مقلات فلسفية حول الاخلاق والسياسة

البحر الهادي

:: أستاذ ::
أحباب اللمة
إنضم
27 ماي 2016
المشاركات
5,791
نقاط التفاعل
12,812
النقاط
1,716
محل الإقامة
أرض الوطن
الجنس
ذكر
هذا ماأنقله ليس من كلامي لأن ربما يكون فيه مخالفات شرعية [لأن كلام القلاسفة فيه مافيه ]

السؤال : هل الإدراك محصلة لنشاط الذات أو تصور لنظام الأشياء ؟
الطريقة : جدلية
المقدمــــــة :
يعتبر الإدراك من العمليات العقلية التي يقوم بها الانسان لفهم وتفسير وتأويل الاحساسات بإعطائها معنى مستمد من تجاربنا وخبراتنا السابقة . وقد وقع اختلاف حول طبيعة الادراك ؛ بين النزعة العقلية الكلاسيكية التي تزعم ان عملية الادراك مجرد نشاط ذاتي ، والنظرية الجشطالتية التي تؤكد على صورة او بنية الموضوع المدرك في هذه العملية ، الامر الذي يدفعنا الى طرح التساؤل التالي : هل يعود الادراك الى فاعلية الذات المٌدرِكة أم الى طبيعة الموضوع المدرَك ؟
محاولة حل المشكلة : – عرض الاطروحة الأولى :
يرى انصار النزعة العقلية أمثال الفرنسيان ديكارت و آلان و الفيلسوف الارلندي باركلي والالماني كانط ، ان الادراك عملية عقلية ذاتية لا دخل للموضوع المدرك فيها ، حيث ان ادراك الشيئ ذي ابعاد يتم بواسطة احكام عقلية نصدرها عند تفسير المعطيات الحسية ، لذلك فالادراك نشاط عقلي تساهم فيه عمليات ووظائق عقلية عليا من تذكر وتخيل وذكاء وذاكرة وكذا دور الخبرة السابقة ... ومعنى هذا ان انصار النظرية العقلية يميزون تمييزا قاطعا بين الاحساس و الادراك .
– الحجة :
ويؤكد ذلك ، ما ذهب اليه ( آلان ) في ادراك المكعب ، فنحن عندما نرى الشكل نحكم عليه مباشرة بأنه مكعب ، بالرغم اننا لا نرى الا ثلاثة أوجه وتسعة اضلاع ، في حين ان للمكعب ستة وجوه و اثنى عشرة ضلعا ، لأننا نعلم عن طريق الخبرة السابقة أننا اذا أدرنــا المكعب فسنرى الاوجه والاضلاع التي لا نراه الآن ، ونحكم الآن بوجودها ، لذلك فإدراك المكعب لا يخضع لمعطيات الحواس ، بل لنشاط الذهن واحكامه ، ولولا هذا الحكم العقلي لا يمكننا الوصول الى معرفة المكعب من مجرد الاحساس .
ويؤكد ( باركلي ) ، أن الاكمه ( الاعمى ) اذا استعاد بصره بعد عملية جراحية فستبدو له الاشياء لاصقة بعينيه ويخطئ في تقدير المسافات والابعاد ، لأنه ليس لديه فكرة ذهنية او خبرة مسبقة بالمسافات والابعاد . وبعد عشرين (20) سنة أكدت اعمال الجرّاح الانجليزي ( شزلندن ) ذلك .
وحالة الاكمه تماثل حالة الصبي في مرحلة اللاتمايز ، فلا يميز بين يديه والعالم الخارجي ، ويمد يديه لتناول الاشياء البعيدة ، لأنه يخطئ – ايضا – في تقدير المسافات لانعدام الخبرة السابقة لديه .
اما ( كانط ) فيؤكد ان العين لا تنقل نتيجة الاحساس الا بعدين من الابعاد هما الطول والعرض عند رؤية صورة او منظر مثلا ، ورغم ذلك ندرك بعدا ثالثا وهو العمق ادراكا عقليا ، فالعمق كبعد ليس معطى حسي بل حكم عقلي .
هذا ، وتؤكد الملاحظة البسيطة والتجربة الخاصة ، اننا نحكم على الاشياء على حقيقتها وليس حسب ما تنقله لنا الحواس ، فندرك مثلا العصا في بركة ماء مستقيمة رغم ان الاحساس البصري ينقلها لنا منكسرة ، و يٌبدي لنا الاحساس الشمس وكانها كرة صغيرة و نحكم عليها – برغم ذلك – انها اكبر من الارض .
كما تتدخل في عملية الادراك جملة من العوامل المتعلقة بالذات المٌدرِكة ؛ منها عمل التوقع ، حيث ندرك الموضوعات كما نتوقع ان تكون وحينما يغيب هذا العامل يصعب علينا ادراك الموضوع ، فقد يحدث مثلا ان نرى انسانا نعرفه لكننا لا ندركه بسهولة ، لأننا لم نتوقع الالتقاء به . وللاهتمام والرغبة والميل دروا هاما في الادراك ، فالموضوعات التي نهتم بها ونرغب فيها و نميل اليها يسهل علينا ادراكها اكثر من تلك البعيدة عن اهتماماتنا ورغباتنا وميولاتنا . كما ان للتعود دورا لا يقل عن دور العوامل السابقة ، فالعربي مثلا في الغالب يدرك الاشياء من اليمين الى اليسار لتعوده على الكتابة بهذا الشكل ولتعوده على البدء دائما من اليمين ، بعكس الاوربي الذي يدرك من اليسار الى اليمين . ثم انه لا يمكن تجاهل عاملي السن والمستوى الثقافي والتعليمي ، فإدراك الراشد للاشياء يختلف عن ادراك الصبي لها ، وادراك المتعلم او المثقف يختلف بطبيعة الحال عن ادراك الجاهل . وفي الاخير يتأثر الادراك بالحالة النفسية الدائمة او المؤقتة ، فإدراك الشخص المتفاءل لموضوع ما يختلف عن ادراك المتشاءم له .
- النقد :
ولكن انصار هذه النظرية يميزون ويفصلون بين الادراك والاحساس ، والحقيقة ان الادراك كنشاط عقلي يتعذر دون الاحساس بالموضوع اولا . كما انهم يؤكدون على دور الذات في عملية الادراك ويتجاهلون تجاهلا كليا اهمية العوامل الموضوعية ، وكأن العالم الخارجي فوضى والذات هي التي تقوم بتنظيمه .
– عرض نقيض الاطروحة :

وخلافا لما سبق ، يرى انصار علم النفس الجشطالتي من بينهم الالمانيان كوفكا وكوهلر والفرنسي بول غيوم ، أن ان ادراك الاشياء عملية موضوعية وليس وليد احكام عقلية تصدرها الذات ، كما انه ليس مجوعة من الاحساسات ، فالعالم الخارجي منظم وفق عوامل موضوعية وقوانين معينة هي " قوانين الانتظام " . ومعنى ذلك ان الجشطالت يعطون الاولوية للعوامل الموضوعية في الادراك ولا فرق عندهم بين الاحساس والادراك .
– الحجة :


وما يثبت ذلك ، ان الادراك عند الجميع يمر بمراحل ثلاث : ادراك اجمالي ، ادراك تحليلي للعناصر الجزئية وادراك تركيبي حيث يتم تجميع الاجزاء في وحدة منتظمة .
وفي هذه العملية ، ندرك الشكل بأكمله ولا ندرك عناصره الجزئية ، فاذا شاهدنا مثلا الامطار تسقط ، فنحن في هذه المشاهدة لا نجمع بذهننا الحركات الجزئية للقطرات الصغيرة التي تتألف منها الحركة الكلية ، بل ان الحركة الكلية هي التي تفرض نفسها علينا .
كما ان كل صيغة مدركة تمثل شكلا على ارضية ، فالنجوم مثلا تدرك على ارضية هي السماء ، و يتميز الشكل في الغالب بانه اكثر بروزا ويجذب اليه الانتباه ، أما الارضية فهي اقل ظهورا منه ، واحيانا تتساوى قوة الشكل مع قوة الارضية دون تدخل الذات التي تبقى تتأرجح بين الصورتين .
ثم إن الادراك تتحكم فيه جملة من العوامل الموضوعية التي لا علاقة للذات بها ، حيث اننا ندرك الموضوعات المتشابهة في اللون او الشكل او الحجم ، لانها تشكل في مجموعها " كلا " موحدا ، من ذلك مثلا انه يسهل علينا ادراك مجموعة من الجنود او رجال الشرطة لتشابه الـزي ، اكثر من مجموعة من الرجال في السوق او الملعب .
وايضا يسهل علينا ادراك الموضوعات المتقارية في الزمان والمكان اكثر من الموضوعات المتباعدة ، حيث ان الموضوعات المتقاربة تميل الى تجمع بأذهاننا ، فالتلميذ مثلا يسهل عليه فهم وادراك درس ما اذا كانت عناصره متقاربة في الزمان ، ويحدث العكس اذا ما تباعدت .
و اخيرا ، ندرك الموضوعات وفق صيغتها الفضلى ، فندرك الموضوعات الناقصة كاملة مع نها ناقصة ، فندرك مثلا الخط المنحني غير المغلق دائرة ، وندرك الشكل الذي لا يتقاطع فيه ضلعان مثلثا بالرغم انهما ناقصان . ويتساوى في ذلك الجميع ، مما يعني ان الموضوعات المدرَكة هي التي تفرض نفسها على الذات المٌدرِكة
- النقد :

ولكن الالحاح على اهمية العوامل الموضوعية في الادراك واهمال العوامل الذاتية لاسيما دور العقل ، يجعل من الشخص المدرك آلة تصوير او مجرد جهاز استقبال فقط مادامت الموضوعات هي التي تفرض نفسها عليه سواء اراد ذلك او لم يرد ، مما يجعل منه في النهاية مجرد متلقي سلبي منفعل لا فاعل .
– التركيب :

ان الادراك من الوظائف الشديدة التعقيد ، وهو العملية التي تساهم فيها جملة من العوامل بعضها يعود الى نشاط الذات وبعضها الآخر الى بنية الموضوع ، على اعتبار ان هناك تفاعل حيوي بين الذات والموضوع ، فكل ادراك هو ادراك لموضوع ، على ان يكون لهذا الموضوع خصائص تساعد على ادراكه .
– حل المشكلة :
وهكذا يتضح ان الادراك لا يعود الى فاعلية الذات فقط او الى بنية الموضوع فحسب ، من حيث انه لا وجود لادراك بدون موضوع ندركه ، على يكون هذا الموضوع منظم وفق عوامل معينة تسهل من عملية ادراكه وفهمه . لذلك يمكننا القول ان الادراك يعود الى تظافر جملة من العوامل سواء صدرت هذه العوامل عن الذات او عن الموضوع
 
