الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد
فهذه التتمة الثانية لما سبق من سرد لموضوع محبة الله للعبد (محبة الله للعبد (الجزء الأول))
أتمنى لكم قراءة ممتعة.
التتمة:
قالوا : ليس كذلك ، بل إن موطن العجب ، في أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -وجد هذا البغض من بريرةَ لمغيثٍ ، مع ما كان من إئتلاف بزواج ، وقد كان لها زوجا ، ثم إنه يحبها هذا الحب كله ، ومع ذلك هي تبغضه هذا البغض كله ، والله رب العالمين ((قلوب العباد بين أصبعين من أصابِعِه يقلبها كيف يشاء ))
فليس الشأنُ أن تحب وإنما الشأنُ أن تحب.
وقد أنزل الله رب العالمين الآية التي قال العلماء "أنها آية المحنه ، أو آية الإختبار" لأن أقوماً يدعون محبه اللهِ رب العالمين ، فأنزل الله رب العالمين هذه الآية إمتحانا وإختبارا ، من أجل تقديمِ الدليل وإقامة البرهان على صدق الدعوى ، فأنزل الله رب العالمين قوله : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [آل عمران/31] فهذه منح عظيمة جدا ، لأن الله تبارك وتعالى إذا أحب العبد ، لم يكله إلى نفسه ، وكان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها ، كما قال الله ربُ العالمين .
التوفيق أن لا يَكِلَكَ اللهُ إلى نَفْسِك ، والخِذْلان أن يَكِلَكَ الله إلى نَفْسِك
ولا يمكن أن لا يَكِلَكَ الله إلى نفسك وهو يبغضك ، بل لابد أن تكون محبوبا ، لأن الله رب العالمين إذا أحب العبد ، جاء هذا الأمر بالكفاية من الله رب العالمين على النحو الموصوف في كلام ربنا في الحديث القدسي الصحيح ، فإذن لابد من تحصيل محبه الله رب العالمين بأسبابها ، وأول ذلك أن يجتهد الإنسان في إتباع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -
في إتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -في العقيدة التي جاء بها ،
أن لا يأتي بالتمثيل ولا التعطيل ،
وأن لا يأتي بالتجسيم ولا بالتشبيه،
أن لا يأتي بالغلو ،وأن لا يأتي بالجفاء ،
أن لا يكون خارجيا وأن لا يكون مرجئيا ،
وأن لا يكون مؤولا ولا مشبها ولا مجسما ، وإنما يكون آتيا بالعقيدة التي جاء بها رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -يعرف ربه بأسمائه وصفاته ويطيع ربه تبارك وتعالى فيما كلفه به من أمر آخذا بأسبابه ،فلا يكون جبريا يتواكل قائلا إن ذلك إنما قُدِّر ويحتج بالقدر على المعاصي ،
ولا يكون قَدَرِياً فيجعلُ مشيئة العبد نافذة ولا مشيئة لربه ، وإنما يكون من أهل السنة وهم الذين جاء النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بمنهاج النبوة الذي عليه يسير أهل السنة ، فينبغي أن يكون الإنسان متابعا للنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فى عقيدته ، فيما جاء به من الوحي من ربه ، فيما دل به على أسماء ربه وصفاته ، وقضاءه وقدره ، وما أمر الله رب العالمين أن يؤخذ به من أمر وما نهى عنه من نهى في كتابه وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم-يأتي الإنسان بالمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العقيدة ، وفى القول ، فلا يتكلم إلا بما يوافق الشرع متابعا لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-لم يكن يجهل "يعنى يتكلم حتى في الغضب بالكلمة العوراء "حاشا وكلا بل كان سديد المنطق مؤَيداً مسددا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يعرف ذلك أعدائُه ،كما يعرفهُ أوليائُه ويشهدُ بذلك أعدائه كما يشهد به أوليائه ، حتى إن اليهود لما حاصرهم النبي -صلى الله عليه وسلم -
وقال :((ألا ترون أن الله قد أخزاكم يا إخوان القردة والخنازير))
قالوا : ما عهدناك جهولا يا أبا القاسم - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-"يريدون بالجهل هنا الجهل الذي هو ضد الحلم" ،
فقالوا : ما عهدناك جهولا يا أبا القاسم ، أما منطقك فالمنطق السديد ؛ يعلمون ذلك منه فيكون الإنسان متابعا للنبي - صلى الله عليه وسلم -في عقيدته وفى قوله لا يتكلم بالكلمة العوراء ، وإنما يكون مسددا في منطقه صائبا في قوله ، بعيدا عن الخنا والفحش ، ويجتهد أن يكون متابعا لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في حفظ المنطق واللسان؛
اليهود يعلمون ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم -كما يعلمه أولياء رسول الله- صلى الله عليه وسلم -ومحبوه فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم -لما مروا عليه فقالوا السّام عليك يا محمد "والسّام الموت"
قال : ((وعليكم ))
وأما عائشة رضي الله عنها فلم تحتمل قالت: بل السام عليكم أنتم يا إخوان القردة والخنازير) وما قالت إلا حقا وصدقا - رضي الله عنها - ومع ذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مهلا يا عائشة ))قالت: يا رسول الله أما سمعت ما قال : سمعت ورددت يستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في)) - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ثم أرشدها ،قال : (إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ))
فمن أجل أن تكون متابعا من أجل أن يحبك الله رب العالمين ، ينبغي أن تتابع النبي- صلى الله عليه وسلم -بدأً في عقيدته إذ انه أرسل بهذا الأمر كما أرسل النبيون والمرسلون لتوحيد رب العالمين
فتتابع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عقيدته
وتتابع النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله
وتتابع النبي - صلى الله عليه وسلم - في فعله
وتتابع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في أخلاقه وفى سلوكه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }إذا أراد العبد أن يحصل الكفاية وأن لا يكله الله إلى نفسه فعليه أن يجتهد في تحصيل أسباب محبه الرب له ، وذلك لا يكون إلا بمتابعة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فإذا تابع العبد نبيه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أحبه الله رب العالمين {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } قال ربنُا جل وعلا في كتابه العظيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }من يرتد منكم عن دينه فإن الله غنى عنه إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر {إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}
؛{من يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}وصِفَةُ المحبة ثابتة لله رب العالمين بكتاب الله رب العالمين وسنه سيد المرسلين- صلى الله عليه وعلى آله وسلم-{من يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}
ثم بين الله رب العالمين صفاتِهم ، وبين أن هؤلاء من أول الصفات عندهم أنهم أذله على المؤمنين
يقول :خدي مداس لك حتى ترضى ، كما كان الشأن مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -فإن أبا ذر لما عَيَّر بلالاً بسواد أُمِه فقال يا ابن السوداء قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((إنك امرؤ ٌ فيك جاهلية ))ولم يقبل أبو ذر رضي الله عنه إلا أن يعتذر إعتذارا لا يزال الناس يتناقلونه إلى يوم الناس هذا ، وسيظلون ، فإنه جَعَلَ خَده على الأرض وأقسم ليطأن على خَدِّه بنعله ،خدي مداس لك حتى ترضى ، "ليكفر عن هذا الأمر الذي وقع منه في قوله له يا ابن السوداء"، ولم يقبل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ }
كما أمر بذلك ربنا تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ }
والمؤمنون أصحاب العزة وان كانوا قله كما أمر بذلك النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -((وإذا لقيتموهم في طريق فاضطرموهم إلى أضيقه وإن كنتم قله لأنكم أهل عزه)) وأما هم وأما نحن فبشر من خلق الله رب العالمين ، وأما العز والذل فأتى به الإيمان والكفر أتى الإيمان بالعز ، كما أتى الكفر بالمذلة للكافرين فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمن بأن يستعلي بإيمانه وأن يقصد إلى سواء الطريق ، وأن يضطر الكافر إلى أضيقه ، النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم -يدل العبد المسلم على أمر دينه وعظمته وجلال الأمر الذي جعله رب العالمين ممنونا به عليه ، وهو هذا الإيمان العظيم ، إذا ما أحس الإنسان بهذا الإحساس إحساسا صادقا ، علم أن رب العالمين قد أكرمه وأنعم عليه وقد أعلي شأنه في الدنيا والآخرة ، لأن الله رب العالمين جعل العزة لله ولرسوله وللمؤمنين بإيمانهم بالله وبالرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم -فبين ربنا تبارك وتعالى صفات هؤلاء{أذله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }
وهو الدلالة الصادقةُ والثمرةُ الناضجةُ للإيمان الحق ، تظهر على الجوارح بذلاً وعطاءً للرُوح وللنفس والنفيس في سبيل الله رب العالمين ، يجاهدون في سبيل الله بالسنان وباللسان وبالبنان
فيجاهدون أهل الكفر بالسنان ، ويجاهدون أهل الزيغ والشبهات بالحجة واللسان والبنان
فيجاهدون في سبيل الله بكل صوره ممكنه ،يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومه لائم ،
لأنهم لا يرجون إلا رضوان الله ولا يبحثون عن رضا الناس عليهم بسخط الله رب العالمين ((ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ))، من التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله الى الناس ومن التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مئونة الناس لأن الله رب العالمين يعامل العبد على قدر نيته !
فبين لنا ربنا تبارك وتعالى صفات الذين يحبهم ويحبونه ، الله رب العالمين فى الحديث القدسي المعروف بـ "حديث الأولياء" ، الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -عن ربنا جل وعلا أنه قال ((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)) فجعل الله رب العالمين معاداة أوليائه معاداةً له ، وجعل الله رب العالمين الحرب المشنونه على أوليائه حربا عليه ،
وعليه فإن الله رب العالمين يُعلِم من آذى أوليائه جل وعلا بالحرب مشنونة معلنه عليه ((من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب)) "أى أعلمته بها "والولي لا يعرف برسم ولا اسم ولا بشارة ولا بحركة ولا بِدَلْ ، وإنما يعرف الولي بخصلتين بينهما ربنا تبارك وتعالى لنا في كتابه العظيم ، كما قال شيخ الإسلام مستنبطا من الآية "كل مؤمن تقي هو لله ولى "فالولي لا يُعرَف بإسمه ولا يُعرَف برسمه ولا يُعرَف بثيابه ولا يُعرَف بصومعته وإنما "المؤمن التقي هو لله ولي " كما قال ربنا جل وعلا في كتابه العظيم {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}فبين الله رب العالمين الأولياء بصفتهم في هذه الآية العظيمة ، وبين أن المؤمن التقي هو لله ولي ،
فهذه التتمة الثانية لما سبق من سرد لموضوع محبة الله للعبد (محبة الله للعبد (الجزء الأول))
أتمنى لكم قراءة ممتعة.
التتمة:
قالوا : ليس كذلك ، بل إن موطن العجب ، في أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -وجد هذا البغض من بريرةَ لمغيثٍ ، مع ما كان من إئتلاف بزواج ، وقد كان لها زوجا ، ثم إنه يحبها هذا الحب كله ، ومع ذلك هي تبغضه هذا البغض كله ، والله رب العالمين ((قلوب العباد بين أصبعين من أصابِعِه يقلبها كيف يشاء ))
فليس الشأنُ أن تحب وإنما الشأنُ أن تحب.
وقد أنزل الله رب العالمين الآية التي قال العلماء "أنها آية المحنه ، أو آية الإختبار" لأن أقوماً يدعون محبه اللهِ رب العالمين ، فأنزل الله رب العالمين هذه الآية إمتحانا وإختبارا ، من أجل تقديمِ الدليل وإقامة البرهان على صدق الدعوى ، فأنزل الله رب العالمين قوله : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [آل عمران/31] فهذه منح عظيمة جدا ، لأن الله تبارك وتعالى إذا أحب العبد ، لم يكله إلى نفسه ، وكان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها ، كما قال الله ربُ العالمين .
التوفيق أن لا يَكِلَكَ اللهُ إلى نَفْسِك ، والخِذْلان أن يَكِلَكَ الله إلى نَفْسِك
ولا يمكن أن لا يَكِلَكَ الله إلى نفسك وهو يبغضك ، بل لابد أن تكون محبوبا ، لأن الله رب العالمين إذا أحب العبد ، جاء هذا الأمر بالكفاية من الله رب العالمين على النحو الموصوف في كلام ربنا في الحديث القدسي الصحيح ، فإذن لابد من تحصيل محبه الله رب العالمين بأسبابها ، وأول ذلك أن يجتهد الإنسان في إتباع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -
في إتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -في العقيدة التي جاء بها ،
أن لا يأتي بالتمثيل ولا التعطيل ،
وأن لا يأتي بالتجسيم ولا بالتشبيه،
أن لا يأتي بالغلو ،وأن لا يأتي بالجفاء ،
أن لا يكون خارجيا وأن لا يكون مرجئيا ،
وأن لا يكون مؤولا ولا مشبها ولا مجسما ، وإنما يكون آتيا بالعقيدة التي جاء بها رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -يعرف ربه بأسمائه وصفاته ويطيع ربه تبارك وتعالى فيما كلفه به من أمر آخذا بأسبابه ،فلا يكون جبريا يتواكل قائلا إن ذلك إنما قُدِّر ويحتج بالقدر على المعاصي ،
ولا يكون قَدَرِياً فيجعلُ مشيئة العبد نافذة ولا مشيئة لربه ، وإنما يكون من أهل السنة وهم الذين جاء النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بمنهاج النبوة الذي عليه يسير أهل السنة ، فينبغي أن يكون الإنسان متابعا للنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فى عقيدته ، فيما جاء به من الوحي من ربه ، فيما دل به على أسماء ربه وصفاته ، وقضاءه وقدره ، وما أمر الله رب العالمين أن يؤخذ به من أمر وما نهى عنه من نهى في كتابه وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم-يأتي الإنسان بالمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العقيدة ، وفى القول ، فلا يتكلم إلا بما يوافق الشرع متابعا لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-لم يكن يجهل "يعنى يتكلم حتى في الغضب بالكلمة العوراء "حاشا وكلا بل كان سديد المنطق مؤَيداً مسددا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يعرف ذلك أعدائُه ،كما يعرفهُ أوليائُه ويشهدُ بذلك أعدائه كما يشهد به أوليائه ، حتى إن اليهود لما حاصرهم النبي -صلى الله عليه وسلم -
وقال :((ألا ترون أن الله قد أخزاكم يا إخوان القردة والخنازير))
قالوا : ما عهدناك جهولا يا أبا القاسم - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-"يريدون بالجهل هنا الجهل الذي هو ضد الحلم" ،
فقالوا : ما عهدناك جهولا يا أبا القاسم ، أما منطقك فالمنطق السديد ؛ يعلمون ذلك منه فيكون الإنسان متابعا للنبي - صلى الله عليه وسلم -في عقيدته وفى قوله لا يتكلم بالكلمة العوراء ، وإنما يكون مسددا في منطقه صائبا في قوله ، بعيدا عن الخنا والفحش ، ويجتهد أن يكون متابعا لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في حفظ المنطق واللسان؛
اليهود يعلمون ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم -كما يعلمه أولياء رسول الله- صلى الله عليه وسلم -ومحبوه فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم -لما مروا عليه فقالوا السّام عليك يا محمد "والسّام الموت"
قال : ((وعليكم ))
وأما عائشة رضي الله عنها فلم تحتمل قالت: بل السام عليكم أنتم يا إخوان القردة والخنازير) وما قالت إلا حقا وصدقا - رضي الله عنها - ومع ذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مهلا يا عائشة ))قالت: يا رسول الله أما سمعت ما قال : سمعت ورددت يستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في)) - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ثم أرشدها ،قال : (إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ))
فمن أجل أن تكون متابعا من أجل أن يحبك الله رب العالمين ، ينبغي أن تتابع النبي- صلى الله عليه وسلم -بدأً في عقيدته إذ انه أرسل بهذا الأمر كما أرسل النبيون والمرسلون لتوحيد رب العالمين
فتتابع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عقيدته
وتتابع النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله
وتتابع النبي - صلى الله عليه وسلم - في فعله
وتتابع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في أخلاقه وفى سلوكه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }إذا أراد العبد أن يحصل الكفاية وأن لا يكله الله إلى نفسه فعليه أن يجتهد في تحصيل أسباب محبه الرب له ، وذلك لا يكون إلا بمتابعة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فإذا تابع العبد نبيه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أحبه الله رب العالمين {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } قال ربنُا جل وعلا في كتابه العظيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }من يرتد منكم عن دينه فإن الله غنى عنه إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر {إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}
؛{من يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}وصِفَةُ المحبة ثابتة لله رب العالمين بكتاب الله رب العالمين وسنه سيد المرسلين- صلى الله عليه وعلى آله وسلم-{من يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}
ثم بين الله رب العالمين صفاتِهم ، وبين أن هؤلاء من أول الصفات عندهم أنهم أذله على المؤمنين
يقول :خدي مداس لك حتى ترضى ، كما كان الشأن مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -فإن أبا ذر لما عَيَّر بلالاً بسواد أُمِه فقال يا ابن السوداء قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((إنك امرؤ ٌ فيك جاهلية ))ولم يقبل أبو ذر رضي الله عنه إلا أن يعتذر إعتذارا لا يزال الناس يتناقلونه إلى يوم الناس هذا ، وسيظلون ، فإنه جَعَلَ خَده على الأرض وأقسم ليطأن على خَدِّه بنعله ،خدي مداس لك حتى ترضى ، "ليكفر عن هذا الأمر الذي وقع منه في قوله له يا ابن السوداء"، ولم يقبل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ }
كما أمر بذلك ربنا تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ }
والمؤمنون أصحاب العزة وان كانوا قله كما أمر بذلك النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -((وإذا لقيتموهم في طريق فاضطرموهم إلى أضيقه وإن كنتم قله لأنكم أهل عزه)) وأما هم وأما نحن فبشر من خلق الله رب العالمين ، وأما العز والذل فأتى به الإيمان والكفر أتى الإيمان بالعز ، كما أتى الكفر بالمذلة للكافرين فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمن بأن يستعلي بإيمانه وأن يقصد إلى سواء الطريق ، وأن يضطر الكافر إلى أضيقه ، النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم -يدل العبد المسلم على أمر دينه وعظمته وجلال الأمر الذي جعله رب العالمين ممنونا به عليه ، وهو هذا الإيمان العظيم ، إذا ما أحس الإنسان بهذا الإحساس إحساسا صادقا ، علم أن رب العالمين قد أكرمه وأنعم عليه وقد أعلي شأنه في الدنيا والآخرة ، لأن الله رب العالمين جعل العزة لله ولرسوله وللمؤمنين بإيمانهم بالله وبالرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم -فبين ربنا تبارك وتعالى صفات هؤلاء{أذله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }
وهو الدلالة الصادقةُ والثمرةُ الناضجةُ للإيمان الحق ، تظهر على الجوارح بذلاً وعطاءً للرُوح وللنفس والنفيس في سبيل الله رب العالمين ، يجاهدون في سبيل الله بالسنان وباللسان وبالبنان
فيجاهدون أهل الكفر بالسنان ، ويجاهدون أهل الزيغ والشبهات بالحجة واللسان والبنان
فيجاهدون في سبيل الله بكل صوره ممكنه ،يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومه لائم ،
لأنهم لا يرجون إلا رضوان الله ولا يبحثون عن رضا الناس عليهم بسخط الله رب العالمين ((ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ))، من التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله الى الناس ومن التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مئونة الناس لأن الله رب العالمين يعامل العبد على قدر نيته !
فبين لنا ربنا تبارك وتعالى صفات الذين يحبهم ويحبونه ، الله رب العالمين فى الحديث القدسي المعروف بـ "حديث الأولياء" ، الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -عن ربنا جل وعلا أنه قال ((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)) فجعل الله رب العالمين معاداة أوليائه معاداةً له ، وجعل الله رب العالمين الحرب المشنونه على أوليائه حربا عليه ،
وعليه فإن الله رب العالمين يُعلِم من آذى أوليائه جل وعلا بالحرب مشنونة معلنه عليه ((من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب)) "أى أعلمته بها "والولي لا يعرف برسم ولا اسم ولا بشارة ولا بحركة ولا بِدَلْ ، وإنما يعرف الولي بخصلتين بينهما ربنا تبارك وتعالى لنا في كتابه العظيم ، كما قال شيخ الإسلام مستنبطا من الآية "كل مؤمن تقي هو لله ولى "فالولي لا يُعرَف بإسمه ولا يُعرَف برسمه ولا يُعرَف بثيابه ولا يُعرَف بصومعته وإنما "المؤمن التقي هو لله ولي " كما قال ربنا جل وعلا في كتابه العظيم {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}فبين الله رب العالمين الأولياء بصفتهم في هذه الآية العظيمة ، وبين أن المؤمن التقي هو لله ولي ،
آخر تعديل: