السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
فهذا تفريغ خطبه "محبة الله للعبد "لفضيله الشيخ الدكتور :محمد سعيد رسلان حفظه الله
والتي كانت بتاريخ
الجمعة 15 من رجب 1429هـ الموافق 18-7-2008م
وهذا رابط المحاضرة
http://www.rslan.org/rm//703_01.rm
أرجوا من الإخوة مراجعة التفريغ خشية وجود أخطاء
محبة الله للعبد
الخُطْبَة الأُولَى
إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ َسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ له ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلي الله عليه وعلى آله وسلم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فإن أَصدقَ الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وشرَ الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
أَمَّا بَعْدُ:
فقد قالَ العلامةُ ابنُ القيمِ رحمه الله تعالى :
"قد أَجمعَ العارفونَ على أن التوفيقَ : أن لا يَكِلَكَ الله إلى نَفْسِكْ
وأن الخِذلان: أن يَكِلَكَ الله إلى نَفْسِكْ "
وهذا المعنى يَتَمَثلُ ، أَكبرَ ما يَتَمَثَّلُ ، في تَحْقِيق محبه الله تبارك وتعالى للعبد , كما قال اللهَ جل وعلا في حديثِ الأولياء ((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَلئنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ))
فهذه الكفاية ، وأن لا يَكِلَ اللهُ تباركَ وتعالى العبد إلى نفسه ، هي ثمرة محبه الله تبارك وتعالى للعبد ، كما بين الله تبارك وتعالى في هذا الحديث القدسي العظيم ، والرسولُ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بهذا المعنى الجليل أمر فاطمة رضي الله عنها ؛
كما في الحديث الذي أخرجه النسَائيُ والبَزَّارُ والحَاكمُ ، وقال :صحيحٌ على شرط الشيخين ،
والحَقُ أنه: حديث حسن ، قال فيه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -كما روى ذلك أنسٌ رضي الله عنه :((يا فاطمةُ ما يَمنَعكي أنْ تَسْمَعِي ما أَقُول لَكِيْ ,تقولين إذا أصبحتي وإذا أمسيتي- في ذلك الحديث الذي في أذكار الصباحِ والمساءْ -يا حيُ يا قيومْ برحمَتِكَ أستغيثُ أصلح لِي شأني كُله ولا تَكِلْنِي إلى نفسي طَرفَة عَين أبدا))
فجعل النبيُ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -هذا السؤال من العبد لربه ، في أذكار الصباح والمساء ، ودل عليه فاطمة رضي الله وتبارك وتعالى عنها ، في سؤال الكفاية من الله تبارك وتعالى ، وأن لا يكل الله تبارك وتعالى العبد إلى نفسه.
فهذا هو التوفيق : التوفيق هو أن لا يكلك الله إلى نفسك ؛((يا حي ياقيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفه عين أبدا))
لأن الإنسان إذا وُكِلَ إلى نفسه ، وُكِلَ إلى ضعف وعوره ، وذنبٍ وخطيئة ، وإذا كَفَاه الله تَبارك وتعالى شَر نَفسه ، فقد أَقامهُ على الصراطِ المستقيم ، فالنبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم -لِعِظَمِ هذا الأمرِ، ولِكَبيرِ شأنه ، دَلَّنا على سؤال ربنا تبارك وتعالى في الصباحِ والمساءِ إياه ((لا تكلني إلى نفسي طرفه عينٍ أبداَ)) ؛
والله ربُ العالمين سبحانه إذا أحب العبد ، كفاه أمر نفسه ، كما بين في الحديث القدسي سبحانه وتعالى ، والإنسانُ كما هو معلوم ، لا يستطيعُ أن يتحصل على محبه الله تبارك وتعالى إلا بأسبابها ، ومن أسباب تحصيل محبه الله تبارك وتعالى للعبد ، أن يكون متابعا لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[ آل عمران :31]
فعلق الله تبارك وتعالى في هذا الشرط ، الجزاء على الفعل ، فمن إتبع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أحبه الله تبارك وتعالى ، ومن أحبه الله تبارك وتعالى كفاه أمر نفسه ، ولم يكله إلى نفسه طرفه عين ، إذ يكون سَمْعه الذي يَسْمَع به ، وبَصَرَه الذي يُبصِر به ، ويده التي يَبطشُ بها ، ورِجلَه التي يمشي بها ،كما قال سبحانه . وذلك مترتب على محبه الله رب العلمين للعبد ، وثمره من ثمرات محبه الله رب العلمين للعبد ؛فلابد من متابعة النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم -لِتَحْصِيل هذا المقصد الكبير، وهذه النِعْمَة الجليلة ، التي هي من أَكْبَر النِعَم إن لم تكن أكبرها ،
لأن الله رب العالمين لا يُحب إلا المُتَّقِين ، لا يُحب إلا المُحسِنين ، لا يُحب إلا الْمُتَطَهِّرِينَ ، لا يُحب الله رب العالمين أهل الخُبثِ ، ولا يُحب أهل الْخَبَائِث ، ولا يُحب أهل الفُحش ، ولا أهل الفَواحِش ،فإذا أَحَبَ العبد فلابد أن يكون العبد مُستَحِقاً لأن يُحَبَ ؛
وكما قال أهل السُلوكِ : إن الشأن ليس في أن تُحِب ، وإنما الشأن أن تُحَب ، لأنك إن أَحببتَ ولم تُحَب ، فهذا هو العذاب ، فمن أَحب ولم يُحَب فهذا هو العذاب .
وقد بين لنا نبينا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -طرفا من ذلك:أنَّ الإنسان إذا أحب ولم يُحَب فهو في عذاب واصب وهو في هَمٍّ ناصب،
والسُنَة قد أظْهَرَتْ لنا طَرَفَا من ذلك في مواضع ، منها :
ما أَخرَجَهُ البُخاري في صحيحة بسنده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه وهى أخت عبد الله بن أبي ، جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فقالت يا رسول الله : ثابت بن قيس ، لا أَعتِبُ عليه شيئا في خُلُق ولا دين ، ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال -رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم-
(تَرُدِّين عليه حديقته ؟
قالت : نعم
فقال -النبي صلى الله عليه وسلم - لثابت رضي الله عنه : اِقبل الحديقة وطلقها تطليقه))
فافتدت هي نفسها من رجل ، لا تَعِيبُ عليه شيئا ، لا في خُلقٍ ولا في دين ، و ثابت بن قيس بن شماس - رضي الله عنه - منْ خِيَارِ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -بَشَّره النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -بأنه يحيا حميدا ويموت شهيدا وأنه من أصحاب الجنة ،فَشَهِد له بالشهادة- رضي الله عنه -وشَهِدَ له بالجنة رضي الله عنه ، وذلك أنه لما أنزل الله رب العالمين قوله في الذين يرفعون أصواتهم فوق رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والذين يجهرون للنبي - صلى الله عليه وسلم-بالقول كجهر بعضهم لبعض ، ظن ثابت "وكان به ثِقَلٌ في السَمْع -فكان عالي الصوت" ، وهو كان - رضي الله عنه - مرزوقاً حسن الصوتِ وجمالهُ ، وكان خطيب رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-
فكان يخطب إذا جاءت الوفود بين يدي النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -فلما أنزل الله رب العالمين قوله ذلك ، ظن ثابت - رضي الله عنه - أنه داخل في هذا الوعيد { أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُون}[ الحجرات-2] فقال : حَبِط عَمَلِي لأني أرفع صوتي فوق صوت النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-{لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }[ الحجرات-2]
فقال : حبط عملي حبط عملي وأعتزل الناس في بيته ، فلما افتقده رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -أرسل إليه فجاءه الخبر
فقال: (( بل إرجع إليه فََبَشِّره أنك تحيا حميدا وتموت شهيدا وأنك من أهل الجنة ))
هذا الرجل الصالح جاءت إمرأته لا تطيقه ، وقالت للنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -بدء يا رسول الله : ثابت بن قيس ، "هذا موضوع القضية التي تعرضها بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -"-ماله -
قالت : لا أعيب عليه "لا أعتب عليه " وفى رواية(لا أنقم عليه شيئا في خلق ولا دين ، فأما خلقه فمن أكمل الخلق ، وأما دينه فأمتن دين يكون ، ومع ذلك أكره الكفر في الإسلام ) والكفر هنا هو ما قاله الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -يكفرن يعنى:يكفرن العشير فخافت هي من هذا التقصير وجاءت إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - تقول مقررة إنها لا تطيق هذا الرجل الصالح وليس فيه من عيب لا في خلق ولا في دين وأنها لَتَفتَدِى نفسها منه بالمهر الذي قدمه إليها ؛
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: تَرُدِين عليه حَدِيقَتَه ؟
قالت :نعم
فأمَرَهُ النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -بقبولها وأن يُطلقها
فقال : إقبل الحديقة وطلقها تطليقه !
فليس الشأن أن تُحِب .وإنما الشأن أن تُحَب .
أقوام إدَّعَوا محبه الله تبارك وتعالى وليس الشأن أن يأتوا بدعوى فارغة لا حقيقة لها ، وإنما الشأن أن يُقام الدليل والبرهان على صِدْق المُدَعَى ، فإذا ما قامت الدعوى على ساقين من برهان ودليل ، فإنه حينئذٍ تؤتِي أُكُلَهَا ، بإذن ربها تبارك وتعالى ويُحب الله رب العالمين العبد إذا أتى بالبرهان ، وهو متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم -
فليس الشأن أن تُحِب ، وإنما الشأن أن تُحَب ، وأنت إذا ما أحببت ولم تُحب فهذا هو العذاب .
والبرهان على ذلك أيضا في البُخاري من طريق عبدُ الله بن عباس - رضي الله عنهما -في قصة مغيثٍ وبريره ، فإن مغيثاً كان عبدا لبنى فلان كما قال ابن عباس- رضي الله عنهما- وكذا كانت بريره أَمَةً فلما أُعتِقَتْ صار الخيار إليها في أنْ تظل تحته وهو عبد ، وأن يفارقها وكان قد عَلِقَ قَلْبَه بها بما لا يمكن أنْ يَنفك عنها بحال ، فلما أن اختارت ، كان يدور ورائها في الأسواق كما قال بن عباس - رضي الله عنهما - لكأنِّى أنظر إلى مغيث يتبع بريره في سكك المدينة ودموعه قد أخضلت لحيته لأنها قد اختارت عليه ولم تُرِدْه حتى إن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عَجِبَ من هذا الأمر وعَجَّبَ منه فقال للعباس - رضي الله عنه -:يا عباس ألم تَعْجَب من حُب مغيث بريره ومن بغض بريره مغيث "حتى إن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -رحمه به ، شفع له عندها " فقال ألا تراجعينه أي ألا ترجعين إليه فقالت: يا رسول الله أتأمرني؟
قال : إنما أنا أَشْفَع
قالت : لا حاجه لي به ))
كان يدور ورائها في السكك ، وفي الطرقات والأسواق ، من شدة حبه يسير خلفه دموعه على وجنتيه ، ثم تخضل لحيته من أثر مدامعه بدموعه ، ومع ذلك فلا يصادف ذلك بقدر الله رب العالمين في قلبها إستجابةً ولا حُنُواً عليه ، مع أنها كانت له زوجا ، وقال بعض أهل العلم أن هذا هو موطن العجب في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -((ألا تعجبُ من حب مغيث بريره ومن بغض بريره مغيثاً ))فبعض أهل العلم قال : إنَّ العلماء قد قرروا أنه لا يمكن يحب إنسانٌ إنساناً وأن يُبغِضه المحبوب ، بل إذا ما أحبه هذا أَحَبه تِلوا ، لأنهم يَنظرون إلى قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -(( الأرواح جنود مجنده ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف ))[متفق عليه]
فهذا تفريغ خطبه "محبة الله للعبد "لفضيله الشيخ الدكتور :محمد سعيد رسلان حفظه الله
والتي كانت بتاريخ
الجمعة 15 من رجب 1429هـ الموافق 18-7-2008م
وهذا رابط المحاضرة
http://www.rslan.org/rm//703_01.rm
أرجوا من الإخوة مراجعة التفريغ خشية وجود أخطاء
محبة الله للعبد
الخُطْبَة الأُولَى
إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ َسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ له ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلي الله عليه وعلى آله وسلم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فإن أَصدقَ الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وشرَ الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
أَمَّا بَعْدُ:
فقد قالَ العلامةُ ابنُ القيمِ رحمه الله تعالى :
"قد أَجمعَ العارفونَ على أن التوفيقَ : أن لا يَكِلَكَ الله إلى نَفْسِكْ
وأن الخِذلان: أن يَكِلَكَ الله إلى نَفْسِكْ "
وهذا المعنى يَتَمَثلُ ، أَكبرَ ما يَتَمَثَّلُ ، في تَحْقِيق محبه الله تبارك وتعالى للعبد , كما قال اللهَ جل وعلا في حديثِ الأولياء ((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَلئنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ))
فهذه الكفاية ، وأن لا يَكِلَ اللهُ تباركَ وتعالى العبد إلى نفسه ، هي ثمرة محبه الله تبارك وتعالى للعبد ، كما بين الله تبارك وتعالى في هذا الحديث القدسي العظيم ، والرسولُ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بهذا المعنى الجليل أمر فاطمة رضي الله عنها ؛
كما في الحديث الذي أخرجه النسَائيُ والبَزَّارُ والحَاكمُ ، وقال :صحيحٌ على شرط الشيخين ،
والحَقُ أنه: حديث حسن ، قال فيه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -كما روى ذلك أنسٌ رضي الله عنه :((يا فاطمةُ ما يَمنَعكي أنْ تَسْمَعِي ما أَقُول لَكِيْ ,تقولين إذا أصبحتي وإذا أمسيتي- في ذلك الحديث الذي في أذكار الصباحِ والمساءْ -يا حيُ يا قيومْ برحمَتِكَ أستغيثُ أصلح لِي شأني كُله ولا تَكِلْنِي إلى نفسي طَرفَة عَين أبدا))
فجعل النبيُ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -هذا السؤال من العبد لربه ، في أذكار الصباح والمساء ، ودل عليه فاطمة رضي الله وتبارك وتعالى عنها ، في سؤال الكفاية من الله تبارك وتعالى ، وأن لا يكل الله تبارك وتعالى العبد إلى نفسه.
فهذا هو التوفيق : التوفيق هو أن لا يكلك الله إلى نفسك ؛((يا حي ياقيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفه عين أبدا))
لأن الإنسان إذا وُكِلَ إلى نفسه ، وُكِلَ إلى ضعف وعوره ، وذنبٍ وخطيئة ، وإذا كَفَاه الله تَبارك وتعالى شَر نَفسه ، فقد أَقامهُ على الصراطِ المستقيم ، فالنبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم -لِعِظَمِ هذا الأمرِ، ولِكَبيرِ شأنه ، دَلَّنا على سؤال ربنا تبارك وتعالى في الصباحِ والمساءِ إياه ((لا تكلني إلى نفسي طرفه عينٍ أبداَ)) ؛
والله ربُ العالمين سبحانه إذا أحب العبد ، كفاه أمر نفسه ، كما بين في الحديث القدسي سبحانه وتعالى ، والإنسانُ كما هو معلوم ، لا يستطيعُ أن يتحصل على محبه الله تبارك وتعالى إلا بأسبابها ، ومن أسباب تحصيل محبه الله تبارك وتعالى للعبد ، أن يكون متابعا لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[ آل عمران :31]
فعلق الله تبارك وتعالى في هذا الشرط ، الجزاء على الفعل ، فمن إتبع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أحبه الله تبارك وتعالى ، ومن أحبه الله تبارك وتعالى كفاه أمر نفسه ، ولم يكله إلى نفسه طرفه عين ، إذ يكون سَمْعه الذي يَسْمَع به ، وبَصَرَه الذي يُبصِر به ، ويده التي يَبطشُ بها ، ورِجلَه التي يمشي بها ،كما قال سبحانه . وذلك مترتب على محبه الله رب العلمين للعبد ، وثمره من ثمرات محبه الله رب العلمين للعبد ؛فلابد من متابعة النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم -لِتَحْصِيل هذا المقصد الكبير، وهذه النِعْمَة الجليلة ، التي هي من أَكْبَر النِعَم إن لم تكن أكبرها ،
لأن الله رب العالمين لا يُحب إلا المُتَّقِين ، لا يُحب إلا المُحسِنين ، لا يُحب إلا الْمُتَطَهِّرِينَ ، لا يُحب الله رب العالمين أهل الخُبثِ ، ولا يُحب أهل الْخَبَائِث ، ولا يُحب أهل الفُحش ، ولا أهل الفَواحِش ،فإذا أَحَبَ العبد فلابد أن يكون العبد مُستَحِقاً لأن يُحَبَ ؛
وكما قال أهل السُلوكِ : إن الشأن ليس في أن تُحِب ، وإنما الشأن أن تُحَب ، لأنك إن أَحببتَ ولم تُحَب ، فهذا هو العذاب ، فمن أَحب ولم يُحَب فهذا هو العذاب .
وقد بين لنا نبينا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -طرفا من ذلك:أنَّ الإنسان إذا أحب ولم يُحَب فهو في عذاب واصب وهو في هَمٍّ ناصب،
والسُنَة قد أظْهَرَتْ لنا طَرَفَا من ذلك في مواضع ، منها :
ما أَخرَجَهُ البُخاري في صحيحة بسنده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
قالت : نعم
فقال -النبي صلى الله عليه وسلم - لثابت رضي الله عنه : اِقبل الحديقة وطلقها تطليقه))
فافتدت هي نفسها من رجل ، لا تَعِيبُ عليه شيئا ، لا في خُلقٍ ولا في دين ، و ثابت بن قيس بن شماس - رضي الله عنه - منْ خِيَارِ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -بَشَّره النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -بأنه يحيا حميدا ويموت شهيدا وأنه من أصحاب الجنة ،فَشَهِد له بالشهادة- رضي الله عنه -وشَهِدَ له بالجنة رضي الله عنه ، وذلك أنه لما أنزل الله رب العالمين قوله في الذين يرفعون أصواتهم فوق رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والذين يجهرون للنبي - صلى الله عليه وسلم-بالقول كجهر بعضهم لبعض ، ظن ثابت "وكان به ثِقَلٌ في السَمْع -فكان عالي الصوت" ، وهو كان - رضي الله عنه - مرزوقاً حسن الصوتِ وجمالهُ ، وكان خطيب رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-
فكان يخطب إذا جاءت الوفود بين يدي النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -فلما أنزل الله رب العالمين قوله ذلك ، ظن ثابت - رضي الله عنه - أنه داخل في هذا الوعيد { أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُون}[ الحجرات-2] فقال : حَبِط عَمَلِي لأني أرفع صوتي فوق صوت النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-{لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }[ الحجرات-2]
فقال : حبط عملي حبط عملي وأعتزل الناس في بيته ، فلما افتقده رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -أرسل إليه فجاءه الخبر
فقال: (( بل إرجع إليه فََبَشِّره أنك تحيا حميدا وتموت شهيدا وأنك من أهل الجنة ))
هذا الرجل الصالح جاءت إمرأته لا تطيقه ، وقالت للنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -بدء يا رسول الله : ثابت بن قيس ، "هذا موضوع القضية التي تعرضها بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -"-ماله -
قالت : لا أعيب عليه "لا أعتب عليه " وفى رواية(لا أنقم عليه شيئا في خلق ولا دين ، فأما خلقه فمن أكمل الخلق ، وأما دينه فأمتن دين يكون ، ومع ذلك أكره الكفر في الإسلام ) والكفر هنا هو ما قاله الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -يكفرن يعنى:يكفرن العشير فخافت هي من هذا التقصير وجاءت إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - تقول مقررة إنها لا تطيق هذا الرجل الصالح وليس فيه من عيب لا في خلق ولا في دين وأنها لَتَفتَدِى نفسها منه بالمهر الذي قدمه إليها ؛
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: تَرُدِين عليه حَدِيقَتَه ؟
قالت :نعم
فأمَرَهُ النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -بقبولها وأن يُطلقها
فقال : إقبل الحديقة وطلقها تطليقه !
فليس الشأن أن تُحِب .وإنما الشأن أن تُحَب .
أقوام إدَّعَوا محبه الله تبارك وتعالى وليس الشأن أن يأتوا بدعوى فارغة لا حقيقة لها ، وإنما الشأن أن يُقام الدليل والبرهان على صِدْق المُدَعَى ، فإذا ما قامت الدعوى على ساقين من برهان ودليل ، فإنه حينئذٍ تؤتِي أُكُلَهَا ، بإذن ربها تبارك وتعالى ويُحب الله رب العالمين العبد إذا أتى بالبرهان ، وهو متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم -
فليس الشأن أن تُحِب ، وإنما الشأن أن تُحَب ، وأنت إذا ما أحببت ولم تُحب فهذا هو العذاب .
والبرهان على ذلك أيضا في البُخاري من طريق عبدُ الله بن عباس - رضي الله عنهما -في قصة مغيثٍ وبريره ، فإن مغيثاً كان عبدا لبنى فلان كما قال ابن عباس- رضي الله عنهما- وكذا كانت بريره أَمَةً فلما أُعتِقَتْ صار الخيار إليها في أنْ تظل تحته وهو عبد ، وأن يفارقها وكان قد عَلِقَ قَلْبَه بها بما لا يمكن أنْ يَنفك عنها بحال ، فلما أن اختارت ، كان يدور ورائها في الأسواق كما قال بن عباس - رضي الله عنهما - لكأنِّى أنظر إلى مغيث يتبع بريره في سكك المدينة ودموعه قد أخضلت لحيته لأنها قد اختارت عليه ولم تُرِدْه حتى إن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عَجِبَ من هذا الأمر وعَجَّبَ منه فقال للعباس - رضي الله عنه -:يا عباس ألم تَعْجَب من حُب مغيث بريره ومن بغض بريره مغيث "حتى إن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -رحمه به ، شفع له عندها " فقال ألا تراجعينه أي ألا ترجعين إليه فقالت: يا رسول الله أتأمرني؟
قال : إنما أنا أَشْفَع
قالت : لا حاجه لي به ))
كان يدور ورائها في السكك ، وفي الطرقات والأسواق ، من شدة حبه يسير خلفه دموعه على وجنتيه ، ثم تخضل لحيته من أثر مدامعه بدموعه ، ومع ذلك فلا يصادف ذلك بقدر الله رب العالمين في قلبها إستجابةً ولا حُنُواً عليه ، مع أنها كانت له زوجا ، وقال بعض أهل العلم أن هذا هو موطن العجب في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -((ألا تعجبُ من حب مغيث بريره ومن بغض بريره مغيثاً ))فبعض أهل العلم قال : إنَّ العلماء قد قرروا أنه لا يمكن يحب إنسانٌ إنساناً وأن يُبغِضه المحبوب ، بل إذا ما أحبه هذا أَحَبه تِلوا ، لأنهم يَنظرون إلى قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -(( الأرواح جنود مجنده ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف ))[متفق عليه]