ميمي مرام
:: عضو مُتميز ::
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ً﴾
بحث موجه للمقبلين على الزواج خاصة
إعداد: بوودن دحمان
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله، و على آله و صحبه ومن اتبع هداه، و بعد:
الزواج علاقة روحية، إذا صلحت هذه العلاقة فإنها تمتد إلى الحياة الأخرى بعد الموت، قال الله تعالى:" جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ " -سورة الرعد:23 - فالقصد من العلاقة الزوجية هو الاستمرار وليس الانفصال بعد سنوات قليلة من الزواج، و لدى فإنَّ أول ما يجب على الزوجين التنبه له هو علاقتهما الزوجية قبل أي شيء آخر في الأسرة، حتى الأولاد، لأنّ بقاء المودة سبب لحسن تربيتهم، و الزوجان في بداية أمرهما و لما يعرف أحدهما طبيعة الأخر، تكون بينهما نوع قسوة، فما هو إلا زمن يسير حتى يجعل الله تعالى بينهما المودة و الرحمة، فتزول تلك القسوة، و تكون هذه الزوجة أقرب الناس إليه بعد إن لم يكن يعرفها مطلقا، وكذلك شأن الزوج كما أخبر الله تعالى: "وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" -سورة الروم: 21 - إلاَّ أنَّ حصول هذه المودة و الرحمة هو أمر مقيد بحسن العشرة، و من هنا جاء الخطاب الرباني للمؤمنين: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف" – سورة النساء: 19- لكن مهما سمت أخلاق الرجل، فإنّه بحاجة إلى المرأة التي تقابله بالحب و الرعاية، بل يقال إنّ الاعتناء بالزوج مثل الاعتناء بالزرع تماما، إذا أهمل جفّ ومات وإذا اعتني به نما وترعرع، و لهذا كانت المرأة هي الأخرى مطالبة بحسن المعاشرة، وقد قال الله تعالى:" وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ" – سورة البقرة:228-
و يهدف هذا البحث إلى تحصيل المودة و الألفة في بيوت المسلمين، و ذلك عن طريق اكتساب بعض المهارات في التعامل مع رفيق الذرب، و هو بحث موجة للمقبلين على الزواج خاصة، لأنّ المرحلة الأولى من الحياة الزوجية و إن كانت من أحلى مراحل العمر، إلاَّ أنّه قد يغشاها نوع اضطراب، وذلك أنَّ الرجل عندما يتزوج تتقيد حريته إلى قدر بعيد، بحيث يكون مسئولاً عن شخص آخر يلازمه في حياته كلها، في خروجه و سفره و حضره...و كذلك المرأة إذا تزوجت فإنها تتقيد حريتها إلى حد بعيد، بأن يتدخل شخص آخر في حياتها يأمرها وينهاها، و كل هذا من شأنه أن يحدث اضطرابات نفسية في بداية الزواج، خاصة إذا اقترن معه قلة الخبرة و الصبر وكذا التعرف على العيوب و اكتشاف الشخصيات على حقيقتها.
و الحق أنّ دوافع كتابتي لهذا الموضوع ذاتية محضة، حيث أرى لزامًا عليّ قبل أن أخوض في مضمار الحياة الزوجية معرفة واجباتي نحو الزوجة فأحرص على تأديتها، و أن أعرف حقوقي فلا أطالب بأكثر منها، عسى بذلك أن يشملني حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها من أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم خيركم لأهله " - أخرجه الترمذي – فمفهوم هذا الحديث أنّ مرتبة العبد عند الله إنما هي بحسب معاملته لأهله، لأنّ الخيرية قد تكون مصطنعة في تعامل الإنسان مع الغير، لكنها تظهر على حقيقتها في تعامل الإنسان في بيته، فإذا سمعنا امرأة تثني على زوجها خيرًا، فإننا نحكم عليه بالخيرية مباشرة، و العكس أيضا نجزم بصحته، فهذه حقيقة وقفت عليها و سآخذ بأحسنها إن شاء الله و بتوفيق منه سبحانه.
و قد جمعت في هذا البحث جملة من مقومات العشرة الزوجية على منهاج النبوة، و التي لا قوام ولا دوام للسعادة الزوجية إلاّ بها، وقد استغرق مني ذلك مدة لا يستهان بها من الجمع و الترتيب و البحث و التنقيب، رغم تعمد الاختصار في الإحالة و التوثيق، لأنّ القصد من هذا البحث هو الوعظ و التذكير أكثر مما هو الترجيح و التحرير، والله هو وحده المسؤول أن يوفقنا للعمل بما نقول، إنه ولي ذلك ومولاه.
مقومات العشرة الزوجية على منهاج النبوة
إذا كان المثل الأوروبي يقول: "أول أيام الزواج هي غالبا آخر أيام الحب" فإننا نقول: هذه مقولة أهل الشهوات و الفطر المنحرفة، أمّا في ديننا الحنيف فيقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "لَم نَر للمُتحابين مثلُ النكاح" - رواه ابن ماجه في سننه- قال المناوي في فيض القدير بعد ذكره لهذا الحديث: "إذا نظر رجل لأجنبية وأخذت بمجامع قلبه فنكاحها يورثه مزيد المحبة" إلا أنّ الحب وحده لا يكفي لبناء الأسرة المسلمة، لأنَّه عاطفة عابرة تدوم ما دامت الرغبة و الامتناع- و قد يختنق تحت اللحاف- فالزواج الذي يبنى على الحب وحده لا يتأتى منه خير كثير، كما قال عمر رضي الله عنه "أقل البيوت الذي يُبنى على الحب " فلا بُدَّ من اجتماع الرحمة معه، فإنَّ الرحمة تبقى ثابتة، وإذا كانت المودة تقضي على كل نقص و تغطي كل عيب، فإنّ الرحمة بها يمسك الرجل زوجته إذا فقدت المودة بينهما، فيرحمها بأن يكون لها منه و لد أو تكون محتاجة إليه للإنفاق عليها أو للألفة بينهما، وهذه أهم مقومات العشرة الزوجية على منهاج النبوة، أيما علاقة زوجية قامت عليها، فلا بد أن يكتب لها النجاح و الثبات و إن هبت الأعاصير في المستقبل.
1. حسن الاختيار
لابدّ أن يقوم الزواج على قناعة كافية من الطرفين، فحسن اختيار رفيق الدرب يؤدي إلى نجاح العلاقة الزوجية، و معيار الصلاح هو المعيار الأساسي في اختيار الرجل للمرأة التي يريد أن يتزوجها، والعكس أيضا صحيح، قال تعالى: "وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم" - سورة النور:32- وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على قبول الخاطب إذا كان مرضي الدين والخلق، فقال: "إذا أتاكم من ترضون خُلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" – رواه الترمذي - و قد كان من وصايا أمهات السلف لبناتهن :"تزوجي من يخاف من الله، ولا تخافي منه" فالدين يحجز عن الظلم كما أنّه يحمي من الوقوع في الموبقات التي تكرهها المرأة في زوجها ويكرهها كل عاقل، وفوق ذلك فإنّه يمنح القوة والأمانة، ولو راجعنا قصة ابنة شعيب مع موسى عليه السلام، نجد أنها أحبت فيه القوة والأمانة، فدعت أباها لتشغيله بسببها ثم تزوجها، قال تعالى: " قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" – سورة القصص : 26- فالرجل المتدين مطلب كل امرأة عاقلة، لأنها تعرف أنّه يستوعبها ويتفهم طبيعتها، ينقب عن مواطن الدفء والعاطفة بداخلها، يتأنّى في التعامل مع المشكلات التي تواجهه معها، يأخذ الأمور بروية و يكون بإذن الله أمينًا عليها و على أولادها، إن أحبها أكرمها وإن لم يحبها لم يظلمها، أما الرجل البعيد عن دين الله فهو رجل بلا ضمير، سيكون عدو لنفسه ولمن حوله، يمكن أن يرتكب أي شيء دون أن يتوقف لحظة ليقول: هل هذا صحيح أو عادل ؟ فالمرأة و إن صبرت على هذا النوع من الرجال، فإنها ستفكر يوماً ما و تقول: متى سيكون دوري مع رجل بلا ضمير؟ هذه المرأة لن تشعر مع رجل من هذا النوع بالأمان والراحة، لأنها تعلم أنّه مستعد لطعنها في أي وقت، فلا بد من التبصر في حال الخاطب الذي يتقدم للمرأة المسلمة، لأنّ معرفة طبيعة الزوج يعتبر أكثر أهمية بالنسبة للمرأة، فهي الطرف الأضعف في العلاقة الزوجية، لكن من العقل أن تتغاضي المرأة عن بعض العيوب الصغيرة الموجودة عند الخاطب، خاصة إذا كانت هناك إمكانية منطقية للتغيير بعد الزواج، و أما العيوب الكبيرة: كترك الصلاة، والإدمان على شرب المخدرات، أو الكذب الكثير، وكافتقاره لاحترام الآخرين، وعدم الثقة بالنفس، أو أن يكون رجل متسلط... فيجب أن تنتبه إليها، المهم أن يتوفر الحد الأدنى من التفاهم بين الزوجين لكي يتم الزواج ويسير على طريق مستقيم.
