فتاوى الغيبة والنميمة(63فتوى)
بسم الله الرحمن الرحيم
1_ خطورة انتشار الغيبة في أوساط الناس
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:ونحن نرى بعض الناس الآن يشيعوا أقوالاً عن أشخاص معينين، بل يشيعوا أقوالاً أو أفعالاً عن علماء ما قالوها ولا فعلوها، بل يشيعوا أقوالاً وأفعالاً عن ذوي السلطة وذوي الأمر ما قالوها ولا فعلوها.
وغيبة ولاة الأمور من العلماء والأمراء الحُكَّام من الملِك والوزير وغيرهما أشد من غيبة عامة الناس؛ لأن غيبة ولاة الأمور تحدث الكراهة لولي الأمر، وإذا كره الإنسان ولي أمره صار لا يخضع لقوله، وصار ولي الأمر لا يفعل شيئاً حسناًَ إلا كان غائباً عن بصر هذا الإنسان، ولا يفعل سيئة واحدة إلا كانت في بصره وقلبه، لماذا؟! لأنه يبغضه ويكرهه بما نُشر من الأشياء، وقد قال الشاعر الحكيم:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تُبْدِي المَساوِيا فالإنسان الساخط لا تظن أنه سينشر حسنة لمن هو ساخط عليه؛ لكن هذا الساخط المبغض ينشر كل السيئات، ويسكت عن الحسنات، وكأنها ما حصلت.
فغيبة ولاة الأمور تُحْدِث كراهةَ ولي الأمر وبُغضَه وعدمَ الانصياع لأمره، وتجعل حسناته سيئات، وهذا خطير على المجتمع كله؛ لأن الأمور إذا أصبحت فوضى لا زمام لها فَسَدَ النظام، وتفرقت الأمة، وهل إذا نشرنا مثلاً مساوئ ولاة الأمور، هل هذا يُصْلِح من الحال شيئاً؟ لو كان يُصْلِح لكان طيباً؛ لكنه لا يُصْلِح، بل يزيد الأمر شدة، ويزيد ولي الأمر انتباهاً فيقع فيما لا يحق له أن يقع فيه من اتهام بعض البرآء بأمر هم منه بريئون، ويحصل بذلك شر على الناشر للمساوئ وعلى غيره.
وهل الغيبة ذنب سهل، أو أنها من كبائر الذنوب؟! بل من كبائر الذنوب.
يقول ابن عبد القوي في منظومته الدالية الفقهية:
وقد قيل صُغْرى غيبةٌ ونميمةٌ وكلتاهما كُبْرى على نص أحمد
أي: أحمد بن حنبل رحمه الله.
فالغيبة من كبائر الذنوب، قال الله عزَّ وجلَّ: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] ، من يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً، هل أحدٌ يحب هذا؟! لا أحد يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً، وشبَّه الله الغيبة بأكل لحم الميت، لأن المغتاب ليس بحاضر ليدافع عن نفسه، كالميت إذا أكلتَه فهو ميت لا يدافع عن نفسه، وهذا تشبيهٌ بأقبحِ ما يكون، مما يدل على أن الغيبة مكروهة عند الله عزَّ وجلَّ، ويجب أن تكون مكروهة عند العاقل؛ لأنه تعالى قال: {فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] .
خطورة غيبة العلماء
كذلك غيبة العلماء، والعلماء ليسوا معصومين بلا شك، ولا أحد يُعْصَم إلا واحدٌ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام مالك رحمه الله: ما منا إلا ويؤخذ من قوله ويُتْرك إلا صاحب هذا القبر يشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وصَدَقَ رحمه الله؛ كُلٌّ يُخْطِئ، حتى الإنسان نفسه يعرف خطأه أحياناً إذا قال قولاً ثم بَحَثَ أو نوقِش فيه، وتبيَّن أنه مخطئ.
لكن هل من جزاء العلماء الذين أتْعَبوا أنفسهم في تحصيل العلم ولم يدَّخروا وُسْعاً في نشره بين الأمة أنهم إذا أخطئوا خطئاً واحداً أن يُنْشَر خطأهم ويُسْكَت عن محاسنهم؟! الجواب لا والله.
ليس من جزائهم، وليس هذا من العدل، ولا من القسط، بل العدل أن توازن بين الحسنات والسيئات، فإذا رَجَحَت الحسنات على السيئات فالإنسان من المحسنين، هذا إذا تقاربت السيئات مع الحسنات، فكيف إذا كانت السيئة واحدة في مقابل آلاف الحسنات؟! لكن بعض الناس والعياذ بالله يتخذ من الخطأ الواحد ذريعة للسب، والقيل والقال، ويضيف إلى هذه السيئة سيئات أخرى.
وهذا لا يجوز أبداً بأي حال من الأحوال.
واعلموا أن الناس إذا قلَّت ثقتهم بالعلماء فليس معنى هذا أنه إساءة إلى العالِم شخصياً فحسب، بل هو إساءة إلى العالِم وإلى ما يحمله من الشريعة؛ فإذا نزل العالِم من أعين الناس ما قبلوا قوله، وردوه ولو كان أوضح من الشمس؛ لأن الثقة نُزِعت منهم، ولولا ثقة الناس بعضِهم ببعض ما انتفع أحدٌ من أحد أبداً، حتى الإنسان الذي تريد أن تعامله معاملة فتبيع له وتشتري منه إذا لم تثق به هل تعامله؟! لا.
لذلك أوصيكم بأن تحرصوا غاية الحرص على تجنُّب القيل والقال، وعلى أن يشتغل الإنسان بما يهمه عما لا يعنيه؛ لأن ذلك من حسن إسلام المرء، كما نطق به الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم ممن كفى الناسَ شرَّه، وكفاه شرَّ الناس، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يتقبل منا ومنكم.
وأبشركم بأن حضوركم إلى هذا المجلس داخلٌ في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) .نسأل الله لنا ولكم الإخلاص.
لقاء الباب المفتوح (66/7)
2_ هجر المغتاب
سئل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: لي صديق كثيرا ما يتحدث في أعراض الناس، وقد نصحته ولكن دون جدوى، ويبدو أنها أصبحت عادة عنده، وأحيانا يكون كلامه في الناس عن حسن نية. فهل يجوز هجره؟
فأجاب بقوله :الكلام في أعراض المسلمين بما يكرهون منكر عظيم، ومن الغيبة المحرمة بل من كبائر الذنوب؛ لقول الله سبحانه: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} ولما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أتدرون ما الغيبة؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته » ، «وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما عرج به مر على قوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم » أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد جيد عن أنس رضي الله عنه، وقال العلامة ابن مفلح: إسناده صحيح، قال: وخرج أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا: «أن من الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق » .
والواجب عليك وعلى غيرك من المسلمين عدم مجالسة من يغتاب المسلمين مع نصيحته والإنكار عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان » . رواه مسلم في صحيحه. فإن لم يمتثل فاترك مجالسته؛ لأن ذلك من تمام الإنكار عليه.
أصلح الله حال المسلمين ووفقهم لما فيه سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة.
مجموع فتاوى ابن باز (5/400)
3_ الغيبة محرمة بإجماع المسلمين
سئل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: بعض الناس -هداهم الله- لا يرون الغيبة أمرا منكرا أو حراما، والبعض يقول: إذا كان في الإنسان ما تقول فغيبته ليست حراما متجاهلين أحاديث المصطفى، أرجو من سماحة الشيخ توضيح ذلك جزاه الله خيرا. ض. ش- حائل.
فأجاب بقوله :الغيبة محرمة بإجماع المسلمين، وهي من الكبائر سواء كان العيب موجودا في الشخص أم غير موجود؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما «سئل عن الغيبة قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته » ، وثبت عنه أنه «رأى ليلة أسري به قوما لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فسأل عنهم فقيل له: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم » .
وقد قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من الغيبة والتواصي بتركها؛ طاعة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وحرصا من المسلم على ستر إخوانه وعدم إظهار عوراتهم، ولأن الغيبة من أسباب الشحناء والعداوة وتفريق المجتمع وفق الله المسلمين لكل خير.
مجموع فتاوى ابن باز (5/421)
4_ الغيبة فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأوضح تفسير
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:إنني أريد أن أتجنب الغيبة والنميمة فأخبرونا عن صفة الغيبة وأخبرونا أيضاً عن صفة النميمة؟
فأجاب بقوله :الغيبة فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأوضح تفسير حيث قال الغيبة ذكرك أخاك بما يكره يعني أن تذكر أخاك بما يكره أن يذكر به من وصفٍ خُلقي أو وصفٍ خلقي أو وصفٍ عملي فإذا قلت مثلاً فلانٌ أعور فلانٌ أعمى فلانٌ قصير فلانٌ فيه كذا وكذا تعيره بذلك فهذه غيبة وكذلك أيضاً إذا قلت فلان أحمق سيء الخلق فيه كذا وكذا تعيره بذلك أيضاً فهو غيبة وكذلك إذا قلت فلانٌ فاسق فلانٌ فيه كذا وكذا من الأعمال السيئة تعيره بذلك فإنه من الغيبة فالغيبة ذكرك أخاك بما يكره أي بما يكره أن يذكر به من صفةً خِلقية أو خلقية أو عمليه وأما النميمة فهي السعي بين الناس بما يفرق بينهم بأن تأتي مثلاً إلى فلان وتقول يذكرك فلان بكذا وكذا يسبك يشتمك يقول فيك ويقول فيك لأجل أن تفرق بينهما فالنميمة هي السعي بين الناس بما يفرق بينهم وكلا العملين عمل ذميم ومن كبائر الذنوب فالغيبة ضرب الله لها مثلاً تنفر منه كل نفس فقال سبحانه وتعالى (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) فجعل الله تبارك وتعالى غيبة المرء كمثل أكل لحمه وهو ميت وإنما وصف ذلك بأكل لحمه وهو ميت لأن الغائب لا يستطيع الدفاع عن نفسه فهو كالميت الذي يؤكل لحمه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه وقد ذكر بعض العلماء أن المغتاب للناس يعرضون عليه يوم القيامة أمواتاً ويكلف بأكل لحومهم وهذه بلا شك نوعٌ من العقوبة العظيمة وأما النميمة فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) وبهذا علم أن النميمة من أسباب عذاب القبر نسأل الله السلامة والعافية.فتاوى
فتاوى نور على الدرب للعثيمين(24/2)
5_ لو كان كارهاً لذلك لقام ولم يجلس لأن من المعلوم أن من كره شيئاً لم يطق أن يبقى عليه ولكن هذا من باب التمني
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: أعلم بأن الغيبة والكذب محرم ولكن عندما يجلس الإنسان في مجلس يكثر فيه هذا الموضوع وينصح الجالسين يقولون بأن هذا الكلام يتداول دائماً وليس فيه شيء فنريد تبيين الحكم الشرعي بارك الله فيكم؟
فأجاب بقوله :أولاً الحكم الشرعي في الغيبة أنها محرمة بل هي من كبائر الذنوب كما نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله وقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (الغيبة ذكرك أخاك بما يكره) سواء كان ذلك في عيب خَلقي أو خُلقي أو ديني فكلما ذكرت أخاك بما يكره فإنك قد اغتبته حتى وإن كان فيه ما تقول ولهذا قال الصحابة أرأيت يا رسول الله إن كان فيه ما أقول قال (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) وقد حذر الله منها في قوله (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) وتأمل هذا المثل حيث جعل الله المغتاب الذي اغتاب إخوانه بمنزلة الرجل الذي يأكل لحم أخيه ميتاً ومعلوم أنه لا يمكن لأحد أن يأكل لحم أخيه ميتاً ولهذا قال فكرهتموه وإنما شبه الله الغيبة بهذا لأن المغتاب الذي اغتيب غائب لا يستطيع أن يدافع عن نفسه فهو بمنزلة الميت الذي يؤكل لحمه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه وأن يمنع الناس من أكل لحمه وإذا وقعت الغيبة من شخص لآخر فإن الواجب على الذي اغتاب أخاه أن يستحله ويطلب منه أن يحله في الدنيا قبل أن يؤخذ ذلك من أعماله الصالحة في يوم القيامة هذا إذا كان قد علم بأنه قد اغتاب أما إذا لم يعلم فإن بعض أهل العلم يقولون لا ينبغي أن يعلمه بأنه اغتابه لأنه ربما يصر على أن لا يسمح عنه ويكفي أن يستغفر له وأن يثني عليه في الأماكن والجماعات التي كان يغتابه فيها والحسنات يذهبن السيئات.
