بسم الله الرحمن الرحيم
ملف كامل عن السحر
حكمه
إبطاله وطرق العلاج
(الرقية الشرعية)
لـــ
سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز
سماحة الشيخ / محمد بن صالح العثيمين
رحمهما الله
معالي الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله.
السحر
ما حكم فعل السحر وتعلمه ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السحر نوعان: نوع يكون كفراً، ونوع يكون فسقاً. فالسحر الذي يكون بالاستعانة بالشياطين والأرواح الخبيثة هذا كفر؛ لقول الله تبارك و تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ).
والنوع الثاني يكون فسقاً، وهو السحر بالأعشاب ونحوها مما يضر المسحور، فهذا عدوان وفسق، لكن لا يصل بصاحبه إلى حد الكفر. وأياً كان الساحر فإنه يجب قتله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حد الساحرضربة بالسيف). ولأن عدوانه وضرره عظيم على الأمة. ثم إن كان كافراً- أي: إن كان سحره مكفراً- فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، وإن كان غير مكفر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين.
***
حصل خلافٌ حول وجود السحر حقيقةً وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سحر،فهم ينكرون ذلك محتجين بقوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).فما هو الحق في هذا؟وكيف نفسر هذه الآية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحق في هذا أن السحر ثابتٌ ولا مرية فيه وهو حقيقة، وذلك بدلالة القرآن والسنة. أما القرآن فإن الله ذكر عن سحرة فرعون الذين ألقوا حبالهم وعصيهم وسحروا أعين الناس واسترهبوهم حتى إن موسى عليه الصلاة والسلام كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، وحتى أوجس في نفسه خيفة، فأمره الله تعالى أن يلقي بعصاه فألقاها فإذا هي ثعبانٌ مبين تلقف ما يأفكون، وهذا أمرٌ لا إشكال فيه. وأما أن الرسول عليه الصلاة والسلام سحر فإنه حق، فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه سحر من حديث عائشة وغيرها، وأنه كان يخيل إليه أنه أتى الشيء وهو لم يأته، ولكن الله تعالى أنزل عليه سورتي: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، فشفاه الله تعالى بهما. وأما قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فلا ينافي هذا, هذا إن كانت الآية لم تنزل بعد، وأنا الآن ما يحضرني هل هذه الآية قبل سحره أو بعده، والظاهر لي أنها بعد السحر، وإذا كانت بعد السحر فلا إشكال فيها.
***
ما حكم الذهاب للسحرة والدجالين والكهنة ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذهاب إلى هؤلاء محرم، ولا يحل الذهاب إليهم، ولا خير فيهم، وقد قال الله تبارك وتعالى: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى). والكهنة كذابون؛ لأنهم لهم عملاء من الجن يسترقون السمع ويخبرونهم، ثم يكذبون مع ما أخبروا به من أخبار السماء، يكذبون كذبات كثيرة مائة كذبة أو أكثر أو أقل، فهم كذبة لا يجوز الذهاب إليهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد). وإنما كان ذلك كفراً لأنه تكذيب لقول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) .
***
المستمعة م. ع. من سوريا بعثت برسالة تقول فيها:فضيلة الشيخ هل يؤثر السحر لدرجة أنه يوقف مشروع الزواج؟وإذا كان هذا التأثير صحيحاً فهل له علاج من الكتاب والسنة دون الذهاب للدجالين والمشعوذين؟نرجو التوجيه مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى:الجواب على هذا السؤال: أن السحر بلا شك يؤثر تأثيراً مباشراً بدليل القرآن والواقع، أما القرآن فقد قال الله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ). وقوله تعالى في قصة موسى عليه الصلاة والسلام: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى). وأما الواقع فشاهدٌ بذلك، فإن السحر يؤثر في المسحور، يؤثر في عقله وفي بدنه وفي فكره وفي اتجاهه. والسحر من كبائر الذنوب، بل شعبةٌ منه تكون من الكفر المخرج من الملة، وعلى هذا فالواجب على المسلمين البعد عن السحر والحذر منه اتقاءً لعقاب الله ورحمةً بعباد الله. وأما العلاج بالنسبة للمسحور فيكون بقراءة القرآن: يقرأ على المصاب بالآيات بآيات الحماية، مثل: آية الكرسي، قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وغيرها من الآيات التي فيها الحماية من شر الخلق. أو يؤتى بماء فيدق سبع ورقات من ورق السدر وتوضع في هذا الماء، ويقرأ فيه أو ينفث فيه بمثل قوله تعالى: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ) وغيرها من الآيات التي تفيد بطلان السحر، ويسقى المريض المصاب بالسحر. وكذلك يمكن أن يعالج المريض بالسحر بالأدوية المباحة المتخذة من الأشجار أو غيرها. وكذلك يعالج السحر بحل السحر، بأن يوصل إلى المكان الذي فيه السحر، وتؤخذ الوسيلة التي جعل فيها السحر فتنقض وتحرق، وما أشبه ذلك من أنواع الحلول المباحة. وأما الذهاب إلى السحرة لحل السحر: فإن كان ذلك لضرورة فقد اختلف العلماء في جوازه، فمنهم من أجاز ذلك وقال: إن الضرورة تبيح المحرم، ولا شك أن المصاب بالسحر إذا نقض سحره يزول ضرره، فما كان وسيلة لأمرٍ نافع بدون أن يتضمن ضرراً في الدين فإنه لا بأس به؛ لقوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)، وقد ذهب إلى هذا بعض التابعين ومنهم من منع الذهاب إلى السحرة لحل السحر، واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وبأنه إذا فتح الباب للناس صار وسيلةً لإغراء السحرة واتفاقهم على هذا العمل، فأحدهم يسحر والثاني يحل السحر، وما يحصل من المكاسب تكون بينهما؛ لأنه من المعلوم أن المصاب بالسحر سوف يبذل الشيء الكثير لأجل التخلص منه، وفي هذا مفسدةٌ عظيمة. والحقيقة أننا إذا نظرنا إلى الضرورة الشخصية المعينة مِلْنا إلى الإباحة، أي: إباحة حل السحر بالسحر للضرورة، كما ذهب إلى ذلك من ذهب من السلف والخلف. وإذا نظرنا إلى المصلحة العامة مِلْنا إلى القول بالمنع، لا سيما وأنه مؤيدٌ بالحديث الذي أشرنا إليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، والمسألة عندي فيها توقف. والعلم عند الله.
