في الحقيقة صاحب كرامة تجلّت أنوارها في بلائه، فعندما يحتاج إلى نصوص عن أئمة السلف ليستشهد بها على ضلال خصومه! تُساق له أقوالهم سوقا من غير عناء! وإذا ما أراد التنصيص على باطل الخصم يصير الإمام الذي كان يحتج به حشويا يُحتج عليه! فهذا الإمام ابن رجب رحمه الله:
هو في مخيّلة الكاتب واحد من أئمة السلف، لكن في أيّ لحظة يحتاج فيها الكاتب لحشوي يردّ كلامه سيصبح ابن رجب حشويّا! ولا تستغرب أيها القارئ! فنحن في زمن الغرائب.
لقد جعل البوروبي فصلا في بلائه تحت عنوان: (الفرق الثاني الذي يميّز العقيدة السلفية الصحيحة عن العقائد المتمسلفة الحشوية – التفويض-)، قال تحته كما في (صفحة: 18): (وها هي نصوص السلف كلها صريحة بتفويض وتسليم المعنى لله تعالى..)،ثم شرع في سرد ما تهواه نفسه من كلام أئمة السلف المعتبرين عنده في نقض كلام الحشوية! وممّن ضمّه لمسرده: الحافظ ابن رجب – رحمه الله-، فقال كما في (صفحة: 23): (وقال ابن رجب الحنبلي في كتابه فضل علم السلف عن الخلف: و الصواب ما عليه السلف الصالح من إمرار آيات الصفات وأحاديثها من غير تفسيرها..)، هذا حين رضي عنه!
أما حين غضب عليه وصيّره حشويا، ذكره تحت فصل: (من ليس حنبليا فليس بمسلم!!) فقال كما في (صفحة: 133): (من مظاهر غلو هذه الطائفة وتعنتها تصريحهم أن المسلم لا يكون مسلما إلا إذا كان حنبليا ينشرون مثل هذا الكلام في كتبهم ولا يعلقون عليه بشيء ولا ينكرونه...)، فمن الذي وقع عليه اختيار البوروبي يا ترى؟! لكي يمثل به على الطائفة الحشوية التي تكفر من لا يكون حنبليا وتنقل هذا المعتقد في كتبها من غير نكير؟!
لنترك بوروبي يجيب: قال مباشرة بعد كلامه السالف: (ذكر ابن رجب الجنبلي في كتابه الذيل على طبقات الحنابلة عند ترجمته لعبد الله بن محمد الهروي... دعه فكل من لم يكن حنبليا فليس بمسلم) ثم قال صاحب البلاء: (هذا ما يقولونه وينشرونه في كتبهم مرتضين له ساكتين عليه...)، فمن المقصود ياترى بقوله: وينشرونه في كتبهم مرتضين له؟ إنه ابن رجب المنقول عنه في أول الكتاب وكان عند البوروبي هناك إماما من أئمة السلف!
لقد خان الكاتب العلم، وبتر كلام الحافظ ابن رجب مُتعمّدا، وأخفى آخر كلامه! وهو امتحان آخر رسب فيه الرجل، يضاف إلى مجموعة الامتحانات التي مرّت بنا قريبا.
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه (الذيل على طبقات الحنابلة، 1/120) مباشرة بعد قول الهروي الذي نقله بوروبي منكرا له: (وإنما عَنَى أبو حاتم في الأصول)، فالحافظ ابن رجب لم يسكت كما زعم بوروبي! بل بيّن أن أبا حاتم قصد أصول الإسلام العقدية! وأبلغ منه تعليق الحافظ الذهبي رحمه الله على قول أبي حاتم كما في السير(18 /509) حيث قال: (قد كان أبو حاتم أحمد بن الحسن بن خاموش صاحب سنة واتباع وفيه يُبس وزَعارَة العجم، وما قاله، فمحلّ نظر)! فأين هو الإنصاف يا بوروبي؟! وعودا على موقف بوروبي من ابن رجب!: فها هو يقول عنه مرة أخرى عندما وضعه في الجهة المقابلة مع خصومه، كما في صفحة: 138: (أما ابن رجب الحنبلي فحاول كعادته تبرير فعل الحنابلة وظلمهم لهذا الإمام .. ألم يستطع ابن رجب أن يدين هذا الباطل والظلم؟!)! لا تعليق! ولله في خلقه شؤون. وممن تلاعب البوروبي بنصوصهم كذلك: الحافظ الذهبي –رحمه الله-:
