بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين:
أما بعد فإن الناظر في كلام الكُتَّابَ المعاصرين وبعض المتأخرين يجد أنهم يُدْخِلُون اللام على كلمة ( غير ) كثيراً مع مخالفة ذلك لكلام الله عزوجل ، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلام العرب المنثور ؛
كلمة: (غير ) لا تتعــرف مطلقـاً ، قـال ابن السراج في كتابه الأصول فـي النحو: (( واعـلم أن مـــن الأسْماء مضافـات إلى مــعـارف ، ولكنها لا تتعـرف بها لأنهـا لا تَخـص شيئا بعينه ، فمن ذلك : ( مثلك ، وشبهك ، وغيرك ) تقول : ( مررت برجلٍ مثلِك ، وبرجلٍ شبهِك ، وبرجلٍ غيرِك ) ، فلو لَم يكنَّ نكـرات مـا وصف بهن نكرة ، وإنَّما نكَّرهنَّ معـانيهن ، ألا ترى أنّك إذا قـلت : ( مثلك ) جـاز أن يكـون مثلك فـي طولك ، أو لونك ، أو فـي علمك ، ولن يُحاط بالأشياء التي يكون بها الشيء مثل الشيء ؛ لكثرتها ، وكذلك ( شبهك ) ، وأما ( غـــيرك ) فصار نكــــرة ؛ لأنَّ كل شيء مثل الشيء عداك فهـو ( غيرك ) . )) ([1]).
ومِـن أدلة بقاء (غير ) على التنكير وإن أُضيفت إلى الْمعارف كثرة وجـوه الْـمغايرة ، ودخـول ( رُبّ ) عليها ، ومَجيئها نعــــتاً لنكراتٍ ، ففـي قول الله تبارك وتعالى : { قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } [الشعراء : 29] أضيفت (غير ) إلى الضمير مع وقوعها نعتاً لكلمة (إِلَهاً) النكرة .
ويعضد هذا قول سيبويه في الكتاب : (( و( غير ) … ليس باسم متمكن ، ألا ترى أنـّها لا تكـــون إلا نكـــرةً ولا تْجـمع ولا تدخلها الألف واللام
الْمذهب الثاني : أنّ (غير ) تتعرف إذا وقعت بـين ضدين ، وهـذا الْمذهب قـال به جـمــع من علماء النحو والتفسير والقراءات واللغة والحديث ([3]).
ومن أمثلة ذلك وقوع كـلــمة ( غير ) بين الْمُنعَم عليهم ، والْمغضوب عليهم فتعينت الْمغــايرة فـي قــول الله سبحانه وتعــالى :{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }[الفاتحة : 7]
فـ(غَيرِ) في الآية لَمَّا وقعت بين ضدين تعينت أوجــــــه الْمغايرة فصح وقوعها نَعْتاً لكلمة ( الذين ) الْمعرفة
فكلمة (غير ) ملازمة للإضافـة مطلقاً ، وهـو مذهب جـمهور العلمـاء ؛ لأنّ الإضافـة هـي الأصل ، ومـا خالفـها يعد عـارضاً ، قال مكي في مشكل إعراب القرآن : (( ( غير ) اسم مبهم إلا أنه أُعْرِبَ للزومه الإضافة . )) ([4]) ، وهذا الْحكم ثابت لبقية أخواتها ؛ لعدمِ مَجيئها في نصٍ صحيح مُحتجٍ به غير مضافة بهذا المعنى ، سواء كانت الإضافة لفظية أو معنوية ، بدليل قول ابن يعيش في شرح المفصل في حديثه عن الأسْماء المتوغلة في الإبهام : (( فهذه الأسْماء كلها تلزم الإضافة ولا تفارقها ، وإذا أفـردت كان مـعناها على الإضـافـة ؛ ولذلك لا يَحسن دخـول الألف واللام عليها فلا يقـال : ( الْمثل ، ولا الشبه … ) ؛ لأنَّ ذلك كالْـجمع بين الألف واللام ومعنى الإضافة مـن جهـة تضمنها مـعنى الإضافـة فيها كالْـملفوظ بها ، وذلك مـن قِبل أنَّ ( مثلا ) يقتضي مُمَـاثِلاً وشبهاً يقتضي مشبهـا به ، وكذلك سائرهمـا من نـحو : ( قيد ) …)) ([5])، وإلى هذا أشار ابن مالك فقال :
قَبلُ كَغَيرُ بَعدُ حَسبُ أوَّلُ وَدُونُ والجِهَاتُ أيضاً وَعَلُ ([6])
فابن مالك قاس ( غير ، وحسب ) على ( قبل ، وبعد ، والْجهات الست ) التي لا تنفك عن الإضافة معنىً ، كما هو معلوم في باب الإضافة ـ فثبت بذلك عدم صحة قطع ( غير ) وأخواتها عن الإضافة .