وفي المقابل فإنّ المرأة الصالحة واحدة من أسباب السعادة، و عنْ عَبْدِ الّلهِ بْنِ عَمْرٍو أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الدّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدّنْيَا المَرْأَةُ الصّالِحَةُ" - رواه مسلم- و المرأة الصالحة هي التي إذا نظرت إليها سرّتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها، و لا شكّ أنّ مقاصد الناس تختلف في النكاح، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" -رواه البخاري ومسلم- وقد اختلف العلماء في معنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "تربت يداك" اختلافاً كثيراً ، قال النووي رحمه الله "وَالْأَصحّ الْأَقْوَى الَّذي عَلَيهِ الْمُحقِّقون فِي معنَاه : أَنَّها كلمَة أَصلهَا اِفْتَقَرت, وَلَكِنَّ العَرَب اِعْتَادَت اِستِعمالها غير قَاصدة حَقِيقَة معناهَا الْأَصلِيّ, فَيذْكرُونَ تَرِبَتْ يَدَاك، وَقَاتلَهُ اللَّه, ما أَشْجَعه, ولَا أُم له, ولَا أَب لَك، وَثَكِلَتْهُ أُمّه, وَوَيْل أُمّه , وَمَا أَشْبَهَ هذَا مِنْ أَلْفَاظهمْ يَقُولُونَهَا عِنْد إِنْكَار الشَّيْء, أَوْ الزَّجْر عَنْهُ, أَوْ الذَّمّ عَلَيْهِ, أَوْ اِسْتِعْظَامه, أَوْ الْحَثّ عَلَيْهِ, أَوْ الْإِعْجَاب بِهِ وَاللَّه أَعلَم " -شرح صحيح مسلم - و نحن لا ندعي المثالية و نقول: الجمال ليس مطلوب، بل نقول: الجمال مطلوب لكنه ليس كل شيء، فهو مما يمنع من الفرك و ينعكس على الأولاد، لكن أثبتت التجارب أنّ الجمال يتلاشى شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت، فالزوج قد يعتاد هذا الجمال فلا يرى في زوجته ذلك البريق الذي كان يشدّه إليها، بل قد لا يرى الجمال فيها رغم جمالها الذي يلاحظه الآخرون بسبب فظاظة فيها، فيكون جمالها بالنسبة له ليس إلاّ لوحة باردة صامتة لا تحرك به شيء، ومن جهة أخرى فإنّ المرأة فائقة الجمال قد تتكبر على الزوج بجمالها، و قد تضره بحيث قد يتعلق غيره بها و بالتالي لا يأمن عليها، ثم إنّ المرأة لا تحب الرجل الذي يحب المظاهر كثيرا، لأنّه لا يمكن أن يكون زوجاً جيداً، إذ يجعلها تعتقد أنه سينقاد بسهولة إلى أيّ امرأة أجمل منها، فعلى المرأة أن تتأكد من أنّ المتقدم لها يعطي قيمة أكبر لصلاحها وذكائها.
2. الاحترام المتبادل
عندما يتعامل الزوجان بالاحترام المتبادل و على شكل منتظم، فإنّه يتم إنشاء مخزون من النيَّات الحسنة في نفسيهما، والتي هي صمام الأمان في المواقف الساخنة، فيجنبهما الكثير من المشاكل، ثم إنّ الاحترام ينتقل إلى الأطفال ويترعرع فيهم إلى أن يمدوه إلى من بعدهم، وقد كان رسول الله صلى عليه وسلم مثلاً يحتذى به في احترام زوجاته، فقد كان عليه الصلاة و السلام يشاورهنَّ ويأخذ برأيهنَّ، بل امتد احترامه صلى الله عليه وسلم لزوجته إلى احترام صديقاتها، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ يَقُولُ: أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ- رواه مسلم- و يكفي ما روته أم سلمى رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما النساء شقائق الرجال" – رواه أحمد- قال أحد زعماء تميم لمعاوية رضي الله عنه: كيف نطيعك و قد غلبك نصف إنسان؟! - يعني زوجته و كان يحبها حبا شديدا- فقال له: "يا هذا إنهن يغلبن الكرام و يغلبهن اللئام" و ليعلم الزوج المسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ضرب خادمًا و لا زوجًا قط، بل جعل الرسول الكريم ضرب المرأة قدحًا في عدالة الرجل، لحديث فاطمة بنت قيس لمّا جاءت تستشيره صلى الله عليه و سلم في ثلاثة رجال تقدموا لخطبتها، فقال لها: "أما أبو جهم فضراب للنساء" - رواه مسلم- و قد قال الإمام الشافعي بعد أن ذكر جواز ضرب الناشز للتأديب: "ولو ترك الضرب كان أحب إلي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لن يضرب خياركم".
فيجب عليك أيها الزوج أن تحترم زوجتك، و أن تظهر احترامك لها أمام الأهل و الأبناء، احترم آراءها و أفكارها و لا تسخر من طموحاتها و حماستها، تحدث إليها وشاورها في كل الأمور حتى في موضوع لا يستحق المشورة، فمجرد إشعار الطرف الآخر بوجوده له تأثير في النفس، خذ بقرارها عندما تعلم أنّه الصواب وأخبرها بذلك، وإن خالفتها الرأي فاصرفها إلى رأيك بلباقة، لا تفرض عليها اهتماماتك الشخصية فتجعلها دائمًا تابعة تدور في مجرَّتك، بل شجِّعها على أن يكون لها كيانها وتفكيرها وقرارها، فلا يلزم من كونها شديدة التعلق بك أن تشاطرك الرأي في كل الأمور، بل من الصحي أن تخالفك الرأي أحيانا، تعامل معها كإنسانة لها فكر ورؤى وليست كسجد فقط، فالمرأة تكره بل تحتقر نفسها بمجرد أن تشعر أنها مجرَّد أداة استمتاع للرَّجل، انظر معها إلى الحياة من منظار واحد و لا تخجل أبدًا أن تطلب من زوجتك أن تنقل لك خبراتها في موضوع لا تحسنه، أشعرها بقيمتها ودورها الفعال في حياتك، اكتسب منها ما يصدر عنها من تصرفات سامية، فكم من الرجال من ازداد التزاما بسبب زوجته، تطلع دوماً إلى تحسين وضعك المادي والتعليمي من غير أن تنسى طموح زوجتك، فلا تعلو وحيداً وتتركها بعيدة عنك، لا تعاملها معاملة الأطفال لأنّ ذلك يجعلها تعتقد أنك لا تعتمد عليها و لا تؤمن بها كإنسانة واعية وقادرة على تحمل المسؤولية، فتلك إهانة لها، بل عاملها كإنسانة طفلة الروح بالغة العقل.
و اعلم أنّ أخطر الإهانات التي لا تستطيع الزوجة أن تغفرها لك بقلبها، حتى ولو غفرتها لك بلسانها، هي: أن تنفعل فتضربها أو تشتمها أو تشتم أباها أو أمها، احترم والديها وكن مهتمًا بشؤون أسرتها من غير تطفل، فلا تتدخل في كل تفاصيل عائلتها، و إياك أن تطلق على زوجتك أسماء مضحكة، أو تقول لها: أنتم قال فيكم رسول الله "ناقصات عقل و دين!" فحتى لو كانت نواياك سليمة فإنك لن تحظى برد الفعل الذي تطمح إليه، فأقلّ شيء يمكن أن تفعله أنها توجه إليك نظرة قاسية، وحتى و إن أظهرت أنها لا تهتم بما قلته فهي لن تنسى لك أبدا هذا التصرف المشين، لا تذكِّر زوجتك بعيوب صدرت منها في مواقف معينة، ولا تعـيِّرها بتلك الأخطاء خاصة أمام الآخرين، و قبل أن تنتقد اسأل نفسك: هل هذا الأمر يستدعي النقد? هل هذا النقد سيساعد علاقتنا أو يضر بها؟ وإذا راجعتك هي فاستمع إلى نقدها بصدر رحب و اجعل آخر كلمة لها، فلا تجادلها و لا تتحداها، لأنها ستمارس معك أشد أنواع التحدث والعناد حتى تصل لمبتغاها.
