mohamedfathi
:: عضو مُتميز ::
بسم الله الرحمن الرحيم
{14}(الرابع عشر )من #100_من_عضماء_اﻻسﻻم_غيرو_مجرى_التاريخ #جهاد_التربانى
" عملاق الجزائر" (الأمير عبد القادر الجزائري)
" وإن دوي الرصاص وصهيل الخيول لآذاننا خير من صوت الرخيم"
(عبد القادر الجزائري)
في البداية يجب أن أعترف أن تاريخ الجزائر القديم والحديث كان شيئًا غامضًا بالنسبة لي شخصيًا، بل إن تاريخ المغرب الأقصى بما يتصل به من تاريخ الأندلس، وتاريخ تونس بما تحمله جامعة الزيتونة من قصص وأخبار، كانا أوضح إلي من تاريخ الجزائر نفسه، بل لعل الجهل أوصلني في وقت من الأوقات للشك في عروبة هذا القطر وانتمائه للإسلام، والحقيقة أنّني عندما قلبت صفحات التاريخ عن قصة هذا البلد الضخم وجدت أن للجزائر تاريخًا أقل ما يقال عنه أن تاريخ يكتب بماء من الذهب! ولأن الحديث عن تاريخ الجزائر في نصرة دين اللَّه أمرٌ يطول شرحه، فإني سأركز في السطور القليلة الآتية على قصة بطلٍ من أبطال الجزائر حمل في وجدانه كل معاني الشهامة والبطولة والمروءة.
يرجع بعض المؤرخين بدء الحملة الفرنسية على الجزائر لعام 18277 م، إلّا أنني أرى أن الحرب الفعلية على الجزائر بدأت مبكرًا جدًا، وبالتحديد في عام 1538 م، إنه تاريخ معركة "بروزة" الخالدة التي تحدثنا عنها سابقًا عندما ذكرنا انتصار العثمانيين بقيادة القائد البطل (خير الدين بربروسا) على أساطيل القوى الصليبية المتحالفة. بعد هذا الانتصار الضخم قام القائد بربروسا رحمه اللَّه ببناء أسطول إسلامي ضخم مقره الجزائر، وتحولت الجزائر إلى أقوى قوة بحرية في العالم كله تقود الإسطول العثماني الإسلامي الضخم، وصارت الجزائر تعرف باسم جديد هو: "دار الإسلام ودار الجهاد". ومنذ ذلك التاريخ تحولت اهتمامات الصليبيين إلى الجزائر بالتحديد، ويكفينا لكي ندرك مدى القوة التي وصلت إليها الجزائر تحت ظل الخلافة الإسلامية العثمانية أن
*نذكر أن (جورج واشنطون) أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية دفع جزية للمسلمين تقدر بـ 6422 ألف دولار ذهبي و 1200 ليرة عثمانية دُفِعت للأسطول العثماني في نهاية القرن الثامن عشر، وذلك لكي يرضى العثمانيون بتوقيع معاهدة عدم الاعتداء على أمريكا! يُذكر أن هذه الاتفاقية هي الوحيدة في أرشيف الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكتب باللغة الإنجليزية وإنما بلغة عثمانية بحروف عربية بناءً على رغبة الخليفة العثماني شخصيًا،
* أما بريطانيا فكانت تدفع سنويا 600 جنيه للخزانة الجزائرية،
* وكانت الدانمارك تقدم للمسلمين في الجزائر مهمات حربية وآلات قيمتها 44 آلاف ريال شنكو كل عام مصحوبة بالهدايا النفيسة،
* أما هولندا فكانت تدفع لأسطول الخلافة العثمانية في الجزائر 600 جنيه،
* ومملكة صقلية 4 آلاف ريال،
*ومملكة سردينيا 6 آلاف جنيه،
* والولايات المتحدة الأمريكية تقدم آلات ومهمات حربية قيمتها 4 آلاف ريال و 100 آلاف ريال أخرى نقدا مصحوبة بهدايا قيمة،
*وتبعث فرنسا بهدايا ثمينة عند تغيير قناصلها،
*وتقدم البرتغال هدايا من أحسن الأصناف
*، وتورد السويد والنرويج كل سنة آلات وذخائر بحرية بمبالغ كبيرة، *وتدفع مدينتا هانوفر وبرن بألمانيا 600 جنيه إنجليزي،
* وتقدم إسبانيا أنفس الهدايا سنويا.
وعلى مدار ثلاثة قرون من سيطرة الأسطول الجزائري العثماني على البحر الأبيض انتظر الصليبيون الفرصة السانحة للانتقام من المسلمين، مما أدى بالدول الأوروبية إلى عرض القضية الجزائرية في مؤتمراتها، فبعد أن تم الإشارة إليها في مؤتمر "فيينا" تم عرضها في مؤتمر "إكس لاشابيل" عام 1818 م، وأصبح السؤال الذي يدور هنالك متى تحين هذه الفرصة للانقضاض على الجزائر؟ والحقيقة أن هذه الفرصة أتت في عام 1827 م وهو العام الذي دُمِّر فيه الأسطول الجزائري العثماني في "معركة نافرين" البحرية، الغريب أن الفرنسيين لم ينتظروا طويلًا، فتقدموا لاحتلال الجزائر في نفس ذلك العام!
هذا هو سبب اختيار الجزائر بالذات، أمّا سبب اختيار فرنسا بالتحديد لكي تنوب عن بقية قوى الغزو الصليبي فيرجع لأسباب كثيرة سيأتي ذكرها في طيات هذا الكتاب عند الحديث على الحروب الصليبية ودور فرنسا فيها منذ أن بدأ البابا (أوربان الثاني) الدعوة لتلك لحروب الصليبية في مدينة "كليرمون" الفرنسية، ولمن كان يظن أن فرنسا ما
دخلت الجزائر إلّا للقضاء على الجهل والفقر، فعليه أن يعلم أن نسبة المتعلمين في الجزائر في تلك الفترة كانت أكبر منها في فرنسا، بشهادة الرحالة الألماني (فيلهلم شيمبرا) الذي كتب حين زار الجزائر في شهر ديسمبر 1831 م: "لقد بحثتُ قصدًا عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة، غير أني لم أعثر عليه، في حين أني وجدت ذلك في بلدان جنوب أوروبا، فقلما يصادف المرء هناك من يستطيع القراءة من بين أفراد تلك الشعوب الأوروبية". الأغرب من ذلك أن فرنسا كانت عاجزة عن سداد ديونها الكبيرة لدى الجزائر وقتها! أما من كان يعتقد أن فرنسا أصبحت علمانية الهوى بعد الثورة الفرنسية وأنها قد تخلت عن أحقادها الصليبية، فهو واهم أشد الوهم في اعتقاده هذا، ولعل ما جاء على لسان الفرنسيين أنفسهم ما يؤكد هذا القول، ففرنسا شعرت بعد ثورتها بأنها حامية الكاثوليكية وأن تحقيق الانتصار على حساب الجزائر إنما هو بمثابة انتصار للمسيحية على الدين الإسلامي، وهذا ما استخلصناه من قول القائد الفرنسي (كليرمون دي طونير) عندما فرض حصارا على السواحل الجزائرية عندما قال: "ربما يساعدنا الحظ بهذه المناسبة لننشر المدنية بين السكان الأصليين فندخلهم بذلك في النصرانية". وأيضا الوصف الذي قدمه قائد الحملة الفرنسية (دوبرمون) في الاحتفال الذي أقيم في "فناء القصبة" بمناسبة الانتصار حيث جاء فيه: "مولاي، لقد فتحت بهذا العمل الغزو بابًا للمسيحية على شاطئ أفريقيا". أما اليهود الذين استضافهم المسلمون الجزائريون بعد طردهم من الأندلس من قبل الكاثوليك، فقد ردّوا هذا الجميل للمسلمين بأن فتحوا بوابات العاصمة الجزائر للفرنسيين! حينئدٍ أظهرت فرنسا حقدها الصليبي على الإسلام بشكل صارخ، فلك أن تعلم أنه من أصل 112 مسجدًا في العاصمة الجزائر لوحدها لم يُبق الفرنسيون إلّا على 5 مساجد فقط والباقي قاموا بهدمه أو تحويله إلى مخازن أو إسطبلات، ثم منع الفرنسيون الحج تمامًا، وقام الجنود الفرنسيون بالنهب والسلب في بيوت المسلمين، حتى أنهم كانوا يأتون بالأساور في المعاصم بعد أن يقطعوا أيادي نساء المسلمين من دون أن يتركوا لهن وقتًا لنزع أساورهن! بل إن بعضًا من الفرنسيين كانوا يأتون بأقراط النساء بأذانهن بعد أن يقطعوها بالسكين!! أما لمن كان مغرمًا بـ "الإتيكيت الفرنسي" فعليه أن يقرأ هذه القصة الصغيرة التي تبين مدى الرقي الفرنسي، فعندما التجأ
8000 مسلم جزائري إلى أحد كهوف الجزائر مصطحبين معهم ماشيتهم هربًا من بطش الجنود وخوفًا على الفتيات الجزائريات من الاغتصاب، قام دعاة الحضارة "الإيتيكتيون" بإشعال النيران في الكهف على من فيه، ليذهب شباب القرية في الصباح ليتفقدوا أوضاع أهاليهم، ليجدوا العجب!
فلقد وجدوا جثث الأطفال المتفحمة بين بقايا الدواب المحترقة، فنار الفرنسيين لم تفرق بين الإنسان والحيوان في القتل، ثم وجدوا شيئًا جعل الكثير منهم يسقط مغمًا عليه من فظاعته ووحشيته، وجدوا جثة محترقة لرجل تتعلق يداه بقرني ثور متفحم يبدو أنه هاج من شدة الدخان، فاتجه نحو ذلك الرجل الذي صده بيديه، ولمّا أزاح الشباب جثة ذلك الرجل وجدوا من خلفها جثة لطفلة في حضن أمها وقد تفحمتا، لقد كان هذا الرجل زوجها الذي أراد أن يحمي طفلته وزوجته من ذلك الثور الهائج، فأمسك بقرنيه ليحميهم قبل أن تحترق العائلة والثور معًا بنار فرنسا!
هذه المآسي لا أذكرها من باب نكء الجراح على فرنسا، ولكن أذكرها لسببين، الأول هو رفض فرنسا الاعتذار للجزائر عن جرائمها التي ارتكبتها في حق المسلمين في الجزائر، وبذلك تكون امكانية تكرارها على المسلمين واردة (وهذا بالفعل ما حدث بالبوسنة منذ أعوام قليلة عندما فكّت فرنسا الحصار على الكاثوليك الكروات وأمدتهم بالسلاح لقتل المسلمين في البوسنة!). أما السبب الثاني فإن ذكر هذا البطش والجبروت يساعدنا على تقدير عظمة بطلنا الأمير عبد القادر الجزائري الذي قاد الجهاد ضد المحتل الصليبي الفرنسي في هذه الظروف القاتمة، فلقد وحَّد الجزائري صفوف القبائل تحت إمرته وشرع بالنضال لطرد الغزاة، فأذاق الفرنسيين الويلات وكبدهم الخسائر الفادحة في معركة "المقطع" سنة 1835 م، واستمر الأمير عبد القادر في تكبيد الفرنسيين ألوان الهزائم قبل أن يأسره الفرنسيون، ليلقوا به في سجون باريس، قبل أن ينفوه إلى "إسطانبول"، ليستقبله خليفة المسلمين هناك ويكرمه، فينتقل الأمير بعدها إلى "دمشق"، وهناك في حاضرة الأمويين يبرز لنا لماذا أصبح الأمير عبد القادر الجزائري عظيمًا من عظماء الإنسانية، ففي عام 1860 م اندلعت فتنة دامية بين المسلمين والنصارى في دمشق، ويا للعجب. . .! لقد قام الأمير الجزائري بحماية النصارى وإيوائهم في بيته، على
الرغم مما فعله النصارى الفرنسيون بالمسلمين في أرضه!
وفي 26 مايو 18833 م انتقل إلى رحمة اللَّه تعالى الأمير البطل عبد القادر الجزائري في منفاه في دمشق، لكي تستغل فرنسا فرصة غيابه وتحول الجزائر إلى مقاطعة فرنسية، بعد أن منعت فيها المحاكم الإسلامية، وقامت بطمس اللغة العربية واستبدالها باللغة الفرنسية. وفي ظل هذا الوضع القاتم وهذه الظروف السيئة التي تدعو إلى اليأس، وعندما اطمأنت فرنسا أنها أنهت الإسلام في الجزائر، وأنست الناس لغة محمد بن عبد اللَّه، ظهر من بين حطام الدمار، ورماد اليأس عظيمٌ إسلامي جديد، رفض القبول بالواقع المرير، فحمل راية الإسلام في علياء الجزائر، فحول أرض الجزائر إلى كتلة من لهب!
يتبع. . . .
ممدوح ابو
آخر تعديل بواسطة المشرف: