- إنضم
- 31 مارس 2016
- المشاركات
- 3,043
- نقاط التفاعل
- 4,564
- النقاط
- 191
الفتوى رقم: ١١٨٤
الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - إنشاء عقد الزواج
هل في خفضِ قيمةِ مهرِ العروس إهانةٌ لها؟ مع العلم أنه ساد ـ في مجتمعنا ـ عرفُ العملِ بارتفاعِ مهرِ العروس؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فلا خلافَ بين أهل العلم أنه لا حَدَّ لأكثرِ ما يدفعه الزوجُ مهرًا لزوجته قولًا واحدًا(١)، كما أنه يصحُّ المهرُ بكُلِّ ما يُسمَّى مالًا أو ما يُقوَّمُ بمالٍ؛ فلا حدَّ لأقلِّ المهر على الراجح الصحيح(٢).
والعبرةُ ـ فيه ـ بحال الزوج مِنْ جهةِ الغنى أو الفقر:
فيجوز للغنيِّ المُوسِرِ إِنْ أراد أَنْ يُمْهِرَ كثيرًا فلا يُكْرَهُ له الزيادةُ في المهر، ما لم يَقترِنْ بفعله قصدُ التفاخر والرِّياء والمباهاة ونحوِها.
ويدلُّ على مشروعيةِ الإكثار مِنْ صَداقِ الزوجة قولُه تعالى: ﴿وَإِنۡ أَرَدتُّمُ ٱسۡتِبۡدَالَ زَوۡجٖ مَّكَانَ زَوۡجٖ وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنۡهُ شَيًۡٔا﴾ [النساء: ٢٠]، وروى أبو داود بسنده عن أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها: «أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ فَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ(٣) النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ»(٤)، والمعلومُ أنَّ مهور أزواجِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أربعُمائةِ درهمٍ أو خمسُمائةٍ(٥).
أمَّا إِنْ كان الزوجُ مُعْسِرًا فقيرًا لا يطيق غلاءَ المهرِ إلَّا بالاستدانة التي تُثْقِلُ كاهِلَه، وقد يعجز عن تسديد الدَّيْن أو تُشْغَلُ ذمَّتُه بصداقٍ لا يريد أَنْ يؤدِّيَه؛ فهذه المغالاةُ في المهر مذمومةٌ، «ويُكْرَهُ للرجل أَنْ يُصْدِقَ المرأةَ صداقًا يضرُّ به إِنْ نَقَده ويعجز عن وفائه إِنْ كان دَيْنًا، قال أبو هريرة: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ»، فَقَالَ: «عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟» قَالَ: «عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ»، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ، فَكَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الجَبَلِ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ، وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ»، قال: فَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي عَبْسٍ فَبَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ»(٦) »(٧).
وعليه، فالإسلام لا يَعتبِرُ المرأةَ سلعةً في سوق الزواج تجري فيها النظرةُ المادِّيةُ البحتةُ، التي تُعشعِشُ على طائفةٍ مِنَ الناس وتُسيطِرُ على أفكارهم، فرفعُ قيمةِ المهر ليسَتْ مكرمةً في الدنيا أو تقوَى عند الله تعالى، وخفضُ قيمةِ المهر ليس إهانةً للمرأة، بل هو بَرَكةٌ في زواجها وابتعادٌ عن الآثار السلبية غيرِ المَرْضيَّة المُترتِّبة عن غلاء المهور وارتفاعِها، كما ثَبَت عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تخفيفُ الصداق وعدمُ المغالاة فيه في مثل قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ»(٨)، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مِنْ يُمْنَ الْمَرْأَةِ تَسْهِيلُ أَمْرِهَا وَقِلَّةُ صَدَاقِهَا»، قَالَ عُرْوَةُ: «وَأَنَا أَقُولُ مِنْ عِنْدِي: وَمِنْ شُؤْمِهَا تَعْسِيرُ أَمْرِهَا وَكَثْرَةُ صَدَاقِهَا»(٩). ويدلُّ الحديثُ على أنَّ «المغالاة في المهر مكروهةٌ في النكاح، وأنها مِنْ قلَّةِ بَرَكتِه وعُسْرِه»(١٠)؛ فالسنَّةُ ـ إذَنْ ـ تخفيفُ المهرِ وأَنْ لا يزيد على مهرِ نساءِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبناتِه، وقد أخرج أبو داود وغيرُه عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ السُّلَمِيِّ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ رَحِمَهُ اللهُ فَقَالَ: «أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً»(١١).