و كذلك نقول للمرأة: احترمي زوجك، حافظي على أنوثتك ولا ترفعي صوتك في وجهه أثناء لحظة الغضب، خذي الأسوة من خديجة رضي الله عنها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أتى جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللهِ، هذه خديجةُ قد أَتَتْ، معها إناءٌ فيه إِدامٌ أو طعامٌ أو شرابٌ، فإذا هي أَتَتْكَ فاقَرِأْ عليها السلامَ مِن ربِّها ومنِّي، وبِشِّرْهَا ببيتٍ في الجنةِ مِن قَصَبٍ لا صَخَبٌ فيه ولا نصبٌ" – رواه البخاري- قال ابن كثير رحمه الله معلقا: "لا صخب فيه و لا نصب لأنها لم ترفع صوتها على النبي صلى الله عليه و سلم و لم تتعبه يوما من الدهر فلم تصخب عليه يوما و لا آذته أبدا" فاحفظي لسانك أيتها المباركة عن كل ما يسوء زوجك، واعلمي أنّ أفظع كلمة يسمعها الرجل من زوجته أن تقول له: أنا نادمة على زواجي معك، أو أنا أتحمل حياتي معك فقط من أجل الأطفال، هذا القول لا ينسى و لا يسامح، لا تعيري زوجك بماضيه المتواضع، ولا تنتقدي بشكل لادغ فإنَّ الزوج يشعر حينها بأنَّه طفل يوبخ، فقد يلجأ إلى تعنيفك حتى لا يُرى ضعيفًا أمامك، فلا تنتقدي إلاّ بشكل ايجابي ولطيف و في وقت يكون فيه الزوج مستعد لقبول النقد، لأنّ النقد يستعمل من أجل نمو العلاقة لا للفوز وإيذاء شعور الزوج، لا تكثري عليه من الأسئلة، فامتناع الرجل عن الإجابة على تلك الأسئلة الكثيرة، يشعرك بأنّه يقوم بتصرفات خاطئة وعندها تبدأ الشجارات، لا تتحولي إلى حارس شخصي بحيث تعلقين على كل تصرفاته، فذلك يشعره بالاختناق.
و في الأخير ينبغي أن يعلم الزوجان أنّ كرامة أحدهما هي كرامة الآخر، فأحلى كلمة يسمعها الرجل من زوجته عندما تعتذر إليه مهما كان الخطأ، وهذا ليس إذلال للمرأة و لا تكبر من الرجل كما يصور الشيطان وأعوانه، فكلمة التأسف و الاعتذار لها تأثير عجيب، من شأنها أن تحول الحمرة من حمرة غضب إلى حمرة خجل، و كذلك ينبغي على الزوج أن يعتذر لزوجته إذا أخطأ معها و لا يستكبر عن ذلك، فإنَّ الاعتراف بالحق فضيلة، ثم إنَّ اعتذارك لها يفرحها جدا، ليس لأنها تريد أن تهينك، بل لأنَّ اعتذارك لها يشعرها بمكانتها الغالية في نفسك، فعند حدوث أي موقف ساخن بين الزوجين، يجب على كل واحد منهما أن يتحرى ما يجري على لسانه، و أن يجتنبا السبب و الإهانة و كل ما من شأنه تحقير الآخر وتسفيهه، فغالباً ما تنتهي كل الخلافات وتبقى تلك الكلمات التي لا يستطيع الطرف الآخر أن ينساها، و بخاصة المرأة فإنها حساسة جدًا، ولذلك شبههنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بالقوارير، فالنساء مثل الزجاج في سهولة كسره، و في المقابل فإنّ اللباقة في اللفظ مما يقرب القلوب ويزيد في الود، وإذا كان الله تعالى قد أمرنا بتحسين القول مع الناس "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً" – سورة البقرة: 83 - فكيف بالزوج مع زوجته وبالزوجة مع زوجها!
3. تبادل المشاعر
من السهل أن تعلم المرأة ما إذا كان الرجل معجب بها أو محب لها، فهي تستطيع استخلاص مشاعره حتى ولو كان بارعًا في إخفائها، ولكنها تحب دائما سماع زوجها وهو يعبر عن مشاعره الجياشة تجاهها، فالأنثى تودُّ أن تشعر بأنوثتها مع زوجها، فلا يمنعك الخجل من ذلك، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن خديجة رضي اللَّه عنها:" إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا"- رواه مسلم- و كان صلى الله عليه وسلم يواسي زوجاته و يقرأ مشاعرهن، فعن عائشَةَ رضي اللَّه عنها قالت: قال لي رسول اللَّه صلَّى اللَّه علَيْه وسلَّم:"إنِّي لأَعلم إِذا كنت عَنِّي راضيَةً، وَإِذَا كنت عَلَيَّ غضبى، قالت: فقلت: من أين تَعْرف ذلك ؟ فقال: أَمَّا إِذا كنت عنِّي راضيَةً فإِنَّك تقولِين: لا وربِّ محمَّد، وإِذا كنت عَلَيَّ غَضْبَى قلت: لا وربّ إِبْراهيم، قالت: قلت: أجل واللَّه يا رسول اللَّه، ما أهجر إِلَّا اسمك" - رواه الشيخان- و كان عليه الصلاة والسلام يفتخر بزوجاته، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كمُل من الرِّجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مَريم بنتُ عمران، و آسية امرأةُ فرعون، وفضلُ عائشة على النساء كَفضل الثريد عَلى سَائر الطعام " - رواه الشيخان - وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكر خديجَةَ رضي الله عنها حتى كأنهُ لم يكُن في الدنيا من امرأة سواها، فكان يقول : "إنَّها كَانت، وكَانت، وكَانَ لي منها وَلد"- رواه البخاري-
فينبغي عليك أيها الزوج أن تعلن حبك لزوجتك، لأنّك عندما تخبرها بأنك تحبها فأنت تعلمها أن تحبك، لكن لا تقل لها: "أحبك" دائما وبدون مناسبة، فوقتها المناسب هو عند حدوث موقف مؤثر في الحياة بينكما، فتقولها فيه من أعماق قلبك، المهم لا تكن غامضًا في مشاعرك نحوها، فكم من المحبط أن تقف زوجتك أمام المرآة وقت طويل تتجمل لك كي تحظى بإعجابك، ثم لا تجد منك أي تعبير يدل على أنّك انتبهت إليها حتى، فالمرأة تحب ثناء زوجها عليها، خاصة أمام الأهل و أمام الأولاد و الأقارب، فأظهر إعجابك بها، بأسلوب تفكيرها، بمستواها العلمي، بحسن اعدادها للطعام، بجمالها و أناقتها، بطريقة تصفيف شعرها، بذوقها في انتقاء العطور... فجميل جدًا أن تتغزل في جمال زوجتك لكن الأجمل منه أن تتغزل في عقلها و تفكيرها و أحاسيسها و مشاعرها، وإذا أردت أن تمتلك قلب زوجتك فحدثها كل يوم عن شيء جديد اكتشفته فيها، لأنّ أكبر أمنية عند المرأة أن تجعل زوجها يحبها لذاتها لا لمظهرها، فكم هو جميل أن تنظر إلى زوجتك نظرة دافئة من حين لآخر و تقول لها: كم أنا سعيد لأنك زوجتي، أنت نعمة من الله، أنت هدية الله لي، أنت المرأة الأولى والأخيرة في حياتي، أنت أجمل النساء في نظري، بصراحة فيك صفات جميلة و مريحة بالنسبة لي، قبّل يديها وقل لها: هل أنت سعيدة معي؟ هل أنت مرتاحة معي؟... أشعرها بأنها أهم إنسانة بالنسبة لك ووائم بين حبك لها وحبك لوالديك، وضح لها بأنّ علاقتك بها أمر منفصل عن علاقتك بالأهل، فلا داعٍ للخلط، أوجد لحظات صامتة، تتكلم فيها العيون والقلوب وتصمت فيها الأفواه، ففي ذلك رقة ومتعة وتأثيرا على قلب المرأة، و لكن احذر أن تكون شديد الرقة فتحاول أن تبكى لها لتستدر عطفها، فالمرأة تحتاج إلى من يحميها ويشعرها بالأمان وليس الذي يبكى لها، و لا يلزم من كونك شديد التعلق بها أن تكثر من الاتصال عليها أثناء العمل، فقد تعطيها انطباعاً بأنّك إنسان بلا ضمير تستغل وقت العمل في أغراض شخصية، فهي لا تريد الرجل الذي يترك عمله ومسؤولياته ليتغزل بها، لكنها متى وجدت ضالتها المنشودة في الرجل من الرعاية و الحنان و الحب، فإنها لن تتوانى عن إسعاده و تحقيق كل أحلامه.
و نقول للزوجة: إذا كان زوجك رومانسي، بمعنى أنه يجيد ممارسة الحب و الكلام المعسول و يعبر عما في داخله بسهولة، فاعلمي أنّ هذا الزوج هو هدية العمر لك، فيجب عليك أن تحافظي عليه و أن تكوني أكثر رومانسية منه، لأنّ أخطر شيء يهدد العلاقة الزوجية هو: الكبت و عدم البوح بالمشاعر، فكبتها يؤذي إلى الجفاء و تخزين المشاكل و من تمّ تضخيمها، فلا بد من إبداء مشاعر الحب من الطرفين حتى تبحر سفينة الحياة في بحر الحب، فكما أنّ المرأة تضيق ذرعاً بالرجل الصامت الذي لا يعبر عن مشاعره نحوها، فكذلك الزوج أحيانا يختلق المشاكل دون أي سبب، سوى أنّه أحسّ بالفراغ العاطفي من طرف زوجته، فيلجأ إلى تعنيفها حتى تأتي فتتودد إليه، لأنَّ الحياء قد يمنعه من مصارحتها بذلك، فالرجل يحتاج إلى الحب الذي يحمل معه الثقة به وقبوله كما هو، وهو مع زوجته كالطفل الصغير، يتعامل بالندية، سريع الغضب سريع الرضا، و لهذا يجب على الزوجة أن تخاطبه كطفل قبل أن تخاطبه كرجل.
4. النفقة بالمعروف
تربط المرأة كمال الرجولة بعملية الإنفاق، لأنّ النفقة جعلها الله أحد أسباب قوامة الرجل عليها، قال الله عز وجل:" الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ " – سورة النساء:34- ونفقة الزوج على زوجته واجبة بنص القران الكريم، قال الله تعالى: "وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" -سورة البقرة :233- والمعروف هو المتعارف عليه في عرف الشرع من غير إفراط ولا تفريط، وإنّما استحقت الزوجة هذه النفقة لتمكينها له من الاستمتاع بها، وطاعتها له، والقرار في بيته وتدبير منزله، وحضانة أطفاله وتربية أولاده...وقد حثّ النبي الكريم على التوسعة في النفقة على الأهل، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "أفضَلُ دينار ينفقُه الرجل دينار ينفقُه عَلى أَهله"-رواه مسلم - قال حماد رحمه الله: "رأيت أيوب السختياني لا ينصرف من السوق إلا و معه شيء يحمله لعياله"
فالرجل الكريم مطلب لا يمكن أن تتخلى عنه المرأة أو تساوم عليه، و قديما قالوا: "الكرم يغطي مائة عيب" و ذلك أنّ الكرم مع الزوجة يدلّ على صدق المحبة لها، فحتى لو كانت الزوجة ثرية فلا يليق بالزوج أن يبخل عليها، لأنّها في حاجة إلى الشعور بأنّ زوجها هو البديل الحقيقي لأبيها، فالمرأة لا تحب الرجل البخيل، بل إنّ أبغض ما يمكن أن يتصف به الرجل في نظر المرأة هو البخل، ولا يمكن لرجل آخر أن يرى هذه الصفة بالحجم الذي تراه به المرأة، فالبخل معها يعني لها شيئاً واحد هو أنّك لا تحبها وتصريح جريء ووقح بعدم اهتمامك بها واكتراثك بمشاعرها، و ليعلم الزوج أنّه إذا ما استمر على بخله فإنّه يحوّل أيّ حنان ورقة في قلب المرأة إلى قسوة وسخط لتنفجر يوماً ما، هذا بالإضافة إلى الإثم المترتب على ذلك، فعن عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "كَفى بالمرء إثمَا أن يُضيع من يَقوت" – رواه الامام أحمد و أبو داود وصححه الألباني في المشكاة- قال سفيان الثوري رحمه الله: "يؤمر بالرجل يوم القيامة فيقال هذا عياله أكلوا حسناته".
فإذا ابتليت المرأة بزوج شحيح يمنعها حقها في النفقة بغير مسوغ شرعي، فلها أن تأخذ من ماله ما يكفيها بالمعروف وإن لم تعلمه بذلك، فعن هند بنت عتبة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شَحيح وليس يُعطيني ما يكفيني وَوَلدي إلا ما أخذتُ منه وهو لا يعلم، فقال خُذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" - رواه البخاري- لكن ينبغي أن تعلم المرأة أنّ الحد القاسم في النفقة هو: أن تطعمها إذا طعمت و تلبسها مما لبست، ففي حديث بهز بن حكيم عن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده أنّه قال : "يا رسول الله ! ما حق زوجة أحدنا ؟ قال: أَن تُطعِمَهَا إِذَا طَعِمتَ، وَتَكسُوَهَا إِذَا اكتَسَيتَ، وَلا تَضرِبِ الوَجهَ، وَلا تُقَبِّح، وَلا تَهجُر إِلا فِي البَيتِ " -رواه الإمام أحمد وصححه الألباني- فلا يحق للمرأة أن تثقل على زوجها بالطلبات حتى يلجأ إلى الحرام فتكون سببا في دخوله النار، و رحم الله نساء السلف كانت إحداهنّ ترافق زوجها إلى الباب إذا أراد الخروج وتقول له: "اتق الله فينا و لا تطعمنا من الحرام فإنّ أجسامنا تصبر على الجوع و لا تصبر على النار".
وعلى الزوجة أن تصبر على دخل زوجها المحدود، فتسلم لأمر الله سبحانه وتعالى و تظهر لزوجها الرضا لما يقدمه لها ولا تتهمه بالبخل، و تعلم أنّ زوجها يجمع المال بالجهد والعرق ليوفر لها حياة كريمة، فتضع ذلك في اعتبارها، ينبغي عليها أن تشكر لزوجها و أن تعترف بجميله وما يقدمه لها ولأولادها، فعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَنظر الله إلى امرأة لا تَشكُر لزوجها و هي لا تَستغني عَنه"- رواه النسائي في السنن الكبرى و صححه الألباني- ولتحذر غاية الحذر من كفران العشير، فإنّ أكثر أهل النار من النساء بسببه، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "رأيت النار فلم أر كاليوم منظرًا قط ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: بكفرهنّ، قيل يكفرن بالله؟ قال: يكفرنَ العشير ويكفرنَ الإحسان، لو أحسنتَ إلى إحداهنَّ الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قط " – رواه البخاري- و في مقابل هذا اجتنب أيها الزوج الكريم المنّ في العطاء، بحيث كلما أهديت لزوجتك شيء لا تلبث حتى تقول لها: تذكرين يوم أعطيتك كذا وكذا...هذا المن يجعلها لا تفرح بأي هدية منك، لأنها تعلم أنّك ستمنّ عليها بعد مدة، وكما نقول للزوجة: اختاري الموعد المناسب لمطالبك، لأنّ معظم رفض الأزواج لطلبات زوجاتهم إنما هو بسبب الوقت الذي تطرح فيه، فكذلك نقول للزوج: لا يحسن بك أن تجعل زوجتك تمدّ يدها إليك في كل مرة: أعطيني كذا، أعطيني كذا...هذا يشعرها بالدونية، فمن الأفضل أن تمنحها مالاً تستقل به من راتبك، ثم إنّ هذا المال سينفق عليك بطريقة غير مباشرة، لأنها ستشتري به لباسًا تتزين لك به أو طعامًا تأكله معك.
بحث موجه للمقبلين على الزواج خاصة
إعداد: بوودن دحمان
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله، و على آله و صحبه ومن اتبع هداه، و بعد:
الزواج علاقة روحية، إذا صلحت هذه العلاقة فإنها تمتد إلى الحياة الأخرى بعد الموت، قال الله تعالى:" جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ " -سورة الرعد:23 - فالقصد من العلاقة الزوجية هو الاستمرار وليس الانفصال بعد سنوات قليلة من الزواج، و لدى فإنَّ أول ما يجب على الزوجين التنبه له هو علاقتهما الزوجية قبل أي شيء آخر في الأسرة، حتى الأولاد، لأنّ بقاء المودة سبب لحسن تربيتهم، و الزوجان في بداية أمرهما و لما يعرف أحدهما طبيعة الأخر، تكون بينهما نوع قسوة، فما هو إلا زمن يسير حتى يجعل الله تعالى بينهما المودة و الرحمة، فتزول تلك القسوة، و تكون هذه الزوجة أقرب الناس إليه بعد إن لم يكن يعرفها مطلقا، وكذلك شأن الزوج كما أخبر الله تعالى: "وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" -سورة الروم: 21 - إلاَّ أنَّ حصول هذه المودة و الرحمة هو أمر مقيد بحسن العشرة، و من هنا جاء الخطاب الرباني للمؤمنين: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف" – سورة النساء: 19- لكن مهما سمت أخلاق الرجل، فإنّه بحاجة إلى المرأة التي تقابله بالحب و الرعاية، بل يقال إنّ الاعتناء بالزوج مثل الاعتناء بالزرع تماما، إذا أهمل جفّ ومات وإذا اعتني به نما وترعرع، و لهذا كانت المرأة هي الأخرى مطالبة بحسن المعاشرة، وقد قال الله تعالى:" وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ" – سورة البقرة:228-
و يهدف هذا البحث إلى تحصيل المودة و الألفة في بيوت المسلمين، و ذلك عن طريق اكتساب بعض المهارات في التعامل مع رفيق الذرب، و هو بحث موجة للمقبلين على الزواج خاصة، لأنّ المرحلة الأولى من الحياة الزوجية و إن كانت من أحلى مراحل العمر، إلاَّ أنّه قد يغشاها نوع اضطراب، وذلك أنَّ الرجل عندما يتزوج تتقيد حريته إلى قدر بعيد، بحيث يكون مسئولاً عن شخص آخر يلازمه في حياته كلها، في خروجه و سفره و حضره...و كذلك المرأة إذا تزوجت فإنها تتقيد حريتها إلى حد بعيد، بأن يتدخل شخص آخر في حياتها يأمرها وينهاها، و كل هذا من شأنه أن يحدث اضطرابات نفسية في بداية الزواج، خاصة إذا اقترن معه قلة الخبرة و الصبر وكذا التعرف على العيوب و اكتشاف الشخصيات على حقيقتها.
و الحق أنّ دوافع كتابتي لهذا الموضوع ذاتية محضة، حيث أرى لزامًا عليّ قبل أن أخوض في مضمار الحياة الزوجية معرفة واجباتي نحو الزوجة فأحرص على تأديتها، و أن أعرف حقوقي فلا أطالب بأكثر منها، عسى بذلك أن يشملني حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها من أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم خيركم لأهله " - أخرجه الترمذي – فمفهوم هذا الحديث أنّ مرتبة العبد عند الله إنما هي بحسب معاملته لأهله، لأنّ الخيرية قد تكون مصطنعة في تعامل الإنسان مع الغير، لكنها تظهر على حقيقتها في تعامل الإنسان في بيته، فإذا سمعنا امرأة تثني على زوجها خيرًا، فإننا نحكم عليه بالخيرية مباشرة، و العكس أيضا نجزم بصحته، فهذه حقيقة وقفت عليها و سآخذ بأحسنها إن شاء الله و بتوفيق منه سبحانه.
و قد جمعت في هذا البحث جملة من مقومات العشرة الزوجية على منهاج النبوة، و التي لا قوام ولا دوام للسعادة الزوجية إلاّ بها، وقد استغرق مني ذلك مدة لا يستهان بها من الجمع و الترتيب و البحث و التنقيب، رغم تعمد الاختصار في الإحالة و التوثيق، لأنّ القصد من هذا البحث هو الوعظ و التذكير أكثر مما هو الترجيح و التحرير، والله هو وحده المسؤول أن يوفقنا للعمل بما نقول، إنه ولي ذلك ومولاه.
مقومات العشرة الزوجية على منهاج النبوة
إذا كان المثل الأوروبي يقول: "أول أيام الزواج هي غالبا آخر أيام الحب" فإننا نقول: هذه مقولة أهل الشهوات و الفطر المنحرفة، أمّا في ديننا الحنيف فيقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "لَم نَر للمُتحابين مثلُ النكاح" - رواه ابن ماجه في سننه- قال المناوي في فيض القدير بعد ذكره لهذا الحديث: "إذا نظر رجل لأجنبية وأخذت بمجامع قلبه فنكاحها يورثه مزيد المحبة" إلا أنّ الحب وحده لا يكفي لبناء الأسرة المسلمة، لأنَّه عاطفة عابرة تدوم ما دامت الرغبة و الامتناع- و قد يختنق تحت اللحاف- فالزواج الذي يبنى على الحب وحده لا يتأتى منه خير كثير، كما قال عمر رضي الله عنه "أقل البيوت الذي يُبنى على الحب " فلا بُدَّ من اجتماع الرحمة معه، فإنَّ الرحمة تبقى ثابتة، وإذا كانت المودة تقضي على كل نقص و تغطي كل عيب، فإنّ الرحمة بها يمسك الرجل زوجته إذا فقدت المودة بينهما، فيرحمها بأن يكون لها منه و لد أو تكون محتاجة إليه للإنفاق عليها أو للألفة بينهما، وهذه أهم مقومات العشرة الزوجية على منهاج النبوة، أيما علاقة زوجية قامت عليها، فلا بد أن يكتب لها النجاح و الثبات و إن هبت الأعاصير في المستقبل.
1. حسن الاختيار
لابدّ أن يقوم الزواج على قناعة كافية من الطرفين، فحسن اختيار رفيق الدرب يؤدي إلى نجاح العلاقة الزوجية، و معيار الصلاح هو المعيار الأساسي في اختيار الرجل للمرأة التي يريد أن يتزوجها، والعكس أيضا صحيح، قال تعالى: "وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم" - سورة النور:32- وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على قبول الخاطب إذا كان مرضي الدين والخلق، فقال: "إذا أتاكم من ترضون خُلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" – رواه الترمذي - و قد كان من وصايا أمهات السلف لبناتهن :"تزوجي من يخاف من الله، ولا تخافي منه" فالدين يحجز عن الظلم كما أنّه يحمي من الوقوع في الموبقات التي تكرهها المرأة في زوجها ويكرهها كل عاقل، وفوق ذلك فإنّه يمنح القوة والأمانة، ولو راجعنا قصة ابنة شعيب مع موسى عليه السلام، نجد أنها أحبت فيه القوة والأمانة، فدعت أباها لتشغيله بسببها ثم تزوجها، قال تعالى: " قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" – سورة القصص : 26- فالرجل المتدين مطلب كل امرأة عاقلة، لأنها تعرف أنّه يستوعبها ويتفهم طبيعتها، ينقب عن مواطن الدفء والعاطفة بداخلها، يتأنّى في التعامل مع المشكلات التي تواجهه معها، يأخذ الأمور بروية و يكون بإذن الله أمينًا عليها و على أولادها، إن أحبها أكرمها وإن لم يحبها لم يظلمها، أما الرجل البعيد عن دين الله فهو رجل بلا ضمير، سيكون عدو لنفسه ولمن حوله، يمكن أن يرتكب أي شيء دون أن يتوقف لحظة ليقول: هل هذا صحيح أو عادل ؟ فالمرأة و إن صبرت على هذا النوع من الرجال، فإنها ستفكر يوماً ما و تقول: متى سيكون دوري مع رجل بلا ضمير؟ هذه المرأة لن تشعر مع رجل من هذا النوع بالأمان والراحة، لأنها تعلم أنّه مستعد لطعنها في أي وقت، فلا بد من التبصر في حال الخاطب الذي يتقدم للمرأة المسلمة، لأنّ معرفة طبيعة الزوج يعتبر أكثر أهمية بالنسبة للمرأة، فهي الطرف الأضعف في العلاقة الزوجية، لكن من العقل أن تتغاضي المرأة عن بعض العيوب الصغيرة الموجودة عند الخاطب، خاصة إذا كانت هناك إمكانية منطقية للتغيير بعد الزواج، و أما العيوب الكبيرة: كترك الصلاة، والإدمان على شرب المخدرات، أو الكذب الكثير، وكافتقاره لاحترام الآخرين، وعدم الثقة بالنفس، أو أن يكون رجل متسلط... فيجب أن تنتبه إليها، المهم أن يتوفر الحد الأدنى من التفاهم بين الزوجين لكي يتم الزواج ويسير على طريق مستقيم.