أما بالنسبة للكذب فإن الكذب ليس من خلق المؤمن بل هو من آيات المنافقين وعلاماتهم كما قال الله تبارك وتعالى (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) فالكذب من صفات المنافقين وعلاماتهم وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (آية المنافق ثلاثة إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان) فلا يجوز لأحد أن يكذب على أحد سواء كان ذلك في أمور الدين أو في أمور الدنيا وهو في أمور الدين أشد كما يفعله بعض الناس ينسب إلى العلماء أقوال ما قالوها وفتاوى ما أفتوا بها كذباً وزوراً لكنه يريد أن يبرر قوله ليسنده بما ينسب إلى العالم من قول أو فتوى وهذا ضرره عظيم وخطره جسيم فإذا تبين حكم الغيبة والكذب فإننا نقول لا يجوز لأحد أن يبقى في مجلس فيه الغيبة أو فيه الكذب بل يجب عليه أن يناصح أهل المجلس فإن امتثلوا وقبلوا النصيحة فهذا خير للجميع وإن لم يفعلوا فالواجب عليه أن يقوم وأن لا يجلس معهم لأن الجالس مع أهل المعصية بمنزلتهم كما قال الله تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) يقول بعض الناس مفتياً نفسه إنه يجلس مع أهل المعصية وهو كاره لذلك فهو منكر بقلبه فنقول له لو كان كارهاً لذلك لقام ولم يجلس لأن من المعلوم أن من كره شيئاً لم يطق أن يبقى عليه ولكن هذا من باب التمني وهو من العجز فإن العاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
فتاوى نور على الدرب للعثيمين(24/2)
6_ إذا كانت هذه الصديقة هي ربة البيت التي تملك المنع والإذن للداخلين فإنه يجب عليها أن تمنع الإذن لهؤلاء النسوة اللاتي لا يجلسن إلا على لحوم الناس.
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:هذه السائلة تقول لي صديقة متعلمة تزوجت من ابن عمتها وهي الآن تعيش معه في ذلك البيت ويحصل غيبة كثيرة فيومياً تأتي النسوة إليهم ويجتمعن بالحديث على الناس فلا يتركن أحداً من شرهن أما صديقتي فإنها إما أن تبقى جالسة تستمع لكلامهم دون أن تتحدث أو تتركهم وتذهب إلى غرفتها تجلس فيها فهل عملها صحيح أرشدوها على الخير جزاكم الله خيرا؟
فأجاب بقوله :إذا كانت هذه الصديقة هي ربة البيت التي تملك المنع والإذن للداخلين فإنه يجب عليها أن تمنع الإذن لهؤلاء النسوة اللاتي لا يجلسن إلا على لحوم الناس وأما إذا كانت لا تملك ذلك وليست ربة البيت فإنه يجب عليها إذا سمعت غيبة هؤلاء النساء أن تنصحهن أولاً فإن لم يكففن عن الغيبة وجب عليها أن تقوم عن المكان إلى حجرتها أو غرفتها حتى يغادر هؤلاء البيت ولكني أنصح قبل كل شيء هؤلاء النساء من الغيبة لأن الغيبة من كبائر الذنوب وقد مثلها الله تعالى بأقبح مثال فقال تعالى (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) ومن المعلوم أنه لا أحد يحب أن يأكل لحم أخيه حياً فضلاً عن كونه ميتاً والمغتاب كالذي يأكل لحم الميت لأنه يغتاب هذا الرجل بغيبته بحيث لا يستطيع أن يدافع عن نفسه أي أن الذي أغتيب كالميت يؤكل لحمه ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه ثم لتعلم هؤلاء النساء أنهن ما تكلمن بكلمة في شخص من ذكر أو أنثى إلا إذا كان يوم القيامة (أخذ من حسناتهن وحملت على حسناته فإن بقي من حسناتهن شيء وإلا أخذ من سيئاته فطرحت عليهن ثم طرحن في النار) ويروى بسند فيه نظر (أن امرأتين كانتا صائمتين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فعطشتا عطشاً شديداً حتى كادتا تموتان من العطش فدعا بهما النبي صلى الله عليه وسلم وأمرهما أن يتقيأ فتقيأتا قيحاً وصديداً ولحماً عبيطاً ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم إن هاتين صامتا عما أحل الله لهم وأفطرتا على ما حرم الله عليهما جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس) (ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أقواماً لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقال من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) فليحذر هؤلاء النسوة من الغيبة وليتقين الله عز وجل وإذا كانت الغيبة في الأقارب صارت غيبة وقطيعة والعياذ بالله وقطيعة الرحم من كبائر الذنوب العظيمة قال الله تبارك وتعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة قاطع) أي قاطع رحم فالغيبة إذا كانت في الأقارب صارت أشد وأعظم وإذا كانت في عامة الناس كانت من كبائر الذنوب فلا يمكن أن يسلم المغتاب من إثم أبدا ولكن مع ذلك إذا تاب الإنسان ورجع إلى الله واستحل ممن اغتابه إن كانت الغيبة قد بلغته فإنه الله تعالى يمحو بذلك سيئاته.
فتاوى نور على الدرب للعثيمين(24/2)
7_ الغيبة ذكرك أخاك بما يكره في غيبته بأن تقول في غيبته إنه فاسق إنه متهاون بدين الله أو إن فيه كذا
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:ما معنى الغيبة والنميمة وهل النهي عن المنكر من الغيبة والنميمة مثل أن نقول للناس إن هذا الشخص فعل كذا ليحذره الناس وما جزاء من يقول مثل ذلك؟
فأجاب بقوله :الغيبة ذكرك أخاك بما يكره في غيبته بأن تقول في غيبته إنه فاسق إنه متهاون بدين الله أو إن فيه كذا وكذا من العيوب الخِلْقية التي تتعلق بالبدن أو إن فيه كذا وكذا من العيوب الخلقية التي تتعلق بالخلق فإذا ذكرت أخاك في غيبته بما يكره في دينه أو بدنه أو خُلقه فتكون هي الغيبة إن كان فيه ماتقول أما إن لم يكن فيه ما تقول فإن ذلك غيبة وبهتان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل أرأيت يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول قال (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) أي بهته بالإضافة إلى غيبته هذه هي الغيبة والغيبة إذا حصلت في حضور المغتاب صارت سباً وشتماً.
وأما النميمة فليست هي الغيبة النميمة نقل كلام الغير إلى من تكلم فيه بقصد الإفساد بينهما مثل أن تذهب لشخص فتقول قال فيك فلان كذا وكذا لتفسد بينهما والنميمة من كبائر الذنوب كما إن الغيبة أيضاً من كبائر الذنوب على القول الراجح سواء كان الذي نممت فيه قد قال ما قال أو لم يقل فلا يحل لأحد أن ينقل كلام أحد إلى من تكلم فيه فيلقي العداوة بينهما بل إذا تكلم أحدهما في شخص فانصحه وحذره من النميمة وقل له لا تنقل إليّ كلام الناس فيّ واتق الله حتى يدع النميمة واعلم أن من نمّ إليك نمّ عنك فاحذره ولهذا قال الله تعالى (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يدخل الجنة قتات) أي نمام وثبت عنه أنه (مر برجلين يعذبان في قبورهما فقال لأحدهما إنه يمشي بالنميمة) وأعظم النميمة أن ينم الإنسان بين علماء الشرع فينقل عن هذا العالم إلى هذا العالم الكلام بينهما ليفسد بينهما ولاسيما إن كان كذباً فإنه يجمع بين النميمة والكذب يذهب إلى العالم ويقول إن فلاناً من أهل العلم يقول فيك كذا وكذا فإن هذا من كبائر الذنوب وفيه مفسدة عظيمة وإيقاع للعداوة بين العلماء فيحصل في ذلك تفكك في المجتمع تبعاً لتفكك علمائهم هذا هو الفرق بين الغيبة والنميمة.
أما قول السائل هل من الغيبة أن يتكلم بأوصاف يعرف الناس المتصف بها بعينه من غير أن يسميه المتكلم فالجواب أن نقول نعم إذا تكلم الإنسان بأوصاف لا تنطبق إلا على شخص معين معلوم بين الناس فإن هذا من الغيبة لأن الناس قد يعلمونه بوصفه الذي لا يتصف به إلا هو ولكن إذا كان هذا الوصف الذي ذكره من الأمور التي يجب تغييرها لكونها منكراً فإنه لا حرج أن يتكلم على من اتصف بها وإن كان قد تُعلم عنه وقد كان من عادة النبي عليه الصلاة والسلام إذا خالف أحد من الناس شريعة الله أن يتحدث فيهم فيقول (ما بال أقوام أو ما بال رجال) أو ما أشبه ذلك مع إنه ربما يعرف الناس من هؤلاء ويتفرع من ذلك أن الإنسان لو اغتاب شخصاً داعية سوء وعينه باسمه ليحذر الناس منه فإن هذا لا بأس به بل قد يكون واجباً عليه لما في ذلك من إزالة الخطر عن المسلمين الذين لا يعلمون عن حاله شيئاً.
فتاوى نور على الدرب للعثيمين(24/2)
8_الفرق بين الغيبة والنميمة
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:ما الفرق بين الغيبة والنميمة، وهل هناك أحوال يجوز للإنسان أن يغتاب فيها الناس؟
فأجاب بقوله : الفرق بين الغيبة والنميمة، أن الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره في غيبته، بأن تسبه في دينه أوخلقه أو خلقته أو عمله أو أي شيء، فإذا ذكرته بما يكره في غيبته فهذه الغيبة، (قالوا: يا رسول الله! أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) .
وأما النميمة فهي: نقل كلام الناس بعضهم لبعض بقصد الإفساد مثل: أن يأتي إلى شخص ويقول: إن فلان يقول فيك كذا وكذا، سواء كان صادقاً أو كاذباً، هذه هي النميمة مأخوذة من نم الحديث إذا عزاه إلى غيره، والنميمة أعظم من الغيبة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه مر بقبرين وقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) فهذا هو الفرق بينهما.
أما هل تجوز الغيبة أو النميمة؟! فهذا ينظر إذا كان ذلك للمصلحة فلا بأس أن تذكره بما يكره إذا كان للمصلحة، مثل: أن يأتي إليك رجل يستشيرك في شخص يريد أن يعامله أو يزوجه وأنت تعلم أن فيه شيئاً مذموماً فلك أن تذكر ذلك الشيء، فإن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تستشيره حيث تقدم لها ثلاثة رجال: أبو جهم ومعاوية بن أبي سفيان وأسامة بن زيد، فجاءت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: من تتزوج منهم فقال: (أما أبو جهم فضراب للنساء، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة) فهنا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر معاوية وأبا جهم بما يكرهون لكن لإرادة أن ينصف، فهذا لا بأس به.
كذلك النميمة لو نممت إلى: إنسان ما يقول به شخص آخر ترى أن هذا الشخص صديق له واثق منه، ولكن هذا الصديق الذي وثق منه ينقل كلامه إلى الناس، فتأتي إليه وتحذره وتقول: إن فلاناً ينقل كلامك إلى الناس، وأنه يقول فيك كذا،وكذا فهذا أيضاً لا بأس به، بل قد يكون واجباً.
والمسألة تعود إلى: هل في ذلك مصلحة تربو على مفسدة الغيبة فتقدم المصلحة، هل في ذلك مصلحة تربو على مفسدة النميمة فتقدم المصلحة؛ لأن الشرع كله حكمة يوازن بين المصالح والمفاسد فأيهما غلب صار الحكم له، إن غلبت المفسدة صار الحكم لها، وإن غلبت المصلحة صار الحكم لها، وإن تساوى الأمران فقد قال العلماء رحمهم الله: درأ المفاسد أولى من جلب المصالح.
لقاء الباب المفتوح(93/12)
9_ هل يجوز مجالسة من يغتاب؟
سئل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما هي الغيبة؟ وما حكم الوقوع في أعراض الناس وهل يجوز مجالسة من يغتاب؟
فأجاب بقوله :إن الكلام في أعراض المسلمين بما يكرهون منكر عظيم وهو من الغيبة المحرمة، بل من كبائر الذنوب لقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أتدرون ما الغيبة؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته » رواه مسلم.
ولقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما عرج به مر على قوم لهم أظافر من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقال: «يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم » . فالواجب عليك يا عبد الله وعلى غيرك من المسلمين عدم مجالسة من يغتاب المسلمين مع نصيحته والإنكار عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان » . فإن لم يمتثل بعد ذلك فاترك مجالسته لأن ذلك من تمام الإنكار عليه.
مجموع فتاوى ابن باز (9/239)
10_ لا يعتبر ذكر أوصاف الخاطب والمخطوبة للتعريف بهما والنصح لهما من الغيبة
السؤال : في حالة خطبة المرأة فإنه في معظم الأحيان توصف المرأة للرجل، ولا بد من ذكر عيوبها ومحاسنها؛ كالطول والجمال وإلى آخر ذلك، فهل مثل هذه الأوصاف تدخل تحت باب الغيبة؟ وكذلك غالبا ما يسألون عن الفصل والأصل، ويكثر ذلك عند السؤال عن الرجل والمرأة على السواء، مما يجعل المجيب في وضع حرج، إذ قد يغتاب الشخص من حيث لا يدري.
الجواب: لا يعتبر ذكر أوصاف الخاطب والمخطوبة للتعريف بهما والنصح لهما حتى يكون كل منهما على بينة من الآخر قبل عقد الزواج- لا يعتبر ذلك من الغيبة التي حرمها الله ورسوله، بل من النصح المأمور به في حديث: «الدين النصيحة » . . الخ، ومن التعاون على البر والخير، وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الفتوى رقم (6316)
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
بسم الله الرحمن الرحيم
1_ خطورة انتشار الغيبة في أوساط الناس
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:ونحن نرى بعض الناس الآن يشيعوا أقوالاً عن أشخاص معينين، بل يشيعوا أقوالاً أو أفعالاً عن علماء ما قالوها ولا فعلوها، بل يشيعوا أقوالاً وأفعالاً عن ذوي السلطة وذوي الأمر ما قالوها ولا فعلوها.
وغيبة ولاة الأمور من العلماء والأمراء الحُكَّام من الملِك والوزير وغيرهما أشد من غيبة عامة الناس؛ لأن غيبة ولاة الأمور تحدث الكراهة لولي الأمر، وإذا كره الإنسان ولي أمره صار لا يخضع لقوله، وصار ولي الأمر لا يفعل شيئاً حسناًَ إلا كان غائباً عن بصر هذا الإنسان، ولا يفعل سيئة واحدة إلا كانت في بصره وقلبه، لماذا؟! لأنه يبغضه ويكرهه بما نُشر من الأشياء، وقد قال الشاعر الحكيم:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تُبْدِي المَساوِيا فالإنسان الساخط لا تظن أنه سينشر حسنة لمن هو ساخط عليه؛ لكن هذا الساخط المبغض ينشر كل السيئات، ويسكت عن الحسنات، وكأنها ما حصلت.
فغيبة ولاة الأمور تُحْدِث كراهةَ ولي الأمر وبُغضَه وعدمَ الانصياع لأمره، وتجعل حسناته سيئات، وهذا خطير على المجتمع كله؛ لأن الأمور إذا أصبحت فوضى لا زمام لها فَسَدَ النظام، وتفرقت الأمة، وهل إذا نشرنا مثلاً مساوئ ولاة الأمور، هل هذا يُصْلِح من الحال شيئاً؟ لو كان يُصْلِح لكان طيباً؛ لكنه لا يُصْلِح، بل يزيد الأمر شدة، ويزيد ولي الأمر انتباهاً فيقع فيما لا يحق له أن يقع فيه من اتهام بعض البرآء بأمر هم منه بريئون، ويحصل بذلك شر على الناشر للمساوئ وعلى غيره.
وهل الغيبة ذنب سهل، أو أنها من كبائر الذنوب؟! بل من كبائر الذنوب.
يقول ابن عبد القوي في منظومته الدالية الفقهية:
وقد قيل صُغْرى غيبةٌ ونميمةٌ وكلتاهما كُبْرى على نص أحمد
أي: أحمد بن حنبل رحمه الله.
فالغيبة من كبائر الذنوب، قال الله عزَّ وجلَّ: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] ، من يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً، هل أحدٌ يحب هذا؟! لا أحد يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً، وشبَّه الله الغيبة بأكل لحم الميت، لأن المغتاب ليس بحاضر ليدافع عن نفسه، كالميت إذا أكلتَه فهو ميت لا يدافع عن نفسه، وهذا تشبيهٌ بأقبحِ ما يكون، مما يدل على أن الغيبة مكروهة عند الله عزَّ وجلَّ، ويجب أن تكون مكروهة عند العاقل؛ لأنه تعالى قال: {فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] .
خطورة غيبة العلماء
كذلك غيبة العلماء، والعلماء ليسوا معصومين بلا شك، ولا أحد يُعْصَم إلا واحدٌ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام مالك رحمه الله: ما منا إلا ويؤخذ من قوله ويُتْرك إلا صاحب هذا القبر يشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وصَدَقَ رحمه الله؛ كُلٌّ يُخْطِئ، حتى الإنسان نفسه يعرف خطأه أحياناً إذا قال قولاً ثم بَحَثَ أو نوقِش فيه، وتبيَّن أنه مخطئ.
لكن هل من جزاء العلماء الذين أتْعَبوا أنفسهم في تحصيل العلم ولم يدَّخروا وُسْعاً في نشره بين الأمة أنهم إذا أخطئوا خطئاً واحداً أن يُنْشَر خطأهم ويُسْكَت عن محاسنهم؟! الجواب لا والله.
ليس من جزائهم، وليس هذا من العدل، ولا من القسط، بل العدل أن توازن بين الحسنات والسيئات، فإذا رَجَحَت الحسنات على السيئات فالإنسان من المحسنين، هذا إذا تقاربت السيئات مع الحسنات، فكيف إذا كانت السيئة واحدة في مقابل آلاف الحسنات؟! لكن بعض الناس والعياذ بالله يتخذ من الخطأ الواحد ذريعة للسب، والقيل والقال، ويضيف إلى هذه السيئة سيئات أخرى.
وهذا لا يجوز أبداً بأي حال من الأحوال.
واعلموا أن الناس إذا قلَّت ثقتهم بالعلماء فليس معنى هذا أنه إساءة إلى العالِم شخصياً فحسب، بل هو إساءة إلى العالِم وإلى ما يحمله من الشريعة؛ فإذا نزل العالِم من أعين الناس ما قبلوا قوله، وردوه ولو كان أوضح من الشمس؛ لأن الثقة نُزِعت منهم، ولولا ثقة الناس بعضِهم ببعض ما انتفع أحدٌ من أحد أبداً، حتى الإنسان الذي تريد أن تعامله معاملة فتبيع له وتشتري منه إذا لم تثق به هل تعامله؟! لا.
لذلك أوصيكم بأن تحرصوا غاية الحرص على تجنُّب القيل والقال، وعلى أن يشتغل الإنسان بما يهمه عما لا يعنيه؛ لأن ذلك من حسن إسلام المرء، كما نطق به الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم ممن كفى الناسَ شرَّه، وكفاه شرَّ الناس، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يتقبل منا ومنكم.
وأبشركم بأن حضوركم إلى هذا المجلس داخلٌ في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) .نسأل الله لنا ولكم الإخلاص.
لقاء الباب المفتوح (66/7)
2_ هجر المغتاب
سئل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: لي صديق كثيرا ما يتحدث في أعراض الناس، وقد نصحته ولكن دون جدوى، ويبدو أنها أصبحت عادة عنده، وأحيانا يكون كلامه في الناس عن حسن نية. فهل يجوز هجره؟
فأجاب بقوله :الكلام في أعراض المسلمين بما يكرهون منكر عظيم، ومن الغيبة المحرمة بل من كبائر الذنوب؛ لقول الله سبحانه: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} ولما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أتدرون ما الغيبة؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته » ، «وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما عرج به مر على قوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم » أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد جيد عن أنس رضي الله عنه، وقال العلامة ابن مفلح: إسناده صحيح، قال: وخرج أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا: «أن من الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق » .
والواجب عليك وعلى غيرك من المسلمين عدم مجالسة من يغتاب المسلمين مع نصيحته والإنكار عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان » . رواه مسلم في صحيحه. فإن لم يمتثل فاترك مجالسته؛ لأن ذلك من تمام الإنكار عليه.
أصلح الله حال المسلمين ووفقهم لما فيه سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة.
مجموع فتاوى ابن باز (5/400)
3_ الغيبة محرمة بإجماع المسلمين
سئل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: بعض الناس -هداهم الله- لا يرون الغيبة أمرا منكرا أو حراما، والبعض يقول: إذا كان في الإنسان ما تقول فغيبته ليست حراما متجاهلين أحاديث المصطفى، أرجو من سماحة الشيخ توضيح ذلك جزاه الله خيرا. ض. ش- حائل.
فأجاب بقوله :الغيبة محرمة بإجماع المسلمين، وهي من الكبائر سواء كان العيب موجودا في الشخص أم غير موجود؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما «سئل عن الغيبة قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته » ، وثبت عنه أنه «رأى ليلة أسري به قوما لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فسأل عنهم فقيل له: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم » .
وقد قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من الغيبة والتواصي بتركها؛ طاعة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وحرصا من المسلم على ستر إخوانه وعدم إظهار عوراتهم، ولأن الغيبة من أسباب الشحناء والعداوة وتفريق المجتمع وفق الله المسلمين لكل خير.
مجموع فتاوى ابن باز (5/421)
4_ الغيبة فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأوضح تفسير
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:إنني أريد أن أتجنب الغيبة والنميمة فأخبرونا عن صفة الغيبة وأخبرونا أيضاً عن صفة النميمة؟
فأجاب بقوله :الغيبة فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأوضح تفسير حيث قال الغيبة ذكرك أخاك بما يكره يعني أن تذكر أخاك بما يكره أن يذكر به من وصفٍ خُلقي أو وصفٍ خلقي أو وصفٍ عملي فإذا قلت مثلاً فلانٌ أعور فلانٌ أعمى فلانٌ قصير فلانٌ فيه كذا وكذا تعيره بذلك فهذه غيبة وكذلك أيضاً إذا قلت فلان أحمق سيء الخلق فيه كذا وكذا تعيره بذلك أيضاً فهو غيبة وكذلك إذا قلت فلانٌ فاسق فلانٌ فيه كذا وكذا من الأعمال السيئة تعيره بذلك فإنه من الغيبة فالغيبة ذكرك أخاك بما يكره أي بما يكره أن يذكر به من صفةً خِلقية أو خلقية أو عمليه وأما النميمة فهي السعي بين الناس بما يفرق بينهم بأن تأتي مثلاً إلى فلان وتقول يذكرك فلان بكذا وكذا يسبك يشتمك يقول فيك ويقول فيك لأجل أن تفرق بينهما فالنميمة هي السعي بين الناس بما يفرق بينهم وكلا العملين عمل ذميم ومن كبائر الذنوب فالغيبة ضرب الله لها مثلاً تنفر منه كل نفس فقال سبحانه وتعالى (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) فجعل الله تبارك وتعالى غيبة المرء كمثل أكل لحمه وهو ميت وإنما وصف ذلك بأكل لحمه وهو ميت لأن الغائب لا يستطيع الدفاع عن نفسه فهو كالميت الذي يؤكل لحمه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه وقد ذكر بعض العلماء أن المغتاب للناس يعرضون عليه يوم القيامة أمواتاً ويكلف بأكل لحومهم وهذه بلا شك نوعٌ من العقوبة العظيمة وأما النميمة فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) وبهذا علم أن النميمة من أسباب عذاب القبر نسأل الله السلامة والعافية.فتاوى
فتاوى نور على الدرب للعثيمين(24/2)
5_ لو كان كارهاً لذلك لقام ولم يجلس لأن من المعلوم أن من كره شيئاً لم يطق أن يبقى عليه ولكن هذا من باب التمني
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: أعلم بأن الغيبة والكذب محرم ولكن عندما يجلس الإنسان في مجلس يكثر فيه هذا الموضوع وينصح الجالسين يقولون بأن هذا الكلام يتداول دائماً وليس فيه شيء فنريد تبيين الحكم الشرعي بارك الله فيكم؟
فأجاب بقوله :أولاً الحكم الشرعي في الغيبة أنها محرمة بل هي من كبائر الذنوب كما نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله وقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (الغيبة ذكرك أخاك بما يكره) سواء كان ذلك في عيب خَلقي أو خُلقي أو ديني فكلما ذكرت أخاك بما يكره فإنك قد اغتبته حتى وإن كان فيه ما تقول ولهذا قال الصحابة أرأيت يا رسول الله إن كان فيه ما أقول قال (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) وقد حذر الله منها في قوله (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) وتأمل هذا المثل حيث جعل الله المغتاب الذي اغتاب إخوانه بمنزلة الرجل الذي يأكل لحم أخيه ميتاً ومعلوم أنه لا يمكن لأحد أن يأكل لحم أخيه ميتاً ولهذا قال فكرهتموه وإنما شبه الله الغيبة بهذا لأن المغتاب الذي اغتيب غائب لا يستطيع أن يدافع عن نفسه فهو بمنزلة الميت الذي يؤكل لحمه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه وأن يمنع الناس من أكل لحمه وإذا وقعت الغيبة من شخص لآخر فإن الواجب على الذي اغتاب أخاه أن يستحله ويطلب منه أن يحله في الدنيا قبل أن يؤخذ ذلك من أعماله الصالحة في يوم القيامة هذا إذا كان قد علم بأنه قد اغتاب أما إذا لم يعلم فإن بعض أهل العلم يقولون لا ينبغي أن يعلمه بأنه اغتابه لأنه ربما يصر على أن لا يسمح عنه ويكفي أن يستغفر له وأن يثني عليه في الأماكن والجماعات التي كان يغتابه فيها والحسنات يذهبن السيئات.
أما بالنسبة للكذب فإن الكذب ليس من خلق المؤمن بل هو من آيات المنافقين وعلاماتهم كما قال الله تبارك وتعالى (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) فالكذب من صفات المنافقين وعلاماتهم وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (آية المنافق ثلاثة إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان) فلا يجوز لأحد أن يكذب على أحد سواء كان ذلك في أمور الدين أو في أمور الدنيا وهو في أمور الدين أشد كما يفعله بعض الناس ينسب إلى العلماء أقوال ما قالوها وفتاوى ما أفتوا بها كذباً وزوراً لكنه يريد أن يبرر قوله ليسنده بما ينسب إلى العالم من قول أو فتوى وهذا ضرره عظيم وخطره جسيم فإذا تبين حكم الغيبة والكذب فإننا نقول لا يجوز لأحد أن يبقى في مجلس فيه الغيبة أو فيه الكذب بل يجب عليه أن يناصح أهل المجلس فإن امتثلوا وقبلوا النصيحة فهذا خير للجميع وإن لم يفعلوا فالواجب عليه أن يقوم وأن لا يجلس معهم لأن الجالس مع أهل المعصية بمنزلتهم كما قال الله تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) يقول بعض الناس مفتياً نفسه إنه يجلس مع أهل المعصية وهو كاره لذلك فهو منكر بقلبه فنقول له لو كان كارهاً لذلك لقام ولم يجلس لأن من المعلوم أن من كره شيئاً لم يطق أن يبقى عليه ولكن هذا من باب التمني وهو من العجز فإن العاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
فتاوى نور على الدرب للعثيمين(24/2)
6_ إذا كانت هذه الصديقة هي ربة البيت التي تملك المنع والإذن للداخلين فإنه يجب عليها أن تمنع الإذن لهؤلاء النسوة اللاتي لا يجلسن إلا على لحوم الناس.
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:هذه السائلة تقول لي صديقة متعلمة تزوجت من ابن عمتها وهي الآن تعيش معه في ذلك البيت ويحصل غيبة كثيرة فيومياً تأتي النسوة إليهم ويجتمعن بالحديث على الناس فلا يتركن أحداً من شرهن أما صديقتي فإنها إما أن تبقى جالسة تستمع لكلامهم دون أن تتحدث أو تتركهم وتذهب إلى غرفتها تجلس فيها فهل عملها صحيح أرشدوها على الخير جزاكم الله خيرا؟
فأجاب بقوله :إذا كانت هذه الصديقة هي ربة البيت التي تملك المنع والإذن للداخلين فإنه يجب عليها أن تمنع الإذن لهؤلاء النسوة اللاتي لا يجلسن إلا على لحوم الناس وأما إذا كانت لا تملك ذلك وليست ربة البيت فإنه يجب عليها إذا سمعت غيبة هؤلاء النساء أن تنصحهن أولاً فإن لم يكففن عن الغيبة وجب عليها أن تقوم عن المكان إلى حجرتها أو غرفتها حتى يغادر هؤلاء البيت ولكني أنصح قبل كل شيء هؤلاء النساء من الغيبة لأن الغيبة من كبائر الذنوب وقد مثلها الله تعالى بأقبح مثال فقال تعالى (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) ومن المعلوم أنه لا أحد يحب أن يأكل لحم أخيه حياً فضلاً عن كونه ميتاً والمغتاب كالذي يأكل لحم الميت لأنه يغتاب هذا الرجل بغيبته بحيث لا يستطيع أن يدافع عن نفسه أي أن الذي أغتيب كالميت يؤكل لحمه ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه ثم لتعلم هؤلاء النساء أنهن ما تكلمن بكلمة في شخص من ذكر أو أنثى إلا إذا كان يوم القيامة (أخذ من حسناتهن وحملت على حسناته فإن بقي من حسناتهن شيء وإلا أخذ من سيئاته فطرحت عليهن ثم طرحن في النار) ويروى بسند فيه نظر (أن امرأتين كانتا صائمتين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فعطشتا عطشاً شديداً حتى كادتا تموتان من العطش فدعا بهما النبي صلى الله عليه وسلم وأمرهما أن يتقيأ فتقيأتا قيحاً وصديداً ولحماً عبيطاً ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم إن هاتين صامتا عما أحل الله لهم وأفطرتا على ما حرم الله عليهما جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس) (ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أقواماً لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقال من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) فليحذر هؤلاء النسوة من الغيبة وليتقين الله عز وجل وإذا كانت الغيبة في الأقارب صارت غيبة وقطيعة والعياذ بالله وقطيعة الرحم من كبائر الذنوب العظيمة قال الله تبارك وتعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة قاطع) أي قاطع رحم فالغيبة إذا كانت في الأقارب صارت أشد وأعظم وإذا كانت في عامة الناس كانت من كبائر الذنوب فلا يمكن أن يسلم المغتاب من إثم أبدا ولكن مع ذلك إذا تاب الإنسان ورجع إلى الله واستحل ممن اغتابه إن كانت الغيبة قد بلغته فإنه الله تعالى يمحو بذلك سيئاته.
فتاوى نور على الدرب للعثيمين(24/2)
7_ الغيبة ذكرك أخاك بما يكره في غيبته بأن تقول في غيبته إنه فاسق إنه متهاون بدين الله أو إن فيه كذا
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:ما معنى الغيبة والنميمة وهل النهي عن المنكر من الغيبة والنميمة مثل أن نقول للناس إن هذا الشخص فعل كذا ليحذره الناس وما جزاء من يقول مثل ذلك؟
فأجاب بقوله :الغيبة ذكرك أخاك بما يكره في غيبته بأن تقول في غيبته إنه فاسق إنه متهاون بدين الله أو إن فيه كذا وكذا من العيوب الخِلْقية التي تتعلق بالبدن أو إن فيه كذا وكذا من العيوب الخلقية التي تتعلق بالخلق فإذا ذكرت أخاك في غيبته بما يكره في دينه أو بدنه أو خُلقه فتكون هي الغيبة إن كان فيه ماتقول أما إن لم يكن فيه ما تقول فإن ذلك غيبة وبهتان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل أرأيت يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول قال (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) أي بهته بالإضافة إلى غيبته هذه هي الغيبة والغيبة إذا حصلت في حضور المغتاب صارت سباً وشتماً.
وأما النميمة فليست هي الغيبة النميمة نقل كلام الغير إلى من تكلم فيه بقصد الإفساد بينهما مثل أن تذهب لشخص فتقول قال فيك فلان كذا وكذا لتفسد بينهما والنميمة من كبائر الذنوب كما إن الغيبة أيضاً من كبائر الذنوب على القول الراجح سواء كان الذي نممت فيه قد قال ما قال أو لم يقل فلا يحل لأحد أن ينقل كلام أحد إلى من تكلم فيه فيلقي العداوة بينهما بل إذا تكلم أحدهما في شخص فانصحه وحذره من النميمة وقل له لا تنقل إليّ كلام الناس فيّ واتق الله حتى يدع النميمة واعلم أن من نمّ إليك نمّ عنك فاحذره ولهذا قال الله تعالى (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يدخل الجنة قتات) أي نمام وثبت عنه أنه (مر برجلين يعذبان في قبورهما فقال لأحدهما إنه يمشي بالنميمة) وأعظم النميمة أن ينم الإنسان بين علماء الشرع فينقل عن هذا العالم إلى هذا العالم الكلام بينهما ليفسد بينهما ولاسيما إن كان كذباً فإنه يجمع بين النميمة والكذب يذهب إلى العالم ويقول إن فلاناً من أهل العلم يقول فيك كذا وكذا فإن هذا من كبائر الذنوب وفيه مفسدة عظيمة وإيقاع للعداوة بين العلماء فيحصل في ذلك تفكك في المجتمع تبعاً لتفكك علمائهم هذا هو الفرق بين الغيبة والنميمة.
أما قول السائل هل من الغيبة أن يتكلم بأوصاف يعرف الناس المتصف بها بعينه من غير أن يسميه المتكلم فالجواب أن نقول نعم إذا تكلم الإنسان بأوصاف لا تنطبق إلا على شخص معين معلوم بين الناس فإن هذا من الغيبة لأن الناس قد يعلمونه بوصفه الذي لا يتصف به إلا هو ولكن إذا كان هذا الوصف الذي ذكره من الأمور التي يجب تغييرها لكونها منكراً فإنه لا حرج أن يتكلم على من اتصف بها وإن كان قد تُعلم عنه وقد كان من عادة النبي عليه الصلاة والسلام إذا خالف أحد من الناس شريعة الله أن يتحدث فيهم فيقول (ما بال أقوام أو ما بال رجال) أو ما أشبه ذلك مع إنه ربما يعرف الناس من هؤلاء ويتفرع من ذلك أن الإنسان لو اغتاب شخصاً داعية سوء وعينه باسمه ليحذر الناس منه فإن هذا لا بأس به بل قد يكون واجباً عليه لما في ذلك من إزالة الخطر عن المسلمين الذين لا يعلمون عن حاله شيئاً.
فتاوى نور على الدرب للعثيمين(24/2)
8_الفرق بين الغيبة والنميمة
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:ما الفرق بين الغيبة والنميمة، وهل هناك أحوال يجوز للإنسان أن يغتاب فيها الناس؟
فأجاب بقوله : الفرق بين الغيبة والنميمة، أن الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره في غيبته، بأن تسبه في دينه أوخلقه أو خلقته أو عمله أو أي شيء، فإذا ذكرته بما يكره في غيبته فهذه الغيبة، (قالوا: يا رسول الله! أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) .
وأما النميمة فهي: نقل كلام الناس بعضهم لبعض بقصد الإفساد مثل: أن يأتي إلى شخص ويقول: إن فلان يقول فيك كذا وكذا، سواء كان صادقاً أو كاذباً، هذه هي النميمة مأخوذة من نم الحديث إذا عزاه إلى غيره، والنميمة أعظم من الغيبة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه مر بقبرين وقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) فهذا هو الفرق بينهما.
أما هل تجوز الغيبة أو النميمة؟! فهذا ينظر إذا كان ذلك للمصلحة فلا بأس أن تذكره بما يكره إذا كان للمصلحة، مثل: أن يأتي إليك رجل يستشيرك في شخص يريد أن يعامله أو يزوجه وأنت تعلم أن فيه شيئاً مذموماً فلك أن تذكر ذلك الشيء، فإن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تستشيره حيث تقدم لها ثلاثة رجال: أبو جهم ومعاوية بن أبي سفيان وأسامة بن زيد، فجاءت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: من تتزوج منهم فقال: (أما أبو جهم فضراب للنساء، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة) فهنا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر معاوية وأبا جهم بما يكرهون لكن لإرادة أن ينصف، فهذا لا بأس به.
كذلك النميمة لو نممت إلى: إنسان ما يقول به شخص آخر ترى أن هذا الشخص صديق له واثق منه، ولكن هذا الصديق الذي وثق منه ينقل كلامه إلى الناس، فتأتي إليه وتحذره وتقول: إن فلاناً ينقل كلامك إلى الناس، وأنه يقول فيك كذا،وكذا فهذا أيضاً لا بأس به، بل قد يكون واجباً.
والمسألة تعود إلى: هل في ذلك مصلحة تربو على مفسدة الغيبة فتقدم المصلحة، هل في ذلك مصلحة تربو على مفسدة النميمة فتقدم المصلحة؛ لأن الشرع كله حكمة يوازن بين المصالح والمفاسد فأيهما غلب صار الحكم له، إن غلبت المفسدة صار الحكم لها، وإن غلبت المصلحة صار الحكم لها، وإن تساوى الأمران فقد قال العلماء رحمهم الله: درأ المفاسد أولى من جلب المصالح.
لقاء الباب المفتوح(93/12)
9_ هل يجوز مجالسة من يغتاب؟
سئل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما هي الغيبة؟ وما حكم الوقوع في أعراض الناس وهل يجوز مجالسة من يغتاب؟
فأجاب بقوله :إن الكلام في أعراض المسلمين بما يكرهون منكر عظيم وهو من الغيبة المحرمة، بل من كبائر الذنوب لقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أتدرون ما الغيبة؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته » رواه مسلم.
ولقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما عرج به مر على قوم لهم أظافر من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقال: «يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم » . فالواجب عليك يا عبد الله وعلى غيرك من المسلمين عدم مجالسة من يغتاب المسلمين مع نصيحته والإنكار عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان » . فإن لم يمتثل بعد ذلك فاترك مجالسته لأن ذلك من تمام الإنكار عليه.
مجموع فتاوى ابن باز (9/239)
10_ لا يعتبر ذكر أوصاف الخاطب والمخطوبة للتعريف بهما والنصح لهما من الغيبة
السؤال : في حالة خطبة المرأة فإنه في معظم الأحيان توصف المرأة للرجل، ولا بد من ذكر عيوبها ومحاسنها؛ كالطول والجمال وإلى آخر ذلك، فهل مثل هذه الأوصاف تدخل تحت باب الغيبة؟ وكذلك غالبا ما يسألون عن الفصل والأصل، ويكثر ذلك عند السؤال عن الرجل والمرأة على السواء، مما يجعل المجيب في وضع حرج، إذ قد يغتاب الشخص من حيث لا يدري.
الجواب: لا يعتبر ذكر أوصاف الخاطب والمخطوبة للتعريف بهما والنصح لهما حتى يكون كل منهما على بينة من الآخر قبل عقد الزواج- لا يعتبر ذلك من الغيبة التي حرمها الله ورسوله، بل من النصح المأمور به في حديث: «الدين النصيحة » . . الخ، ومن التعاون على البر والخير، وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الفتوى رقم (6316)
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز