سلسلة شرح الأربيعن نووية و تتمتها للشيخ العباد (شرح الحديث الأول، الجزء الأول)

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,286
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
شرح الأربعين النووية [1] - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )

مقدمة بين يدي الأربعين
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فنبدأ مستعينين بالله عز وجل، متوكلين عليه، سائلين منه العون والتوفيق والتسديد، بشرح (الأربعين النووية) لـأبي زكريا يحيى بن شرف النووي رحمه الله تعالى.
وهذه الأحاديث الأربعون أحاديث عظيمة، وهي من جوامع كلم الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقد أُعطي النبي عليه الصلاة والسلام جوامع الكلم، حيث يأتي بالكلام القليل في المبنى ولكنه يكون واسع المعنى، فالكلمات قليلة، ولكن المعاني واسعة، فهي قواعد كلية، وقواعد عامة اشتملت عليها الأحاديث التي اختارها الإمام النووي رحمه الله تعالى. ولم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم شيء في حفظ أربعين حديثاً، وما جاء في ذلك فهو حديث ضعيف، وقد ذكر الإمام النووي نفسه في مقدمته للأربعين أنه لم يثبت الحديث في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنه قال إن حديث: (نضر الله امراءً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها)، وكذلك أيضاً: (ليبلغ الشاهد الغائب) يدعوان لذلك.
وإن جمع شيء من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والاشتغال به، ولفت الأنظار إليه فيه قيام بحفظ سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس الاعتماد في ذلك على الحديث الضعيف المروي في ذلك.

ذكر مناقب الإمام النووي وبعض مؤلفاته
كان النووي -رحمه الله- معروفاً بالزهد والورع والصلاح، والحرص على إفادة الناس، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكتابه هذا -الأربعون النووية- اشتهر دون غيره من الكتب الأخرى التي كتبت وجمعت في هذا الموضوع، وهي كثيرة، ولكن لم يشتهر كتاب في الأربعين مثلما اشتهر كتابه؛ فإنه لقي عناية خاصة من العلماء، وصار هو الكتاب الذي يبدأ بحفظه في الحديث عند طلبة العلم. وعدد هذه الأحاديث اثنان وأربعون حديثاً جمعها الإمام النووي ، وأضاف إليها الحافظ ابن رجب ثمانية أحاديث، فأكملها خمسين حديثاً، وشرحها في كتاب واسع قيم عظيم، وهو (جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم). والإمام النووي -رحمه الله- ليس من المعمرين، فقد عاش خمساً وأربعين سنة، فولادته كانت في سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وتوفي في سنة ست وسبعين وستمائة، ومع ذلك خلف مؤلفات وثروة عظيمة: فيما يتعلق بالحديث، وفيما يتعلق بالفقه، وفيما يتعلق بالمصطلح، وفيما يتعلق بعلوم القرآن، وفيما يتعلق باللغة، فمع قصر عمره وقلة مدته نفع الله تعالى بعلومه، وحصلت منه هذه الثروة العظيمة الواسعة.وكتاباه (الأربعون النووية) و(رياض الصالحين) كتابان مشهوران يعرفهما الخاص والعام، وكتابه (المجموع شرح المهذب) من أحسن الكتب التي ألفت في الفقه، فإنه كتاب واسع، وهو من أوسع الكتب التي اعتنت بأقوال الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم، وكذلك استيعاب المسائل، والتحقيق فيها والتدقيق مع الاجتهاد.وقد كان شافعي المذهب، ولكنه يرجح على حسب ما يدل عليه الدليل، وذلك لجمعه بين الفقه والحديث، فكان فقيهاً محدثاً رحمه الله، وكتابه مع كتاب (المغني) لـابن قدامة هما الكتابان المشهوران في الفقه في سعة العلم وفي الفقه العام الذي ليس متقيداً بمذهب معين، وإن كان قد شرح فيه (كتاب المهذب) لـأبي إسحاق الشيرازي الشافعي ، إلا أنه مثل ابن قدامة الذي شرح (مختصر الخرقي ) في كتابه (المغني)، حيث ذكرا أقوال الصحابة والتابعين، وكذلك أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم مع الترجيح، وبيان الأدلة في ذلك، وهما كتابان لا يستغني عنهما طالب العلم، فهما كتابان واسعان ومفيدان وعظيمان.وللإمام النووي كتب أخرى كثيرة، مثل (الأذكار)، (تهذيب الأسماء واللغات) وغيرهما، ومع كثرة هذه المؤلفات كان عمره قصيراً، فهذه أعمار بارك الله تعالى لأصحابها فيها، حيث عمروها بخدمة العلم وتحقيقه وتدوينه ونشره، فصار من بعدهم يرجع إلى كتبهم ويستفيد منهم، ويدعو لهم في مختلف العصور والأوقات.

ذكر حديث النية
وأول حديث بدأ به من الأحاديث الأربعين حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) فقال:[ عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).رواه إماما المحدثين: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري ، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة ].هكذا كما أورده النووي رحمه الله، وقد كان من عادته في كتابه هذا وفي كتابه (رياض الصالحين) أنه عندما يذكر الصحابي يذكره بكنيته، وكذلك يذكر وصفه، كما قال هنا: (عن أمير المؤمنين أبي حفص ).

ترجمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من لقب بأمير المؤمنين، وذلك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه عندما توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وبايعه المسلمون خليفة لرسول الله عليه الصلاة والسلام كان يخاطب بلقب (خليفة رسول الله) فيقولون له: يا خليفة رسول الله. فلما توفي أبو بكر رضي الله عنه وجاء بعده عمر صار يلقب بأمير المؤمنين، وذلك حتى لا تكثر الإضافات فـأبو بكر خليفة رسول الله، وعمر خليفة خليفة رسول الله، وعثمان خليفة خليفة خليفة رسول الله، وعلي خليفة خليفة خليفة خليفة رسول الله، وكل من جاء بعدهم سيضاف إليه لفظ، فتكثر الإضافات، فاستبدلوا ذلك بكلمة (أمير المؤمنين) التي تطلق على كل من يتولى إمرة المؤمنين.
و أبو حفص كنيته، وليس له ولد اسمه حفص، ولكنه اشتهر بهذه الكنية، ولعلها أطلقت عليه قبل أن يولد له فلزمته واستمرت معه، وإلا فإنه ليس له ولد يقال له: حفص. كما أن أبا بكر رضي الله عنه ليس له ولد يقال له: بكر. ولكنه اشتهر بهذه الكنية.ومثلها خالد بن الوليد ؛ فإنه يكنى بـأبي سليمان ، وليس له ولد اسمه سليمان، فلعل التكنية هذه حصلت في أول الأمر واستمرت، فجاء الأولاد بعد ذلك فغلبت الكنية الأولى، كما أن بعض الأشخاص الذين لم يتزوجوا ولم يولد لهم يُكنون ويكرمون بكناهم، مثل ابن تيمية ، فإن كنيته أبو العباس ، مع أنه لم يتزوج، ومثل النووي ، فهو أبو زكريا ، مع أنّه لم يتزوج، وغيرهم كثير. فلعل ما حصل لأمير المؤمنين أبي حفص هو من هذا القبيل، أعني أن الكنية وجدت قبل وجود الولد واستمرت، ثم جاء الأولاد فلم تعلق الكنية بهم، وإنما بقيت الكنية الأولى. و عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

تخريج حديث النية مع فوائد إسنادية
وأما تخريج الحديث فقد خرجه جماعة كثيرون، وفي مقدمتهم أصحاب الكتب الستة: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، بل إن المعلق على جامع العلوم والحكم -وهو الشيخ شعيب الأرناءوط - ذكر تخريجه عن تسعة عشر إماماً، وفي مقدمتهم أصحاب الكتب الستة، وفي مقدمة الذين خرجوه البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة.والإمام النووي رحمه الله لما ذكر الحديث عازياً إليهما ذكر ذلك في أول الأمر فقال: (رواه إماما المحدثين: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري الجعفي ) ، ونسبته إلى الجعفي نسبة ولاء، ونسبة الولاء تكون أحياناً بالعتق، وتكون -أيضاً- بسبب الإسلام، ونسبة البخاري إلى الجعفيين نسبة ولاء بسبب الإسلام؛ لأن أحد أجداده دخل في الإسلام على يد رجل من الجعفيين، ولهذا يقولون في ترجمته: الجفعي مولاهم. وأما مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري فهو قشيري، وهو منهم نسبة أصل وليست نسبة ولاء، ولهذا يقولون عنه: القشيري من أنفسهم، فإذا كان الشخص ينسب نسبة ولاء قالوا: مولاهم. وإذا كان فيهم أصلاً أتوا بكلمة (من أنفسهم) أي أنه ينتسب إليهم نسبة أصل، وليست نسبة ولاء، فـمسلم بن الحجاج من بني قشير، وأما البخاري فنسبته إلى الجعفيين نسبة ولاء، وليست نسبة أصل. وهذا الحديث من غرائب (صحيح البخاري )، فقد جاء من طريق واحدة، فهو فرد مطلق، فرواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم يروه عن عمر إلا علقمة بن وقاص الليثي ، ولم يروه عن علقمة بن وقاص الليثي إلا محمد بن إبراهيم التيمي ، ولم يروه عن محمد بن إبراهيم التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري ، ثم كثر الآخذون والراوون له عن يحيى بن سعيد حتى قيل: إن الذين رووه عنه يبلغون السبعين وقيل: إنهم يبلغون المائتين. وقيل: أكثر من ذلك. وهو غريب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يحيى بن سعيد . ومثله الحديث الذي ختم به البخاري (صحيحه)، وهو حديث أبي هريرة (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، فإنه -أيضاً- غريب، فلم يروه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا أبو هريرة ، ولم يروه عن أبي هريرة إلا أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، ولم يروه عن أبي زرعة إلا عمارة بن القعقاع ، ولم يروه عن عمارة بن القعقاع إلا محمد بن فضيل بن غزوان ، ثم انتشر بعد ذلك وكثر الآخذون والراوون له عن محمد بن فضيل بن غزوان ، ففاتحة صحيح البخاري وخاتمته حديثان من غرائب الصحيح، فلم يأتيا إلا من طريق واحدة، وقد قال الترمذي عندما خرج الحديث الأخير في جامعه -وهو: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ..)- قال: حديث حسن غريب صحيح. ويعني بقوله: (غريب) أنه جاء من طريق واحدة.وقد افتتح البخاري -رحمه الله- صحيحه بحديث عمر السابق، وكذلك الإمام النووي رحمه الله بدأ به الأربعين إشارة إلى تصحيح النية، وأن الإنسان إذا عمل عملاً فإنه يستحضر الإخلاص، ويستحضر حسن القصد، وأن يفعل ذلك ابتغاء وجه الله، وابتغاء مرضاته سبحانه.
فقد بدأ الأربعين بحديث (إنما الأعمال بالنيات)، وثنى بحديث عمر في قصة جبريل، فبدأ بأول حديث في البخاري ، وثنى بأول حديث في صحيح مسلم ، فحديث عمر الذي في قصة جبريل هو أول حديث في صحيح مسلم في كتاب الإيمان، وأول حديث في صحيح البخاري هو حديث (إنما الأعمال بالنيات). وقد سبق المؤلف إلى هذا الصنيع الإمام البغوي في كتابيه (شرح السنة) و(مصابيح السنة)، فإنه بدأ كلا الكتابين بحديث (إنما الأعمال بالنيات)، وثنى بحديث جبريل في تعليم الدين.وكذلك -أيضاً- بدأ المؤلف كتابه (المجموع شرح المهذب) بهذا الحديث؛ لأنه بعدما انتهى من المقدمة عقد فصلاً في إخلاص النية وحسن القصد، وأن يكون ذلك في الأمور الواضحة والجلية، ثم ذكر ثلاث آيات من كتاب الله، ثم ذكر حديث عمر بن الخطاب (إنما الأعمال بالنيات).وقد فعل ذلك -أيضاً- بعض المؤلفين فبدءوا بما بدأ البخاري به صحيحه، ومنهم: السيوطي ، فقد بدأ كتابه (الجامع الصغير) بهذا الحديث، وكذلك: عبد الغني المقدسي في كتابه (عمدة الأحكام)، فإنه بدأ بهذا الحديث، وكل هذا إشارة منهم إلى هذا الغرض النبيل الذي هو حسن القصد، والبدء بشيء يذكر الإنسان وهو يعمل عملاً ما بضرورة الإخلاص وحسن النية، وأن يريد الإنسان بعمله ذلك وجه الله عز وجل والتقرب إليه سبحانه وتعالى.

الأحاديث التي قيل إن الدين يدور عليها
وقد ذكر بعض أهل العلم أنّ هذا الحديث من الأحاديث التي يدور عليها الدين.فمن العلماء من قال: إن الدين يدور على حديثين: حديث (إنما الأعمال بالنيات)، وحديث: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). ومنهم من قال: إنه يدور على ثلاثة. وأضاف إلى الأولين حديث النعمان بن بشير (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس)، وقال بعضهم: إنها أربعة. واختلفوا بعد ذلك، فمنهم من جعل الرابع حديث: (الدين النصيحة)، ومنهم من جعله حديث: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة). ومنهم من قال: خمسة. والأحاديث التي وردت في ذلك بعد حديث (إنما الأعمال بالنيات)، وحديث: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) منها الأحاديث التي أشرت إليها سابقاً، ومنها حديث: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، ومنها حديث (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، ومنها حديث (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، ومنها حديث (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وكل هذه الأحاديث التي ذكر الحافظ ابن رجب آثاراً عن السلف في أن الدين يدور عليها هي من جملة الأحاديث التي اشتملت عليها (الأربعون النووية)، وهي من جوامع كلمه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
 
آخر تعديل:
معنى قوله: (إنما الأعمال بالنيات)
قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) قصر وحصر، و(إنما) تأتي لهذا الغرض، وكذلك كون المبتدأ والخبر يأتيان محليان بالألف واللام، فذلك من هذا القبيل، مثل (الدين النصيحة)، ومثل: (الحج عرفة)، ومثل (الأعمال بالنيات)، وقد جاء في بعض الراويات بدون (إنما)، وذلك بلفظ (الأعمال بالنيات)، وكل منهما يفيد الحصر والقصر.والأعمال هنا مطلقة، فقد حليت بالألف واللام للاستغراق، وقيل: إن المقصود من ذلك الأعمال التي هي قربة؛ فإنها لا تعتبر إلا بنياتها، ولا يعول عليها إلا بنياتها، وكل عمل فيها لا بد فيه من نية، وإذا خلا من النية فإنه لا عبرة به، والنية تأتي لتمييز العبادات بعضها عن بعض، ولتميز العبادات عن العادات، ولتمييز العبادات عن العادات.فمنهم من قال: إن المقصود به العموم، ويدخل في ذلك القُرَب وغير القُرَب، فأما القرب فأمرها معلوم، وأما غير القرب من الأمور التي يفعلها الناس -كالأكل والشرب والنوم والجماع وما إلى ذلك- إذا حسن المرء قصده فيها، ونوى بذلك التقوي على طاعة الله عز وجل فإن الله تعالى يأجره، كما جاء في الحديث: (وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم إذا لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟! قالوا: نعم. قال: فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر)، وقد جاء في ذلك حديث [ نية المؤمن خير من عمله ] ولكنه لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.و(النيات) جمع نية، والمراد بها القصد، والألف واللام في (النيات) بدل من الضمير (الهاء)، ومعنى ذلك أن أصل العبارة هكذا (الأعمال بنياتها)، أي: الأعمال معتبرة بنياتها. فحذف المضاف إليه -وهو الهاء- وأتي بـ(أل) مكانه، فصارت العبارة (الأعمال بالنيات).وهذا الاختصار يأتي كثيراً في الاستعمال، ولا سيما في أسماء الكتب، فيقولون -مثلاً-: البلوغ. ويعنون (بلوغ المرام)، ويقولون: النيل. ويعنون (نيل الأوطار)، وهكذا، فيأتون بالمضاف ويحذفون المضاف إليه، ويجعلون (أل) قائمة مقامه، فالألف واللام هنا عوض عن المضاف إليه، فالمراد: الأعمال بنياتها.فالمقدر الذي يتعلق به الجار والمجرور هو (معتبرة)، أي: الأعمال معتبرة بالنيات. فهي بدون نية غير معتبرة، فالإنسان إذا كان عليه غسل جنابة فاغتسل للتبرد أو للجمعة ولم ينو رفع الحدث فإنه باقٍ على حدثه، ولو صلى لم تصح صلاته، وعليه الغسل للجنابة وإعادة الصلاة ولو كان قد تنظف؛ لأن هذه عبادة، ولا بد في العبادة من نية، وليس المقصود مجرد النظافة فقط، بل هي عبادة تفتقر إلى نية.إذاً: فالجار والمجرور متعلق بمحذوف، والتقدير: (معتبرة)، أو (نافعة)، أو (مقبولة) أو ما إلى ذلك من العبارات المناسبة.

تعلق العمل بالنية خيراً وشراً
قوله: (وإنما لكل امرئ ما نوى) يعني أن الإنسان يحصل من الثواب والأجر على نيته؛ فإن العمل لا بد فيه من نية، والإنسان يحصل الأجر والثواب على حسب ما نواه.
ثم إن هاتين الجملتين (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) قاعدتان عامتان، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعدهما مثالاً يوضح المقصود، وأن الأمر يتبع النية، وأنه متعلق ومرتبط بها، وذلك المثال هو الهجرة، فقال عليه الصلاة والسلام: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله). أي: إذا كان قصده حسناً -وهو الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام من أجل أن يأتي بشعائر دينه، ومن أجل أن يحافظ على دينه، ومن أجل أن يتعلم الدين وأن يتفقه فيه- فهجرته إلى الله ورسوله.فإن قيل: الأصل في الشرط والجزاء أنهما يكونان متغايرين، فيقال: (من جد وجد، ومن زرع حصد)، فالجزاء غير الشرط، وهنا اتحد الجزاء مع الشرط، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)! فالجواب أنّ الجزاء وإن كان هنا نفس الشرط إلّا أن الحكم يختلف باختلاف المتعلق، فقوله: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) أي: نية وقصداً، (فهجرته إلى الله ورسوله) أي: ثواباً وأجراً. فبهذا يختلف الشرط والجزاء، فالأول يتعلق بالنية والقصد، والثاني يتعلق بالثواب والأجر.فذكر النبي صلى الله عليه وسلم في صدر هذا التمثيل الشيء الذي فيه أجر وثواب، وهو كون الإنسان يريد بعمله وجه الله عز وجل والدار الآخرة.وأما إذا كانت الهجرة من أجل غرض دنيوي من تجارة أو زواج فقد قال فيها عليه الصلاة والسلام: (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، فلم يقل: فهجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها وإنما جاء بلفظ عام ليبين أن من هاجر لشيء فإن هجرته إلى ما هاجر إليه، فإذا كان من أمور الدنيا لتحصيل المال، أو تحصيل الزواج أو غير ذلك فهجرته إلى ما هاجر إليه، فأتى بالجواب بلفظ عام؛ لأن أغراض الناس ومقاصدهم في أعمالهم المتعلقة بالدنيا لا تنحصر، فجاء بالجواب بلفظ يشمل كل شيء يقصد به الإنسان شيئاً من الدنيا. وأيضاً ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المثال ليوضح به أن من يكون قصده حسناً فله الثواب والأجر، ومن كان قصده غير ذلك فهجرته إلى ما هاجر إليه.
الهجرة معناها وأنواعها
الهجرة لغة: الترك. وتكون الهجرة من بلد الخوف إلى بلد الأمن، مثل الهجرة من مكة إلى الحبشة، فإنها هجرة من بلد خوف إلى بلد أمن، وتكون من بلد شرك إلى بلد إسلام، كالهجرة من مكة -قبل الفتح- إلى المدينة، فإن المهاجرين تركوا بلادهم، وتركوا أموالهم، وتركوا دورهم، ومتاعهم من أجل نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا جمع الله للمهاجرين بين الهجرة والنصرة في قوله تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8]، وبهذا كانوا أفضل من الأنصار؛ لأنهم عندهم النصرة التي عند الأنصار، وزادوا بالهجرة التي ليست عند الأنصار، فالمهاجرون أنصار، وزيادة على ذلك هم مهاجرون، والأنصار أنصار فقط، والذين جمعوا بين الهجرة والنصرة أفضل من الذين حصلوا النصرة فقط.والهجرة من مكة انتهت بفتح مكة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية)، وأما الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام فهي باقية ومستمرة إلى قيام الساعة.
 
آخر تعديل:
شرح الأربعين النووية [1] - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )

مقدمة بين يدي الأربعين
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فنبدأ مستعينين بالله عز وجل، متوكلين عليه، سائلين منه العون والتوفيق والتسديد، بشرح (الأربعين النووية) لـأبي زكريا يحيى بن شرف النووي رحمه الله تعالى.
وهذه الأحاديث الأربعون أحاديث عظيمة، وهي من جوامع كلم الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقد أُعطي النبي عليه الصلاة والسلام جوامع الكلم، حيث يأتي بالكلام القليل في المبنى ولكنه يكون واسع المعنى، فالكلمات قليلة، ولكن المعاني واسعة، فهي قواعد كلية، وقواعد عامة اشتملت عليها الأحاديث التي اختارها الإمام النووي رحمه الله تعالى. ولم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم شيء في حفظ أربعين حديثاً، وما جاء في ذلك فهو حديث ضعيف، وقد ذكر الإمام النووي نفسه في مقدمته للأربعين أنه لم يثبت الحديث في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنه قال إن حديث: (نضر الله امراءً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها)، وكذلك أيضاً: (ليبلغ الشاهد الغائب) يدعوان لذلك.
وإن جمع شيء من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والاشتغال به، ولفت الأنظار إليه فيه قيام بحفظ سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس الاعتماد في ذلك على الحديث الضعيف المروي في ذلك.

ذكر مناقب الإمام النووي وبعض مؤلفاته
كان النووي -رحمه الله- معروفاً بالزهد والورع والصلاح، والحرص على إفادة الناس، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكتابه هذا -الأربعون النووية- اشتهر دون غيره من الكتب الأخرى التي كتبت وجمعت في هذا الموضوع، وهي كثيرة، ولكن لم يشتهر كتاب في الأربعين مثلما اشتهر كتابه؛ فإنه لقي عناية خاصة من العلماء، وصار هو الكتاب الذي يبدأ بحفظه في الحديث عند طلبة العلم. وعدد هذه الأحاديث اثنان وأربعون حديثاً جمعها الإمام النووي ، وأضاف إليها الحافظ ابن رجب ثمانية أحاديث، فأكملها خمسين حديثاً، وشرحها في كتاب واسع قيم عظيم، وهو (جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم). والإمام النووي -رحمه الله- ليس من المعمرين، فقد عاش خمساً وأربعين سنة، فولادته كانت في سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وتوفي في سنة ست وسبعين وستمائة، ومع ذلك خلف مؤلفات وثروة عظيمة: فيما يتعلق بالحديث، وفيما يتعلق بالفقه، وفيما يتعلق بالمصطلح، وفيما يتعلق بعلوم القرآن، وفيما يتعلق باللغة، فمع قصر عمره وقلة مدته نفع الله تعالى بعلومه، وحصلت منه هذه الثروة العظيمة الواسعة.وكتاباه (الأربعون النووية) و(رياض الصالحين) كتابان مشهوران يعرفهما الخاص والعام، وكتابه (المجموع شرح المهذب) من أحسن الكتب التي ألفت في الفقه، فإنه كتاب واسع، وهو من أوسع الكتب التي اعتنت بأقوال الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم، وكذلك استيعاب المسائل، والتحقيق فيها والتدقيق مع الاجتهاد.وقد كان شافعي المذهب، ولكنه يرجح على حسب ما يدل عليه الدليل، وذلك لجمعه بين الفقه والحديث، فكان فقيهاً محدثاً رحمه الله، وكتابه مع كتاب (المغني) لـابن قدامة هما الكتابان المشهوران في الفقه في سعة العلم وفي الفقه العام الذي ليس متقيداً بمذهب معين، وإن كان قد شرح فيه (كتاب المهذب) لـأبي إسحاق الشيرازي الشافعي ، إلا أنه مثل ابن قدامة الذي شرح (مختصر الخرقي ) في كتابه (المغني)، حيث ذكرا أقوال الصحابة والتابعين، وكذلك أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم مع الترجيح، وبيان الأدلة في ذلك، وهما كتابان لا يستغني عنهما طالب العلم، فهما كتابان واسعان ومفيدان وعظيمان.وللإمام النووي كتب أخرى كثيرة، مثل (الأذكار)، (تهذيب الأسماء واللغات) وغيرهما، ومع كثرة هذه المؤلفات كان عمره قصيراً، فهذه أعمار بارك الله تعالى لأصحابها فيها، حيث عمروها بخدمة العلم وتحقيقه وتدوينه ونشره، فصار من بعدهم يرجع إلى كتبهم ويستفيد منهم، ويدعو لهم في مختلف العصور والأوقات.

ذكر حديث النية
وأول حديث بدأ به من الأحاديث الأربعين حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) فقال:[ عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).رواه إماما المحدثين: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري ، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة ].هكذا كما أورده النووي رحمه الله، وقد كان من عادته في كتابه هذا وفي كتابه (رياض الصالحين) أنه عندما يذكر الصحابي يذكره بكنيته، وكذلك يذكر وصفه، كما قال هنا: (عن أمير المؤمنين أبي حفص ).

ترجمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من لقب بأمير المؤمنين، وذلك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه عندما توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وبايعه المسلمون خليفة لرسول الله عليه الصلاة والسلام كان يخاطب بلقب (خليفة رسول الله) فيقولون له: يا خليفة رسول الله. فلما توفي أبو بكر رضي الله عنه وجاء بعده عمر صار يلقب بأمير المؤمنين، وذلك حتى لا تكثر الإضافات فـأبو بكر خليفة رسول الله، وعمر خليفة خليفة رسول الله، وعثمان خليفة خليفة خليفة رسول الله، وعلي خليفة خليفة خليفة خليفة رسول الله، وكل من جاء بعدهم سيضاف إليه لفظ، فتكثر الإضافات، فاستبدلوا ذلك بكلمة (أمير المؤمنين) التي تطلق على كل من يتولى إمرة المؤمنين.
و أبو حفص كنيته، وليس له ولد اسمه حفص، ولكنه اشتهر بهذه الكنية، ولعلها أطلقت عليه قبل أن يولد له فلزمته واستمرت معه، وإلا فإنه ليس له ولد يقال له: حفص. كما أن أبا بكر رضي الله عنه ليس له ولد يقال له: بكر. ولكنه اشتهر بهذه الكنية.ومثلها خالد بن الوليد ؛ فإنه يكنى بـأبي سليمان ، وليس له ولد اسمه سليمان، فلعل التكنية هذه حصلت في أول الأمر واستمرت، فجاء الأولاد بعد ذلك فغلبت الكنية الأولى، كما أن بعض الأشخاص الذين لم يتزوجوا ولم يولد لهم يُكنون ويكرمون بكناهم، مثل ابن تيمية ، فإن كنيته أبو العباس ، مع أنه لم يتزوج، ومثل النووي ، فهو أبو زكريا ، مع أنّه لم يتزوج، وغيرهم كثير. فلعل ما حصل لأمير المؤمنين أبي حفص هو من هذا القبيل، أعني أن الكنية وجدت قبل وجود الولد واستمرت، ثم جاء الأولاد فلم تعلق الكنية بهم، وإنما بقيت الكنية الأولى. و عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

تخريج حديث النية مع فوائد إسنادية
وأما تخريج الحديث فقد خرجه جماعة كثيرون، وفي مقدمتهم أصحاب الكتب الستة: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، بل إن المعلق على جامع العلوم والحكم -وهو الشيخ شعيب الأرناءوط - ذكر تخريجه عن تسعة عشر إماماً، وفي مقدمتهم أصحاب الكتب الستة، وفي مقدمة الذين خرجوه البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة.والإمام النووي رحمه الله لما ذكر الحديث عازياً إليهما ذكر ذلك في أول الأمر فقال: (رواه إماما المحدثين: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري الجعفي ) ، ونسبته إلى الجعفي نسبة ولاء، ونسبة الولاء تكون أحياناً بالعتق، وتكون -أيضاً- بسبب الإسلام، ونسبة البخاري إلى الجعفيين نسبة ولاء بسبب الإسلام؛ لأن أحد أجداده دخل في الإسلام على يد رجل من الجعفيين، ولهذا يقولون في ترجمته: الجفعي مولاهم. وأما مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري فهو قشيري، وهو منهم نسبة أصل وليست نسبة ولاء، ولهذا يقولون عنه: القشيري من أنفسهم، فإذا كان الشخص ينسب نسبة ولاء قالوا: مولاهم. وإذا كان فيهم أصلاً أتوا بكلمة (من أنفسهم) أي أنه ينتسب إليهم نسبة أصل، وليست نسبة ولاء، فـمسلم بن الحجاج من بني قشير، وأما البخاري فنسبته إلى الجعفيين نسبة ولاء، وليست نسبة أصل. وهذا الحديث من غرائب (صحيح البخاري )، فقد جاء من طريق واحدة، فهو فرد مطلق، فرواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم يروه عن عمر إلا علقمة بن وقاص الليثي ، ولم يروه عن علقمة بن وقاص الليثي إلا محمد بن إبراهيم التيمي ، ولم يروه عن محمد بن إبراهيم التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري ، ثم كثر الآخذون والراوون له عن يحيى بن سعيد حتى قيل: إن الذين رووه عنه يبلغون السبعين وقيل: إنهم يبلغون المائتين. وقيل: أكثر من ذلك. وهو غريب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يحيى بن سعيد . ومثله الحديث الذي ختم به البخاري (صحيحه)، وهو حديث أبي هريرة (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، فإنه -أيضاً- غريب، فلم يروه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا أبو هريرة ، ولم يروه عن أبي هريرة إلا أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، ولم يروه عن أبي زرعة إلا عمارة بن القعقاع ، ولم يروه عن عمارة بن القعقاع إلا محمد بن فضيل بن غزوان ، ثم انتشر بعد ذلك وكثر الآخذون والراوون له عن محمد بن فضيل بن غزوان ، ففاتحة صحيح البخاري وخاتمته حديثان من غرائب الصحيح، فلم يأتيا إلا من طريق واحدة، وقد قال الترمذي عندما خرج الحديث الأخير في جامعه -وهو: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ..)- قال: حديث حسن غريب صحيح. ويعني بقوله: (غريب) أنه جاء من طريق واحدة.وقد افتتح البخاري -رحمه الله- صحيحه بحديث عمر السابق، وكذلك الإمام النووي رحمه الله بدأ به الأربعين إشارة إلى تصحيح النية، وأن الإنسان إذا عمل عملاً فإنه يستحضر الإخلاص، ويستحضر حسن القصد، وأن يفعل ذلك ابتغاء وجه الله، وابتغاء مرضاته سبحانه.
فقد بدأ الأربعين بحديث (إنما الأعمال بالنيات)، وثنى بحديث عمر في قصة جبريل، فبدأ بأول حديث في البخاري ، وثنى بأول حديث في صحيح مسلم ، فحديث عمر الذي في قصة جبريل هو أول حديث في صحيح مسلم في كتاب الإيمان، وأول حديث في صحيح البخاري هو حديث (إنما الأعمال بالنيات). وقد سبق المؤلف إلى هذا الصنيع الإمام البغوي في كتابيه (شرح السنة) و(مصابيح السنة)، فإنه بدأ كلا الكتابين بحديث (إنما الأعمال بالنيات)، وثنى بحديث جبريل في تعليم الدين.وكذلك -أيضاً- بدأ المؤلف كتابه (المجموع شرح المهذب) بهذا الحديث؛ لأنه بعدما انتهى من المقدمة عقد فصلاً في إخلاص النية وحسن القصد، وأن يكون ذلك في الأمور الواضحة والجلية، ثم ذكر ثلاث آيات من كتاب الله، ثم ذكر حديث عمر بن الخطاب (إنما الأعمال بالنيات).وقد فعل ذلك -أيضاً- بعض المؤلفين فبدءوا بما بدأ البخاري به صحيحه، ومنهم: السيوطي ، فقد بدأ كتابه (الجامع الصغير) بهذا الحديث، وكذلك: عبد الغني المقدسي في كتابه (عمدة الأحكام)، فإنه بدأ بهذا الحديث، وكل هذا إشارة منهم إلى هذا الغرض النبيل الذي هو حسن القصد، والبدء بشيء يذكر الإنسان وهو يعمل عملاً ما بضرورة الإخلاص وحسن النية، وأن يريد الإنسان بعمله ذلك وجه الله عز وجل والتقرب إليه سبحانه وتعالى.

الأحاديث التي قيل إن الدين يدور عليها
وقد ذكر بعض أهل العلم أنّ هذا الحديث من الأحاديث التي يدور عليها الدين.فمن العلماء من قال: إن الدين يدور على حديثين: حديث (إنما الأعمال بالنيات)، وحديث: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). ومنهم من قال: إنه يدور على ثلاثة. وأضاف إلى الأولين حديث النعمان بن بشير (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس)، وقال بعضهم: إنها أربعة. واختلفوا بعد ذلك، فمنهم من جعل الرابع حديث: (الدين النصيحة)، ومنهم من جعله حديث: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة). ومنهم من قال: خمسة. والأحاديث التي وردت في ذلك بعد حديث (إنما الأعمال بالنيات)، وحديث: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) منها الأحاديث التي أشرت إليها سابقاً، ومنها حديث: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، ومنها حديث (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، ومنها حديث (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، ومنها حديث (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وكل هذه الأحاديث التي ذكر الحافظ ابن رجب آثاراً عن السلف في أن الدين يدور عليها هي من جملة الأحاديث التي اشتملت عليها (الأربعون النووية)، وهي من جوامع كلمه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
ما هي الامور المتشابهة التي لا يعلمهن كثير من الناس في الحلال و الحرام
جزاكم الله خيرا
 
الامور المتشابهة
السؤال: في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات" (رواه الإمام البخاري في ‏صحيحه)، ما المعني بالأمور المشتبهات؟ وهل يمكن أن تكون السيجارة من الأمور المشتبهات؟

الإجابة: الأمور المشتبهات المطلوب اجتنابها هي التي اختلف فيها أهل العلم هل هي حلال أم حرام نظراً لاختلاف الأدلة فيها، ولم يترجح فيها قول على قول، فتركها من باب الاحتياط أسلم لدين المرء وعرضه، وأما السيجارة "الدخان" فهي حرام بلا شك، وذلك لضرر الدخان البالغ، وليس فيه شيء من المنافع، ولا حجة مع من يرى عدم تحريمه حتى يُقال: إنه من المختلف فيه، بل الحجة الواضحة مع من يرى تحريمه فليس هو من المشتبهات وإنما هو من المحرمات فيجب على المسلم تركه، وليس كل خلاف ينظر إليه، وإنما ينظر إلى الخلاف الذي له وجه في الشرع‏. العلامة صالح الفوزان.
 
الشُّبُهات هنا يُقصد بها " الْمُتَشَابِهات " .
وفي الحديث المتّفق عليه : إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن ، وبينهما مُشْتَبِهَات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام .. الحديث . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : وَبَيْنهمَا مُشَبَّهَات .
قال ابن حجر : أَيْ : شُبِّهَتْ بِغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يَتَبَيَّن بِهِ حُكْمهَا عَلَى التَّعْيِين . اهـ .
وقال ابن منظور : و المشتبهات من الأمور المشكلات .

سُئل الإمام أحمد : ما الشُّبُهَات ؟
فأجاب :
هي مَنْزِلة بَيْن الحلال والحرام إذا استبرأ لِدِينِه لَم يَقَع فيها .

والأحكام الشرعية منها ما هو حلال مَحض ، ومنها ما هو حرام محض ، وبين الْمَنْزِلتين تقع المتشابهات ، وهذه الْمَنْزِلة يعلمها العلماء ، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام : " وبينهما مُشْتَبِهَات لا يعلمهن كثير من الناس " .
ومعنى هذا أن هذه الْمَنْزِلة تَخْفَى على كثير من الناس .
قال ابن حجر : قَوْله : " لا يَعْلَمهَا كَثِير مِنْ النَّاس "
أَيْ : لا يَعْلَم حُكْمهَا ، وَجَاءَ وَاضِحًا فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ بِلَفْظِ " لا يَدْرِي كَثِير مِنْ النَّاس أَمِنَ الْحَلال هِيَ أَمْ مِنْ الْحَرَام " وَمَفْهُوم قَوْله : " كَثِير " أَنَّ مَعْرِفَة حُكْمهَا مُمْكِن لَكِنْ لِلْقَلِيلِ مِنْ النَّاس وَهُمْ الْمُجْتَهِدُونَ ، فَالشُّبُهَات عَلَى هَذَا فِي حَقّ غَيْرهمْ ، وَقَدْ تَقَع لَهُمْ حَيْثُ لا يَظْهَر لَهُمْ تَرْجِيح أَحَد الدَّلِيلَيْنِ . اهـ .

واتقاء الشُّبُهات يدخل من باب الوَرَع أيضا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وأما الخروج من اختلاف العلماء فإنما يُفعل احتياطا إذا لم تُعْرَف السُّـنَّة ولم يَتبين الحق ؛ لأن مَن اتَّقى الشُّبُهات استبرأ لِعِرْضِه ودينه ، فإذا زالت الشبهة وتبينت السُّـنَّة فلا معنى لِمَطْلَب الخروج من الخلاف . اهـ .

وأكثر المسائل التي تدخل تحت المتشابهات هي التي وقع فيها الخلاف بين العلماء ، فيكون أفتى العلماء في مسألة ما بالتحريم ، وقد يُفتي بعض أهل العِلْم بالجواز ، فمن تتبّع الرُّخَص وأخذ بالفتوى بالجواز ، فإنه لم يتِّقِ الشُّبُهات ، وهو يرعى حول الحمى ، يوشك أن يقع فيها ، بل إنه سيقع في الحرام لا مَحالة ، لقوله عليه الصلاة والسلام : ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام .










التوقيع
الاجوبة منقولة عن فضيلة الشيخ
عبد الرحمن السحيم

عضو مركز الدعوة والإرشاد بـالـريـاض
حفظه الله
 
آخر تعديل:
4008726_max.jpg
 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد قراءة الشرح في الصباح
وددت استذكار النقاط التي بقيت عندي
فقد عرفنا أن الإمام النووي رحمه الله أنه لم يعش مطولا لكن كان عمره مباركا فيه فنال من العلم النافع الوفير وعلمه رغم قصر عمره ولم يكن من المعمرين
وقد تم تجميع هاته الأحاديث الأربعون ليس تطبيقا للحديث الضعيف بل هو بقصد تبليغ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليمها للناس فحاولو تجميع الأحاديث الصحيحة فحسب
وقد اتضح أن الحديث الأول حديث "إنما الأعمال بالنيات" استهلو به للتوضيح أن العمل هذا خالص لله عز وجل فنيتهم كانت في تعليم الأحاديث الصحيحة والتبليغ عن ما قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام
وليس تطبيقا للحديث الأول لذلك فعملهم كان حسب نيتهم الحسنة
كما ذُكر في شرح الحديث الأول أن هذا الحديث غريب لأنه مر على طريق واحدة ولم تكن هناك طرق مختلفة فلم يروه إلا فلان فقط عن فلان وهكذا لذلك سمي الحديث غريبا
وفي بداية الحديث وجدنا أنه قال عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فالإمام النووي يعتمد على الوصف والكُنية ثم التسمية كما ذكر البخاري فقال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري وذكر أيضا ما ينتمي إليه وقد نُسيت ما ينتمي إليه وذاك ليس أصله بل هناك جد من أجداد البخاري أسلم على يد ذاك الشخص فأصبح يُنسب إليه وهو ليس أصل له
بينما مسلم يُقال له أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري فهنا مسلم أصله قشيري وليست نسبة فحسب
كما أن عمر بن الخطاب يقال له أبي حفص ليس لأن لديه إبن إسمه حفص فهي كُنية فحسب قد تكون قبل أن يكون له ابناء فلما كان له أبناء بقيت كُنيته

بدأ الحديث بقوله عليه الصلاة والسلام "إنما الأعمال بالنيات" وهنا تم التعريف بالألف واللام بقصد الحصر فحُذف المضاف إليه وهو الهاء فالأصل هو "إنما الأعمال بنياتها " واستبدل مكان المضاف إليه الألف واللام للحصر
والمعنى بهاته الكلمة أن كل عمل يكون حسب النية فمن كانت نيته خالصة لله عز وجل فله الأجر ومن كانت نيته لأجل الدنيا فهجرته لما هاجر إليه
فهنا يذكر الرسول عليه الصلاة والسلام مثالا ليوضح المعنى بعدها "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله "
أي أنه من كانت هجرته خالصة لله عز وجل ويقصد بها الهجرة من بلاد الخوف بلاد الكفر إلا بلاد الأمن بلاد الإسلام بُغية التفقه في الدين والإستقرار وتكون النية خاالصة لوجه الله عز وجل
فيكون له الأجر
وهنا في هاته الجملة "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله"
نلاحظ أن الشرط و الجزاء متشابهان وهو عكس ما يكون عادة ففي العادة يكونان مختلفان كأن نقول" من جد وجد ومن زرع حصد"
أما هنا في الحديث وجدنا أنهما متشابهان لكن في الحكم يوجد اختلاف ففي الأص من كانت هجرته إلى الله ورسوله أي قصد النية الخالصة
فهجرته إلى الله ورسوله أي هنا ينال الجزاء

وفي الجزء الثاني" ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" أي من كانت هجرته لأمر دنيوي فهجررته لذلك الأمر فيكون الجزاء من عدمه حسب النية ها هنا إن كانت خالصة لله عز وجل أو لا
وقول رسول الله عليه الصلاة والسلام "فهجرته إلى ما هاجر إليه" نجد أنه عمم هنا لأن أمور الدنيا كثيرة لا تحصى
أرجو مراجعة ملخصي هذا فإن كان فهمي صحيحا فالحمد لله وإن لم يكن صحيحا فأرجو التصحيح @ابو ليث
 

وقد اتضح أن الحديث الأول حديث "إنما الأعمال بالنيات" استهلو به للتوضيح أن العمل هذا خالص لله عز وجل فنيتهم كانت في تعليم الأحاديث الصحيحة والتبليغ عن ما قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام
وليس تطبيقا للحديث الأول لذلك فعملهم كان حسب نيتهم الحسنة


المقصود من الحديث الأول الملون بالأحمر هو ذاك الحديث الضعيف وليس الحديث الأول من الأربعون نووية
"لم أستطع التعديل"
 
الهجرة معناها وأنواعها
الهجرة لغة: الترك. وتكون الهجرة من بلد الخوف إلى بلد الأمن، مثل الهجرة من مكة إلى الحبشة، فإنها هجرة من بلد خوف إلى بلد أمن، وتكون من بلد شرك إلى بلد إسلام، كالهجرة من مكة -قبل الفتح- إلى المدينة، فإن المهاجرين تركوا بلادهم، وتركوا أموالهم، وتركوا دورهم، ومتاعهم من أجل نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا جمع الله للمهاجرين بين الهجرة والنصرة في قوله تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8]، وبهذا كانوا أفضل من الأنصار؛ لأنهم عندهم النصرة التي عند الأنصار، وزادوا بالهجرة التي ليست عند الأنصار، فالمهاجرون أنصار، وزيادة على ذلك هم مهاجرون، والأنصار أنصار فقط، والذين جمعوا بين الهجرة والنصرة أفضل من الذين حصلوا النصرة فقط.والهجرة من مكة انتهت بفتح مكة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية)، وأما الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام فهي باقية ومستمرة إلى قيام الساعة.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بارك الله فيك اخي الكريم على الشرح المفصل
فقط عندي سؤال الهجرة تكون جسديا فقط اي السعي بالارجل الى المراد ام تكون هجرة الجوارح والنفس للمعاصي بغية رضى الله
مثلا كأن يهجر الرجل معصية خشية لله ورغبة في رضاه
شكرا مسبقا
جزاك الله خيرا كثيرا وجعلك في مرتبة عالية من العلم آمين
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد قراءة الشرح في الصباح
وددت استذكار النقاط التي بقيت عندي.
و هكذا يكون ترسيخ العلم و تصحيح الفهم، و كذلك هي عادة السلف رحمهم الله، و قد ذكر عن الإمام البخاري أنه من حفظه و ضبطه كان يصحح لأصحابه ما دونوه في ألواحهم مستحضرا ما كان يمليه عليهم المشايخ، و ذلك حين إتهموه أنه لا يصلح للطلب كونه كان لا يكتب و هم يكتبون، فكان جوابه أحسبتموني جئت ألعب؛ أخرجوا ألواحكم أصحح لكم، فكان هو يملي و هم يصححون، فأين نحن منهم رحمهم الله، و عملنا بعفوه و لطفه.
فقد عرفنا أن الإمام النووي رحمه الله أنه لم يعش مطولا لكن كان عمره مباركا فيه فنال من العلم النافع الوفير وعلمه رغم قصر عمره ولم يكن من المعمرين.
تلك هي حقيقة البركة، فقد عاش نحوا من خمس و أربعين سنة كانت كلها نفعا و عطاء، زهدا و تقوى، أمرا بالمعروف و نهيا عن المنكر، علما و عملا، دعواة و صبرا، حتى كان نومه غفوات و طعامه لقيمات، فاللهم إرحمه بواسع رحمتك أنت رب الأرض و السموات.
أتم البقية في الغد بإذنه تعالى.
 
وقد تم تجميع هاته الأحاديث الأربعون ليس تطبيقا للحديث الضعيف بل هو بقصد تبليغ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليمها للناس فحاولو تجميع الأحاديث الصحيحة فحسب.
نعم هو كذلك؛ الامام النووي (رحمه الله) ما إستدل بالحديث، و إنما إستأنس به و إقتدى بعمل الأئمة العلماء قبل ممن صنف في عدة أبواب، فإختار هو ما سبق به غيره ممن بعده و لم يسبق إليه أحد ممن قبله، و هو أن تكون هذه الأحاديث جامعة للخير و شاملة لجميع مناحي الدين و دالة على أصول مسائله، هادية إلى أحسن أخلاقه ناهية عن سيئها.
وقد اتضح أن الحديث الأول حديث "إنما الأعمال بالنيات" استهلو به للتوضيح أن العمل هذا خالص لله عز وجل فنيتهم كانت في تعليم الأحاديث الصحيحة والتبليغ عن ما قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام
وليس تطبيقا للحديث الأول لذلك فعملهم كان حسب نيتهم الحسنة.
ليس للتدليل على إخلاصهم، فهم يخفونه كما يخفون سائر أعمالهم ما أمكنهم إلى ذلك سبيلا، و إنما للتدليل أن هذا العلم و التأليف فيه لا بد له من نية، و لا بد للنية ان تكون خالصة لرب البرية سبحانه، و إلا كانت أعمالهم كمن هاجر لدنيا يصيبها أو إمرأة ينكحها، بل إن ول من تسعر به النار يوم القيامة من طلب العلم ليقال عنه عالم و قرأ القرأن ليقال عنه قارئ (نعوذ بالله من ذلك).
كما ذُكر في شرح الحديث الأول أن هذا الحديث غريب لأنه مر على طريق واحدة ولم تكن هناك طرق مختلفة فلم يروه إلا فلان فقط عن فلان وهكذا لذلك سمي الحديث غريبا.
الحديث غريب في أوله ثم إشتهر، حتى صار يرويه الرواة
الجماعة عن الجماعة.
وفي بداية الحديث وجدنا أنه قال عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فالإمام النووي يعتمد على الوصف والكُنية ثم التسمية كما ذكر البخاري فقال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري وذكر أيضا ما ينتمي إليه وقد نُسيت ما ينتمي إليه وذاك ليس أصله بل هناك جد من أجداد البخاري أسلم على يد ذاك الشخص فأصبح يُنسب إليه وهو ليس أصل له

بينما مسلم يُقال له أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري فهنا مسلم أصله قشيري وليست نسبة فحسب.
....................................
ينتمي إلى الجعفي، لأن جد البخاري أسلم على يد الجعفي رحمهم الله إجمعين.
كما أن عمر بن الخطاب يقال له أبي حفص ليس لأن لديه إبن إسمه حفص فهي كُنية فحسب قد تكون قبل أن يكون له ابناء فلما كان له أبناء بقيت كُنيته.
............................................
يكنى الرجل و المرأة و لو لم يكن لهم أولاد (و هي سنة مهجورة رزقنا الله إحيائها بيننا)، كما كانت كنية عائشة رضي الله عنها (أم عبد الله)، و معلوم أن أم المؤمنين رضي عنها لم يكن لها من رسول الله (صلى الله عليه و سلم)أولاد، بل يكنى حتى الصغير كما في حديث النغير، إذ ندى الرسول الصبي بأبي عمير، و كان يداعبه و يقول (ما فعل النغير، يا أبا عمير).
بدأ الحديث بقوله عليه الصلاة والسلام "إنما الأعمال بالنيات" وهنا تم التعريف بالألف واللام بقصد الحصر فحُذف المضاف إليه وهو الهاء فالأصل هو "إنما الأعمال بنياتها " واستبدل مكان المضاف إليه الألف واللام للحصر.
والمعنى بهاته الكلمة أن كل عمل يكون حسب النية فمن كانت نيته خالصة لله عز وجل فله الأجر ومن كانت نيته لأجل الدنيا فهجرته لما هاجر إليه
فهنا يذكر الرسول عليه الصلاة والسلام مثالا ليوضح المعنى بعدها "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله "
أي أنه من كانت هجرته خالصة لله عز وجل ويقصد بها الهجرة من بلاد الخوف و بلاد الكفر إلى بلاد الأمن و بلاد الإسلام بُغية التفقه في الدين والإستقرار وتكون النية خاالصة لوجه الله عز وجل
فيكون له الأجر.
.....................................
بل و أزيد من ذلك و أعظم، هاجروا بغية توحيد الله و عبادته و الفرار بدينهم إلى الله في أرض الله الواسعة حيث المدينة أين وجدوا الأنصار رضوان الله عليهم يستقبلونهم بالرحب و السرور.
وهنا في هاته الجملة "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله"
نلاحظ أن الشرط و الجزاء متشابهان وهو عكس ما يكون عادة ففي العادة يكونان مختلفان كأن نقول" من جد وجد ومن زرع حصد"
أما هنا في الحديث وجدنا أنهما متشابهان لكن في الحكم يوجد اختلاف ففي الأصل من كانت هجرته إلى الله ورسوله أي قصد النية الخالصة
فهجرته إلى الله ورسوله أي هنا ينال الجزاء.
...............

أي نعم ينال أوفر الجزاء من رب الأرض و السماء.
و تحضرني قصة أحد الصحابة الذي هجر و هو مريض حتى خشي على نفسه الموت و حضرته الوفاة في الطريق، و في أثر سعيد بن جبير كما في تفسير القرطبي أن إسمه (العيص بن ضمرة بن زنباع ) ، و قد أورد بعض علماء الحديث أنه حين حضرته الوفاة ضرب بصفقة يده على الأخرى بعدى أن قال أما هذه عن الله و رسوله و أما هذه فعني، يريد بذلك المبايعة إذ لم يبلغ مَحَلَ رسولِ الله ليبايعه، كونه مات بالتنعيم، فقَبِل الله مبايعته و جعل أجره عليه خاصة (سبحانه)، إذ أخفاه و لم يظهره ليدلل على عظمه و فيه نزل قوله تعالى (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100))

وفي الجزء الثاني" ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" أي من كانت هجرته لأمر دنيوي فهجررته لذلك الأمر فيكون الجزاء من عدمه حسب النية ها هنا إن كانت خالصة لله عز وجل أو لا
وقول رسول الله عليه الصلاة والسلام "فهجرته إلى ما هاجر إليه" نجد أنه عمم هنا لأن أمور الدنيا كثيرة لا تحصى
أرجو مراجعة ملخصي هذا فإن كان فهمي صحيحا فالحمد لله وإن لم يكن صحيحا فأرجو التصحيح @ابو ليث
الحمد لله، حصل الجواب وفقا للمطلوب، ولو لم يكن في الوقت المرغوب نظرا لكثرة الشغل.
 
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بارك الله فيك اخي الكريم على الشرح المفصل
فقط عندي سؤال الهجرة تكون جسديا فقط اي السعي بالارجل الى المراد ام تكون هجرة الجوارح والنفس للمعاصي بغية رضى الله
مثلا كأن يهجر الرجل معصية خشية لله ورغبة في رضاه
شكرا مسبقا
جزاك الله خيرا كثيرا وجعلك في مرتبة عالية من العلم آمين
الهجرة تكون بالقلب و الجوارح كلها، فهي هجرة للمعصية و محلها و أهلها، مفارقة لكل ما من شأنه أن يضر بدين المرء و إيمانه، ولا شك أن هجرة أهل المعاصي تكون بضوابط ليس هذا محل سردها، نهيك عن الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، يسر الله لك الهجرة إلينا عاجلا غير أجل أخي حليم.
 
آخر تعديل:
الحمد لله، حصل الجواب وفقا للمطلوب، ولو لم يكن في الوقت المرغوب نظرا لكثرة الشغل.
بورك فيكم على مجهوداتكم القيمة جعله الله في ميزان حسناتكم
إذن سأحاول التصحيح والتكملات التي وضعتموها لتلخيصي الآن وأكتب في دفتري الخاص
وأعتذر منكم
سألخص من الآن فصاعدا كل شرح لحديث وأضعه هنا فإن تفرغتم لتصحيحه فالحمد لله
وإن لم تتفرغوا فلا بأس سأحاول اللجوء لطرق أخرى بإذن الله
 
لا بأس، فما جئت إلى هنا إلا للنفع و الارشاد، و الله وحده يعلم قصد العباد، و إقبال الاخوة و الأخوات على الطلب يسرني و لا يضرني، يشجعني للعطاء و ليس لي عطاء إلا ما أنقله عن العلماء، عسى ذلك يكون لي شفيعا بين يدي ربي، و يكون سببا في مغفرته للذنوب المتكاثرة و تكفيره للسيئات المترادفة.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top