وفي المقابل فإنّ المرأة الصالحة واحدة من أسباب السعادة، و عنْ عَبْدِ الّلهِ بْنِ عَمْرٍو أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الدّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدّنْيَا المَرْأَةُ الصّالِحَةُ" - رواه مسلم- و المرأة الصالحة هي التي إذا نظرت إليها سرّتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها، و لا شكّ أنّ مقاصد الناس تختلف في النكاح، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" -رواه البخاري ومسلم- وقد اختلف العلماء في معنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "تربت يداك" اختلافاً كثيراً ، قال النووي رحمه الله "وَالْأَصحّ الْأَقْوَى الَّذي عَلَيهِ الْمُحقِّقون فِي معنَاه : أَنَّها كلمَة أَصلهَا اِفْتَقَرت, وَلَكِنَّ العَرَب اِعْتَادَت اِستِعمالها غير قَاصدة حَقِيقَة معناهَا الْأَصلِيّ, فَيذْكرُونَ تَرِبَتْ يَدَاك، وَقَاتلَهُ اللَّه, ما أَشْجَعه, ولَا أُم له, ولَا أَب لَك، وَثَكِلَتْهُ أُمّه, وَوَيْل أُمّه , وَمَا أَشْبَهَ هذَا مِنْ أَلْفَاظهمْ يَقُولُونَهَا عِنْد إِنْكَار الشَّيْء, أَوْ الزَّجْر عَنْهُ, أَوْ الذَّمّ عَلَيْهِ, أَوْ اِسْتِعْظَامه, أَوْ الْحَثّ عَلَيْهِ, أَوْ الْإِعْجَاب بِهِ وَاللَّه أَعلَم " -شرح صحيح مسلم - و نحن لا ندعي المثالية و نقول: الجمال ليس مطلوب، بل نقول: الجمال مطلوب لكنه ليس كل شيء، فهو مما يمنع من الفرك و ينعكس على الأولاد، لكن أثبتت التجارب أنّ الجمال يتلاشى شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت، فالزوج قد يعتاد هذا الجمال فلا يرى في زوجته ذلك البريق الذي كان يشدّه إليها، بل قد لا يرى الجمال فيها رغم جمالها الذي يلاحظه الآخرون بسبب فظاظة فيها، فيكون جمالها بالنسبة له ليس إلاّ لوحة باردة صامتة لا تحرك به شيء، ومن جهة أخرى فإنّ المرأة فائقة الجمال قد تتكبر على الزوج بجمالها، و قد تضره بحيث قد يتعلق غيره بها و بالتالي لا يأمن عليها، ثم إنّ المرأة لا تحب الرجل الذي يحب المظاهر كثيرا، لأنّه لا يمكن أن يكون زوجاً جيداً، إذ يجعلها تعتقد أنه سينقاد بسهولة إلى أيّ امرأة أجمل منها، فعلى المرأة أن تتأكد من أنّ المتقدم لها يعطي قيمة أكبر لصلاحها وذكائها.
2. الاحترام المتبادل
عندما يتعامل الزوجان بالاحترام المتبادل و على شكل منتظم، فإنّه يتم إنشاء مخزون من النيَّات الحسنة في نفسيهما، والتي هي صمام الأمان في المواقف الساخنة، فيجنبهما الكثير من المشاكل، ثم إنّ الاحترام ينتقل إلى الأطفال ويترعرع فيهم إلى أن يمدوه إلى من بعدهم، وقد كان رسول الله صلى عليه وسلم مثلاً يحتذى به في احترام زوجاته، فقد كان عليه الصلاة و السلام يشاورهنَّ ويأخذ برأيهنَّ، بل امتد احترامه صلى الله عليه وسلم لزوجته إلى احترام صديقاتها، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ يَقُولُ: أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ- رواه مسلم- و يكفي ما روته أم سلمى رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما النساء شقائق الرجال" – رواه أحمد- قال أحد زعماء تميم لمعاوية رضي الله عنه: كيف نطيعك و قد غلبك نصف إنسان؟! - يعني زوجته و كان يحبها حبا شديدا- فقال له: "يا هذا إنهن يغلبن الكرام و يغلبهن اللئام" و ليعلم الزوج المسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ضرب خادمًا و لا زوجًا قط، بل جعل الرسول الكريم ضرب المرأة قدحًا في عدالة الرجل، لحديث فاطمة بنت قيس لمّا جاءت تستشيره صلى الله عليه و سلم في ثلاثة رجال تقدموا لخطبتها، فقال لها: "أما أبو جهم فضراب للنساء" - رواه مسلم- و قد قال الإمام الشافعي بعد أن ذكر جواز ضرب الناشز للتأديب: "ولو ترك الضرب كان أحب إلي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لن يضرب خياركم".
فيجب عليك أيها الزوج أن تحترم زوجتك، و أن تظهر احترامك لها أمام الأهل و الأبناء، احترم آراءها و أفكارها و لا تسخر من طموحاتها و حماستها، تحدث إليها وشاورها في كل الأمور حتى في موضوع لا يستحق المشورة، فمجرد إشعار الطرف الآخر بوجوده له تأثير في النفس، خذ بقرارها عندما تعلم أنّه الصواب وأخبرها بذلك، وإن خالفتها الرأي فاصرفها إلى رأيك بلباقة، لا تفرض عليها اهتماماتك الشخصية فتجعلها دائمًا تابعة تدور في مجرَّتك، بل شجِّعها على أن يكون لها كيانها وتفكيرها وقرارها، فلا يلزم من كونها شديدة التعلق بك أن تشاطرك الرأي في كل الأمور، بل من الصحي أن تخالفك الرأي أحيانا، تعامل معها كإنسانة لها فكر ورؤى وليست كسجد فقط، فالمرأة تكره بل تحتقر نفسها بمجرد أن تشعر أنها مجرَّد أداة استمتاع للرَّجل، انظر معها إلى الحياة من منظار واحد و لا تخجل أبدًا أن تطلب من زوجتك أن تنقل لك خبراتها في موضوع لا تحسنه، أشعرها بقيمتها ودورها الفعال في حياتك، اكتسب منها ما يصدر عنها من تصرفات سامية، فكم من الرجال من ازداد التزاما بسبب زوجته، تطلع دوماً إلى تحسين وضعك المادي والتعليمي من غير أن تنسى طموح زوجتك، فلا تعلو وحيداً وتتركها بعيدة عنك، لا تعاملها معاملة الأطفال لأنّ ذلك يجعلها تعتقد أنك لا تعتمد عليها و لا تؤمن بها كإنسانة واعية وقادرة على تحمل المسؤولية، فتلك إهانة لها، بل عاملها كإنسانة طفلة الروح بالغة العقل.
و اعلم أنّ أخطر الإهانات التي لا تستطيع الزوجة أن تغفرها لك بقلبها، حتى ولو غفرتها لك بلسانها، هي: أن تنفعل فتضربها أو تشتمها أو تشتم أباها أو أمها، احترم والديها وكن مهتمًا بشؤون أسرتها من غير تطفل، فلا تتدخل في كل تفاصيل عائلتها، و إياك أن تطلق على زوجتك أسماء مضحكة، أو تقول لها: أنتم قال فيكم رسول الله "ناقصات عقل و دين!" فحتى لو كانت نواياك سليمة فإنك لن تحظى برد الفعل الذي تطمح إليه، فأقلّ شيء يمكن أن تفعله أنها توجه إليك نظرة قاسية، وحتى و إن أظهرت أنها لا تهتم بما قلته فهي لن تنسى لك أبدا هذا التصرف المشين، لا تذكِّر زوجتك بعيوب صدرت منها في مواقف معينة، ولا تعـيِّرها بتلك الأخطاء خاصة أمام الآخرين، و قبل أن تنتقد اسأل نفسك: هل هذا الأمر يستدعي النقد? هل هذا النقد سيساعد علاقتنا أو يضر بها؟ وإذا راجعتك هي فاستمع إلى نقدها بصدر رحب و اجعل آخر كلمة لها، فلا تجادلها و لا تتحداها، لأنها ستمارس معك أشد أنواع التحدث والعناد حتى تصل لمبتغاها.
و كذلك نقول للمرأة: احترمي زوجك، حافظي على أنوثتك ولا ترفعي صوتك في وجهه أثناء لحظة الغضب، خذي الأسوة من خديجة رضي الله عنها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أتى جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللهِ، هذه خديجةُ قد أَتَتْ، معها إناءٌ فيه إِدامٌ أو طعامٌ أو شرابٌ، فإذا هي أَتَتْكَ فاقَرِأْ عليها السلامَ مِن ربِّها ومنِّي، وبِشِّرْهَا ببيتٍ في الجنةِ مِن قَصَبٍ لا صَخَبٌ فيه ولا نصبٌ" – رواه البخاري- قال ابن كثير رحمه الله معلقا: "لا صخب فيه و لا نصب لأنها لم ترفع صوتها على النبي صلى الله عليه و سلم و لم تتعبه يوما من الدهر فلم تصخب عليه يوما و لا آذته أبدا" فاحفظي لسانك أيتها المباركة عن كل ما يسوء زوجك، واعلمي أنّ أفظع كلمة يسمعها الرجل من زوجته أن تقول له: أنا نادمة على زواجي معك، أو أنا أتحمل حياتي معك فقط من أجل الأطفال، هذا القول لا ينسى و لا يسامح، لا تعيري زوجك بماضيه المتواضع، ولا تنتقدي بشكل لادغ فإنَّ الزوج يشعر حينها بأنَّه طفل يوبخ، فقد يلجأ إلى تعنيفك حتى لا يُرى ضعيفًا أمامك، فلا تنتقدي إلاّ بشكل ايجابي ولطيف و في وقت يكون فيه الزوج مستعد لقبول النقد، لأنّ النقد يستعمل من أجل نمو العلاقة لا للفوز وإيذاء شعور الزوج، لا تكثري عليه من الأسئلة، فامتناع الرجل عن الإجابة على تلك الأسئلة الكثيرة، يشعرك بأنّه يقوم بتصرفات خاطئة وعندها تبدأ الشجارات، لا تتحولي إلى حارس شخصي بحيث تعلقين على كل تصرفاته، فذلك يشعره بالاختناق.
و في الأخير ينبغي أن يعلم الزوجان أنّ كرامة أحدهما هي كرامة الآخر، فأحلى كلمة يسمعها الرجل من زوجته عندما تعتذر إليه مهما كان الخطأ، وهذا ليس إذلال للمرأة و لا تكبر من الرجل كما يصور الشيطان وأعوانه، فكلمة التأسف و الاعتذار لها تأثير عجيب، من شأنها أن تحول الحمرة من حمرة غضب إلى حمرة خجل، و كذلك ينبغي على الزوج أن يعتذر لزوجته إذا أخطأ معها و لا يستكبر عن ذلك، فإنَّ الاعتراف بالحق فضيلة، ثم إنَّ اعتذارك لها يفرحها جدا، ليس لأنها تريد أن تهينك، بل لأنَّ اعتذارك لها يشعرها بمكانتها الغالية في نفسك، فعند حدوث أي موقف ساخن بين الزوجين، يجب على كل واحد منهما أن يتحرى ما يجري على لسانه، و أن يجتنبا السبب و الإهانة و كل ما من شأنه تحقير الآخر وتسفيهه، فغالباً ما تنتهي كل الخلافات وتبقى تلك الكلمات التي لا يستطيع الطرف الآخر أن ينساها، و بخاصة المرأة فإنها حساسة جدًا، ولذلك شبههنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بالقوارير، فالنساء مثل الزجاج في سهولة كسره، و في المقابل فإنّ اللباقة في اللفظ مما يقرب القلوب ويزيد في الود، وإذا كان الله تعالى قد أمرنا بتحسين القول مع الناس "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً" – سورة البقرة: 83 - فكيف بالزوج مع زوجته وبالزوجة مع زوجها!
3. تبادل المشاعر
من السهل أن تعلم المرأة ما إذا كان الرجل معجب بها أو محب لها، فهي تستطيع استخلاص مشاعره حتى ولو كان بارعًا في إخفائها، ولكنها تحب دائما سماع زوجها وهو يعبر عن مشاعره الجياشة تجاهها، فالأنثى تودُّ أن تشعر بأنوثتها مع زوجها، فلا يمنعك الخجل من ذلك، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن خديجة رضي اللَّه عنها:" إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا"- رواه مسلم- و كان صلى الله عليه وسلم يواسي زوجاته و يقرأ مشاعرهن، فعن عائشَةَ رضي اللَّه عنها قالت: قال لي رسول اللَّه صلَّى اللَّه علَيْه وسلَّم:"إنِّي لأَعلم إِذا كنت عَنِّي راضيَةً، وَإِذَا كنت عَلَيَّ غضبى، قالت: فقلت: من أين تَعْرف ذلك ؟ فقال: أَمَّا إِذا كنت عنِّي راضيَةً فإِنَّك تقولِين: لا وربِّ محمَّد، وإِذا كنت عَلَيَّ غَضْبَى قلت: لا وربّ إِبْراهيم، قالت: قلت: أجل واللَّه يا رسول اللَّه، ما أهجر إِلَّا اسمك" - رواه الشيخان- و كان عليه الصلاة والسلام يفتخر بزوجاته، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كمُل من الرِّجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مَريم بنتُ عمران، و آسية امرأةُ فرعون، وفضلُ عائشة على النساء كَفضل الثريد عَلى سَائر الطعام " - رواه الشيخان - وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكر خديجَةَ رضي الله عنها حتى كأنهُ لم يكُن في الدنيا من امرأة سواها، فكان يقول : "إنَّها كَانت، وكَانت، وكَانَ لي منها وَلد"- رواه البخاري-
فينبغي عليك أيها الزوج أن تعلن حبك لزوجتك، لأنّك عندما تخبرها بأنك تحبها فأنت تعلمها أن تحبك، لكن لا تقل لها: "أحبك" دائما وبدون مناسبة، فوقتها المناسب هو عند حدوث موقف مؤثر في الحياة بينكما، فتقولها فيه من أعماق قلبك، المهم لا تكن غامضًا في مشاعرك نحوها، فكم من المحبط أن تقف زوجتك أمام المرآة وقت طويل تتجمل لك كي تحظى بإعجابك، ثم لا تجد منك أي تعبير يدل على أنّك انتبهت إليها حتى، فالمرأة تحب ثناء زوجها عليها، خاصة أمام الأهل و أمام الأولاد و الأقارب، فأظهر إعجابك بها، بأسلوب تفكيرها، بمستواها العلمي، بحسن اعدادها للطعام، بجمالها و أناقتها، بطريقة تصفيف شعرها، بذوقها في انتقاء العطور... فجميل جدًا أن تتغزل في جمال زوجتك لكن الأجمل منه أن تتغزل في عقلها و تفكيرها و أحاسيسها و مشاعرها، وإذا أردت أن تمتلك قلب زوجتك فحدثها كل يوم عن شيء جديد اكتشفته فيها، لأنّ أكبر أمنية عند المرأة أن تجعل زوجها يحبها لذاتها لا لمظهرها، فكم هو جميل أن تنظر إلى زوجتك نظرة دافئة من حين لآخر و تقول لها: كم أنا سعيد لأنك زوجتي، أنت نعمة من الله، أنت هدية الله لي، أنت المرأة الأولى والأخيرة في حياتي، أنت أجمل النساء في نظري، بصراحة فيك صفات جميلة و مريحة بالنسبة لي، قبّل يديها وقل لها: هل أنت سعيدة معي؟ هل أنت مرتاحة معي؟... أشعرها بأنها أهم إنسانة بالنسبة لك ووائم بين حبك لها وحبك لوالديك، وضح لها بأنّ علاقتك بها أمر منفصل عن علاقتك بالأهل، فلا داعٍ للخلط، أوجد لحظات صامتة، تتكلم فيها العيون والقلوب وتصمت فيها الأفواه، ففي ذلك رقة ومتعة وتأثيرا على قلب المرأة، و لكن احذر أن تكون شديد الرقة فتحاول أن تبكى لها لتستدر عطفها، فالمرأة تحتاج إلى من يحميها ويشعرها بالأمان وليس الذي يبكى لها، و لا يلزم من كونك شديد التعلق بها أن تكثر من الاتصال عليها أثناء العمل، فقد تعطيها انطباعاً بأنّك إنسان بلا ضمير تستغل وقت العمل في أغراض شخصية، فهي لا تريد الرجل الذي يترك عمله ومسؤولياته ليتغزل بها، لكنها متى وجدت ضالتها المنشودة في الرجل من الرعاية و الحنان و الحب، فإنها لن تتوانى عن إسعاده و تحقيق كل أحلامه.
و نقول للزوجة: إذا كان زوجك رومانسي، بمعنى أنه يجيد ممارسة الحب و الكلام المعسول و يعبر عما في داخله بسهولة، فاعلمي أنّ هذا الزوج هو هدية العمر لك، فيجب عليك أن تحافظي عليه و أن تكوني أكثر رومانسية منه، لأنّ أخطر شيء يهدد العلاقة الزوجية هو: الكبت و عدم البوح بالمشاعر، فكبتها يؤذي إلى الجفاء و تخزين المشاكل و من تمّ تضخيمها، فلا بد من إبداء مشاعر الحب من الطرفين حتى تبحر سفينة الحياة في بحر الحب، فكما أنّ المرأة تضيق ذرعاً بالرجل الصامت الذي لا يعبر عن مشاعره نحوها، فكذلك الزوج أحيانا يختلق المشاكل دون أي سبب، سوى أنّه أحسّ بالفراغ العاطفي من طرف زوجته، فيلجأ إلى تعنيفها حتى تأتي فتتودد إليه، لأنَّ الحياء قد يمنعه من مصارحتها بذلك، فالرجل يحتاج إلى الحب الذي يحمل معه الثقة به وقبوله كما هو، وهو مع زوجته كالطفل الصغير، يتعامل بالندية، سريع الغضب سريع الرضا، و لهذا يجب على الزوجة أن تخاطبه كطفل قبل أن تخاطبه كرجل.
4. النفقة بالمعروف
تربط المرأة كمال الرجولة بعملية الإنفاق، لأنّ النفقة جعلها الله أحد أسباب قوامة الرجل عليها، قال الله عز وجل:" الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ " – سورة النساء:34- ونفقة الزوج على زوجته واجبة بنص القران الكريم، قال الله تعالى: "وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" -سورة البقرة :233- والمعروف هو المتعارف عليه في عرف الشرع من غير إفراط ولا تفريط، وإنّما استحقت الزوجة هذه النفقة لتمكينها له من الاستمتاع بها، وطاعتها له، والقرار في بيته وتدبير منزله، وحضانة أطفاله وتربية أولاده...وقد حثّ النبي الكريم على التوسعة في النفقة على الأهل، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "أفضَلُ دينار ينفقُه الرجل دينار ينفقُه عَلى أَهله"-رواه مسلم - قال حماد رحمه الله: "رأيت أيوب السختياني لا ينصرف من السوق إلا و معه شيء يحمله لعياله"
فالرجل الكريم مطلب لا يمكن أن تتخلى عنه المرأة أو تساوم عليه، و قديما قالوا: "الكرم يغطي مائة عيب" و ذلك أنّ الكرم مع الزوجة يدلّ على صدق المحبة لها، فحتى لو كانت الزوجة ثرية فلا يليق بالزوج أن يبخل عليها، لأنّها في حاجة إلى الشعور بأنّ زوجها هو البديل الحقيقي لأبيها، فالمرأة لا تحب الرجل البخيل، بل إنّ أبغض ما يمكن أن يتصف به الرجل في نظر المرأة هو البخل، ولا يمكن لرجل آخر أن يرى هذه الصفة بالحجم الذي تراه به المرأة، فالبخل معها يعني لها شيئاً واحد هو أنّك لا تحبها وتصريح جريء ووقح بعدم اهتمامك بها واكتراثك بمشاعرها، و ليعلم الزوج أنّه إذا ما استمر على بخله فإنّه يحوّل أيّ حنان ورقة في قلب المرأة إلى قسوة وسخط لتنفجر يوماً ما، هذا بالإضافة إلى الإثم المترتب على ذلك، فعن عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "كَفى بالمرء إثمَا أن يُضيع من يَقوت" – رواه الامام أحمد و أبو داود وصححه الألباني في المشكاة- قال سفيان الثوري رحمه الله: "يؤمر بالرجل يوم القيامة فيقال هذا عياله أكلوا حسناته".
فإذا ابتليت المرأة بزوج شحيح يمنعها حقها في النفقة بغير مسوغ شرعي، فلها أن تأخذ من ماله ما يكفيها بالمعروف وإن لم تعلمه بذلك، فعن هند بنت عتبة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شَحيح وليس يُعطيني ما يكفيني وَوَلدي إلا ما أخذتُ منه وهو لا يعلم، فقال خُذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" - رواه البخاري- لكن ينبغي أن تعلم المرأة أنّ الحد القاسم في النفقة هو: أن تطعمها إذا طعمت و تلبسها مما لبست، ففي حديث بهز بن حكيم عن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده أنّه قال : "يا رسول الله ! ما حق زوجة أحدنا ؟ قال: أَن تُطعِمَهَا إِذَا طَعِمتَ، وَتَكسُوَهَا إِذَا اكتَسَيتَ، وَلا تَضرِبِ الوَجهَ، وَلا تُقَبِّح، وَلا تَهجُر إِلا فِي البَيتِ " -رواه الإمام أحمد وصححه الألباني- فلا يحق للمرأة أن تثقل على زوجها بالطلبات حتى يلجأ إلى الحرام فتكون سببا في دخوله النار، و رحم الله نساء السلف كانت إحداهنّ ترافق زوجها إلى الباب إذا أراد الخروج وتقول له: "اتق الله فينا و لا تطعمنا من الحرام فإنّ أجسامنا تصبر على الجوع و لا تصبر على النار".
وعلى الزوجة أن تصبر على دخل زوجها المحدود، فتسلم لأمر الله سبحانه وتعالى و تظهر لزوجها الرضا لما يقدمه لها ولا تتهمه بالبخل، و تعلم أنّ زوجها يجمع المال بالجهد والعرق ليوفر لها حياة كريمة، فتضع ذلك في اعتبارها، ينبغي عليها أن تشكر لزوجها و أن تعترف بجميله وما يقدمه لها ولأولادها، فعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَنظر الله إلى امرأة لا تَشكُر لزوجها و هي لا تَستغني عَنه"- رواه النسائي في السنن الكبرى و صححه الألباني- ولتحذر غاية الحذر من كفران العشير، فإنّ أكثر أهل النار من النساء بسببه، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "رأيت النار فلم أر كاليوم منظرًا قط ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: بكفرهنّ، قيل يكفرن بالله؟ قال: يكفرنَ العشير ويكفرنَ الإحسان، لو أحسنتَ إلى إحداهنَّ الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قط " – رواه البخاري- و في مقابل هذا اجتنب أيها الزوج الكريم المنّ في العطاء، بحيث كلما أهديت لزوجتك شيء لا تلبث حتى تقول لها: تذكرين يوم أعطيتك كذا وكذا...هذا المن يجعلها لا تفرح بأي هدية منك، لأنها تعلم أنّك ستمنّ عليها بعد مدة، وكما نقول للزوجة: اختاري الموعد المناسب لمطالبك، لأنّ معظم رفض الأزواج لطلبات زوجاتهم إنما هو بسبب الوقت الذي تطرح فيه، فكذلك نقول للزوج: لا يحسن بك أن تجعل زوجتك تمدّ يدها إليك في كل مرة: أعطيني كذا، أعطيني كذا...هذا يشعرها بالدونية، فمن الأفضل أن تمنحها مالاً تستقل به من راتبك، ثم إنّ هذا المال سينفق عليك بطريقة غير مباشرة، لأنها ستشتري به لباسًا تتزين لك به أو طعامًا تأكله معك.