منع دخـول ( أل ) على ( غير ) وشبيهاتها مـن النكرات ؛ لعدة أوجه :
الوجه الأول:عـدم مـجيء ذلك فـي نص مسموع صحيح مُحتج به .
الوجه الثاني : ملازمة كلمة (غير ) للإضافة لفظاً أو معنىً ـ كما عُلِمَ ـ وهذا يَمنع قــطعــاً دخـول ( أل ) عليها ؛ لأن الإضافــة لا تَجتمع مــع ( أل ) التعريف ، ثم إنه حتى وإن سُلِّـمَ بِجـواز ذلك فذلك مشروط بكـونها مضافـة إضافـة لـفظية لا تستفيد تعريفاً ولا تخصيصاً .
قال سيبويه : (( واعلم أنَّه ليس في العربية مضافٌ يَدخل عليه الألفُ واللام غيرُ الْمضاف إلى الْمعرفة فـي هـذا الباب وذلك قولك : ( هذا الحَسَنُ الوجهِ ) أدخلوا الألفَ واللام على ( حسنِ الوجهِ ) ؛ لأنه مضافٌ إلى معـرفة لا يكون بها معـرفةً أبداً فاحتاجَ إلى ذلك حيث مُنعَ ما يكـون في مثله ألبتَّةَ ولا يُجـاوَزُ به معنى التنوين . )) ([13]) .
الوجـه الثالث : أنّ مـا يستدل به بعضهم عـلى جـواز دخـول ( أل ) عـلى كلمة (غــير ) لا يرتفــع إلى مـرتبة الــدليل الـراجـــح ؛ إما لكـونـه دليلاً لا ينهـض لذلك ، أو لكونه مُختلفاً فيه
والناظر في مصنفات العلماء في مـختلـف فنون العـلــم يَجد أنهم أدخلوا( أل ) على ( غير) ، إلا أنه قليل عند علماء اللغة ، كثير عند غيرهم ، فمثال مَجيئه في معاجم اللغة ما جاء في الصحاح : (( الوَسيلَةُ : ما يتقرَّب به إلى الغير )) ([22]) ، ومثال مَجيئه في كتب الفقه ما جـاء فـي مواهب الجليل : (( تعيّن ذلك الغير لأجله )) ([23])، ومثال مَجيئه فـي كتب التفسير ما جاء في تفسير ابن كثير : (( كأكل مال الغير للمضطر )) ([24])
، ومثال مَجيئه فـي كتب أصول الفقه ما جاء في الْمعتمد : (( حكاية عن الغير )) ([25]).
وما تقدّم إيراده إنّما هو من باب ضرب المثال لا الْحصر ، وإلا فالأمثلة أكثر مِن أن تُحْصَى ، وهنا مسألة مفادها هل يجوز الاستشهاد بكلام العلماء في اللغة أم لا ؟
وللجواب عن ذلك يُقال ظاهر قول السيوطي : (( أجمعوا على أنه لا يحتج بكلام الْمُولِّدين والْمُحْدِثِين في اللغة والعربية . )) ([26]) يُفهم منه الإجْـماع على عدم الاحتجاج بكلام المولدين ، كما يُفهَم منه دخول العلماء في ذلك ؛ لكونهم في عصور الْمولدين ، لكن فـي الكشاف ما يقتضي جـواز الاستشهاد بكلامهم في اللغة ، قـال الزمَـخـشري : (( وجــاء فِي شعـر حَبِيب بن أَوْس ([27])... وهـو وإن كــان مُحـدثاً لا يُستشهد بشعره فـي اللغة فهــو من علمــاء الــعربية فاجعل ما يقــولــه بِمنزلة مـــا يرويه ، ألا ترى إلى قول العلماء الدليل عليه بيت الْحماسة فيقتنعون بذلك ؛ لوثوقهم بروايته وإتقانه . )) ([28]).
والمسألة فيها خلاف لكن أوردت هنا الراجح وتركت المرجوح لعدم الإطالة ولتعم الفائدة
والعلم عند الله تعالى
منقول بتصرف
أما بعد فإن الناظر في كلام الكُتَّابَ المعاصرين وبعض المتأخرين يجد أنهم يُدْخِلُون اللام على كلمة ( غير ) كثيراً مع مخالفة ذلك لكلام الله عزوجل ، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلام العرب المنثور ؛
كلمة: (غير ) لا تتعــرف مطلقـاً ، قـال ابن السراج في كتابه الأصول فـي النحو: (( واعـلم أن مـــن الأسْماء مضافـات إلى مــعـارف ، ولكنها لا تتعـرف بها لأنهـا لا تَخـص شيئا بعينه ، فمن ذلك : ( مثلك ، وشبهك ، وغيرك ) تقول : ( مررت برجلٍ مثلِك ، وبرجلٍ شبهِك ، وبرجلٍ غيرِك ) ، فلو لَم يكنَّ نكـرات مـا وصف بهن نكرة ، وإنَّما نكَّرهنَّ معـانيهن ، ألا ترى أنّك إذا قـلت : ( مثلك ) جـاز أن يكـون مثلك فـي طولك ، أو لونك ، أو فـي علمك ، ولن يُحاط بالأشياء التي يكون بها الشيء مثل الشيء ؛ لكثرتها ، وكذلك ( شبهك ) ، وأما ( غـــيرك ) فصار نكــــرة ؛ لأنَّ كل شيء مثل الشيء عداك فهـو ( غيرك ) . )) ([1]).
ومِـن أدلة بقاء (غير ) على التنكير وإن أُضيفت إلى الْمعارف كثرة وجـوه الْـمغايرة ، ودخـول ( رُبّ ) عليها ، ومَجيئها نعــــتاً لنكراتٍ ، ففـي قول الله تبارك وتعالى : { قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } [الشعراء : 29] أضيفت (غير ) إلى الضمير مع وقوعها نعتاً لكلمة (إِلَهاً) النكرة .
ويعضد هذا قول سيبويه في الكتاب : (( و( غير ) … ليس باسم متمكن ، ألا ترى أنـّها لا تكـــون إلا نكـــرةً ولا تْجـمع ولا تدخلها الألف واللام
الْمذهب الثاني : أنّ (غير ) تتعرف إذا وقعت بـين ضدين ، وهـذا الْمذهب قـال به جـمــع من علماء النحو والتفسير والقراءات واللغة والحديث ([3]).
ومن أمثلة ذلك وقوع كـلــمة ( غير ) بين الْمُنعَم عليهم ، والْمغضوب عليهم فتعينت الْمغــايرة فـي قــول الله سبحانه وتعــالى :{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }[الفاتحة : 7]
فـ(غَيرِ) في الآية لَمَّا وقعت بين ضدين تعينت أوجــــــه الْمغايرة فصح وقوعها نَعْتاً لكلمة ( الذين ) الْمعرفة
فكلمة (غير ) ملازمة للإضافـة مطلقاً ، وهـو مذهب جـمهور العلمـاء ؛ لأنّ الإضافـة هـي الأصل ، ومـا خالفـها يعد عـارضاً ، قال مكي في مشكل إعراب القرآن : (( ( غير ) اسم مبهم إلا أنه أُعْرِبَ للزومه الإضافة . )) ([4]) ، وهذا الْحكم ثابت لبقية أخواتها ؛ لعدمِ مَجيئها في نصٍ صحيح مُحتجٍ به غير مضافة بهذا المعنى ، سواء كانت الإضافة لفظية أو معنوية ، بدليل قول ابن يعيش في شرح المفصل في حديثه عن الأسْماء المتوغلة في الإبهام : (( فهذه الأسْماء كلها تلزم الإضافة ولا تفارقها ، وإذا أفـردت كان مـعناها على الإضـافـة ؛ ولذلك لا يَحسن دخـول الألف واللام عليها فلا يقـال : ( الْمثل ، ولا الشبه … ) ؛ لأنَّ ذلك كالْـجمع بين الألف واللام ومعنى الإضافة مـن جهـة تضمنها مـعنى الإضافـة فيها كالْـملفوظ بها ، وذلك مـن قِبل أنَّ ( مثلا ) يقتضي مُمَـاثِلاً وشبهاً يقتضي مشبهـا به ، وكذلك سائرهمـا من نـحو : ( قيد ) …)) ([5])، وإلى هذا أشار ابن مالك فقال :
قَبلُ كَغَيرُ بَعدُ حَسبُ أوَّلُ وَدُونُ والجِهَاتُ أيضاً وَعَلُ ([6])
فابن مالك قاس ( غير ، وحسب ) على ( قبل ، وبعد ، والْجهات الست ) التي لا تنفك عن الإضافة معنىً ، كما هو معلوم في باب الإضافة ـ فثبت بذلك عدم صحة قطع ( غير ) وأخواتها عن الإضافة .
منع دخـول ( أل ) على ( غير ) وشبيهاتها مـن النكرات ؛ لعدة أوجه :
الوجه الأول:عـدم مـجيء ذلك فـي نص مسموع صحيح مُحتج به .
الوجه الثاني : ملازمة كلمة (غير ) للإضافة لفظاً أو معنىً ـ كما عُلِمَ ـ وهذا يَمنع قــطعــاً دخـول ( أل ) عليها ؛ لأن الإضافــة لا تَجتمع مــع ( أل ) التعريف ، ثم إنه حتى وإن سُلِّـمَ بِجـواز ذلك فذلك مشروط بكـونها مضافـة إضافـة لـفظية لا تستفيد تعريفاً ولا تخصيصاً .
قال سيبويه : (( واعلم أنَّه ليس في العربية مضافٌ يَدخل عليه الألفُ واللام غيرُ الْمضاف إلى الْمعرفة فـي هـذا الباب وذلك قولك : ( هذا الحَسَنُ الوجهِ ) أدخلوا الألفَ واللام على ( حسنِ الوجهِ ) ؛ لأنه مضافٌ إلى معـرفة لا يكون بها معـرفةً أبداً فاحتاجَ إلى ذلك حيث مُنعَ ما يكـون في مثله ألبتَّةَ ولا يُجـاوَزُ به معنى التنوين . )) ([13]) .
الوجـه الثالث : أنّ مـا يستدل به بعضهم عـلى جـواز دخـول ( أل ) عـلى كلمة (غــير ) لا يرتفــع إلى مـرتبة الــدليل الـراجـــح ؛ إما لكـونـه دليلاً لا ينهـض لذلك ، أو لكونه مُختلفاً فيه
والناظر في مصنفات العلماء في مـختلـف فنون العـلــم يَجد أنهم أدخلوا( أل ) على ( غير) ، إلا أنه قليل عند علماء اللغة ، كثير عند غيرهم ، فمثال مَجيئه في معاجم اللغة ما جاء في الصحاح : (( الوَسيلَةُ : ما يتقرَّب به إلى الغير )) ([22]) ، ومثال مَجيئه في كتب الفقه ما جـاء فـي مواهب الجليل : (( تعيّن ذلك الغير لأجله )) ([23])، ومثال مَجيئه فـي كتب التفسير ما جاء في تفسير ابن كثير : (( كأكل مال الغير للمضطر )) ([24])
، ومثال مَجيئه فـي كتب أصول الفقه ما جاء في الْمعتمد : (( حكاية عن الغير )) ([25]).
وما تقدّم إيراده إنّما هو من باب ضرب المثال لا الْحصر ، وإلا فالأمثلة أكثر مِن أن تُحْصَى ، وهنا مسألة مفادها هل يجوز الاستشهاد بكلام العلماء في اللغة أم لا ؟
وللجواب عن ذلك يُقال ظاهر قول السيوطي : (( أجمعوا على أنه لا يحتج بكلام الْمُولِّدين والْمُحْدِثِين في اللغة والعربية . )) ([26]) يُفهم منه الإجْـماع على عدم الاحتجاج بكلام المولدين ، كما يُفهَم منه دخول العلماء في ذلك ؛ لكونهم في عصور الْمولدين ، لكن فـي الكشاف ما يقتضي جـواز الاستشهاد بكلامهم في اللغة ، قـال الزمَـخـشري : (( وجــاء فِي شعـر حَبِيب بن أَوْس ([27])... وهـو وإن كــان مُحـدثاً لا يُستشهد بشعره فـي اللغة فهــو من علمــاء الــعربية فاجعل ما يقــولــه بِمنزلة مـــا يرويه ، ألا ترى إلى قول العلماء الدليل عليه بيت الْحماسة فيقتنعون بذلك ؛ لوثوقهم بروايته وإتقانه . )) ([28]).
والمسألة فيها خلاف لكن أوردت هنا الراجح وتركت المرجوح لعدم الإطالة ولتعم الفائدة
والعلم عند الله تعالى
منقول بتصرف