marcimini1983
:: عضو مُشارك ::
أيها المقيم على الخطايا والعصيان، التارك لما أمرك الرحمن، المطيع للغويّ الفتان، إلى متى أنت على جرمك مصرّ، ومما يقرّبك إلى مولاك تفرّ؟ تطلب من الدنيا ما لا تدركه، وتتقي من الآخرة ما لا تملكه، لا أنت بما قسم الله من الرزق واثق، ولا أنت بما أمرك به لاحق.
يا أخي، الموعظة، والله لا تنفعك، والحوادث لا تردعك. لا الدهر يدعك، ولا داعي الموت يسمعك، كأنك يا مسكين لم تزل حيا موجودا، كأنك لا تعود نسيا مفقودا.
فاز، والله، لمخفون من الأوزار، وسلم المتقون من عذاب النار، وأنت مقيم على كسب الجرائم والأوزار.
وأنشدوا:
عيل صبري وحق لي أن أنوحا ... لم تدع لي الذنوب قلبا صحيحا
أخلقت مهجتي أكف المعاصي ... ونعاني المشيب نعيا صريحا
كلما قلت قد بري جرح قلبي ... عاد قلبي من الذنوب جريحا
إنما الفوز والنعيم لعبد ... جاء في الحشر آمنا مستريحا
إخواني، ارفضوا هذه الدنيا كما رفضها الصالحون، وأعدّوا الزاد لنقلة لا بدّ لها أن تكون، واعتبروا بما تدور به عليكم الأيام والسنون.
يا من غدا في الغيّ والتيه ... وغرّه طول تماديه
أملى لك الله فبارزته ... ولم تخف غبّ معاصيه
قال الجنيد رضي الله عنه: مرض السّريّ السّقطي رضي الله عنه فدخلت عليه أعوده، فقلت له: كيف تجدك؟ فقال:
كيف أشكو إلى طبيبي ما بي ... والذي قد أصابني من طبيبي
فأخذت المروحة لأروّح عليه، فقال: كيف يجد ريح المروحة من جوفه يحترق من داخل، ثم أنشأ يقول:
القلب محترق والدمع مستبق ... والكرب مجتمع والصبر مفترق
كيف القرار على من لا قرار له ... مما جناه الهوى والشوق والقلق
يا ربّ إن كان شيء فيه لي فرج ... فامنن عليّ به ما دام بي رمق
ويروى عن علي بن الموفق رضي الله عنه أنه قال: خرجت يوما لأؤذن، فأصبت قرطاسا، فأخذته ووضعته في كمي، وأقمت الصلاة وصليت، فلما صليت قرأته، فإذا مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم. يا علي بن الموفق، أتخاف الفقر وأنا ربك؟.
ويروى عن المزني، قال: دخلت على الشافعي رضي الله عنه في علته التي مات منها، فقلت له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت في الدنيا راحلا، وللإخوان مفارقا، ولكأس المنيّة شاربا، ولسوء عملي ملاقيا، وعلى الله واردا، فلا أدري: أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها؟ ثم بكى وأنشأ يقول:
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت اعفو من الذنب ولم تزل ... تجود وتعفو منّة وتكرّما
فلولاك لم ينجو من إبليس عابد ... وكيف وقد أغوى صفيّك آدما (1)
إخواني: بادروا بالتوبة من الذنوب، واقتفوا آثار التوّابين، واسلكوا مسالك الأوّابين، الذين نالوا التوبة والغفران، وأتعبوا أنفسهم في رضا الرحمن، فلو رأيتهم في ظلم الليالي قائمين، ولكتاب ربهم تالين، بنفوس خائفة، وقلوب واجفة، قد وضعوا جباههم على الثرى ورفعوا حوائجهم لمن يرى ولا يرى:
وأنشدوا: (1) انظر ديوان الشافعي.
ألا قف ببابي عند قرع النوائب وثق ... بي تجدني خير خلّ وصاحب
ولا تلتفت غيري فتصبح نادما ... ومن يلتفت غيري يعش خائب
كان أبو محفوظ معروف الكرخي قد خصّه الله بالاجتباء في حال الصبا، يذكر أن أخاه عيسى قال: كنت أنا وأخي معروف في المكتب، وكنا نصارى، وكان المعلم يعلم الصبيان: "أب" و"ابن" فيصيح أخي معروف: "أحد أحد" فيضربه المعلم على ذلك ضربا شديدا، حتى ضربه يوما ضربا عظيما، فهرب على وجهه.
وكانت أمه تبكي وتقول: لئن ردّ الله عليّ معروفا، لأتبعنّه على أي دين كان، فقدم عليها معروف بعد سنين كثيرة، فقالت له: يا بنيّ، على أي دين أنت؟ قال: على دين الإسلام، فقالت: أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فأسلمت أمي وأسلمنا كلنا.
وقال أحمد بن الفتح: رأيت بشر بن الحارث في منامي وهو قاعد في بستان بين يديه مائدة وهو يأكل منها، فقلت: يا أبا نصر, ما فعل الله بك؟ قال: رحمني وغفر لي، وأباح لي الجنة بأسرها، وقال لي: كل من جميع ثمارها، واشرب من أنهارها، وتمتع بجميع ما فيها، كما كنت تحرم نفسك عن الشهوات في دار الدنيا.
فقلت له: فأين أخوك أحمد بن حنبل؟ فقال: هو قائم على باب الجنة يشفع لأهل السنة ممن يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق.
فقلت له: وما فعل الله بمعروف الكرخي؟ فحرّك رأسه، وقال هيهات هيهات! حالت بيننا وبينه الحجب. إن معروفا لم يعبد الله شوقا إلى جنّته، ولا خوفا من ناره، وإنما عبده شوقا إليه، فرفعه إلى الرفيق الأعلى، ورفع الحجاب بينه وبينه.
ذلك الترياق المقدس المجرّب، فمن كانت له إلى الله حاجة، فليأت قبره، وليدع، فانه يستجاب له إن شاء الله تعالى (1) . (1) التبرك بقبور الأولياء هو من الشرك، والتوسل المشروع التوسل بأسماء الله وصفاته ودعاء الرجل الصالح
يا أخي، الموعظة، والله لا تنفعك، والحوادث لا تردعك. لا الدهر يدعك، ولا داعي الموت يسمعك، كأنك يا مسكين لم تزل حيا موجودا، كأنك لا تعود نسيا مفقودا.
فاز، والله، لمخفون من الأوزار، وسلم المتقون من عذاب النار، وأنت مقيم على كسب الجرائم والأوزار.
وأنشدوا:
عيل صبري وحق لي أن أنوحا ... لم تدع لي الذنوب قلبا صحيحا
أخلقت مهجتي أكف المعاصي ... ونعاني المشيب نعيا صريحا
كلما قلت قد بري جرح قلبي ... عاد قلبي من الذنوب جريحا
إنما الفوز والنعيم لعبد ... جاء في الحشر آمنا مستريحا
إخواني، ارفضوا هذه الدنيا كما رفضها الصالحون، وأعدّوا الزاد لنقلة لا بدّ لها أن تكون، واعتبروا بما تدور به عليكم الأيام والسنون.
يا من غدا في الغيّ والتيه ... وغرّه طول تماديه
أملى لك الله فبارزته ... ولم تخف غبّ معاصيه
قال الجنيد رضي الله عنه: مرض السّريّ السّقطي رضي الله عنه فدخلت عليه أعوده، فقلت له: كيف تجدك؟ فقال:
كيف أشكو إلى طبيبي ما بي ... والذي قد أصابني من طبيبي
فأخذت المروحة لأروّح عليه، فقال: كيف يجد ريح المروحة من جوفه يحترق من داخل، ثم أنشأ يقول:
القلب محترق والدمع مستبق ... والكرب مجتمع والصبر مفترق
كيف القرار على من لا قرار له ... مما جناه الهوى والشوق والقلق
يا ربّ إن كان شيء فيه لي فرج ... فامنن عليّ به ما دام بي رمق
ويروى عن علي بن الموفق رضي الله عنه أنه قال: خرجت يوما لأؤذن، فأصبت قرطاسا، فأخذته ووضعته في كمي، وأقمت الصلاة وصليت، فلما صليت قرأته، فإذا مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم. يا علي بن الموفق، أتخاف الفقر وأنا ربك؟.
ويروى عن المزني، قال: دخلت على الشافعي رضي الله عنه في علته التي مات منها، فقلت له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت في الدنيا راحلا، وللإخوان مفارقا، ولكأس المنيّة شاربا، ولسوء عملي ملاقيا، وعلى الله واردا، فلا أدري: أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها؟ ثم بكى وأنشأ يقول:
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت اعفو من الذنب ولم تزل ... تجود وتعفو منّة وتكرّما
فلولاك لم ينجو من إبليس عابد ... وكيف وقد أغوى صفيّك آدما (1)
إخواني: بادروا بالتوبة من الذنوب، واقتفوا آثار التوّابين، واسلكوا مسالك الأوّابين، الذين نالوا التوبة والغفران، وأتعبوا أنفسهم في رضا الرحمن، فلو رأيتهم في ظلم الليالي قائمين، ولكتاب ربهم تالين، بنفوس خائفة، وقلوب واجفة، قد وضعوا جباههم على الثرى ورفعوا حوائجهم لمن يرى ولا يرى:
وأنشدوا: (1) انظر ديوان الشافعي.
ألا قف ببابي عند قرع النوائب وثق ... بي تجدني خير خلّ وصاحب
ولا تلتفت غيري فتصبح نادما ... ومن يلتفت غيري يعش خائب
كان أبو محفوظ معروف الكرخي قد خصّه الله بالاجتباء في حال الصبا، يذكر أن أخاه عيسى قال: كنت أنا وأخي معروف في المكتب، وكنا نصارى، وكان المعلم يعلم الصبيان: "أب" و"ابن" فيصيح أخي معروف: "أحد أحد" فيضربه المعلم على ذلك ضربا شديدا، حتى ضربه يوما ضربا عظيما، فهرب على وجهه.
وكانت أمه تبكي وتقول: لئن ردّ الله عليّ معروفا، لأتبعنّه على أي دين كان، فقدم عليها معروف بعد سنين كثيرة، فقالت له: يا بنيّ، على أي دين أنت؟ قال: على دين الإسلام، فقالت: أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فأسلمت أمي وأسلمنا كلنا.
وقال أحمد بن الفتح: رأيت بشر بن الحارث في منامي وهو قاعد في بستان بين يديه مائدة وهو يأكل منها، فقلت: يا أبا نصر, ما فعل الله بك؟ قال: رحمني وغفر لي، وأباح لي الجنة بأسرها، وقال لي: كل من جميع ثمارها، واشرب من أنهارها، وتمتع بجميع ما فيها، كما كنت تحرم نفسك عن الشهوات في دار الدنيا.
فقلت له: فأين أخوك أحمد بن حنبل؟ فقال: هو قائم على باب الجنة يشفع لأهل السنة ممن يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق.
فقلت له: وما فعل الله بمعروف الكرخي؟ فحرّك رأسه، وقال هيهات هيهات! حالت بيننا وبينه الحجب. إن معروفا لم يعبد الله شوقا إلى جنّته، ولا خوفا من ناره، وإنما عبده شوقا إليه، فرفعه إلى الرفيق الأعلى، ورفع الحجاب بينه وبينه.
ذلك الترياق المقدس المجرّب، فمن كانت له إلى الله حاجة، فليأت قبره، وليدع، فانه يستجاب له إن شاء الله تعالى (1) . (1) التبرك بقبور الأولياء هو من الشرك، والتوسل المشروع التوسل بأسماء الله وصفاته ودعاء الرجل الصالح