بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه وبعد:
رابط الحلقة الأولى :
رحلة العمرة وعجائبها العشرة ( موضوع شيق من عدة حلقات، الحلقة الأولى)
العجيبة الثالثة:
من عجائب ما تلاحظه، وتطلع عليه وتشهده، الفارق بين مجتمعنا بتقاليده التي صار باتباعه لسنن الكافرين عليها، والمجتمع السعودي بتقاليده التي وصل بميوله للإسلام إليها، فتلحظ أن مجتمعهم مجتمع رجولي، يعني يبقي المرأة في حيزها الذي يليق بها، أما مجتمعنا فقد تفلتت المرأة فيه، وخرجت عن إطار الشرع الذي كانت عليه، والمفاهيم والعقائد تظهر في الواقع ولابد، وأضرب لكم على ذلك أمثلة:
- لا تزال المرأة السعودية محتشمة على الأقل في ثيابها، فلا تبرز مفاتنها، ولا تظهر ما يجب ستره من بدنها، وهذا مقارنة بسائر البلاد، وإلا ففيه مخالفات تحتاج إلى إصلاح، ولابد فيها من رجوع إلى طريق الفلاح، فاجتمع عندهم الوازع الإيماني وهذا عند كثير منهم، والوازع السلطاني وهذا على جميعهم، فالمرأة عندهم وإن كانت بعيدة عن الاستقامة على تعاليم الإسلام في باطنها، فإنها تخشى أن يبرز ذلك جملة على ظاهرها.
- لا ترى في بلادهم امرأة تقود سيارة، وتنطلق منافسة للرجال في الطرق العادية والسيارة، بعكس ما أصبح يرى للأسف عندنا، وبات ظاهرة خطيرة تهدد مجتمعنا؛ من ذهاب الحياء عن كثير من النساء، وقلة ما يردعهن عن كل منكر وبلاء.
- ومما لاحظته ويدل على هذا الذي أقوله الآتي:
- أن الصوت الذي يخبرك بأن هاتف من تتصل به مشغول، أو مغلق ومقفول، والذي يعطيك معلومات الشحن وغيرها هو صوت رجل، وهذا بعكس ما شاع وذاع، وصار أمرا منتشرا في سائر البلاد والبقاع، من تخصيص ذلك بالنساء، وجعله من وظائفهن التي لا تنازعن فيها.
- ومما لاحظته أنهم يسمون الهيئة المخصصة لإنقاذ الناس وحمايتهم من الحرائق وغيرها: بالدفاع المدني، وهذا على عكس تسميتها عندنا بالحماية المدنية، فذكروا اللفظ وأنثنا؛ وهذه الحقيقة تعكس حال المجتمع وفكره، وميوله وتقاليده، وكما تقدم أن المفاهيم والعقائد تظهر في الواقع ولابد.
- ومما يدل على أن مجتمعهم مجتمع رجولي شيوع التعدد فيهم، وانتشاره بينهم، وهذا عند المجتمع النسوي من الأمور المنكرة، والمسائل المحذورة بل والمحضورة، ومعلوم أنه كلما كان المجتمع رجوليا وكذا متدينا كان التعدد سائدا، ويكون العكس صحيحا؛ والدين والرجولة متلازمان فحيثما وجد الدين وجدت، وأينما حل حلت، ولذلك بقدر ما ذهب التدين من مجتمعنا بقدر ما فقدت الرجولة من بيننا، وصارت النسوة تترجل عندنا، نسأل الله أن يردنا إليه ردا جميلا.
--------------------------------------------------------------------------------
العجيبة الرابعة:
ما يراه المرء من زهد في أهل العلم ومجالسهم، وقلة الإقبال من أهل البلد عليهم؛ فترى مجالس العلماء فارغة منهم، مليئة بغيرهم، والغريب أنه لا يحضرها في الغالب إلا الغريب، ولذلك فأكثر من يحضر في مجالس العلماء هم من الجزائريين، والليبيين، والسودانيين، وأنا أجزم قاطعا أن مثل هذه المجالس التي تقام عندهم من قبل علماء جهابذة كالموجودين في بلدهم لو كانت عندنا لاجتمع إليها، وأقبل عليها؛ لا أقول الآلاف، ولكنني أقول جازما عشرات الآلاف، إن لم يكن مئات الآلاف، والدليل على ذلك الآتي:
الأول: مجالس المشايخ عندنا فإنها تمتلئ عن آخرها، مع كبر المساجد التي تقام فيها، سواء كانت مجالس الشيخ أزهر، أو الشيخ عز الدين، أو مجالس سائر المشايخ حفظهم الله.
الثاني: ما قام به بعض مشايخ السعودية إلى الجزائر من زيارات، ألقى فيها الكثير من المحاضرات، والتي اجتمع لها، وحضر فيها الآلاف من الشباب المتعطش للعلم، والمحب لأهله، أقصد الشيخ عبد الرزاق حفظه الله، وما مجالسه منا ببعيد، والتي حضرها عدد أدهش الجميع من موافق ومخالف وقريب وبعيد.
الثالث: ما قاله العلامة محدث الديار اليمنية الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في شريط "إرشاد الحائر لما يجري في الجزائر" في أوله:
الجزائـــر التــي كانت تأتــي الرســـائل في الأسبـــوع قدرها كذا، كلهــم يطلــب أن يأتــي ويطلـــب العلــم، نشــرح لهــم حــال دار الحديث ها هنــا، من أجــل أن يأتـــوا، بل ربمــا يأتــي زائــرون من الجزائـــر، زائرون قدر عشريــن واحداً، نعــم.
وسألت أحــد الاخــــوة، أي بلــد أحســن للدعــوة وهم هاهنـــا؟ فقال: الجزائــــر قبل الأحــداث".
قلت: بهذا الكلام يقرر العلامة مقبل رحمه الله أن أحسن بلد للدعوة كان الجزائر أقول: ولازال والحمد لله لو تظافرت الجهود وبذل أهل السنة ما يمكنهم من الجهود، ولم يتقاعسوا عن الدعوة وينشغلوا عنها بالتفاهات والدعاوى، وما تركوا حب الظهور الذي يحطم الدعوة ويقصم الظهور، وتجنبوا إرادة التصدر التي تعمي البصيرة والبصر.
--------------------------------------------------------------------------------------
العجيبة الخامسة:
من العجائب وليست بعجيبة، والغرائب وليست بغريبة؛ أن ترى الشيخ العلامة ربيعا حفظه الله ورعاه وقد استوطن المرض بدنه، وأعاق الضعف والكبر حركته، حتى أصبح حفظه الله يدب دبيبا، ويمشي رويدا رويدا، ومع ذلك يخافه أهل البدع والأهواء، ويشتري وده كل مميع طريقته عوجاء، ويعلن الحرب عليه كل مبتدع ضال، ويجتمع على عدائه جميع المفتونين الضلال، حتى أن السامع لكلامهم فيه، والرائي لتكالبهم عليه، يتصوره عدائيا شرسا، ومتسلطا مشاكسا، وأنه يقصد إذاية الناس، ويبغي الغوائل لهم دون إحساس، والحقيقة أن الأمر على خلاف ذلك، وليس كما يريد أن يصوره المخالف المماحك، فالشيخ حفظه الله من أكثر الناس نصحا للخلق، وأعظمهم معرفة بالحق، فهو ينصح الموافق والمخالف، ويحرص على خير السليم والتالف، وهذا معلوم عنه، لا ينكره إلا من أعمى الله بصيرته وحكم بالجهل على نفسه.
واعلم رحمك الله أن واقع الشيخ حفظه الله مع أهل زمنه يدل على حقائق أنبه على بعضها وهي:
- الحقيقة الأولى: أن الشيخ حفظه الله ورعاه يدعو إلى ما دعا إليه الأنبياء والمرسلون، والأئمة المصلحون؛ ولذلك عاداه المخالفون من أهل زمنه، والجاهلون من أبناء دهره، وله شبه وأسوة بالرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم:" يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟" قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ" رواه البخاري ومسلم.
- الحقيقة الثانية: أن الشيخ ربيعا حفظه الله ورعاه من أئمة أهل السنة؛ الذين يبذلون وسعهم، ويفعلون ما يسعهم؛ في هداية الناس وبيان الحق لهم، ولو أصابهم في سبيل الله ما أصابهم، فهو مع تكالب الأعداء عليه، وطعنهم في عرضه، وتشهيرهم به؛ ماض في طريق الأنبياء الذي هو طريقه، ومجاهد في العمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهي غايته، ومن صور حرصه على هداية الآخرين تبعا لسيد الأنبياء والمرسلين:
الصورة الأولى: نصحه لكل من خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بالمراسلة، والمشافهة، وغيرها، وصبره عليه، وعدم تشهيره به، إلى مدة قد لا يصبر عليها غيره، ولا يتمالك نفسه على مخالفات المنصوح خلالها سواه، وهذا مشهور عنه يعلمه المخالف قبل الموافق والله الموفق.
الصورة الثانية: فتحه بيته للطلبة والسائلين، والمسترشدين والمستشيرين، في كل وقت وحين؛ فهم ذاهبون آيبون، مقبلون راجعون؛ يعلمهم ويوجههم، ويسأل عن أحوالهم، وينصح لهم، ويبعث بوصاياه معهم.
الصورة الثالثة: نصحه للأمراء والسلاطين، ورؤساء بلاد المسلمين؛ ومما يدل على ذلك رسالة ولي أمرنا ورئيس بلدنا - شفاه الله، ووفقه لما فيه رضاه - التي نشرها أخونا الفاضل أبو معاذ سلمه الله، وبارك في علمه، وقد تضمنت ثناء رئيسنا عليه، وإبدائه الاستعداد للعمل بنصائحه، فالشيخ ناصح لله، طالب لما عنده، نحسبه كذلك والله حسبه، ولا نزكيه على الله، ومما يدل على هذا الذي أصفه به، وأحسبه فيه؛ أنه لو لا أن أبا معاذ حفظه الله نشر الرسالة ما كنا لنطلع عليها، ولا لنعلم بها، لأن الشيخ أخفاها ولم يبرزها، ولا تحدث عنها كفعل المحبين لبروز أشخاصهم، الحرصين على ظهور مآثرهم وآثارهم.
- الصورة الرابعة: أن الشيخ حفظه الله لما عجز عما اعتاده وكان يفعله من استقبال السائلين في بيته، والمستنصحين في داره، اكتفى بأقل ما يمكنه، وهو تمكينهم من لقائه مرة في كل يوم بالمسجد النبوي، حتى يفسح لهم المجال لسؤاله واستفساره واستشاره، فتراه حفظه الله يأتي كل يوم تقريبا إلى المسجد النبوي لأداء صلاة العشاء، ثم يخرج بعدها من باب الهجرة أو السلام ليجد الإخوة في انتظاره، فيمشي معهم من الباب وإلى سيارته في المرآب؛ يرد على أسئلتهم، ويقوم بتوجيههم ونصحهم.
الحقيقة الثالثة: أن الله رفع قدره وأعلى منزلته، وجعل له قبولا في الأرض، ولجرح كلامه قوة لا تعارض، ولذلك يخافه الكثير من الناس، ويهاب كلامه العديد من مختلف الأجناس، وهذا الأمر من الله سبحانه هو الذي جعل قلوب أهل الأهواء تخافه، وما مثله في ذلك إلا كمثل قدوته وأسوته أقصد نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم؛ الذي كان يهابه ملوك الدنيا وأمراؤها، بل وكل مفسد منحرف فيها، ألم يقل أبو سفيان رضي الله عنه إبان كفره:" فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ" رواه البخاري ومسلم.
الحقيقة الرابعة: أن الشيخ ربيعا حفظه الله ورعاه لا يهابه ويخاف من كلامه إلا المنحرفون الضالون، وبالخصوص المتسترون المخذلون، أما أهل السنة السلفيون فإنهم يحبونه ويوالونه، ولا يحسون بفجوة بينهم وبينه، فضلا أن يخافوا منه أو يهابوا من كلامه؛ ﻷنهم على علم كبير بأخلاق الشيخ وسمته، ولزومه لسنة نبي الله سبحانه؛ فليس هو ممن يجرح بلا جارح، ولا ممن يطعن في الناس بدون قوادح، ضف إلى ذلك أنه متثبت يصبر وينصح، فكيف يخافه من كان على السنة، متمسكا بالسلفية ولله الحمد والمنة. يوضحه:
الحقيقة الخامسة: أن الذين يخافون من كلامه ويتوجسون خيفة من جرحه هم أصحاب الأفكار المنحرفة، والآراء المائلة المخالفة، فهم يخالفونه بها ويخشون استنكاره حين ظهورها، ولو كان الحق في جانبهم، والدليل يؤيدهم، ومذهب السلف يدعمهم، فلماذا الخوف حينئذ ولنضرب على ذلك مثالا:
هل يمكن أن يوجد في السلفيين من يخشى من الشيخ تقرير مذهب أهل السنة في علو الله سبحانه، واستوائه على عرشه، ورؤية الله عند دخول جنته، وطاعة ولاة الأمر بالمعروف، وموالاة أهل السنة، والبراءة من أهل البدعة، وغيرها، إذا فما هو الذي يجعلهم يخافونه، ويخالفونه في السر ولا يوافقونه؟ هو موالاة من ظهرت ضلالاته، ووضح انحرافه، وبان ﻷهل السنة بعده عن الحق وزيغه.
فيوالون أمثال هؤلاء ويذبون في السر عنهم، ويخالفون العلماء في الحكم عليهم، فإذا أظهر الله سريرتهم، وأبرز خباياهم، ونصحهم العلماء أن يقولوا كلمة الحق فيهم، وأن لا يفرقوا الصف بسببهم؛ أصروا وعاندوا، وادعوا أن العلماء يريدون إلزامهم، وأن يقلدوهم في أحكامهم، وهذه حجة واهية، وعلة عليلة، والدليل على ذلك أنهم كانوا يحذرون ممن هو أقل ضلالا وأهون شرا ممن حذر منه العلماء، ولكنها الأهواء، فالأحكام عندهم لا تنبني على ضوابط علمية، وقواعد شرعية، كما هي عند أهل العلم، ولذلك تضطرب مواقفهم، وتتناقض أحكامهم.
تنبيه: وهذا الصنف هو الذي أتعب أهل الحق وأحدث الفتن في صفوفهم، وطعن في علماء السنة ونفر الناس عنهم، ولا زال يتفنن في إحداث الفتن، وفي كل يوم تظهر طائفة منهم، وتنبت نابتة من جنسهم، ولعل بعضهم بسبب خوفه من أمثال العلامة ربيع حفظه الله لم يظهر بعد، وهو يتحين الفرصة السانحة ليبدأ فتنته، ويبث سمومه، نسأل الله أن يسلم أهل الحق منهم، وأن يكفينا شرهم.
الحقيقة السادسة: أن الشيخ ربيعا حفظه الله ورعاه لعله لم يظلم رجل من الناس اليوم ما ظلم، ولا رمي بالموبقات واتهم من الخلق في الزمن الحاضر ما رمي واتهم، ولذلك تجد كثيرا ممن لبس عليهم يتصور الشيخ حفظه الله شديدا متشددا، ومتعصبا معاندا؛ فإذا لقيه وسمع كلامه، ورأى هديه وسمته، زالت عنه تلكم الأوهام، وسلم صدره لذلكم الإمام، وكم هي قصص أولئك الملبس عليهم الذين تحرروا من قيود أهل البدع وأضرابهم بعد لقائه ورؤيته؛ وأقتصر على ضرب مثال واحد وهو:
أن رجلا ممن أعرف استقام على المنهج الحق بعد أن كان متنكبا له بعيدا عنه ومن الأمور التي استقرت في قلبه ورسخت في مهجته ما يقال عن الشيخ ربيع حفظه الله ويشاع عنه في أوساط كثيرة من أنه الرجل المتشدد وغير ذلك من الكلام ثم وفقه الله للعمرة مع مجموعة من الإخوة ويسر الله أن زار معهم الشيخ وبعد أن رآه وسلم في المسجد عليه استأذنه في أسئلة يطرحها عليه فأذن له وسمع منه وأجابه على استفساراته فقال لي الأخ متحدثا عن لقائه مع الشيخ كنت أتصوره بسبب ما كنت أسمعه عنه رجلا شديدا قاسيا ثم لما كلمته وأذن لي وبدأ يجيب عن أسئلتي سؤالا تلو الآخر بدأت أحس بصدري ينشرح شيئا فشيئا حتى صار منشرحا فسيحا.
موضوع للأخ عبد الصمد سليمان.
رابط الحلقة الأولى :
رحلة العمرة وعجائبها العشرة ( موضوع شيق من عدة حلقات، الحلقة الأولى)
العجيبة الثالثة:
من عجائب ما تلاحظه، وتطلع عليه وتشهده، الفارق بين مجتمعنا بتقاليده التي صار باتباعه لسنن الكافرين عليها، والمجتمع السعودي بتقاليده التي وصل بميوله للإسلام إليها، فتلحظ أن مجتمعهم مجتمع رجولي، يعني يبقي المرأة في حيزها الذي يليق بها، أما مجتمعنا فقد تفلتت المرأة فيه، وخرجت عن إطار الشرع الذي كانت عليه، والمفاهيم والعقائد تظهر في الواقع ولابد، وأضرب لكم على ذلك أمثلة:
- لا تزال المرأة السعودية محتشمة على الأقل في ثيابها، فلا تبرز مفاتنها، ولا تظهر ما يجب ستره من بدنها، وهذا مقارنة بسائر البلاد، وإلا ففيه مخالفات تحتاج إلى إصلاح، ولابد فيها من رجوع إلى طريق الفلاح، فاجتمع عندهم الوازع الإيماني وهذا عند كثير منهم، والوازع السلطاني وهذا على جميعهم، فالمرأة عندهم وإن كانت بعيدة عن الاستقامة على تعاليم الإسلام في باطنها، فإنها تخشى أن يبرز ذلك جملة على ظاهرها.
- لا ترى في بلادهم امرأة تقود سيارة، وتنطلق منافسة للرجال في الطرق العادية والسيارة، بعكس ما أصبح يرى للأسف عندنا، وبات ظاهرة خطيرة تهدد مجتمعنا؛ من ذهاب الحياء عن كثير من النساء، وقلة ما يردعهن عن كل منكر وبلاء.
- ومما لاحظته ويدل على هذا الذي أقوله الآتي:
- أن الصوت الذي يخبرك بأن هاتف من تتصل به مشغول، أو مغلق ومقفول، والذي يعطيك معلومات الشحن وغيرها هو صوت رجل، وهذا بعكس ما شاع وذاع، وصار أمرا منتشرا في سائر البلاد والبقاع، من تخصيص ذلك بالنساء، وجعله من وظائفهن التي لا تنازعن فيها.
- ومما لاحظته أنهم يسمون الهيئة المخصصة لإنقاذ الناس وحمايتهم من الحرائق وغيرها: بالدفاع المدني، وهذا على عكس تسميتها عندنا بالحماية المدنية، فذكروا اللفظ وأنثنا؛ وهذه الحقيقة تعكس حال المجتمع وفكره، وميوله وتقاليده، وكما تقدم أن المفاهيم والعقائد تظهر في الواقع ولابد.
- ومما يدل على أن مجتمعهم مجتمع رجولي شيوع التعدد فيهم، وانتشاره بينهم، وهذا عند المجتمع النسوي من الأمور المنكرة، والمسائل المحذورة بل والمحضورة، ومعلوم أنه كلما كان المجتمع رجوليا وكذا متدينا كان التعدد سائدا، ويكون العكس صحيحا؛ والدين والرجولة متلازمان فحيثما وجد الدين وجدت، وأينما حل حلت، ولذلك بقدر ما ذهب التدين من مجتمعنا بقدر ما فقدت الرجولة من بيننا، وصارت النسوة تترجل عندنا، نسأل الله أن يردنا إليه ردا جميلا.
--------------------------------------------------------------------------------
العجيبة الرابعة:
ما يراه المرء من زهد في أهل العلم ومجالسهم، وقلة الإقبال من أهل البلد عليهم؛ فترى مجالس العلماء فارغة منهم، مليئة بغيرهم، والغريب أنه لا يحضرها في الغالب إلا الغريب، ولذلك فأكثر من يحضر في مجالس العلماء هم من الجزائريين، والليبيين، والسودانيين، وأنا أجزم قاطعا أن مثل هذه المجالس التي تقام عندهم من قبل علماء جهابذة كالموجودين في بلدهم لو كانت عندنا لاجتمع إليها، وأقبل عليها؛ لا أقول الآلاف، ولكنني أقول جازما عشرات الآلاف، إن لم يكن مئات الآلاف، والدليل على ذلك الآتي:
الأول: مجالس المشايخ عندنا فإنها تمتلئ عن آخرها، مع كبر المساجد التي تقام فيها، سواء كانت مجالس الشيخ أزهر، أو الشيخ عز الدين، أو مجالس سائر المشايخ حفظهم الله.
الثاني: ما قام به بعض مشايخ السعودية إلى الجزائر من زيارات، ألقى فيها الكثير من المحاضرات، والتي اجتمع لها، وحضر فيها الآلاف من الشباب المتعطش للعلم، والمحب لأهله، أقصد الشيخ عبد الرزاق حفظه الله، وما مجالسه منا ببعيد، والتي حضرها عدد أدهش الجميع من موافق ومخالف وقريب وبعيد.
الثالث: ما قاله العلامة محدث الديار اليمنية الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في شريط "إرشاد الحائر لما يجري في الجزائر" في أوله:
الجزائـــر التــي كانت تأتــي الرســـائل في الأسبـــوع قدرها كذا، كلهــم يطلــب أن يأتــي ويطلـــب العلــم، نشــرح لهــم حــال دار الحديث ها هنــا، من أجــل أن يأتـــوا، بل ربمــا يأتــي زائــرون من الجزائـــر، زائرون قدر عشريــن واحداً، نعــم.
وسألت أحــد الاخــــوة، أي بلــد أحســن للدعــوة وهم هاهنـــا؟ فقال: الجزائــــر قبل الأحــداث".
قلت: بهذا الكلام يقرر العلامة مقبل رحمه الله أن أحسن بلد للدعوة كان الجزائر أقول: ولازال والحمد لله لو تظافرت الجهود وبذل أهل السنة ما يمكنهم من الجهود، ولم يتقاعسوا عن الدعوة وينشغلوا عنها بالتفاهات والدعاوى، وما تركوا حب الظهور الذي يحطم الدعوة ويقصم الظهور، وتجنبوا إرادة التصدر التي تعمي البصيرة والبصر.
--------------------------------------------------------------------------------------
العجيبة الخامسة:
من العجائب وليست بعجيبة، والغرائب وليست بغريبة؛ أن ترى الشيخ العلامة ربيعا حفظه الله ورعاه وقد استوطن المرض بدنه، وأعاق الضعف والكبر حركته، حتى أصبح حفظه الله يدب دبيبا، ويمشي رويدا رويدا، ومع ذلك يخافه أهل البدع والأهواء، ويشتري وده كل مميع طريقته عوجاء، ويعلن الحرب عليه كل مبتدع ضال، ويجتمع على عدائه جميع المفتونين الضلال، حتى أن السامع لكلامهم فيه، والرائي لتكالبهم عليه، يتصوره عدائيا شرسا، ومتسلطا مشاكسا، وأنه يقصد إذاية الناس، ويبغي الغوائل لهم دون إحساس، والحقيقة أن الأمر على خلاف ذلك، وليس كما يريد أن يصوره المخالف المماحك، فالشيخ حفظه الله من أكثر الناس نصحا للخلق، وأعظمهم معرفة بالحق، فهو ينصح الموافق والمخالف، ويحرص على خير السليم والتالف، وهذا معلوم عنه، لا ينكره إلا من أعمى الله بصيرته وحكم بالجهل على نفسه.
واعلم رحمك الله أن واقع الشيخ حفظه الله مع أهل زمنه يدل على حقائق أنبه على بعضها وهي:
- الحقيقة الأولى: أن الشيخ حفظه الله ورعاه يدعو إلى ما دعا إليه الأنبياء والمرسلون، والأئمة المصلحون؛ ولذلك عاداه المخالفون من أهل زمنه، والجاهلون من أبناء دهره، وله شبه وأسوة بالرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم:" يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟" قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ" رواه البخاري ومسلم.
- الحقيقة الثانية: أن الشيخ ربيعا حفظه الله ورعاه من أئمة أهل السنة؛ الذين يبذلون وسعهم، ويفعلون ما يسعهم؛ في هداية الناس وبيان الحق لهم، ولو أصابهم في سبيل الله ما أصابهم، فهو مع تكالب الأعداء عليه، وطعنهم في عرضه، وتشهيرهم به؛ ماض في طريق الأنبياء الذي هو طريقه، ومجاهد في العمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهي غايته، ومن صور حرصه على هداية الآخرين تبعا لسيد الأنبياء والمرسلين:
الصورة الأولى: نصحه لكل من خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بالمراسلة، والمشافهة، وغيرها، وصبره عليه، وعدم تشهيره به، إلى مدة قد لا يصبر عليها غيره، ولا يتمالك نفسه على مخالفات المنصوح خلالها سواه، وهذا مشهور عنه يعلمه المخالف قبل الموافق والله الموفق.
الصورة الثانية: فتحه بيته للطلبة والسائلين، والمسترشدين والمستشيرين، في كل وقت وحين؛ فهم ذاهبون آيبون، مقبلون راجعون؛ يعلمهم ويوجههم، ويسأل عن أحوالهم، وينصح لهم، ويبعث بوصاياه معهم.
الصورة الثالثة: نصحه للأمراء والسلاطين، ورؤساء بلاد المسلمين؛ ومما يدل على ذلك رسالة ولي أمرنا ورئيس بلدنا - شفاه الله، ووفقه لما فيه رضاه - التي نشرها أخونا الفاضل أبو معاذ سلمه الله، وبارك في علمه، وقد تضمنت ثناء رئيسنا عليه، وإبدائه الاستعداد للعمل بنصائحه، فالشيخ ناصح لله، طالب لما عنده، نحسبه كذلك والله حسبه، ولا نزكيه على الله، ومما يدل على هذا الذي أصفه به، وأحسبه فيه؛ أنه لو لا أن أبا معاذ حفظه الله نشر الرسالة ما كنا لنطلع عليها، ولا لنعلم بها، لأن الشيخ أخفاها ولم يبرزها، ولا تحدث عنها كفعل المحبين لبروز أشخاصهم، الحرصين على ظهور مآثرهم وآثارهم.
- الصورة الرابعة: أن الشيخ حفظه الله لما عجز عما اعتاده وكان يفعله من استقبال السائلين في بيته، والمستنصحين في داره، اكتفى بأقل ما يمكنه، وهو تمكينهم من لقائه مرة في كل يوم بالمسجد النبوي، حتى يفسح لهم المجال لسؤاله واستفساره واستشاره، فتراه حفظه الله يأتي كل يوم تقريبا إلى المسجد النبوي لأداء صلاة العشاء، ثم يخرج بعدها من باب الهجرة أو السلام ليجد الإخوة في انتظاره، فيمشي معهم من الباب وإلى سيارته في المرآب؛ يرد على أسئلتهم، ويقوم بتوجيههم ونصحهم.
الحقيقة الثالثة: أن الله رفع قدره وأعلى منزلته، وجعل له قبولا في الأرض، ولجرح كلامه قوة لا تعارض، ولذلك يخافه الكثير من الناس، ويهاب كلامه العديد من مختلف الأجناس، وهذا الأمر من الله سبحانه هو الذي جعل قلوب أهل الأهواء تخافه، وما مثله في ذلك إلا كمثل قدوته وأسوته أقصد نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم؛ الذي كان يهابه ملوك الدنيا وأمراؤها، بل وكل مفسد منحرف فيها، ألم يقل أبو سفيان رضي الله عنه إبان كفره:" فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ" رواه البخاري ومسلم.
الحقيقة الرابعة: أن الشيخ ربيعا حفظه الله ورعاه لا يهابه ويخاف من كلامه إلا المنحرفون الضالون، وبالخصوص المتسترون المخذلون، أما أهل السنة السلفيون فإنهم يحبونه ويوالونه، ولا يحسون بفجوة بينهم وبينه، فضلا أن يخافوا منه أو يهابوا من كلامه؛ ﻷنهم على علم كبير بأخلاق الشيخ وسمته، ولزومه لسنة نبي الله سبحانه؛ فليس هو ممن يجرح بلا جارح، ولا ممن يطعن في الناس بدون قوادح، ضف إلى ذلك أنه متثبت يصبر وينصح، فكيف يخافه من كان على السنة، متمسكا بالسلفية ولله الحمد والمنة. يوضحه:
الحقيقة الخامسة: أن الذين يخافون من كلامه ويتوجسون خيفة من جرحه هم أصحاب الأفكار المنحرفة، والآراء المائلة المخالفة، فهم يخالفونه بها ويخشون استنكاره حين ظهورها، ولو كان الحق في جانبهم، والدليل يؤيدهم، ومذهب السلف يدعمهم، فلماذا الخوف حينئذ ولنضرب على ذلك مثالا:
هل يمكن أن يوجد في السلفيين من يخشى من الشيخ تقرير مذهب أهل السنة في علو الله سبحانه، واستوائه على عرشه، ورؤية الله عند دخول جنته، وطاعة ولاة الأمر بالمعروف، وموالاة أهل السنة، والبراءة من أهل البدعة، وغيرها، إذا فما هو الذي يجعلهم يخافونه، ويخالفونه في السر ولا يوافقونه؟ هو موالاة من ظهرت ضلالاته، ووضح انحرافه، وبان ﻷهل السنة بعده عن الحق وزيغه.
فيوالون أمثال هؤلاء ويذبون في السر عنهم، ويخالفون العلماء في الحكم عليهم، فإذا أظهر الله سريرتهم، وأبرز خباياهم، ونصحهم العلماء أن يقولوا كلمة الحق فيهم، وأن لا يفرقوا الصف بسببهم؛ أصروا وعاندوا، وادعوا أن العلماء يريدون إلزامهم، وأن يقلدوهم في أحكامهم، وهذه حجة واهية، وعلة عليلة، والدليل على ذلك أنهم كانوا يحذرون ممن هو أقل ضلالا وأهون شرا ممن حذر منه العلماء، ولكنها الأهواء، فالأحكام عندهم لا تنبني على ضوابط علمية، وقواعد شرعية، كما هي عند أهل العلم، ولذلك تضطرب مواقفهم، وتتناقض أحكامهم.
تنبيه: وهذا الصنف هو الذي أتعب أهل الحق وأحدث الفتن في صفوفهم، وطعن في علماء السنة ونفر الناس عنهم، ولا زال يتفنن في إحداث الفتن، وفي كل يوم تظهر طائفة منهم، وتنبت نابتة من جنسهم، ولعل بعضهم بسبب خوفه من أمثال العلامة ربيع حفظه الله لم يظهر بعد، وهو يتحين الفرصة السانحة ليبدأ فتنته، ويبث سمومه، نسأل الله أن يسلم أهل الحق منهم، وأن يكفينا شرهم.
الحقيقة السادسة: أن الشيخ ربيعا حفظه الله ورعاه لعله لم يظلم رجل من الناس اليوم ما ظلم، ولا رمي بالموبقات واتهم من الخلق في الزمن الحاضر ما رمي واتهم، ولذلك تجد كثيرا ممن لبس عليهم يتصور الشيخ حفظه الله شديدا متشددا، ومتعصبا معاندا؛ فإذا لقيه وسمع كلامه، ورأى هديه وسمته، زالت عنه تلكم الأوهام، وسلم صدره لذلكم الإمام، وكم هي قصص أولئك الملبس عليهم الذين تحرروا من قيود أهل البدع وأضرابهم بعد لقائه ورؤيته؛ وأقتصر على ضرب مثال واحد وهو:
أن رجلا ممن أعرف استقام على المنهج الحق بعد أن كان متنكبا له بعيدا عنه ومن الأمور التي استقرت في قلبه ورسخت في مهجته ما يقال عن الشيخ ربيع حفظه الله ويشاع عنه في أوساط كثيرة من أنه الرجل المتشدد وغير ذلك من الكلام ثم وفقه الله للعمرة مع مجموعة من الإخوة ويسر الله أن زار معهم الشيخ وبعد أن رآه وسلم في المسجد عليه استأذنه في أسئلة يطرحها عليه فأذن له وسمع منه وأجابه على استفساراته فقال لي الأخ متحدثا عن لقائه مع الشيخ كنت أتصوره بسبب ما كنت أسمعه عنه رجلا شديدا قاسيا ثم لما كلمته وأذن لي وبدأ يجيب عن أسئلتي سؤالا تلو الآخر بدأت أحس بصدري ينشرح شيئا فشيئا حتى صار منشرحا فسيحا.
موضوع للأخ عبد الصمد سليمان.
آخر تعديل: