قصة معاذة العنبرية-- للجاحظ
- قال شيخ من البخلاء :"لم أر في وضع الأمور مواضعها ،وفي توفِيَتها غاية حقوقها ،كمعاذة العنبرية"
قالوا :وما شأن معاذة هذه ؟. قال : أهدى إليها -العام- ابن عمِّ لها : أضحية فرأيتها كئيبة حزينة مفكِّرة
مطرقةً ، فقلت لها : " ما بك يا معاذة ؟"
قالت : " أنا امرأة أرملة وليس لي قيِّمٌ ولا عهد لي بتدبير لحم الأضاحي ، وقد ذهب الذين كانوا يدبِّرونه
ويقومون بحقِّه ، وقد خفت أن يضيع بعض هذه الشَّاة ، ولست أعرف وضع جميع أجزائها في أماكنا ، وقد
علمت أنَّ الله لم يخلق فيها ولا في غيرها شيئًا لا منفعة فيه ولكنَّ المرء يعجز لا محالة ، ولست أخاف من
تضييع القليل ، إلاَّ أنَّه يجرُّ تضييع الكثير .
أمَّا القرن فالوجه فيه معروف وهو أن يسمَّر في جذع من جذوع السّقف فيعلَّق عليه الزُّبُلُ وكلُّ ما خيفَ
عليه من الأر والنمل والسّنانير وبنات وردان ، وأمَّا المصران فإنَّه لأوتار المِندفة ، وبنا إلى ذلك أعظم الحاجة ، وأمَّا
قحفُ الرَّأس واللَّحيان وسائر العظام فسبيله أن يكسرَ بعد أن يعرق ، ثمَّ يطبخ ، فما ارتفع من الدَّسم كان للمصباح
ثمَّ تؤخذُ تلك العظامُ فيوقد بها :فلم ير النَّاس وقودًا-قطُّ- أصفى ولا أحسن لهبا منها ، فأمَّا الإهاب فالجلد نفسه جرابٌ
وللصُّوف وجوهٌ لا تُدفعُ ، وأمَّا الفرثُ والبعرُ فحطبٌ -إذا جفِّف - عجيبٌ ." ثمَّ قالت : " بقي علينا علينا الإنتفاع بالدَّم ،
وقد علمتم أن الله عزَّ وجلَّ لم يحرِّم من الدّم المسفوح إلاّ أكله وشربه ، وأنَّ له مواضع يجوز فيها ولا يمنع منها ،
وإن أنا لم أقع على عِلمِ ذلك حتّى يوضع موضع الانتفاع به صار كيَّةً في قلبي ، وقذًى في عيني ، وهمًّا لا يزال يعودُني"
فلم ألبث أن رأيتها قد طلَّقت وتبسَّمت ، فقلت : " ينبغي أن يكون قدِ انفتح لكِ بابُ الرأي في الدّم ".
قالت : " أجل ، ذكرتُ أنّ عندي قدورا شآميةً جددًا . وقد زعموا أنَّه ليس شيء أدبغ ، ولا أزيد في قوَّتها ،
من التلطيخ بالدم الحارِّ الدَّسم ، وقد استرحت الآن ، إذ وقع كلُّ شيء موقعَه "
قال : " ثمَّ لقيتها بعد ستَّة أشهرٍ ، فقلتُ لها : كيف كان قديم تلك ؟ " قالت : " بأبي أنت ، لم يجىءْ وقتُ القديم بعدُ .
لنا في الشّحم واللية والجثنُوبِ والعظم المعرَّق وغير ذلك مَعَاشٌ ، ولكلِّ شيئٍ إبَّانٌ
- قال شيخ من البخلاء :"لم أر في وضع الأمور مواضعها ،وفي توفِيَتها غاية حقوقها ،كمعاذة العنبرية"
قالوا :وما شأن معاذة هذه ؟. قال : أهدى إليها -العام- ابن عمِّ لها : أضحية فرأيتها كئيبة حزينة مفكِّرة
مطرقةً ، فقلت لها : " ما بك يا معاذة ؟"
قالت : " أنا امرأة أرملة وليس لي قيِّمٌ ولا عهد لي بتدبير لحم الأضاحي ، وقد ذهب الذين كانوا يدبِّرونه
ويقومون بحقِّه ، وقد خفت أن يضيع بعض هذه الشَّاة ، ولست أعرف وضع جميع أجزائها في أماكنا ، وقد
علمت أنَّ الله لم يخلق فيها ولا في غيرها شيئًا لا منفعة فيه ولكنَّ المرء يعجز لا محالة ، ولست أخاف من
تضييع القليل ، إلاَّ أنَّه يجرُّ تضييع الكثير .
أمَّا القرن فالوجه فيه معروف وهو أن يسمَّر في جذع من جذوع السّقف فيعلَّق عليه الزُّبُلُ وكلُّ ما خيفَ
عليه من الأر والنمل والسّنانير وبنات وردان ، وأمَّا المصران فإنَّه لأوتار المِندفة ، وبنا إلى ذلك أعظم الحاجة ، وأمَّا
قحفُ الرَّأس واللَّحيان وسائر العظام فسبيله أن يكسرَ بعد أن يعرق ، ثمَّ يطبخ ، فما ارتفع من الدَّسم كان للمصباح
ثمَّ تؤخذُ تلك العظامُ فيوقد بها :فلم ير النَّاس وقودًا-قطُّ- أصفى ولا أحسن لهبا منها ، فأمَّا الإهاب فالجلد نفسه جرابٌ
وللصُّوف وجوهٌ لا تُدفعُ ، وأمَّا الفرثُ والبعرُ فحطبٌ -إذا جفِّف - عجيبٌ ." ثمَّ قالت : " بقي علينا علينا الإنتفاع بالدَّم ،
وقد علمتم أن الله عزَّ وجلَّ لم يحرِّم من الدّم المسفوح إلاّ أكله وشربه ، وأنَّ له مواضع يجوز فيها ولا يمنع منها ،
وإن أنا لم أقع على عِلمِ ذلك حتّى يوضع موضع الانتفاع به صار كيَّةً في قلبي ، وقذًى في عيني ، وهمًّا لا يزال يعودُني"
فلم ألبث أن رأيتها قد طلَّقت وتبسَّمت ، فقلت : " ينبغي أن يكون قدِ انفتح لكِ بابُ الرأي في الدّم ".
قالت : " أجل ، ذكرتُ أنّ عندي قدورا شآميةً جددًا . وقد زعموا أنَّه ليس شيء أدبغ ، ولا أزيد في قوَّتها ،
من التلطيخ بالدم الحارِّ الدَّسم ، وقد استرحت الآن ، إذ وقع كلُّ شيء موقعَه "
قال : " ثمَّ لقيتها بعد ستَّة أشهرٍ ، فقلتُ لها : كيف كان قديم تلك ؟ " قالت : " بأبي أنت ، لم يجىءْ وقتُ القديم بعدُ .
لنا في الشّحم واللية والجثنُوبِ والعظم المعرَّق وغير ذلك مَعَاشٌ ، ولكلِّ شيئٍ إبَّانٌ