- إنضم
- 24 ديسمبر 2016
- المشاركات
- 5,056
- نقاط التفاعل
- 15,515
- النقاط
- 2,256
- العمر
- 39
- محل الإقامة
- فرنسا الجزائر وطني
السلام عليكم و رحمه الله تعالى وبركاته
الحلقة السادسة من سلسلة
صيادو الحياة
المؤونة لم يبقى منها سوى القليل القليل والماء أيضا بدأ ينفذ وفقد الجميع الأمل .
وكان أملهم في عبارة السياح لكن يوسف وطيشه وتسرعه أفقدهم الامل وتنهد الجميع وهم مجتمعون داخل قمرة القيادة ، وإذا بعمر يركض خارجا ويتبعه الجميع مسرعين ،وزيد يضع يده على مسدسه متأهبا لشيء ما ،وقف الجميع بجانب عمر على حافة السفينة وإذا بالسياح يرمون أشياء للبحر ويبدو أنها قارورات ومهملات في أكياس ،لكن عمر لم يكن يضن أنها قمامة.
عمر: " يا جماعه أضنهم يحاولون مساعدتنا برمي مؤونة"
زيد :" لا أضن ذلك فإنها قارورات فارغة على ما يبدو "
يوسف متهورا :"لا ضير من التأكد أسبح لغاية الاشياء وأتأكد ،وإذا وجدتها مؤونة فتعترفون أني عبقري وتعتذرو مني "
جابر يمسكه من ذراعه ويهدئه :" على رسلك يا متهور على الاقل تبتعد العبارة قليلا"
وعمر كعادته متفائل ويؤيد رأي يوسف .
امسك عمر يد يوسف وأخذه الى حيث يضعون سترات النجاة وأمره أن يلبس واحدة وربطه جيدا بحبل طويل ،وطلب منه أن يسبح الى حيث الاشياء المرمية في البحر ليتأكد .
تركت العبارة وراءها كومة الاكياس والقارورات وابتعدت ،عندئذ رمى يوسف نفسه في عرض البحر بناءا على طلب عمر وأخذ يسبح والكل يمسك الحبل خوفا عليه.
عبد الرحمان :" لم أكن أعتقد يوما أني سأخاف عليه غريييييبة!!!"
جابر :" نحن نعرف أنكما تتشاجران دوما ،لكن قلباكما طيبان ومعدنكما صافي ،بارك الله فيكما"
عمر يتحدث بخوف :" أتمنى أن لا أكون قد بعثته الى موته دون جدوى، طول أملي بعث بالمسكين الى الى حتفه".
زيد " لا تقلق فأنت أردت النجاة مثلنا جميعا ،وإن شاء الله سيصل بامان ".
يعارك يوسف الموج العالي في عرض البحر وتارة يترك نفسه للتيار يأخذه من تعبه ،وفجأة توقف عن السباحة ،وبقي مدة دون حراك وراح يلوح بيده للجميع ويصرخ ففهم الجميع أنه في ورطة ،ودون تفكير يرمي عمر نفسه في البحر ويلحق به يصرخ فيه الجميع :" عمر عمر !!! عد يا مجنون".
عمر كان ملاحا رائعا ومعروفا يعمل على متن سفينة من سفن الصيد في الميناء ،يعيش سعيدا بعمله متسع البال متفائل للحياة ، يعيش مع والديه واخوته في بساطة وأريحية، يعني متوسط الحال ، لم يتزوج ووهب حياته للبحر والسمك والمغامرة .
وفي أحد الايام والجو ربيعي والشمس تبسط أشعتها الذهبية على ميناء الصيد ،رست سفينة الصيد التي يعمل بها عمر ،وبدأ العمال بتنزيل السمك الوفير والتجار مثل النحل حول السفينة يساومون ويختارون الطازج، الكبير والصغير ، أنهى عمر أسبوعا صعبا من العمل والتركيز على الآلات والرادارت والبحث عن أماكن السمك ،ويوما حافلا من تنزيل للسمك وبيع للتجار وتخزين في المخازن .
ودع الجميع وحث رجليه في طريقه الى البيت ،قادته خطواته الثقيلة الى محطة الحافلات القريبة من الميناء ،ببنطاله الازرق وقميصه الابيض وعصبة رأسه المخططة ، وحقيبته على ظهره يحمل بها ملابسه ،كان يبدو كقرصان هرب من قصص الاطفال بعضلاته المفتولة ولحيته وهو في الثلاثين من عمره ليس إلا.
بينما هو ينتظر الحافلة ،وفي الجهة المقابلة وقفت سيارة رياضية صغيرة وخرج من محركها دخان كثيف ،خرجت منها بنتان واحدة كانت تقودها والأخرى تجلس أمامها، وراحتا تدوران حول السيارة محاولتان فعل شيء ،ثم أخذتا هاتفيهما وراحتا تتصلا ،لم يعبأ عمر لأن الفتاتان كانتا تبدوان متفتحتان جدا ولباسهما كان غير لائق فبالنسبة له هذا عقاب لهما ظحك عليهما وراح يترقب ظهور الحافلة ،دون أن ينتبه الى الشباب الثلاث الذين أحاطو بالفتاتين وراحو يتحرشون بهما ويضايقونهما، حتى نبهته صرخة واحدة منهما حاول شاب أخذ هاتفها وحقيبة يدها ،لم تتحمل شهامته ولا رجولته المنظر وركض إليهم وما لبثو أن وجدو قرصانا يقف أمامهم بكل معانيه وتفاصيله، بهتت الفتاتان وكذا الشباب .
عمر :" إذا أردتم النجاة بحياتكم ضعو الاشياء مكانها وسيرو في حال سبيلكم"
الشباب الثلاث ينقضون على عمر ويحاولون إرضاء رجولتهم بضربات كانت تبدو مثل تدليك بالنسبة له ،انهال عليهم عمر ضربا والفتاتان تراقبان بخوف .
هرب الشباب الثلاثة وهم يتوعدون عمر ،وهو وكأنه كان يهش على نفسه ذبابة .
نظر الى الفتاتان وسألهما إن كانتا بخير ، كانتا في حالة ذهول لكن صاحبة السيارة شكرته على المساعدة وظهر عليها الاعجاب أكثر من الإمتنان ،وطلبت منه بخبث أن ينظر الى السيارة عله يصلحها ،لم يستطع الرفض بحكم أنه ساعدهما فيجب عليه إكمال خيره، وضع حقيبته جانبا وفتح السيارة وبدأ ينظر في المحرك، والفتاة تراقبه وكأنها لأول مرة في حياتها ترى رجلا ،كانت تتمنى لو أن السيارة لا تصلح لتتمكن من النظر اليه مطولا ،وفطنت على عمر وهو يغلق باب المحرك ويطلب منها إدارته ،أسرعت وأدارته وإذا بها تشتغل مجددا ،ولكي لا تفوت الفرصه على نفسها طلبت منه أن توصله كرد للجميل ،عارض عمر الفكرة قائلا أنه ينتظر الحافلة ،لكنها أكدت له أن آخر حافلة مرت وهو يصلح السيارة.
وبعد إلحاح كبير منها قبل وركب مع البنتين ،وأخذ يحدد لها المكان الذي يمكنها أن توصله اليه ،وهي تسأله ماذا تعمل ؟ كم عمرك ؟ أين تسكن؟ هل أنت متزوج ؟ وهو يجيب بخجل واستغراب وصديقتها تنبهها أحيانا أنها تجاوزت الحدود وعليها أن لا تتهور ، لكنها لم تأبه لتنبيهات صديقتها وأكملت ....،عندها صرخ عمر فيها وطلب منها أن توقف السيارة وتنزله فقد أحس أنه محاط بمحققين يحققون معه ،لكنها أصرت على إيصاله دون أن تأبه له .
أوصلته الى حيث يعيش وأعطته عنوان بيتها متحججة برغبتها في تذوق السمك الطازج الذي يصطادونه ،أمسكه من عندها خجلا وعجلا للمغادرة وخوفا من أن يراه أحد من أهل الحي .
تنفس الصعداء وعاد الى البيت مسرعا ،فقد اشتاق الى عائلته بعد أسبوع من العمل ،سلم على الجميع وتناول وجبة العشاء وكعادته ذهب ليخلد الى النوم باكرا من شدة التعب ،فطرقت أمه باب الغرفة ودخلت سائلة:" عمر أين هي محفضتك لأغسل لك ملابسك المتسخة وأكويها يا حبيبي؟"
عمر يتذكر ويخبط جبهته" يا إلاهي لقد نسيتها في السيارة!"
"عن أي سيارة تتحدث ومع من أتيت ولما إرتبكت هكذا؟"
عمر :" أه أه أه على رسلك أمي واحدة واحدة سأحكي لكي كل شيء"
حكى عمر لأمه القصة وأنها أعطته عنوانها ليوصل اليها بعض السمك الطازج.
عمر:" يجب علي أن أعيد حقيبتي قبل أن تفتحها ،كم أنا خجل يا أمي فهي ملابسي ! ملابسي!"
تطمئنه أمه وتطلب منه الخلود الى النوم وفي الصباح يذهب الى العنوان ليسترجع حقيبته، لم يستطع النوم تلك الليلة وهو يفكر ،وفي الصباح تناول إفطاره على عجل وخرج دون أن يلحظه أحد .
ذهب عند تاجر يشتري من عندهم السمك قريب من الحي واشترى من عنده سمكا طازجا ،وأخرج الورقة وأعطاها الى صاحب سيارة طاكسي وقال له:" خذني الى العنوان من فضلك"
السائق :" ياي ياي في هذه النواحي يعيش أثرياء المدينة هل ربحت اليانصيب؟"
عمر :" أضنني سأخسر كرامتي إن لم تسرع"
وصلا الى العنوان المطلوب ونزل مثل المجنون يبحث عن البيت ،فأخبره السائق أنه أمامه ،وإذا به يفاجأ بقصر مثل الذي في قصص الخيال في التلفاز ،وتقدم نحوه وهو يخبىء كيس السمك وراءه من هول ما رأى وإذا بالبوابة الكبيرة تفتح وتخرج منها سيارة فخمة بسائق ، ينزل السائق زجاج السيارة ليسأله وتلحظه الفتاةداخلها وتصرخ إنه الرجل إنه الرجل توقف فتنزل مسرعة متلهفة وتقول له:" هل اشتقت الي بهذه السرعة؟"
عمر في سره :" ما هذه الجرأة يا حبيبي أعطيني حقيبة ملابسي"
يرد عليها في حزم:" لا لا الامر هو أنني نسيت حقيبتي في سيارتك وأريد استرجاعها"
الفتاة غير منتبهة:" إسمي جيجي واسمك ماهو "
عمر :" جيجي!؟ انا اسمي عمر "
الفتاة :" ها ها جيجي هو اسم الدلع اسمي هو جميلة ،لقد اسمتني امي جميلة لأنني جميلة ،ألا ترى ذلك أيضا؟".
يخفي كيس السمك وراءه :" نعم نعم أرى، من فضلك أعطيني حقيبتي ودعيني أرحل"
جميلة:" لا لن ترحل قبل أن تقابل والدي وأخي وأعرفكم على بعض "
عمر :" أنا على عجلة أرجوك سأنتظر هنا واذهبي لإحضارها"
جميلة :" لقد وضعتها في غرفتي ،أنت تملك ذوقا رديئا في اللباس يخ لم يعجبني "،
يتصبب عرقا ويحمر خجلا وغضبا ويرمي بكيس السمك أرضا :" ماذا ماذا ماذا ؟ هل فتحتي حقيبتي ورأيتي ملابسي وفوق هذا لم يعجبكي ذوقي ,هيا يا أختي أعطيني أشيائي ودعيني أذهب يا لها من وقاحة"
تحمل الكيس وتتحسسه :" ياااااا لقد أحضرت السمك كما طلبت منك ،أنت حقا راااائع "
تمسكه من يده وفي اليد الاخرى الكيس وتدخله الى حديقة القصر ويمشي وهو مذهول من هول ما يرى من أشجار وطريق معبدة وزهور متنوعة الالوان والاشكال ،وكأنه يدخل متحف ولم ينتبه حتى أنها تمسك بيده من تيهه في القصر .
وصلا الى باب القصر ودخلا معا وهي تمسك يده وتنادي على والديها وأخيها ،وعمر وكأنه يدخل الى قاعة محاضرات التي يراها في التلفاز بثرياتها وفازاتها المتنوعة وستائرها الغالية ،وفجأة تظهر سيدة في الخمسينيات تظهر أنها أمها ويتبعها بعلها وولدها ويستغرب الجميع من منظر جميلة وهي تمسك يد عمر وهو البسيط في اللباس والهيأة ،فبادرتهم وقالت لهم أنه الشخص الذي ساعدها مع صديقتها وقد حضر الى هنا بناءا على طلب منها مع قليل من السمك الطازج ،وقد نسي حقيبته عندها ،عندئذ تفطن عمر للموقف ونزع يده من يدها وأخذ يتأسف ويتأسف ،لم يشعر يوما بحرج مثل ذلك اليوم ،وطلب منها أن تحضر له الحقيبة ليعود أدراجه ،لكن العائلة اشفقت عليه ودعته للغداء معهم .
تناول عمر الغداء في قصر من قصص الف ليلة وليلة ،ومع أميرة ووالديها لم يصدق نفسه وهو في طريق عودته الى البيت ،ويحمل حقيبته التي خجل حتى من حملها أمامهم.
في القصر تعلن الاميرة جيجي لوالديها أنها تريد الزواج من عمر وأنها وقعت في حبه من أول نظرة ،كان الخبر كالصاعقة لوالديها فهما ضنا أنها تتهكم فقط في البداية ،لكنها بدت مصرة عليه كإصرارها الدائم على شراء كل شيء يعجبها وعلى الذهاب الى أي مكان يعجبها فقط تؤشر وتلبى جميع طلباتها .
وفي يوم من ايام عطلة عمر كان مبكرا للذهاب الى الميناء ليسأل عن موعد الرحلة القادمة ويرى أصدقاء له في الميناء،كان الضباب كثيفا ولم يكد يرى مترين في الطريق ،وإذا بضربة على رأسه تسقطه أرضا ولم يستفق إلا وهو في مستودع مضلم ومكبل اليدين والرجلين ،صرخ وصرخ لم يجبه أحد وإذا بصوت يخترق الظلام والسكون ويقول له:" عمر أنت ميت يا عمر"
عمر :" هذا صوت امرأة وأضنني سمعته قبلا ،لكن أين؟"
ويصرخ عاليا:" من أنت أظهري نفسك تبا لك ماذا تريدين ولما تريدين قتلي"
جميلة تظهر له أمامه ومعها رجلان من رجال والدها :" عمر أريد أن أتزوج منك ،وإذا لم تقبل اليوم سأقتلك لكي لا تكون لأخرى أبدا"
عمر ينبهر من الكلام ويفجع من الاسلوب وعقد لسانه وخرجت مقلتاه حتى لم يعد يفهم أهو في حلم أو يمثل فيلما بوليسيا، ولكن شخصيته المتفائلة دائما تغلبه فسألها:" لماذا لم تسأليني بطريقة متحضرة كالعباد وفعلتي بي هذا؟"
جميلة:" لأنني أعرف ردك مسبقا ،فلا تلعب معي الذكي أنا أعرف أنك شخص عادي ومن الطبقة العادية ،ومحافظ ولن تقبل على نفسك الزواج مني وأنا أفوقك جمالا ومالا ومكانة إجتماعية،لذلك قررت الضرب أولا فإما وإما"
عمر :" يااااا لها من جرأة ليست بعدها جرأة ،أنت وقحة أيضا أضيفيها الى الفروق التي بيننا، أنا لست أقل منك في شيء بل أنا من تحتاجينه على ما يبدو لي من موقغي هذا.. إذا فأنا أحسن منك"
جميلة :" حتى وإن أحببتك تبقى ملكي بالنسبة لي ولا تملك أي سلطة على نفسك أمامي"
عمر يطوش غضبا ويحرك نفسه محاولا التخلص من القيود:" يا ناس ما هذا الكابوس الذي أنا فيه هل أنت مريضة نفسيا أو شيء من هذا القبيل؟ أنا لست ملللللكا لأحد ليكن في علمك واتركيني أذهب ولا أريد الزواج " جميلة تسمع منه كلمة لا أريد الزواج وتنهار على ركبتيها أمامه:" عمر أنت لا تعرف ما الذي تعنيه لي الآن أنت أهم عندي من ثروة والدي ومن قصر أبي ويمكنني أن أعيش معك حيث تعيش،أرجوك تنازل قليلا عن كرامتك"
عمر تتوضح الامور بالنسبة اليه قليلا ويحاول أن يقنع نفسه بما يراه أمامه،وما يسمع منها ،لم يرى في حياته من قبل امرأة تطلب رجلا للزواج قد يكون سمع سمعا ،ولم يرى أبدا ولم يسمع بامرأة تسرق رجلا لتطلب منه الزواج وتهدده فوق ذلك ،كان كل هذا يدور في رأسه ممزوجا بخوف على نفسه من الرجلين الواقفين بمسدسيهما ،لم يعد يعرف ما يفعل ولا ما يقول ،وفجأة صوت بداخله يقول له:" عمر أنظر أمامك ،أميرة جميلة من قصص الخيال ،جاثية على ركبتيها تتوسل منك الزواج ومستعدة أن تعيش معك في كل الظروف، إختبرها بالحجاب أولا وإذا وافقت فهي في جيبك ولن تعصيك مع أنها جريئة لكنها تبدو طيبة"
عمر:" حسن أنا موافق لكن بشرط واحد ، أن ترتدي الحجاب وتستري نفسك فأنا كما ذكرت في حديثك محافظ ولن أرضى على نفسي أن تتعرى زوجتي أمامي"
جميلة تنط من فرحها :" أعد أعد ما قلته زوجتي ؟ يا إلاهي أنا موافقة موافقة أضع النقاب إذا أردتم آه يا إلاهي كم أنا سعيدة!".
عمر :" لم أقل نقاب قلت حجاب والآن بما أنا متفقان على الصفقة ،فكي وثاقي واتركيني أذهب فقد تأخر الوقت" .
خرج عمر من المستودع وهو يستودع عقله عند خالقه ،ويستغفر ربه من شدة الهول ،ومرت الاشهر وفعلا تحجبت جميلة وأصبحت تصلي وتتبع تعاليم الدين ،فتقدم اليها عمر شكليا لأنها كانت قد فعلت كل شيء وجهزت لكل شيء مسبقا حتى أنها ذهبت الى بيته وقابلت والديه واخوته وأقنعتهم بها ولم تترك له سوى أن يتقدم اليها رسميا والباقي عليها هي ووالدها ،كانت قوية الشخصية ذكية جدا والاولى في صفها في الجامعة ،الكل في صفها استغربو ارتباطها بالملاح والانسان البسيط.
عمر .....هو بدأ يتعلق بها لأنها كانت ذكية وعرفت كيف تجذبه اليها.
لكن القالب غالب ،لم تترك جميلة عنفوانها وكبرياءها السابقين وبعد الزواج بعامين بدأت تظهر شخصيتها السابقة وتتذمر من حياتها معه البسيطة وأنه لا يؤمن لها ما تحتاجه ،وأنها تضطر الى التسول لوالديها ليعيلاها،وأنهما يسكنان في شقة باسمها ، زادت أحوال عمر سوءا بعد توقفت سفينة الصيد التي كان يعمل بها على الابحار ،وزيادة مولوده الاول وكثرة مصاريفها.
ومرت السنوات وعمر يعيش عالة على أنسبائه وأحيانا يعمل في مقهى وفي حمل السلع ......،وجميلة تزداد شراسة وتمنه على مساعدة أهلها له ،لكنه كان دائما يذكرها أنها هي من أختارته على الثراء والقصر وليس له دخل في هذا . فتهدأ قليلا قبل أن تعاود إظهار أنيابها مرة ثانية.
من ناحية جميلة الفتاة المراهقه التي تبعت قلبها ،ولم تعرف أنها لن تستطيع التخلي عن مستوى المعيشي الذي كانت تعيشه.
ومن جهة أخرى عمر الرجل الراشد الذي كان يتأمل فيها خيرا ،ويضن بطيبة قلبه أنها ستتغير لأنها تحبه ،لكنه صدم بواقع لا مفر منه ،وأنه أحبها ولا يمكنه الابتعاد عنها وعن أولاده ،خاصة وأنها حملت للمرة الثانية أي أصبحت له عائلة كبيرة لا يستطيع التخلي عنها بسهولة .
حملها الأخير كان صعبا مما اضطرها الى دخول المستشفى عدة مرات .
وصادفت أن دخلت الى المستشفى ،نفسها التي أحظر اليها جابر والده المريض ،وسمع عمر صراخ جابر وهو مع زوجته يهدؤها في الغرفة ،فأراد أن يساعد جابر لأنه طيب القلب وواسع الخاطر.
والتقى عمر بجابر وكان قدره أن يبحر ويتركها وراءه تشتاق اليه الاسبوع الذي يغيبه على الاقل .
ومرت السنوات وعمر يعمل في الحياة ،وروى قصة زواجه للجميع لذلك ،الجميع يستغرب ويتهكم عليه من قصته العجيبة وهو بصدر رحب لا يأخذ بخاطره عنهم لأنها فعلا قصة غريبة.
عندما قفز الى البحر لم يكن يفكر في شيء سوى بمسؤوليته تجاه يوسف الذي البسه والقاه في البحر ،سبح وسبح حتى وصل الى يوسف فوجده وقد وهنت رجلاه فصرخ في الطاقم:" اسحبو الحبل ،إسحبوووووه!"
الطاقم يسحب الحبل ويجر يوسف الى السفينة وقد ابتلع من المياه ما يفقده وعيه ، فأخذ محمد ينفخ في فم يوسف ويضغط على صدره حتى أخرج المياه من جوفه،واستفاق على الجميع محيطين به إلا عمر
" عمر ،عمر ! أين عمر يا جماعة" صرخ يوسف
لقد ارتبك الجميع وهلع على يوسف لدرجة أنهم نسو عمر ، ركض الجميع الى حافة السفينة فوجدو عمر وقد أحظر كل الاكياس والقارورات مليئة بالمؤونة والمياه وهو يبتسم ابتسامة مختلطة مع خوف على يوسف .
عمر :" إنها مؤونة يا جماعة ،ويوسف كيف حاله؟"
يطل عليه يوسف متبسما:" هههه الم أقل لك أنني عبقري، لقد فهمتني المرأة إذا "
جابر:" دعونا من الحديث ولنرفع عمر الى السفينة مع القليل من المؤونة الحمد لله على كل حال"
سحب الجميع عمر الى السطح وغطوه مع يوسف ،وأخذو يفتحون الاكياس على عجل فوجدو علب مصبرة وخبز قد تبلل قليلا وفاكهة وثلاث قارورات ماء ، ولفتت انتباه جابر قارورة فارغة بداخلها ورقة ففتح القارورة وأخرج منها الورقة وحاول أن يقرأها لكنه لم يفهم شيئا مما كتب ،فقرر أن يعطي الورقة الى يوسف ليقرأها فهو الامل الوحيد الموجود.
ترى ماذا كتب في الورقة؟
وهل هي لهم فعلا أم أن أحد السياح أراد أن يلعب لعبة سخيفة؟
هل ستكفيهم المؤونة؟
هل سينجو جابر وينجح في إنقاذ طاقمه ؟
تابعو سنعرف ذلك في الحلقة القادمة من سلسلة صيادو الحياة.
.........
الحلقة السادسة من سلسلة
صيادو الحياة
المؤونة لم يبقى منها سوى القليل القليل والماء أيضا بدأ ينفذ وفقد الجميع الأمل .
وكان أملهم في عبارة السياح لكن يوسف وطيشه وتسرعه أفقدهم الامل وتنهد الجميع وهم مجتمعون داخل قمرة القيادة ، وإذا بعمر يركض خارجا ويتبعه الجميع مسرعين ،وزيد يضع يده على مسدسه متأهبا لشيء ما ،وقف الجميع بجانب عمر على حافة السفينة وإذا بالسياح يرمون أشياء للبحر ويبدو أنها قارورات ومهملات في أكياس ،لكن عمر لم يكن يضن أنها قمامة.
عمر: " يا جماعه أضنهم يحاولون مساعدتنا برمي مؤونة"
زيد :" لا أضن ذلك فإنها قارورات فارغة على ما يبدو "
يوسف متهورا :"لا ضير من التأكد أسبح لغاية الاشياء وأتأكد ،وإذا وجدتها مؤونة فتعترفون أني عبقري وتعتذرو مني "
جابر يمسكه من ذراعه ويهدئه :" على رسلك يا متهور على الاقل تبتعد العبارة قليلا"
وعمر كعادته متفائل ويؤيد رأي يوسف .
امسك عمر يد يوسف وأخذه الى حيث يضعون سترات النجاة وأمره أن يلبس واحدة وربطه جيدا بحبل طويل ،وطلب منه أن يسبح الى حيث الاشياء المرمية في البحر ليتأكد .
تركت العبارة وراءها كومة الاكياس والقارورات وابتعدت ،عندئذ رمى يوسف نفسه في عرض البحر بناءا على طلب عمر وأخذ يسبح والكل يمسك الحبل خوفا عليه.
عبد الرحمان :" لم أكن أعتقد يوما أني سأخاف عليه غريييييبة!!!"
جابر :" نحن نعرف أنكما تتشاجران دوما ،لكن قلباكما طيبان ومعدنكما صافي ،بارك الله فيكما"
عمر يتحدث بخوف :" أتمنى أن لا أكون قد بعثته الى موته دون جدوى، طول أملي بعث بالمسكين الى الى حتفه".
زيد " لا تقلق فأنت أردت النجاة مثلنا جميعا ،وإن شاء الله سيصل بامان ".
يعارك يوسف الموج العالي في عرض البحر وتارة يترك نفسه للتيار يأخذه من تعبه ،وفجأة توقف عن السباحة ،وبقي مدة دون حراك وراح يلوح بيده للجميع ويصرخ ففهم الجميع أنه في ورطة ،ودون تفكير يرمي عمر نفسه في البحر ويلحق به يصرخ فيه الجميع :" عمر عمر !!! عد يا مجنون".
عمر كان ملاحا رائعا ومعروفا يعمل على متن سفينة من سفن الصيد في الميناء ،يعيش سعيدا بعمله متسع البال متفائل للحياة ، يعيش مع والديه واخوته في بساطة وأريحية، يعني متوسط الحال ، لم يتزوج ووهب حياته للبحر والسمك والمغامرة .
وفي أحد الايام والجو ربيعي والشمس تبسط أشعتها الذهبية على ميناء الصيد ،رست سفينة الصيد التي يعمل بها عمر ،وبدأ العمال بتنزيل السمك الوفير والتجار مثل النحل حول السفينة يساومون ويختارون الطازج، الكبير والصغير ، أنهى عمر أسبوعا صعبا من العمل والتركيز على الآلات والرادارت والبحث عن أماكن السمك ،ويوما حافلا من تنزيل للسمك وبيع للتجار وتخزين في المخازن .
ودع الجميع وحث رجليه في طريقه الى البيت ،قادته خطواته الثقيلة الى محطة الحافلات القريبة من الميناء ،ببنطاله الازرق وقميصه الابيض وعصبة رأسه المخططة ، وحقيبته على ظهره يحمل بها ملابسه ،كان يبدو كقرصان هرب من قصص الاطفال بعضلاته المفتولة ولحيته وهو في الثلاثين من عمره ليس إلا.
بينما هو ينتظر الحافلة ،وفي الجهة المقابلة وقفت سيارة رياضية صغيرة وخرج من محركها دخان كثيف ،خرجت منها بنتان واحدة كانت تقودها والأخرى تجلس أمامها، وراحتا تدوران حول السيارة محاولتان فعل شيء ،ثم أخذتا هاتفيهما وراحتا تتصلا ،لم يعبأ عمر لأن الفتاتان كانتا تبدوان متفتحتان جدا ولباسهما كان غير لائق فبالنسبة له هذا عقاب لهما ظحك عليهما وراح يترقب ظهور الحافلة ،دون أن ينتبه الى الشباب الثلاث الذين أحاطو بالفتاتين وراحو يتحرشون بهما ويضايقونهما، حتى نبهته صرخة واحدة منهما حاول شاب أخذ هاتفها وحقيبة يدها ،لم تتحمل شهامته ولا رجولته المنظر وركض إليهم وما لبثو أن وجدو قرصانا يقف أمامهم بكل معانيه وتفاصيله، بهتت الفتاتان وكذا الشباب .
عمر :" إذا أردتم النجاة بحياتكم ضعو الاشياء مكانها وسيرو في حال سبيلكم"
الشباب الثلاث ينقضون على عمر ويحاولون إرضاء رجولتهم بضربات كانت تبدو مثل تدليك بالنسبة له ،انهال عليهم عمر ضربا والفتاتان تراقبان بخوف .
هرب الشباب الثلاثة وهم يتوعدون عمر ،وهو وكأنه كان يهش على نفسه ذبابة .
نظر الى الفتاتان وسألهما إن كانتا بخير ، كانتا في حالة ذهول لكن صاحبة السيارة شكرته على المساعدة وظهر عليها الاعجاب أكثر من الإمتنان ،وطلبت منه بخبث أن ينظر الى السيارة عله يصلحها ،لم يستطع الرفض بحكم أنه ساعدهما فيجب عليه إكمال خيره، وضع حقيبته جانبا وفتح السيارة وبدأ ينظر في المحرك، والفتاة تراقبه وكأنها لأول مرة في حياتها ترى رجلا ،كانت تتمنى لو أن السيارة لا تصلح لتتمكن من النظر اليه مطولا ،وفطنت على عمر وهو يغلق باب المحرك ويطلب منها إدارته ،أسرعت وأدارته وإذا بها تشتغل مجددا ،ولكي لا تفوت الفرصه على نفسها طلبت منه أن توصله كرد للجميل ،عارض عمر الفكرة قائلا أنه ينتظر الحافلة ،لكنها أكدت له أن آخر حافلة مرت وهو يصلح السيارة.
وبعد إلحاح كبير منها قبل وركب مع البنتين ،وأخذ يحدد لها المكان الذي يمكنها أن توصله اليه ،وهي تسأله ماذا تعمل ؟ كم عمرك ؟ أين تسكن؟ هل أنت متزوج ؟ وهو يجيب بخجل واستغراب وصديقتها تنبهها أحيانا أنها تجاوزت الحدود وعليها أن لا تتهور ، لكنها لم تأبه لتنبيهات صديقتها وأكملت ....،عندها صرخ عمر فيها وطلب منها أن توقف السيارة وتنزله فقد أحس أنه محاط بمحققين يحققون معه ،لكنها أصرت على إيصاله دون أن تأبه له .
أوصلته الى حيث يعيش وأعطته عنوان بيتها متحججة برغبتها في تذوق السمك الطازج الذي يصطادونه ،أمسكه من عندها خجلا وعجلا للمغادرة وخوفا من أن يراه أحد من أهل الحي .
تنفس الصعداء وعاد الى البيت مسرعا ،فقد اشتاق الى عائلته بعد أسبوع من العمل ،سلم على الجميع وتناول وجبة العشاء وكعادته ذهب ليخلد الى النوم باكرا من شدة التعب ،فطرقت أمه باب الغرفة ودخلت سائلة:" عمر أين هي محفضتك لأغسل لك ملابسك المتسخة وأكويها يا حبيبي؟"
عمر يتذكر ويخبط جبهته" يا إلاهي لقد نسيتها في السيارة!"
"عن أي سيارة تتحدث ومع من أتيت ولما إرتبكت هكذا؟"
عمر :" أه أه أه على رسلك أمي واحدة واحدة سأحكي لكي كل شيء"
حكى عمر لأمه القصة وأنها أعطته عنوانها ليوصل اليها بعض السمك الطازج.
عمر:" يجب علي أن أعيد حقيبتي قبل أن تفتحها ،كم أنا خجل يا أمي فهي ملابسي ! ملابسي!"
تطمئنه أمه وتطلب منه الخلود الى النوم وفي الصباح يذهب الى العنوان ليسترجع حقيبته، لم يستطع النوم تلك الليلة وهو يفكر ،وفي الصباح تناول إفطاره على عجل وخرج دون أن يلحظه أحد .
ذهب عند تاجر يشتري من عندهم السمك قريب من الحي واشترى من عنده سمكا طازجا ،وأخرج الورقة وأعطاها الى صاحب سيارة طاكسي وقال له:" خذني الى العنوان من فضلك"
السائق :" ياي ياي في هذه النواحي يعيش أثرياء المدينة هل ربحت اليانصيب؟"
عمر :" أضنني سأخسر كرامتي إن لم تسرع"
وصلا الى العنوان المطلوب ونزل مثل المجنون يبحث عن البيت ،فأخبره السائق أنه أمامه ،وإذا به يفاجأ بقصر مثل الذي في قصص الخيال في التلفاز ،وتقدم نحوه وهو يخبىء كيس السمك وراءه من هول ما رأى وإذا بالبوابة الكبيرة تفتح وتخرج منها سيارة فخمة بسائق ، ينزل السائق زجاج السيارة ليسأله وتلحظه الفتاةداخلها وتصرخ إنه الرجل إنه الرجل توقف فتنزل مسرعة متلهفة وتقول له:" هل اشتقت الي بهذه السرعة؟"
عمر في سره :" ما هذه الجرأة يا حبيبي أعطيني حقيبة ملابسي"
يرد عليها في حزم:" لا لا الامر هو أنني نسيت حقيبتي في سيارتك وأريد استرجاعها"
الفتاة غير منتبهة:" إسمي جيجي واسمك ماهو "
عمر :" جيجي!؟ انا اسمي عمر "
الفتاة :" ها ها جيجي هو اسم الدلع اسمي هو جميلة ،لقد اسمتني امي جميلة لأنني جميلة ،ألا ترى ذلك أيضا؟".
يخفي كيس السمك وراءه :" نعم نعم أرى، من فضلك أعطيني حقيبتي ودعيني أرحل"
جميلة:" لا لن ترحل قبل أن تقابل والدي وأخي وأعرفكم على بعض "
عمر :" أنا على عجلة أرجوك سأنتظر هنا واذهبي لإحضارها"
جميلة :" لقد وضعتها في غرفتي ،أنت تملك ذوقا رديئا في اللباس يخ لم يعجبني "،
يتصبب عرقا ويحمر خجلا وغضبا ويرمي بكيس السمك أرضا :" ماذا ماذا ماذا ؟ هل فتحتي حقيبتي ورأيتي ملابسي وفوق هذا لم يعجبكي ذوقي ,هيا يا أختي أعطيني أشيائي ودعيني أذهب يا لها من وقاحة"
تحمل الكيس وتتحسسه :" ياااااا لقد أحضرت السمك كما طلبت منك ،أنت حقا راااائع "
تمسكه من يده وفي اليد الاخرى الكيس وتدخله الى حديقة القصر ويمشي وهو مذهول من هول ما يرى من أشجار وطريق معبدة وزهور متنوعة الالوان والاشكال ،وكأنه يدخل متحف ولم ينتبه حتى أنها تمسك بيده من تيهه في القصر .
وصلا الى باب القصر ودخلا معا وهي تمسك يده وتنادي على والديها وأخيها ،وعمر وكأنه يدخل الى قاعة محاضرات التي يراها في التلفاز بثرياتها وفازاتها المتنوعة وستائرها الغالية ،وفجأة تظهر سيدة في الخمسينيات تظهر أنها أمها ويتبعها بعلها وولدها ويستغرب الجميع من منظر جميلة وهي تمسك يد عمر وهو البسيط في اللباس والهيأة ،فبادرتهم وقالت لهم أنه الشخص الذي ساعدها مع صديقتها وقد حضر الى هنا بناءا على طلب منها مع قليل من السمك الطازج ،وقد نسي حقيبته عندها ،عندئذ تفطن عمر للموقف ونزع يده من يدها وأخذ يتأسف ويتأسف ،لم يشعر يوما بحرج مثل ذلك اليوم ،وطلب منها أن تحضر له الحقيبة ليعود أدراجه ،لكن العائلة اشفقت عليه ودعته للغداء معهم .
تناول عمر الغداء في قصر من قصص الف ليلة وليلة ،ومع أميرة ووالديها لم يصدق نفسه وهو في طريق عودته الى البيت ،ويحمل حقيبته التي خجل حتى من حملها أمامهم.
في القصر تعلن الاميرة جيجي لوالديها أنها تريد الزواج من عمر وأنها وقعت في حبه من أول نظرة ،كان الخبر كالصاعقة لوالديها فهما ضنا أنها تتهكم فقط في البداية ،لكنها بدت مصرة عليه كإصرارها الدائم على شراء كل شيء يعجبها وعلى الذهاب الى أي مكان يعجبها فقط تؤشر وتلبى جميع طلباتها .
وفي يوم من ايام عطلة عمر كان مبكرا للذهاب الى الميناء ليسأل عن موعد الرحلة القادمة ويرى أصدقاء له في الميناء،كان الضباب كثيفا ولم يكد يرى مترين في الطريق ،وإذا بضربة على رأسه تسقطه أرضا ولم يستفق إلا وهو في مستودع مضلم ومكبل اليدين والرجلين ،صرخ وصرخ لم يجبه أحد وإذا بصوت يخترق الظلام والسكون ويقول له:" عمر أنت ميت يا عمر"
عمر :" هذا صوت امرأة وأضنني سمعته قبلا ،لكن أين؟"
ويصرخ عاليا:" من أنت أظهري نفسك تبا لك ماذا تريدين ولما تريدين قتلي"
جميلة تظهر له أمامه ومعها رجلان من رجال والدها :" عمر أريد أن أتزوج منك ،وإذا لم تقبل اليوم سأقتلك لكي لا تكون لأخرى أبدا"
عمر ينبهر من الكلام ويفجع من الاسلوب وعقد لسانه وخرجت مقلتاه حتى لم يعد يفهم أهو في حلم أو يمثل فيلما بوليسيا، ولكن شخصيته المتفائلة دائما تغلبه فسألها:" لماذا لم تسأليني بطريقة متحضرة كالعباد وفعلتي بي هذا؟"
جميلة:" لأنني أعرف ردك مسبقا ،فلا تلعب معي الذكي أنا أعرف أنك شخص عادي ومن الطبقة العادية ،ومحافظ ولن تقبل على نفسك الزواج مني وأنا أفوقك جمالا ومالا ومكانة إجتماعية،لذلك قررت الضرب أولا فإما وإما"
عمر :" يااااا لها من جرأة ليست بعدها جرأة ،أنت وقحة أيضا أضيفيها الى الفروق التي بيننا، أنا لست أقل منك في شيء بل أنا من تحتاجينه على ما يبدو لي من موقغي هذا.. إذا فأنا أحسن منك"
جميلة :" حتى وإن أحببتك تبقى ملكي بالنسبة لي ولا تملك أي سلطة على نفسك أمامي"
عمر يطوش غضبا ويحرك نفسه محاولا التخلص من القيود:" يا ناس ما هذا الكابوس الذي أنا فيه هل أنت مريضة نفسيا أو شيء من هذا القبيل؟ أنا لست ملللللكا لأحد ليكن في علمك واتركيني أذهب ولا أريد الزواج " جميلة تسمع منه كلمة لا أريد الزواج وتنهار على ركبتيها أمامه:" عمر أنت لا تعرف ما الذي تعنيه لي الآن أنت أهم عندي من ثروة والدي ومن قصر أبي ويمكنني أن أعيش معك حيث تعيش،أرجوك تنازل قليلا عن كرامتك"
عمر تتوضح الامور بالنسبة اليه قليلا ويحاول أن يقنع نفسه بما يراه أمامه،وما يسمع منها ،لم يرى في حياته من قبل امرأة تطلب رجلا للزواج قد يكون سمع سمعا ،ولم يرى أبدا ولم يسمع بامرأة تسرق رجلا لتطلب منه الزواج وتهدده فوق ذلك ،كان كل هذا يدور في رأسه ممزوجا بخوف على نفسه من الرجلين الواقفين بمسدسيهما ،لم يعد يعرف ما يفعل ولا ما يقول ،وفجأة صوت بداخله يقول له:" عمر أنظر أمامك ،أميرة جميلة من قصص الخيال ،جاثية على ركبتيها تتوسل منك الزواج ومستعدة أن تعيش معك في كل الظروف، إختبرها بالحجاب أولا وإذا وافقت فهي في جيبك ولن تعصيك مع أنها جريئة لكنها تبدو طيبة"
عمر:" حسن أنا موافق لكن بشرط واحد ، أن ترتدي الحجاب وتستري نفسك فأنا كما ذكرت في حديثك محافظ ولن أرضى على نفسي أن تتعرى زوجتي أمامي"
جميلة تنط من فرحها :" أعد أعد ما قلته زوجتي ؟ يا إلاهي أنا موافقة موافقة أضع النقاب إذا أردتم آه يا إلاهي كم أنا سعيدة!".
عمر :" لم أقل نقاب قلت حجاب والآن بما أنا متفقان على الصفقة ،فكي وثاقي واتركيني أذهب فقد تأخر الوقت" .
خرج عمر من المستودع وهو يستودع عقله عند خالقه ،ويستغفر ربه من شدة الهول ،ومرت الاشهر وفعلا تحجبت جميلة وأصبحت تصلي وتتبع تعاليم الدين ،فتقدم اليها عمر شكليا لأنها كانت قد فعلت كل شيء وجهزت لكل شيء مسبقا حتى أنها ذهبت الى بيته وقابلت والديه واخوته وأقنعتهم بها ولم تترك له سوى أن يتقدم اليها رسميا والباقي عليها هي ووالدها ،كانت قوية الشخصية ذكية جدا والاولى في صفها في الجامعة ،الكل في صفها استغربو ارتباطها بالملاح والانسان البسيط.
عمر .....هو بدأ يتعلق بها لأنها كانت ذكية وعرفت كيف تجذبه اليها.
لكن القالب غالب ،لم تترك جميلة عنفوانها وكبرياءها السابقين وبعد الزواج بعامين بدأت تظهر شخصيتها السابقة وتتذمر من حياتها معه البسيطة وأنه لا يؤمن لها ما تحتاجه ،وأنها تضطر الى التسول لوالديها ليعيلاها،وأنهما يسكنان في شقة باسمها ، زادت أحوال عمر سوءا بعد توقفت سفينة الصيد التي كان يعمل بها على الابحار ،وزيادة مولوده الاول وكثرة مصاريفها.
ومرت السنوات وعمر يعيش عالة على أنسبائه وأحيانا يعمل في مقهى وفي حمل السلع ......،وجميلة تزداد شراسة وتمنه على مساعدة أهلها له ،لكنه كان دائما يذكرها أنها هي من أختارته على الثراء والقصر وليس له دخل في هذا . فتهدأ قليلا قبل أن تعاود إظهار أنيابها مرة ثانية.
من ناحية جميلة الفتاة المراهقه التي تبعت قلبها ،ولم تعرف أنها لن تستطيع التخلي عن مستوى المعيشي الذي كانت تعيشه.
ومن جهة أخرى عمر الرجل الراشد الذي كان يتأمل فيها خيرا ،ويضن بطيبة قلبه أنها ستتغير لأنها تحبه ،لكنه صدم بواقع لا مفر منه ،وأنه أحبها ولا يمكنه الابتعاد عنها وعن أولاده ،خاصة وأنها حملت للمرة الثانية أي أصبحت له عائلة كبيرة لا يستطيع التخلي عنها بسهولة .
حملها الأخير كان صعبا مما اضطرها الى دخول المستشفى عدة مرات .
وصادفت أن دخلت الى المستشفى ،نفسها التي أحظر اليها جابر والده المريض ،وسمع عمر صراخ جابر وهو مع زوجته يهدؤها في الغرفة ،فأراد أن يساعد جابر لأنه طيب القلب وواسع الخاطر.
والتقى عمر بجابر وكان قدره أن يبحر ويتركها وراءه تشتاق اليه الاسبوع الذي يغيبه على الاقل .
ومرت السنوات وعمر يعمل في الحياة ،وروى قصة زواجه للجميع لذلك ،الجميع يستغرب ويتهكم عليه من قصته العجيبة وهو بصدر رحب لا يأخذ بخاطره عنهم لأنها فعلا قصة غريبة.
عندما قفز الى البحر لم يكن يفكر في شيء سوى بمسؤوليته تجاه يوسف الذي البسه والقاه في البحر ،سبح وسبح حتى وصل الى يوسف فوجده وقد وهنت رجلاه فصرخ في الطاقم:" اسحبو الحبل ،إسحبوووووه!"
الطاقم يسحب الحبل ويجر يوسف الى السفينة وقد ابتلع من المياه ما يفقده وعيه ، فأخذ محمد ينفخ في فم يوسف ويضغط على صدره حتى أخرج المياه من جوفه،واستفاق على الجميع محيطين به إلا عمر
" عمر ،عمر ! أين عمر يا جماعة" صرخ يوسف
لقد ارتبك الجميع وهلع على يوسف لدرجة أنهم نسو عمر ، ركض الجميع الى حافة السفينة فوجدو عمر وقد أحظر كل الاكياس والقارورات مليئة بالمؤونة والمياه وهو يبتسم ابتسامة مختلطة مع خوف على يوسف .
عمر :" إنها مؤونة يا جماعة ،ويوسف كيف حاله؟"
يطل عليه يوسف متبسما:" هههه الم أقل لك أنني عبقري، لقد فهمتني المرأة إذا "
جابر:" دعونا من الحديث ولنرفع عمر الى السفينة مع القليل من المؤونة الحمد لله على كل حال"
سحب الجميع عمر الى السطح وغطوه مع يوسف ،وأخذو يفتحون الاكياس على عجل فوجدو علب مصبرة وخبز قد تبلل قليلا وفاكهة وثلاث قارورات ماء ، ولفتت انتباه جابر قارورة فارغة بداخلها ورقة ففتح القارورة وأخرج منها الورقة وحاول أن يقرأها لكنه لم يفهم شيئا مما كتب ،فقرر أن يعطي الورقة الى يوسف ليقرأها فهو الامل الوحيد الموجود.
ترى ماذا كتب في الورقة؟
وهل هي لهم فعلا أم أن أحد السياح أراد أن يلعب لعبة سخيفة؟
هل ستكفيهم المؤونة؟
هل سينجو جابر وينجح في إنقاذ طاقمه ؟
تابعو سنعرف ذلك في الحلقة القادمة من سلسلة صيادو الحياة.
.........