السكينة أيها الناس

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

baybars

:: عضو مُشارك ::
إنضم
13 أكتوبر 2006
المشاركات
190
نقاط التفاعل
1
النقاط
7
د. سلمان بن فهد العودة

(السكينة السكينة.. عليكم بالسكينة..) هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصي الناس في حجه عليه السلام بعدم التزاحم والتدافع والتصارع.
الجدير بالملاحظة أن هذه كانت وصيته في الحياة العامة وليست في الحج فقط، بل كانت سمة المؤمنين الذي أنزل الله سكينته عليهم، وكانت (السكينة) مطلباً حياتياً طبيعياً وضرورياً، كنوع من الهدوء النفسي والاطمئنان في الحالات العامة والطارئة؛ فيجب ألا تفارقنا السكينة.
قال الله جل وعلا: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) (سورة طه: 25-26)، وقال سبحانه: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (سورة الشرح:1).
إنه انفعال النفس بالرضا الإيماني المعتدل للحال التي هو عليها أياً كانت ومجافاة القلق والشعور بالاضطراب.
إن هدوء النفس هو الحادي للإنجاز..
لأن نعيش الحياة بسعادة..
لأن نبدع في حياتنا الخاصة والعامة، الزوجية والأسرية والتجارية والعلمية.. ولأن نفكر تفكيراً سليماً في المعالجة والشعور بالتطلع لكل مشروع ناجح.
والنفس المطمئنة هي المؤمنة، يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) (سورة الفجر:27-30).
وأما إذا زال الهدوء والسكون؛ فالمرء يفقد توازنه فلا يفكر ولا يعمل؛ فسيطرة الغضب والانفعال أو الحزن الشديد، أو اليأس والقنوط مظاهر من فقدان السكينة النفسية.
وسورة الشرح التي فيها (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) سورة مكية متقدمة وفيها منة انشراح الصدر؛ فهو أمر ذاتي ليس مرتبطاً بالفتح ولا بالنصر ولا بالغنى، ولا بانتشار الدعوة الإسلامية مع أنها جميعاً وسائل لانشراح صدور المؤمنين، ولكن انشراح الصدر معنى إيجابي عام وقناعة داخلية مضمرة.
يُحكَى أن أحد السلف ضاق صدره من الدنيا وحالها ومن نفسه؛ فجعل يمشي في الطرقات والأحياء حتى سمع هاتفاً يقول:
ألا يا أيّها المرء الـ
ذي الهمّ به برّحْ

إذا ضاق بك الأمر
ففكّر في ألَمْ نَشْرَحْ

فعسرٌ بين يسرين
متى تذكرْهما تفرحْ

فسمعها؛ واتسع صدره. فالسكينة وهدوء النفس وانشراح الصدر مِننٌ من الله سبحانه على عباده المؤمنين وكان أرقى مَنْ ناله - انشراح الصدر - هو محمد - صلى الله عليه وسلم.
ومن مظاهر انشراح صدره صلى الله عليه وسلم:
1- صبره على المخالفين مع ما هم عليه من مجافاة الدعوة والمكر والتكذيب وابتلاء المؤمنين وتعذيبهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا).
2- صبره على أصحابه وعلى جفاة الأعراب والمنافقين وحدثاء العهد بالإسلام؛ حتى قال: (قَدْ أُوذِي مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ) للذي قال: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ.
كما في الصحيحين، يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا) (سورة الأحزاب:69).
3- ثقته بمستقبل هذا الدين حتى كأنه رأي العين؛ فكان يكبّر في حفر الخندق ويبشّر بكنوز كسرى وقيصر حتى قال المنافقون: ألا تعجبون من محمد! يعدنا أن نطوف بالبيت العتيق، وأن نغنم كنوز فارس والروم، ونحن هنا لا يأمن أحدنا أن يذهب إلى الغائط، والله لمَا يعدنا إلا غروراً!، وفي الصحيح من حديث خباب قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: (كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ).
وهذا عنصر مهم من عناصر السكينة في ترقب المستقبل وقراءته للعمل والصبر.
أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها
ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ


4- مداومته على العمل والدعوة؛ عبادةً وتعليماً وجهاداً ودعوةً وصبراً, حتى أتاه النصر والفتح، وفي صحيح مسلم: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيِّ).
فلا تجعل هدفك تغيير الكون، بل استفرغ طاقاتك وقدراتك في العمل النافع، وستجد أن كثيراً من العوامل التي قد تعترض طريقك في العمل والكفاح تساعدك وتشد من أزرك.
5- عدم الاستعجال أو حرق المراحل (وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ)..
قال صلى الله عليه وسلم: (إننا لم نؤمر بقتال..)، من حديث كعب بن مالك عند أحمد والطيالسي والبيهقي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه ابن حجر في الفتح.
وقال عليه الصلاة والسلام: (لَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي)، فمن سكينته وانشراح صدره عليه السلام العمل الجاد, وطول النَّفَس, والصبر، وإن العملية الحضارية تحتاج لأجيال, وتراكم كبير, مثلما استغرقت عملية التخلف أجيالاً وقروناً، وإنْ تطلب الحل خلال فترة العمر الفردي المحدود قفزاً واستعجالاً, وإهلاك لقدرات الفرد, وإخراج له عن معنى الهدوء والسكينة, وألذّ الطبخ وأطيبه ما كان على نار هادئة.
6- السكينة والهدوء في معايشة الحياة والأزواج والذرية، فهو يبيع ويشتري ويتاجر ويزرع ويعلم ويتعلم, وما قصة أم زرع عنا ببعيد, ومسابقته عائشة, وإشاعة الفرح في العيد والدف حين رجع من الغزوة، إلا مفردة من مفردات الرضا البشري في التعامل الذكي مع الحياة والناس والواقع والمبادئ، ومزاحه صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه, أشهر من أن يذكر، ومزاحه مع الصبيان، (يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ), والحسن والحسين وأمامة حين يشاركون حتى في العبادات الدينية كالصلاة والخطبة, ولم يكن ذلك الحب والرحمة مجافاةًً لمعنى الجد الإيجابي والعمل الدعوي عند سيد البشر عليه السلام، فمفهوم السكينة في كل تجلياته محاربةٌ لمعنى الحزن الخاص والعام الذي يذهب بالهدوء الطبيعي وبالعيش الإيماني.
وحتى القضايا العلمية والثقافية تحتاج إلى (السكينة العلمية) التي ترفض صنع المشاكل التاريخية والعلمية والفكرية والعقد القديمة مما يؤثر على حقيقة السكينة التي كانت صفة من صفات عباد الرحمن (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) (سورة الفرقان: 63) فهي مطلب من مطالب الإسلام, وصفة مهمة من صفات المؤمنين, الذين يذكرون الله عز وجل كثيراً, وتطمئن قلوبهم بذكر الله (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (سورة الرعد:28)، فبالسكينة تسكن النفوس، وتعود إلى رشدها وهدوئها، (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) (سورة الأنعام:125).
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top