مقالة جدلية : هل إدراكنا للأشياء يتوقف على التجربة الحسية ؟
الطريقة : جدلية
مقدمة:
مما لا شك فيه أن الإحساس هو عملية نفسية فيزيولوجية، ترتبط في أساسها على جملة من الحواس، وهذه الحواس تنقل إلينا صور مجردة من أي معنى، ولكن بعد وصولها إلى الدماغ عن طريق الأعصاب، تتم عملية تأويل جميع تلك الصور، وذلك بتحليلها وفهمها عن طريق العقل، وبالتالي فهناك مرحلتين، مرحلة أولى: والتي نعتمد فيها على الحواس للاتصال بالعالم الخارجي ونطلق عليها بالإحساس، ومرحلة ثانية: والتي يتم فيها الحكم على الأشياء وبناء رد الفعل، ونطلق عليها بالإدراك، لكن طبيعة الإدراك قد أثيرت حولها تساؤلات : فهل إدراكنا للأشياء يتوقف على الحواس أم العقل؟
التحليل :
الموقف الأول:
يرى المذهب الحسي أن إدراك الإنسان للأشياء يتوقف على التجربة والإحساس، وليس على العقل والإدراك المجرد ، فقد ذهب الرواقيون قديما إلى أن مقياس المعرفة الحقة ليس تلك الأفكار التي كوناها بأنفسنا وصنعناها بأذهاننا ، بل لابد من العودة إلى المصدر الذي استقينا منه أفكارنا الكلية أي التجربة الحسية، لأن نفس الطفل كما يرى الرواقيون لا تشتمل على أي نوع من المعارف المسبقة أو الفطرية فهو يبدأ في تحصيلها بعديا شيئا فشيئا بواسطة خبرته الحسية. كما ذهب الفيلسوف الإنجليزي "جون لوك" إلى أن الإنسان لا يصل إلى المجرد إلا بالانطلاق من الملموس، حيث قال : " الحواس والمدارك هما النافذتان اللتان ينفذ منهما الضوء إلى الغرفة المظلمة ( أي العقل ) ". كما قال أيضا : " ليس في العقل شيء جديد إلا وقد سبق وجوده في الحس أولا " لأن من فقد حاسة فقد المعاني المتعلقة بها. ويتفق الفيلسوف الانجليزي "دافيد هيوم" مع لوك في رد الإدراك إلى الإحساس، إذ حصر مفهومه في نطاق الانطباعات الحسية الناتجة عن تأثر الأعضاء الحسية بخصائص الأشياء.
مناقشة:
هذا المذهب لم يبحث في جوهر الإدراك،لأن الاعتماد على الحواس لا يمكننا من معرفة كل عناصر الموضوع بدقة، كما أن هذه الحواس قد تخدعنا أحيانا، وهذا ما أكده "ديكارت" بقوله : " كل ما تلقيته حتى الآن على أنه أصدق الأشياء وأوثقها قد تعلمته من الحواس، أو عن طريق الحواس، غير أنني اختبرت أحيانا هذه الحواس فوجدتها خداعة ". كما أننا إذا أخذنا بهذا الموقف فكيف نفسر بعض المفاهيم كمفهوم الكتاب الذي يتصوره العقل خالصا من صفاته الثانوية المتغيرة، في الواقع كل كتاب له: شكل، لون، حجم، أما من حيث تصور الكتاب في العقل هو مرجع للمعرفة، فهذه الصورة يدركها العقل دون أن تمر بالحواس.
الموقف الثاني:
يرى المذهب العقلي أن الإحساس لا يمدنا إلا بمعارف أولية، في حاجة دائمة إلى صقل وتجريد عقلي ، ففلاسفة اليونان الكبار أمثال "سقراط" و"أفلاطون" يرون أن الإحساس وحده لا يحقق معرفة مجردة ، بل الإحساس يثير العقل لتحقيق معرفة مجردة فكثيرا ما تكون المعرفة الحسية خاطئة أو غير كافية في ذاتها ، لأن الاقتصار على شهادة الحواس يؤدي إلى نتائج غير صحيحة ، وقيمة الإحساس تكمن في أنه يقوم بتنبيه وإثارة نشاطاتنا العقلية لنصل بطريقة غير مباشرة إلى المعرفة المجردة وهي المعرفة الحقيقية . كما ذهب الفيلسوف الفرنسي "ديكارت" إلى عدم إنكار الإدراك الحسي تماما، ولكنه قد قلل من إسهاماته في المعرفة مقارنة بالإدراك المجرد القائم على العقل . وقد قال : " العقل هو أحسن الأشياء توزعا بين الناس، إذ يعتقد كل فرد أنه أوتي منه الكفاية، وهو يتساوى بين كل الناس بالفطرة "، كما قال أيضا : " أنا أفكر إذن أنا موجود ".
مناقشة :

لكن إذا كان الإحساس هو الجسر الذي يعبره العقل أثناء الإدراك، فإن ذلك يعني بالضرورة أن للإحساس وظيفة يؤديها في عملية الإدراك، وبدونه يصبح الإدراك فعلا ذهنيا مستحيلا، أي كل إدراك يحمل في ثناياه بذورا حسية متنوعة. كما أن الواقع يؤكد عكس ما يقول به المذهب العقلي لأن الطفل الصغير يبدأ في اكتشاف هذا العالم من خلا الأصوات والألوان والأشكال، زد على ذلك إذا كان العقل هو مصدر الإدراك وهو مبدأ فطري في الإنسان، فلماذا لا نملك جميعا نحن البشر نفس المعارف.
التركيب :

لقد استطاع الفيلسوف الألماني "كانط" أن يتجاوز مشكلة التعارض بين المذهب العقلي والمذهب التجريبي، حيث ذهب إلى أن عالم الأشياء كما تنقله لنا الحواس هو في الأصل شتات معرفي ، لا يمكن فهمه، والعقل هو الذي يجمع ويربط بين هذا الشتات، لذا فكانط يرى أن المعرفة ما هي إلا تأليف يقوم على معطيات الحواس وفعالية العقل، حيث يقول : " المفاهيم بدون حدوس حسية تظل جوفاء، والحدوس الحسية بدون مفاهيم عمياء ". كما كان لنظرية الجشطالت رأي آخر حيث ذهبت إلى أن الصيغة أو الشكل والأرضية التي يكون عليها الموضوع، هي التي تحدد طبيعة إدراكنا، فصيغة الشيء أو شكله وأرضيته له علاقة وطيدة في الكيفية الإدراكية ويؤثر مباشرة في إدراكنا. وكذا بالنسبة للنظرية الظواهرية التي ذهبت إلى أن إدراك العالم الخارجي يقع تحت سيطرة الشعور، فالإدراك يقترن بفاعلية الشعور، ومادام الشعور يتغير فإدراكنا يتغير رغم ثبات موضوع الإدراك أي الشيء المدرك.

الخاتمة :
في الأخير يمكن أن نؤكد أن الإدراك لا يمكن حصره لا في العقل وحده ولا في التجربة الحسية وحدها، بل هو تأليف يقوم على معطيات الحواس وفعالية العقل ، لذا فمن باب منطق الاعتدال والموضوعية أن نصرح بموقف الفلسفة النقدية التي يتزعمها "كانط" حيث ترى أن أصل المعرفة هو اتحاد العقل والتجربة معا، فكانت المعرفة عنده عقلية بقدر ما هي حسية.
 
السؤال : هل الإدراك من طبيعة عقلية خالصة ؟

الطريقة : جدلية

المقدمة:

إننا دوما في اتصال مع محيطنا الخارجي , وهذا الاتصال في أبسط صوره يتم بواسطة الأعضاء الحسية , فترانا نسمع ونبصر ونلمس ,

ولكننا لا نتوقف عند حدود هذه المعطيات الحسية

إن علاقة الإحساس بالإدراك كانت محل تساؤل من طرف الفلاسفة وعلى وجه الخصوص الفلاسفة العقليين والماديين

التحليل :

الرأي الأول .( إن الإدراك من طبعة مادية)

أنطلق أنصار النظرية الحسية من أن كل ما هو موجود مصدره الحس حتى الأفكار الأكثر تجريدا وان المعرفة الصحيحة تتم الإدراك العقلي المطابق للأشياء كما في وجودها العيني .و قد عبر الفيلسوف الانجليزي (جون لوك) عن هذه النظرة وبيّن أن أعض الحس التي تقابل المحسوسان هي التي تنقل إلى الذهن المدركات الحسية المستمدة من الأشياء , وذلك تبعا لاختلاف المسالك التي أثرت بها هذه الأشياء على الأعضاء الحسية .

وقد ميّز ( لوك ) بين الصفات الأولية و الصفات الثانوية في الشيء مثل الامتداد والشكل والصلابة . أما الصفات الثانوية فهي ليست ثابتة لأنها مجرد قوى تثير فينا إحساسات مختلفة مثل الألوان والطعم والروائح فالكرة مثلا يمكن أن تكون بيضاء أو خضراء أو حمراء . ولكن وجودها لا يتوقف على هذا اللون أو ذاك بل يتوقف على صفاتها الجوهرية مثل الشكل والامتداد والصلابة فهي من حيث الشكل مستديرة ولا يمكن أ، تكون غير ذلك . ويعنى أن إدراكنا للأشياء الخارجية متوقف على صفاتها الأولية لا على صفاتها الثانوية .

و إذا كانت هذه الصفات أو الكيفيان الحسية مترابطة في الشيء فأن الصور التي تحدثها في عقولنا تصل إلينا وهي منفصلة ,فكل إحساس يصل مستقلا ويكون انطباعا حسيا مستقلا عن غيره .ولكن العقل يربط هذه الانطباعات بعضها ببعض ويكوّن منها إدراكا متميزا مثل إدراك البرتقالة الذي يتألف من شكلها وامتدادها وصلابتها ثم لونها وطعمها .

ويتفق (هيوم ) مع لوك في رد الإدراك إلى الإحساس إذ حصر مفهومه في نطاق الانطباعات الحسية الناتجة عن تأثير الأعضاء الحسية بخصائص الأشياء ولكنه رفض فكرة التمييز بين الصفات الأولية الصفات الثانوية لان هذه الأخيرة في نظره صفات جوهرية مقوّمة لوجود الأشياء حيث يقول : " فان الألوان والأصوات والحرارة والبرودة كما تبدو لحواسنا لا تختلف في طبيعة وجودها كما تكون عليه حركة الأجسام وصلابتها ".

مناقشة :

إن النظرية الحسية قد تجاوزت بالفعل ثنائية الإحساس والإدراك واستطاعت أن تجمع بينهما في عملية ذهنية واحدة فان طبيعة هذه العملية كانت محل نقد من طرف الفلاسفة وبعض علماء النفس الذين يرفضون تجزئة الظواهر النفسية إلى عناصرها الأولية .

الرأي الثاني ( إن الإدراك منة طبيعة عقلية )

تقوم النظرية العقلية في أساسها على التمييز بين الإحساس والإدراك , فالإحساس مرتبط بالبدن لا ن المحسوسان هي مجرد تعبيرات ذاتية قائمة فينا . أما الإدراك فهو مرتبط بالعقل . إن المعرفة الحسية مهما كانت درجتها لا تبلغ مرتبة الإدراك لأنها معرفة جزئية , وكثيرا ما تكون خاطئة كما أكد على ذلك ( ديكارت ) ومن هنا كانت الأشياء الخارجية امتدادات قابلة للإدراك العقلي , فالإدراك فعل خاص بالعقل , وهذا الفعل ينتقل من خلال غشاء الإحساس التي هي مدار عملية الإدراك , فينفذ بواسطة أحكامه إلى الطبيعة الواقعية أو الحقيقة للأشياء ويوضح ديكارت هذا الأمر بالمثال الآتي : " إنني حين انظر من النافذة أشاهد رجالا يسيرون في الشارع , مع أنني في الواقع لا أرى بالعين المجردة سوى قبعات ومعاطف متحركة , ولكن على الرغم من ذلك احكم بأنهم أناس " . وهكذا يصل ديكارت إلى النتيجة الآتية : " وإذن فأنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت أحسب أني أراه بعيني " . وأكد الفيلسوف بركلي أن هناك علاقة بين العقل ووجود الأشياء , ورفض أن يكون لها




وجود مستقل عن الذهن المدرك لها . فالأشياء المادية تمثل الوجود السلبي وهذا مقابل العقل الذي يمثل الوجود الفاعل أو الايجابي . وفاعلية العقل تظهر في مختلف الأحكام التي يطلقها على الأشياء المادية والتي بموجبها يتم إدراكها أي معرفتها معرفة كاملة ذلك أن حكمنا على شيء ما في

الواقع يستلزم أن هناك عقلا أدركه أو كما يقول بركلي : " وجود الشيء قائم في إدراكي له ".

إن الإدراك نشاط عقلي تساهم فيه عمليات عقلية مثل التذكر والتخيل والتأويل ... وفي هذا الصدد يذكر لنا آلان مثال المكعب :

فنحن نرى هذا الشكل و نحكم عليه بأنه مكعب على الرغم من ألا أننا لا نرى منه في الواقع سوى ثلاثة وجوه وتسعة

أضلاع ولكن المكعب يتكون من ستة وجوه واثني عشر ضلعا . وهذا يدل على أننا لا ندرك المكعب عن طريق حاسة البصر , بل عن طريق العقل .

ويؤكد العقلين انه لما الإدراك مجموعة من الأحكام العقلية , فإن أخطاء الحواس يجب أن تخضع للتأويل الأحكام العقلية . فكثيرا ما نقوّم ما يقدمه لنا الإحساس ونحكم على الأشياء المدركة حسب حقيقتها لا حسب ما تبدو لنا في الخارج . فقد نرى أن الشيء يزيد حجمه عندما يقترب منا أو ينقص عندما يبتعد عنا دون أن نعتقد حقيقة بزيادة حجمه . وانكسار العصا المغموسة في الماء ليس حادثة فعلية حقيقية في عقولنا . ولولا التأويل العقلي كذلك لاختلطت علينا الأشياء الطبيعية بالأشياء الاصطناعية المزيفة .

كما أن الطفل الصغير يحس بالأشياء ولكنه لا يدركها إذ يحاول عبثا التقاط القمر . ويذكر الطبيب( شزلدن )أن الأكمه الذي أعاد غليه بصره كان يعتقد – خطأ – أن الأشياء تلامس عينيه لذلك قال : " عندما أفتح عيني لأول مرة لأرى العالم أرى كل شيء ولا أرى أي شيء " .

مناقشة

إن النظرية العقلية كما ير ى بعض الفلاسفة وعلماء النفس لم تكن على صواب حين ميزت بين الإحساس والإدراك , وفصلت بين وظيفة كل منهما في المعرفة . فإذا كان الإحساس والإدراك هو الجسر الذي يعبر ه العقل أثناء الإدراك فأن ذلك يعني بالضرورة أن للإحساس وظيفة يؤديها في عملية الإدراك ومن دونه يصبح الإدراك فعلا مستحيلا , أي كل إدراك يحمل في ثناياه بذورا حسية متنوعة
 
السؤال :هل الإدراك تجربة ذاتية نابعة من الشعور أم محصلة نظام الأشياء ؟

المقدمة : طرح الإشكالية
يتعامل ويتفاعل الإنسان مع عالمه الخارجي بما فيه من أشياء مادية وأفراد يشكلون محيطه الاجتماعي , يحاول فهم وتفسير وتأويل ما يحيط به وهذا هو الإدراك , فإذا كنا أمام موقفين متعارضين أحدهما يربط الإدراك بالشعور (الظواهرية ) والأخر بنظام الأشياء (القشتالت ) فالمشكلة المطروحة : هل الإدراك مصدره الشعور أم نظام الأشياء

التحليل : محاولة حل الإشكالية
عرض الأطروحة الأولى
ترى هذه الأطروحة الظواهرية أن الإدراك يتوقف على تفاعل وانسجام عاملين هما الشعور والشيء المدرك , وحجتهم في ذلك أنه إذا تغير الشعور يتغير بالضرورة الإدراك ومن دعاة هذه الأطروحة هوسرل وهو مؤسس مذهب الظواهرية حيث قال [ أرى بلا انقطاع هذه الطاولة سوف أخرج وأغير مكاني عن إدراكي لها يتنوع >> وهكذا الإدراك يتغير رغم أن الأشياء ثابتة والإدراك عندهم يكون أوضح من خلال شرطين (القصديةوالمعايشة ) أي كلما اتجه الشعور إلى موضوع ما وإصل به يكون الإدراك أسهل وأسرع وخلاصة هذه الأطروحة عبر عنها ميرلوبونتي بقوله << الإدراك هو الإتصال الحيوي بالعالم الخارجي ]

النقد :
من حيث المضمون الأطروحة بين أيدينا نسبية لأنها ركزت على العوامل الذاتية ولكن الإدراك يحتاج إلى العوامل الموضوعية بنية الشيء وشكله ولذلك نقول إنها نسبية أيضا من حيث الشكل

عرض الأطروحة الثانية

ترى هذه الأطروحة أن الإدراك يتوقف على عامل موضوعي ألا وهو ( الشكل العام للأشياء ) أي صورته وبنيته التي يتميز بها وحجتهم في ذلك أن تغير الشكل يؤدي بالضرورة التي تغير إدراكنا له وهكذا تعطي هذه الأطروحة الأهمية إلى الصورة الكلية وهي هذا المعني قال بول غيوم[الإدراك ليس تجميعا للإحساسات بل أنه يتم دفعة واحدة ] ومن الأمثلة التي توضح لنا أهمية الصورة والشكل أن المثلث ليس مجرد ثلاثة أضلاع بل حقيقية تكمن في الشكل والصورة التي تكمن عليها الأضلاع ضف إلى ذالك أننا ندرك شكل اٌلإنسان بطريقة أوضح عندما نركز على الوجه ككل بدل التركيز على وضعية العينين والشفتين والأنف وهذه الأطروحة ترى أن هناك قواعد تتحكم في الإدراك من أهمها التشابه (الإنسان يدرك أرقام الهاتف إذا كانت متشابه ) وكذلك قاعدة المصير المشترك إن الجندي المختفي في الغابة الذي يرتدي اللون الخضر ندركه كجزء من الغابة , وكل ذلك أن الإدراك يعود إلى العوامل الموضوعية .
النقد:
صحيح أن العوامل الموضوعية تساهم في الإدراك ولكن في غياب الرغبة والاهتمام والانتباه لا يحصل الإدراك , ومنه أطروحة الجاشطالت نسبية شكلا ومضمونا .
التركيب :
إن الظواهرية لا تحل لنا إشكالية لأن تركيز على الشعور هو تركيز على جانب واحد من الشخصية والحديث على بنية الأشياء يجعلنا نهمل دور العوامل الذاتية وخاصة الحدس لذلك قال باسكال << إننا ندرك بالقلب أكثر مما ندرك بالعقل >> وكحل الإشكالية نقول الإدراك محصلة لتفاعل وتكامل العوامل الذاتية مع العوامل الموضوعية فمن جهة يتكامل العقل مع التجربة الحسية كما قال كانط ومن جهة أخرى يتكامل الشعور مع بنية الأشياء.
الخاتمة:
وخلاصة القول أن الإدراك عملية معقدة ينقل الإنسان من المحسوس إلى المجرد فالمحصلة فهم وتفسير وتأويل وقد تبين لنا أن مصدر الإدراك إشكالية اختلفت حولها أراء الفلاسفة وعلماء النفس ويعد استعراض الأطروحتين استخلاص النتائج نصل إلى حل الإشكالية
الإدراك محصلة للتفاعل وتكامل العوامل الذاتية مع العوامل الموضوعية.
 
شكرااااااااااا صاااارم على المساعدة القيمة .... جزاك الله خيرااا
 
شكرااااااااااا صاااارم على المساعدة القيمة .... جزاك الله خيرااا
العغو أخت الكريمة
اللهم أمين ولك
رب يوفقك
 
ملاحظة : هذه المقالات ليست حول الأخلاق والسياسة بل حول الإحساس والإدراك ...... ولكن مع هذا ساعدتني شكرا
 
ملاحظة : هذه المقالات ليست حول الأخلاق والسياسة بل حول الإحساس والإدراك ...... ولكن مع هذا ساعدتني شكرا
شكرا لك
أخطأت في العنوان لأنه كان لدي الموضوعين للإثنين فاختلط علي العنوانين
 

المواضيع المشابهة

لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top