فقال عنه حين رضي عنه وجعله في عداد أئمة السلف كما في (صفحة: 521) من بلائه: (ونزيد الآن فنذكر بعضا من تصريحات السلف حول من يقول القرآن محدث: قال الإمام وكيع:... قال الآجري:.... وقال ابن بطة:... وقال الذهبي: من زعم أن القرآن محدث فهو عندنا جهمي..)، وقال كذلك في (صفحة: 88) من بلائه: (وكل عبارات السلف تدور حول الإيمان والوقوف حيث وقفت لا يزيدون عما ورد في النص: قال الحافظ ابن الجوزي... وقال الحافظ الذهبي...) ثم نقل عنه أربعة نصوص كاملة، وقال كذلك في (صفحة 536): (وللإمام الذهبي كلام رائع في المسألة يشرح لنا ماذا يقصد مالك بقوله الاستواء معلوم فيقول في عبارات جميلة موجزة نشعر بصدقها وبساطتها)
لكن سرعان ما غضب عليه ووضعه في قائمة الحشوية، حيث عقد فصلا ذكر تحته شيوخ الحشوية وعدّ منهم: (الهكاري شيخ إسلام الحشوية!)، وقال كما في (صفحة 158): (اتفقت كلمة الحفاظ أن الهكاري هذا كان كذابا وضاعا ورغم ذلك يسميه حشوية الحنابلة بشيخ الإسلام)!، وبعدها ينقل كلام الذهبي رحمه الله في ترجمته للهكاري: (علي بن أحمد شيخ الإسلام! أبو الحسن الهكاري)، ثم يعلق على كلام الذهبي ليؤكد ما قدّم به في نفس الصفحة ويقول بلا حياء: (ولا عجب أن يكون الرجل كذابا وضاعا يختلق الاسانيد على سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ويكون مع ذلك عند الحشوية شيخا للإسلام!).
ويقول البوروبي كذلك عن الذهبي كما في (صفحة: 160 - 161): (وقد تلطف الذهبي معه كعادته إذا ترجم للحشوية... ماذا كان يعلق الذهبي لو تفوه الإمام الرازي أو الجويني أو ابن فورك أو ابن حبان بمثل هذه الدعابة). وهذا موضع مهمّ أرجو أن يركّز القارئ معي:
يقول الذهبي في كلامه الذي نقله البوروبي وهو يترجم لغلام خليل: (وكان له جلالة عجيبة وصولة مهيبة وأمر بالمعروف واتباع كثير وصحّة معتقد..)، فيعلّق البوروبي على كلامه كما في (صفحة: 167) ويقول: (يعترف الحافظ الذهبي أنه يروي –يقصد غلام خليل- الكذب الفاحش...ورغم كل هذا هو عند الحشوية رجل صالح لأنه صحيح المعتقد)، فهذا أوضح كلام يدلّل على عقيدة بوروبي في الذهبي.
ويقول كذلك في (صفحة: 247 حاشية:3): (ولاشك أن عبارة الإمام الذهبي ما هي إلا بعض ما تسرب في ذهنه من أفكار شيخه ابن تيمية مع تهذيب في العبارة من طرفه). وممّن اضطرب فيهم بوروبي كذلك الإمام ابن بطة رحمه الله:
قال حين رضي عنه: كما في (صفحة: 521) من بلائه: (ونزيد الآن فنذكر بعضا من تصريحات السلف حول من يقول القرآن محدث: قال الإمام وكيع... قال الآجري.... وقال ابن بطة: كلام الله غير مخلوق..)، وقال كذلك في (صفحة: 509 - 511) من بلائه: (ونزيد أن نستعرض ما فهمه كبار علماء التفسير من الآية حتى يتبيّن الخيط الابيض من الخيط الأسود... وقال ابن بطة العكبريالحنبلي في كتابه الإبانة يرد على الجهمية الذين استدلوا لحدوث كلامه تعالى بقوله (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) قال: وكل من حدثت صفاته فمحدث ذاته..).
لكن فجأة يضعه -حين غضب عليه- في قائمة الحشوية، كما في (صفحة: 151) تحت فصل: (من مشايخ الحشوية): حيث قال: (لا يمكن حصر مشايخ الحشوية في دراسة مثل هذه ولكن يمكننا ذكر رؤوس هذه النحلة الذين كان لهم أثرا في نشر التشبيه والتجسيم بين المسلمين).