ويجدر التنبيه: أنَّ العرف المقبولَ هو العرفُ الصحيح العامُّ المطَّرِدُ مِنْ عهد الصحابة ومَنْ بعدهم الذي لا يخالف نصًّا شرعيًّا ولا قاعدةً أساسيةً، ولا اعتبارَ للعرف الفاسد ولا احتجاجَ به بأيِّ حالٍ مِنَ الأحوال؛ فإنَّ في العمل به ـ والحالُ هذه ـ تمييعًا للدين وإضاعةً للشريعة وخروجًا عن مقاصدها ومراميها.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٨ ذو القعدة ١٤٣٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٢١ أغسطس ٢٠١٦م
(١) انظر: «الاستذكار» لابن عبد البرِّ (٥/ ٤١٣).
(٢) المصدر السابق، وانظر قضاءَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الصداق بما قلَّ وكَثُر، وقضاءَه بصحَّةِ النكاح على ما مع الزوج مِنَ القرآن في: «زاد المعاد» (٥/ ١٧٦).
(٣) قال الخطَّابيُّ ـ رحمه الله ـ: «معنى قوله: «زوَّجها النجاشيُّ» أي: ساق إليها المهرَ؛ فأُضِيفَ عقدُ النكاح إليه لوجودِ سببِه منه وهو المهرُ، وقد روى أصحابُ السِّيَر أنَّ الذي عَقَد النكاحَ عليها خالد بنُ سعيد بنِ العاص، وهو ابنُ عمِّ أبي سفيان، وأبو سفيان ـ إذ ذلك ـ مشركٌ، وقَبِل نكاحَها عمرو بنُ أُمَيَّةَ الضَّمْريُّ: وكَّله رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك» [«معالم السنن» (٢/ ٥٨٣)].
(٤) أخرجه أبو داود في «النكاح» باب الصداق (٢١٠٧)، والنسائيُّ في «النكاح» باب القسط في الأَصْدِقة (٣٣٥٠)، وأحمد (٢٧٤٠٨)، مِنْ حديثِ أمِّ حبيبة رضي الله عنها. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (١٨٣٥).
(٥) لحديثِ أمِّ حبيبة رضي الله عنها الذي مضى، في رواية النسائيِّ أنه: «.. كَانَ مَهْرُ نِسَائِهِ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ»، ولقولِ عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه الآتي في متن الفتوى، وفيه: «مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً»، ولحديثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» قَالَتْ: «كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا»، قَالَتْ: «أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟» قَالَ: قُلْتُ: «لَا»، قَالَتْ: «نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ» [أخرجه مسلمٌ في «النكاح» (١٤٢٦)]، والأوقيَّةُ: أربعون درهمًا، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٥/ ٥٦، ٢١٧)].
(٦) أخرجه مسلمٌ في «النكاح» (١٤٢٤) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٧) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٣٢/ ١٩٢ ـ ١٩٣).
(٨) أخرجه الحاكم في «مستدركه» (٢٧٤٢) مِنْ حديثِ عقبة بنِ عامرٍ الجُهَنيِّ رضي الله عنه. وقال: «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، ولم يُخْرِجاه» ووافقه الذهبيُّ، لكِنْ قال الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (٦/ ٣٤٥): «إنما هو على شرط مسلمٍ وَحْدَه؛ فإنَّ محمَّد بنَ سلمة وخالد بنَ أبي يزيد لم يُخْرِجْ لهما البخاريُّ في «صحيحه»»، وانظر: «صحيح الجامع» (٣٢٧٩).
(٩) أخرجه ابنُ حِبَّان (٤٠٩٥) مِنْ حديثِ عروة عن عائشة رضي الله عنها. وحسَّنه الألبانيُّ في «التعليقات الحسان» (٦/ ٢٠٨). وانظر: «الإرواء» (٦/ ٣٥٠) و«صحيح الجامع» (٢٢٣٥).
(١٠) «زاد المَعاد» لابن القيِّم (٥/ ١٧٨).
(١١) أخرجه أبو داود في «النكاح» باب الصداق (٢١٠٦)، والترمذيُّ في «النكاح» (١١١٤م)، وابنُ ماجه في «النكاح» بابُ صَداقِ النساء (١٨٨٧). قال الترمذيُّ: «هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (١٩٢٧) و«التعليقات الحسان» (٤٦٠١).
فتاوى الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس -حفظه الله -
في حكم الزيادة في المهر | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - إنشاء عقد الزواج
في حكم الزيادة في المهر
السؤال:هل في خفضِ قيمةِ مهرِ العروس إهانةٌ لها؟ مع العلم أنه ساد ـ في مجتمعنا ـ عرفُ العملِ بارتفاعِ مهرِ العروس؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فلا خلافَ بين أهل العلم أنه لا حَدَّ لأكثرِ ما يدفعه الزوجُ مهرًا لزوجته قولًا واحدًا(١)، كما أنه يصحُّ المهرُ بكُلِّ ما يُسمَّى مالًا أو ما يُقوَّمُ بمالٍ؛ فلا حدَّ لأقلِّ المهر على الراجح الصحيح(٢).
والعبرةُ ـ فيه ـ بحال الزوج مِنْ جهةِ الغنى أو الفقر:
فيجوز للغنيِّ المُوسِرِ إِنْ أراد أَنْ يُمْهِرَ كثيرًا فلا يُكْرَهُ له الزيادةُ في المهر، ما لم يَقترِنْ بفعله قصدُ التفاخر والرِّياء والمباهاة ونحوِها.
ويدلُّ على مشروعيةِ الإكثار مِنْ صَداقِ الزوجة قولُه تعالى: ﴿وَإِنۡ أَرَدتُّمُ ٱسۡتِبۡدَالَ زَوۡجٖ مَّكَانَ زَوۡجٖ وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنۡهُ شَيًۡٔا﴾ [النساء: ٢٠]، وروى أبو داود بسنده عن أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها: «أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ فَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ(٣) النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ»(٤)، والمعلومُ أنَّ مهور أزواجِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أربعُمائةِ درهمٍ أو خمسُمائةٍ(٥).
أمَّا إِنْ كان الزوجُ مُعْسِرًا فقيرًا لا يطيق غلاءَ المهرِ إلَّا بالاستدانة التي تُثْقِلُ كاهِلَه، وقد يعجز عن تسديد الدَّيْن أو تُشْغَلُ ذمَّتُه بصداقٍ لا يريد أَنْ يؤدِّيَه؛ فهذه المغالاةُ في المهر مذمومةٌ، «ويُكْرَهُ للرجل أَنْ يُصْدِقَ المرأةَ صداقًا يضرُّ به إِنْ نَقَده ويعجز عن وفائه إِنْ كان دَيْنًا، قال أبو هريرة: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ»، فَقَالَ: «عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟» قَالَ: «عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ»، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ، فَكَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الجَبَلِ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ، وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ»، قال: فَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي عَبْسٍ فَبَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ»(٦) »(٧).
وعليه، فالإسلام لا يَعتبِرُ المرأةَ سلعةً في سوق الزواج تجري فيها النظرةُ المادِّيةُ البحتةُ، التي تُعشعِشُ على طائفةٍ مِنَ الناس وتُسيطِرُ على أفكارهم، فرفعُ قيمةِ المهر ليسَتْ مكرمةً في الدنيا أو تقوَى عند الله تعالى، وخفضُ قيمةِ المهر ليس إهانةً للمرأة، بل هو بَرَكةٌ في زواجها وابتعادٌ عن الآثار السلبية غيرِ المَرْضيَّة المُترتِّبة عن غلاء المهور وارتفاعِها، كما ثَبَت عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تخفيفُ الصداق وعدمُ المغالاة فيه في مثل قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ»(٨)، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مِنْ يُمْنَ الْمَرْأَةِ تَسْهِيلُ أَمْرِهَا وَقِلَّةُ صَدَاقِهَا»، قَالَ عُرْوَةُ: «وَأَنَا أَقُولُ مِنْ عِنْدِي: وَمِنْ شُؤْمِهَا تَعْسِيرُ أَمْرِهَا وَكَثْرَةُ صَدَاقِهَا»(٩). ويدلُّ الحديثُ على أنَّ «المغالاة في المهر مكروهةٌ في النكاح، وأنها مِنْ قلَّةِ بَرَكتِه وعُسْرِه»(١٠)؛ فالسنَّةُ ـ إذَنْ ـ تخفيفُ المهرِ وأَنْ لا يزيد على مهرِ نساءِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبناتِه، وقد أخرج أبو داود وغيرُه عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ السُّلَمِيِّ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ رَحِمَهُ اللهُ فَقَالَ: «أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً»(١١).
ويجدر التنبيه: أنَّ العرف المقبولَ هو العرفُ الصحيح العامُّ المطَّرِدُ مِنْ عهد الصحابة ومَنْ بعدهم الذي لا يخالف نصًّا شرعيًّا ولا قاعدةً أساسيةً، ولا اعتبارَ للعرف الفاسد ولا احتجاجَ به بأيِّ حالٍ مِنَ الأحوال؛ فإنَّ في العمل به ـ والحالُ هذه ـ تمييعًا للدين وإضاعةً للشريعة وخروجًا عن مقاصدها ومراميها.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٨ ذو القعدة ١٤٣٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٢١ أغسطس ٢٠١٦م
(١) انظر: «الاستذكار» لابن عبد البرِّ (٥/ ٤١٣).
(٢) المصدر السابق، وانظر قضاءَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الصداق بما قلَّ وكَثُر، وقضاءَه بصحَّةِ النكاح على ما مع الزوج مِنَ القرآن في: «زاد المعاد» (٥/ ١٧٦).
(٣) قال الخطَّابيُّ ـ رحمه الله ـ: «معنى قوله: «زوَّجها النجاشيُّ» أي: ساق إليها المهرَ؛ فأُضِيفَ عقدُ النكاح إليه لوجودِ سببِه منه وهو المهرُ، وقد روى أصحابُ السِّيَر أنَّ الذي عَقَد النكاحَ عليها خالد بنُ سعيد بنِ العاص، وهو ابنُ عمِّ أبي سفيان، وأبو سفيان ـ إذ ذلك ـ مشركٌ، وقَبِل نكاحَها عمرو بنُ أُمَيَّةَ الضَّمْريُّ: وكَّله رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك» [«معالم السنن» (٢/ ٥٨٣)].
(٤) أخرجه أبو داود في «النكاح» باب الصداق (٢١٠٧)، والنسائيُّ في «النكاح» باب القسط في الأَصْدِقة (٣٣٥٠)، وأحمد (٢٧٤٠٨)، مِنْ حديثِ أمِّ حبيبة رضي الله عنها. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (١٨٣٥).
(٥) لحديثِ أمِّ حبيبة رضي الله عنها الذي مضى، في رواية النسائيِّ أنه: «.. كَانَ مَهْرُ نِسَائِهِ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ»، ولقولِ عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه الآتي في متن الفتوى، وفيه: «مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً»، ولحديثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» قَالَتْ: «كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا»، قَالَتْ: «أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟» قَالَ: قُلْتُ: «لَا»، قَالَتْ: «نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ» [أخرجه مسلمٌ في «النكاح» (١٤٢٦)]، والأوقيَّةُ: أربعون درهمًا، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٥/ ٥٦، ٢١٧)].
(٦) أخرجه مسلمٌ في «النكاح» (١٤٢٤) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٧) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٣٢/ ١٩٢ ـ ١٩٣).
(٨) أخرجه الحاكم في «مستدركه» (٢٧٤٢) مِنْ حديثِ عقبة بنِ عامرٍ الجُهَنيِّ رضي الله عنه. وقال: «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، ولم يُخْرِجاه» ووافقه الذهبيُّ، لكِنْ قال الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (٦/ ٣٤٥): «إنما هو على شرط مسلمٍ وَحْدَه؛ فإنَّ محمَّد بنَ سلمة وخالد بنَ أبي يزيد لم يُخْرِجْ لهما البخاريُّ في «صحيحه»»، وانظر: «صحيح الجامع» (٣٢٧٩).
(٩) أخرجه ابنُ حِبَّان (٤٠٩٥) مِنْ حديثِ عروة عن عائشة رضي الله عنها. وحسَّنه الألبانيُّ في «التعليقات الحسان» (٦/ ٢٠٨). وانظر: «الإرواء» (٦/ ٣٥٠) و«صحيح الجامع» (٢٢٣٥).
(١٠) «زاد المَعاد» لابن القيِّم (٥/ ١٧٨).
(١١) أخرجه أبو داود في «النكاح» باب الصداق (٢١٠٦)، والترمذيُّ في «النكاح» (١١١٤م)، وابنُ ماجه في «النكاح» بابُ صَداقِ النساء (١٨٨٧). قال الترمذيُّ: «هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (١٩٢٧) و«التعليقات الحسان» (٤٦٠١).
فتاوى الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس -حفظه الله -
في حكم الزيادة في المهر | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله