إنَّ مِنْ أَحْسَنِ ما يُستقبَلُ به شهرُ رمضان المبارك، ومِنْ أَفْضَل ما تُهَيَّأُ النُّفوسُ المؤمنةُ لملاقاة هذا الموسم العظيم، مذاكرةَ ومدارسةَ الآيات والأحاديث الدَّالَّة على فضل هذا الشَّهر وفضل العمل الصَّالح ـ ومنه الصِّيامُ ـ فيه.
وقد عُنِيَ العلماءُ قديمًا وحديثًا ـ وبالخصوص منهم المحدِّثون ـ بإفراد فضائل هذا الشَّهر الكريم في مُؤلَّفاتٍ خاصَّةٍ، وأضاف بعضُهم إليه ما ورد في فضائل سابِقِهِ شهر شعبان المبارك.
وبين يَدَيْك ـ أخي القارئ ـ واحدٌ من تلك المُؤلَّفات، وهو جزءٌ حديثيٌّ نادرٌ، يتضمَّنُ مجلسَيْن من مجالس الأمالي الَّتي كان يَعقِدُها الحافظُ أبو مُحمَّد الحسن بن علي الجوهري ببغداد، وهما المجلسان السَّابع والحادي عشر، خصَّصهما: لذكر فضائل شهرَيْ شعبان ورمضان، بأسانيده ورواياته.
ومجالس الأمالي: سُنَّةٌ ماضيةٌ دَأَبَ عليها علماءُ الحديث بالخصوص وعلماءُ الأدب وغيرُهم، حيث كانوا يعقِدُون لقاءاتٍ في المساجد وغيرها من الأماكن المُقدَّسة؛ كالحرميْن وأرضِ عرفات ومِنًى وغيرها، يذكرون فيها ما سمعوه من رواياتِ الحديث الشَّريف والأخبارِ والشِّعر وغير ذلك، بالأسانيد المُتَّصلة إلى مصادرها، وكانت هذه المجالس تتَّصف بالعلومِ الغزيرةِ والفوائدِ الكثيرةِ، وكان الحاضرون يحرِصون على أخذِ الإجازات والحِفَاظِ على سلسلة الإسناد.
***
والحافظ الجَوْهَري هو(1): أبو مُحمَّد الحسن بن علي بن محمَّد، الشِّيرازي ثمَّ البغدادي، محدِّثٌ مشهور، حدَّثَ عن كبار الحُفَّاظ، من أَشْهَرِهم: الحافظُ أبو بكر القطيعي حيث روى عنه «مسند الإمام أحمد»، قال الخطيب البغدادي: «كان ثقةً أمينًا»، وقال الذَّهبي: «وكان من بحور الرِّواية، روى الكثير، وأملى مجالسَ عدَّةً»، تُوفِّيَ سنة (454هـ).
***
وهذان المجلسان من أمالي الجَوْهَري يوجدان ضمن نسخةٍ مخطوطةٍ محفوظةٍ ضمن المجموع (79) من مجاميع المدرسة العُمريَّة بالمكتبة الظَّاهريَّة بدمشق، في عشر ورقات (من الورقة 131 ـ حتَّى 140)، كلُّ ورقةٍ ذاتُ وجهَيْن، ومسطرتُها (13) سطرًا.
والنُّسخةُ بخطِّ وروايةِ الحافظ إسماعيل بن إبراهيم الدِّمشقي الحنبلي المشهور بابن الخَبَّاز، المولود سنة (629هـ) والمٌتوفَّى سنة (703هـ)، وقد عارضها ناسخُها بأصلها الَّذي نقلها منه، وهو أصلٌ قديمٌ كُتِبَ سنة (454هـ) كما يبدو ذلك من خلال السَّماعات الَّتي نُقِلَتْ منه، وأضاف إليها سماعاتٍ عدَّةً كتبها في أوَّلِ وآخِرِ المَجلِسَيْن، منها سماعُه على الحافظ ابن عبد الدَّائم سنةَ (655هـ) وعليه تصحيحُه بخطِّه، كما اشتملت النُّسخة على سماعاتٍ عدَّةٍ في أوَّلِها وآخرها مُؤرَّخَةً في القرن السَّابع الهجري، وكلُّ ذلك يدلُّ على توثيق هذه النُّسخة وصحَّتِها وأهمِّيَّتِها.
n وهذا نصُّ الجزء المذكور:
جزءٌ فيه: السَّابع والحادي عشر من أمالي أبي محمَّد الحسن بن علي الجَوْهَري عن شيوخه
تخريج: طاهر النَّيْسَابوري.
رواية: أبي غالب أحمد بن الحسن ابن أحمد بن عبد الله ابن البَنَّاء، عن الجَوْهَري.
رواية: أبي حفص عمر بن محمَّد ابن معمر بن طبرزد البغدادي، عنه.
رواية: أبي العبَّاس أحمد بن عبد الدَّائم وأبي الحسن علي بن عبد الواحد:
بسم الله الرحمن الرحيم
ربِّ يسِّرْ وأعِنْ، يا كريم.
أخبرنا الشَّيخان الإمامان العالمان زين الدِّين أبو العبَّاس أحمد بن عبد الدَّائم بن نعمة، وفخر الدِّين أبو الحسن علي ابنُ أحمد بن عبد الواحد المقدسيَّان؛ قالا: أبنا أبو حفص عُمَر ابنُ طَبَرْزَد ـ قراءةً ونحن نسمعُ بجبل قاسيون ظاهرَ دمشق ـ، قيل له: أَخبَرَكم أبو غالب أحمد بنُ أبي علي بن البنَّاء، أبنا أبو محمَّد الحسن بنُ علي بنِ محمَّد الجَوْهَري ـ قراءةً عليه في يوم الخميس الثَّالث عشر من شعبان من سنة أربعٍ وخمسين وأربعمائة ـ قال:
[1] أبنا أبو حفص عُمَر بنُ محمَّد بن علي الزَّيَّات ـ قراءةً عليه وأنا حاضرٌ أسمع في ذي الحجَّة من سنة أربعٍ وسبعين وثلاثمائة ـ، قثنا(2) أحمد ـ يعني: ابن الحسن بن عبد الجبَّار ـ، قثنا الحَكَم ـ هو: ابنُ موسى ـ، قثنا يحيى ابنُ حمزة، عن ثَوْر بن يزيد، عن خالد ابنِ مَعْدان قال: حدَّثني ربيعة بنُ الغاز أنَّه سأل عائشةَ رضي الله عنها عن صيامِ رسول الله ﷺ فقالت:
«كان يصومُ شعبانَ كلَّه، حتَّى يصلَه برمضان»(3).
[2] أبنا أبو بكر محمَّد بنُ عبد الله بن محمَّد بن أيوب القطَّان ـ قراءةً عليه وأنا حاضرٌ أسمعُ ـ، قثنا أبو العبَّاس ـ هو: إسحاق بنُ محمَّد بن مَرْوان الغزَّال الكوفي ـ، قثنا أبي، قثنا حسين بنُ طُوق، عن يحيى بن سَلَمَة بن كُهَيْل، عن منصور، عن أبي سَلَمَة قال: قالت أمُّ سَلَمَة:
«ما رَأَيْتُ رسولَ الله ﷺ يصومُ شهرًا قطُّ إلاَّ شعبانَ ثمَّ رمضان»(4).
[3] أبنا أبو الحسن علي بنُ محمَّد بن أحمد بن كَيْسان ـ قراءةً عليه وأنا حاضرٌ أسمعُ في شوَّال من سنة ثلاثٍ وسبعين وثلاثمائة ـ، قثنا يوسف ـ هو: ابنُ يعقوب القاضي ـ قثنا عبد الواحد ابنُ غِياث، قثنا حمَّاد بنُ سَلَمَة، عن ثابت البُنَاني، عن مُطَرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير، عن عِمْران. والجُرَيْري(5) عن أبي العلاء، عن مُطَرِّف بن عبد الله، عن عِمْران بن حُصَيْن: أنَّ رسولَ الله ﷺ قال له ـ أو لرجلٍ ـ:
«هل صُمْتَ من سَرَرِ شعبانَ شَيْئًا؟»، قال: لا، قال: «فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ».
وقال الجُريري: «يومًا»(6).
[4] أخبرنا أبو القاسم الطَّيِّب ابنُ [يُمْن](7) بن عبد الله مَوْلَى المُعْتَضِد ـ قراءةً عليه وأنا حاضرٌ أسمع في شهر رمضان من سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، فأقرَّ به وهو يسمعُ ـ، قثنا محمَّد ـ هو: ابنُ هارون الحضرمي أبو حامد ـ، قثنا يحيى ابن حكيم، قثنا الحسن بنُ حبيب ابن نَدَبَة، قثنا رَوْح ابنُ القاسم، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَة عن النَّبيِّ ﷺ قال: «إذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَفْطِرُوا حَتَّى رَمَضَانَ»(8).
[5] أخبرنا أبو حفص عُمَر ابنُ إبراهيم بن كثير المقُرئ الكتَّاني ـ بقراءة البيضاوي عليه في مسجده بدَرْب الزَّعْفَراني وأنا حاضرٌ أسمعُ وهو يسمع فأقرَّ به ـ، قثنا أبو عبد الله أحمد ابن علي بن العلاء الجوزجاني، قثنا زياد ابن أيُّوب، قثنا محمَّد بن ربيعة، قثنا أبو عُمَيْس، عن العلاء ابن عبد الرَّحمن ابن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَة قال: قال رسول الله ﷺ: «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَكُفُّوا عن الصَّوْمِ»(9).
[6] أخبرنا أبو حفص عُمَر ابن محمَّد بن علي بن الزَّيَّات ـ قراءةً عليه فأقرَّ به وأنا حاضرٌ أسمعُ ـ، قثنا أحمد ـ هو: ابنُ الحسين بن إسحاق الصُّوفي ـ، قثنا سليمان بن عُمَر بن خالد الرَّقِّي، قثنا عيسى بن يونس، عن الأَحْوَص ابنِ حكيم، عن حبيب بن صُهَيْب، عن أبي ثَعْلَبَة الخُشَني قال: قال النَّبيُّ ﷺ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَطَّلِعُ ليلةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى عِبَادِهِ، فَيَغْفِرُ للمُؤْمِنِينَ، ويُمْلِي للكَافِرِينَ، ويَدَعُ أَهْلَ الحِقْدِ بحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ»(10).
[7] أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بنُ جعفر بن محمَّد الخِرَقي ـ قراءةً عليه وأنا حاضرٌ أسمعُ في شوَّال من سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة ـ، قثنا محمَّد ـ هو: ابنُ محمَّد ابن سليمان الباغَنْدي ـ، قثنا هشام بنُ خالد الدِّمشقي، قثنا أبو خُلَيْد عُتْبَة بنُ حماد الدِّمشقي الحَكَمي، عن الأَوْزاعي، عن مَكْحُول. وابنُ ثَوْبان، عن أبيه، عن مَكْحُول، عن مالك ابن يَخامِر السَّكْسَكي، عن معاذ بن جبل، عن النَّبيِّ ﷺ قال: «يَطَّلِعُ اللهُ تعالى إلى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لجَمِيعِ خَلْقِهِ؛ إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أو مُشَاحِنٍ»(11).
[8] قُرئ على أبي جعفر أحمد ابن علي بن محمَّد ابن أحمد بن الجَهْم المعروفِ بابن أبي طالب ـ وأنا حاضرٌ أسمعُ في المحرَّم سنةَ ثمانٍ وسبعين وثلاثمائة ـ، قثنا أحمد ـ هو: ابنُ خالد ابن عَمْرو السُّلَفي ـ، قثنا أبي، قال: حدَّثني عِكْرِمَة بنُ يزيد الأَلْهاني، قال: حدَّثني الأَبْيَض، عن محمَّد بنِ سعيد، عن عُبادة بنِ نُسَيٍّ، عن عَوْف بنِ مالك، قال: قال رسولُ اللهﷺ: «إِنَّ اللهَ تعالى يَطَّلِعُ على خَلْقِه لَيْلَةَ النِّصْفِ من شَعْبَانَ، فيَغْفِرُ لَهُمْ؛ إِلاَّ مُشْرِكٌ أو مُشَاحِنٌ»(12).
[9] أخبرنا عبد العزيز بنُ جعفر بن محمَّد الحريري(13) ـ قراءةً عليه في سِكَّة غَزْوان في شوَّال من سنة ثلاثٍ وسبعين وثلاثمائة وأنا حاضرٌ أسمعُ ـ، قثنا محمَّد ـ هو: ابنُ محمَّد ابن سليمان الباغَنْدي ـ، قثنا إبراهيم بنُ عبد الله بن حاتم، قثنا علي بنُ ثابت الجَزَري مَوْلَى بني هاشم، قال: أخبرني عَمْرو بن عبد الله، عن مُطَرِّف بن طَرِيف، عن عامر الشَّعْبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها: عن النَّبيِّ ﷺ قال: «إِنَّ اللهَ تعالى لَيْلَةَ النِّصْفِ من شَعْبَانَ يَعْتِقُ من النَّارِ عَدَدَ شعر ـ يعني: غنم كلب ـ، ويُنَزِّلُ أَرْزَاقَ السَّنَةَ، ويَكْتُبُ الحَاجَّ، ولا يَتْرُكُ أَحَدًا إِلاَّ غَفَرَ لَهُ؛ إِلاَّ قَاطِع رَحِمٍ(14)، أو مُشْرِك أو مُشاحِن»(15).
[10] أخبرنا أبو عبد الله محمَّد بنُ زَيْد بن علي بن جعفر ابن مَرْوان الكوفي ـ قراءةً عليه ببغداد وأنا حاضرٌ أسمعُ ـ، قال: قال العبَّاس بنُ يوسف: أنشدني أحمد بنُ موسى بن الحَكَم:
ترى النَّاسَ يُحيُــون الضَّغائنَ بينهــم وعند ذوي التَّقوى تموتُ الضَّغائــــنُ
إذا مــا هَـنَـــا يـومًا أخوك فلا تكن له مُــضــمِرَ الشَّحنــاء فيمن يُشاحنُ
آخرُ المجلسِ السَّابع، والحمد لله وحدَه وصلَّى الله على محمَّد وآله وسلَّم.
***