هدي خير البشر
في أكل التمر
الحمد لله رب العالمين، أرسل رسوله أسوة للناس أجمعين، وصلى الله وسلم على نبيه الأمين، علم الناس خير الدارين، وعلى آله الطاهرين، وصحبه الغر الميامين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن الله تعالى شرع لعباده دين الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران 19]، وأرسل رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام، مبلغا معلما الناس ما تضمنه هذا الدين من أحكام، فكمل الله دينه وبلغ حد التمام {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة 3].
وأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالاقتداء بنبيه الكريم، في أقواله وأفعاله، إذ هو معصوم صلوات الله وسلامه عليه، فلا يقول إلا خيرا، ولا يفعل إلا خيرا {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب 21].
نتبعه صلوات الله وسلامه عليه في توحيده وعقيدته، وعبادته، وسنته، آدابه وأخلاقه، إذ هي أكرم الأخلاق حيث زكاها رب العالمين فقال {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم 4].
ومن تلكم الآداب : أدبه صلوات الله وسلامه عليه في الأكل والشرب، وبالأخص في أكله التمر وهذا موضوع هذه الأسطر.
وكان سبب اختياري هذا الموضوع حاجة الناس إليه في هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان، إذ من سنة النبي صلى الله عليه الإفطار عليه والتسحر به.
بل كان صلوات الله وسلامه عليه غالبا ما يأكله عامه كله، ففي الصحيحن –واللفظ للبخاري- عن عائشة رضي الله عنها قالت : "ما أكل آل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر".
وعند مسلم : "ما شبع".
وروى البخاري في صحيحه عنها رضي الله عنها، أنها قالت لعروة : ابن أختي "إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار"، فقلت يا خالة : ما كان يعيشكم؟ قالت : "الأسودان : التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم ، فيسقينا".
وهذا لقلة يده صلى الله وسلم عليه، ولأن التمر كان الطعام الغالب المنتشر في المدينة، فهو من أرخص الأطعمة، فيطعمه كل الناس بأصنافهم.
ولبركة هذا الطعم رغب النبي صلى الله عليه وسلم وجوده في بيوت الناس استحبابا فقال : "يا عائشة، بيت لا تمر فيه جياع أهله، يا عائشة، بيت لا تمر فيه جياع أهله" أو "جاع أهله" قالها مرتين أو ثلاثا. رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها.
وله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يجوع أهل بيت عندهم التمر".
وكان صلوات الله عليه يخصص أكله في بعض الأزمنة والأوقات، كما في شهر رمضان، حيث دلت السنة على استحباب الإفطار والتسحر على التمر.
أما إفطاره عليه :
فقد رغب في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا.
روى الترمذي في سننه عن سلمان بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء، فإن الماء طهور" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (746). وهذا من قيله صلى الله عليه وسلم.
وأما من فعله :
فلما روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن أنس بن مالك قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات، فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء". صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (4770).
وكان هذا لحكمة منه صلى الله عليه وسلم.
قال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي (3/443) : "وإنما شرع الإفطار بالتمر؛ لأنه حلو، وكل حلو يقوي البصر الذي يضعفه بالصوم، وهذا أحسن ما قيل في المناسبة".
واستحب صلى الله عليه وسلم التسحر بالتمر،فقد روى ابن حبان وأبو داود والبيهقي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : "نعم سحور المؤمن التمر" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (6772).
والتمر له أحكام وآداب الطعام العامة، من تسمية وأكل باليمين، وحمد الله بعد الأكل، ولعق الاصابع وغيرها. إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خصه ببعض الآداب –وهذا كان سبب كتابة هذه الأسطر- للمنفرد بالأكل ولمن أكل مع الجماعة.
ومن هذه الآداب :
استحباب وضع النوى في غير الإناء الذي كان فيه التمر :
روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن بسر قال : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي، قال : فقربنا إليه طعاما ووطبة، فأكل منها، ثم أتي بتمر فكان يأكله ويلقي النوى بين إصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى -قال شعبة : هو ظني وهو فيه إن شاء الله إلقاء النوى بين الإصبعين- ثم أتي بشراب فشربه، ثم ناوله الذي عن يمينه، قال : فقال أبي : وأخذ بلجام دابته، ادع الله لنا، فقال : "اللهم، بارك لهم في ما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم".
وقد بوب له النووي رحمه الله بقوله :"باب استحباب وضع النوى خارج التمر".
وقال رحمه الله (13/252) : "وقوله (ويلقي النوى بين أصبعيه) أي : يجعله بينهما لقلته، ولم يلقه في إناء التمر لئلا يختلط بالتمر، وقيل : كان يجمعه على ظهر الأصبعين ثم يرمي به".
قال القاضي عياض رحمه الله في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/525) : "وفيه أنه لم يلقه في التمر لنهيه عن ذلك لما فيه من إفساد الطعام، وخلطه بغيره مما يطرح فيه، وهذه سنة، وفيه أنه لم يلق النوى من حوله وفي المنزل فيزيل نظافته فيه الكناسات، وهذا من المروءة".
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح مسلم (10/249) : "في هذا : أن النوى لا يوضع مع التمر؛ لأنه يكرهه وتتقزز النفس منه، وإنما يضعه في السفرة، ولكن كيف يلقيه؟
الجواب : كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يضع النواة بين السبابة والوسطى، ثم يلقيها؛ لأنها هنا أبعد من أن تكون في داخل اليد؛ لأن اليد يتناول بها التمر، فيكون هذا أنظف".
هذا ما يسر الله تعالى جمعه ونشرهن وفقنا الله للعمل بسنة نبينا صلوات الله وسلامه عليه.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا للصيام والقيام إيمانا واحتسابا على أكمل وجه إنه جواد كريم.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
أبو البراء يوسف صفصاف
09 رمضان 1438
الموافق لـ 04 جوان 2017
الحمد لله رب العالمين، أرسل رسوله أسوة للناس أجمعين، وصلى الله وسلم على نبيه الأمين، علم الناس خير الدارين، وعلى آله الطاهرين، وصحبه الغر الميامين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن الله تعالى شرع لعباده دين الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران 19]، وأرسل رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام، مبلغا معلما الناس ما تضمنه هذا الدين من أحكام، فكمل الله دينه وبلغ حد التمام {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة 3].
وأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالاقتداء بنبيه الكريم، في أقواله وأفعاله، إذ هو معصوم صلوات الله وسلامه عليه، فلا يقول إلا خيرا، ولا يفعل إلا خيرا {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب 21].
نتبعه صلوات الله وسلامه عليه في توحيده وعقيدته، وعبادته، وسنته، آدابه وأخلاقه، إذ هي أكرم الأخلاق حيث زكاها رب العالمين فقال {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم 4].
ومن تلكم الآداب : أدبه صلوات الله وسلامه عليه في الأكل والشرب، وبالأخص في أكله التمر وهذا موضوع هذه الأسطر.
وكان سبب اختياري هذا الموضوع حاجة الناس إليه في هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان، إذ من سنة النبي صلى الله عليه الإفطار عليه والتسحر به.
بل كان صلوات الله وسلامه عليه غالبا ما يأكله عامه كله، ففي الصحيحن –واللفظ للبخاري- عن عائشة رضي الله عنها قالت : "ما أكل آل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر".
وعند مسلم : "ما شبع".
وروى البخاري في صحيحه عنها رضي الله عنها، أنها قالت لعروة : ابن أختي "إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار"، فقلت يا خالة : ما كان يعيشكم؟ قالت : "الأسودان : التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم ، فيسقينا".
وهذا لقلة يده صلى الله وسلم عليه، ولأن التمر كان الطعام الغالب المنتشر في المدينة، فهو من أرخص الأطعمة، فيطعمه كل الناس بأصنافهم.
ولبركة هذا الطعم رغب النبي صلى الله عليه وسلم وجوده في بيوت الناس استحبابا فقال : "يا عائشة، بيت لا تمر فيه جياع أهله، يا عائشة، بيت لا تمر فيه جياع أهله" أو "جاع أهله" قالها مرتين أو ثلاثا. رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها.
وله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يجوع أهل بيت عندهم التمر".
وكان صلوات الله عليه يخصص أكله في بعض الأزمنة والأوقات، كما في شهر رمضان، حيث دلت السنة على استحباب الإفطار والتسحر على التمر.
أما إفطاره عليه :
فقد رغب في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا.
روى الترمذي في سننه عن سلمان بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء، فإن الماء طهور" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (746). وهذا من قيله صلى الله عليه وسلم.
وأما من فعله :
فلما روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن أنس بن مالك قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات، فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء". صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (4770).
وكان هذا لحكمة منه صلى الله عليه وسلم.
قال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي (3/443) : "وإنما شرع الإفطار بالتمر؛ لأنه حلو، وكل حلو يقوي البصر الذي يضعفه بالصوم، وهذا أحسن ما قيل في المناسبة".
واستحب صلى الله عليه وسلم التسحر بالتمر،فقد روى ابن حبان وأبو داود والبيهقي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : "نعم سحور المؤمن التمر" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (6772).
والتمر له أحكام وآداب الطعام العامة، من تسمية وأكل باليمين، وحمد الله بعد الأكل، ولعق الاصابع وغيرها. إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خصه ببعض الآداب –وهذا كان سبب كتابة هذه الأسطر- للمنفرد بالأكل ولمن أكل مع الجماعة.
ومن هذه الآداب :
استحباب وضع النوى في غير الإناء الذي كان فيه التمر :
روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن بسر قال : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي، قال : فقربنا إليه طعاما ووطبة، فأكل منها، ثم أتي بتمر فكان يأكله ويلقي النوى بين إصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى -قال شعبة : هو ظني وهو فيه إن شاء الله إلقاء النوى بين الإصبعين- ثم أتي بشراب فشربه، ثم ناوله الذي عن يمينه، قال : فقال أبي : وأخذ بلجام دابته، ادع الله لنا، فقال : "اللهم، بارك لهم في ما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم".
وقد بوب له النووي رحمه الله بقوله :"باب استحباب وضع النوى خارج التمر".
وقال رحمه الله (13/252) : "وقوله (ويلقي النوى بين أصبعيه) أي : يجعله بينهما لقلته، ولم يلقه في إناء التمر لئلا يختلط بالتمر، وقيل : كان يجمعه على ظهر الأصبعين ثم يرمي به".
قال القاضي عياض رحمه الله في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/525) : "وفيه أنه لم يلقه في التمر لنهيه عن ذلك لما فيه من إفساد الطعام، وخلطه بغيره مما يطرح فيه، وهذه سنة، وفيه أنه لم يلق النوى من حوله وفي المنزل فيزيل نظافته فيه الكناسات، وهذا من المروءة".
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح مسلم (10/249) : "في هذا : أن النوى لا يوضع مع التمر؛ لأنه يكرهه وتتقزز النفس منه، وإنما يضعه في السفرة، ولكن كيف يلقيه؟
الجواب : كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يضع النواة بين السبابة والوسطى، ثم يلقيها؛ لأنها هنا أبعد من أن تكون في داخل اليد؛ لأن اليد يتناول بها التمر، فيكون هذا أنظف".
هذا ما يسر الله تعالى جمعه ونشرهن وفقنا الله للعمل بسنة نبينا صلوات الله وسلامه عليه.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا للصيام والقيام إيمانا واحتسابا على أكمل وجه إنه جواد كريم.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
أبو البراء يوسف صفصاف
09 رمضان 1438
الموافق لـ 04 جوان 2017