من الأخطاء الشائعة إدخال "أل"على كلمة "غير"

البحر الهادي

:: أستاذ ::
أحباب اللمة
إنضم
27 ماي 2016
المشاركات
5,775
نقاط التفاعل
12,849
نقاط الجوائز
2,415
الوظيفة
مشغول بإصلاح نفسي
الجنس
ذكر
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين:
أما بعد فإن الناظر في كلام الكُتَّابَ المعاصرين وبعض المتأخرين يجد أنهم يُدْخِلُون اللام على كلمة ( غير ) كثيراً مع مخالفة ذلك لكلام الله عزوجل ، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلام العرب المنثور ؛

كلمة: (غير ) لا تتعــرف مطلقـاً ، قـال ابن السراج في كتابه الأصول فـي النحو: (( واعـلم أن مـــن الأسْماء مضافـات إلى مــعـارف ، ولكنها لا تتعـرف بها لأنهـا لا تَخـص شيئا بعينه ، فمن ذلك : ( مثلك ، وشبهك ، وغيرك ) تقول : ( مررت برجلٍ مثلِك ، وبرجلٍ شبهِك ، وبرجلٍ غيرِك ) ، فلو لَم يكنَّ نكـرات مـا وصف بهن نكرة ، وإنَّما نكَّرهنَّ معـانيهن ، ألا ترى أنّك إذا قـلت : ( مثلك ) جـاز أن يكـون مثلك فـي طولك ، أو لونك ، أو فـي علمك ، ولن يُحاط بالأشياء التي يكون بها الشيء مثل الشيء ؛ لكثرتها ، وكذلك ( شبهك ) ، وأما ( غـــيرك ) فصار نكــــرة ؛ لأنَّ كل شيء مثل الشيء عداك فهـو ( غيرك ) . )) ([1]).

ومِـن أدلة بقاء (غير ) على التنكير وإن أُضيفت إلى الْمعارف كثرة وجـوه الْـمغايرة ، ودخـول ( رُبّ ) عليها ، ومَجيئها نعــــتاً لنكراتٍ ، ففـي قول الله تبارك وتعالى : { قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } [الشعراء : 29] أضيفت (غير ) إلى الضمير مع وقوعها نعتاً لكلمة (إِلَهاً) النكرة .
ويعضد هذا قول سيبويه في الكتاب : (( و( غير ) … ليس باسم متمكن ، ألا ترى أنـّها لا تكـــون إلا نكـــرةً ولا تْجـمع ولا تدخلها الألف واللام
الْمذهب الثاني : أنّ (غير ) تتعرف إذا وقعت بـين ضدين ، وهـذا الْمذهب قـال به جـمــع من علماء النحو والتفسير والقراءات واللغة والحديث ([3]).
ومن أمثلة ذلك وقوع كـلــمة ( غير ) بين الْمُنعَم عليهم ، والْمغضوب عليهم فتعينت الْمغــايرة فـي قــول الله سبحانه وتعــالى :{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }[الفاتحة : 7]

فـ(غَيرِ) في الآية لَمَّا وقعت بين ضدين تعينت أوجــــــه الْمغايرة فصح وقوعها نَعْتاً لكلمة ( الذين ) الْمعرفة

فكلمة (غير ) ملازمة للإضافـة مطلقاً ، وهـو مذهب جـمهور العلمـاء ؛ لأنّ الإضافـة هـي الأصل ، ومـا خالفـها يعد عـارضاً ، قال مكي في مشكل إعراب القرآن : (( ( غير ) اسم مبهم إلا أنه أُعْرِبَ للزومه الإضافة . )) ([4]) ، وهذا الْحكم ثابت لبقية أخواتها ؛ لعدمِ مَجيئها في نصٍ صحيح مُحتجٍ به غير مضافة بهذا المعنى ، سواء كانت الإضافة لفظية أو معنوية ، بدليل قول ابن يعيش في شرح المفصل في حديثه عن الأسْماء المتوغلة في الإبهام : (( فهذه الأسْماء كلها تلزم الإضافة ولا تفارقها ، وإذا أفـردت كان مـعناها على الإضـافـة ؛ ولذلك لا يَحسن دخـول الألف واللام عليها فلا يقـال : ( الْمثل ، ولا الشبه … ) ؛ لأنَّ ذلك كالْـجمع بين الألف واللام ومعنى الإضافة مـن جهـة تضمنها مـعنى الإضافـة فيها كالْـملفوظ بها ، وذلك مـن قِبل أنَّ ( مثلا ) يقتضي مُمَـاثِلاً وشبهاً يقتضي مشبهـا به ، وكذلك سائرهمـا من نـحو : ( قيد ) …)) ([5])، وإلى هذا أشار ابن مالك فقال :
قَبلُ كَغَيرُ بَعدُ حَسبُ أوَّلُ وَدُونُ والجِهَاتُ أيضاً وَعَلُ ([6])
فابن مالك قاس ( غير ، وحسب ) على ( قبل ، وبعد ، والْجهات الست ) التي لا تنفك عن الإضافة معنىً ، كما هو معلوم في باب الإضافة ـ فثبت بذلك عدم صحة قطع ( غير ) وأخواتها عن الإضافة .
منع دخـول ( أل ) على ( غير ) وشبيهاتها مـن النكرات ؛ لعدة أوجه :

الوجه الأول:عـدم مـجيء ذلك فـي نص مسموع صحيح مُحتج به .

الوجه الثاني : ملازمة كلمة (غير ) للإضافة لفظاً أو معنىً ـ كما عُلِمَ ـ وهذا يَمنع قــطعــاً دخـول ( أل ) عليها ؛ لأن الإضافــة لا تَجتمع مــع ( أل ) التعريف ، ثم إنه حتى وإن سُلِّـمَ بِجـواز ذلك فذلك مشروط بكـونها مضافـة إضافـة لـفظية لا تستفيد تعريفاً ولا تخصيصاً .

قال سيبويه : (( واعلم أنَّه ليس في العربية مضافٌ يَدخل عليه الألفُ واللام غيرُ الْمضاف إلى الْمعرفة فـي هـذا الباب وذلك قولك : ( هذا الحَسَنُ الوجهِ ) أدخلوا الألفَ واللام على ( حسنِ الوجهِ ) ؛ لأنه مضافٌ إلى معـرفة لا يكون بها معـرفةً أبداً فاحتاجَ إلى ذلك حيث مُنعَ ما يكـون في مثله ألبتَّةَ ولا يُجـاوَزُ به معنى التنوين . )) ([13]) .

الوجـه الثالث : أنّ مـا يستدل به بعضهم عـلى جـواز دخـول ( أل ) عـلى كلمة (غــير ) لا يرتفــع إلى مـرتبة الــدليل الـراجـــح ؛ إما لكـونـه دليلاً لا ينهـض لذلك ، أو لكونه مُختلفاً فيه
والناظر في مصنفات العلماء في مـختلـف فنون العـلــم يَجد أنهم أدخلوا( أل ) على ( غير) ، إلا أنه قليل عند علماء اللغة ، كثير عند غيرهم ، فمثال مَجيئه في معاجم اللغة ما جاء في الصحاح : (( الوَسيلَةُ : ما يتقرَّب به إلى الغير )) ([22]) ، ومثال مَجيئه في كتب الفقه ما جـاء فـي مواهب الجليل : (( تعيّن ذلك الغير لأجله )) ([23])، ومثال مَجيئه فـي كتب التفسير ما جاء في تفسير ابن كثير : (( كأكل مال الغير للمضطر )) ([24])
، ومثال مَجيئه فـي كتب أصول الفقه ما جاء في الْمعتمد : (( حكاية عن الغير )) ([25]).
وما تقدّم إيراده إنّما هو من باب ضرب المثال لا الْحصر ، وإلا فالأمثلة أكثر مِن أن تُحْصَى ، وهنا مسألة مفادها هل يجوز الاستشهاد بكلام العلماء في اللغة أم لا ؟
وللجواب عن ذلك يُقال ظاهر قول السيوطي : (( أجمعوا على أنه لا يحتج بكلام الْمُولِّدين والْمُحْدِثِين في اللغة والعربية . )) ([26]) يُفهم منه الإجْـماع على عدم الاحتجاج بكلام المولدين ، كما يُفهَم منه دخول العلماء في ذلك ؛ لكونهم في عصور الْمولدين ، لكن فـي الكشاف ما يقتضي جـواز الاستشهاد بكلامهم في اللغة ، قـال الزمَـخـشري : (( وجــاء فِي شعـر حَبِيب بن أَوْس ([27])... وهـو وإن كــان مُحـدثاً لا يُستشهد بشعره فـي اللغة فهــو من علمــاء الــعربية فاجعل ما يقــولــه بِمنزلة مـــا يرويه ، ألا ترى إلى قول العلماء الدليل عليه بيت الْحماسة فيقتنعون بذلك ؛ لوثوقهم بروايته وإتقانه . )) ([28]).
والمسألة فيها خلاف لكن أوردت هنا الراجح وتركت المرجوح لعدم الإطالة ولتعم الفائدة
والعلم عند الله تعالى


منقول بتصرف
 


أكتب ردك هنا...
العودة
Top