***
بارك الله فيكم تقول بأن لها ابنة متزوجة،وهذه الابنة تكره زوجها وزوجها يحبها،وهي الآن حامل وعند أهلها،وهي تكره أن ترى هذا الزوج،ويقال بأن هناك كاتباًيكتب كتاباًيسمى بالعطف أن يجعل الزوجة تحب زوجها،فهل هذا العمل جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة أن تعمل عملاً يكون به عطف الزوج عليها، ولا يجوز للزوج أن يعمل عملاً يكون به عطف الزوجة عليه؛ لأن هذا نوع من السحر، ولكن الطريق إلى ذلك أن تسأل الله عز وجل دائماً أن يحبب زوجها إليها وأن يؤلف بينهما، وتقرأ من القرآن ما يعينها على التحول من الكراهية إلى المحبة، وتستعين بأهل الخير والصلاح أن يقرؤوا عليها لتحويل بغضها إلى محبة. هذا ما أراه واجباً عليها، ونسأل الله تعالى أن يؤلف بينها وبين زوجها وأن يبارك لهما وعليهما وأن يجمع بينهما في الخير.
***
ما حكم الإسلام في نظركم في الشخص الذي يستخدم شيئاً من السحر لكي يوفق بين زوجين أو اثنين متنافرين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضاً محرم ولا يجوز، وهذا يسمى بالعقد، وما يحصل به التفريق يسمى بالصرف، وهو أيضاً محرم، وقد يكون كفراً وشركاً.
***
هل الساحر كافر؟وما هو الدليل؟وهل تجوز الصلاة خلفه؟ ماذا علي أن افعل إذا صلىت خلف مثل هذا الإمام في الوقت الذي لا أعلم أنه ساحر؟هل صلاتي السابقة تكون باطلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السحر نوعان: نوع كفر، ونوع عدوان وظلم. أما الكفر فهو الذي يكون متلقىً من الشياطين، فالذي يتلقى من الشياطين هذا كفر، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ). وهذا النوع من السحر كفر مخرج عن الملة يقتل متعاطيه، واختلف العلماء رحمهم الله لو تاب هذا الساحر هل تقبل توبته؟ فقال بعض أهل العلم: إنها تقبل توبته؛ لعموم قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) فإذا تاب هذا الساحر وأقلع عن تعاطي السحر فما الذي يمنع من قبول توبته، والله عز وجل يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)؟ لكن إذا كان قد تسبب في سحره في قتل أحد من الناس أو عدوانٍ عليه فيما دون القتل فإنه يضمن لحق الآدمي، فإن كان بقتل قتل قصاصاً، وإن كان بتمريض نظر في أمره, وإن كان بإفساد مال ضمن هذا المال. النوع الثاني من السحر سحر لا يكون بأمر الشياطين، لكنه بأدوية وعقاقير وأشياء حسية، فهذا النوع لا يُكفِّر ولكن يجب أن يقتل فاعله درءاً لفساده وإفساده.
***
ما هي الحصون والوقاية من السحر ليتقي الإنسان شرها؟وما حكم عمل السحر وحكم الذين يذهبون إلى ا لسحرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن ثلاث مسائل: الأولى الوقاية من السحر، والوقاية من السحر تكون بقراءة الأوراد التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: آية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، يقرؤها الإنسان وهو موقن بأنها حماية له، فإن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، ومن قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه، وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فيهما الاستعاذة من السحرة: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ). فينبغي للإنسان أن يستعمل هذه الأوراد الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم وليلة لتقيه من شر أهل الحسد ومن شر السحر. أما المسألة الثانية فهي: عمل السحر، وعمل السحر إن كان بواسطة الاستعانة بالشياطين فإنه كفر، بدليل قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). أما إذا كان السحر بالأدوية وما أشبهها مما لا يكون استعاذة بالشياطين فإنه لا يصل إلى حد الكفر، ولكن يجب على ولي الأمر أن يقوم بما يجب عليه من الحيلولة دون هؤلاء. وأما المسألة الثالثة فهي: الذهاب إلى السحرة، ونقول في الجواب عنها: إنه لا يجوز للإنسان أن يذهب إلى الساحر من أجل أن ينقض السحر؛ لأن هذا يؤدي إلى مفاسد كثيرة، منها إعزاز هؤلاء السحرة وكثرتهم؛ لأنه من المعلوم أن النفوس مجبولة على حب المال، وأن الإنسان إذا كان يأخذ أموالاً ربما تكون أموالاً طائلة على نقض السحر فإن ذلك إغراء للناس بتعلم السحر من أجل نقضه، فيحصل في هذا ضرر كبير وابتزاز لأموال الناس، وهنا نقول: إن في الأدوية المباحة والأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم والآيات القرآنية ما يغني عن هذا بإذن الله.
***
بالنسبة للسحر هناك من يربط بين الزوج أي يمتنع عن الاجتماع مع زوجته،فكيف يصرف الإنسان هذا السحر بدون أن يذهب إلى ساحر أو دجال أو مشعوذ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يصرف هذا السحر باللجوء إلى الله عز وجل ودعائه وقراءة سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس، فإنه ما تعوذ متعوذ بمثلهما، أي: بمثل سورتي الفلق والناس، ويكرر هذا، ولا حرج أن يذهب إلى رجل صالح يقرأ عليه ويدعو له.
***
المستمع م. ع. ي. من العراق محافظة ذي قار يقول:السؤال حول موضوع أو ظاهرة تعرف بالدروشة،يقوم بها بعض الناس الذينيدعون بأن نسلهم يرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم،حيث يقوم هؤلاء بإيذاء أنفسهم وضربها بالأسلحة النارية والجارحة وأمام جمعٍ من الناس دون أن يصيبهم أي أذى أو خروج دم من أجسامهم.فهل هذه كرامةٌ أم هو سحرٌ؟أمإنهناك حديثاً قدسياً شريفاً أو نصاً قرآنياً يثبت ذلك؟وهل هذه الظاهرة موجودةٌ في الأقطار الإسلامية الأخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال حقيقة هو نفسه دروشة. وهؤلاء الدراويش الذين يعنيهم أولاً لا تقبل دعواهم أنهم ينتسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببينة تاريخية تثبت ذلك، ولو قبلنا هذه الدعوى لادعاها رجالٌ كثير، فدعواهم أنهم من نسل الرسول عليه الصلاة والسلام غير مقبولة حتى يثبتوا ذلك بالطرق الصحيحة التي يثبت بها مثل هذا الأمر. وأما كونهم يضربون أنفسهم بالحديد أو غير الحديد ولا يتأثرون بذلك فإن هذا لا يدل على صدقهم ولا على أنهم من أولياء الله ولا على أن هذا كرامةٌ لهم، وإنما هذا من أنواع السحر الذي يسحرون به أعين الناس، والسحر يكون في مثل هذا وغيره، فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما ألقى سحرة فرعون ألقوا حبالهم وعصيهم صارت من سحرهم يخيل إليه أنها تسعى وأنها حياتٌ وأفاعٍ، وكما قال الله عز وجل: (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) فهذا الذي يفعلونه لا شك أنه نوعٌ من أنواع السحر وأنه ليس بكرامة. واعلم أيها السائل أن الكرامة لا تكون إلا لأولياء الله عز وجل، وأولياؤه هم الذين استقاموا على دينه، وهم من وصفهم الله في قوله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ). وليس كل من ادعى الولاية يكون ولياً، وإلا لكان كل أحدٍ يدعيها، ولكن يوزن هذا المدعي للولاية يوزن بعمله إن كان عمله مبنياً على الإيمان والتقوى فإنه ولي، لكن مجرد ادعائه أنه من أولياء الله هذا ليس من تقوى الله عز وجل؛ لأن الله تعالى يقول: (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى). فإذا ادعى أنه من أولياء الله فقد زكى نفسه وحينئذٍ يكون واقعاً في معصية الله، فيما نهى الله عنه، وهذا ينافي التقوى، وعلى هذا فإن أولياء الله لا يزكون أنفسهم بمثل هذه الشهادة، وإنما هم يؤمنون بالله ويتقونه ويقومون بطاعته على الوجه الأكمل، ولا يغرون الناس ويخدعونهم بهذه الدعوى حتى يضلوهم عن سبيل الله.