ثم شرع في سرد أسمائهم على الترتيب التالي: مقاتل بن سليمان صفحة:151/ محمد بن السائب صفحة: 152/ ابن بطّة صفحة: 145 ثم قال عنه: (هو أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري المجسم الحنبلي الوضاع ولد سنة 304 هـ وتوفي سنة 387 هـ وهو صاحب بدعة تقسيم التوحيد)، بل جعله ممن أورثوا عقيدة الحشو لشيخ الإسلام رحمه الله كما في (صفحة: 172)، نسأل الله أن يحفظ لنا عقولنا. وممن اضطرب بوروبي فيهم كذلك: صديق حسن خان رحمه الله:
حيثّ عدّه في مقدمة كتابه من أئمة السلف، فقال كما في (صفحة: 18): (وها هي نصوص السلف كلها صريحة بتفويض وتسليم المعنى لله تعالى..) ثم شرع في سرد كلام أئمة السلف المعتبرين عنده في نقض كلام الحشوية! ومما قال: (وقال صديق حسن خان القنوجي في أبجد العلوم...)
لكن كما هي عادته فعندما احتاج لنفخ قائمة الحشوية نقل صديق حسن خان من هنا إلى هنالك فقال كما في (صفحة: 478): (يعتقد الحشوية أن يجب على كل مسلم وصف الله تعالى بصفة الرجلين:... قال العثيمين.. قال الفوزان... قال صديق حسن خان عقيدة أهل الأرض –كذا والصواب عقيدة أهل الأثر-: ومن صفاته سبحانه: اليد واليمين والكف والإصبع والشمال والقدم والرجل..)، وقال كذلك كما في (صفحة: 334 ) تحت فصل: (أنصار ابن تيمية على خطاه)، ثم ذكر من أنصاره: (صديق حسن خان). وممن اضطرب بوروبي فيهم: الإمام موفق الدين بن قدامة رحمه الله:
حيثّ عدّه في مقدمة كتابه من أئمة السلف، فقال كما في (صفحة: 18): (وها هي نصوص السلف كلها صريحة بتفويض وتسليم المعنى لله تعالى..) ثم ذكر ابن قدامة في عدادهم كما في صفحة 26 وقال: (وقال ابن قدامة المقدسي الحنبلي في كتابه تحريم النظر)، وقال كذلك كما فيصفحة:26): (ولنذكر ما قاله الإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي في كتابه ذم التأويل نذكره بطوله لفائدته ووضوحه ونجعله في حلوق من يتسترون بالمذهب الحنبلي لنشر التجسيم و التشبيه..).
ولكن فجاة بوروبي يضم ابن قدامة لقائمة الحشويةويقول كما في (صفحة 415) تحت عنوان: (الكذب على نبي الله موسى عليه السلام: أجمع الحشوية على تقويل سيدنا موسى عليه السلام ما لم يقل وافتروا عليه انتصارا للحشو..)، ثم شرع في سرد نصوص من كذبوا على موسى عليه السلام من أولئك الحشوية! وقال كما في (صفحة:416) : (وقال موفق الدين ابن قدامة المقدسي في رسالته مسألة العلو ص 40 /41: وأخبر عن فرعون أنه قال: (يا هامان ابن لي صرحا لعلّي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا يعني أظن موسى كاذبا في أن الله إلهه في السماء....). وممن اضطرب بوروبي فيهم: الإمام ابن خزيمة رحمه الله:
حيث عقد كما في صفحة (60 - 70) فصلا تحت عنوان: (تأويلات السلف) ثم قال وهو يذكر أسماء السلف: (الإمام مالك يؤول... الإمام أحمد يؤول...الحافظ ابن خزيمة يؤوّل: ...).
لكن سرعان ما يسخط على ابن خزيمة ويرسم اسمه في عداد الحشوية! ويقول كما في (صفحة 415) تحت عنوان: (الكذب على نبي الله موسى عليه السلام: أجمع الحشوية على تقويل سيدنا موسى عليه السلام ما لم يقل وافتروا عليه انتصارا للحشو..)، ثم سرد نصوص من كذبوا على موسى عليه السلام من أولئك الحشوية! وقال: (ويقول ابن خزيمة في كتابه التوحيد: فاسمعوا يا ذوي الحجا دليلا آخر من كتاب الله أن الله جل وعلا في السماء مع الدليل ....) وفي (صفحة: 463) يقول أيضا: (وهذه الصفة من اختراع ابن خزيمة...).
وأخيرا: أجد نفسي مرغما على الوقوف عند هذا الحدّ، ففيه الغنية لمن عقل، وما ذكرته في هذا الفصل من التناقضات يضاف إلى ما بينته هناك من تضخيم الرجل كتابه المتعمد! فنصوص هؤلاء الأئمة يستعملها مرتين، فلا غرابة أن يخرج الكتاب في ذلك الحجم الكبير! فاللهم ارزقنا حسن النيّة وصدق الاتباع.
الوقفة السابعة والأخيرة: ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب!
لا ريب أن بوروبي ارتكز في بلائه على توجيه التهم لإمامين كبيرين وهما: ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، ولسنا بفضل الله من هواة التضخيم لهذا نقول له بكل اختصار:
مشكلتك يا بوروبي ليست مع السلفيين في هذه القضية وإنما هي مع جماعتك ومع من تعتقد فيهم العلم والإمامة، فهناك الكثير منهم امتدح هذين الإمامين مدحا باهرا، فحاول أن تقنعهم وأن ترد عليهم قبل أن توجه جيوشك إلينا، وأعلنها وليعلنها أتباعك صريحة مدويّة أن هؤلاء أخطؤوا عندما أشادوا بأئمة الحشوية! واترك سياسة النعامة فلن تجني منها إلاّ الخزي والعار.
وأفضل ما أسوقه لبوروبي في الثناء على شيخ الإسلام، نصّ عزيز جدا، أنا على يقين أنه سيفسد عليه نصف كتابه بل كلّ كتابه: يقول علامة الجزائر عبد الحميد بن باديس رحمه الله متحدثا عن الشيخ طاهر الجزائري –رحمه الله- كما في (آثاره 2/156- 157): (أولع في صباه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وكانت جمهرة الفقهاء في عصره تكفر ابن تيمية تعصبا وتقليدا لمشايخهم فلم ير الشيخ لتحبيبهم بابن تيمية إلا نشر كتبه بينهم من حيث لا يدرون فكان يستنسخ رسائله وكتبه ويرسلها من يبيعها في سوق الوراقين بأثمان معتدلة لتسقط في أيدي بعضهم فيطالعونها وبذلك وصل إلى غرضه من نشر آراء شيخ الإسلام التي هي لباب الشريعة)
فأي غلوّ أعظم من غلوّ ابن باديس حينما قال: (آراء شيخ الإسلام هي لباب الشريعة)! طبعا المقصود بالغلو هنا هو الغلو بمفهوم بوروبي!
ومن عجائب بوروبي أنه قال في برنامج (قهوة وجرنان) الذي تبثّه قناة (النهار) وكان ذلك يوم: 05 /11 / 2016 عن ابن تيمية: (ابن تيمية عالم من كبار علماء الحنابلة يصيب ويخطئ، واختلف فيه الناس على ثلاثة طوائف: هناك طائفة كفرت ابن تيمية هناك طائفة جعلته من أولياء المقدسين الذين لا يجوز أن يرد عليهم وهناك طائفة من العلماء قالوا: ابن تيمية يصيب ويخطئ لا يجوز تقليده فيما أخطأ فيه ونبهوا إلى أخطائه وأنا أنتمي إلى هذه الفرقة...)!
والله لو أن الصحفي اطّلع على كتابك وكان منصفا لأوقفك في هذا الموضع! فابن تيمية في كتابك حشوي مجسم صاحب عقيدة يهودية أما في القناة فهو عالم كبير تحترمه! ولا عجب فالكتاب تمت مناقشته في برنامج حمل اسم: قهوة وجرنان! أما محمد بن عبد الوهاب!
فأنقل لصاحب البلاء موقفا واحدا من مواقف من قدّمهم هو للأمة في كتابه على أنّهم من العلماء والأئمة، واحتج بكلامه في تقرير باطله! يقول يوسف القرضاوي في كتابه «فقه الأولويات (63)»: «فالإمام محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية كانت الأولوية عنده للعقيدة، لحماية حمى التوحيد من الشركيات والخرافيات التي لوثت نبعه، وكدرت صفاءه، وألف في ذلك كتبه ورسائله، وقام بحملاته الدعوية والعملية في هدم مظاهر الشرك».
هذا الكلام ليس لواحد من الحشوية حتى تتهمه بأنه جازف عندما زعم أن الإسلام تلوّث وتكدّر، حتى جاء محمد بن عبد الوهاب! وهو تكفير كما تدعيه، بل هو لإمام من أئمتك نقلت عنه كثيرا في كتابك.
هذا ما أراه كافيا في إلجام هذا المعترض على أهل السنة في هذه المسألة، وأذكره بأن عقلاء البشر قد قالوا قديما: لن تعدم الحسناء ذامّا. والحمد لله
الخاتمة
أرجو أني قد أتيت على مجمل ما في هذا البلاء، وَوُفّقتُ في بيان ما فيه من الغلط والوهاء، وهو مقال لا يعدو أن يكون إسهاما متواضعا منّي في نصرة الحق وأهله، فأسأل الله أن يرزقنا الإخلاص وحسن الاتباع، وأن يحمي بلادنا من طفيليات الضلال، وجراثيم الدعوة، والحمد لله رب العالمين
أبو معاذ محمد مرابط
الجزائر العاصمة ليلة الأربعاء 15 / صفر / 1438 هـ