السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
وقول الله تعالى :
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59)
( قلت ) تحقيقه تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي (1) .
قال الله تعالى :
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
وصف إبراهيم عليه السلام بهذه الصفات التي هي الغاية في تحقيق التوحيد .
الأولى : أنه كان أمة ؛ أي قدوةً وإماماً معلماً للخير . وما ذاك إلا لتكميله مقام الصبر واليقين اللذين تُنال بهما الإِمامة في
الدين .
الثانية : قوله (( قانتاً )) قال شيخ الإسلام : القنوت دوام الطاعة . والمصلي إذا أطال قيامه أو ركوعه أو سجوده فهو قانت . قال تعالى :
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ ....
ا هـ مخلصاً .
الرابعـــة : أنه من كان من المشركين ، أي لصحة إخلاصه وكمال صدقه ، وبُعده عن الشرك (2) .
قلت : يوضح هذا قوله تعالى :
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ...
أي على دينه مع إخوانه المرسلين ، قاله ابن جرير رحمه الله تعالى { إذا قالوا لقومهم إنَّا بُـرآءُ منكم ومما تعبدون من دون الله ، كفرنا بكم ، وبَدَا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحْدَه ، إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك من الله من شيء } وذكر تعالى عن خليله عليه السلام أنه قال لأبيه آزر
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا 48 فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا 49
قال المصنف رحمه الله في هذه الآية
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً
لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين ( قانتا لله ) لا للملوك ولا للتجار المتْرفين ( حنيفاً ) لا يميل يميناً ولا شمالاً ، كفعل العلماء المفتونين ( ولم يك من المشركين ) خلافاً لمن كًثَّر سوادَهم وزعم ـمه من المسلمين . ا هــ .
وقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً على الإسلام . ولم يك في زمانه أحد على الإسلام غيره .
قلت : ولا منافاة بين هذا وبين ما تقدم : من أنه كان إماماً يقتدي به في الخير .
قال وقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ {57} وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ {58} وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ {59}
وصف المؤمنين السابقين إلى الجنة فأثنى عليهم بالصفات التي أعظمُها : أنهم بربهم لا يشركون . ولما كان المــرءُ قد يَعرض له ما يقْدحُ في إسلامه : من شرك جَليٍّ أو خفي ، نفى ذلك عنهم ، وهذا هو تحقيق التوحيد الذي حَسُنت به أعمالهم وكملت ونفعتهم .
قلت : قوله (( وحسنت وكملت )) هذا باعتبار سلامتهم من الشرك الأصغر ؛ وأما الشرك الأكبر فلا يقال في تركه ذلك ، فتدبر . ولو قال الشارح : صحت لكان أقوم .
قال ابن كثير : ( وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ) أي لا يعبدون مع الله غيره ، بل يوحدونه ويعلمون أنه لا إله إلا الله أحد صمد ، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأنه لا نظير له (4) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في قرة العيون : وتحقيق التوحيد عزيز في الأمة لا يوجد في أهل الإيمان الخلص الذين أخلصهم الله واصطفاهم من خلقه كما قال تعالى في يوسف عليه السلام {.... كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ 24
بفتح اللام ، وفي قراءة ( المخلصين ) بكسرها ؛ وهم في صدر هذه الأمة كثيرون وفي آخرها هم الغرباء ؛ وقد قلوا . وهم الأعظمون قدراً عند الله . وقال تعالى عن خليله عليه السلام {...قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) }
أي أخلصت ديني وأفردت عبادتي للذي فطر السماوات والأرض أي خلقهما وابتدعهما على غير مثال سبق ( حنيفاً ) أي في حال كوني حنيفاً أي مائلاً عن الشرك إلى التوحيد . ولهذا قال ( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ونظائر هذه الآية في القرآن
كثير . كقوله { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }
(2) قال العلامة ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة في الوجه 147 من فضل العلم : إن الله أثنى على إبراهيم خليله بقوله ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ) فهذه أربعة أنواع من الثناء ؛ افتتحها بأنه (( أمة )) وهو القدوة الذي يؤتم به . قال ابن مسعود : (( الأمة : المعلم للخير )) وهي فعلة - بضم الفاء - من الائتمام كالقـــدوة ، وهو الذي يقتدي به . والفرق بين (( الأمة )) و (( الإمام )) من وجهين .أحدهما : أن الإمام كل ما يؤتم به ، سواء كان بقصده وشعوره أو لا ، ومنه سمي الطريق إماماً . كقوله تعالى وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) { فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ (79) }
الثاني : أي (( الأمة )) فيه زيادة معنى . وهو الذي جمع صفات الكمال في العلم والعمل ، وهو الذي بقي فيها فرداً وحده ، فهو الجامع لخصال تفرقت في غيره ، فكأنه باين غيره باجتماعها فيه ؛ وتفرقها أو عدمها في غيره . ولفظ أوله . فإن الضمة من الواو ، ومخرجها فيضم عند النطق بها . وأتى بالتاء الدالة على الوحدة كالغرفة واللقمة . ومنه الحديث : (( إن زيد بن عمرو بن نفيل يبعث يوم القيامة أمة وحده )) فالضم والاجتماع لازم لمعنى الأمة . ومنه سميت الأمة التي هي آحاد الأمم ، لأنهم الناس المجتمعون على دين واحد أو في عصر واحد .
الثاني : قوله (( قانتا )) قال ابن مسعود : (( القانت )) : المطيع . والقنوت يفسر بأشياء كلها ترجع إلى دوام الطاعة .
الثالث : قوله (( حنيفاً )) والحنيـف : المقبل على الله . ويلزم من هذا المعنى ميله عما سواه ، فالميل لازم معنى الحنيف ؛ لا أنه موضوعه لغة .
الرابع : قوله (( شاكراً لأنعمه )) والشكر للنعم مبني على ثلاثة أركان : الإقرار بالنعمة وإضافتها إلى المنعم بها ؛ وصرفها في مرضاته والعمل فيها بما يجب . فلا يكون العبد شاكراً بهذه الثلاثة .
والمقصود : أنه سبحانه مدح خليله بأربع صفات كلها ترجع إلى العلم والعمل بموجبه وتعليمه ونشره ؛ فعاد الكمال كله إلى العلم والعمل بموجبه ودعوة الخلق إليه . ا هـ .
وقال ف قرة العيون : قال العماد ابن كثير رحمه الله تعالى : يمدح الله تعالى عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء : بتبرئته من المشركين ومن اليهودية والنصرانية والمجوسية . و (( الأمة )) هو الإمام الذي يقتدى به . و (( القانت )) هو الخاشع المطيع ، والحنيف : المنحرف قصداً عن الشرك إل التوحيد ، ولهذا قال ( ولم يك من المشركين ) وقال مجاهد : كان ابراهيم أمةً أي مؤمناً وحده ، والناس كلهم إذ ذاك كفار .
يتبــــع
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
من كتاب
فتح المجيد
شرح كتاب التوحيد
باب
( من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب )
شرح كتاب التوحيد
باب
( من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب )
وقول الله تعالى :


سورة النحل الآية : 120
وقال :

سورة المؤمنون الآية : 59
قوله ( باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ) أي ولا عذاب .( قلت ) تحقيقه تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي (1) .
قال الله تعالى :


وصف إبراهيم عليه السلام بهذه الصفات التي هي الغاية في تحقيق التوحيد .
الأولى : أنه كان أمة ؛ أي قدوةً وإماماً معلماً للخير . وما ذاك إلا لتكميله مقام الصبر واليقين اللذين تُنال بهما الإِمامة في
الدين .
الثانية : قوله (( قانتاً )) قال شيخ الإسلام : القنوت دوام الطاعة . والمصلي إذا أطال قيامه أو ركوعه أو سجوده فهو قانت . قال تعالى :


سورة الزمر الآية : 9
الثاثة : أنه كان حنيفاً ( قلت ) قال ابن القيم (( الحنيف )) المقبل على الله ، المعرِض عم كل ما سواه . ا هــ الرابعـــة : أنه من كان من المشركين ، أي لصحة إخلاصه وكمال صدقه ، وبُعده عن الشرك (2) .
قلت : يوضح هذا قوله تعالى :


سورة الممتحنة الآية : 4
أي على دينه مع إخوانه المرسلين ، قاله ابن جرير رحمه الله تعالى { إذا قالوا لقومهم إنَّا بُـرآءُ منكم ومما تعبدون من دون الله ، كفرنا بكم ، وبَدَا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحْدَه ، إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك من الله من شيء } وذكر تعالى عن خليله عليه السلام أنه قال لأبيه آزر


سورة مريم الآية : 48 - 49
فهذا تحقيق التوحيد . وهو البراءةُ من الشرك وأهله واعتزالُهم ؛ والكفر بهم وعداوتهم وبُغْضُهم . فالله المستعان .قال المصنف رحمه الله في هذه الآية

![URL]](/forum/proxy.php?image=http%3A%2F%2F%5BURL%5Dhttps%3A%2F%2Fupload.wikimedia.org%2Fwikipedia%2Fcommons%2Fthumb%2F1%2F18%2FLa_bracket.png%2F12px-La_bracket.png%5B%2FURL%5D&hash=5a0a5a6d9d8a61a3bd12e5f16d54bb70)
وقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً على الإسلام . ولم يك في زمانه أحد على الإسلام غيره .
قلت : ولا منافاة بين هذا وبين ما تقدم : من أنه كان إماماً يقتدي به في الخير .
قال وقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ {57} وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ {58} وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ {59}
![URL]](/forum/proxy.php?image=http%3A%2F%2F%5BURL%5Dhttps%3A%2F%2Fupload.wikimedia.org%2Fwikipedia%2Fcommons%2Fthumb%2F1%2F18%2FLa_bracket.png%2F12px-La_bracket.png%5B%2FURL%5D&hash=5a0a5a6d9d8a61a3bd12e5f16d54bb70)
سورة المؤمنون الآية : 57 - 58 - 59
وصف المؤمنين السابقين إلى الجنة فأثنى عليهم بالصفات التي أعظمُها : أنهم بربهم لا يشركون . ولما كان المــرءُ قد يَعرض له ما يقْدحُ في إسلامه : من شرك جَليٍّ أو خفي ، نفى ذلك عنهم ، وهذا هو تحقيق التوحيد الذي حَسُنت به أعمالهم وكملت ونفعتهم .
قلت : قوله (( وحسنت وكملت )) هذا باعتبار سلامتهم من الشرك الأصغر ؛ وأما الشرك الأكبر فلا يقال في تركه ذلك ، فتدبر . ولو قال الشارح : صحت لكان أقوم .
قال ابن كثير : ( وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ) أي لا يعبدون مع الله غيره ، بل يوحدونه ويعلمون أنه لا إله إلا الله أحد صمد ، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأنه لا نظير له (4) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في قرة العيون : وتحقيق التوحيد عزيز في الأمة لا يوجد في أهل الإيمان الخلص الذين أخلصهم الله واصطفاهم من خلقه كما قال تعالى في يوسف عليه السلام {.... كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ 24
سورة يوسف الآية : 24
بفتح اللام ، وفي قراءة ( المخلصين ) بكسرها ؛ وهم في صدر هذه الأمة كثيرون وفي آخرها هم الغرباء ؛ وقد قلوا . وهم الأعظمون قدراً عند الله . وقال تعالى عن خليله عليه السلام {...قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) }
سورة الأنعام الآية : 78 - 79
أي أخلصت ديني وأفردت عبادتي للذي فطر السماوات والأرض أي خلقهما وابتدعهما على غير مثال سبق ( حنيفاً ) أي في حال كوني حنيفاً أي مائلاً عن الشرك إلى التوحيد . ولهذا قال ( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ونظائر هذه الآية في القرآن
كثير . كقوله { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }
سورة النساء الآية : 125
وقال تعالى { وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ..... }سورة لقمان الآية : 22
قال العماد ابن كثير رحمه الله تعالى في الآية : يقول تعالى مخبراً عمن أسلم وجهه لله أي أخلص له العمل وانقاد لأوامره واتبع شرعه ، ولهذا قال ( وهو محسن ) أي في عمله واتباع ما أمر به وترك ما عنه زجر . فدلت الآية العظيمة على أن كمال الإخلاص إنما يوجد بترك الشرك والبراءة منه وممن فعله كما تقدم في الباب قبل هذا .(2) قال العلامة ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة في الوجه 147 من فضل العلم : إن الله أثنى على إبراهيم خليله بقوله ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ) فهذه أربعة أنواع من الثناء ؛ افتتحها بأنه (( أمة )) وهو القدوة الذي يؤتم به . قال ابن مسعود : (( الأمة : المعلم للخير )) وهي فعلة - بضم الفاء - من الائتمام كالقـــدوة ، وهو الذي يقتدي به . والفرق بين (( الأمة )) و (( الإمام )) من وجهين .أحدهما : أن الإمام كل ما يؤتم به ، سواء كان بقصده وشعوره أو لا ، ومنه سمي الطريق إماماً . كقوله تعالى وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) { فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ (79) }
سورة الحجر الآية : 78 - 79
أي بطريق واضح لا يخفى على السالك . و لايسمى الطريق أمة .الثاني : أي (( الأمة )) فيه زيادة معنى . وهو الذي جمع صفات الكمال في العلم والعمل ، وهو الذي بقي فيها فرداً وحده ، فهو الجامع لخصال تفرقت في غيره ، فكأنه باين غيره باجتماعها فيه ؛ وتفرقها أو عدمها في غيره . ولفظ أوله . فإن الضمة من الواو ، ومخرجها فيضم عند النطق بها . وأتى بالتاء الدالة على الوحدة كالغرفة واللقمة . ومنه الحديث : (( إن زيد بن عمرو بن نفيل يبعث يوم القيامة أمة وحده )) فالضم والاجتماع لازم لمعنى الأمة . ومنه سميت الأمة التي هي آحاد الأمم ، لأنهم الناس المجتمعون على دين واحد أو في عصر واحد .
الثاني : قوله (( قانتا )) قال ابن مسعود : (( القانت )) : المطيع . والقنوت يفسر بأشياء كلها ترجع إلى دوام الطاعة .
الثالث : قوله (( حنيفاً )) والحنيـف : المقبل على الله . ويلزم من هذا المعنى ميله عما سواه ، فالميل لازم معنى الحنيف ؛ لا أنه موضوعه لغة .
الرابع : قوله (( شاكراً لأنعمه )) والشكر للنعم مبني على ثلاثة أركان : الإقرار بالنعمة وإضافتها إلى المنعم بها ؛ وصرفها في مرضاته والعمل فيها بما يجب . فلا يكون العبد شاكراً بهذه الثلاثة .
والمقصود : أنه سبحانه مدح خليله بأربع صفات كلها ترجع إلى العلم والعمل بموجبه وتعليمه ونشره ؛ فعاد الكمال كله إلى العلم والعمل بموجبه ودعوة الخلق إليه . ا هـ .
وقال ف قرة العيون : قال العماد ابن كثير رحمه الله تعالى : يمدح الله تعالى عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء : بتبرئته من المشركين ومن اليهودية والنصرانية والمجوسية . و (( الأمة )) هو الإمام الذي يقتدى به . و (( القانت )) هو الخاشع المطيع ، والحنيف : المنحرف قصداً عن الشرك إل التوحيد ، ولهذا قال ( ولم يك من المشركين ) وقال مجاهد : كان ابراهيم أمةً أي مؤمناً وحده ، والناس كلهم إذ ذاك كفار .
يتبــــع