***
ماذا يعمل الإنسان الذي قد كتب له سحر ومتضرر من جراء ذلك؟وما العمل مفصلاً للذي قد عمل له عقدة أيضاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السحر من كبائر الذنوب، ومنه ما يكون كفراً، قال الله عز وجل: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) لم يكن له خلاق أي نصيب في الآخرة، فهذا هو الكافر بل في الآية السابقة يقول الملكان: (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ). فلا يحل لأحد أن يتعاطى السحر؛ لأنه إما كبيرة وإما كفر على حسب التفصيل الذي ذكره أهل العلم، و أما النشرة وهي حل السحر عن المسحور: فإن كانت من القرآن والأدوية المباحة فإن هذا لا بأس به، وإن كانت بسحر فإن هذا قد اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من جوز حل السحر بسحر للضرورة، ومنهم من منع ذلك، والأقرب المنع، وأنه لا يحل حل السحر بالسحر؛ لأننا لو قلنا بذلك لانفتح علينا باب تعلم السحر، وصار كثير من الناس يتعلمون بحجة أنهم يريدون أن يحلوا السحر من المسحور، وهذا باب يفتح شرّاً كبيراً على المسلمين، وفي الأدعية المشروعة والقراءات المشروعة و الأدوية المباحة ما يغني عن ذلك لو اعتمد على الله عز وجل وتوكل عليه.
***
هذه السائلة ع. أ. م. من الأردن تقول:فضيلة الشيخ ما هو العلاج الشرعي للسحر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي للسحر هو الرقية بكتاب الله عز وجل، بأن يقرأ على المصاب: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، وكذلك الآيات التي فيها بيان أن الله تعالى يبطل السحر مثل: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)، ومثل قوله: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى). وكذلك ما جاءت به السنة من الأدعية التي يستشفى بها من المرض. هذا إذا لم يمكن الاطلاع على محل السحر، فإن أمكن فإنه إذا اطلع عليه ينقض. ونسأل الله السلامة.
***
أنا شاب مسلم وعلى علم اليقين أن السحر حرام،ومع هذا فإني أجد في هذه الأيام أناساً كثيرين يتعرضون لنوبات مرضية ويترددون على عدة أطباء ولم يفدهم أي علاج،بينما يذهبون في النهاية إلى أحد المنجمين السحرة فيتبين أنهم مسحورونمن قبل أناس آخرين،فيشفيهم من آلامهم بطريقته الخاصة،أي:باستعمال بعض الكتب.أفيدوني في ذلك أثابكم الله.
فأجاب رحمه الله تعالى: ما ذكره السائل معناه النُشرة وهي حل السحر عن المسحور، والأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين: أحدهما: أن تكون بالقرآن والأدعية الشرعية والأدوية المباحة فهذه لا بأس بها؛ لما فيها من مصلحة وعدم المفسدة، بل ربما تكون مطلوبة؛ لأنها مصلحةٌ بلا مضرة. وأما إذا كانت النشرة بشيءٍ محرم كنقض السحر بسحرٍ مثله فهذا موضع خلافٍ بين أهل العلم، فمن العلماء من أجازه للضرورة، ومنهم من منعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أبو داود بإسناد جيد وعلى هذا يكون حل السحر بالسحر محرماً، وعلى المرء أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع لإزالة ضرره، والله سبحانه يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ). ويقول تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ).
***
يقول المستمع:إنني أعلم أن الذهاب إلى الكهنة والسحرة حرام شرعاً،فماذا يفعل من ابتلي بالسحر أي عمل له سحر وسبب له تعباً وإعياءً؟فهل يجوز له أن يذهب إلى السحرة لفك السحر؟أم أن هناك آيات معينة في فك السحر أو التحصن من السحرة؟وماذا يفعل هذا الشخص تجاه هذا الساحر خاصةً إذا كان يسكن بجواره؟هل يتركه أم ينتقم منه؟ماذا يفعل؟أفيدونا مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: حل السحر يكون بأمرين: الأمر الأول: القراءات والتعوذات الشرعية، واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، وكثرة الدعاء والإلحاح فيه، وهذا لا شك أنه جائز، ومن أحسن ما يستعاذ به سورة الفلق وسورة الناس: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ) الآيات. فإذا داوم الإنسان على هذا فإنه يشفى بإذن الله عز وجل. وأما النوع الثاني من الدواء مما يحل به السحر فهو: أن يحل بسحرٍ مثله، وهذا فيه خلافٌ بين أهل العلم، فمن أهل العلم من أجازه ومنهم من لم يجزه، والأقرب أنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وإذا كانت من عمل الشيطان فإنه لا يجوز لنا أن نفعلها؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ). وأما ما ذكره عن جاره الذي يقول: إنه ساحر، فعليه أن يقوم بنصيحته ويخوفه من الله عز وجل، ويبين له أن السحر كفرٌ وردة، وأن فيه أذيةً للمسلمين، فإن انتهى ومنَّ الله عليه بالهداية فهذا هو المطلوب، وإلا وجب أن يرفع إلى ولاة الأمور، ليقوموا بما يلزم نحو هذا الساحر.
***
المستمع نشوان حميد من العراق نينوى يقول: ماذا يعني تحضير الأرواح؟ وهل هذا موجود حقيقة أم خرافة؟ حيث يقال: إن هناك أشخاصاً يحضرون أرواح الأموات ويلتقون معهم ويكلمونهم، فهل هذا صحيح؟ ويقال: إنه توجد كتب عن تحضير الأرواح، فما رأيكم؟ وما حكم ممارسة مثل هذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا التحضير لأرواح الموتى لا يصح ولا يمكن أن يكون ثابتاً، وإذا قدر أن أحداً زعم أنه حضر روح فلان وخاطبها وخاطبته فإن هذا شيطان يخاطبه بصوت ذلك الميت، فإن الأرواح بعد الموت محفوظة، كما قال الله تعالى: (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة .حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ). أي: لا يفرطون في حفظ هذه الروح. ثم إن الأرواح تكون بعد الموت في مقرها، ولا يمكن أن تحضر إلى الدنيا بأي حال من الأحوال. وتعاطي مثل هذا العمل محرم؛ لما فيه من الكذب والدجل وغش الناس وأكل المال بالباطل، فالواجب الحذر منه والتحذير أيضاً؛ لما فيه من المفاسد الكثيرة العظيمة.
***
أسمع كثيراً عندنا بوجود كنوز مدفونة وموضوعة قديماً في باطن الأرض و عليها رصد من الجن، ولكي يستخرجوا هذا الكنز يذهب العارفون لأماكنها للشيخ الفلاني وعنده علم كافٍ بعلم استخراج الكنز وعلم التعامل مع الجن، فيقرؤون عليه نوعاً من آيات القرآن الكريم والطلاسم ويقال بأنهم فعلاً يستخرجونها ويظهرونها ويقدرون على هزيمة الجن,هل هذا العمل جائز أم شعوذة؟ أرجو بهذا إفادة .
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بجائز، فإن هذه الطلاسم التي يحضرون بها الجن ويستخدمونهم بها لا تخلو من شرك في الغالب، والشرك أمره خطير، قال الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ). والذي يذهب إليهم يغريهم ويغرهم, يغريهم بأنفسهم وأنهم على حق ويغرهم بما يعطيهم من الأموال. فالواجب مقاطعة هؤلاء وأن يدع الإنسان الذهاب إليهم، وأن يحذر إخوانه المسلمين من الذهاب إليهم، والغالب من أمثال هؤلاء أنهم يلعبون على الناس و يبتزون أموالهم بغير حق ويقولون القول تخرصاً، ثم إن وافق أخذوا ينشرونه بين الناس ويقولون: نحن قلنا وصار كذا نحن قلنا وصار كذا، وإن لم يوافق ادعوا دعاوي باطلة أنها هي التي منعت هذا الشيء. وإني أوجه النصيحة بهذه المناسبة إلى من ابتلوا بهذا الأمر وأقول لهم: احذروا بأن تمتطوا الكذب على الناس والشرك بالله وأخذ أموال الناس بالباطل، فإن أمد الدنيا قريب والحساب يوم القيامة عسير، وعليكم أن تتوبوا إلى الله تعالى من هذا العمل وأن تصححوا أعمالكم وتطيبوا أموالكم. والله الموفق.
***
ف. ص. هـ. من القصيم تقول: هي امرأة متزوجة من رجل وقد أنجبت منه أربعة أولاد، ولكنه يسيء معاملتها وأولادها ولا يوفر لهم ما يحتاجون إليه، ومع ذلك يمنعها من أن تأخذ شيئاً من أهلها كطعام ونحوه، ويمنعها أن تشتري لهم ما يحتاجون، فلا هو يصرف عليهم ويلبي طلباتهم ولا هو يقبل أن تستعين بنفسها أو بأهلها حتى في الضروريات، فكيف تتصرف مع هذا؟ علماً أنه مقصر في دينه كثيراً: فهو يشرب الخمر، ويتناول الحبوب المخدرة، وقد تزوج بزوجة أخرى، ولسوء تصرفاته فقد شكت في كمال عقله ووعيه، فذهبت تبحث عن سبب لذلك حتى أتت بعض الكهنة وشرحت لهم حالته، فقالوا لها: إنه مسحور. وقد ندمت على ذهابها إليهم وتابت إلى الله توبة نصوحاً فهي تسأل: هل عليها شيء في ذلك؟ وماذا عليه في تصرفاته؟ وهل يجوز لها البقاء معه على تلك الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن عدة مسائل: المسألة الأولى وهي من أهمها: ذهابها إلى الكهان، ولكنها قد ذكرت أنها تابت إلى الله عز وجل، وهذا هو الواجب على من فعل محرماً أن يبادر بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى فيندم على ما مضى ويعزم على ألا يعود في المستقبل.
والمسألة الثانية: تصرفات زوجها معها ومع أولادها بكونه يقصر في نفقتهم ويمنعها من أن تأتي بما يكملها من نفسها أو من أهلها. والجواب على هذه المسألة أن نقول: إذا كان لا يمكنها أن تأخذ من ماله ولو بغير علمه للإنفاق على نفسها وأولادها فإنه لا حرج عليها أن تأخذ من أهلها ما تنفق به على نفسها وأولادها، ولو منعها من ذلك فإنه ظالم، وهو ظالم حيث يمنعها من النفقة الواجبة عليه إن صح ما تقول في هذا الرجل.
المسألة الثالثة: البقاء معه أو طلب الفراق. فإذا كانت ترجو في البقاء معه أن يصلح الله حاله بالنصح والإرشاد فإنها تبقى معه؛ لئلا ينفرط سلك العائلة وتحصل مشاكلات بينها وبينه ويحصل القلق لأولادها، وإذا كانت لا ترجو ذلك فإنها تستخير الله عز وجل وتشاور من تراه ذا عقل راجح في هذه المسألة هل تبقى أو تفارق؟ ونسأل الله أن يختار لها ما فيه الخير والصلاح، ومحل ذلك ما لم يكن هذا الزوج تاركاً للصلاة، فإن كان تاركاً للصلاة فإنه لا يجوز لها البقاء معه؛ لأن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، والكفر المخرج عن الملة يقتضي انفساخ النكاح. والله أعلم.
***
بارك الله فيكم من السودان سائل يقول أسأل عن الرقية الشرعية وغير الشرعية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الرقية الشرعية ما جاءت به السنة مثل (اللهم رب الناس اذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً ) وغير الشرعية هي البدعية أو الشركية فما كان بدعة أو شركاً فإن الرقية به محرمة ولا تزيد الإنسان إلا ضررا ومرضاً وإن قدر أنه شفي بها فهو لم يشفَ بها في الواقع وإنما كان الشفاء عندها لا بها امتحاناً من الله سبحانه وتعالى لهذا الرجل الذي رقى بالشرك أو بالبدع وأما الأدعية المباحة التي ليست ببدعة فالرقية بها جائزة فتبين بهذا أن الرقى أربعة أقسام ما جاءت به السنة فالرقية به مشروعة مستحبة وما كان شركاً أو كان بدعة فالرقية به محرمة وما كان دعاءً مباحاً لا شرك فيه ولا بدعة لكنه ليس مما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالرقية به جائزة ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الرقى (لابأس بها ما لم تكن شركاً).
***
سماحة الشيخ / محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله تعالى
-------------------------
ملف كامل عن السحر
حكمه
إبطاله وطرق العلاج
(الرقية الشرعية)
لـــ
سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز
سماحة الشيخ / محمد بن صالح العثيمين
رحمهما الله
معالي الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله.
السحر
ما حكم فعل السحر وتعلمه ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السحر نوعان: نوع يكون كفراً، ونوع يكون فسقاً. فالسحر الذي يكون بالاستعانة بالشياطين والأرواح الخبيثة هذا كفر؛ لقول الله تبارك و تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ).
والنوع الثاني يكون فسقاً، وهو السحر بالأعشاب ونحوها مما يضر المسحور، فهذا عدوان وفسق، لكن لا يصل بصاحبه إلى حد الكفر. وأياً كان الساحر فإنه يجب قتله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حد الساحرضربة بالسيف). ولأن عدوانه وضرره عظيم على الأمة. ثم إن كان كافراً- أي: إن كان سحره مكفراً- فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، وإن كان غير مكفر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين.
***
حصل خلافٌ حول وجود السحر حقيقةً وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سحر،فهم ينكرون ذلك محتجين بقوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).فما هو الحق في هذا؟وكيف نفسر هذه الآية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحق في هذا أن السحر ثابتٌ ولا مرية فيه وهو حقيقة، وذلك بدلالة القرآن والسنة. أما القرآن فإن الله ذكر عن سحرة فرعون الذين ألقوا حبالهم وعصيهم وسحروا أعين الناس واسترهبوهم حتى إن موسى عليه الصلاة والسلام كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، وحتى أوجس في نفسه خيفة، فأمره الله تعالى أن يلقي بعصاه فألقاها فإذا هي ثعبانٌ مبين تلقف ما يأفكون، وهذا أمرٌ لا إشكال فيه. وأما أن الرسول عليه الصلاة والسلام سحر فإنه حق، فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه سحر من حديث عائشة وغيرها، وأنه كان يخيل إليه أنه أتى الشيء وهو لم يأته، ولكن الله تعالى أنزل عليه سورتي: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، فشفاه الله تعالى بهما. وأما قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فلا ينافي هذا, هذا إن كانت الآية لم تنزل بعد، وأنا الآن ما يحضرني هل هذه الآية قبل سحره أو بعده، والظاهر لي أنها بعد السحر، وإذا كانت بعد السحر فلا إشكال فيها.
***
ما حكم الذهاب للسحرة والدجالين والكهنة ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذهاب إلى هؤلاء محرم، ولا يحل الذهاب إليهم، ولا خير فيهم، وقد قال الله تبارك وتعالى: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى). والكهنة كذابون؛ لأنهم لهم عملاء من الجن يسترقون السمع ويخبرونهم، ثم يكذبون مع ما أخبروا به من أخبار السماء، يكذبون كذبات كثيرة مائة كذبة أو أكثر أو أقل، فهم كذبة لا يجوز الذهاب إليهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد). وإنما كان ذلك كفراً لأنه تكذيب لقول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) .
***
المستمعة م. ع. من سوريا بعثت برسالة تقول فيها:فضيلة الشيخ هل يؤثر السحر لدرجة أنه يوقف مشروع الزواج؟وإذا كان هذا التأثير صحيحاً فهل له علاج من الكتاب والسنة دون الذهاب للدجالين والمشعوذين؟نرجو التوجيه مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى:الجواب على هذا السؤال: أن السحر بلا شك يؤثر تأثيراً مباشراً بدليل القرآن والواقع، أما القرآن فقد قال الله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ). وقوله تعالى في قصة موسى عليه الصلاة والسلام: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى). وأما الواقع فشاهدٌ بذلك، فإن السحر يؤثر في المسحور، يؤثر في عقله وفي بدنه وفي فكره وفي اتجاهه. والسحر من كبائر الذنوب، بل شعبةٌ منه تكون من الكفر المخرج من الملة، وعلى هذا فالواجب على المسلمين البعد عن السحر والحذر منه اتقاءً لعقاب الله ورحمةً بعباد الله. وأما العلاج بالنسبة للمسحور فيكون بقراءة القرآن: يقرأ على المصاب بالآيات بآيات الحماية، مثل: آية الكرسي، قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وغيرها من الآيات التي فيها الحماية من شر الخلق. أو يؤتى بماء فيدق سبع ورقات من ورق السدر وتوضع في هذا الماء، ويقرأ فيه أو ينفث فيه بمثل قوله تعالى: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ) وغيرها من الآيات التي تفيد بطلان السحر، ويسقى المريض المصاب بالسحر. وكذلك يمكن أن يعالج المريض بالسحر بالأدوية المباحة المتخذة من الأشجار أو غيرها. وكذلك يعالج السحر بحل السحر، بأن يوصل إلى المكان الذي فيه السحر، وتؤخذ الوسيلة التي جعل فيها السحر فتنقض وتحرق، وما أشبه ذلك من أنواع الحلول المباحة. وأما الذهاب إلى السحرة لحل السحر: فإن كان ذلك لضرورة فقد اختلف العلماء في جوازه، فمنهم من أجاز ذلك وقال: إن الضرورة تبيح المحرم، ولا شك أن المصاب بالسحر إذا نقض سحره يزول ضرره، فما كان وسيلة لأمرٍ نافع بدون أن يتضمن ضرراً في الدين فإنه لا بأس به؛ لقوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)، وقد ذهب إلى هذا بعض التابعين ومنهم من منع الذهاب إلى السحرة لحل السحر، واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وبأنه إذا فتح الباب للناس صار وسيلةً لإغراء السحرة واتفاقهم على هذا العمل، فأحدهم يسحر والثاني يحل السحر، وما يحصل من المكاسب تكون بينهما؛ لأنه من المعلوم أن المصاب بالسحر سوف يبذل الشيء الكثير لأجل التخلص منه، وفي هذا مفسدةٌ عظيمة. والحقيقة أننا إذا نظرنا إلى الضرورة الشخصية المعينة مِلْنا إلى الإباحة، أي: إباحة حل السحر بالسحر للضرورة، كما ذهب إلى ذلك من ذهب من السلف والخلف. وإذا نظرنا إلى المصلحة العامة مِلْنا إلى القول بالمنع، لا سيما وأنه مؤيدٌ بالحديث الذي أشرنا إليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، والمسألة عندي فيها توقف. والعلم عند الله.
***
بارك الله فيكم تقول بأن لها ابنة متزوجة،وهذه الابنة تكره زوجها وزوجها يحبها،وهي الآن حامل وعند أهلها،وهي تكره أن ترى هذا الزوج،ويقال بأن هناك كاتباًيكتب كتاباًيسمى بالعطف أن يجعل الزوجة تحب زوجها،فهل هذا العمل جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة أن تعمل عملاً يكون به عطف الزوج عليها، ولا يجوز للزوج أن يعمل عملاً يكون به عطف الزوجة عليه؛ لأن هذا نوع من السحر، ولكن الطريق إلى ذلك أن تسأل الله عز وجل دائماً أن يحبب زوجها إليها وأن يؤلف بينهما، وتقرأ من القرآن ما يعينها على التحول من الكراهية إلى المحبة، وتستعين بأهل الخير والصلاح أن يقرؤوا عليها لتحويل بغضها إلى محبة. هذا ما أراه واجباً عليها، ونسأل الله تعالى أن يؤلف بينها وبين زوجها وأن يبارك لهما وعليهما وأن يجمع بينهما في الخير.
***
ما حكم الإسلام في نظركم في الشخص الذي يستخدم شيئاً من السحر لكي يوفق بين زوجين أو اثنين متنافرين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضاً محرم ولا يجوز، وهذا يسمى بالعقد، وما يحصل به التفريق يسمى بالصرف، وهو أيضاً محرم، وقد يكون كفراً وشركاً.
***
هل الساحر كافر؟وما هو الدليل؟وهل تجوز الصلاة خلفه؟ ماذا علي أن افعل إذا صلىت خلف مثل هذا الإمام في الوقت الذي لا أعلم أنه ساحر؟هل صلاتي السابقة تكون باطلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السحر نوعان: نوع كفر، ونوع عدوان وظلم. أما الكفر فهو الذي يكون متلقىً من الشياطين، فالذي يتلقى من الشياطين هذا كفر، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ). وهذا النوع من السحر كفر مخرج عن الملة يقتل متعاطيه، واختلف العلماء رحمهم الله لو تاب هذا الساحر هل تقبل توبته؟ فقال بعض أهل العلم: إنها تقبل توبته؛ لعموم قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) فإذا تاب هذا الساحر وأقلع عن تعاطي السحر فما الذي يمنع من قبول توبته، والله عز وجل يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)؟ لكن إذا كان قد تسبب في سحره في قتل أحد من الناس أو عدوانٍ عليه فيما دون القتل فإنه يضمن لحق الآدمي، فإن كان بقتل قتل قصاصاً، وإن كان بتمريض نظر في أمره, وإن كان بإفساد مال ضمن هذا المال. النوع الثاني من السحر سحر لا يكون بأمر الشياطين، لكنه بأدوية وعقاقير وأشياء حسية، فهذا النوع لا يُكفِّر ولكن يجب أن يقتل فاعله درءاً لفساده وإفساده.
***
ما هي الحصون والوقاية من السحر ليتقي الإنسان شرها؟وما حكم عمل السحر وحكم الذين يذهبون إلى ا لسحرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن ثلاث مسائل: الأولى الوقاية من السحر، والوقاية من السحر تكون بقراءة الأوراد التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: آية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، يقرؤها الإنسان وهو موقن بأنها حماية له، فإن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، ومن قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه، وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فيهما الاستعاذة من السحرة: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ). فينبغي للإنسان أن يستعمل هذه الأوراد الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم وليلة لتقيه من شر أهل الحسد ومن شر السحر. أما المسألة الثانية فهي: عمل السحر، وعمل السحر إن كان بواسطة الاستعانة بالشياطين فإنه كفر، بدليل قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). أما إذا كان السحر بالأدوية وما أشبهها مما لا يكون استعاذة بالشياطين فإنه لا يصل إلى حد الكفر، ولكن يجب على ولي الأمر أن يقوم بما يجب عليه من الحيلولة دون هؤلاء. وأما المسألة الثالثة فهي: الذهاب إلى السحرة، ونقول في الجواب عنها: إنه لا يجوز للإنسان أن يذهب إلى الساحر من أجل أن ينقض السحر؛ لأن هذا يؤدي إلى مفاسد كثيرة، منها إعزاز هؤلاء السحرة وكثرتهم؛ لأنه من المعلوم أن النفوس مجبولة على حب المال، وأن الإنسان إذا كان يأخذ أموالاً ربما تكون أموالاً طائلة على نقض السحر فإن ذلك إغراء للناس بتعلم السحر من أجل نقضه، فيحصل في هذا ضرر كبير وابتزاز لأموال الناس، وهنا نقول: إن في الأدوية المباحة والأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم والآيات القرآنية ما يغني عن هذا بإذن الله.
***
بالنسبة للسحر هناك من يربط بين الزوج أي يمتنع عن الاجتماع مع زوجته،فكيف يصرف الإنسان هذا السحر بدون أن يذهب إلى ساحر أو دجال أو مشعوذ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يصرف هذا السحر باللجوء إلى الله عز وجل ودعائه وقراءة سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس، فإنه ما تعوذ متعوذ بمثلهما، أي: بمثل سورتي الفلق والناس، ويكرر هذا، ولا حرج أن يذهب إلى رجل صالح يقرأ عليه ويدعو له.
***
المستمع م. ع. ي. من العراق محافظة ذي قار يقول:السؤال حول موضوع أو ظاهرة تعرف بالدروشة،يقوم بها بعض الناس الذينيدعون بأن نسلهم يرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم،حيث يقوم هؤلاء بإيذاء أنفسهم وضربها بالأسلحة النارية والجارحة وأمام جمعٍ من الناس دون أن يصيبهم أي أذى أو خروج دم من أجسامهم.فهل هذه كرامةٌ أم هو سحرٌ؟أمإنهناك حديثاً قدسياً شريفاً أو نصاً قرآنياً يثبت ذلك؟وهل هذه الظاهرة موجودةٌ في الأقطار الإسلامية الأخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال حقيقة هو نفسه دروشة. وهؤلاء الدراويش الذين يعنيهم أولاً لا تقبل دعواهم أنهم ينتسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببينة تاريخية تثبت ذلك، ولو قبلنا هذه الدعوى لادعاها رجالٌ كثير، فدعواهم أنهم من نسل الرسول عليه الصلاة والسلام غير مقبولة حتى يثبتوا ذلك بالطرق الصحيحة التي يثبت بها مثل هذا الأمر. وأما كونهم يضربون أنفسهم بالحديد أو غير الحديد ولا يتأثرون بذلك فإن هذا لا يدل على صدقهم ولا على أنهم من أولياء الله ولا على أن هذا كرامةٌ لهم، وإنما هذا من أنواع السحر الذي يسحرون به أعين الناس، والسحر يكون في مثل هذا وغيره، فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما ألقى سحرة فرعون ألقوا حبالهم وعصيهم صارت من سحرهم يخيل إليه أنها تسعى وأنها حياتٌ وأفاعٍ، وكما قال الله عز وجل: (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) فهذا الذي يفعلونه لا شك أنه نوعٌ من أنواع السحر وأنه ليس بكرامة. واعلم أيها السائل أن الكرامة لا تكون إلا لأولياء الله عز وجل، وأولياؤه هم الذين استقاموا على دينه، وهم من وصفهم الله في قوله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ). وليس كل من ادعى الولاية يكون ولياً، وإلا لكان كل أحدٍ يدعيها، ولكن يوزن هذا المدعي للولاية يوزن بعمله إن كان عمله مبنياً على الإيمان والتقوى فإنه ولي، لكن مجرد ادعائه أنه من أولياء الله هذا ليس من تقوى الله عز وجل؛ لأن الله تعالى يقول: (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى). فإذا ادعى أنه من أولياء الله فقد زكى نفسه وحينئذٍ يكون واقعاً في معصية الله، فيما نهى الله عنه، وهذا ينافي التقوى، وعلى هذا فإن أولياء الله لا يزكون أنفسهم بمثل هذه الشهادة، وإنما هم يؤمنون بالله ويتقونه ويقومون بطاعته على الوجه الأكمل، ولا يغرون الناس ويخدعونهم بهذه الدعوى حتى يضلوهم عن سبيل الله.
***
ماذا يعمل الإنسان الذي قد كتب له سحر ومتضرر من جراء ذلك؟وما العمل مفصلاً للذي قد عمل له عقدة أيضاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السحر من كبائر الذنوب، ومنه ما يكون كفراً، قال الله عز وجل: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) لم يكن له خلاق أي نصيب في الآخرة، فهذا هو الكافر بل في الآية السابقة يقول الملكان: (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ). فلا يحل لأحد أن يتعاطى السحر؛ لأنه إما كبيرة وإما كفر على حسب التفصيل الذي ذكره أهل العلم، و أما النشرة وهي حل السحر عن المسحور: فإن كانت من القرآن والأدوية المباحة فإن هذا لا بأس به، وإن كانت بسحر فإن هذا قد اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من جوز حل السحر بسحر للضرورة، ومنهم من منع ذلك، والأقرب المنع، وأنه لا يحل حل السحر بالسحر؛ لأننا لو قلنا بذلك لانفتح علينا باب تعلم السحر، وصار كثير من الناس يتعلمون بحجة أنهم يريدون أن يحلوا السحر من المسحور، وهذا باب يفتح شرّاً كبيراً على المسلمين، وفي الأدعية المشروعة والقراءات المشروعة و الأدوية المباحة ما يغني عن ذلك لو اعتمد على الله عز وجل وتوكل عليه.
***
هذه السائلة ع. أ. م. من الأردن تقول:فضيلة الشيخ ما هو العلاج الشرعي للسحر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي للسحر هو الرقية بكتاب الله عز وجل، بأن يقرأ على المصاب: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، وكذلك الآيات التي فيها بيان أن الله تعالى يبطل السحر مثل: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)، ومثل قوله: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى). وكذلك ما جاءت به السنة من الأدعية التي يستشفى بها من المرض. هذا إذا لم يمكن الاطلاع على محل السحر، فإن أمكن فإنه إذا اطلع عليه ينقض. ونسأل الله السلامة.
***
أنا شاب مسلم وعلى علم اليقين أن السحر حرام،ومع هذا فإني أجد في هذه الأيام أناساً كثيرين يتعرضون لنوبات مرضية ويترددون على عدة أطباء ولم يفدهم أي علاج،بينما يذهبون في النهاية إلى أحد المنجمين السحرة فيتبين أنهم مسحورونمن قبل أناس آخرين،فيشفيهم من آلامهم بطريقته الخاصة،أي:باستعمال بعض الكتب.أفيدوني في ذلك أثابكم الله.
فأجاب رحمه الله تعالى: ما ذكره السائل معناه النُشرة وهي حل السحر عن المسحور، والأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين: أحدهما: أن تكون بالقرآن والأدعية الشرعية والأدوية المباحة فهذه لا بأس بها؛ لما فيها من مصلحة وعدم المفسدة، بل ربما تكون مطلوبة؛ لأنها مصلحةٌ بلا مضرة. وأما إذا كانت النشرة بشيءٍ محرم كنقض السحر بسحرٍ مثله فهذا موضع خلافٍ بين أهل العلم، فمن العلماء من أجازه للضرورة، ومنهم من منعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أبو داود بإسناد جيد وعلى هذا يكون حل السحر بالسحر محرماً، وعلى المرء أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع لإزالة ضرره، والله سبحانه يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ). ويقول تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ).
***
يقول المستمع:إنني أعلم أن الذهاب إلى الكهنة والسحرة حرام شرعاً،فماذا يفعل من ابتلي بالسحر أي عمل له سحر وسبب له تعباً وإعياءً؟فهل يجوز له أن يذهب إلى السحرة لفك السحر؟أم أن هناك آيات معينة في فك السحر أو التحصن من السحرة؟وماذا يفعل هذا الشخص تجاه هذا الساحر خاصةً إذا كان يسكن بجواره؟هل يتركه أم ينتقم منه؟ماذا يفعل؟أفيدونا مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: حل السحر يكون بأمرين: الأمر الأول: القراءات والتعوذات الشرعية، واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، وكثرة الدعاء والإلحاح فيه، وهذا لا شك أنه جائز، ومن أحسن ما يستعاذ به سورة الفلق وسورة الناس: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ) الآيات. فإذا داوم الإنسان على هذا فإنه يشفى بإذن الله عز وجل. وأما النوع الثاني من الدواء مما يحل به السحر فهو: أن يحل بسحرٍ مثله، وهذا فيه خلافٌ بين أهل العلم، فمن أهل العلم من أجازه ومنهم من لم يجزه، والأقرب أنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وإذا كانت من عمل الشيطان فإنه لا يجوز لنا أن نفعلها؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ). وأما ما ذكره عن جاره الذي يقول: إنه ساحر، فعليه أن يقوم بنصيحته ويخوفه من الله عز وجل، ويبين له أن السحر كفرٌ وردة، وأن فيه أذيةً للمسلمين، فإن انتهى ومنَّ الله عليه بالهداية فهذا هو المطلوب، وإلا وجب أن يرفع إلى ولاة الأمور، ليقوموا بما يلزم نحو هذا الساحر.
***
المستمع نشوان حميد من العراق نينوى يقول: ماذا يعني تحضير الأرواح؟ وهل هذا موجود حقيقة أم خرافة؟ حيث يقال: إن هناك أشخاصاً يحضرون أرواح الأموات ويلتقون معهم ويكلمونهم، فهل هذا صحيح؟ ويقال: إنه توجد كتب عن تحضير الأرواح، فما رأيكم؟ وما حكم ممارسة مثل هذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا التحضير لأرواح الموتى لا يصح ولا يمكن أن يكون ثابتاً، وإذا قدر أن أحداً زعم أنه حضر روح فلان وخاطبها وخاطبته فإن هذا شيطان يخاطبه بصوت ذلك الميت، فإن الأرواح بعد الموت محفوظة، كما قال الله تعالى: (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة .حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ). أي: لا يفرطون في حفظ هذه الروح. ثم إن الأرواح تكون بعد الموت في مقرها، ولا يمكن أن تحضر إلى الدنيا بأي حال من الأحوال. وتعاطي مثل هذا العمل محرم؛ لما فيه من الكذب والدجل وغش الناس وأكل المال بالباطل، فالواجب الحذر منه والتحذير أيضاً؛ لما فيه من المفاسد الكثيرة العظيمة.
***
أسمع كثيراً عندنا بوجود كنوز مدفونة وموضوعة قديماً في باطن الأرض و عليها رصد من الجن، ولكي يستخرجوا هذا الكنز يذهب العارفون لأماكنها للشيخ الفلاني وعنده علم كافٍ بعلم استخراج الكنز وعلم التعامل مع الجن، فيقرؤون عليه نوعاً من آيات القرآن الكريم والطلاسم ويقال بأنهم فعلاً يستخرجونها ويظهرونها ويقدرون على هزيمة الجن,هل هذا العمل جائز أم شعوذة؟ أرجو بهذا إفادة .
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بجائز، فإن هذه الطلاسم التي يحضرون بها الجن ويستخدمونهم بها لا تخلو من شرك في الغالب، والشرك أمره خطير، قال الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ). والذي يذهب إليهم يغريهم ويغرهم, يغريهم بأنفسهم وأنهم على حق ويغرهم بما يعطيهم من الأموال. فالواجب مقاطعة هؤلاء وأن يدع الإنسان الذهاب إليهم، وأن يحذر إخوانه المسلمين من الذهاب إليهم، والغالب من أمثال هؤلاء أنهم يلعبون على الناس و يبتزون أموالهم بغير حق ويقولون القول تخرصاً، ثم إن وافق أخذوا ينشرونه بين الناس ويقولون: نحن قلنا وصار كذا نحن قلنا وصار كذا، وإن لم يوافق ادعوا دعاوي باطلة أنها هي التي منعت هذا الشيء. وإني أوجه النصيحة بهذه المناسبة إلى من ابتلوا بهذا الأمر وأقول لهم: احذروا بأن تمتطوا الكذب على الناس والشرك بالله وأخذ أموال الناس بالباطل، فإن أمد الدنيا قريب والحساب يوم القيامة عسير، وعليكم أن تتوبوا إلى الله تعالى من هذا العمل وأن تصححوا أعمالكم وتطيبوا أموالكم. والله الموفق.
***
ف. ص. هـ. من القصيم تقول: هي امرأة متزوجة من رجل وقد أنجبت منه أربعة أولاد، ولكنه يسيء معاملتها وأولادها ولا يوفر لهم ما يحتاجون إليه، ومع ذلك يمنعها من أن تأخذ شيئاً من أهلها كطعام ونحوه، ويمنعها أن تشتري لهم ما يحتاجون، فلا هو يصرف عليهم ويلبي طلباتهم ولا هو يقبل أن تستعين بنفسها أو بأهلها حتى في الضروريات، فكيف تتصرف مع هذا؟ علماً أنه مقصر في دينه كثيراً: فهو يشرب الخمر، ويتناول الحبوب المخدرة، وقد تزوج بزوجة أخرى، ولسوء تصرفاته فقد شكت في كمال عقله ووعيه، فذهبت تبحث عن سبب لذلك حتى أتت بعض الكهنة وشرحت لهم حالته، فقالوا لها: إنه مسحور. وقد ندمت على ذهابها إليهم وتابت إلى الله توبة نصوحاً فهي تسأل: هل عليها شيء في ذلك؟ وماذا عليه في تصرفاته؟ وهل يجوز لها البقاء معه على تلك الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن عدة مسائل: المسألة الأولى وهي من أهمها: ذهابها إلى الكهان، ولكنها قد ذكرت أنها تابت إلى الله عز وجل، وهذا هو الواجب على من فعل محرماً أن يبادر بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى فيندم على ما مضى ويعزم على ألا يعود في المستقبل.
والمسألة الثانية: تصرفات زوجها معها ومع أولادها بكونه يقصر في نفقتهم ويمنعها من أن تأتي بما يكملها من نفسها أو من أهلها. والجواب على هذه المسألة أن نقول: إذا كان لا يمكنها أن تأخذ من ماله ولو بغير علمه للإنفاق على نفسها وأولادها فإنه لا حرج عليها أن تأخذ من أهلها ما تنفق به على نفسها وأولادها، ولو منعها من ذلك فإنه ظالم، وهو ظالم حيث يمنعها من النفقة الواجبة عليه إن صح ما تقول في هذا الرجل.
المسألة الثالثة: البقاء معه أو طلب الفراق. فإذا كانت ترجو في البقاء معه أن يصلح الله حاله بالنصح والإرشاد فإنها تبقى معه؛ لئلا ينفرط سلك العائلة وتحصل مشاكلات بينها وبينه ويحصل القلق لأولادها، وإذا كانت لا ترجو ذلك فإنها تستخير الله عز وجل وتشاور من تراه ذا عقل راجح في هذه المسألة هل تبقى أو تفارق؟ ونسأل الله أن يختار لها ما فيه الخير والصلاح، ومحل ذلك ما لم يكن هذا الزوج تاركاً للصلاة، فإن كان تاركاً للصلاة فإنه لا يجوز لها البقاء معه؛ لأن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، والكفر المخرج عن الملة يقتضي انفساخ النكاح. والله أعلم.
***
بارك الله فيكم من السودان سائل يقول أسأل عن الرقية الشرعية وغير الشرعية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الرقية الشرعية ما جاءت به السنة مثل (اللهم رب الناس اذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً ) وغير الشرعية هي البدعية أو الشركية فما كان بدعة أو شركاً فإن الرقية به محرمة ولا تزيد الإنسان إلا ضررا ومرضاً وإن قدر أنه شفي بها فهو لم يشفَ بها في الواقع وإنما كان الشفاء عندها لا بها امتحاناً من الله سبحانه وتعالى لهذا الرجل الذي رقى بالشرك أو بالبدع وأما الأدعية المباحة التي ليست ببدعة فالرقية بها جائزة فتبين بهذا أن الرقى أربعة أقسام ما جاءت به السنة فالرقية به مشروعة مستحبة وما كان شركاً أو كان بدعة فالرقية به محرمة وما كان دعاءً مباحاً لا شرك فيه ولا بدعة لكنه ليس مما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالرقية به جائزة ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الرقى (لابأس بها ما لم تكن شركاً).
***
سماحة الشيخ / محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله تعالى
-------------------------
آخر تعديل: