بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه (وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ )
والصلاة والسلام على نبينا القائل (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً.)
وبعد فهذا كلام لابن القيم رحمه الله في أقسام المخالطة قرأته في كتابه الماتع : بدائع الفوائد ، فقمت بنظمه ولست بذاك لكن مشاركة لإخواني في هذا المنتدى الطيب واعتذر مسبقا عن الضعف في العبارة والوزن .
أقسام الخلطة
إنّ فضول الخلطةِ -- يُوقعنا في الورطةِ
داء بليغ الضرِّ -- جالبة للشرِّ
كمْ سلبتْ من نعمةٍ -- وألبستْ من نقمةٍ
وأورثتْ وربِّي -- حزازةً في القلبِ
لو زالتِ الجبالُ -- فمالها زوالُ
فينبغي للعبدِ -- إن رام أمر الرشدِ
أن يجعل الأنامَا -- في الخلطة أقسامَا
واحذرْ من الإسرافِ -- والخَلطِ في الأصنافِ
أوّلُ ذي الأقسامِ -- من هي كالطعامِ
فهي لنا غذاءُ -- ومالنا غَناءُ
عنها على الدوامِ -- على مدى الأيامِ
فهؤلاء العُلمَا -- فكن بهم معتصمَا
من نصحوا للخلقِ -- وانتصروا للحقِ
وهم على المريدِ -- أعزّ في الوجودِ
من أحمر الكبريتِ -- وأندر الياقوتِ
ثاني ذي الأقسامِ -- يُطلبُ في الأسقامِ
خلطته دواءُ -- حتى يزولَ الدّاءُ
كخلطة الأوباشِ -- لصالح المعاشِ
فلا تكن عجولا -- واحْسن لها الدخولَ
ولا تكن ولّاجَا -- إلا بقدر الحاجَة
وثالث الأقسامِ -- من هو كالأسقامِ
على اختلاف الرتبةِ -- في النوع ثم القوةِ
فمنهم العُضالُ -- المُزمن القتّالُ
دنياه في خسران -- والدين في نقصان
خلطته إن دامتْ -- منيّةٌ قد حامتْ
ومنهمُ كالضّرسِ -- آلامه في الرأسِ
فالرأي في اقتلاعهِ -- والبرء من صداعهِ
مثاله الثقيلُ -- منه أنا عليلُ
طباعهُ قد غلُظتْ -- وروحهُ قد ثقُلتْ
زادتْ به قليلَا -- عن الرحا الثقيلَة
وقال هذا الألمعِي -- ابن إدريس الشافعِي :
إذا أتى الثقيلُ -- فجانبي يميلُ
من غِلظِ الحجابِ -- و الخبْط في الخطابِ
وآخر الأقسامِ -- كالموت والحِمامِ
خلطتهم هلاكُ -- أنّى لك الفكاكُ
إن خضت في أشواكهمْ -- وصرتَ في شباكهمْ
هم أهل الإبتداعِ -- تبا لهم من داعِ
قد قلّبوا الأمورَ -- وأظهروا الشرورَ
صدّوا عن السبيلِ -- وسنّةِ الخليلِ
يبغونها اعوجاجَا -- ومالحًا أجاجَا
وما استوى البحرانِ -- في الربح والخسرانِ
فليس في البيضاءِ -- من بدعةٍ شنعاءِ
فاحذرْ من التميّعِ -- واحذر من التنطّعِ
ولا تكنْ مفرّطَا -- أو غاليا أو مفْرِطَا
وكن في شأن الخُلطَا -- عدلًا خيارًا وسطَا
ثم الصلاة منَّا -- على منْ جَا بالسنَّة
عدَّ جميع الخلقِ -- غربيّهم والشرقِي
ما اعتزلوا في الشرِّ-- واختلطوا في الخيرِ .
وإليك كلام الإمام ابن القيم رحمه الله بتصرف يسير :
إن فضول المخالطة هي الداء العضال الجالب لكل شر وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة وكم زرعت من عداوة وكم غرست في القلب من حزازات تزول الجبال الراسيات وهي في القلوب لا تزول ففضول المخالطة فيه خسارة الدنيا والآخرة وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة ويجعل الناس فيها [ أربعة أقسام ] متى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميز بينهما دخل عليه الشر .
أول هذه الأقسام هو : مَنْ مخالطتُه كالغذاء ؛ لا يستغنى عنه في اليوم والليلة ، فإذا أخذ حاجتَهُ منه تركَ الخلطة ، ثم إذا احتاج إليه خالطه ... هكذا على الدوام .
وهذا الضرب أعز من الكبريت الأحمر وهم : العلماء بالله تعالى ... الناصحون لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولخلقه .
فهذا الضرب في مخالطتهم الربح كله .
القسم الثاني :مَنْ مخالطته كالدواء يحتاج إليه عند المرض فما دمت صحيحا فلا حاجة لك في خلطته وهم من لا يستغنى عنه مخالطتهم في مصلحة المعاش وقيام ما أنت محتاج إليه من أنواع المعاملات والمشاركات والإستشارة والعلاج للأدواء ونحوها .
القسم الثالث : وهم مَنْ مخالطته كالداء على اختلاف مراتبه وأنواعه وقوته وضعفه.
فمنهم من مخالطته كالداء العضال والمرض المزمن وهو من لا تربح عليه في دين ولا دنيا ، ومع ذلك فلا بد من أن تخصر عليه الدين والدنيا أو أحدهما فهذا إذا تمكنت مخالطته واتصلت فهي مرض الموت المخوف
ومنهم من مخالطته : كوجع الضرس يشتد ضربا عليك فإذا فارقك سكن الألم .
- ثم قال رحمه الله تعالى - :" ويذكر عن الشافعي رحمه الله أنه قال ما جلس إلى جانبي ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر .
القسم الرابع : مَنْ مخالطته الهلاك كله ومخالطته بمنزلة أكل السم فإن اتفق لأكله ترياق وإلا فأحسن الله فيه العزاء وما أكثر هذا الضرب في الناس لا كثرهم الله وهم أهل البدع والضلالة الصادون عن سنة رسول الله الداعون إلى خلافها الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا فيجعلون البدعة سنة والسنة بدعة والمعروف منكرا والمنكر معروفا إن جردت التوحيد بينهم قالوا تنقصت جناب الأولياء والصالحين وإن جردت المتابعة لرسول الله قالوا أهدرت الأئمة المتبوعين وإن وصفت الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير غلو ولا تقصير قالوا أنت من المشبهين وإن أمرت بما أمر الله به ورسوله من المعروف ونهيت عما نهى الله عنه ورسوله من المنكر قالوا أنت من المفتنين وإن اتبعت السنة وتركت ما خالفها قالوا أنت من أهل البدع المضلين وإن انقطعت إلى الله تعالى وخليت بينهم وبين جيفة الدنيا قالوا أنت من المبلسين وإن تركت ما أنت عليه واتبعت أهواءهم فأنت عند الله تعالى من الخاسرين وعندهم من المنافقين فالحزم كل الحزم التماس مرضاة الله تعالى ورسوله بإغضابهم وأن لا تشتغل بإعتابهم ولا باستعتابهم ولا تبالي بذمهم .
والحمد لله رب العالمين .
موضوع للأخ أبو الضحى سالم ناسي
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه (وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ )
والصلاة والسلام على نبينا القائل (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً.)
وبعد فهذا كلام لابن القيم رحمه الله في أقسام المخالطة قرأته في كتابه الماتع : بدائع الفوائد ، فقمت بنظمه ولست بذاك لكن مشاركة لإخواني في هذا المنتدى الطيب واعتذر مسبقا عن الضعف في العبارة والوزن .
أقسام الخلطة
إنّ فضول الخلطةِ -- يُوقعنا في الورطةِ
داء بليغ الضرِّ -- جالبة للشرِّ
كمْ سلبتْ من نعمةٍ -- وألبستْ من نقمةٍ
وأورثتْ وربِّي -- حزازةً في القلبِ
لو زالتِ الجبالُ -- فمالها زوالُ
فينبغي للعبدِ -- إن رام أمر الرشدِ
أن يجعل الأنامَا -- في الخلطة أقسامَا
واحذرْ من الإسرافِ -- والخَلطِ في الأصنافِ
أوّلُ ذي الأقسامِ -- من هي كالطعامِ
فهي لنا غذاءُ -- ومالنا غَناءُ
عنها على الدوامِ -- على مدى الأيامِ
فهؤلاء العُلمَا -- فكن بهم معتصمَا
من نصحوا للخلقِ -- وانتصروا للحقِ
وهم على المريدِ -- أعزّ في الوجودِ
من أحمر الكبريتِ -- وأندر الياقوتِ
ثاني ذي الأقسامِ -- يُطلبُ في الأسقامِ
خلطته دواءُ -- حتى يزولَ الدّاءُ
كخلطة الأوباشِ -- لصالح المعاشِ
فلا تكن عجولا -- واحْسن لها الدخولَ
ولا تكن ولّاجَا -- إلا بقدر الحاجَة
وثالث الأقسامِ -- من هو كالأسقامِ
على اختلاف الرتبةِ -- في النوع ثم القوةِ
فمنهم العُضالُ -- المُزمن القتّالُ
دنياه في خسران -- والدين في نقصان
خلطته إن دامتْ -- منيّةٌ قد حامتْ
ومنهمُ كالضّرسِ -- آلامه في الرأسِ
فالرأي في اقتلاعهِ -- والبرء من صداعهِ
مثاله الثقيلُ -- منه أنا عليلُ
طباعهُ قد غلُظتْ -- وروحهُ قد ثقُلتْ
زادتْ به قليلَا -- عن الرحا الثقيلَة
وقال هذا الألمعِي -- ابن إدريس الشافعِي :
إذا أتى الثقيلُ -- فجانبي يميلُ
من غِلظِ الحجابِ -- و الخبْط في الخطابِ
وآخر الأقسامِ -- كالموت والحِمامِ
خلطتهم هلاكُ -- أنّى لك الفكاكُ
إن خضت في أشواكهمْ -- وصرتَ في شباكهمْ
هم أهل الإبتداعِ -- تبا لهم من داعِ
قد قلّبوا الأمورَ -- وأظهروا الشرورَ
صدّوا عن السبيلِ -- وسنّةِ الخليلِ
يبغونها اعوجاجَا -- ومالحًا أجاجَا
وما استوى البحرانِ -- في الربح والخسرانِ
فليس في البيضاءِ -- من بدعةٍ شنعاءِ
فاحذرْ من التميّعِ -- واحذر من التنطّعِ
ولا تكنْ مفرّطَا -- أو غاليا أو مفْرِطَا
وكن في شأن الخُلطَا -- عدلًا خيارًا وسطَا
ثم الصلاة منَّا -- على منْ جَا بالسنَّة
عدَّ جميع الخلقِ -- غربيّهم والشرقِي
ما اعتزلوا في الشرِّ-- واختلطوا في الخيرِ .
وإليك كلام الإمام ابن القيم رحمه الله بتصرف يسير :
إن فضول المخالطة هي الداء العضال الجالب لكل شر وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة وكم زرعت من عداوة وكم غرست في القلب من حزازات تزول الجبال الراسيات وهي في القلوب لا تزول ففضول المخالطة فيه خسارة الدنيا والآخرة وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة ويجعل الناس فيها [ أربعة أقسام ] متى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميز بينهما دخل عليه الشر .
أول هذه الأقسام هو : مَنْ مخالطتُه كالغذاء ؛ لا يستغنى عنه في اليوم والليلة ، فإذا أخذ حاجتَهُ منه تركَ الخلطة ، ثم إذا احتاج إليه خالطه ... هكذا على الدوام .
وهذا الضرب أعز من الكبريت الأحمر وهم : العلماء بالله تعالى ... الناصحون لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولخلقه .
فهذا الضرب في مخالطتهم الربح كله .
القسم الثاني :مَنْ مخالطته كالدواء يحتاج إليه عند المرض فما دمت صحيحا فلا حاجة لك في خلطته وهم من لا يستغنى عنه مخالطتهم في مصلحة المعاش وقيام ما أنت محتاج إليه من أنواع المعاملات والمشاركات والإستشارة والعلاج للأدواء ونحوها .
القسم الثالث : وهم مَنْ مخالطته كالداء على اختلاف مراتبه وأنواعه وقوته وضعفه.
فمنهم من مخالطته كالداء العضال والمرض المزمن وهو من لا تربح عليه في دين ولا دنيا ، ومع ذلك فلا بد من أن تخصر عليه الدين والدنيا أو أحدهما فهذا إذا تمكنت مخالطته واتصلت فهي مرض الموت المخوف
ومنهم من مخالطته : كوجع الضرس يشتد ضربا عليك فإذا فارقك سكن الألم .
- ثم قال رحمه الله تعالى - :" ويذكر عن الشافعي رحمه الله أنه قال ما جلس إلى جانبي ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر .
القسم الرابع : مَنْ مخالطته الهلاك كله ومخالطته بمنزلة أكل السم فإن اتفق لأكله ترياق وإلا فأحسن الله فيه العزاء وما أكثر هذا الضرب في الناس لا كثرهم الله وهم أهل البدع والضلالة الصادون عن سنة رسول الله الداعون إلى خلافها الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا فيجعلون البدعة سنة والسنة بدعة والمعروف منكرا والمنكر معروفا إن جردت التوحيد بينهم قالوا تنقصت جناب الأولياء والصالحين وإن جردت المتابعة لرسول الله قالوا أهدرت الأئمة المتبوعين وإن وصفت الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير غلو ولا تقصير قالوا أنت من المشبهين وإن أمرت بما أمر الله به ورسوله من المعروف ونهيت عما نهى الله عنه ورسوله من المنكر قالوا أنت من المفتنين وإن اتبعت السنة وتركت ما خالفها قالوا أنت من أهل البدع المضلين وإن انقطعت إلى الله تعالى وخليت بينهم وبين جيفة الدنيا قالوا أنت من المبلسين وإن تركت ما أنت عليه واتبعت أهواءهم فأنت عند الله تعالى من الخاسرين وعندهم من المنافقين فالحزم كل الحزم التماس مرضاة الله تعالى ورسوله بإغضابهم وأن لا تشتغل بإعتابهم ولا باستعتابهم ولا تبالي بذمهم .
والحمد لله رب العالمين .
موضوع للأخ أبو الضحى سالم ناسي